ج 35.و36.البداية
والنهاية لابن كثير
ج 35. البداية
والنهاية
تأليف: عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (774 هـ).
تَمُرُ، وَهُمْ كُلُّهُمْ فِي لَبْسٍ
وَأَسْلِحَةٍ تَامَّةٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا خَائِفٌ مِنَ الْآخَرِ أَنْ يُمْسِكَهُ،
فَدَخَلَ هَذَا دَارَ السَّعَادَةِ، وَرَاحَ الْآخَرُ إِلَى الْقَصْرِ
الْأَبْلَقِ، وَلَمَّا كَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ قَدِمَ مَنْجَكُ وَأَسَنْدَمُرُ
نَائِبَا السَّلْطَنَةِ بِدِمَشْقَ - كَانَا - وَهُمَا مَغْلُوبَانِ قَدْ
كَسَرَهُمَا مَنْ كَانَ قَدِمَ عَلَى مَنْجَكَ مِنَ الْعَسَاكِرِ الَّتِي
جَهَّزَهَا بَيْدَمُرُ إِلَى مَنْجَكَ قُوَّةً لَهُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ،
وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى يَدَيِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ تَمُرَ حَاجِبِ
الْحُجَّابِ، وَيُعْرَفُ بِالْمَهْمَنْدَارِ، قَالَ لِمَنْجَكَ: كُلُّنَا فِي خِدْمَةِ
مَنْ بِمِصْرَ، وَنَحْنُ لَا نُطِيعُكَ عَلَى نُصْرَةِ بَيْدَمُرَ، فَتَقَاوَلَا
ثُمَّ تَقَاتَلَا، فَهُزِمَ مَنْجَكُ، وَذَهَبَ تَمُرُ وَمَنْجَكُ وَمَنْ كَانَ
مَعَهُمَا كَابْنِ صُبْحٍ، وَطَيْدَمُرَ إِلَى الْمِصْرِيِّينَ. وَلَمَّا أَصْبَحَ
الصَّبَاحُ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ خَامِسَ عَشَرَ لَمْ يُوجَدْ لِتُومَانَ
تَمُرَ، وَطُنَيْرِقَ، وَلَا أَحَدٍ مِنْ أُمَرَاءِ دِمَشْقَ عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ،
بَلْ قَدْ ذَهَبُوا كُلُّهُمْ إِلَى طَاعَةِ صَاحِبِ مِصْرَ، وَلَمْ يَبْقَ
بِدِمَشْقَ مِنَ أُمَرَائِهَا سِوَى ابْنِ قَرَاسُنْقُرَ مِنَ الْأُمَرَاءِ
الْمُقَدَّمِينَ، وَسِوَى بَيْدَمُرَ، وَمَنْجَكَ، وَأَسَنْدَمُرَ، وَالْقَلْعَةُ
قَدْ هُيِّئَتْ، وَالْمَجَانِيقُ مَنْصُوبَةٌ عَلَى حَالِهَا، وَالنَّاسُ فِي
خَوْفٍ شَدِيدٍ مِنْ دُخُولِ بَيْدَمُرَ إِلَى الْقَلْعَةِ، فَيَحْصُلُ بَعْدَ
ذَلِكَ عِنْدَ قُدُومِ الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ حِصَارٌ، وَتَعَبٌ، وَمَشَقَّةٌ
عَلَى النَّاسِ، وَاللَّهُ يُحْسِنُ الْعَاقِبَةَ.
وَلَمَّا كَانَ فِي أَثْنَاءِ نَهَارِ الِاثْنَيْنِ خَامِسَ عَشَرَهُ دَقَّتِ
الْبَشَائِرُ فِي الْقَلْعَةِ، وَأُظْهِرَ أَنْ يَلْبُغَا الْخَاصِّكِيَّ قَدْ
نَفَاهُ السُّلْطَانُ إِلَى الشَّامِ، ثُمَّ ضُرِبَتْ وَقْتَ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ
بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ أَيْضًا، وَفِي كُلِّ
ذَلِكَ يَرْكَبُ الْأُمَرَاءُ الثَّلَاثَةُمَنْجَكُ، وَبَيْدَمُرُ، وَأَسَنْدَمُرُ
مُلْبِسِينَ، وَيَخْرُجُونَ إِلَى خَارِجِ الْبَلَدِ ثُمَّ يَعُودُونَ، وَالنَّاسُ
فِيمَا يُقَالُ مَا بَيْنَ مُصَدِّقٍ وَمُكَذِّبٍ، وَلَكِنْ قَدْ شُرِعَ إِلَى
تَسْتِيرِ الْقَلْعَةِ
وَتَهَيُّؤِ الْحِصَارِ، فَإِنَّا
لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ هَذِهِ الْبَشَائِرَ
لَا حَقِيقَةَ لَهَا، فَاهْتَمَّ فِي عَمَلِ سَتَائِرِ الْقَلْعَةِ، وَحَمْلِ
الزَّلَطِ، وَالْأَحْجَارِ، وَالْأَغْنَامِ وَالْحَوَاصِلِ إِلَيْهَا، وَقَدْ
وَرَدَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ الرِّكَابَ الشَّرِيفَ السُّلْطَانِيَّ وَصُحْبَتَهُ
يَلْبُغَا فِي جَمِيعِ جَيْشِ مِصْرَ قَدْ عَدَّا غَزَّةَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ خَرَجَ
الصَّاحِبُ، وَكَاتِبُ السِّرِّ، وَالْقَاضِي الشَّافِعِيُّ، وَنَاظِرُ الْجَيْشِ،
وَنُقَبَاؤُهُ، وَمُتَوَلِّي الْبَلَدِ، وَتَوَجَّهُوا تِلْقَاءَ حَمَاةَ
لِتَلَقِّي الْأَمِيرِ عَلِيٍّ الَّذِي قَدْ جَاءَهُ تَقْلِيدُ دِمَشْقَ، وَبَقِيَ
الْبَلَدُ شَاغِرًا عَنْ حَاكِمٍ فِيهَا سِوَى الْمُحْتَسِبِ، وَبَعْضِ
الْقُضَاةِ، وَالنَّاسُ كَغَنَمٍ لَا رَاعِيَ لَهُمْ، وَمَعَ هَذَا الْأَحْوَالُ
صَالِحَةٌ، وَالْأُمُورُ سَاكِنَةٌ، لَا يَعْدُو أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ فِيمَا
بَلَغْنَا هَذَا، وَبَيْدَمُرُ وَمَنْجَكُ وَأَسَنْدَمُرُ فِي تَحْصِينِ
الْقَلْعَةِ، وَتَحْصِيلِ الْعُدَدِ وَالْأَقْوَاتِ فِيهَا، وَاللَّهُ غَالِبٌ
عَلَى أَمْرِهِ [ يُوسُفَ: 21 ] أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ
كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [ النِّسَاءِ: 78 ]، وَالسَّتَائِرُ تُعْمَلُ
فَوْقَ الْأَبْرَجَةِ، وَصَلَّى الْأَمِيرُ بَيْدَمُرُ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ
تَاسِعَ عَشَرَ الشَّهْرِ فِي الشُّبَّاكِ الْكَمَالِيِّ فِي مَشْهَدِ عُثْمَانَ،
وَصَلَّى عِنْدَهُ مَنْجَكُ إِلَى جَانِبِهِ دَاخِلَ مَوْضِعِ الْقُضَاةِ،
وَلَيْسَ هُنَاكَ أَحَدٌ مِنَ الْحَجَبَةِ، وَلَا مِنَ النُّقَبَاءِ، وَلَيْسَ فِي
الْبَلَدِ أَحَدٌ مِنَ الْمُبَاشِرِينَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَا مِنَ الْجُنْدِ
إِلَّا الْقَلِيلُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ سَافَرُوا إِلَى نَاحِيَةِ السُّلْطَانِ،
وَالْمُبَاشِرُونَ إِلَى نَاحِيَةِ حَمَاةَ لِتَلَقِّي الْأَمِيرِ عَلِيٍّ نَائِبِ
الشَّامِ الْمَحْرُوسِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْقَلْعَةِ، وَلَمْ يَحْضُرِ
الصَّلَاةَ أَسَنْدَمُرُ; لِأَنَّهُ قِيلَ: كَانَ مُنْقَطِعًا; قَدْ صَلَّى فِي
الْقَلْعَةِ.
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ الْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ وَصَلَ الْبَرِيدُ مِنْ
جِهَةِ السُّلْطَانِ مِنْ أَبْنَاءِ
الرَّسُولِ إِلَى نَائِبِ دِمَشْقَ
يَسْتَعْلِمُ طَاعَتَهُ أَوْ مُخَالَفَتَهُ، وَتَعَتَّبَ عَلَيْهِ فِيمَا
اعْتَمَدَهُ مِنَ اسْتِحْوَاذِهِ عَلَى الْقَلْعَةِ وَتَحْصِينِهَا، وَادِّخَارِ
الْآلَاتِ وَالْأَطْعِمَاتِ فِيهَا، وَنَصْبِ الْمَجَانِيقِ وَالسَّتَائِرِ
عَلَيْهَا، وَكَيْفَ تَصَرَّفَ فِي الْأَمْوَالِ السُّلْطَانِيَّةِ تَصَرُّفَ
الْمُلَّاكِ وَالْمُلُوكِ، فَتَنَصَّلَ مَلِكُ الْأُمَرَاءِ مِنْ ذَلِكَ، وَذَكَرَ
أَنَّهُ إِنَّمَا أَرْصَدَ فِي الْقَلْعَةِ جَنَادِتَهَا، وَأَنَّهُ لَمْ
يَدْخُلْهَا، وَأَنَّ أَبْوَابَهَا مَفْتُوحَةٌ، وَهِيَ قَلْعَةُ السُّلْطَانِ،
وَإِنَّمَا لَهُ غَرِيمٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ الشَّرْعُ وَالْقُضَاةُ
الْأَرْبَعَةُ - يَعْنِي بِذَلِكَ يَلْبُغَا - وَكَتَبَ بِالْجَوَابِ وَأَرْسَلَهُ
صُحْبَةَ الْبَرِيدِيِّ، وَهُوَ كَيْكَلِدِي مَمْلُوكُ يَقْطِيَةَ الدَّوَادَارِ،
وَأَرْسَلَ فِي صُحْبَتِهِ الْأَمِيرَ صَارِمَ الدِّينِ أَحَدَ أُمَرَاءِ
الْعَشَرَاتِ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ تُصْبِحُ
أَبْوَابُ الْبَلَدِ مُغْلَقَةً إِلَى قُرَيْبِ الظُّهْرِ، وَلَيْسَ ثُمَّ
مَفْتُوحٌ سِوَى بَابَيِ النَّصْرِ وَالْفَرَجِ، وَالنَّاسُ فِي حَصْرٍ شَدِيدٍ
وَانْزِعَاجٍ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلَكِنْ قَدِ
اقْتَرَبَ وُصُولُ السُّلْطَانِ وَالْعَسَاكِرِ الْمَنْصُورَةِ. وَفِي صَبِيحَةِ
الْأَرْبِعَاءِ أَصْبَحَ الْحَالُ كَمَا كَانَ وَأَزِيدَ، وَنَزَلَ الْأَمِيرُ
سَيْفُ الدِّينِ يَلْبُغَا الْخَاصِّكِيُّ بِقُبَّةِ يَلْبُغَا، وَامْتَدَّ طُلْبُهُ
مِنْ سَيْفِ دَارَيًا إِلَى الْقُبَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ،
وَهَيْئَةٍ حَسَنَةٍ، وَتَأَخَّرَ الرِّكَابُ الشَّرِيفُ بِتَأَخُّرِهِ عَنِ
الصَّنَمَيْنِ بَعْدُ، وَدَخَلَ بَيْدَمُرُ فِي هَذَا الْيَوْمِ إِلَى
الْقَلْعَةِ، وَتَحَصَّنَ بِهَا، وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الْخَامِسِ
وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ اسْتَمَرَّتِ الْأَبْوَابُ كُلُّهَا مُغَلَّقَةً سِوَى
بَابَيِ النَّصْرِ وَالْفَرَجِ، وَضَاقَ النِّطَاقُ، وَانْحَصَرَ النَّاسُ جِدًّا،
وَقَطَعَ الْمِصْرِيُّونَ نَهْرَ بَانَاسَ
وَالْفَرْعَ الدَّاخِلَ إِلَيْهَا،
وَإِلَى دَارِ السَّعَادَةِ مِنَ الْقَنَوَاتِ، وَاحْتَاجُوا لِذَلِكَ أَنْ
يَقْطَعُوا الْقَنَوَاتِ لِيَسُدُّوا الْفَرْعَ الْمَذْكُورَ، فَانْزَعَجَ أَهْلُ
الْبَلَدِ لِذَلِكَ، وَمَلَئُوا مَا فِي بُيُوتِهِمْ مِنْ بِرَكِ الْمَدَارِسِ
وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَبِيعَتِ الْقِرْبَةُ بِدِرْهَمٍ، وَالْحُقُّ بِنِصْفٍ، ثُمَّ
أُرْسِلَتِ الْقَنَوَاتُ وَقْتَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمَئِذٍ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
وَالْمِنَّةُ - فَانْشَرَحَ النَّاسُ لِذَلِكَ، وَأَصْبَحَ الصَّبَاحُ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ، وَالْأَبْوَابُ مُغْلَقَةٌ، وَلَمْ يُفْتَحْ بَابَا النَّصْرِ
وَالْفَرَجِ إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِزَمَانٍ، فَأَرْسَلَ يَلْبُغَا
مِنْ جِهَتِهِ أَرْبَعَةَ أُمَرَاءَ، وَهُمُ الْأَمِيرُ زَيْنُ الدِّينِ زُبَالَةُ
الَّذِي كَانَ نَائِبَ الْقَلْعَةِ، وَالْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ بْنُ
الْكَامِلِ، وَالشَّيْخُ عَلِيٌّ الَّذِي كَانَ نَائِبَ الرَّحْبَةِ مِنْ جِهَةِ
بَيْدَمُرَ، وَأَمِيرٌ آخَرُ، فَدَخَلُوا الْبَلَدَ، وَكَسَرُوا أَقْفَالَ
أَبْوَابِ الْبَلَدِ وَفَتَحُوا الْأَبْوَابَ، فَلَمَّا رَأَى بَيْدَمُرُ ذَلِكَ
أَرْسَلَ مَفَاتِيحَ الْبَلَدِ إِلَيْهِمْ.
وُصُولُ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ إِلَى الْمِصْطَبَةِ غَرْبِيَّ
عَقَبَةِ سُجُورَا
كَانَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ
رَمَضَانَ فِي جَحَافِلَ عَظِيمَةِ كَالْجِبَالِ، فَنَزَلَ عِنْدَ الْمِصْطَبَةِ
الْمَنْسُوبَةِ إِلَى عَمِّ أَبِيهِ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ خَلِيلِ بْنِ
الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ، وَجَاءَتِ الْأُمَرَاءُ وَنُوَّابُ الْبِلَادِ
لِتَقْبِيلِ يَدِهِ وَالْأَرْضِ بَيْنَ يَدَيْهِ; كَنَائِبِ حَلَبَ، وَنَائِبِ
حَمَاةَ وَهُوَ الْأَمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ الْمَارِدَانِيُّ، وَقَدْ عُيِّنَ
لِنِيَابَةِ دِمَشْقَ، وَكُتِبَ تَقْلِيدُهُ بِذَلِكَ، وَأُرْسِلَ إِلَيْهِ وَهُوَ
بِحَمَاةَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ
السَّبْتِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ
مِنْهُ خَلَعَ عَلَى الْأَمِيرِ عَلَاءِ الدِّينِ عَلِيٍّ الْمَارِدَانِيِّ
بِنِيَابَةِ دِمَشْقَ، وَأُعِيدَ إِلَيْهَا عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ، ثُمَّ هَذِهِ
الْكَرَّةُ الثَّالِثَةُ، وَقَبَّلَ يَدَ السُّلْطَانِ، وَرَكِبَ عَنْ يَمِينِهِ،
وَخَرَجَ أَهْلُ الْبَلَدِ لِتَهْنِئَتِهِ، هَذَا وَالْقَلْعَةُ مُحَصَّنَةٌ
بِيَدِ بَيْدَمُرَ، وَقَدْ دَخَلَهَا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَاحْتَمَى بِهَا
هُوَ، وَمَنْجَكُ، وَأَسَنْدَمُرُ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأَعْوَانِ بِهَا،
وَلِسَانُ حَالِ الْقَدَرِ يَقُولُ: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ
وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [ النِّسَاءِ: 78 ].
وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ طُلِبَ قُضَاةُ الْقُضَاةِ، وَأُرْسِلُوا إِلَى
بَيْدَمُرَ وَذَوِيهِ بِالْقَلْعَةِ لِيُصَالِحُوهُ عَلَى شَيْءٍ يَشْتَرِطُونَهُ،
فَكَانَ مَا سَنَذْكُرُهُ.
سَبَبُ خُرُوجِ بَيْدَمُرَ مِنَ الْقَلْعَةِ وَصِفَةُ ذَلِكَ
لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ أُرْسِلَ قُضَاةُ
الْقُضَاةِ، وَمَعَهُمُ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ
الْحَنْبَلِيُّ، وَالشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ الْحَنَفِيُّ قَاضِي
الْعَسْكَرِ الْمِصْرِيِّ لِلْحَنَفِيَّةِ - إِلَى بَيْدَمُرَ وَمَنْ مَعَهُ
لِيَتَكَلَّمُوا مَعَهُمْ فِي الصُّلْحِ لِيَنْزِلُوا عَلَى مَا يَشْتَرِطُونَ
قَبْلَ أَنْ يَشْرَعُوا فِي الْحِصَارِ بِالرِّجَالِ وَالْمَجَانِيقِ الَّتِي قَدِ
اسْتُدْعِيَ بِهَا مِنْ صَفَدَ وَبَعْلَبَكَّ، وَأُحْضِرَ مِنْ رِجَالِ
النَّقَّاعِينَ نَحْوٌ مِنْ سِتَّةِ آلَافِ رَامٍ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ بِهِ
الْقُضَاةُ وَمَنْ مَعَهُمْ وَأَخْبَرُوهُ عَنِ السُّلْطَانِ، وَأَعْيَانِ
الْأُمَرَاءِ بِأَنَّهُمْ قَدْ كَتَبُوا لَهُ أَمَانًا إِنْ أَنَابَ إِلَى
الْمُصَالَحَةِ، فَطَلَبَ أَنْ يَكُونَ بِأَهْلِهِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَطَلَبَ
أَنْ يُعْطَى مَنْجَكُ كَذَا بِنَاحِيَةِ بِلَادِ سِيسَ لِيَسْتَرْزِقَ هُنَالِكَ،
وَطَلَبَ أَسَنْدَمُرُ أَنْ يَكُونَ
بَشْمَقْدَارُ لِلْأَمِيرِ سَيْفِ
الدِّينِ يَلْبُغَا الْخَاصِّكِيِّ، فَرَجَعَ الْقُضَاةُ إِلَى السُّلْطَانِ،
وَمَعَهُمُ الْأَمِيرُ زَيْنُ الدِّينِ جِبْرِيلُ الْحَاجِبُ - كَانَ -
فَأَخْبَرُوا السُّلْطَانَ وَالْأُمَرَاءَ بِذَلِكَ، فَأَجِيبُوا إِلَى مَا
طَلَبُوا، وَخَلَعَ السُّلْطَانُ وَالْأُمَرَاءُ عَلَى جِبْرِيلَ خِلَعًا،
فَرَجَعَ فِي خِدْمَةِ الْقُضَاةِ، وَمَعَهُمُ الْأَمِيرُ أَسَنْبُغَا بْنُ
الْأَبُو بَكْرِيٍّ، فَدَخَلُوا الْقَلْعَةَ، وَبَاتُوا هُنَالِكَ كُلُّهُمْ،
وَانْتَقَلَ الْأَمِيرُ بَيْدَمُرُ بِأَهْلِهِ وَأَثَاثِهِ إِلَى دَارِهِ
بِالْمُطَرِّزِينَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ التَّاسِعِ
وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ خَرَجَ الْأُمَرَاءُ الثَّلَاثَةُ مِنَ الْقَلْعَةِ
وَمَعَهُمْ جِبْرِيلُ، فَدَخَلَ الْقُضَاةُ، وَسَلَّمُوا الْقَلْعَةَ بِمَا فِيهَا
مِنَ الْحَوَاصِلِ إِلَى الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ أَسَنْبُغَا بْنِ
الْأَبُوبَكْرِيٍّ.
دُخُولَ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْمَلِكِ أَمِيرِ حَاجِّ ابْنِ الْمَلِكِ
مُحَمَّدٍ ابْنِ الْمَلِكِ قَلَاوُونَ إِلَى دِمَشْقَ فِي جَيْشِهِ وَأُمَرَائِهِ
لَمَّا كَانَ صَبِيحَةُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ
رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ رَجَعَ الْقُضَاةُ إِلَى الْوِطَاقِ الشَّرِيفِ،
وَفِي صُحْبَتِهِمُ الْأُمَرَاءُ الَّذِينَ كَانُوا بِالْقَلْعَةِ، وَقَدْ
أُعْطُوا الْأَمَانَ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ وَمَنْ مَعَهُمْ وَذَوِيهِمْ،
فَدَخَلَ الْقُضَاةُ وَحُجِبَ الْأُمَرَاءُ الْمَذْكُورُونَ، فَخُلِعَ عَلَى
الْقُضَاةِ الْأَرْبَعَةِ، وَانْصَرَفُوا رَاجِعِينَ مَجْبُورِينَ، وَأَمَّا
الْأُمَرَاءُ الْمَذْكُورُونَ فَإِنَّهُمْ أُرْكِبُوا عَلَى خَيْلٍ ضَعِيفَةٍ،
وَخَلْفَ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وُشَاقِيٌّ آخِذٌ بِوَسَطِهِ، قِيلَ: وَفِي يَدِ
كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْوُشَاقِيَّةِ خِنْجَرٌ كَبِيرٌ
مَسْلُولٌ لِئَلَّا يَسْتَنْقِذَهُ مِنْهُ أَحَدٌ فَيَقْتُلَهُ بِهَا - فَدَخَلَ جَهْرَةً بَيْنَ النَّاسِ لَبِزِّهِمْ وَذِلَّتِهِمُ الَّتِي قَدْ لَبِسَتْهُمْ، وَقَدْ أَحْدَقَ النَّاسُ بِالطَّرِيقِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَقَامَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ، إِلَّا أَنَّهُمْ قَدْ يُقَارِبُونَ الْمِائَةَ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ عَلَيْهَا، فَرَأَى النَّاسُ مَنْظَرًا فَظِيعًا، فَدَخَلَ بِهِمُ الْوُشَاقِيَّةُ إِلَى الْمَيْدَانِ الْأَخْضَرِ الَّذِي فِيهِ الْقَصْرُ، فَأُجْلِسُوا هُنَالِكَ وَهُمْ سِتَّةُ نَفَرٍ; الثَّلَاثَةُ النُّوَّابُ، وَجِبْرِيلُ، وَابْنُ أَسَنْدَمُرَ، وَسَادِسٌ، وَظَنَّ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ فَاقِرَةٌ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَأُرْسِلَتِ الْجُيُوشُ دَاخِلَةً إِلَى دِمَشْقَ أَطْلَابًا أَطْلَابًا فِي تَجَمُّلٍ عَظِيمٍ - وَلُبْسُ الْحَرْبِ يَبْهَرُ الْبَصَرَ - وَخُيُولٍ، وَأَسْلِحَةٍ، وَرِمَاحٍ، ثُمَّ دَخَلَ السُّلْطَانُ فِي آخِرِ ذَلِكَ كُلِّهِ بَعْدَ الْعَصْرِ بِزَمَنٍ، وَعَلَيْهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَلَابِسِ قَبَاءٌ زِنْجَارَيٌّ، وَالْقُبَّةُ وَالطَّيْرُ، يَحْمِلُهُمَا عَلَى رَأْسِهِالْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ تُومَانَ تَمُرُ الَّذِي كَانَ نَائِبَ طَرَابُلُسَ، وَالْأُمَرَاءُ مُشَاةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالْبُسُطُ تَحْتَ قَدَمِي فَرَسِهِ، وَالْبَشَائِرُ تُضْرَبُ خَلْفَهُ، فَدَخَلَ الْقَلْعَةَ الْمَنْصُورَةَ الْمَنْصُورِيَّةَ لَا الْبَدْرِيَّةَ، وَرَأَى مَا قَدْ أُرْصِدَ بِهَا مِنَ الْمَجَانِيقِ وَالْأَسْلِحَةِ فَاشْتَدَّ حَنَقُهُ عَلَى بَيْدَمُرَ وَأَصْحَابِهِ كَثِيرًا، وَنَزَلَ الطَّارِمَةَ، وَجَلَسَ عَلَى سَرِيرِ الْمَمْلَكَةِ، وَوَقَفَ الْأُمَرَاءُ وَالنُّوَّابُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَرَجَعَ الْحَقُّ إِلَى نِصَابِهِ، وَقَدْ كَانَ بَيْنَ دُخُولِهِ وَدُخُولِ عَمِّهِ الصَّالِحِ صَالَحٍ إِلَى دِمَشْقَ فِي قَضِيَّةِ بَيْبُغَا آرُوسَ تِسْعُ سِنِينَ، وَكَانَ دُخُولُهُمَا إِلَيْهَا فِي رَمَضَانَ; الصَّالِحُ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَهَذَا فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ سَلْخَهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - وَشَرَعَ النَّاسُ فِي الزِّينَةِ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ سَلْخَ الشَّهْرِ نُقِلَ الْأُمَرَاءُ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمُ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِيمَا كَانُوا أَبْرَمُوهُ مِنْ ضَمِيرِ سُوءٍ لِلْمُسْلِمِينَ - إِلَى الْقَلْعَةِ، فَأُنْزِلُوا فِي أَبْرَاجِهَا مُهَانِينَ مُفَرَّقًا بَيْنَهُمْ، بَعْدَ مَا كَانُوا بِهَا آمِنِينَ حَاكِمِينَ أَصْبَحُوا مُعْتَقَلِينَ مُهَانِينَ خَائِفِينَ، فَخَارُوا بَعْدَ مَا كَانُوا رُؤَسَاءَ، وَأَصْبَحُوا بَعْدَ عِزِّهِمْ أَذِلَّاءَ، وَبَقِيَتْ أَعْيَانُ أَصْحَابِ هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاءِ، وَنُودِيَ عَلَيْهِمْ فِي الْبَلَدِ، وَوُعِدَ مَنْ دَلَّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ بِمَالٍ جَزِيلٍ، وَوِلَايَةِ إِمْرَةٍ بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَرُسِمَ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَلَى الرَّئِيسِ أَمِينِ الدِّينِ بْنِ الْقَلَانِسِيِّ كَاتِبِ السِّرِّ، وَطُلِبَ مِنْهُ أَلْفُ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَسُلِّمَ إِلَى الْأَمِيرِ زَيْنِ الدِّينِ زُبَالَةَ نَائِبِ الْقَلْعَةِ، وَقَدْ أُعِيدَ إِلَيْهَا، وَأُعْطِيَ تَقْدِمَةَ ابْنِ قَرَاسُنْقُرَ، وَأَمَرَهُ أَنَّ يُعَاقِبَهُ إِلَى أَنْ يَزِنَ هَذَا الْمَبْلَغَ. وَصَلَّى السُّلْطَانُ، وَأُمَرَاؤُهُ بِالْمَيْدَانِ الْأَخْضَرِ صَلَاةَ الْعِيدِ; ضُرِبَ لَهُ خَامٌ عَظِيمٌ، وَصَلَّى بِهِ خَطِيبًا الْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ الْمُنَاوِيُّ الشَّافِعِيُّ قَاضِي الْعَسَاكِرِ الْمَنْصُورَةِ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَدَخَلَ الْأُمَرَاءُ مَعَ السُّلْطَانِ لِلْقَلْعَةِ مِنْ بَابِ الْمَدْرَسَةِ، وَمَدَّ لَهُمْ سِمَاطًا هَائِلًا أَكَلُوا مِنْهُ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى دُورِهِمْ وَقُصُورِهِمْ، وَحَمَلَ الْجِتْرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَلَى رَأْسِ السُّلْطَانِ الْأَمِيرُ عَلِيٌّ نَائِبُ دِمَشْقَ، وَخُلِعَ عَلَيْهِ خِلْعَةٌ هَائِلَةٌ. وَفِي هَذَا الْيَوْمِ مُسِكَ الْأَمِيرُ تُومَانُ تَمُرُ الَّذِي كَانَ نَائِبَ طَرَابُلُسَ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى بَيْدَمُرَ فَكَانَ مَعَهُ ثُمَّ قَفَلَ إِلَى الْمِصْرِيِّينَ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ، فَعَذَرُوهُ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَدَخَلَ وَهُوَ حَامِلٌ الْجِتْرَ عَلَى رَأْسِ السُّلْطَانِ يَوْمَ الدُّخُولِ، ثُمَّ وَلَّوْهُ نِيَابَةَ حِمْصَ فَصَغَّرُوهُ، وَحَقَّرُوهُ، ثُمَّ لَمَّا اسْتَمَرَّ ذَاهِبًا إِلَيْهَا فَكَانَ عِنْدَ الْقَابُونِ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ فَأَمْسَكُوهُ وَرَدُّوهُ، وَطُلِبَ مِنْهُ الْمِائَةُ أَلْفٍ الَّتِي كَانَ قَبَضَهَا مِنْ بَيْدَمُرَ، ثُمَّ رَدُّوهُ إِلَى نِيَابَةِ حِمْصَ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ اشْتَهَرَ
الْخَبَرُ بِأَنَّ طَائِفَةً مِنَ الْجَيْشِ بِمِصْرَ مِنْ طَوَاشِيَّةٍ
وَخَاصِّكِيَّةٍ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ حُسَيْنَ بْنَ النَّاصِرِ، ثُمَّ
اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَاقْتَتَلُوا، وَأَنَّ الْأَمْرَ قَدِ انْفَصَلَ،
وَرُدَّ حُسَيْنٌ لِلْمَحَلِّ الَّذِي كَانَ مُعْتَقَلًا فِيهِ، وَأَطْفَأَ
اللَّهَ شَرَّ هَذِهِ الطَّائِفَةِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَفِي آخِرِ هَذَا
الْيَوْمِ لَبِسَ الْقَاضِي نَاصِرُ الدِّينِ بْنُ يَعْقُوبَ خِلْعَةَ كِتَابَةِ
السِّرِّ الشَّرِيفِيَّةَ، وَالْمَدْرَسَتَيْنِ، وَمَشْيَخَةِ الشُّيُوخِ -
عِوَضًا عَنِ الرَّئِيسِ عَلَاءِ الدِّينِ بْنِ الْقَلَانِسِيِّ، عُزِلَ
وَصُودِرَ، وَرَاحَ النَّاسُ لِتَهْنِئَتِهِ بِالْعُودِ إِلَى وَظِيفَتِهِ كَمَا
كَانَ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثَالِثِ شَوَّالٍ مُسِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ
الْأُمَرَاءِ الشَّامِيِّينَ; مِنْهُمُ الْحَاجِبَانِ صَلَاحُ الدِّينِ وَحُسَامُ
الدِّينِ وَالْمَهْمَنْدَارُ ابْنُ أَخِي الْحَاجِبِ الْكَبِيرِ تَمُرَ، وَنَاصِرُ
الدِّينِ ابْنُ الْمَلِكِ صَلَاحِ الدِّينِ بْنِ الْكَامِلِ، وَابْنُ حَمْزَةَ،
وَالطَّرْخَانِيُّ، وَاثْنَانِ أَخَوَانِ; وَهَمَا طَيْبُغَا زَفَرَ، وَبُلْجَكُ،
كُلُّهُمْ طَبْلَخَانَاهْ، وَأَخْرَجُوا خِيرُوتَمُرَ حَاجِبَ الْحُجَّابِ،
وَكَذَلِكَ الْحَجُوبِيَّةُ أَيْضًا، وَأَعْطَوْا إِقْطَاعَهُ لِابْنِ الْقَشْتَمَرِيِّ
الَّذِي كَانَ نَائِبَ حَلَبَ، وَأَعْطَوُا الْحَجُوبِيَّةَ لِقُمَارَيِّ أَحَدِ
أُمَرَاءِ مِصْرَ.
وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ سَابِعِ شَوَّالٍ مُسِكَ سِتَّةَ عَشَرَ أَمِيرًا مِنْ
أُمَرَاءِ الْعَرَبِ بِالْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ; مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ مُوسَى
بْنِ مُهَنَّا الْمُلَقَّبُ بِالْمُصَمَّعِ، الَّذِي كَانَ أَمِيرَ الْعَرَبِ
فِي وَقْتٍ، وَمُعَيْقِلُ بْنُ فَضْلِ
بْنِ مُهَنَّا، وَآخَرُونَ، وَذَكَرُوا أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ
آلِ فَضْلٍ عَرَضُوا لِلْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ الْأَحْمَدِيِّ الَّذِي
اسْتَنَابُوهُ عَلَى حَلَبَ وَأَعْمَالِهَا، وَأَخَذُوا مِنْهُ شَيْئًا مِنْ
بَعْضِ الْأَمْتِعَةِ، وَكَادَتِ الْحَرْبُ تَقَعُ بَيْنَهُمْ. وَفِي لَيْلَةِ
الْخَمِيسِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ حُمِلَ تِسْعَةَ عَشَرَ أَمِيرًا مِنَ الْأَتْرَاكِ
وَالْعَرَبِ عَلَى الْبَرِيدِ مُقَيَّدِينَ فِي الْأَغْلَالِ أَيْضًا إِلَى
الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، مِنْهُمْ بَيْدَمُرُ، وَمَنْجَكُ، وَأَسَنْدَمُرُ،
وَجِبْرِيلُ، وَصَلَاحُ الدِّينِ الْحَاجِبُ، وَحُسَامُ الدِّينِ أَيْضًا،
وَبُلْجَكُ، وَغَيْرُهُمْ، وَمَعَهُمْ نَحْوٌ مِنْ مِائَتَيْ فَارِسٍ مُلْبِسِينَ
بِالسِّلَاحِ مُتَوَكِّلِينَ بِحِفْظِهِمْ، وَسَارُوا بِهِمْ نَحْوَ الدِّيَارِ
الْمِصْرِيَّةِ، وَأَمَرُوا جَمَاعَةً مِنَ الْبَطَّالَيْنِ، مِنْهُمْ أَوْلَادُ
الْأَقْوَشِ. وَأُطْلِقَ الرَّئِيسُ أَمِينُ الدِّينِ بْنُ الْقَلَانِسِيِّ مِنَ
الْمُصَادَرَةِ وَالتَّرْسِيمِ بِالْقَلْعَةِ، بَعْدَ مَا وُزِنَ بَعْضُ مَا
طُلِبَ مِنْهُ، وَصَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَهَنَّأَهُ النَّاسُ.
خُرُوجُ السُّلْطَانِ مِنْ دِمَشْقَ قَاصِدًا مِصْرَ
وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ عَاشِرُ شَهْرِ شَوَّالٍ خَرَجَ طُلْبُ
يَلْبُغَا الْخَاصِّكِيِّ صَبِيحَتَهُ فِي تَجَمُّلٍ عَظِيمٍ لَمْ يَرَ النَّاسُ
فِي هَذِهِ الْمُدَدِ مِثْلَهُ; مِنْ نَجَائِبَ، وَجَنَائِبَ، وَمَمَالِيكَ،
وَعَظَمَةٍ هَائِلَةٍ، وَكَانَتْ عَامَّةُ الْأَطْلَابِ قَدْ تَقَدَّمَتْ قَبْلَهُ
بِيَوْمٍ، وَحَضَرَ السُّلْطَانُ إِلَى الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ قَبْلَ أَذَانِ
الظُّهْرِ، فَصَلَّى فِي مَشْهَدِ عُثْمَانَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أُمَرَاءِ
الْمِصْرِيِّينَ وَنَائِبُ الشَّامِ، وَخَرَجَ مِنْ فَوْرِهِ مِنْ بَابِ النَّصْرِ
ذَاهِبًا نَحْوَ الْكُسْوَةِ، وَالنَّاسُ فِي الطُّرُقَاتِ وَالْأَسْطِحَةِ عَلَى
الْعَادَةِ، وَكَانَتِ الزِّينَةُ قَدْ بَقِيَ أَكْثَرُهَا فِي الصَّاغَةِ
وَالْخَوَّاصِينَ وَبَابِ الْبَرِيدِ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، فَاسْتَمَرَّتْ
نَحْوَ الْعَشَرَةِ أَيَّامٍ.
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ حَادِيَ عَشَرَ شَوَّالٍ خُلِعَ عَلَى الشَّيْخِ عَلَاءِ
الدِّينِ الْأَنْصَارِيِّ
بِإِعَادَةِ الْحِسْبَةِ إِلَيْهِ،
وَعُزِلَ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ الشَّيْرَجِيِّ، وَخَرَجَ الْمَحْمَلُ يَوْمَ
الْخَمِيسِ سَادِسَ عَشَرَ شَوَّالٍ عَلَى الْعَادَةِ، وَالْأَمِيرُ مُصْطَفَى
الْبِيزِيُّ.
وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَةُ أُمَرَاءَ
بِدِمَشْقَ، وَهُمْ قَشْتَمُرْزَفَرُ، وَطَيْبُغَا الْفِيلُ، وَنَوْرُوزُ أَحَدُ
مُقَدَّمِي الْأُلُوفِ، وَتَمُرُ الْمَهْمَنْدَارُ وَقَدْ كَانَ مُقَدَّمَ أَلْفٍ،
وَحَاجِبَ الْحُجَّابِ وَعَمِلَ نِيَابَةَ غَزَّةَ فِي وَقْتٍ، ثُمَّ تَعَصَّبَ
عَلَيْهِ الْمِصْرِيُّونَ، فَعَزَلُوهُ عَنِ الْإِمْرَةِ، وَكَانَ مَرِيضًا،
فَاسْتَمَرَّ مَرِيضًا، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَدُفِنَ يَوْمَ
السَّبْتِ بِتُرْبَتِهِ الَّتِي أَنْشَأَهَا بِالصُّوفِيَّةِ، لَكِنَّهُ لَمْ
يُدْفَنْ فِيهَا بَلْ عَلَى بَابِهَا، كَأَنَّهُ تَوَرَّعَ أَوْ نَدِمَ عَلَى
بِنَائِهَا فَوْقَ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ.
وَتُوُفِّيَ الْأَمِيرُ نَاصِرُ الدِّينِ بْنُ الْأَقْوَشِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ
الْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ، وَدُفِنَ بِالْقُبَيْبَاتِ، وَقَدْ نَابَ
بِبَعْلَبَكَّ وَبِحِمْصَ، ثُمَّ قُطِعَ خُبْزُهُ هُوَ وَأَخُوهُ كُجْكُنُ،
وَنُفُوا عَنِ الْبَلَدِ إِلَى بُلْدَانٍ شَتَّى، ثُمَّ رَضِيَ عَنْهُمُ
الْأَمِيرُ يَلْبُغَا، وَأَعَادَ عَلَيْهِمْ أَخَبَّازَا بِطَبْلَخَانَاهْ، فَمَا
لَبِثَ نَاصِرُ الدِّينِ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى تُوُفِّيَ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ
تَعَالَى، وَقَدْ أَثَّرَ آثَارًا حَسَنَةً كَثِيرَةً مِنْهَا عِنْدَ عَقَبَةِ
الرُّمَّانَةِ خَانٌ مَلِيحٌ نَافِعٌ، وَلَهُ بِبَعْلَبَكَّ جَامِعٌ وَحَمَّامٌ
وَخَانٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ سِتٌّ وَخَمْسُونَ سَنَةً.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ السَّادِسِ
وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ دَرَّسَ الْقَاضِي نُورُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ ابْنُ قَاضِي
الْقُضَاةِ بَهَاءِ الدِّينِ بْنِ أَبِي الْبَقَاءِ الشَّافِعِيُّ بِالْمَدْرَسَةِ
الْأَتَابَكِيَّةِ، نَزَلَ لَهُ عَنْهَا وَالِدُهُ بِتَوْقِيعٍ سُلْطَانِيٍّ،
وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْقُضَاةُ، وَالْأَعْيَانُ، وَأَخَذَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [ الْبَقَرَةِ: 197 ]، وَفِي هَذَا الْيَوْمِ
دَرَّسَ الْقَاضِي نَجْمُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّابُلُسِيُّ
الشَّافِعِيُّ - الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْجَابِي - بِالْمَدْرَسَةِ
الْعَصْرُونِيَّةِ، اسْتَنْزَلَ لَهُ عَنْهَا الْقَاضِي أَمِينُ الدِّينِ بْنُ
الْقَلَانِسِيِّ فِي مُصَادَرَاتِهِ. وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ
التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ دَرَّسَ الْقَاضِي وَلِيُّ الدِّينِ
عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الْقَاضِي بَهَاءِ الدِّينِ أَبِي الْبَقَاءِ
بِالْمَدْرَسَتَيْنِ الرَّوَاحِيَّةِ ثُمَّ الْقَيْمَرِيَّةِ; نَزَلَ لَهُ
عَنْهُمَا وَالِدُهُ الْمَذْكُورُ بِتَوْقِيعٍ سُلْطَانِيٍّ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ
فِيهِمَا الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْخَمِيسِ سَلْخِ شَوَّالٍ شُهِّرَ الشَّيْخُ أَسَدٌ
ابْنُ الشَّيْخِ الْكُرْدِيِّ عَلَى جَمَلٍ، وَطِيفَ بِهِ فِي حَوَاضِرِ
الْبَلَدِ، وَنُودِيَ عَلَيْهِ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ يُخَامِرُ عَلَى السُّلْطَانِ،
وَيُفْسِدُ نُوَّابَ السُّلْطَانِ، ثُمَّ أُنْزِلَ عَنِ الْجَمَلِ، وَحُمِلَ عَلَى
حِمَارٍ، وَطِيفَ بِهِ فِي الْبَلَدِ، وَنُودِيَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، ثُمَّ
أُلْزِمَ السِّجْنَ، وَطُلِبَ مِنْهُ مَالٌ جَزِيلٌ، وَقَدْ كَانَ الْمَذْكُورُ
مِنْ أَعْوَانِ بَيْدَمُرَ - الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ - وَأَنْصَارِهِ، وَكَانَ
هُوَ الْمُتَسَلِّمَ لِلْقَلْعَةِ فِي أَيَّامِهِ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ حَادِيَ عَشَرَ ذِي الْقَعْدَةِ خُلِعَ عَلَى
قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرِ الدِّينِ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ بِقَضَاءِ الْعَسْكَرِ
الَّذِي كَانَ مُتَوَفِّرًا عَنْ عَلَاءِ الدِّينِ بْنِ شَمَرْنُوخَ، وَهَنَّأَهُ
النَّاسُ بِذَلِكَ، وَرَكِبَ الْبَغْلَةَ بِالزُّنَّارِيِّ مُضَافًا إِلَى مَا
بِيَدِهِ مِنْ نِيَابَةِ
الْحُكْمِ، وَالتَّدْرِيسِ. وَفِي يَوْمِ
الِاثْنَيْنِ ثَامِنَ عَشَرَهُ أُعِيدَ تَدْرِيسُ الرُّكْنِيَّةِ
بِالصَّالِحِيَّةِ إِلَى قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ الْكَفْرِيِّ
الْحَنَفِيِّ; اسْتَرْجَعَهَا بِمَرْسُومٍ شَرِيفٍ سُلْطَانِيٍّ مِنْ يَدِ
الْقَاضِي عِمَادِ الدِّينِ بْنِ الْعِزِّ، وَخُلِعَ عَلَى الْكَفْرِيِّ، وَذَهَبَ
النَّاسُ إِلَيْهِ لِلتَّهْنِئَةِ بِالْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَةِ.
وَفِي شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ اشْتَهَرَ وُقُوعُ فِتَنٍ بَيْنَ الْفَلَّاحِينَ
بِنَاحِيَةِ عَجْلُونَ، وَأَنَّهُمُ اقْتَتَلُوا فَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ
الْيَمَنِيِّ - وَالْقَيْسِيِّ - طَائِفَةٌ، وَأَنَّ عَيْنَ حِينَا الَّتِي هِيَ
شَرْقِيُّ عَجْلُونَ دُمِّرَتْ وَخُرِّبَتْ، وَقُطِعَ أَشْجَارُهَا، وَدُمِّرَتْ
بِالْكُلِّيَّةِ. وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ السَّبْتِ الثَّانِيَ وَالْعِشْرِينَ
مِنْ ذِي الْحِجَّةِ لَمْ تُفْتَحْ أَبْوَابُ دِمَشْقَ إِلَى مَا بَعْدَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ، فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ، وَكَانَ سَبَبُهُ الِاحْتِيَاطُ عَلَى
أَمِيرٍ يُقَالُ لَهُ: كَسَغَا، كَانَ يُرِيدُ الْهَرَبَ إِلَى بِلَادِ الشَّرْقِ،
فَاحْتِيطَ عَلَيْهِ حَتَّى أَمْسَكُوهُ.
وَفِي لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
قَدِمَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ طَازْ مِنَ الْقُدْسِ فَنَزَلَ بِالْقَصْرِ
الْأَبْلَقِ، وَقَدْ عَمِيَ مِنَ الْكُحْلِ حِينَ كَانَ مَسْجُونًا
بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَأُطْلِقَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَنَزَلَ بِبَيْتِ
الْمَقْدِسِ مُدَّةً، ثُمَّ جَاءَهُ تَقْلِيدٌ بِأَنَّهُ يَكُونُ طَرْخَانًا
يَنْزِلُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ بِلَادِ السُّلْطَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ
دِيَارَ مِصْرَ، فَجَاءَ فَنَزَلَ بِالْقَصْرِ الْأَبْلَقِ، وَجَاءَ النَّاسُ
إِلَيْهِ عَلَى طَبَقَاتِهِمْ; نَائِبُ السَّلْطَنَةِ فَمَنْ دُونَهُ يُسَلِّمُونَ
عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يُبْصِرُ شَيْئًا، وَهُوَ عَلَى عَزْمٍ أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ
يَسْتَكْرِيَ لَهُ دَارًا بِدِمَشْقَ يَسْكُنُهَا.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ
وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَسُلْطَانُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ،
وَالشَّامِيَّةِ، وَالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَمَا وَالَاهُمَا مِنَ
الْمَمَالِكِ الْإِسْلَامِيَّةِ - السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ صَلَاحُ
الدِّينِ مُحَمَّدٌ ابْنُ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِ أَمِيرِ حَاجِّ ابْنِ الْمَلِكِ
النَّاصِرِ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ، وَهُوَ شَابٌّ
دُونَ الْعِشْرِينَ، وَمُدَبِّرُ الْمَمَالِكِ بَيْنَ يَدَيْهِ الْأَمِيرُ
يَلْبُغَا، وَنَائِبُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ قُشْتُمُرُ، وَقُضَاتُهَا هُمُ
الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَالْوَزِيرُ سَيْفُ الدِّينِ
قَرَوِينَةُ، وَهُوَ مَرِيضٌ مُدْنِفٌ، وَنَائِبُ الشَّامِ بِدِمَشْقَ الْأَمِيرُ
عَلَاءُ الدِّينِ الْمَارِدَانِيُّ، وَقُضَاتُهُ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي
قَبْلَهَا، وَكَذَلِكَ الْخَطِيبُ، وَوَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ، وَالْمُحْتَسِبُ
عَلَاءُ الدِّينِ الْأَنْصَارِيُّ، عَادَ إِلَيْهَا فِي السَّنَةِ
الْمُنْفَصِلَةِ، وَحَاجِبُ الْحُجَّابِ قُمَارِيُّ، وَالَّذِي يَلِيهِ
السُّلَيْمَانِيُّ، وَآخَرُ مِنْ مِصْرَ أَيْضًا، وَكَاتِبُ السِّرِّ الْقَاضِي
نَاصِرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَلَبِيُّ، وَنَاظِرُ الْجَامِعِ
الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ مَرَاجِلٍ. وَأَخْبَرَنِي قَاضِي الْقُضَاةِ
تَاجُ الدِّينِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ
جُدِّدَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السَّنَةِ
قَاضٍ حَنَفِيٍّ بِمَدِينَةِ صَفَدَ الْمَحْرُوسَةِ مَعَ الشَّافِعِيِّ، فَصَارَ
فِي كُلٍّ مِنْ حَمَاةَ وَطَرَابُلُسَ وَصَفَدَ قَاضِيَانِ; شَافِعِيٌّ،
وَحَنَفِيٌّ.
وَفِي ثَانِي الْمُحَرَّمِ قَدِمَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بَعْدَ غَيْبَةِ نَحْوٍ
مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقَدْ أَوَطَأَ بِلَادَ قُرْيَرَ بِالرُّعْبِ،
وَأَخَذَ مِنْ مُقَدَّمِيهِمْ طَائِفَةً فَأَوْدَعَهُمُ الْحَبْسَ، وَكَانَ قَدِ
اشْتَهَرَ أَنَّهُ قَصَدَ الْعَشِيرَاتِ الْمُوَاسِينَ بِبِلَادِ عَجْلُونَ،
فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ حِينَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ لَمْ
يَتَعَدَّ نَاحِيَةَ قُرْيَرَ، وَأَنَّ الْعَشِيرَاتِ قَدِ اصْطَلَحُوا،
وَاتَّفَقُوا، وَأَنَّ التَّجْرِيدَةَ عِنْدَهُمْ هُنَاكَ، وَقَدْ كَبَسَ
الْأَعْرَابُ مِنْ حَرَمِ التُّرْكِ فَهَزَمَهُمُ التَّرْكُ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ
خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ ظَهَرَ لِلْعَرَبِ كَمِينٌ فَلَجَأَ التُّرْكُ إِلَى
وَادٍ حَرِجٍ فَحَصَرُوهُمْ هُنَالِكَ، ثُمَّ وَلَّتِ الْأَعْرَابُ فِرَارًا،
وَلَمْ يُقْتَلْ مِنَ التُّرْكِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا جُرِحَ مِنْهُمْ أَمِيرٌ
وَاحِدٌ فَقَطْ، وَقُتِلَ مِنَ الْأَعْرَابِ فَوْقَ الْخَمْسِينَ نَفْسًا.
وَقَدِمَ الْحُجَّاجُ يَوْمَ الْأَحَدِ الثَّانِيَ وَالْعِشْرِينَ مِنَ
الْمُحَرَّمِ، وَدَخَلَ الْمَحْمَلُ السُّلْطَانِيُّ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ
الْعِشَاءِ، وَلَمْ يُحْتَفَلْ لِدُخُولِهِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ;
وَذَلِكَ لِشِدَّةِ مَا نَالَ الرَّكْبِ فِي الرَّجْعَةِ مِنْ زَيْزَاءَ إِلَى
هُنَا مِنَ الْبَرْدِ الشَّدِيدِ، بِحَيْثُ إِنَّهُ قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ مَاتَ
مِنْهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ نَحْوَ الْمِائَةِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
رَاجِعُونَ، وَلَكِنْ أَخْبَرُوا بِرُخْصٍ كَثِيرٍ، وَأَمْنٍ، وَبِمَوْتِ ثُقْبَةَ
أَخِي عَجْلَانَ صَاحِبِ مَكَّةَ، وَقَدِ اسْتَبْشَرَ بِمَوْتِهِ
أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ لِبَغْيِهِ
عَلَى أَخِيهِ عَجْلَانَ الْعَادِلِ فِيهِمْ.
مَنَامٌ غَرِيبٌ جِدًّا
وَرَأَيْتُ - يَعْنِي الْمُصَنِّفَ - فِي لَيْلَةِ الِاثْنَيْنِ الثَّانِيَ
وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ
الشَّيْخَ مُحْيِيَ الدِّينِ النَّوَاوِيَّ، رَحِمَهُ اللَّهُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا
سَيِّدِي الشَّيْخُ، لِمَ لَا أَدْخَلْتَ فِي شَرْحِكَ " الْمُهَذَّبِ "
شَيْئًا مِنْ مُصَنَّفَاتِ ابْنِ حَزْمٍ، فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّهُ لَا
يُحِبُّهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ مَعْذُورٌ فِيهِ، فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ
طَرَفَيِ النَّقِيضَيْنِ فِي أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، أَمَّا هُوَ فِي الْفُرُوعِ
فَظَاهِرِيٌّ جَامِدٌ يَابِسٌ، وَفِي الْأُصُولِ تَوَلٌ مَائِعٌ، قَرْمَطَةُ
الْقَرَامِطَةِ، وَهُرْمُسُ الْهَرَامِسَةِ، وَرَفَعْتُ بِهَا صَوْتِي حَتَّى
سُمِعْتُ وَأَنَا نَائِمٌ، ثُمَّ أَشَرْتُ لَهُ إِلَى أَرْضٍ خَضْرَاءَ تُشْبِهُ
النَّجِيلَ بَلْ هِيَ أَرْدَأُ شَكْلًا مِنْهُ، لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِي
اسْتِغْلَالٍ وَلَا رَعْيٍ، فَقُلْتُ لَهُ: هَذِهِ أَرْضُ ابْنِ حَزْمٍ الَّتِي
زَرَعَهَا، قَالَ: انْظُرْ هَلْ تَرَى فِيهَا شَجَرًا مُثْمِرًا أَوْ شَيْئًا
يُنْتَفَعُ بِهِ ؟ فَقُلْتُ: إِنَّمَا تَصْلُحُ لِلْجُلُوسِ عَلَيْهَا فِي ضَوْءِ
الْقَمَرِ. فَهَذَا حَاصِلُ مَا رَأَيْتُهُ، وَوَقَعَ فِي خَلَدِي أَنَّ ابْنَ
حَزْمٍ كَانَ حَاضِرَنَا عِنْدَمَا أَشَرْتُ لِلشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ إِلَى
الْأَرْضِ الْمَنْسُوبَةِ لِابْنِ حَزْمٍ، وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الثَّالِثِ
وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ خُلِعَ عَلَى الْقَاضِي عِمَادِ الدِّينِ بْنِ
الشَّيْرَجِيِّ بِعَوْدِ الْحِسْبَةِ إِلَيْهِ; بِسَبَبِ ضَعْفِ عَلَاءِ الدِّينِ
الْأَنْصَارِيِّ عَنِ الْقِيَامِ بِهَا; لِشُغْلِهِ بِالْمَرَضِ الْمُدْنِفِ،
وَهَنَّأَهُ النَّاسُ عَلَى الْعَادَةِ.
وَفِي لَيْلَةِ السَّبْتِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ تُوُفِّيَ
الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْأَنْصَارِيُّ، الْمَذْكُورُ بِالْمَدْرَسَةِ
الْأَمِينِيَّةِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ الظُّهْرَ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ،
وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ بَابِ الصَّغِيرِ خَلْفَ مِحْرَابِ جَامِعِ جَرَاحٍ، فِي
تُرْبَةٍ هُنَالِكَ، وَقَدْ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَدَرَّسَ فِي
الْأَمِينِيَّةِ، وَفِي الْحِسْبَةِ مَرَّتَيْنِ، وَتَرَكَ أَوْلَادًا صِغَارًا،
وَأَمْوَالًا جَزِيلَةً، سَامَحَهُ اللَّهُ وَرَحِمَهُ، وَوَلِيَ الْمَدْرَسَةَ
بَعْدَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ بْنُ السُّبْكِيِّ بِمَرْسُومٍ كَرِيمٍ
شَرِيفٍ.
وَفِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ صَفَرٍ بَلَغَنَا وَفَاةُ قَاضِي قُضَاةِ
الْمَالِكِيَّةِ الْأَخْنَائِيِّ بِمِصْرَ، وَتَوْلِيَةُ أَخِيهِ بُرْهَانِ
الدِّينِ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ عَلَمِ الدِّينِ الْأَخْنَائِيِّ الشَّافِعِيِّ
أَبُوهُ - قَاضِيًا مَكَانَ أَخِيهِ، وَقَدْ كَانَ عَلَى الْحِسْبَةِ بِمِصْرَ
مَشْكُورَ السِّيرَةِ فِيهَا، وَأُضِيفَ إِلَيْهِ نَظَرُ الْخِزَانَةِ كَمَا كَانَ
أَخُوهُ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَحَدِ رَابِعَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ كَانَ
ابْتِدَاءُ حُضُورِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ أَبِي نَصْرٍ عَبْدِ
الْوَهَّابِ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيِّ الدِّينِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ
عَبْدِ الْكَافِي السُّبْكِيِّ الشَّافِعِيِّ - تَدْرِيسَ الْأَمِينِيَّةِ عِوَضًا
عَنِ الشَّيْخِ
عَلَاءِ الدِّينِ الْمُحْتَسِبِ،
بِحُكْمِ وَفَاتِهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا ذَكَرْنَا، وَحَضَرَ عِنْدَهُ
خَلْقٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَالْأُمَرَاءِ، وَالْفُقَهَاءِ، وَالْعَامَّةِ،
وَكَانَ دَرْسًا حَافِلًا، أَخَذَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ يَحْسُدُونَ
النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ الْآيَةِ وَمَا بَعْدَهَا [
النِّسَاءِ: 54 ]. فَاسْتَنْبَطَ أَشْيَاءَ حَسَنَةً، وَذَكَرَ ضَرْبًا مِنَ
الْعُلُومِ بِعِبَارَةٍ طَلْقَةٍ جَارِيَةٍ مَعْسُولَةٍ، أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ
غَيْرِ تَلَعْثُمٍ، وَلَا تَلَجْلُجٍ، وَلَا تَكَلُّفٍ، فَأَجَادَ، وَأَفَادَ،
وَشَكَرَهُ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ مِنَ الْحَاضِرِينَ، وَغَيْرِهِمْ، حَتَّى
قَالَ بَعْضُ الْأَكَابِرِ: إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ دَرْسًا مِثْلَهُ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ تُوُفِّيَ الصَّدْرُ
بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ لُؤْلُؤٍ الْحَوْضِيُّ، فِي دَارِهِ
بِالْقَصَّاعِينَ، وَلَمْ يَمْرَضْ إِلَّا يَوْمًا وَاحِدًا، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ
مِنَ الْغَدِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَخَرَجُوا بِهِ مِنْ
بَابِ النَّصْرِ، فَخَرَجَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ الْأَمِيرُ عَلِيٌّ، فَصَلَّى
عَلَيْهِ إِمَامًا خَارِجَ بَابِ النَّصْرِ، ثُمَّ ذَهَبُوا بِهِ فَدَفَنُوهُ
بِمَقَابِرِهِمْ بِبَابِ الصَّغِيرِ، فَدُفِنَ عِنْدَ أَبِيهِ رَحِمَهُمَا
اللَّهُ، وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ مُرُوءَةٌ، وَقِيَامٌ مَعَ النَّاسِ،
وَلَهُ وَجَاهَةٌ عِنْدَ الدَّوْلَةِ، وَقَبُولٌ عِنْدَ نُوَّابِ السَّلْطَنَةِ
وَغَيْرِهِمْ، وَيُحِبُّ الْعُلَمَاءَ وَأَهْلَ الْخَيْرِ، وَيُوَاظِبُ عَلَى
سَمَاعِ مَوَاعِيدِ الْحَدِيثِ وَالْخَيْرِ، وَكَانَ لَهُ مَالٌ، وَثَرْوَةٌ،
وَمَعْرُوفٌ، وَقَارَبَ الثَّمَانِينَ - رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَجَاءَ الْبَرِيدُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَأَخْبَرَ بِمَوْتِ الشَّيْخِ
شَمْسِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ
النَّقَّاشِ الْمِصْرِيِّ بِهَا،
وَكَانَ وَاعِظًا بَاهِرًا، وَفَقِيهًا بَارِعًا، نَحْوِيًّا شَاعِرًا، لَهُ يَدٌ
طُولَى فِي فُنُونٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَقُدْرَةٌ عَلَى نَسْجِ الْكَلَامِ، وَدُخُولٌ
عَلَى الدَّوْلَةِ وَتَحْصِيلُ الْأَمْوَالِ، وَهُوَ مِنْ أَبْنَاءِ
الْأَرْبَعِينَ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَأَخْبَرَ الْبَرِيدُ بِوِلَايَةِ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ
الْمَالِكِيِّ الْبَغْدَادِيِّ، الَّذِي كَانَ قَاضِيًا بِالشَّامِ
لِلْمَالِكِيَّةِ، ثُمَّ عُزِلَ بِنَظَرِ الْخِزَانَةِ بِمِصْرَ، فَإِنَّهُ
رُتِّبَ لَهُ مَعْلُومٌ وَافِرٌ يَكْفِيهِ، وَيَفْضُلُ عَنْهُ، فَفَرِحَ بِذَلِكَ
مَنْ يُحِبُّهُ.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ تُوُفِّيَ
الرَّئِيسُ أَمِينُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّدْرِ جَمَالِ الدِّينِ أَحْمَدَ
ابْنِ الرَّئِيسِ شَرَفِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَلَانِسِيِّ، أَحَدُ مَنْ
بَقِيَ مِنْ رُؤَسَاءِ الْبَلَدِ وَكُبَرَائِهَا، وَقَدْ كَانَ بَاشَرَ
مُبَاشَرَاتٍ كِبَارًا كَأَبِيهِ وَعَمِّهِ عَلَاءِ الدِّينِ، وَلَكِنْ فَاقَ
هَذَا عَلَى أَسْلَافِهِ; فَإِنَّهُ بَاشَرَ وَكَالَةَ بَيْتِ الْمَالِ مُدَّةً،
وَوَلِيَ قَضَاءَ الْعَسَاكِرِ أَيْضًا، ثُمَّ وَلِيَ كِتَابَةَ السِّرِّ مَعَ
مَشْيَخَةِ الشُّيُوخِ، وَتَدْرِيسِ النَّاصِرِيَّةِ، وَالشَّامِيَّةِ
الْجَوَّانِيَّةِ، وَكَانَ قَدْ دَرَّسَ فِي الْعَصْرُونِيَّةِ مِنْ قَبْلِ سَنَةِ
سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ السُّلْطَانُ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ
عُزِلَ عَنْ مَنَاصِبِهِ الْكِبَارِ،
وَصُودِرَ بِمَبْلَغٍ كَثِيرٍ يُقَارِبُ مِائَتَيْ أَلْفٍ، فَبَاعَ كَثِيرًا مِنْ
أَمْلَاكِهِ، وَمَا بَقِيَ بِيَدِهِ مِنْ وَظَائِفِهِ شَيْءٌ، وَبَقِيَ خَامِلًا
مُدَّةً إِلَى يَوْمِهِ هَذَا، فَتُوُفِّيَ بَغْتَةً، وَكَانَ قَدْ تَشَوَّشَ
قَلِيلًا لَمْ يَشْعُرْ بِهِ أَحَدٌ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ الْعَصْرَ بِجَامِعِ
دِمَشْقَ، وَخَرَجُوا بِهِ مِنْ بَابِ النَّاطَفَانِيِّينَ إِلَى تُرْبَتِهِمُ
الَّتِي بِسَفْحِ قَاسِيُونَ - رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ثَامِنَ عَشَرَهُ خُلِعَ عَلَى الْقَاضِي
جَمَالِ الدِّينِ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ الْكَفْرِيِّ
الْحَنَفِيِّ، وَجُعِلَ مَعَ أَبِيهِ شَرِيكًا فِي الْقَضَاءِ، وَلُقِّبَ فِي
التَّوْقِيعِ الْوَارِدِ صُحْبَةَ الْبَرِيدِ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ: قَاضِي
الْقُضَاةِ. فَلَبِسَ الْخِلْعَةَ بِدَارِ السَّعَادَةِ، وَجَاءَ وَمَعَهُ قَاضِي
الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ إِلَى النُّورِيَّةِ، فَقَعَدَ فِي
الْمَسْجِدِ، وَوُضِعَتِ الرَّبْعَةُ فَقُرِئَتْ، وَقُرِئَ الْقُرْآنُ، وَلَمْ
يَكُنْ دَرْسًا، وَجَاءَتِ النَّاسُ لِلتَّهْنِئَةِ بِمَا حَصَلَ مِنَ
الْوِلَايَةِ لَهُ مَعَ أَبِيهِ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ الصَّالِحُ الْعَابِدُ
النَّاسِكُ الْخَاشِعُ فَتْحُ الدِّينِ ابْنُ الشَّيْخِ زَيْنِ الدِّينِ
الْفَارِقِيُّ، إِمَامُ دَارِ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةِ، وَخَازِنُ الْأَثَرِ
بِهَا، وَمُؤَذِّنٌ فِي الْجَامِعِ، وَقَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ تِسْعُونَ سَنَةً فِي
خَيْرٍ وَصِيَانَةٍ وَتِلَاوَةٍ وَصَلَاةٍ كَثِيرَةٍ، وَانْجِمَاعٍ عَنِ النَّاسِ،
صُلِّيَ عَلَيْهِ صَبِيحَةَ يَوْمَئِذٍ، وَخُرِجَ بِهِ مِنْ بَابِ النَّصْرِ إِلَى
نَحْوِ الصَّالِحِيَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ عَاشِرِ جُمَادَى الْأُولَى وَرَدَ
الْبَرِيدُ - وَهُوَ قَرَابُغَا دَوَادَارَ نَائِبُ الشَّامِ الصَّغِيرُ -
وَمَعَهُ تَقْلِيدٌ بِقَضَاءِ قُضَاةِ الْحَنَفِيَّةِ لِلشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ
يُوسُفَ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ
شَرَفِ الدِّينِ الْكَفْرِيِّ، بِمُقْتَضَى نُزُولِ أَبِيهِ لَهُ عَنْ ذَلِكَ،
فَلَبِسَ الْخِلْعَةَ بِدَارِ السَّعَادَةِ، وَأُجْلِسَ تَحْتَ الْمَالِكِيِّ،
ثُمَّ جَاءُوا إِلَى الْمَقْصُورَةِ مِنَ الْجَامِعِ، وَقُرِئَ تَقْلِيدُهُ
هُنَالِكَ، قَرَأَهُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ السُّبْكِيِّ نَائِبُ الْحِسْبَةِ،
وَاسْتَنَابَ اثْنَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِمْ; وَهُمَا شَمْسُ الدِّينِ بْنُ
مَنْصُورٍ، وَبَدْرُ الدِّينِ بْنُ الْجُوَاشِنِيِّ، ثُمَّ جَاءَ مَعَهُ الْقُضَاةُ
إِلَى النُّورِيَّةِ فَدَرَّسَ بِهَا، وَلَمْ يَحْضُرْهُ وَالِدُهُ بِشَيْءٍ مِنْ
ذَلِكَ.
مَوْتُ الْخَلِيفَةِ الْمُعْتَضِدِ بِاللَّهِ
كَانَ ذَلِكَ فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى بِالْقَاهِرَةِ،
وَصُلِّيَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ، أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ قَاضِي الْقُضَاةِ
تَاجُ الدِّينِ الشَّافِعِيُّ، عَنْ كِتَابِ أَخِيهِ الشَّيْخِ بَهَاءِ الدِّينِ،
رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
خِلَافَةُ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ
ثُمَّ بُويِعَ بَعْدَهُ وَلَدُهُ الْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللَّهِ عَلِيٌّ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُعْتَضِدِ
أَبِي بَكْرٍ أَبِي الْفَتْحِ بْنِ
الْمُسْتَكْفِي بِاللَّهِ أَبِي الرَّبِيعِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَاكِمِ بِأَمْرِ
اللَّهِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ، رَحِمَ اللَّهُ أَسْلَافَهُ.
وَفِي جُمَادَى الْأُولَى تَوَجَّهَ الرَّسُولُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ،
وَمَعَهُ سَنَاجِقُ خَلِيفَتِيَّةٌ، وَسُلْطَانِيَّةٌ، وَتَقَالِيدُ، وَخِلَعُ،
وَتُحَفٌ لِصَاحِبَيِ الْمَوْصِلِ وَسِنْجَارَ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ مِصْرَ
لِيَخْطَبَ لَهُ فِيهِمَا، وَوَلَّى قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ
الشَّافِعِيُّ السُّبْكِيُّ الْحَاكِمُ بِدِمَشْقَ لِقَاضِيهِمَا مِنْ جِهَتِهِ
تَقْلِيدَيْنِ - حَسَبَ مَا أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ - وَأُرْسِلَا مَعَ مَا أَرْسَلَ
بِهِ السُّلْطَانُ إِلَى الْبَلَدَيْنِ، وَهَذَا أَمْرٌ غَرِيبٌ لَمْ يَقَعْ
مِثْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ فِيمَا أَعْلَمُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي جُمَادَى الْآخِرَةِ خَرَجَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ إِلَى مَرْجِ
الْغَسُولَةِ، وَمَعَهُ حَجَبَتُهُ، وَنُقَبَاءُ النُّقَبَاءِ، وَكَاتِبُ السِّرِّ
وَذَوُوهُ، وَمِنْ عَزْمِهِمُ الْإِقَامَةُ مُدَّةً، فَقَدِمَ مِنَ الدِّيَارِ
الْمِصْرِيَّةِ أَمِيرٌ عَلَى الْبَرِيدِ، فَأَسْرَعُوا الْأَوْبَةَ، فَدَخَلُوا
فِي صَبِيحَةِ الْأَحَدِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ، وَأَصْبَحَ نَائِبُ
السَّلْطَنَةِ فَحَضَرَ الْمَوْكِبَ عَلَى الْعَادَةِ، وَخَلَعَ عَلَى الْأَمِيرِ
سَيْفِ الدِّينِ يَلْبُغَا الصَّالِحِيِّ، وَجَاءَ النَّصُّ مِنَ الدِّيَارِ
الْمِصْرِيَّةِ بِخِلْعَةِ دَوَادَارَ، عِوَضًا عَنْ سَيْفِ الدِّينِ كُجْكُنَ،
وَخُلِعَ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَلَى الصَّدْرِ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ مَزِيَ
بِتَوْقِيعِ الدَّسْتِ، وُجِهَاتٍ أُخَرَ، قُدِمَ بِهَا مِنَ الدِّيَارِ
الْمِصْرِيَّةِ، فَانْتَشَرَ الْخَبَرُ
فِي هَذَا الْيَوْمِ بِإِجْلَاسِ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ
الْكَفْرِيِّ الْحَنَفِيِّ، فَوْقَ قَاضِي الْقُضَاةِ الْمَالِكِيَّةِ، لَكِنْ
لَمْ يَحْضُرْ فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا قَدْ أُمِرَ بِإِجْلَاسِ
الْمَالِكِيِّ فَوْقَهُ.
وَفِي ثَانِي رَجَبٍ تُوُفِّيَ الْقَاضِي الْإِمَامُ الْعَالِمُ شَمْسُ الدِّينِ
بْنُ مُفْلِحٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ، نَائِبُ مَشْيَخَةِ قَاضِي
الْقُضَاةِ جَمَالِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيِّ
الْحَنْبَلِيِّ، وَزَوْجُ ابْنَتِهِ، وَلَهُ مِنْهَا سَبْعَةُ أَوْلَادٍ ذُكُورٌ
وَإِنَاثٌ، وَكَانَ بَارِعًا فَاضِلًا مُتَفَنِّنًا فِي عُلُومٍ كَثِيرَةٍ، وَلَا
سِيَّمَا عَلِمُ الْفُرُوعِ، كَانَ غَايَةً فِي نَقْلِ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ،
وَجَمَعَ مُصَنَّفَاتٍ كَثِيرَةً; مِنْهَا عَلَى كِتَابِ " الْمُقْنِعِ
" نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ مُجَلَّدًا، كَمَا أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ عَنْهُ
قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ، وَعَلَّقَ عَلَى مَحْفُوظِهِ أَحْكَامَ
الشَّيْخِ مَجْدِ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ مُجَلَّدَيْنِ، وَلَهُ غَيْرُ ذَلِكَ
مِنَ الْفَوَائِدِ وَالتَّعْلِيقَاتِ - رَحِمَهُ اللَّهُ. تُوُفِّيَ عَنْ نَحْوِ
خَمْسِينَ سَنَةً، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ
ثَانِيَ الشَّهْرِ بِالْجَامِعِ الْمُظَفَّرِيِّ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ الشَّيْخِ
الْمُوَفَّقِ، وَكَانَتْ لَهُ جِنَازَةٌ حَافِلَةٌ حَضَرَهَا الْقُضَاةُ
كُلُّهُمْ، وَخَلْقٌ مِنَ الْأَعْيَانِ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ السَّبْتِ رَابِعِ رَجَبٍ ضَرَبَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ
جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ
قَبْرِ عَاتِكَةَ أَسَاءُوا الْأَدَبَ
عَلَى النَّائِبِ وَمَمَالِيكِهِ، بِسَبَبِ جَامِعٍ لِلْخُطْبَةِ جُدِّدَ
بِنَاحِيَتِهِمْ، فَأَرَادَ بَعْضُ الْفُقَرَاءِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ الْجَامِعَ،
وَيَجْعَلَهُ زَاوِيَةً لِلرَّقَّاصِينَ، فَحَكَمَ الْقَاضِي الْحَنْبَلِيُّ
بِجَعْلِهِ جَامِعًا قَدْ نُصِبَ فِيهِ مِنْبَرٌ، وَقَدْ قَدِمَ شَيْخٌ مِنَ
الْفُقَرَاءِ عَلَى يَدَيْهِ مَرْسُومٌ شَرِيفٌ بِتَسْلِيمِهِ إِلَيْهِ،
فَأَنِفَتْ أَنْفُسُ أَهْلِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ مِنْ عَوْدِهِ زَاوِيَةً بَعْدَ
مَا كَانَ جَامِعًا، وَأَعْظَمُوا ذَلِكَ، فَتَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ بِكَلَامٍ
سَيِّئٍ فَاسْتَحْضَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ طَائِفَةً مِنْهُمْ، وَضَرَبَهُمْ
بِالْمُقَارِعِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَنُودِيَ عَلَيْهِمْ فِي الْبَلَدِ، فَأَرَادَ
بَعْضُ الْعَامَّةِ إِنْكَارًا لِذَلِكَ، وَحُدِّدَ مِيعَادُ حَدِيثٍ يُقْرَأُ
بَعْدَ الْمَغْرِبِ تَحْتَ قُبَّةِ النَّسْرِ عَلَى الْكُرْسِيِّ الَّذِي يُقْرَأُ
عَلَيْهِ الْمُصْحَفُ، رَتَّبَهُ أَحَدُ أَوْلَادِ الْقَاضِي عِمَادِ الدِّينِ
بْنِ الشِّيرَازِيِّ، وَحَدَّثَ فِيهِ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ
السَّرَّاجِ، وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَجَمٌّ غَفِيرٌ، وَقَرَأَ فِي
السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ مِنْ خَطِّي، وَذَلِكَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ
هَذَا الشَّهْرِ.
أُعْجُوبَةٌ مِنَ الْعَجَائِبِ
وَحَضَرَ شَابٌّ عَجَمِيٌّ مِنْ بِلَادِ تَبْرِيزَ وَخُرَاسَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ
يَحْفَظُ " الْبُخَارِيَّ "، وَ " مُسْلِمًا "، وَ "
جَامِعَ الْمَسَانِيدِ "، وَ " الْكَشَّافَ " لِلزَّمَخْشَرِيِّ،
وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ
مَحَافِيظَ فِي فُنُونٍ أُخَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ سَلْخَ شَهْرِ رَجَبٍ قَرَأَ - فِي الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ بِالْحَائِطِ الشَّمَالِيِّ مِنْهُ عِنْدَ بَابِ الْكَلَّاسَةِ - عَلَيَّ مِنْ أَوَّلِ " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " إِلَى أَثْنَاءِ كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْهُ مِنْ حِفْظِهِ، وَأَنَا أُقَابِلُ عَلَيْهِ مِنْ نُسْخَةٍ بِيَدِي فَأَدَّى جَيِّدًا، غَيْرَ أَنَّهُ يُصَحِّفُ بَعْضَ الْكَلِمَاتِ لِعُجْمٍ فِيهِ، وَرُبَّمَا لَحَنَ أَيْضًا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، وَاجْتَمَعَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحْدَثِينَ، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ جَمَاعَةً كَثِيرِينَ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: إِنْ سَرَدَ بَقِيَّةَ الْكِتَابِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ لَعَظِيمٌ جِدًّا، ثُمَّ اجْتَمَعْنَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي - وَهُوَ مُسْتَهَلُّ شَعْبَانَ - فِي الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ، وَحَضَرَ قَاضِي الْقُضَاةِ الشَّافِعِيُّ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْفُضَلَاءِ، وَاجْتَمَعَ الْعَامَّةُ مُحْدِقِينَ، فَقَرَأَ عَلَى الْعَادَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُطَوِّلْ كَأَوَّلِ يَوْمٍ، وَسَقَطَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَحَادِيثِ، وَصَحَّفَ، وَلَحَنَ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ، ثُمَّ جَاءَ الْقَاضِيَانِ - الْحَنَفِيُّ وَالْمَالِكِيُّ - فَقَرَأَ بِحَضْرَتِهِمَا أَيْضًا بَعْضَ الشَّيْءِ، هَذَا وَالْعَامَّةُ مُحْتَفُونَ بِهِ مُتَعَجِّبُونَ مِنْ أَمْرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَقَرَّبُ بِتَقْبِيلِ يَدَيْهِ، وَفَرِحَ بِكِتَابَتِي لَهُ بِالسَّمَاعِ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَقَالَ: أَنَا مَا خَرَجْتُ مِنْ بِلَادِي إِلَّا إِلَى الْقَصْدِ إِلَيْكَ، وَأَنْ تُجِيزَنِي، وَذِكْرُكَ فِي بِلَادِنَا مَشْهُورٌ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِصْرَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ كَارَمَهُ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ بِشَيْءٍ مِنَ الدَّرَاهِمِ يُقَارِبُ الْأَلْفَ.
عَزْلُ الْأَمِيرِ عَلِيٍّ عَنْ
نِيَابَةِ دِمَشْقَ
فِي يَوْمِ الْأَحَدِ حَادِيَ عَشَرَ شَعْبَانَ وَرَدَ الْبَرِيدُ مِنَ الدِّيَارِ
الْمِصْرِيَّةِ، وَعَلَى يَدَيْهِ مَرْسُومٌ شَرِيفٌ بِعَزْلِ الْأَمِيرِ عَلِيٍّ
عَنْ نِيَابَةِ دِمَشْقَ، فَأُحْضِرَ الْأُمَرَاءُ إِلَى دَارِ السَّعَادَةِ،
وَقُرِئَ الْمَرْسُومُ الشَّرِيفُ عَلَيْهِمْ بِحُضُورِهِ، وَخُلِعَ عَلَيْهِ
خِلْعَةٌ وَرَدَتْ مَعَ الْبَرِيدِ، وَرُسِمَ لَهُ بِقَرْيَةِ دُومَةَ، وَأُخْرَى
فِي بِلَادِ طَرَابُلُسَ عَلَى سَبِيلِ الرَّاتِبِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي أَيِّ
الْبِلَادِ شَاءَ مِنْ دِمَشْقَ أَوِ الْقُدْسِ أَوِ الْحِجَازِ، فَانْتَقَلَ مِنْ
يَوْمِهِ مِنْ دَارِ السَّعَادَةِ وَبِبَاقِي أَصْحَابِهِ وَمَمَالِيكِهِ،
وَاسْتَقَرَّ نُزُولُهُ فِي دَارِ الْخَلِيلِيِّ بِالْقَصَّاعِينَ الَّتِي
جَدَّدَهَا وَزَادَ فِيهَا دُوَيْدَارُهْ يَلْبُغَا، وَهِيَ دَارٌ هَائِلَةٌ،
وَرَاحَ النَّاسُ لِلتَّأَسُّفِ عَلَيْهِ وَالْحُزْنِ لَهُ.
طَلَبُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ السُّبْكِيِّ
الشَّافِعِيِّ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مَعْزُولًا عَنْ قَضَاءِ دِمَشْقَ
وَرَدَ الْبَرِيدُ بِطَلَبِهِ مِنْ أَخَرِ نَهَارِ الْأَحَدِ بَعْدَ الْعَصْرِ
الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ
ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ،
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ حَاجِبُ الْحُجَّابِ قُمَارِيُّ، وَهُوَ نَائِبُ الْغَيْبَةِ
أَنْ يُسَافِرَ مِنْ يَوْمِهِ، فَاسْتَنْظَرَهُمْ إِلَى الْغَدِ فَأُمْهِلَ،
وَقَدْ وَرَدَ الْخَبَرُ بِوِلَايَةِ أَخِيهِ الشَّيْخِ بَهَاءِ الدِّينِ بْنِ
السُّبْكِيِّ بِقَضَاءِ دِمَشْقَ عِوَضًا عَنْ أَخِيهِ تَاجِ الدِّينِ، وَأَرْسَلَ
يَسْتَنِيبُ ابْنَ أُخْتِهِمَا قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرَ الدِّينِ فِي
التَّأَهُّبِ وَالسَّيْرِ، وَجَاءَ النَّاسُ إِلَيْهِ لِيُوَدِّعُوهُ
وَيَسْتَوْحِشُونَ لَهُ، وَرَكِبَ مِنْ بُسْتَانِهِ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ
الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ شَعْبَانَ مُتَوَجِّهًا عَلَى الْبَرِيدِ إِلَى
الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ قُضَاةُ الْقُضَاةِ وَالْأَعْيَانِ،
حَتَّى قَاضِي الْقُضَاةِ بَهَاءُ الدِّينِ أَبُو الْبَقَاءِ السُّبْكِيُّ، حَتَّى
رَدَّهُمْ قَرِيبًا مِنَ الْجَسُورَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَاوَزَهَا، وَاللَّهُ
الْمَسْئُولُ فِي حُسْنِ الْخَاتِمَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
أُعْجُوبَةٌ أُخْرَى غَرِيبَةٌ
لَمَّا كَانَ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ الْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ دُعِيتُ إِلَى
بُسْتَانِ الشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ الشَّرِيشِيِّ شَيْخِ
الشَّافِعِيَّةِ، وَحَضَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَعْيَانِ مِنْهُمُ الشَّيْخُ
الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْمَوْصِلِيِّ الشَّافِعِيُّ، وَالشَّيْخُ
الْإِمَامُ
الْعَلَّامَةُ صَلَاحُ الدِّينِ
الصَّفَدَيُّ وَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ، وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ
شَمْسُ الدِّينِ الْمَوْصِلِيُّ الشَّافِعِيُّ، وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ
الْعَلَّامَةُ مَجْدُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشِّيرَازِيُّ مِنْ
ذُرِّيَّةِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَيْرُوزَابَادِيِّ، وَهُوَ مِنْ
أَئِمَّةِ اللُّغَوِيِّينَ، وَالْخَطِيبُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ صَدْرُ
الدِّينِ بْنُ الْعِزِّ الْحَنَفِيُّ أَحَدُ الْبُلَغَاءِ الْفُضَلَاءِ،
وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ نُورُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ الصَّارِمِ
أَحَدُ الْقُرَّاءِ الْمُحَدِّثِينَ الْبُلَغَاءِ، وَأَحْضَرُوا نَيِّفًا
وَأَرْبَعِينَ مُجَلَّدًا مِنْ كِتَابِ " الْمُنْتَهَى " فِي اللُّغَةِ
لِلتَّمِيمِيِّ الْبَرْمَكِيِّ، وَقْفَ النَّاصِرِيَّةِ، وَحَضَرَ وَلَدُ
الشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ الشِّرِيشِيِّ، وَهُوَ الْعَلَّامَةُ بَدْرُ
الدِّينِ مُحَمَّدٌ، وَاجْتَمَعْنَا كُلُّنَا عَلَيْهِ، وَأَخَذَ كُلٌّ مِنَّا
مُجَلَّدًا بِيَدِهِ مِنْ تِلْكَ الْمُجَلَّدَاتِ، ثُمَّ أَخَذْنَا نَسْأَلُهُ
عَنْ بُيُوتِ الشِّعْرِ الْمُسْتَشْهَدِ عَلَيْهَا بِهَا، فَيَنْشُرُ كُلًّا
مِنْهَا، وَيَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ بِكَلَامٍ مُبِينٍ مُفِيدٍ، فَجَزَمَ
الْحَاضِرُونَ وَالسَّامِعُونَ أَنَّهُ يَحْفَظُ جَمِيعَ شَوَاهِدِ اللُّغَةِ،
وَلَا يَشِذُّ عَنْهُ مِنْهَا إِلَّا الْقَلِيلُ الشَّاذُّ، وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ
الْعَجَائِبِ، وَأَبْلَغِ الْإِغْرَابِ.
دُخُولُ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ سَيْفُ الدِّينِ قُشْتُمُرَ
كَانَ ذَلِكَ فِي مُسْتَهَلِّ رَمَضَانَ يَوْمَ السَّبْتِ ضُحًى، قَدِمَ
وَالْحَجَبَةُ بَيْنَ
يَدَيْهِ، وَالْجَيْشُ بِكَمَالِهِ،
فَتَقَدَّمَ إِلَى سُوقِ الْخَيْلِ، فَأَوْكَبَ فِيهِ ثُمَّ جَاءَ، وَنَزَلَ
عِنْدَ بَابِ النَّصْرِ، وَقَبَّلَ الْعَتَبَةَ، ثُمَّ مَشَى إِلَى دَارِ
السَّعَادَةِ، وَالنَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ حَكَمَ فِيهِ
أَنْ أَمَرَ بِصَلْبِ الَّذِي كَانَ قَتَلَ بِالْأَمْسِ وَالِيَ الصَّالِحِيَّةِ -
وَهُوَ ذَاهِبٌ إِلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ - ثُمَّ هَرَبَ فَتَبِعَهُ النَّاسُ،
فَقَتَلَ مِنْهُمْ آخَرَ، وَجَرَحَ آخَرِينَ، ثُمَّ تَكَاثَرُوا عَلَيْهِ
فَمُسِكَ، وَلَمَّا صُلِبَ طَافُوا بِهِ عَلَى جَمَلٍ إِلَى الصَّالِحِيَّةِ،
فَمَاتَ هُنَاكَ بَعْدَ أَيَّامٍ، وَقَاسَى أَمْرًا شَدِيدًا مِنَ الْعُقُوبَاتِ،
وَقَدْ ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَ خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ،
قَبَّحَهُ اللَّهُ.
قُدُومُ قَاضِي الْقُضَاةِ بَهَاءِ الدِّينِ أَحْمَدَ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ
تَقِيِّ الدِّينِ عِوَضًا عَنْ أَخِيهِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ عَبْدِ
الْوَهَّابِ
قَدِمَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ قَبْلَ الْعَصْرِ، فَبَدَأَ بِمَلِكِ الْأُمَرَاءِ
فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَمِيرِ عَلِيٍّ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ
الْمَعْزُولِ، وَهُوَ بِدَارِهِ بِالْقَصَّاعِينَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ
مَشَى إِلَى دَارِ الْحَدِيثِ، فَصَلَّى هُنَاكَ، ثُمَّ مَشَى إِلَى الْمَدْرَسَةِ
الرُّكْنِيَّةِ، فَنَزَلَ بِهَا عِنْدَ ابْنِ أُخْتِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرِ
الدِّينِ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ - قَاضِي الْعَسَاكِرِ - وَذَهَبَ النَّاسُ
لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَكْرَهُ مَنْ يُلَقِّبُهُ بِقَاضِي الْقُضَاةِ،
وَعَلَيْهِ تَوَاضُعٌ، وَتَقَشُّفٌ، وَيَظْهَرُ
عَلَيْهِ تَأَسُّفٌ عَلَى مُفَارَقَةِ
بَلَدِهِ وَوَطَنِهِ، وَوَلَدِهِ، وَأَهْلِهِ، وَاللَّهُ الْمَسْئُولُ
الْمَأْمُولُ أَنْ يُحْسِنَ الْعَاقِبَةَ.
وَخَرَجَ الْمَحْمَلُ السُّلْطَانِيُّ يَوْمَ الْخَمِيسِ ثَانِيَ عَشَرَ شَوَّالٍ،
وَأَمِيرُ الْحَاجِّ الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ ابْنُ الْمَلِكِ الْكَامِلِ بْنِ
السَّعِيدِ ابْنِ الْعَادِلِ الْكَبِيرِ، وَقَاضِيَهُ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ
بْنُ سَبُعٍ - مُدَرِّسُ الْأَمِينِيَّةِ بِبَعْلَبَكَّ. وَفِي هَذَا الشَّهْرِ
وَقَعَ الْحُكْمُ بِعَوْدِ مَا يَخُصُّ الْمُجَاهِدِينَ مِنْ وَقْفِ الْمَدْرَسَةَ
التَّقْوِيَّةِ إِلَيْهِمْ، وَأَذِنَ الْقُضَاةُ الْأَرْبَعَةُ إِلَيْهِمْ
بِحَضْرَةِ مَلِكِ الْأُمَرَاءِ فِي ذَلِكَ.
وَفِي لَيْلَةِ الْأَحَدِ سَادِسِ شَهْرِ ذِي الْقَعْدَةِ تُوُفِّيَ الْقَاضِي
نَاصِرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ كَاتِبُ السِّرِّ، وَشَيْخُ
الشُّيُوخِ، وَمُدَرِّسُ النَّاصِرِيَّةِ الْجَوَّانِيَّةِ، وَالشَّامِيَّةِ
الْجَوَّانِيَّةِ بِدِمَشْقَ، وَمُدَرِّسُ الْأَسَدِيَةِ بِحَلَبَ، وَقَدْ بَاشَرَ
كِتَابَةَ السِّرِّ بِحَلَبَ أَيْضًا، وَقَضَاءَ الْعَسَاكِرِ، وَأَفْتَى مِنْ
زَمَانِ وِلَايَةِ الشَّيْخِ كَمَالِ الدِّينِ بْنِ الزَّمَلْكَانِيِّ قَضَاءَ
حَلَبَ، أُذِنَ لَهُ هُنَالِكَ فِي حُدُودِ سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ
وَسَبْعِمِائَةٍ، وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَقَدْ قَرَأَ
" التَّنْبِيهَ "، وَ " مُخْتَصَرَ ابْنِ الْحَاجِبِ " فِي
الْأُصُولِ وَفِي الْعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ عِنْدَهُ نَبَاهَةٌ وَمُمَارَسَةٌ
لِلْعِلْمِ، وَفِيهِ جَوْدَةُ طِبَاعٍ وَإِحْسَانٌ بِحَسَبِ مَا يَقْدِرُ
عَلَيْهِ، وَلَيْسَ يُتَوَسَّمُ مِنْهُ سُوءٌ، وَفِيهِ دِيَانَةٌ وَعِفَّةٌ،
حَلَفَ لِي فِي وَقْتٍ بِالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ
مِنْهُ فَاحِشَةُ اللِّوَاطِ، وَلَا خَطَرَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَزِنِ، وَلَمْ
يَشْرَبْ مُسْكِرًا، وَلَا أَكَلَ حَشِيشَةً، فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْرَمَ
مَثْوَاهُ. صُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الظُّهْرِ يَوْمَئِذٍ،
وَخَرَجُوا بِالْجِنَازَةِ مِنْ بَابِ النَّصْرِ، فَخَرَجَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ مِنْ دَارِ السَّعَادَةِ، فَحَضَرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ هُنَالِكَ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةٍ لَهُمْ بِالصُّوفِيَّةِ، وَتَأَسَّفُوا عَلَيْهِ، وَتَرَحَّمُوا، وَتَزَاحَمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ فِي طَلَبِ مَدَارِسِهِ.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ
وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَسُلْطَانُ الْإِسْلَامِ بِالدِّيَارِ
الْمِصْرِيَّةِ، وَالشَّامِيَّةِ، وَالْحِجَازِيَّةِ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ
الْأَقَالِيمِ وَالرَّسَاتِيقِ - الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ صَلَاحُ الدِّينِ
مُحَمَّدُ ابْنُ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِ حَاجِّي ابْنِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ
مُحَمَّدِ ابْنِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ الصَّالِحِيُّ، وَمُدَبِّرُ
الْمَمَالِكِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَتَابِكُ الْعَسَاكِرِ الْأَمِيرُ سَيْفُ
الدِّينِ يَلْبُغَا، وَقُضَاةُ مِصْرَ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي
قَبْلَهَا، غَيْرَ أَنَّ ابْنَ جَمَاعَةَ قَاضِي الشَّافِعِيَّةِ، وَمُوَفَّقَ
الدِّينِ قَاضِي الْحَنَابِلَةِ فِي الْحِجَازِ الشَّرِيفِ. وَنَائِبُ دِمَشْقَ
الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ قُشْتُمُرُ الْمَنْصُورِيُّ، وَقَاضِي الْقُضَاةِ
الشَّافِعِيَّةِ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيِّ
الدِّينِ السُّبْكِيِّ، وَأَخُوهُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ مُقِيمٌ
بِمِصْرَ، وَقَاضِي قُضَاةِ الْحَنَفِيَّةِ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ ابْنُ
قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ الْكَفْرِيِّ; آثَرَهُ وَالِدَهُ
بِالْمَنْصِبِ، وَأَقَامَ عَلَى تَدْرِيسِ الرُّكْنِيَّةِ يَتَعَبَّدُ وَيَتْلُو،
وَيَنْجَمِعُ عَلَى الْعِبَادَةِ. وَقَاضِي قُضَاةِ الْمَالِكِيَّةِ جَمَالُ
الدِّينِ الْمَسَلَّاتِيُّ، وَقَاضِي قُضَاةِ الْحَنَابِلَةِ الشَّيْخُ جَمَالُ
الدِّينِ الْمَرْدَاوَيُّ، وَوَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ الشَّيْخُ صَلَاحُ الدِّينِ
الصَّفَدَيُّ، وَخَطِيبُ الْبَلَدِ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ جُمْلَةَ،
وَمُحْتَسِبُ الْبَلَدِ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ
ابْنُ الشَّيْرَجِيِّ، وَكَاتِبُ
السِّرِّ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَثِيرِ، قَدِمَ مِنَ
الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عِوَضًا عَنْ نَاصِرِ الدِّينِ بْنِ يَعْقُوبَ، وَكَانَ
قُدُومُهُ يَوْمَ سَلْخِ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، وَنَاظِرُ الدَّوَاوِينِ بَدْرُ
الدِّينِ حَسَنُ بْنُ النَّابُلُسِيِّ، وَنَاظِرُ الْخِزَانَةِ الْقَاضِي تَقِيُّ
الدِّينِ بْنُ أَبِي الطَّيِّبِ، وَنَاظِرُ الْجَيْشِ عَلَمُ الدِّينِ دَاوُدُ،
وَنَاظِرُ الْجَامِعِ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ مَرَاجِلٍ، وَدَخَلَ الْمَحْمَلُ
السُّلْطَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الثَّانِيَ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ
بَعْدَ الْعَصْرِ خَوْفًا مِنَ الْمَطَرِ، وَكَانَ وَقَعَ مَطَرٌ شَدِيدٌ قَبْلَ
أَيَّامٍ، فَتَلِفَ مِنْهُ غَلَّاتٌ كَثِيرَةٌ بِحَوْرَانَ، وَغَيْرِهَا،
وَمَشَاطِيخُ زَبِيبٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
رَاجِعُونَ.
وَفِي لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ بَعْدَ عِشَاءِ
الْآخِرَةِ، وَقَبْلَ دَقَّةِ الْقَلْعَةِ - دَخَلَ فَارِسٌ مِنْ نَاحِيَةِ بَابِ
الْفَرَجِ إِلَى نَاحِيَةِ بَابِ الْقَلْعَةِ الْجَوَّانِيَّةِ، وَمِنْ نَاحِيَةِ
الْبَابِ الْمَذْكُورِ سِلْسِلَةٌ، وَمِنْ نَاحِيَةِ بَابِ النَّصْرِ أُخْرَى،
جُدِّدَتَا لِئَلَّا يَمُرَّ رَاكِبٌ عَلَى بَابِ الْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ،
فَسَاقَ هَذَا الْفَارِسُ الْمَذْكُورُ عَلَى السِّلْسِلَةِ الْوَاحِدَةِ
فَقَطَعَهَا، ثُمَّ مَرَّ عَلَى الْأُخْرَى فَقَطَعَهَا، وَخَرَجَ مِنْ بَابِ
النَّصْرِ، وَلَمْ يُعْرَفْ; لِأَنَّهُ مُلَثَّمٌ.
وَفِي حَادِيَ عَشَرَ صَفَرٍ، وَقَبْلَهُ بِيَوْمٍ، قَدِمَ الْبَرِيدُ مِنَ
الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِطَلَبِ الْأَمِيرِ زَيْنِ الدِّينِ زُبَالَةَ -
أَحَدِ أُمَرَاءِ الْأُلُوفِ - إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مُكَرَّمًا،
وَقَدْ كَانَ عُزِلَ عَنْ نِيَابَةِ الْقَلْعَةِ بِسَبَبِ مَا تَقَدَّمَ، وَجَاءَ
الْبَرِيدُ أَيْضًا وَمَعَهُ التَّوَاقِيعُ الَّتِي كَانَتْ بِأَيْدِي
نَاسٍ كَثِيرٍ، زِيَادَاتٌ عَلَى
الْجَامِعِ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ، وَأُقِرُّوا عَلَى مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ،
وَكَانَ نَاظِرُ الْجَامِعِ الصَّاحِبُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ مَرَاجِلَ قَدْ
سَعَى فِي رَفْعِ مَا زِيدَ بَعْدَ التَّذْكِرَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي أَيَّامِ
صَرْغَتْمُشَ، فَلَمْ يَفِ ذَلِكَ، وَتَوَجَّهَ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ بْنُ
السُّبْكِيِّ قَاضِي قُضَاةِ الشَّامِ الشَّافِعِيُّ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى
الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ يَوْمَ الْأَحَدِ سَادِسَ عَشَرَ صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ
السَّنَةِ، وَخَرَجَ الْقُضَاةُ، وَالْأَعْيَانُ لِتَوْدِيعِهِ، وَقَدْ كَانَ
أَخْبَرَنَا عِنْدَ تَوْدِيعِهِ بِأَنَّ أَخَاهُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجَ الدِّينِ
قَدْ لَبِسَ خِلْعَةَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ
إِلَى الشَّامِ عِنْدَ وُصُولِهِ إِلَى دِيَارِ مِصْرَ، وَهَذَا مَسْرُورٌ جِدًّا
بِذَهَابِهِ إِلَى مِصْرَ، وَذَكَرَ لَنَا أَنَّ أَخَاهُ كَارِهٌ لِلشَّامِ.
وَأَنْشَدَنِي الْقَاضِي صَلَاحُ الدِّينِ الصَّفَدِيُّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ
رَابِعَ عَشَرَهُ لِنَفْسِهِ، فِيمَا عَكَسَ عَلَى الْمُتَنَبِّي فِي يَدَيْهِ
مِنْ قَصِيدَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:
إِذَا اعْتَادَ الْفَتَى خَوْضَ الْمَنَايَا فَأَيْسَرُ مَا يَمُرُّ بِهِ
الْوُحُولُ
، وَقَالَ:
دُخُولُ دِمَشْقَ يُكْسِبُنَا نُحُولًا كَأَنَّ لَهَا دُخُولًا فِي الْبَرَايَا
إِذَا اعْتَادَ الْغَرِيبُ الْخَوْضَ فِيهَا فَأَيْسَرُ مَا يَمُرُّ بِهِ
الْمَنَايَا
وَهَذَا شِعْرٌ قَوِيٌّ، وَعَكْسٌ
جَلِيٌّ لَفْظًا وَمَعْنَى.
وَفِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ عُمِلَتْ
خَيْمَةٌ حَافِلَةٌ بِالْبِيمَارَسْتَانِ الدَّقَّاقِيِّ جِوَارَ الْجَامِعِ;
بِسَبَبِ تَكَامُلِ تَجْدِيدِهِ قَرِيبَ السَّقْفِ مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ حَتَّى
قَنَاطِرِهِ الْأَرْبَعِ بِالْحِجَارَةِ الْبُلْقِ، وَجُعِلَ فِي أَعَالِيهِ
قَمَرِيَّاتٌ كِبَارٌ مُضِيئَةٌ، وَفَتَقَ فِي قِبْلَتِهِ إِيوَانًا حَسَنًا زَادَ
فِي أَعْمَاقِهِ أَضْعَافَ مَا كَانَ، وَبَيَّضَهُ جَمِيعَهُ بِالْجِصِّ الْحَسَنِ
الْمَلِيحِ، وَجُدِّدَتْ فِيهِ خَزَائِنُ، وَمَصَالِحُ، وَفُرُشٌ، وَلُحُفٌ
جُدُدٌ، وَأَشْيَاءُ حَسَنَةٌ فَأَثَابَهُ اللَّهُ، وَأَحْسَنَ جَزَاءَهُ، آمِينَ.
وَحَضَرَ الْخَيْمَةَ جَمَاعَاتٌ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْخَاصِّ وَالْعَوَّامِ،
وَلَمَّا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْأُخْرَى دَخَلَهُ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بَعْدَ
الصَّلَاةِ فَأَعْجَبَهُ مَا شَاهَدَهُ مِنَ الْعِمَارَاتِ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا
كَانَتْ عَلَيْهِ حَالُهُ قَبْلَ هَذِهِ الْعِمَارَةِ، فَاسْتَجَادَ ذَلِكَ مِنْ
صَنِيعِ النَّاظِرِ الْمَذْكُورِ.
وَفِي أَوَّلِ رَبِيعٍ الْآخِرِ قَدِمَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ
السُّبْكِيُّ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عَلَى قَضَاءِ الشَّامِ، عَوْدًا
عَلَى بَدْءٍ، يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ رَابِعَ عَشَرَهُ، فَبَدَأَ بِالسَّلَامِ
عَلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ بِدَارِ السَّعَادَةِ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى دَارِ
الْأَمِيرِ عَلِيٍّ بِالْقَصَّاعِينَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى
الْعَادِلِيَّةِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَجَاءَهُ النَّاسُ مِنَ الْخَاصِّ
وَالْعَامِّ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ، وَيُهَنِّئُونَهُ بِالْعَوْدِ، وَهُوَ
يَتَوَدَّدُ وَيَتَرَحَّبُ بِهِمْ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ صُبْحُ يَوْمِ الْخَمِيسِ
سَادِسَ عَشَرَهُ لَبِسَ الْخِلْعَةَ بِدَارِ السَّعَادَةِ، ثُمَّ جَاءَ فِي
أُبَّهَةٍ هَائِلَةٍ لَابِسَهَا إِلَى الْعَادِلِيَّةِ فَقُرِئَ تَقْلِيدُهُ بِهَا
بِحَضْرَةِ الْقُضَاةِ وَالْأَعْيَانِ، وَهَنَّأَهُ النَّاسُ، وَالشُّعَرَاءُ،
وَالْمُدَّاحُ.
وَأَخْبَرَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ
الدِّينِ بِمَوْتِ حُسَيْنٍ ابْنِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ، وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ
مِنْ بَنِيهِ لِصُلْبِهِ سِوَاهُ، فَفَرِحَ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ
وَكِبَارِ الدَّوْلَةِ; لِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ حِدَّةٍ، وَارْتِكَابِ أُمُورٍ
مُنْكَرَةٍ.
وَأَخْبَرَ بِمَوْتِ الْقَاضِي فَخْرِ الدِّينِ سُلَيْمَانَ ابْنِ الْقَاضِي
فَخْرِ الدِّينِ سُلَيْمَانَ ابْنِ الْقَاضِي عِمَادِ الدِّينِ بْنِ
الشَّيْرَجِيِّ، وَكَانَ قَدِ اتَّفَقَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ أَنَّهُ قُلِّدَ
حِسْبَةَ دِمَشْقَ عِوَضًا عَنْ أَبِيهِ; نَزَلَ لَهُ عَنْهَا بِاخْتِيَارِهِ
لِكِبَرِهِ وَضَعْفِهِ، وَخُلِعَ عَلَيْهِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَلَمْ
يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَرْكَبَ عَلَى الْبَرِيدِ، فَتَمَرَّضَ يَوْمًا، وَثَانِيًا،
وَتُوُفِّيَ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَتَأَلَّمَ وَالِدُهُ بِسَبَبِ
ذَلِكَ تَأَلُّمًا عَظِيمًا، وَعَزَاهُ النَّاسُ فِيهِ، وَوَجَدْتُهُ صَابِرًا
مُحْتَسِبًا بَاكِيًا مُسْتَرْجِعًا مُتَوَجِّعًا.
بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ بِوَضْعِ الشَّطْرِ مِنْ مَكْسِ الْغَنَمِ
مَعَ وِلَايَةِ الصَّاحِبِ سَعْدِ الدِّينِ مَاجِدِ بْنِ التَّاجِ إِسْحَاقَ مِنَ
الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عَلَى نَظَرِ الدَّوَاوِينِ بِالشَّامِ الْمَحْرُوسِ،
وَرُبَّمَا خُوطِبَ بِالْوِزَارَةِ عِوَضًا عَنِ الْبَدْرِ حَسَنِ بْنِ
النَّابُلُسِيِّ الَّذِي كَانَ نَاظِرَ الدَّوَاوِينِ قَبْلَهُ، فَفَرِحَ النَّاسُ
بِوِلَايَةِ هَذَا وَقُدُومِهِ، وَبِعَزْلِ الْأَوَّلِ وَانْصِرَافِهِ عَنِ
الْبَلَدِ فَرَحًا شَدِيدًا، وَمَعَهُ مَرْسُومٌ شَرِيفٌ بِوَضْعِ نِصْفِ
مَكْسِ الْغَنَمِ، وَكَانَ عَبْرَتُهُ
أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَنِصْفًا، فَصَارَ إِلَى دِرْهَمَيْنِ وَرُبْعِ دِرْهَمٍ،
وَقَدْ نُودِيَ بِذَلِكَ فِي الْبَلَدِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الْعِشْرِينَ مِنْ
شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ، فَفَرِحَ النَّاسُ بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا، وَلِلَّهِ
الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَتَضَاعَفَتْ أَدْعِيَتُهُمْ لِمَنْ كَانَ السَّبَبَ فِي
ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَكْثُرُ الْجَلَبُ بِرُخْصِ اللَّحْمِ عَلَى النَّاسِ،
وَيَأْخُذُ الدِّيوَانُ نَظِيرَ مَا كَانَ يُؤْخَذُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَدَّرَ
اللَّهُ تَعَالَى قُدُومَ وُفُودٍ وَقُفُولٍ بِتَجَائِرَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَأَخَذَ
مِنْهَا الدِّيوَانُ السُّلْطَانِيُّ فِي الزَّكَاةِ وَالْوِكَالَةِ، وَقَدِمَ
مَوَاكِبُ كَثِيرَةٌ، فَأُخِذَ مِنْهَا فِي الْعُشْرِ أَضْعَافُ مَا أُطْلِقَ مِنَ
الْمَكْسِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، ثُمَّ قُرِئَ عَلَى النَّاسِ بَعْدَ
صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الْعَصْرِ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الْعِشْرِينَ مِنْهُ ضُرِبَ الْفَقِيهُ شَمْسُ الدِّينِ
الصَّفَدِيُّ بِدَارِ السَّعَادَةِ بِسَبَبِ خَانَقَاهُ الطَّوَاوِيسِ، فَإِنَّهُ
جَاءَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ يَتَظَلَّمُونَ مِنْ كَاتِبِ السِّرِّ الَّذِي هُوَ
شَيْخُ الشُّيُوخِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ مَعَهُمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِشَرْطِ
الْوَاقِفِ مِمَّا فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهِمْ، فَتَكَلَّمَ الصَّفَدِيُّ
الْمَذْكُورُ بِكَلَامٍ فِيهِ غِلَظٌ، فَبُطِحَ لِيُضْرَبَ، فَشُفِعَ فِيهِ، ثُمَّ
تَكَلَّمَ فَشُفِعَ فِيهِ، ثُمَّ بُطِحَ الثَّالِثَةَ فَضُرِبَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ
إِلَى السِّجْنِ، ثُمَّ أُخْرِجَ بَعْدَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَحَدِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ دَرَّسَ
قَاضِي الْقُضَاةِ الشَّافِعِيُّ بِمَدَارِسِهِ، وَحَضَرَ دَرْسَ النَّاصِرِيَّةِ
الْجَوَّانِيَّةِ بِمُقْتَضَى شَرْطِ الْوَاقِفِ الَّذِي أَثْبَتَهُ أَخُوهُ
بَعْدَ مَوْتِ الْقَاضِي نَاصِرِ الدِّينِ كَاتِبِ السِّرِّ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ
مِنَ الْأَعْيَانِ
وَبَعْضُ الْقُضَاةِ، وَأَخَذَ فِي
سُورَةِ الْفَتْحِ، قُرِئَ عَلَيْهِ مِنْ تَفْسِيرِ وَالِدِهِ فِي قَوْلِهِ:
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [ الْفَتْحِ: 1 ].
وَفِي مُسْتَهَلِّ جُمَادَى الْأُولَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ صَلَاةِ
الْفَجْرِ - مَعَ الْإِمَامِ الْكَبِيرِ - صُلِّيَ عَلَى الْقَاضِي قُطْبِ
الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُحْسِنِ الْحَاكِمِ بِحِمْصَ، جَاءَ إِلَى دِمَشْقَ
لِتَلَقِّي أَخِي زَوْجَتِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ
الشَّافِعِيِّ، فَتَمَرَّضَ مُدَّةً ثُمَّ كَانَتْ وَفَاتُهُ بِدِمَشْقَ،
فَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَخَارِجَ بَابِ الْفَرَجِ،
ثُمَّ صَعِدُوا بِهِ إِلَى سَفْحِ جَبَلِ قَاسِيُونَ، وَقَدْ جَاوَزَ
الثَّمَانِينَ بِسَنَتَيْنِ، وَقَدْ حَدَّثَ وَرَوَى شَيْئًا يَسِيرًا، رَحِمَهُ
اللَّهُ.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ قَدِمَ قَاضِيَا قُضَاةِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ
بِحَلَبَ، وَالْخَطِيبُ بِهَا، وَالشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ الْأَذْرَعِيُّ،
وَالشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْبَارِينِيُّ، وَآخَرُونَ مَعَهُمْ، فَنَزَلُوا
بِالْمَدْرَسَةِ الْإِقْبَالِيَّةِ، وَهُمْ وَقَاضِي قُضَاتِهِمُ الشَّافِعِيُّ -
وَهُوَ كَمَالُ الدِّينِ الْمِصْرِيُّ - مَطْلُوبُونَ إِلَى الدِّيَارِ
الْمِصْرِيَّةِ، فَتَحَرَّرَ مَا ذَكَرُوهُ عَنْ قَاضِيهِمْ، وَمَا نَقَمُوهُ
عَلَيْهِ مِنَ السِّيرَةِ السَّيِّئَةِ فِيمَا يَذْكُرُونَ فِي الْمَوَاقِفِ
الشَّرِيفَةِ بِمِصْرَ، وَتَوَجَّهُوا إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ يَوْمَ
السَّبْتِ عَاشِرِهِ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ قَدِمَ الْأَمِيرُ زَيْنُ الدِّينِ زُبَالَةَ نَائِبُ
الْقَلْعَةِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عَلَى الْبَرِيدِ فِي تَجَمُّلٍ
عَظِيمٍ هَائِلٍ، وَتَلَقَّاهُ النَّاسُ بِالشُّمُوعِ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ،
وَنَزَلَ بِدَارِ الذَّهَبِ، وَرَاحَ النَّاسُ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ
وَتَهْنِئَتِهِ بِالْعَوْدِ إِلَى نِيَابَةِ
الْقَلْعَةِ عَلَى عَادَتِهِ، وَهَذِهِ
ثَالِثُ مَرَّةٍ وَلِيَهَا; لِأَنَّهُ مَشْكُورُ السِّيرَةِ فِيهَا، وَلَهُ فِيهَا
سَعْيٌ مَحْمُودٌ فِي أَوْقَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ حَادِيَ عَشَرَهُ صَلَّى نَائِبُ السَّلْطَنَةِ
وَالْقَاضِيَانِ الشَّافِعِيُّ وَالْحَنَفِيُّ، وَكَاتِبُ السِّرِّ، وَجَمَاعَةٌ
مِنَ الْأُمَرَاءِ، وَالْأَعْيَانِ - بِالْمَقْصُورَةِ، وَقُرِئَ كِتَابُ
السُّلْطَانِ عَلَى السُّدَّةِ بِوَضْعٍ مَكْسِ الْغَنَمِ إِلَى كُلِّ رَأْسٍ
بِدِرْهَمَيْنِ، فَتَضَاعَفَتِ الْأَدْعِيَةُ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ، وَلِمَنْ كَانَ
السَّبَبَ فِي ذَلِكَ.
غَرِيبَةٌ مِنَ الْغَرَائِبِ، وَعَجِيبَةٌ مِنَ الْعَجَائِبِ
وَقَدْ كَثُرَتِ الْمِيَاهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَزَادَتِ الْأَنْهَارُ
زِيَادَةً كَثِيرَةً جِدًّا، بِحَيْثُ إِنَّهُ فَاضَ الْمَاءُ فِي سُوقِ الْخَيْلِ
مِنْ نَهْرِ بَرَدَى حَتَّى عَمَّ جَمِيعَ الْعَرْصَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِمَوْقِفِ
الْمَوْكِبِ، بِحَيْثُ إِنَّهُ أُجْرِيَتْ فِيهِ الْمَرَاكِبُ بِالْكِرَا،
وَرَكِبَتْ فِيهِ الْمَارَّةُ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ
جُمَعًا مُتَعَدِّدَةً، وَامْتَنَعَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ وَالْجَيْشُ مِنَ
الْوُقُوفِ هُنَاكَ، وَرُبَّمَا وَقَفَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بَعْضَ الْأَيَّامِ
تَحْتَ الطَّارِمَةِ تُجَاهَ بَابِ الْإِسْطَبْلِ السُّلْطَانِيِّ، وَهَذَا أَمْرٌ
لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ، وَلَا رَأَيْتُهُ قَطُّ فِي مُدَّةِ عُمْرِي، وَقَدْ
سَقَطَتْ بِسَبَبِ ذَلِكَ بِنَايَاتٌ وَدُورٌ كَثِيرَةٌ، وَتَعَطَّلَتْ طَوَاحِينُ
كَثِيرَةٌ غَمَرَهَا الْمَاءُ.
وَفِي لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ الْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى تُوُفِّيَ
الصَّدْرُ شَمْسُ الدِّينِ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ الشَّيْخِ
عِزِّ الدِّينِ بْنِ مُنَجَّا التَّنُوخِيُّ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ،
وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَدُفِنَ
بِالسَّفْحِ.
وَفِي صَبِيحَةِ هَذَا الْيَوْمِ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ
بْنُ أَحْمَدَ الْقُونَوِيُّ الْحَنَفِيُّ، خَطِيبُ جَامِعِ يَلْبُغَا، وَصُلِّيَ
عَلَيْهِ عَقِيبَ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَيْضًا، وَدُفِنَ بِالصُّوفِيَّةِ، وَقَدْ
بَاشَرَ عِوَضَهُ الْخَطَابَةَ وَالْإِمَامَةَ، قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ
الدِّينِ الْكَفْرِيُّ الْحَنَفِيُّ.
وَفِي عَصْرِ هَذَا الْيَوْمِ تُوُفِّيَ الْقَاضِي عَلَاءُ الدِّينِ ابْنُ
الْقَاضِي شَرَفِ الدِّينِ ابْنِ الْقَاضِي شَمْسِ الدِّينِ بْنِ الشِّهَابِ
مَحْمُودٍ الْحَلَبِيُّ، أَحَدُ مُوَقِّعِي الدَّسْتِ بِدِمَشْقَ، وَصُلِّيَ
عَلَيْهِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَدُفِنَ بِالسَّفْحِ.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ خَطَبَ قَاضِي
الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ الْكَفْرِيُّ الْحَنَفِيُّ بِجَامِعِ يَلْبُغَا
عِوَضًا عَنِ الشَّيْخِ نَاصِرِ الدِّينِ بْنِ الْقُونَوِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى، وَحَضَرَ عِنْدَهُ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ
قُشْتُمُرُ، وَصَلَّى مَعَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ الشَّافِعِيُّ
بِالشُّبَّاكِ الْغَرْبِيِّ الْقِبْلِيِّ مِنْهُ، وَحَضَرَ خَلْقٌ مِنَ
الْأُمَرَاءِ وَالْأَعْيَانِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَخَطَبَ ابْنُ
نُبَاتَةَ بِأَدَاءٍ حَسَنٍ، وَفَصَاحَةٍ بَلِيغَةٍ، هَذَا مَعَ عِلْمِ أَنَّ
كُلَّ مَرْكَبٍ صَعْبٌ.
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ خَامِسَ عَشَرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ تَوَجَّهَ الشَّيْخُ
شَرَفُ الدِّينِ
الْقَاضِي الْحَنْبَلِيُّ إِلَى
الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِطَلَبِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ يَلْبُغَا فِي
كِتَابٍ كَتَبَهُ إِلَيْهِ يَسْتَدْعِيهِ، وَيَسْتَحِثُّهُ فِي الْقُدُومِ
عَلَيْهِ.
وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ ثَانِي شَهْرِ رَجَبٍ سَقَطَ اثْنَانِ سُكَارَى مِنْ
سَطْحٍ بِحَارَةِ الْيَهُودِ، أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ يَهُودِيٌّ،
فَمَاتَ الْمُسْلِمُ مِنْ سَاعَتِهِ، وَانْقَلَعَتْ عَيْنُ الْيَهُودِيِّ
وَانْكَسَرَتْ يَدُهُ، لَعَنَهُ اللَّهُ، وَحُمِلَ إِلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ
فَلَمْ يُحِرْ جَوَابًا.
وَرَجَعَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ بَعْدَمَا قَارَبَ غَزَّةَ
; لِمَا بَلَغَهُ مِنَ الْوَبَاءِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَعَادَ إِلَى
الْقُدْسِ الشَّرِيفِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى وَطَنِهِ فَأَصَابَ السُّنَّةَ، وَقَدْ
وَرَدَتْ كُتُبٌ كَثِيرَةٌ تُخْبِرُ بِشِدَّةِ الْوَبَاءِ وَالطَّاعُونِ بِمِصْرَ،
وَأَنَّهُ يُضْبَطُ مِنْ أَهْلِهَا فِي النَّهَارِ نَحْوَ الْأَلْفِ، وَأَنَّهُ
مَاتَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ يُعْرَفُونَ كَوَلَدَيْ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ
الْمُنَاوِيِّ، وَكَاتِبِ الْحَكَمِ بْنِ الْفُرَاتِ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ
أَجْمَعِينَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَجَاءَ الْخَبَرُ فِي أَوَاخِرِ شَهْرِ رَجَبٍ بِمَوْتِ جَمَاعَةٍ بِمِصْرَ ;
مِنْهُمْ أَبُو حَاتِمٍ ابْنُ الشَّيْخِ بَهَاءِ الدِّينِ السُّبْكِيُّ
الْمِصْرِيُّ بِمِصْرَ، وَهُوَ شَابٌّ لَمْ يَسْتَكْمِلِ الْعِشْرِينَ، وَقَدْ
دَرَّسَ بِعِدَّةِ جِهَاتٍ بِمِصْرَ وَخَطَبَ، فَفَقَدَهُ وَالِدُهُ، وَتَأَسَّفَ
النَّاسُ عَلَيْهِ، وَعَزَّوْا فِيهِ عَمَّهُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجَ الدِّينِ
السُّبْكِيَّ قَاضِي الشَّافِعِيَّةِ بِدِمَشْقَ. وَجَاءَ الْخَبَرُ بِمَوْتِ
قَاضِي الْقُضَاةِ شِهَابِ الدِّينِ أَحْمَدَ الرَّبَاحِيِّ الْمَالِكِيِّ، كَانَ
بِحَلَبَ، وَلِيَهَا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ عُزِلَ، فَقَصَدَ مِصْرَ، وَاسْتَوْطَنَهَا
مُدَّةً لِيَتَمَكَّنَ مِنَ السَّعْيِ فِي الْعَوْدَةِ، فَأَدْرَكَتْهُ
مَنِيَّتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْفَنَاءِ، وَوَلَدَانِ لَهُ مَعَهُ
أَيْضًا.
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ سَادِسِ
شَعْبَانَ تَوَجَّهَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ فِي صُحْبَةِ جُمْهُورِ الْأُمَرَاءِ
إِلَى نَاحِيَةِ تَدْمُرَ; لِأَجْلِ الْأَعْرَابِ وَأَصْحَابِ حَيَّارِ بْنِ
مُهَنَّا وَمَنِ الْتَفَّ عَلَيْهِ مِنْهُمْ، وَقَدْ دَمَّرَ بَعْضُهُمْ بَلَدَ
تَدْمُرَ، وَحَرَّقُوا كَثِيرًا مِنْ أَشْجَارِهَا وَرَعَوْهَا، وَانْتَهَبُوا
شَيْئًا كَثِيرًا، وَخَرَجُوا عَنِ الطَّاعَةِ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ قَطْعِ
إِقْطَاعَاتِهِمْ، وَتَمَلُّكِ أَمْلَاكِهِمْ، وَالْحَيْلُولَةِ عَلَيْهِمْ،
فَرَكِبَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بِمَنْ مَعَهُ - كَمَا ذَكَرْنَا - لِطَرْدِهِمْ
عَنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَفِي صُحْبَتِهِمُ الْأَمِيرُ حَمْزَةُ بْنُ
الْخَيَّاطِ أَحَدُ أُمَرَاءِ الطَّبْلَخَانَاهْ، وَقَدْ كَانَ حَاجِبًا
لِحَيَّارٍ قَبْلَ ذَلِكَ، فَرَجَعَ عَنْهُ، وَأَلَّبَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَمِيرِ
الْكَبِيرِ يَلْبُغَا الْخَاصِّكِيِّ، وَوَعَدَهُ إِنْ هُوَ أَمَّرَهُ وَكَبَّرَهُ
أَنْ يَظْفَرَ بِحَيَّارٍ، وَأَنْ يَأْتِيَهُ بِرَأْسِهِ، فَفَعَلَ مَعَهُ ذَلِكَ،
فَقَدِمَ إِلَى دِمَشْقَ وَمَعَهُ مَرْسُومٌ بِرُكُوبِ الْجَيْشِ مَعَهُ إِلَى
حَيَّارٍ وَأَصْحَابِهِ، فَسَارُوا كَمَا ذَكَرْنَا، فَوَصَلُوا إِلَى تَدْمُرَ،
وَهَرَبَتِ الْأَعْرَابُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ نَائِبِ الشَّامِ يَمِينًا
وَشِمَالًا، وَلَمْ يُوَاجِهُوهُ هَيْبَةً لَهُ، وَلَكِنَّهُمْ يَتَحَرَّفُونَ
عَلَى حَمْزَةَ بْنِ الْخَيَّاطِ، ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُمْ بَيَّتُوا الْجَيْشَ،
فَقَتَلُوا مِنْهُ طَائِفَةً، وَجَرَحُوا آخَرِينَ، وَأَسَرُوا آخَرِينَ فَإِنَّا
لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
سَلْطَنَةُ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ نَاصِرِ الدِّينِ شَعْبَانَ بْنِ حُسَيْنٍ ابْنِ
الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ بْنِ قَلَاوُونَ فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ خَامِسَ
عَشَرَ شَعْبَانَ
لَمَّا كَانَ عَشِيَّةَ السَّبْتِ تَاسِعَ عَشَرَ شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ
- أَعْنِي سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ - قَدِمَ أَمِيرٌ مِنَ
الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَنَزَلَ بِالْقَصْرِ الْأَبْلَقِ، وَأَخْبَرَ
بِزَوَالِ مَمْلَكَةِ الْمَلِكِ
الْمَنْصُورِ بْنِ الْمُظَفَّرِ حَاجِّي ابْنِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ
بْنِ قَلَاوُونَ، وَمُسِكَ، وَاعْتُقِلَ، وَبُويِعَ لِلْمَلِكِ الْأَشْرَفِ
شَعْبَانَ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ النَّاصِرِ بْنِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ، وَلَهُ
مِنَ الْعُمْرِ قَرِيبُ الْعَشْرِ، فَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ بِالْقَلْعَةِ
الْمَنْصُورَةِ، وَأَصْبَحَ النَّاسُ يَوْمَ الْأَحَدِ فِي الزِّينَةِ.
وَأَخْبَرَنِي قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ وَالصَّاحِبُ سَعْدُ الدِّينِ
مَاجِدٌ نَاظِرُ الدَّوَاوِينِ، أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ
الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ شَعْبَانَ عُزِلَ الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ، وَأُودِعَ
مَنْزِلَهُ، وَأُجْلِسَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ نَاصِرُ الدِّينِ شَعْبَانُ عَلَى
سَرِيرِ الْمَلِكِ، وَبُويِعَ لِذَلِكَ، وَقَدْ وَقَعَ رَعْدٌ فِي هَذَا الْيَوْمِ
وَمَطَرٌ كَثِيرٌ، وَجَرَتِ الْمَزَارِيبُ، فَصَارَ غُدْرَانًا فِي الطُّرُقَاتِ،
وَذَلِكَ فِي خَامِسِ حُزَيْرَانَ، فَتَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ، هَذَا
وَقَدْ وَقَعَ وَبَاءٌ فِي مِصْرَ فِي أَوَّلِ شَعْبَانَ فَتَزَايِدَ،
وَجُمْهُورُهُ فِي الْيَهُودِ، وَقَدْ وَصَلُوا إِلَى الْخَمْسِينَ فِي كُلِّ
يَوْمٍ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سَابِعِهِ اشْتَهَرَ الْخَبَرُ عَنِ الْجَيْشِ بِأَنَّ
الْأَعْرَابَ اعْتَرَضُوا التَّجْرِيدَةَ الْقَاصِدِينَ إِلَى الرَّحْبَةِ،
وَأَوْقَفُوهُمْ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ، وَنَهَبُوا، وَجَرَحُوا، وَقَدْ سَارَ
الْبَرِيدُ خَلْفَ النَّائِبِ وَالْأُمَرَاءِ لِيَقْدَمُوا إِلَى الْبَلَدِ
لِأَجْلِ الْبَيْعَةِ لِلسُّلْطَانِ الْجَدِيدِ، جَعَلَهُ اللَّهُ مُبَارَكًا
عَلَى الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَدِمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ الْمُنْهَزِمِينَ
مِنَ الْأَعْرَابِ فِي أَسْوَأِ حَالٍ وَذِلَّةٍ، ثُمَّ جَاءَ الْبَرِيدُ مِنَ
الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِرَدِّهِمْ إِلَى الْعَسْكَرِ الَّذِي مَعَ نَائِبِ
السَّلْطَنَةِ عَلَى تَدْمُرَ، مُتَوَعِّدِينَ بِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ،
وَقَطْعِ الْإِقْطَاعَاتِ.
وَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ تَفَاقَمَ الْحَالُ بِسَبَبِ الطَّاعُونِ، فَإِنَّا
لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ،
وَجُمْهُورُهُ فِي الْيَهُودِ،
لَعَلَّهُ قَدْ فُقِدَ مِنْهُمْ مِنْ مُسْتَهَلِّ شَعْبَانَ إِلَى مُسْتَهَلِّ
رَمَضَانَ نَحْوَ الْأَلْفِ نَسَمَةٍ خَبِيثَةٍ، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ
الْقَاضِي صَلَاحُ الدِّينِ الصَّفَدِيُّ وَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ كَثُرَ
ذَلِكَ فِيهِمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ جِدًّا، وَغَدَتِ الْعِدَّةُ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ وَالذِّمَّةِ ثَمَانِينَ.
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ حَادِيَ عَشَرَهُ صَلَّيْنَا بَعْدَ الظُّهْرِ عَلَى
الشَّيْخِ الْمُعَمَّرِ الصَّدْرِ بَدْرِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ الزَّقَّاقِ
الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْجَوُخِيِّ، وَعَلَى الشَّيْخِ صَلَاحِ الدِّينِ مُحَمَّدِ
بْنِ شَاكِرِ الْكُتْبِيِّ، تَفَرَّدَ فِي صِنَاعَتِهِ، وَجَمَعَ تَارِيخًا
مُفِيدًا نَحْوًا مِنْ عَشْرِ مُجَلَّدَاتٍ، وَكَانَ يَحْفَظُ وَيُذَاكِرُ
وَيُفِيدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَسَامَحَهُ.
وَفَاةُ الْخَطِيبِ جَمَالِ الدِّينِ مَحْمُودِ بْنِ جُمْلَةَ الْمَحَجِّيِّ
الشَّافِعِيِّ وَمُبَاشَرَةُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ الشَّافِعِيِّ
بَعْدَهُ
كَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ قَرِيبًا مِنَ الْعَصْرِ،
فَصَلَّى بِالنَّاسِ
بِالْمِحْرَابِ صَلَاةَ الْعَصْرِ
قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ الشَّافِعِيُّ عِوَضًا عَنْهُ،
وَصَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ أَيْضًا، وَقَرَأَ بِآخِرِ " الْمَائِدَةِ
" مِنْ قَوْلِهِ: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ [ الْمَائِدَةِ: 109 ]
ثُمَّ لَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَزَالَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ صُلِّيَ عَلَى
الْخَطِيبِ جَمَالِ الدِّينِ عِنْدَ بَابِ الْخَطَابَةِ، وَكَانَ الْجَمْعُ فِي
الْجَامِعِ كَثِيرًا، وَخُرِجَ بِجَنَازَتِهِ مِنْ بَابِ الْبَرِيدِ، وَخَرَجَ
مَعَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعَوَامِّ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ حَضَرَ جَنَازَتَهُ بِالصَّالِحِيَّةِ
عَلَى - مَا ذُكِرَ - جَمٌّ غَفِيرٌ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ، وَنَالَ قَاضِيَ الْقُضَاةِ
الشَّافِعِيَّ مِنْ بَعْضِ الْجَهَلَةِ إِسَاءَةُ أَدَبٍ، فَأُخِذَ مِنْهُمْ
جَمَاعَةٌ وَأُدِّبُوا، وَحَضَرَ هُوَ بِنَفْسِهِ صَلَاةَ الظُّهْرِ يَوْمَئِذٍ،
وَكَذَا بَاشَرَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ; يَأْتِي
لِلْجَامِعِ فِي مَحْفِلٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْأَعْيَانِ وَغَيْرِهِمْ ذَهَابًا
وَإِيَابًا، وَخَطَبَ عَنْهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ ابْنُ
قَاضِي الزَّبَدَانِيِّ، وَكَذَلِكَ يَوْمَ الْعِيدِ بِالْمُصَلَّى، وَخُطْبَةَ
الْجُمُعَةِ يَوْمَئِذٍ، وَامَتَنَعَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ مِنَ
الْمُبَاشَرَةِ، حَتَّى يَأْتِيَ التَّشْرِيفُ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ صُلِّيَ عَلَى الشَّيْخِ شِهَابِ
الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَعْلَبَكِّيِّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ
النَّقِيبِ، وَدُفِنَ بِالصُّوفِيَّةِ، وَقَدْ قَارَبَ السَّبْعِينَ أَوْ
جَاوَزَهَا، وَكَانَ بَارِعًا فِي الْقِرَاءَاتِ، وَالنَّحْوِ، وَالتَّصْرِيفِ،
وَالْعَرَبِيَّةِ، وَلَهُ يَدٌ فِي الْفِقْهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَوَلِيَ
مَكَانَهُ مَشْيَخَةَ الْإِقْرَاءِ بِأُمِّ الصَّالِحِ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ
بْنُ اللَّبَّانِ، وَبِالتُّرْبَةِ الْأَشْرَفِيَّةِ الشَّيْخُ أَمِينُ الدِّينِ
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ السَّلَّارِ.
وَقَدِمَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ مِنْ نَاحِيَةِ الرَّحْبَةِ وَتَدْمُرَ، وَفِي
صُحْبَتِهِ الْجَيْشُ الَّذِينَ كَانُوا
مَعَهُ بِسَبَبِ مُحَارَبَتِهِ آلِ
مُهَنَّا، وَذَوِيهِمْ مِنَ الْأَعْرَابِ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ سَادِسِ
شَوَّالٍ.
وَفِي لَيْلَةِ الْأَحَدِ عَاشِرِهِ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ صَلَاحُ الدِّينِ خَلِيلُ
بْنُ أَيْبَكَ وَكَيْلُ بَيْتِ الْمَالِ وَمُوَقِّعُ الدَّسْتِ، وَصُلِّيَ
عَلَيْهِ صَبِيحَةَ الْأَحَدِ بِالْجَامِعِ، وَدُفِنَ بِالصُّوفِيَّةِ، وَقَدْ
كَتَبَ الْكَثِيرَ مِنَ التَّارِيخِ، وَاللُّغَةِ، وَالْأَدَبِ، وَلَهُ
الْأَشْعَارُ الْفَائِقَةُ، وَالْفُنُونُ الْمُتَنَوِّعَةُ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ،
وَكَتَبَ مَا يُقَارِبُ مِئِينَ مِنَ الْمُجَلَّدَاتِ.
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ عَاشِرِهِ جُمِعَ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ بِدَارِ
السَّعَادَةِ، وَكَتَبُوا خُطُوطَهُمْ بِالرِّضَا بِخَطَابَةِ قَاضِي الْقُضَاةِ
تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَكَاتَبَ نَائِبَ
السَّلْطَنَةِ فِي ذَلِكَ.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ حَادِيَ عَشَرَهُ اسْتَقَرَّ عَزْلُ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ
سَيْفِ الدِّينِ قُشْتُمُرَ عَنْ نِيَابَةِ دِمَشْقَ، وَأُمِرَ بِالْمَسِيرِ إِلَى
نِيَابَةِ صَفَدَ، فَأَنْزَلَ أَهْلَهُ بِدَارِ طَيْبُغَا حَاجِّي مِنَ الشَّرَفِ
الْأَعْلَى، وَبَرَزَ هُوَ إِلَى سَطْحِ الْمِزَّةِ ذَاهِبًا إِلَى نَاحِيَةِ
صَفَدَ.
وَخَرَجَ الْمَحْمَلُ صُحْبَةَ الْحَجِيجِ، وَهُمْ جَمٌّ غَفِيرٌ، وَخَلْقٌ
كَثِيرٌ - يَوْمَ الْخَمِيسِ رَابِعَ عَشَرَ شَوَّالٍ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ تُوُفِّيَ
الْقَاضِي أَمِينُ الدِّينِ أَبُو حَيَّانِ ابْنُ أَخِي قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالِ
الدِّينِ الْمَسَلَّاتِيُّ الْمَالِكِيُّ، وَزَوْجُ ابْنَتِهِ وَنَائِبُهُ فِي
الْحُكْمِ مُطْلَقًا، وَفِي الْقَضَاءِ وَالتَّدْرِيسِ - فِي غَيْبَتِهِ،
فَعَالَجَتْهُ الْمَنِيَّةُ.
وَمِنْ غَرِيبِ مَا وَقَعَ فِي
أَوَاخِرِ هَذَا الشَّهْرِ أَنَّهُ اشْتَهَرَ بَيْنَ النِّسَاءِ وَكَثِيرٍ مِنَ
الْعَوَامِّ أَنَّ رَجُلًا رَأَى مَنَامًا فِيهِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ شَجَرَةِ تُوتَةٍ عِنْدَ مَسْجِدِ
ضِرَارٍ خَارِجَ بَابِ شَرْقِيِّ، فَتَبَادَرَ النِّسَاءُ إِلَى تَخْلِيقِ تِلْكَ
التُّوتَةِ، وَأَخَذُوا أَوْرَاقَهَا لِلِاسْتِشْفَاءِ مِنَ الْوَبَاءِ، وَلَكِنْ
لَمْ يَظْهَرْ صِدْقُ ذَلِكَ الْمَنَامِ، وَلَا يَصِحُّ عَمَّنْ يَرْوِيهِ.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَابِعِ شَهْرِ ذِي الْقَعْدَةِ خَطَبَ بِجَامِعِ
دِمَشْقَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ خُطْبَةً بَلِيغَةً
فَصِيحَةً أَدَّاهَا أَدَاءً حَسَنًا، وَقَدْ كَانَ يَخْشَى مِنْ طَائِفَةٍ مِنَ
الْعَوَامِّ أَنْ يُشَوِّشُوا، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ، بَلْ ضَجُّوا
عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ وَغَيْرِهَا، وَأَعْجَبَهُمُ الْخَطِيبُ وَخَطَبَتُهُ،
وَأَدَاؤُهُ، وَتَبْلِيغُهُ، وَمَهَابَتُهُ، وَاسْتَمَرَّ يَخْطُبُ هُوَ
بِنَفْسِهِ.
وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ ثَامِنَ عَشَرَهُ تُوُفِّيَ الصَّاحِبُ تَقِيُّ
الدِّينِ سُلَيْمَانُ بْنُ مَرَاجِلٍ، نَاظِرُ الْجَامِعُ الْأُمَوِيُّ
وَغَيْرُهُ، وَقَدْ بَاشَرَ نَظَرَ الْجَامِعِ فِي أَيَّامِ تَنْكِزَ، وَعَمَرَ الْجَانِبَ
الْغَرْبِيَّ مِنَ الْحَائِطِ الْقِبْلِيِّ، وَكَمَّلَ رُخَامَهُ كُلَّهُ،
وَفَتَقَ مِحْرَابًا لِلْحَنَفِيَّةِ فِي الْحَائِطِ الْقِبْلِيِّ، وَمِحْرَابًا
لِلْحَنَابِلَةِ فِيهِ أَيْضًا فِي غَرْبَيِّهِ، وَأَثَّرَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً
فِيهِ، وَكَانَتْ لَهُ هِمَّةٌ، وَيُنْسَبُ إِلَى أَمَانَةٍ، وَصَرَامَةٍ،
وَمُبَاشَرَةٍ مَشْكُورَةٍ مَشْهُورَةٍ، وَدُفِنَ بِتُرْبَةٍ أَنْشَأَهَا تُجَاهَ
دَارِهِ بِالْقُبَيْبَاتِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ.
وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ تَاسِعَ عَشَرَهُ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ بَهَاءُ
الدِّينِ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْإِخْمِيمِيُّ الْمِصْرِيُّ، إِمَامُ مَسْجِدِ
دَرْبِ الْحَجَرِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَصْرِ
بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَدُفِنَ
بِقَصْرِ ابْنِ الْحَلَّاجِ عِنْدَ الطَّيُورِيِّينَ بِزَاوِيَةٍ لِبَعْضِ
الْفُقَرَاءِ الْخَزَنَةِ هُنَاكَ، وَقَدْ كَانَ لَهُ يَدٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ،
وَصَنَّفَ فِي الْكَلَامِ كِتَابًا مُشْتَمِلًا عَلَى أَشْيَاءَ مَقْبُولَةٍ
وَغَيْرِ مَقْبُولَةٍ.
دُخُولُ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ مَنْكَلِي بُغَا
فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ دَخَلَ
نَائِبُ السَّلْطَنَةِ مَنْكَلِي بُغَا مِنْ حَلَبَ إِلَى دِمَشْقَ نَائِبًا
عَلَيْهَا فِي تَجَمُّلٍ هَائِلٍ، وَلَكِنَّهُ مُسْتَمْرِضٌ فِي بَدَنِهِ بِسَبَبِ
مَا كَانَ نَالَهُ مِنَ التَّعَبِ فِي مُصَابَرَةِ الْأَعْرَابِ، فَنَزَلَ دَارَ
السَّعَادَةِ عَلَى الْعَادَةِ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ مُسْتَهَلِّ ذِي الْحِجَّةِ خُلِعَ عَلَى قَاضِي
الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ الشَّافِعِيِّ لِلْخَطَابَةِ بِجَامِعِ
دِمَشْقَ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ يَخْطُبُ بِنَفْسِهِ كُلَّ
جُمُعَةٍ. وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ ثَانِيهِ قَدِمَ الْقَاضِي فَتْحُ الدِّينِ
بْنُ الشَّهِيدِ، وَلَبِسَ الْخِلْعَةَ، وَرَاحَ النَّاسُ لِتَهْنِئَتِهِ. وَفِي
يَوْمِ الْخَمِيسِ حَضَرَ الْقَاضِي فَتْحُ الدِّينِ بْنُ الشَّهِيدِ - كَاتِبُ السِّرِّ
- مَشْيَخَةَ السُّمَيْسَاطِيَّةِ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ
بَعْدَ الظُّهْرِ، وَخُلِعَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ أَيْضًا، وَحَضَرَ فِيهَا مِنَ
الْغَدِ عَلَى الْعَادَةِ، وَخُلِعَ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَلَى وَكِيلِ بَيْتِ
الْمَالِ الشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ الرَّهَاوِيِّ، وَعَلَى الشَّيْخِ
شِهَابِ الدِّينِ الزُّهْرِيِّ بِفُتْيَا دَارِ الْعَدْلِ.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ
وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَسُلْطَانُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ،
وَالشَّامِيَّةِ، وَالْحَرَمَيْنِ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ - الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ
نَاصِرُ الدِّينِ شَعْبَانُ ابْنُ سَيِّدِي حُسَيْنٍ ابْنِ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ
النَّاصِرِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ الصَّالِحِيُّ، وَهُوَ فِي
عُمْرِ عَشْرِ سِنِينَ، وَمُدَبِّرُ الْمَمَالِكِ بَيْنَ يَدَيْهِ الْأَمِيرُ
الْكَبِيرُ نِظَامُ الْمُلْكِ سَيْفُ الدِّينِ يَلْبُغَا الْخَاصِّكِيُّ،
وَقُضَاةُ مِصْرَ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي السَّنَةِ الَّتِي قَبْلَهَا،
وَوَزِيرُهَا فَخْرُ الدِّينِ بْنُ قَرَوِينَهَ، وَنَائِبُ دِمَشْقَ الْأَمِيرُ سَيْفُ
الدِّينِ مَنْكَلِي بُغَا الشَّمْسِيُّ، وَهُوَ مَشْكُورِ السِّيرَةِ،
وَقُضَاتُهَا هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي السَّنَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَنَاظِرُ
الدَّوَاوِينِ بِهَا الصَّاحِبُ سَعْدُ الدِّينِ مَاجِدٌ، وَنَاظِرُ الْجَيْشِ
عَلَمُ الدِّينِ دَاوُدُ، وَكَاتِبُ السِّرِّ الْقَاضِي فَتْحُ الدِّينِ بْنُ
الشَّهِيدِ، وَوَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ بْنُ
الرَّهَاوِيِّ.
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَدَاءُ الْفَنَاءِ مَوْجُودٌ فِي النَّاسِ، إِلَّا
أَنَّهُ خَفَّ وَقَلَّ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ تَوَجَّهَ
قَاضِي الْقُضَاةِ - وَكَانَ بَهَاءَ الدِّينِ أَبَا الْبَقَاءِ السُّبْكِيَّ -
إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مَطْلُوبًا مِنْ جِهَةِ الْأَمِيرِ يَلْبُغَا،
وَفِي الْكِتَابِ إِجَابَتُهُ لَهُ إِلَى مَا سَأَلَ. وَتَوَجَّهَ بَعْدَهُ قَاضِي
الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ - الْحَاكِمُ بِدِمَشْقَ وَخَطِيبُهَا - يَوْمَ
الِاثْنَيْنِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ
الْمُحَرَّمِ عَلَى خَيْلِ الْبَرِيدِ. وَتَوَجَّهَ بَعْدَهُمَا الشَّيْخُ شَرَفُ
الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ الْحَنْبَلِيُّ، مَطْلُوبًا إِلَى الدِّيَارِ
الْمِصْرِيَّةِ، وَكَذَلِكَ تَوَجَّهَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ
الْمَنْفَلُوطِيُّ مَطْلُوبًا.
وَتُوُفِّيَ فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ مِنَ الْمُحَرَّمِ صَاحَبُنَا الشَّيْخُ
شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْعَطَّارِ الشَّافِعِيُّ، كَانَ لَدَيْهِ فَضِيلَةٌ،
وَاشْتِغَالٌ، وَلَهُ فَهْمٌ، وَعَلَّقَ بِخَطِّهِ فَوَائِدَ جَيِّدَةً، وَكَانَ
إِمَامًا بِالسِّجْنِ مَنَّ مَشْهَدِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِجَامِعِ
دِمَشْقَ، وَمُصَدَّرًا بِالْجَامِعِ، وَفَقِيهًا بِالْمَدَارِسِ، وَلَهُ
مَشْيَخَةُ الْحَدِيثِ الْوَادِعِيَّةِ، وَجَاوَزَ الْخَمْسِينَ بِسَنَوَاتٍ،
وَلَمْ يَتَزَوَّجْ قَطُّ. وَقَدِمَ الرَّكْبُ الشَّافِعِيُّ إِلَى دِمَشْقَ
يَوْمَ الْخَمِيسِ الرَّابِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَهُمْ
شَاكِرُونَ مُثْنُونَ بِكُلِّ خَيْرٍ عَنْ هَذِهِ السَّنَةِ أَمْنًا وَرُخْصًا،
وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ حَادِيَ عَشَرَ صَفَرٍ دَرَسَ بِالْمَدْرَسَةِ
الْفَتْحِيَّةِ صَاحِبُنَا الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ
خَلِيفَةَ الْحُسْبَانِيُّ الشَّافِعِيُّ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ
الْأَعْيَانِ وَالْفُضَلَاءِ، وَأَخَذَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ عِدَّةَ
الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا [ التَّوْبَةِ: 36 ].
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ خَامِسَ عَشَرَهُ نُودِيَ فِي الْبَلَدِ عَلَى أَهْلِ
الذِّمَّةِ بِإِلْزَامِهِمْ بِالصِّغَارِ، وَتَصْغِيرِ الْعَمَائِمِ، وَأَنْ لَا
يُسْتَخْدَمُوا فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَأَنْ لَا
يَرْكَبُوا الْخَيْلَ، وَلَا
الْبِغَالَ، وَيَرْكَبُونَ الْحَمِيرَ بِالْأَكُفِّ بِالْعَرْضِ، وَأَنْ يَكُونَ
فِي رِقَابِهِمْ وَرِقَابِ نِسَائِهِمْ فِي الْحَمَّامَاتِ الْأَجْرَاسُ، وَأَنْ
يَكُونَ أَحَدُ النَّعْلَيْنِ أَسْوَدَ مُخَالِفًا لِلَوْنِ الْأُخْرَى، فَفَرِحَ
بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ، وَدَعَوْا لِلْآمِرِ بِذَلِكَ.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ ثَالِثِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ قَدِمَ قَاضِي الْقُضَاةِ
تَاجُ الدِّينِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مُسْتَمِرًّا عَلَى الْقَضَاءِ،
وَالْخَطَابَةِ، فَتَلَقَّاهُ النَّاسُ، وَهَنَّئُوهُ بِالْعَوْدِ وَالسَّلَامَةِ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ سَابِعِهِ لَبِسَ الْقَاضِي الصَّاحِبُ الْبَهْنَسِيُّ
الْخِلْعَةَ لِنَظْرِ الدَّوَاوِينِ بِدِمَشْقَ، وَهَنَّأَهُ النَّاسُ، وَبَاشَرَ
بِصَرَامَةٍ، وَاسْتَعْمَلَ فِي غَالِبِ الْجِهَاتِ مِنْ أَبْنَاءِ
الْمُسْلِمِينَ. وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ حَادِيَ عَشَرَهُ رَكِبَ قَاضِي
الْقُضَاةِ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ عَلَى خَيْلِ الْبَرِيدِ
مُتَوَجِّهًا إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ; لِتَوَلِّيهِ قَضَاءَ قُضَاةِ
الشَّافِعِيَّةِ بِدِمَشْقَ عَنْ رِضًى مِنْ خَالَةِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ
الدِّينِ، وَنُزُولِهِ عَنْ ذَلِكَ.
وَفِي لَيْلَةِ الْخَمِيسِ خَامِسِ رَبِيعٍ الْآخِرِ احْتَرَقَتِ الْبَاشُورَةُ
الَّتِي ظَاهِرَ بَابِ الْفَرَجِ عَلَى الْجِسْرِ، وَنَالَ حِجَارَةَ الْبَابِ
شَيْءٌ مِنْ حَرِيقِهَا فَاتَّسَعَتْ، وَقَدْ حَضَرَ طَفْأَهَا نَائِبُ
السَّلْطَنَةِ، وَالْحَاجِبُ الْكَبِيرُ، وَنَائِبُ الْقَلْعَةِ، وَالْوُلَاةُ،
وَغَيْرُهُمْ. وَفِي صَبِيحَةِ هَذَا الْيَوْمِ زَادَ النَّهْرُ زِيَادَةً
عَظِيمَةً بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْأَمْطَارِ، وَذَلِكَ فِي أَوَائِلِ كَانُونَ
الثَّانِي، وَرَكِبَ الْمَاءُ سُوقَ الْخَيْلِ بِكَمَالِهِ، وَوَصَلَ إِلَى
ظَاهِرِ بَابِ الْفَرَادِيسِ،
وَتِلْكَ النَّوَاحِي، وَكَسَرَ جِسْرَ
الْخَشَبِ الَّذِي عِنْدَ جَامِعِ يَلْبُغَا، وَجَاءَ فَصُدِمَ بِهِ جِسْرُ
الزَّلَابِيَّةِ فَكَسَرَهُ أَيْضًا. وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ ثَانِيَ عَشَرَهُ
صُرِفَ حَاجِبُ الْحُجَّابِ قُمَارِيُّ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ بِدَارِ السَّعَادَةِ،
وَأُخِذَتِ الْقُضَاةُ مِنْ يَدِهِ، وَانْصَرَفَ إِلَى دَارِهِ فِي قُلٍّ مِنَ
النَّاسِ، وَاسْتَبْشَرَ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ; لِكَثْرَةِ مَا كَانَ
يَفْتَاتُ عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَفِي أَوَاخِرِهِ اشْتَهَرَ مَوْتُ الْقَاضِي تَاجِ الدِّينِ الْمُنَاوِيِّ
بِدِيَارِ مِصْرَ، وَوِلَايَةِ قَاضِي الْقُضَاةِ بَهَاءِ الدِّينِ أَبِي
الْبَقَاءِ السُّبْكِيِّ مَكَانَهُ بِقَضَاءِ الْعَسَاكِرِ بِهَا، وَوَكَالَةِ
السُّلْطَانِ أَيْضًا، وَرُتِّبَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ كِفَايَتُهُ. وَتَوَلَّى فِي
هَذِهِ الْأَيَّامِ الشَّيْخُسِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقَيْنِيُّ إِفْتَاءَ دَارِ
الْعَدْلِ مَعَ الشَّيْخِ بَهَاءِ الدِّينِ أَحْمَدَ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ
السُّبْكِيِّ بِالشَّامِ، وَقَدْ وَلِي هُوَ أَيْضًا قَضَاءَ الشَّامِ، كَمَا
تَقَدَّمَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مِصْرَ مُوَقَّرًا مُكَرَّمًا، وَعَادَ أَخُوهُ
تَاجُ الدِّينِ إِلَى الشَّامِ، وَكَذَلِكَ وَلَّوْا مَعَ الْبُلْقَيْنِيِّ
إِفْتَاءَ دَارِ الْعَدْلِ لِحَنَفِيٍّ يُقَالُ لَهُ: الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ
بْنُ الصَّائِغِ، وَهُوَ مُفْتٍ حَنَفِيٌّ أَيْضًا.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سَابِعِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ نُورُ
الدِّينِ مُحَمَّدُ ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرِ ابْنِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ ابْنِ
الشَّيْخِ أَبِي بَكْرِ بْنِ قَوَامٍ بِزَاوِيَتِهِمْ بِسَفْحِ جَبَلِ قَاسِيُونَ،
وَغَدَا النَّاسُ إِلَى جَنَازَتِهِ. وَقَدْ كَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْفُضَلَاءِ
الْفُقَهَاءِ بِمَذْهَبِ
الشَّافِعِيِّ، دَرَّسَ
بِالنَّاصِرِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ مُدَّةَ سِنِينَ بَعْدَ أَبِيهِ،
وَبِالرِّبَاطِ الدَّوَيْدَارِيِّ دَاخِلَ بَابِ الْفَرَجِ، وَكَانَ يَحْضُرُ
الْمَدَارِسَ، وَنَزَلَ عِنْدَنَا بِالْمَدْرَسَةِ النَّجِيبِيَّةِ، وَكَانَ
يُحِبُّ السُّنَّةَ وَيَفْهَمُهَا جَيِّدًا، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَفِي مُسْتَهَلِّ جُمَادَى الْأُولَى وَلِيَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ
الشَّافِعِيُّ مَشْيَخَةَ دَارِ الْحَدِيثِ بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي فُتِحَتْ
بِدَرْبِ الْقِلَى، وَكَانَتْ دَارًا لَوَاقِفِهَا جَمَالِ الدِّينِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى التَّدْمُرِيِّ الَّذِي كَانَ اسْتَاذًا
لِلْأَمِيرِ طَازْ، وَجُعِلَ فِيهَا دَرْسٌ لِلْحَنَابِلَةِ، وَجُعِلَ
الْمُدَرِّسُ لَهُمُ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ قَيَّمِ
الْجَوْزِيَّةِ، وَحَضَرَ الدَّرْسَ وَحَضَرَ عِنْدَهُ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ
بِالدَّرْسِ، ثُمَّ جَرَتْ أُمُورٌ يَطُولُ بَسْطُهَا. وَاسْتَحْضَرَ نَائِبُ
السَّلْطَنَةِ شُهُودَ الْحَنَابِلَةِ بِالدَّرْسِ، وَاسْتَفْرَدَ كُلًّا
مِنْهُمْ، وَسَأَلَهُ كَيْفَ شَهِدَ فِي أَصْلِ الْكِتَابِ - الْمَحْضَرِ -
الَّذِي أَثْبَتُوهُ لَهُمْ، فَاضْطَرَبُوا فِي الشَّهَادَاتِ، وَضُبِطَ ذَلِكَ
عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ كَثِيرَةٌ لِمَا شَهِدُوا بِهِ فِي أَصْلِ
الْمَحْضَرِ، وَشَنَّعَ عَلَيْهِمْ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ. ثُمَّ ظَهَرَتْ دُيُونٌ
كَثِيرَةٌ لِبَيْتِ طَازْ عَلَى جَمَالِ الدِّينِ التَّدْمُرِيِّ الْوَاقِفِ،
وَطُلِبَ مِنَ الْقَاضِي الْمَالِكِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِإِبْطَالِ مَا حَكَمَ بِهِ
الْحَنْبَلِيُّ، فَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ. وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الْحَادِي
وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ قُرِئَ كِتَابُ السُّلْطَانِ بِصَرْفِ الْوُكَلَاءِ مِنْ
أَبْوَابِ الْقُضَاةِ الْأَرْبَعَةِ، فَصُرِفُوا.
وَفِي شَهْرِ جُمَادَى الْآخِرَةِ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ شَيْخُ
الْحَنَابِلَةِ بِالصَّالِحِيَّةِ - وَيُعْرَفُ بِالتَّتَرِيِّ - يَوْمَ الْخَمِيسِ
ثَامِنِهِ. صُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ الْمُظَفَّرِيِّ
بَعْدَ الْعَصْرِ، وَدُفِنَ
بِالسَّفْحِ، وَقَدْ قَارَبَ الثَّمَانِينَ.
وَفِي الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْهُ عُقِدَ بِدَارِ السَّعَادَةِ مَجْلِسٌ حَافِلٌ
اجْتَمَعَ فِيهِ الْقُضَاةُ الْأَرْبَعَةُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفْتِينَ،
وَطُلِبْتُ فَحَضَرْتُ مَعَهُمْ بِسَبَبِ الْمَدْرَسَةِ التَّدْمُرِيَّةِ
وَقَرَابَةِ الْوَاقِفِ، وَدَعْوَاهُمْ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَيْهِمُ الثُّلُثَ،
فَوَقَفَ الْحَنْبَلِيُّ فِي أَمْرِهِمْ، وَدَافَعَهُمْ عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ
الدِّفَاعِ.
وَفِي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ رَجَبٍ وُجِدَ جَرَادٌ كَثِيرٌ مُنْتَشِرٌ، ثُمَّ
تَزَايِدَ، وَتَرَاكَمْ، وَتَضَاعَفَ، وَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ بِسَبَبِهِ، وَسَدَّ
الْأَرْضَ كَثْرَةً، وَعَاثَ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَأَفْسَدَ شَيْئًا كَثِيرًا
مِنَ الْكُرُومِ، وَالْمَقَاثِي، وَالزُّرُوعَاتِ النَّفِيسَةِ، وَأَتْلَفَ
لِلنَّاسِ شَيْئًا كَثِيرًا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ثَالِثِ شَعْبَانَ تَوَجَّهَ الْقُضَاةُ، وَوَكِيلُ
بَيْتِ الْمَالِ إِلَى بَابِ كَيْسَانَ، فَوَقَفُوا عَلَيْهِ وَعَلَى هَيْئَتِهِ،
وَمِنْ نِيَّةِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ فَتْحُهُ لِيَتَفَرَّجَ النَّاسُ بِهِ.
وَعُدِمَ لِلنَّاسِ غَلَّاتٌ كَثِيرَةٌ، وَأَشْيَاءُ مِنْ أَنْوَاعِ الزُّرُوعِ;
بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْجَرَادِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَفِي هَذَا الشَّهْرِ كَثُرَ الْوَبَاءُ وَالْفَنَاءُ فِي النَّاسِ، وَبَلَغَتِ
الْعِدَّةُ إِلَى السَّبْعِينَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
فَتْحُ بَابِ كَيْسَانَ بَعْدَ
غَلْقِهِ نَحْوًا مِنْ مِائَتَيْ سَنَةٍ
وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ اجْتَمَعَ
نَائِبُ السَّلْطَنَةِ وَالْقُضَاةُ عِنْدَ بَابِ كَيْسَانَ، وَشَرَعَ الصُّنَّاعُ
فِي فَتْحِهِ عَنْ مَرْسُومِ السُّلْطَانِ الْوَارِدِ مِنَ الدِّيَارِ
الْمِصْرِيَّةِ، وَأَمْرِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ، وَإِذْنِ الْقُضَاةِ فِي ذَلِكَ،
وَاسْتَهَلَّ رَمَضَانُ وَهُمْ فِي الْعَمَلِ فِيهِ.
وَفِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ شَعْبَانَ تُوُفِّيَ الشَّرِيفُ شَمْسُ الدِّينِ
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَمْزَةَ الْحُسَيْنِيُّ،
الْمُحَدِّثُ الْمُحَصِّلُ، الْمُؤَلِّفُ لِأَشْيَاءَ مُهِمَّةٍ فِي الْحَدِيثِ،
قَرَأَ، وَسَمِعَ، وَجَمَعَ، وَكَتَبَ أَسْمَاءَ رِجَالٍ بِ " مُسْنَدِ
الْإِمَامِ أَحْمَدَ "، وَاخْتَصَرَ كِتَابًا فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ
مُفِيدًا، وَوَلِيَ مَشْيَخَةَ الْحَدِيثِ الَّتِي وَقَفَهَا فِي دَارِهِ بَهَاءُ
الدِّينِ الْقَاسِمُ بْنُ عَسَاكِرَ دَاخِلَ بَابِ تُومَاءَ.
وَخُتِمَتِ الْبُخَارِيَّاتُ فِي آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَوَقَعَ بَيْنَ
الشَّيْخِ عِمَادِ الدِّينِ بْنِ السَّرَّاجِ قَارِئِ " الْبُخَارِيِّ "
عِنْدَ مِحْرَابِ الصَّحَابَةِ، وَبَيْنَ الشَّيْخِ بَدْرِ الدِّينِ ابْنِ
الشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ الشَّرِيشِيِّ، وَتَهَاتَرَا عَلَى رُءُوسِ
الْأَشْهَادِ بِسَبَبِ لَفْظَةِ " يَبْتَئِرُ " بِمَعْنَى ( يَدَّخِرُ
)، وَفِي نُسْخَةٍ " يَبْتَئِزُ "، فَحَكَى ابْنُ السَّرَّاجِ عَنِ
الْحَافِظِ الْمِزِّيِّ أَنَّ
الصَّوَابَ " يَبْتَئِزُ "
مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: مَنْ عَزَّ بَزَّ. وَصَدَقَ فِي ذَلِكَ، فَكَأَنَّ
مُنَازِعَهُ خَطَّأَ الْمِزِّيَّ، فَانْتَصَرَ الْآخَرُ لِلْحَافِظِ الْمِزِّيِّ،
فَنَالَ مِنْهُ بِالْقَوْلِ ثُمَّ قَامَ وَالِدُهُ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ
الْمُشَارُ إِلَيْهِ، فَكَشَفَ رَأْسَهُ عَلَى طَرِيقَةِ الصُّوفِيَّةِ، فَكَأَنَّ
ابْنَ السَّرَّاجِ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَتَدَافَعُوا إِلَى الْقَاضِي
الشَّافِعِيِّ، فَانْتَصَرَ لِلْحَافِظِ الْمِزِّيِّ، وَجَرَتْ أُمُورٌ ثُمَّ
اصْطَلَحُوا غَيْرَ مَرَّةٍ، وَعَزَمَ أُولَئِكَ عَلَى كَتْبِ مَحْضَرٍ عَلَى
ابْنِ السَّرَّاجِ، ثُمَّ انْطَفَأَتْ تِلْكَ الشُّرُورُ. وَكَثُرَ الْمَوْتُ فِي
أَثْنَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَقَارَبَتِ الْعِدَّةُ مِائَةً، وَرُبَّمَا
جَاوَزَتِ الْمِائَةَ، وَرُبَّمَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْهَا وَهُوَ الْغَالِبُ،
وَمَاتَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَصْحَابِ وَالْمَعَارِفِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا
إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَكَثُرَ الْجَرَادُ فِي الْبَسَاتِينِ، وَعَظُمَ الْخَطْبُ
بِسَبَبِهِ، وَأَتْلَفَ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْغَلَّاتِ، وَالثِّمَارِ،
وَالْخُضْرَاوَاتِ، وَغَلَتِ الْأَسْعَارُ، وَقَلَّتِ الثِّمَارُ، وَارْتَفَعَتْ
قِيَمُ الْأَشْيَاءِ، فَبِيعَ الدِّبْسُ بِمَا فَوْقَ الْمِائَتَيْنِ
الْقِنْطَارُ، وَالرُّزُّ بِأَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ.
وَتَكَامَلَ فَتْحُ بَابِ كَيْسَانَ وَسَمَّوْهُ الْبَابَ الْقِبْلِيَّ، وَوُضِعَ
الْجِسْرُ مِنْهُ إِلَى الطَّرِيقِ السَّالِكَةِ، وَعَرْضُهُ أَزْيَدُ مِنْ
عَشَرَةِ أَذْرُعٍ بِالنَّجَّارِيِّ لِأَجْلِ عَمَلِ الْبَاشُورَةِ جَنَبَتَيْهِ،
وَدَخَلَتِ الْمَارَّةُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُشَاةِ وَالرُّكْبَانِ، وَجَاءَ فِي
غَايَةِ الْحُسْنِ، وَسَلَكَ النَّاسُ فِي حَارَاتِ الْيَهُودِ، وَانْكَشَفَ
دَخَلُهُمْ، وَأَمِنَ النَّاسُ مِنْ دَخَنِهِمْ، وَغِشِّهِمْ، وَمَكْرِهِمْ،
وَخُبْثِهِمْ، وَانْفَرَجَ النَّاسُ
بِهَذَا الْبَابِ الْمُبَارَكِ.
وَاسْتَهَلَّ شَوَّالٌ وَالْجَرَادُ قَدْ أَتْلَفَ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ
الْبِلَادِ، وَرَعَى الْخَضْرَاوَاتِ، وَالْأَشْجَارَ، وَأَوْسَعَ أَهْلَ الشَّامِ
فِي الْفَسَادِ، وَغَلَتِ الْأَسْعَارُ، وَاسْتَمَرَّ الْفَنَاءُ، وَكَثُرَ
الضَّجِيجُ وَالْبُكَاءُ، وَفَقَدْنَا كَثِيرًا مِنَ الْأَصْحَابِ
وَالْأَصْدِقَاءِ. وَقَدْ تَنَاقَصَ الْفَنَاءُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَقَلَّ
الْوَقْعُ، وَتَنَاقَصَ لِلْخَمْسِينَ. وَفِي شَهْرِ ذِي الْقَعْدَةِ تَقَاصَرَ
الْفَنَاءُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَنَزَلَ الْعَدَدُ إِلَى الْعِشْرِينَ فَمَا
حَوْلَهَا. وَفِي رَابِعِهِ دُخِلَ بِالْفِيلِ وَالزَّرَافَةِ إِلَى مَدِينَةِ
دِمَشْقَ مِنَ الْقَاهِرَةِ، فَأُنْزِلَا فِي الْمَيْدَانِ الْأَخْضَرِ قَرِيبًا
مِنَ الْقَصْرِ الْأَبْلَقِ، وَذَهَبَ النَّاسُ لِلنَّظَرِ إِلَيْهِمَا عَلَى
الْعَادَةِ.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ تَاسِعِهِ صُلِّيَ عَلَى الشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ
عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ خَلِيلٍ الْبَغْدَادِيِّ، الْمَعْرُوفِ بِابْنِ
الْخُضَرِيِّ، مُحَدِّثِ بَغْدَادَ وَوَاعِظِهَا، كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ
وَالْجَمَاعَةِ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
تَجْدِيدُ خُطْبَةٍ ثَانِيَةٍ دَاخِلَ سُوَرِ دِمَشْقَ وَلَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ
فِيمَا أَعْلَمُ مُنْذُ فُتُوحِ الشَّامِ إِلَى الْآنَ.
اتَّفَقَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ الثَّالِثِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ
الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ
بِالْجَامِعِ الَّذِي جَدَّدَ بِنَاءَهُ نَائِبُ الشَّامِ سَيْفُ الدِّينِ
مَنْكَلِي بُغَا
بِدَرْبِ الْبَلَاغَةِ قِبْلِيَّ
مَسْجِدِ دَرْبِ الْحَجَرِ دَاخِلَ بَابِ كَيْسَانَ الْمُجَدَّدِ فَتْحُهُ فِي
هَذَا الْحِينِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ بِمَسْجِدِ
الشَّاذُورِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي " تَارِيخِ ابْنِ عَسَاكِرَ "
مَسْجِدُ الشَّهْرَزُورِيِّ، وَقَدْ كَانَ الْمَسْجِدُ رَثَّ الْهَيْئَةِ قَدْ
تَقَادَمَ عَهْدُهُ مَدَّ دَهْرٍ، وَهُجِرَ فَلَا يَدْخُلُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ
إِلَّا قَلِيلٌ، فَوَسَّعَهُ مِنْ قِبْلِيِّهِ، وَسَقَفَهُ جَدِيدًا، وَجَعَلَ
لَهُ صَرْحَةً شَمَالِيَّةً مُبَلَّطَةً، وَرِوَاقَاتٍ عَلَى هَيْئَةِ
الْجَوَامِعِ، وَالدَّاخِلُ بِأَبْوَابِهِ عَلَى الْعَادَةِ، وَدَاخِلُ ذَلِكَ
رِوَاقٌ كَبِيرٌ لَهُ جَنَاحَانِ شَرْقِيٌّ وَغَرْبِيٌّ بِأَعْمِدَةِ وَقَنَاطِرَ،
وَقَدْ كَانَ قَدِيمًا كَنِيسَةً، فَأُخِذَتْ مِنْهُمْ قَبْلَ الْخَمْسِمِائَةِ،
وَعُمِلَتْ مَسْجِدًا، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ إِلَى هَذَا الْحِينِ، فَلَمَّا
كَمَلَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَسِيقَ إِلَيْهِ الْمَاءُ مِنَ الْقَنَوَاتِ، وَوُضِعَ
فِيهِ مِنْبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ كَذَلِكَ - فَيَوْمَئِذٍ رَكِبَ نَائِبُ
السَّلْطَنَةِ، وَدَخَلَ الْبَلَدَ مِنْ بَابِ كَيْسَانَ، وَانْعَطَفَ عَلَى
حَارَةِ الْيَهُودِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْجَامِعِ الْمَذْكُورِ، وَقَدِ
اسْتَكَفَّ النَّاسُ عِنْدَهُ مِنْ قُضَاةٍ، وَأَعْيَانٍ، وَخَاصَّةٍ، وَعَامَّةٍ،
وَقَدْ عُيِّنَ لِخَطَابَتِهِ الشَّيْخُ صَدْرُ الدِّينِ بْنُ مَنْصُورٍ
الْحَنَفِيُّ مُدَرِّسُ التَّاجِيَّةِ، وَإِمَامُ الْحَنَفِيَّةِ بِالْجَامِعِ
الْأُمَوِيِّ، فَلَمَّا أُذِّنَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ
الْخُرُوجُ مِنْ بَيْتِ الْخَطَابَةِ، قِيلَ: لِمَرَضٍ عَرَضَ لَهُ. وَقِيلَ:
لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حَصْرٍ أَوْ نَحْوِهُ. فَخَطَبَ النَّاسَ يَوْمَئِذٍ قَاضِي
الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ الْكَفْرِيُّ، خِدْمَةً لِنَائِبِ
السَّلْطَنَةِ.
وَاسْتَهَلَّ شَهْرُ ذِي الْحِجَّةِ وَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ الْوَبَاءَ عَنْ
دِمَشْقَ، وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَأَهْلُ الْبَلَدِ يَمُوتُونَ عَلَى الْعَادَةِ، وَلَا يَمْرَضُ أَحَدٌ بِتِلْكَ
الْعِلَّةِ، وَلَكِنِ الْمَرَضُ الْمُعْتَادَ.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ
وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَالسُّلْطَانُ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ نَاصِرُ
الدِّينِ شَعْبَانُ، وَالدَّوْلَةُ بِمِصْرَ وَالشَّامِ هُمْ هُمْ. وَدَخَلَ
الْمَحْمَلُ السُّلْطَانِيُّ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الرَّابِعِ
وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ، وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ نَالَهُمْ فِي الرَّجْعَةِ شِدَّةٌ
شَدِيدَةٌ مِنَ الْغَلَاءِ، وَمَوْتِ الْجِمَالِ، وَهَرَبِ الْجَمَّالِينَ،
وَقَدِمَ مَعَ الرَّكْبِ الشَّامِيِّ مِمَّنْ خَرَجَ مِنَ الدِّيَارِ
الْمِصْرِيَّةِ قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ، وَقَدْ
سَبَقَهُ التَّقْلِيدُ بِقَضَاءِ الْقُضَاةِ مَعَ خَالِهِ تَاجِ الدِّينِ،
يَحْكُمُ فِيمَا يَحْكُمُ فِيهِ مُسْتَقِلًّا مَعَهُ مُنْفَرِدًا بَعْدَهُ.
وَفِي شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ رَسَمَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بِتَخْرِيبِ
قَرْيَتَيْنِ مِنْ وَادِي التَّيْمَ، وَهُمَا مَشْغَرَا وَتَلْفِيَّتَا، وَسَبَبُ
ذَلِكَ أَنَّهُمَا عَاصِيَانِ، وَأَهْلُهُمَا مُفْسِدَانِ فِي الْأَرْضِ
وَالْبَلَدَانِ وَالْأَرْضُ حَصِينَانِ لَا يَصِلُ إِلَيْهِمَا إِلَّا بِكُلْفَةٍ
كَثِيرَةٍ، لَا يَرْتَقِي إِلَيْهِمَا إِلَّا فَارِسٌ فَارِسٌ، فَخُرِّبَتَا،
وَعُمِّرَ بَدَلَهُمَا فِي أَسْفَلِ الْوَادِي، بِحَيْثُ يَصِلُ إِلَيْهِمَا
حُكْمُ الْحَاكِمِ، وَالطَّلَبُ بِسُهُولَةٍ، فَأَخْبَرَنِي الْمَلِكُ صَلَاحُ
الدِّينِ بْنُ الْكَامِلِ
أَنَّ بَلْدَةَ تَلَفِيَّتَا عَمِلَ
فِيهَا أَلْفُ فَارِسٍ، وَنَقَلَ بَعْضَهَا إِلَى أَسْفَلِ الْوَادِي
خَمْسَمِائَةِ حِمَارٍ عِدَّةَ أَيَّامٍ.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَادِسِ صَفَرٍ بَعْدَ الصَّلَاةِ صُلِّيَ عَلَى قَاضِي
الْقُضَاةِ جَمَالِ الدِّينِ يُوسُفَ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ
أَحْمَدَ ابْنِ أَقْضَى الْقُضَاةِ الْحُسَيْنِ الْكَفْرِيِّ الْحَنَفِيِّ،
وَكَانَتْ وَفَاتُهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ مَرَضٍ قَرِيبٍ
مِنْ شَهْرٍ، وَقَدْ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ بِثَلَاثٍ مِنَ السِّنِينَ، وَلِيَ
قَضَاءَ قُضَاةِ الْحَنَفِيَّةِ، وَخَطَبَ بِجَامِعِ يَلْبُغَا، وَحَضَرَ مَشْيَخَةَ
النَّفِيسِيَّةِ، وَدَرَّسَ بِأَمَاكِنَ مِنْ مَدَارِسِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ
أَوَّلُ مَنْ خَطَبَ بِالْجَامِعِ الْمُسْتَجَدِّ دَاخِلَ بَابِ كَيْسَانَ
بِحَضْرَةِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ.
وَفِي صَفَرٍ كَانَتْ وَفَاةُ الشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ عُمَرَ ابْنِ الْقَاضِي
عَبْدِ الْمُحْيِي بْنِ إِدْرِيسَ الْحَنَفِيِّ مُحْتَسِبِ بَغْدَادَ، وَقَاضِي
الْحَنَابِلَةِ بِهَا، فَتَعَصَّبَتْ عَلَيْهِ الرَّوَافِضُ حَتَّى ضُرِبَ بَيْنَ
يَدَيِ الْوِزَارَةِ ضَرْبًا مُبَرِّحًا كَانَ سَبَبَ مَوْتِهِ سَرِيعًا، رَحِمَهُ
اللَّهُ، وَكَانَ مِنَ الْقَائِمِينَ بِالْحَقِّ، الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ، مِنْ أَكْبَرِ الْمُنْكِرِينَ عَلَى الرَّوَافِضِ
وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَبَلَّ بِالرَّحْمَةِ
ثَرَاهُ.
وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ تَاسِعِ صَفَرٍ حَضَرَ مَشْيَخَةَ النَّفِيسِيَّةِ
الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ سَنَدٍ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ
تَاجُ الدِّينِ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَعْيَانِ، وَأَوْرَدَ حَدِيثَ
عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ:لَا صَلَاةَ
لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. أَسْنَدَهُ عَنْ قَاضِي الْقُضَاةِ
الْمُشَارِ إِلَيْهِ.
وَجَاءَ الْبَرِيدُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِطَلَبِ قَاضِي الْقُضَاةِ
تَاجِ الدِّينِ إِلَى هُنَاكَ، فَسَيَّرَ أَهْلَهُ قَبْلَهُ عَلَى الْجِمَالِ،
وَخَرَجُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَادِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ جَمَاعَةٌ مِنْ
أَهْلِ بَيْتِهِمْ لِزِيَارَةِ أَهْلِيهِمْ هُنَاكَ، فَأَقَامَ هُوَ بَعْدَهُمْ
حَتَّى قَدِمَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ مِنَ الرَّحْبَةِ، وَرَكِبَ عَلَى
الْبَرِيدِ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ خَامِسَ عَشَرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ رَجَعَ قَاضِي
الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عَلَى
الْبَرِيدِ، وَتَلَقَّاهُ النَّاسُ إِلَى أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، وَاحْتَفَلُوا
لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ وَتَهْنِئَتِهِ بِالسَّلَامَةِ.
قَتْلُ الرَّافِضِيِّ الْخَبِيثِ
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ ثَامِنَ عَشَرَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ وُجِدَ رَجُلٌ
بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ اسْمُهُ مَحْمُودُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشِّيرَازِيُّ
وَهُوَ يَسُبُّ الشَّيْخَيْنِ، وَيُصَرِّحُ بِلَعْنَتِهِمَا، فَرُفِعَ إِلَى
الْقَاضِي الْمَالِكِيِّ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالِ الدِّينِ الْمَسَلَّاتِيِّ،
فَاسْتَتَابَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَأَحْضَرَ الضَّرَّابَ، فَأَوَّلَ ضَرْبَةٍ قَالَ:
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ ! وَلَمَّا
ضُرِبَ الثَّانِيَةَ لَعَنَ أَبَا
بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَالْتَهَمَهُ الْعَامَّةُ فَأَوْسَعُوهُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا
بِحَيْثُ كَادَ يَهْلِكُ، فَجَعَلَ الْقَاضِي يَسْتَكِفُّهُمْ عَنْهُ فَلَمْ
يَسْتَطِعْ ذَلِكَ، فَجَعَلَ الرَّافِضِيُّ يَسُبُّ وَيَلْعَنُ الصَّحَابَةَ،
وَقَالَ: كَانُوا عَلَى الضَّلَالَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ حُمِلَ إِلَى نَائِبِ
السَّلْطَنَةِ، وَشَهِدَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى
الضَّلَالَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ حَكَمَ عَلَيْهِ الْقَاضِي بِإِرَاقَةِ دَمِهِ،
فَأُخِذَ إِلَى ظَاهِرِ الْبَلَدِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَأَحْرَقَتْهُ
الْعَامَّةُ، قَبَّحَهُ اللَّهُ، وَكَانَ مِمَّنْ يَقْرَأُ بِمَدْرَسَةِ أَبِي
عُمَرَ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ الرَّفْضُ، فَسَجَنَهُ الْحَنْبَلِيُّ أَرْبَعِينَ
يَوْمًا فَلَمْ يَنْفَعْ ذَلِكَ، وَمَا زَالَ يُصَرِّحُ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ
يَأْمُرُ فِيهِ بِالسَّبِّ حَتَّى كَانَ يَوْمُهُ هَذَا أَظْهَرَ مَذْهَبَهُ فِي
الْجَامِعِ، وَكَانَ سَبَبَ قَتْلِهِ، قَبَّحَهُ اللَّهُ كَمَا قَبَّحَ مَنْ كَانَ
قَبْلَهُ، وَقُتِلَ كَقَتْلِهِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ.
اسْتِنَابَهُ وَلِيِّ الدِّينِ بْنِ أَبِي الْبَقَاءِ السُّبْكِيِّ
وَفِي آخِرِ هَذَا الْيَوْمِ - أَعْنِي يَوْمَ الْخَمِيسَ ثَامِنَ عَشَرَهُ -
حَكَمَ أَقْضَى الْقُضَاةِ وَلِيُّ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ بَهَاءُ
الدِّينِ أَبِي الْبَقَاءِ بِالْمَدْرَسَةِ الْعَادِلِيَّةِ الْكَبِيرَةِ
نِيَابَةً عَنْ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ مَعَ اسْتِنَابَةِ أَقَضَى
الْقُضَاةِ شَمْسِ الدِّينِ الْعِزِّيِّ،
وَأَقْضَى الْقُضَاةِ بَدْرِ الدِّينِ
بْنِ وُهَيْبَةَ، وَأَمَّا قَاضَى الْقُضَاةِ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ أَبِي
الْفَتْحِ فَهُوَ نَائِبٌ أَيْضًا، وَلَكِنَّهُ بِتَوْقِيعٍ شَرِيفٍ أَنَّهُ
يَحْكُمُ مُسْتَقِلًّا مَعَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ اسْتَحْضَرَ نَائِبُ
السَّلْطَنَةِ الْأَمِيرَ نَاصِرَ الدِّينِ بْنَ الْعَاوِيِّ مُتَوَلِّيَ
الْبَلَدِ، وَنَقَمَ عَلَيْهِ أَشْيَاءَ، وَأَمْرٌ بِضَرْبِهِ، فَضُرِبَ بَيْنَ
يَدَيْهِ عَلَى أَكْتَافِهِ ضَرْبًا لَيْسَ بِمُبَرِّحٍ، ثُمَّ عَزَلَهُ،
وَاسْتَدْعَى بِالْأَمِيرِ عَلَمِ الدِّينِ سُلَيْمَانَ أَحَدِ الْأُمَرَاءِ
الْعَشْرَاوَاتِ ابْنِ الْأَمِيرِ صَفِيِّ الدِّينِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ
الْبُصْرَاوِيِّ أَحَدِ أُمَرَاءِ الطَّبْلَخَانَاهْ، كَانَ قَدْ وَلِيَ شَدَّ
الدَّوَاوِينِ، وَنَظَرَ الْقُدْسِ وَالْخَلِيلِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ
الْوِلَايَاتِ الْكِبَارِ، وَهُوَ ابْنُ الشَّيْخِ فَخْرُ الدِّينِ عُثْمَانُ
ابْنُ الشَّيْخِ صَفِيِّ الدِّينِ أَبِي الْقَاسِمِ التَّمِيمِيُّ الْحَنَفِيُّ،
وَبِأَيْدِيهِمْ تَدْرِيسُ الْأَمِينِيَّةِ الَّتِي بِبُصْرَى، وَالْحَكِيمِيَّةِ
أَزْيَدَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ، فَوَلَّاهُ الْبَلَدَ عَلَى تَكَرُّهٍ مِنْهُ
فَأَلْزَمَهُ بِهَا، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ وَلِيَهَا قَبْلَ ذَلِكَ
فَأَحْسَنَ السِّيرَةَ، وَشُكِرَ سَعْيُهُ لِدِيَانَتِهِ، وَأَمَانَتِهِ،
وَعِفَّتِهِ، وَفَرِحَ النَّاسُ بِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وِلَايَةُ قَاضِي الْقُضَاةِ بَهَاءُ الدِّينِ أَبِي الْبَقَاءِ السُّبْكِيَّ
قَضَاءَ مِصْرَ بَعْدَ عَزْلِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ جَمَاعَةَ نَفْسَهُ
وَرَدَ الْخَبَرُ مَعَ الْبَرِيدِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِأَنَّ قَاضِيَ
الْقُضَاةِ عِزَّ الدِّينِ عَبْدَ الْعَزِيزِ ابْنَ قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرِ
الدِّينِ بْنِ جَمَاعَةَ - عَزَلَ نَفْسَهُ عَنِ الْقَضَاءِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ
السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ، وَصَمَّمَ عَلَى ذَلِكَ، فَبَعَثَ
الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ يَلْبُغَا إِلَيْهِ الْأُمَرَاءَ يَسْتَرْضُونَهُ فَلَمْ
يَقْبَلْ، فَرَكِبَ إِلَيْهِ بِنَفْسِهِ، وَمَعَهُ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ،
فَتَلَطَّفُوا بِهِ فَلَمْ يَقْبَلْ،
وَصَمَّمَ عَلَى الِانْعِزَالِ، فَقَالَ لَهُ الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ: فَعَيِّنْ
لَنَا مَنْ يَصْلُحُ بَعْدَكَ. قَالَ: وَلَا أَقُولُ لَكُمْ شَيْئًا غَيْرَ
أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى رَجُلٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ وَلُّوا مَنْ شِئْتُمْ.
فَأَخْبَرَنِي قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ قَالَ: لَا
تُوَلُّوا ابْنَ عَقِيلٍ. فَعَيَّنَ الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ قَاضِيَ الْقُضَاةِ
بَهَاءَ الدِّينِ أَبَا الْبَقَاءِ، فَقِيلَ: إِنَّهُ أَظْهَرَ الِامْتِنَاعَ،
ثُمَّ قَبِلَ وَلَبِسَ الْخِلْعَةَ. وَبَاشَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ
مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَتَوَلَّى قَاضِي الْقُضَاةِ الشَّيْخُ بَهَاءُ
الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ قَضَاءَ
الْعَسَاكِرِ الَّذِي كَانَ بِيَدِ أَبِي الْبَقَاءِ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سَابِعِ رَجَبٍ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ
الْمُرَاوِحِيُّ الْبَغْدَادِيُّ خَادِمُ الشَّيْخِ أَسَدٍ الْمُرَاوِحِيِّ
الْبَغْدَادِيِّ، وَكَانَ فِيهِ مُرُوءَةٌ كَبِيرَةٌ، وَيَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ،
وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَدْخُلُ عَلَى النُّوَّابِ، وَيُرْسِلُ إِلَى
الْوُلَاةِ فَتُقْبَلُ رِسَالَتُهُ، وَلَهُ قَبُولٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَفِيهِ
بَرٌّ، وَصَدَقَةٌ، وَإِحْسَانٌ إِلَى الْمَحَاوِيجِ، وَبِيَدِهِ مَالٌ جَيِّدٌ
يُتَّجَرُ لَهُ فِيهِ، تَعَلَّلَ مُدَّةً طَوِيلِهً، ثُمَّ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي
هَذَا الْيَوْمِ، فَصُلِّيَ عَلَيْهِ الظُّهْرُ بِالْجَامِعِ ثُمَّ حُمِلَ إِلَى
سَفْحِ قَاسِيُونَ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ
قَدِمَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ بَيْدَمُرُ الَّذِي كَانَ نَائِبَ الشَّامِ
فَنَزَلَ بِدَارِهِ عِنْدَ مِئْذَنَةِ فَيْرُوزَ، وَذَهَبَ النَّاسُ لِلسَّلَامِ
عَلَيْهِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ عَلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ بِدَارِ السَّعَادَةِ،
وَقَدْ رَسَمَ لَهُ بِطَبْلَخَانَتَيْنِ وَتَقْدِمَةِ أَلْفٍ، وَوِلَايَةِ
الْوُلَاةِ مِنْ غَزَّةَ إِلَى أَقْصَى بِلَادِ الشَّامِ،
وَأَكْرَمَهُ مَلِكُ الْأُمَرَاءِ
إِكْرَامًا زَائِدًا، وَفَرِحَتِ الْعَامَّةُ بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا
بِعَوْدِهِ إِلَى الْوِلَايَةِ.
وَخُتِمَتِ الْبُخَارِيَّاتُ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ وَغَيْرِهِ فِي عِدَّةِ
أَمَاكِنَ; مِنْ ذَلِكَ سِتَّةُ مَوَاعِيدَ تُقْرَأُ عَلَى الشَّيْخِ عِمَادِ
الدِّينِ بْنِ كَثِيرٍ فِي الْيَوْمِ، أَوَّلُهَا بِمَسْجِدِ ابْنِ هِشَامٍ
بُكْرَةً قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، ثُمَّ تَحْتَ النَّسْرِ، ثُمَّ
بِالْمَدْرَسَةِ النُّورِيَّةِ، وَبَعْدَ الظُّهْرِ بِجَامِعِ تَنْكِزَ، ثُمَّ بِالْمَدْرَسَةِ
الْعِزِّيَّةِ، ثُمَّ بِالْكُوشْكِ لِأُمِّ الزَّوْجَةِ السِّتِّ أَسْمَاءَ بِنْتِ
الْوَزِيرِ ابْنِ السَّلْعُوسِ إِلَى أَذَانِ الْعَصْرِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِ
الْعَصْرِ بِدَارِ مَلِكِ الْأُمَرَاءِ أَمِيرِ عَلِيٍّ بِمَحَلَّةِ
الْقَصَّاعِينَ إِلَى قَرِيبِ الْغُرُوبِ، وَيُقْرَأُ " صَحِيحُ مُسْلِمٍ
" بِمِحْرَابِ الْحَنَابِلَةِ دَاخِلَ بَابِ الزِّيَارَةِ بَعْدَ قُبَّةِ
النَّسْرِ وَقَبْلَ النُّورِيَّةِ، وَاللَّهُ الْمَسْئُولُ، وَهُوَ الْمُعِينُ
الْمُيَسِّرُ الْمُسَهِّلُ. وَقَدْ قُرِئَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي عِدَّةِ
أَمَاكِنَ أُخَرَ مِنْ دُورِ الْأُمَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يُعْهَدْ مِثْلَ
هَذَا فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ عَاشِرِ شَوَّالٍ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ نُورُ الدِّينِ
عَلِيُّ بْنُ الصَّارِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْهَيْجَاءِ الْكَرْكِيُّ
الشُّوبَكِيُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ، كَانَ مَعَنَا فِي الْمَقْرَأِ
وَالْكُتَّابِ، وَخَتَمْتُ أَنَا وَهُوَ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَنَشَأَ
فِي صِيَانَةٍ، وَعَفَافٍ، وَقَرَأَ عَلَى الشَّيْخِ بَدْرِ الدِّينِ بْنِ
سَيْحَانَ لِلسَّبْعِ، وَلَمْ يُكْمِلْ عَلَيْهِ خَتْمَةً، وَاشْتَغَلَ فِي "
الْمِنْهَاجِ " لِلنَّوَاوِيِّ، فَقَرَأَ كَثِيرًا مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَهُ،
وَكَانَ يَنْقُلُ مِنْهُ وَيَسْتَحْضِرُ، وَكَانَ خَفِيفَ الرُّوحِ تُحِبُّهُ النَّاسُ
لِذَلِكَ، وَيَرْغَبُونَ فِي عِشْرَتِهِ لِذَلِكَ،
رَحِمَهُ اللَّهُ، وَكَانَ
يَسْتَحْضِرُ الْمُتَشَابِهَ فِي الْقُرْآنِ اسْتِحْضَارًا حَسَنًا مُتْقَنًا،
كَثِيرَ التِّلَاوَةِ لَهُ، حَسَنَ الصَّلَاةِ، يَقُومُ اللَّيْلَ، وَقَرَأَ
عَلَيَّ " صَحِيحَ الْبُخَارِيِّ " بِمَشْهَدِ ابْنِ هِشَامٍ عِدَّةَ
سِنِينَ، وَمَهَرَ فِيهِ، وَكَانَ صَوْتُهُ جَهْوَرِيًّا فَصِيحَ الْعِبَارَةِ،
ثُمَّ وَلِيَ مَشْيَخَةَ الْحَلَبِيَّةِ بِالْجَامِعِ، وَقَرَأَ فِي عِدَّةِ
كَرَاسٍ بِالْحَائِطِ الشَّمَالِيِّ، وَكَانَ مَقْبُولًا عِنْدَ الْخَاصَّةِ
وَالْعَامَّةِ، وَكَانَ يُدَاوِمُ عَلَى قِيَامِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ فِي
مِحْرَابِ الصَّحَابَةِ مَعَ عِدَّةِ قُرَّاءٍ، يَتَنَاوَبُونَ فِيهِ، وَيُحْيُونَ
اللَّيْلَ، وَلَمَّا كَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَحْيَا لَيْلَةَ الْعِيدِ
وَحْدَهُ بِالْمِحْرَابِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ مَرِضَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ
مَاتَ بَعْدَ الظُّهْرِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ عَاشِرَ شَوَّالٍ بِدَرْبِ
الْعَمِيدِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ الْعَصْرَ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَدُفِنَ
بِمَقَابِرِ الْبَابِ الصَّغِيرِ عِنْدَ وَالِدِهِ فِي تُرْبَةٍ لَهُمْ، وَكَانَتْ
جَنَازَتُهُ حَافِلَةً، وَتَأَسَّفَ النَّاسُ عَلَيْهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَبَلَّ
بِالرَّحْمَةِ ثَرَاهُ، وَقَدْ قَارَبَ خَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَتَرَكَ
بِنْتًا سُبَاعِيَّةً اسْمُهَا عَائِشَةُ، وَقَدْ أَقْرَأَهَا شَيْئًا مِنَ
الْقُرْآنِ إِلَى " تَبَارَكَ "، وَحَفَّظَهَا " الْأَرْبَعِينَ
النَّوَاوِيَّةَ "، جَبَرَهَا رَبُّهَا وَرَحِمَ أَبَاهَا، آمِينَ.
وَخَرَجَ الْمَحْمَلُ الشَّامِيُّ وَالْحَجِيجُ يَوْمَ الْخَمِيسِ ثَانِيَ
عَشَرَهُ، وَأَمِيرُهُمُ الْأَمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ عَلَمِ
الدِّينِ الْهِلَالِيِّ أَحَدُ أُمَرَاءِ الطَّبْلَخَانَاهْ.
وَتُوُفِّيَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْمَلْطِيُّ يَوْمَ السَّبْتِ رَابِعَ
عَشَرَهُ، وَكَانَ مَشْهُورًا
بِالْمُجَاوَرَةِ بِالْكَلَّاسَةِ فِي
الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، لَهُ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ مِنَ الطَّرَارِيحِ
وَالْآلَاتِ الْفَقِيرِيَّةِ، وَيَلْبَسُ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَرِيرِيَّةِ،
وَشَكْلُهُ مُزْعِجٌ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ كَانَ يَعْتَقِدُ فِيهِ الصَّلَاحَ،
وَكُنْتُ مِمَّنْ يَكْرَهُهُ طَبْعًا وَشَرْعًا أَيْضًا.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ قَدِمَ
الْبَرِيدُ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ، وَمَعَهُمْ قَمَاقِمُ مَاءٍ مِنْ عَيْنٍ
هُنَاكَ مِنْ خَاصِيَّتِهِ أَنَّهُ يَتْبَعُهُ طَيْرٌ يُسَمَّى السَّمَرْمَرُ،
أَصْفَرُ الرِّيشِ، قَرِيبٌ مِنْ شَكْلِ الْخُطَّافِ، مِنْ شَأْنِهِ إِذَا قَدِمَ
الْجَرَادُ إِلَى الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَنَّهُ يُفْنِيهِ، وَيَأْكُلُهُ
أَكْلًا سَرِيعًا، فَلَا يَلْبَثُ الْجَرَادُ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى يَرْحَلَ
أَوْ يُؤْكَلَ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَلَمْ أُشَاهِدْ ذَلِكَ.
وَفِي الْمُنْتَصَفِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ كَمَلَ بِنَاءُ الْقَيْسَارِيَّةِ
الَّتِي كَانَتْ مَعْمَلًا بِالْقُرْبِ مِنْ دَارِ الْحِجَارَةِ قِبْلِيَّ سُوقِ
الدَّهْشَةِ الَّذِي لِلرِّجَالِ، وَفُتِحَتْ وَأُكْرِيَتْ دَهْشَةٌ لِقُمَاشِ
النِّسَاءِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِمَرْسُومِ مَلِكِ الْأُمَرَاءِ نَاظِرِ الْجَامِعِ
الْمَعْمُورِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَأَخْبَرَنِي الصَّدْرُ عِزُّ الدِّينِ
السِّيرْجِيُّ الْمُشَارِفُ بِالْجَامِعِ أَنَّهُ غُرِمَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ
الْجَامِعِ قَرِيبُ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
طَرْحُ مَكْسِ الْقُطْنِ الْمَغْزُولِ
الْبَلَدِيِّ وَالْمَجْلُوبِ
وَفِي أَوَاخِرِ هَذَا الشَّهْرِ جَاءَ الْمَرْسُومُ الشَّرِيفُ بِطَرْحِ مَكْسِ
الْقُطْنِ الْمَغْزُولِ الْبَلَدِيِّ وَالْجَلْبِ أَيْضًا، وَنُودِيَ بِذَلِكَ فِي
الْبَلَدِ، فَكَثُرَتِ الدَّعَوَاتُ لِمَنْ أَمَرَ بِذَلِكَ، وَفَرِحَ
الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ
وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ وَسُلْطَانُ الْبِلَادِ الْمِصْرِيَّةِ، وَالشَّامِيَّةِ،
وَالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ الْأَقَالِيمِ
الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ بْنُ الْحُسَيْنِ ابْنُ الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ
بْنِ قَلَاوُونَ، وَعُمْرُهُ عَشْرُ سِنِينَ فَمَا فَوْقَهَا، وَأَتَابِكُ
الْعَسَاكِرِ وَمُدَبِّرُ مَمَالِكِهِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ يَلْبُغَا الْخَاصِّكِيُّ،
وَقَاضِي قُضَاةِ الشَّافِعِيَّةِ بِمِصْرَ بَهَاءُ الدِّينِ أَبُو الْبَقَاءِ
السُّبْكِيُّ، وَبَقِيَّةُ الْقُضَاةِ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي السَّنَةِ الَّتِي
قَبْلَهَا، وَنَائِبُ دِمَشْقَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ مَنْكَلِي بُغَا،
وَقُضَاةُ دِمَشْقَ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا سِوَى
الْحَنَفِيِّ، فَإِنَّهُ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ السَّرَّاجِ شَيْخُ
الْحَنَفِيَّةِ، وَالْخَطَابَةُ بِيَدِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ
الشَّافِعِيِّ، وَكَاتِبُ السِّرِّ وَشَيْخُ الشُّيُوخِ الْقَاضِي فَتْحُ الدِّينِ
بْنُ الشَّهِيدِ، وَوَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ
الرَّهَاوِيِّ. وَدَخَلَ الْمَحْمَلُ السُّلْطَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ
الْعَصْرِ قَرِيبَ الْغُرُوبِ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْبَلَدِ،
وَذَلِكَ لِغَيْبَةِ النَّائِبِ فِي الرَّحْبَةِ مِمَّا يَلِي نَاحِيَةَ
الْفُرَاتِ; لِيَكُونَ كَالرَّدِّ لِلتَّجْرِيدَةِ الَّتِي تَعَيَّنَتْ
لِتَخْرِيبِ الْكَنِيسَاتِ الَّتِي هِيَ إِقْطَاعُ حَيَّارِ بْنِ مُهَنَّا مِنْ
أَرْضِ السُّلْطَانِ أُوَيْسٍ مَلِكِ الْعِرَاقِ.
اسْتِيلَاءُ الْفِرَنْجِ لَعَنَهُمُ
اللَّهُ عَلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ
وَفِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ احْتِيطَ عَلَى
الْفِرَنْجِ بِمَدِينَةِ دِمَشْقَ، وَأُودِعُوا فِي الْحُبُوسِ فِي الْقَلْعَةِ
الْمَنْصُورَةِ، وَاشْتَهَرَ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ مَدِينَةَ
الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ مُحَاصَرَةٌ بِعِدَّةِ شَوَانٍ، وَذُكِرَ أَنَّ صَاحِبَ
قُبْرُسَ مَعَهُمْ، وَأَنَّ الْجَيْشَ الْمِصْرِيَّ صَمَدُوا إِلَى حِرَاسَةِ
مَدِينَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَصَانَهَا
وَحَمَاهَا، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ أَمْرِهَا فِي الشَّهْرِ الْآتِي، فَإِنَّهُ
وَضَحَ لَنَا فِيهِ، وَمَكَثَ الْقَوْمُ بَعْدَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِأَيَّامٍ
فِيمَا بَلَغَنَا، بَعْدَ ذَلِكَ حَاصَرَهَا أَمِيرٌ مِنَ التَّتَارِ يُقَالُ
لَهُ: مَامِيَهْ، وَاسْتَعَانَ بِطَائِفَةٍ مِنَ الْفِرِنْجِ فَفَتَحُوهَا
قَسْرًا، وَقَتَلُوا مِنْ أَهْلِهَا خَلْقًا، وَغَنِمُوا شَيْئًا كَثِيرًا،
وَاسْتَقَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُ مَامَيْهِ مَلِكًا عَلَيْهَا.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَلْخِ هَذَا الشَّهْرِ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ
الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ الشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ قَيِّمِ
الْجَوْزِيَّةِ بِبُسْتَانِهِ بِالْمَزَّةِ، وَنُقِلَ إِلَى عِنْدِ وَالِدِهِ
بِمَقَابِرِ بَابِ الصَّغِيرِ، فَصُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ
بِجَامِعِ جَرَّاحٍ، وَحَضَرَ جَنَازَتَهُ الْقُضَاةُ، وَالْأَعْيَانُ، وَخَلْقٌ
مِنَ التُّجَّارِ وَالْعَامَّةِ، وَكَانَتْ جَنَازَتُهُ حَافِلَةً، وَقَدْ بَلَغَ
مِنَ الْعُمْرِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَكَانَ بَارِعًا فَاضِلًا فِي
النَّحْوِ، وَالْفِقْهِ، وَفُنُونٍ أُخَرَ عَلَى
طَرِيقَةِ وَالِدِهِ، رَحِمَهُمَا
اللَّهُ تَعَالَى، وَكَانَ مُدَرِّسًا بِالصَّدْرِيَّةِ، وَالتَّدْمُرِيَّةِ،
وَلَهُ تَصْدِيرٌ بِالْجَامِعِ، وَخَطَابَةٌ بِجَامِعِ ابْنِ خِلِّيخَانَ،
وَتَرَكَ مَالًا جَزِيلًا يُقَارِبُ الْمِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
ثُمَّ دَخَلَ شَهْرُ صَفَرٍ وَأَوَّلُهُ الْجُمُعَةُ، أَخْبَرَنِي بَعْضُ
عُلَمَاءِ السِّيَرِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْيَوْمِ - مُسْتَهَلِّ هَذَا
الشَّهْرِ - الْكَوَاكِبُ السَّبْعَةُ سِوَى الْمِرِّيخِ فِي بُرْجِ الْعَقْرَبِ،
وَلَمْ يَتَّفِقْ مِثْلُ هَذَا مِنْ سِنِينَ مُتَطَاوِلَةٍ، فَأَمَّا الْمِرِّيخُ
فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ سَبَقَ إِلَى بُرْجِ الْقَوْسِ.
فِيهِ وَوَرَدَتِ الْأَخْبَارُ بِمَا وَقَعَ مِنَ الْأَمْرِ الْفَظِيعِ
بِمَدِينَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ مِنَ الْفِرِنْجِ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ، وَذَلِكَ
أَنَّهُمْ، وَصَلُوا إِلَيْهَا فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ الثَّانِي
وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ، فَلَمْ يَجِدُوا بِهَا
نَائِبًا، وَلَا جَيْشًا، وَلَا حَافِظًا لِلْبَحْرِ، وَلَا نَاصِرًا،
فَدَخَلُوهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بُكْرَةَ النَّهَارِ بَعْدَ مَا حَرَقُوا أَبْوَابًا
كَبِيرَةً مِنْهَا، وَعَاثُوا فِي أَهْلِهَا فَسَادًا; يَقْتُلُونَ الرِّجَالَ،
وَيَأْخُذُونَ الْأَمْوَالَ، وَيَأْسِرُونَ النِّسَاءَ وَالْأَطْفَالَ،
فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، وَأَقَامُوا بِهَا
يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالسَّبْتِ، وَالْأَحَدِ، وَالِاثْنَيْنِ، وَالثُّلَاثَاءِ،
فَلَمَّا كَانَ صَبِيحَةُ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ قَدِمَ الشَّالِيشُ الْمِصْرِيُّ،
فَأَقْلَعَتِ الْفِرَنْجُ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - عَنْهَا وَقَدْ أَسَرُوا خَلْقًا
كَثِيرًا يُقَارِبُونَ الْأَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَأَخَذُوا مِنَ الْأَمْوَالِ
ذَهَبًا، وَحَرِيرًا، وَبُهَارًا، وَغَيْرَ ذَلِكَ مَا لَا يُحَدُّ وَلَا
يُوَصَفُ، وَقَدِمَ السُّلْطَانُ وَالْأَمِيرُ الْكَبِيرُ يَلْبُغَا ظُهْرَ
يَوْمَئِذٍ، وَقَدْ تَفَارَطَ الْحَالُ، وَتَحَوَّلَتِ الْغَنَائِمُ كُلُّهَا
إِلَى الشَّوَانِي بِالْبَحْرِ، فَسُمِعَ لِلْأَسَارَى مِنَ الْعَوِيلِ
وَالْبُكَاءِ وَالشَّكْوَى وَالْجَأْرِ إِلَى اللَّهِ وَالِاسْتِغَاثَةِ بِهِ
وَبِالْمُسْلِمِينَ - مَا قَطَّعَ الْأَكْبَادَ، وَذَرَفَتْ لَهُ الْعُيُونُ،
وَأَصَمَّ الْأَسْمَاعَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَلَمَّا بَلَغَتِ الْأَخْبَارُ إِلَى أَهْلِ دِمَشْقَ شَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ جِدًّا، وَذَكَرَ ذَلِكَ الْخَطِيبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَتَبَاكَى النَّاسُ كَثِيرًا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَجَاءَ الْمَرْسُومُ الشَّرِيفُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ إِلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ بِمَسْكِ النَّصَارَى مِنَ الشَّامِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَأَنْ يُأْخَذَ مِنْهُمْ رُبْعَ أَمْوَالِهِمْ لِعِمَارَةِ مَا خُرِّبَ مِنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَلِعِمَارَةِ مَرَاكِبَ تَغْزُو الْفِرِنْجَ، فَأَهَانُوا النَّصَارَى، وَطُلِبُوا مِنْ بُيُوتِهِمْ بِعُنْفٍ، وَخَافُوا أَنْ يُقْتَلُوا، وَلَمْ يَفْهَمُوا مَا يُرَادُ بِهِمْ، فَهَرَبُوا كُلَّ مَهْرَبٍ، وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْحَرَكَةُ شَرْعِيَّةً، وَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُهَا شَرْعًا، وَقَدْ طُلِبْتُ يَوْمَ السَّبْتِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ صَفَرٍ إِلَى الْمَيْدَانِ الْأَخْضَرِ لِلِاجْتِمَاعِ بِنَائِبِ السَّلْطَنَةِ، وَكَانَ اجْتَمَاعُنَا بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَئِذٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ لَعِبِ الْكُرَةِ، فَرَأَيْتُ مِنْهُ أُنْسًا كَثِيرًا، وَرَأَيْتُهُ كَامِلَ الرَّأْيِ وَالْفَهْمِ، حَسَنَ الْعِبَارَةِ، كَرِيمَ الْمُجَالَسَةِ، فَذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ فِي النَّصَارَى، فَقَالَ: إِنَّ بَعْضَ فُقَهَاءِ مِصْرَ أَفْتَى لِلْأَمِيرِ الْكَبِيرِ بِذَلِكَ، فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا مِمَّا لَا يَسُوغُ شَرْعًا، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِهَذَا، وَمَتَى كَانُوا بَاقِينَ عَلَى الذِّمَّةِ، يُؤَدُّونَ إِلَيْنَا الْجِزْيَةَ، مُلْتَزِمِينَ بِالذِّلَّةِ وَالصَّغَارِ، وَأَحْكَامُ الْمِلَّةِ قَائِمَةٌ - لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمُ الدِّرْهَمُ الْوَاحِدُ الْفَرْدُ فَوْقَ مَا يَبْذُلُونَهُ مِنَ الْجِزْيَةِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى الْأَمِيرِ، فَقَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ وَقَدْ وَرَدَ الْمَرْسُومُ بِذَلِكَ، وَلَا يُمْكِنُنِي أَنْ أُخَالِفَهُ ؟ وَذَكَرْتُ لَهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِمَّا يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ فِي حَقِّ أَهْلِ قُبْرُسَ مِنَ الْإِرْهَابِ، وَوَعِيدِ الْعِقَابِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا يَتَوَعَّدُهُمْ بِهِ، كَمَا قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ:ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقَّهُ نِصْفَيْنِ كَمَا هُوَ الْحَدِيثُ مَبْسُوطٌ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، فَجَعَلَ
يُعْجِبُهُ هَذَا جِدًّا، وَذَكَرَ
أَنَّ هَذَا كَانَ فِي قَلْبِهِ، وَأَنِّي كَاشَفْتُهُ بِهَذَا، وَأَنَّهُ كَتَبَ
بِهِ مُطَالَعَةً إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَسَيَأْتِي جَوَابُهَا بَعْدَ
عَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَتَجِيءُ حَتَّى تَقِفَ عَلَى الْجَوَابِ، وَظَهَرَ مِنْهُ
إِحْسَانٌ، وَقَبُولٌ وَإِكْرَامٌ زَائِدٌ، رَحِمَهُ اللَّهُ. ثُمَّ اجْتَمَعْتُ
بِهِ فِي دَارِ السَّعَادَةِ فِي أَوَائِلِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ،
فَبَشَّرَنِي أَنَّهُ قَدْ رُسِمَ بِعَمَلِ الشَّوَانِي وَالْمَرَاكِبِ لِغَزْوِ
الْفِرَنْجِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. ثُمَّ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ
الْأَحَدِ طُلِبَ النَّصَارَى الَّذِينَ اجْتَمَعُوا فِي كَنِيسَتِهِمْ إِلَى
بَيْنِ يَدَيْهِ، وَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ، فَحَلَّفَهُمْ: كَمْ
أَمْوَالُهُمْ ؟ وَأَلْزَمَهُمْ بِأَدَاءِ الرُّبُعِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَإِنَّا
لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَقَدْ أَمَرُوا إِلَى الْوُلَاةِ
بِإِحْضَارِ مَنْ فِي مُعَامَلَتِهِمْ، وَوَالِي الْبَرِّ قَدْ خَرَجَ إِلَى
الْقَرَايَا بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَجُرِّدَتْ أُمَرَاءُ إِلَى النَّوَاحِي
لِاسْتِخْلَاصِ الْأَمْوَالِ مِنَ النَّصَارَى فِي الْقُدْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَفِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ كَانَ سَفَرُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ
الدِّينِ السُّبْكِيِّ الشَّافِعِيِّ إِلَى الْقَاهِرَةِ. وَفِي يَوْمِ
الْأَرْبِعَاءِ خَامِسِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ اجْتَمَعْتُ بِنَائِبِ السَّلْطَنَةِ
بِدَارِ السَّعَادَةِ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ جَوَابِ الْمُطَالَعَةِ، فَذَكَرَ لِي
أَنَّهُ جَاءَ الْمَرْسُومُ الشَّرِيفُ السُّلْطَانِيُّ بِعَمَلِ الشَّوَانِي
وَالْمَرَاكِبِ; لِغَزْوِ قُبْرُسَ، وَقِتَالِ الْفِرَنْجِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
وَالْمِنَّةُ، وَأَمَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بِتَجْهِيزِ الْقَطَّاعِينَ،
وَالنَّشَّارِينَ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى الْغَابَةِ الَّتِي بِالْقُرْبِ مِنْ بَيْرُوتَ،
وَأَنْ يُشْرَعَ فِي عَمَلِ الشَّوَانِي. وَفِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ
- وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ - فُتِحَتْ دَارُ الْقُرْآنِ الَّتِي وَقَفَهَا
الشَّرِيفُ التَّفْتَازَانِيُّ إِلَى جَانِبِ حَمَّامِ الْكَاسِ شَمَالِيَّ
الْمَدْرَسَةِ الْبَادَرَائِيَّةِ، وَعُمِلَ فِيهَا
وَظِيفَةُ حَدِيثٍ، وَحُضِرَ عِنْدَ
وَاقِفِهَا يَوْمِيَّةُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ.
عَقْدُ مَجْلِسٍ بِسَبَبِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ
وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ
الْأَوَّلِ عُقِدَ مَجْلِسٌ حَافِلٌ بِدَارِ السَّعَادَةِ ; بِسَبَبِ مَا رُمِيَ
بِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ الشَّافِعِيُّ ابْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ
تَقِيِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ، وَكُنْتُ مِمَّنْ طُلِبَ إِلَيْهِ، فَحَضَرْتُهُ
فِيمَنْ حَضَرَ، وَقَدِ اجْتَمَعَ فِيهِ الْقُضَاةُ الثَّلَاثَةُ، وَخَلْقٌ مِنَ
الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَآخَرُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ - بِحَضْرَةِ نَائِبِ
الشَّامِ سَيْفِ الدِّينِ مَنْكَلِي بُغَا، وَكَانَ قَدْ سَافَرَ هُوَ إِلَى
الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ إِلَى الْأَبْوَابِ الشَّرِيفَةِ، وَاسْتَنْجَزَ
كِتَابًا إِلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ لِجَمْعِ هَذَا الْمَجْلِسِ لِيَسْأَلَ
عَنْهُ النَّاسَ، وَكَانَ قَدْ كُتِبَ فِيهِ مَحْضَرَانِ مُتَعَاكِسَانِ;
أَحَدُهُمَا لَهُ وَالْآخَرُ عَلَيْهِ، وَفِي الَّذِي عَلَيْهِ خَطُّ
الْقَاضِيَيْنِ الْمَالِكِيِّ وَالْحَنْبَلِيِّ، وَجَمَاعَةٍ آخَرِينَ، وَفِيهِ
عَظَائِمُ، وَأَشْيَاءُ مُنْكَرَةٌ جِدًّا يَنْبُو السَّمْعُ عَنِ اسْتِمَاعِهِ،
وَفِي الْآخَرِ خُطُوطُ جَمَاعَاتٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ،
وَفِيهِ خَطِّي بِأَنِّي مَا رَأَيْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا. وَلَمَّا
اجْتَمَعُوا أَمَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بِأَنْ يَمْتَازَ هَؤُلَاءِ عَنْ
هَؤُلَاءِ فِي الْمَجَالِسِ، فَصَارَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ وَحْدَهَا، وَتَحَاوَرُوا
فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَنَاضَلَ عَنْهُ نَائِبُهُ
الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ
الْغَزِّيُّ، وَالنَّائِبُ الْآخَرُ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ وُهَيْبَةَ،
وَغَيْرُهُمَا، وَصَرَّحَ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ الْحَنْبَلِيُّ
بِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ مَا كَتَبَ بِهِ خَطُّهُ فِيهِ، وَأَجَابَهُ
بَعْضُ الْحَاضِرِينَ مِنْهُمْ بِدَائِمِ النُّفُوذِ، فَبَادَرَ الْقَاضِي
الْغَزِّيُّ، فَقَالَ لِلْحَنْبَلِيِّ: أَنْتَ قَدْ ثَبَتَتْ عَدَاوَتُكَ لِقَاضِي
الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ.
فَكَثُرَ الْقَوْلُ، وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ، وَكَثُرَ الْجِدَالُ
وَالْمَقَالُ، وَتَكَلَّمَ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ الْمَالِكِيُّ
أَيْضًا بِنَحْوِ مَا قَالَ الْحَنْبَلِيُّ، فَأُجِيبُ بِمِثْلِ ذَلِكَ أَيْضًا،
وَطَالَ الْمَجْلِسُ، فَانْفَصَلُوا عَلَى مَثَلِ ذَلِكَ، وَلَمَّا بَلَغْتُ
الْبَابَ أَمَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بِرُجُوعِي إِلَيْهِ، فَإِذَا بَقِيَّةُ
النَّاسِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وَالْقُضَاةُ الثَّلَاثَةُ جُلُوسٌ، فَأَشَارَ
نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بِالصُّلْحِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ
الدِّينِ - يَعْنِي: وَأَنْ يَرْجِعَ الْقَاضِيَانِ عَمَّا قَالَا - فَأَشَارَ
الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَأَشَرْتُ أَنَا أَيْضًا
بِذَلِكَ، فَلَانَ الْمَالِكِيُّ وَامْتَنَعَ الْحَنْبَلِيُّ، فَقُمْنَا
وَالْأَمْرُ بَاقٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ اجْتَمَعْنَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ
بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدَ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ عَنْ طَلَبِهِ، فَتَرَاضَوْا
كَيْفَ يَكُونُ جَوَابُ الْكِتَابَاتِ مَعَ مُطَالَعَةِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ،
فَفُعِلَ ذَلِكَ، وَسَارَ الْبَرِيدُ بِذَلِكَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ،
ثُمَّ اجْتَمَعْنَا أَيْضًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ التَّاسِعَ
عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ بِدَارِ السَّعَادَةِ، وَحَضَرَ الْقُضَاةُ
الثَّلَاثَةُ وَجَمَاعَةٌ آخَرُونَ، وَاجْتَهَدَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ فِي
الصُّلْحِ بَيْنَ الْقُضَاةِ وَقَاضِي الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ بِمِصْرَ، فَحَصَلَ
خُلْفٌ وَكَلَامٌ طَوِيلٌ، ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ أَنْ سَكَنَتْ أَنْفُسُ
جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ إِلَى ذَلِكَ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي الشَّهْرِ الْآتِي.
وَفِي مُسْتَهَلِّ رَبِيعٍ الْآخِرِ كَانَتْ وَفَاةُ الْمُعَلِّمِ دَاوُدَ الَّذِي
كَانَ مُبَاشِرًا لِنِظَارَةِ
الْجَيْشِ، وَأُضِيفَ إِلَيْهِ نَظَرُ
الدَّوَاوِينِ إِلَى آخِرِ وَقْتٍ فَاجْتَمَعَ لَهُ هَاتَانِ الْوَظِيفَتَانِ،
وَلَمْ يَجْتَمِعَا لِأَحَدٍ قَبْلَهُ كَمَا فِي عِلْمِي، وَكَانَ مِنْ أَخْبَرِ
النَّاسِ بِنَظَرِ الْجَيْشِ، وَأَعْلَمِهِمْ بِأَسْمَاءِ رِجَالِهِ وَمَوَاضِعِ
الْإِقْطَاعَاتِ، وَقَدْ كَانَ وَالِدُهُ نَائِبًا لِنُظَّارِ الْجُيُوشِ، وَكَانَ
يَهُودِيًّا قَرَّائِيًّا، فَأَسْلَمَ وَلَدُهُ هَذَا قَبْلَ وَفَاةِ نَفْسِهِ
بِسَنَوَاتٍ عَشْرٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَقَدْ كَانَ ظَاهِرُهُ جَيِّدًا، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ بِسِرِّهِ وَسَرِيرَتِهِ، وَقَدْ تَمَرَّضَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ
أَوْ نَحْوِهِ، حَتَّى كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَصُلِّيَ عَلَيْهِ
بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ تُجَاهَ النَّسْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ، ثُمَّ حُمِلَ
إِلَى تُرْبَةٍ لَهُ أَعَدَّهَا فِي بُسْتَانِهِ بِجَوُبَرَ، وَلَهُ مِنَ
الْعُمْرِ قَرِيبُ الْخَمْسِينَ.
وَفِي أَوَائِلِ هَذَا الشَّهْرِ وَرَدَ الْمَرْسُومُ الشَّرِيفُ السُّلْطَانِيُّ
بِالرَّدِّ عَلَى نِسَاءِ النَّصَارَى مَا كَانَ أُخِذَ مِنْهُنَّ مَعَ
الْجِبَايَةِ الَّتِي كَانَ تَقَدَّمَ أَخْذُهَا مِنْهُنَّ، وَإِنْ كَانَ
الْجَمِيعُ ظُلْمًا، وَلَكِنِ الْأَخْذُ مِنَ النِّسَاءِ أَفْحَشُ وَأَبْلَغُ فِي
الظُّلْمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الْخَامِسَ عَشَرَ
مِنْهُ أَمَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ - أَعَزَّهُ اللَّهُ - بِكَبْسِ بَسَاتِينِ
أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَوُجِدَ فِيهَا مِنَ الْخَمْرِ الْمُعْتَصَرِ مِنَ
الْخَوَابِيِّ وَالْحِبَابِ، فَأُرِيقَتْ عَنْ آخِرِهَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
وَالْمِنَّةُ - بِحَيْثُ جَرَتْ فِي الْأَزِقَّةِ وَالطُّرُقَاتِ، وَفَاضَ نَهْرُ
ثَوْرَا مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَرَ بِمُصَادَرَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ وُجِدَ
عِنْدَهُمْ ذَلِكَ بِمَالٍ جَزِيلٍ وَهُمْ تَحْتَ الْجِبَايَةِ، وَبَعْدَ أَيَّامٍ
نُودِيَ فِي الْبَلَدِ بِأَنَّ نِسَاءَ
أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا تَدْخُلُ
الْحَمَّامَاتِ مَعَ الْمُسَلَّمَاتِ، بَلْ تَدْخُلُ حَمَّامَاتٍ تَخْتَصُّ بِهِنَّ،
وَمَنْ دَخَلَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الرِّجَالِ مَعَ الرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ
يَكُونُ فِي رِقَابِ الْكُفَّارِ عَلَامَاتٌ يُعْرَفُونَ بِهَا مِنْ أَجْرَاسٍ،
وَخَوَاتِيمَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَمَرَ نِسَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِأَنْ
تَلْبَسَ الْمَرْأَةُ خُفَّيْهَا مُخَالَفَيْنِ فِي اللَّوْنِ بِأَنْ يَكُونَ
أَحَدُهُمَا أَبْيَضَ، وَالْآخَرُ أَصْفَرَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ - أَعْنِي:
رَبِيعًا الْآخِرَ - طُلِبَ الْقُضَاةُ الثَّلَاثَةُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ
الْمُفْتِينَ; فَمِنْ نَاحِيَةِ الشَّافِعِيِّ نَائِبَاهُ، وَهُمَا الْقَاضِي
شَمْسُ الدِّينِ الْغَزِّيُّ، وَالْقَاضِي بَدْرُ الدِّينِ بْنُ وُهَيْبَةَ،
وَالشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الزَّبَدَانِيِّ، وَالْمُصَنِّفُ
الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ، وَالشَّيْخُ بَدْرُ الدِّينِ حَسَنُ
الزُّرَعِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْفَارِقِيُّ، وَمِنَ الْجَانِبِ
الْآخَرِ قَاضِيَا الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ الْمَالِكِيُّ وَالْحَنْبَلِيُّ،
وَالشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ الْحَنْبَلِيُّ، وَالشَّيْخُ
جَمَالُ الدِّينِ بْنُ الشَّرِيشِيِّ، وَالشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ حَمْزَةَ
ابْنِ شَيْخِ السَّلَامِيَّةِ الْحَنْبَلِيُّ، وَعِمَادُ الدِّينِ
الْأَخْنَائِيُّ، فَاجْتَمَعْتُ مَعَ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ بِالْقَاعَةِ الَّتِي
فِي صَدْرِ إِيوَانِ دَارِ السَّعَادَةِ، وَجَلَسَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ فِي
صَدْرِ الْمَكَانِ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا قَالَ: كُنَّا
نَحْنُ التُّرْكَ وَغَيْرُنَا إِذَا اخْتَلَفْنَا وَاخْتَصَمْنَا نَجِيءُ
بِالْعُلَمَاءِ فَيُصْلِحُونَ بَيْنَنَا، فَصِرْنَا نَحْنُ إِذَا اخْتَلَفَتِ
الْعُلَمَاءُ وَاخْتَصَمُوا، فَمَنْ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ ؟! وَشَرَعَ فِي
تَأْنِيبِ مَنْ شَنَّعَ عَلَى الشَّافِعِيِّ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ تِلْكَ
الْأَقْوَالِ وَالْأَفَاعِيلِ الَّتِي كُتِبَتْ فِي تِلْكَ الْأَوْرَاقِ وَغَيْرِهَا،
وَأَنَّ هَذَا يَشْفِي الْأَعْدَاءَ بِنَا، وَأَشَارَ بِالصُّلْحِ بَيْنَ
الْقُضَاةِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، فَصَمَّمَ بَعْضُهُمْ،
وَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَجَرَتْ
مُنَاقَشَاتٌ مِنْ بَعْضِ الْحَاضِرِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ حَصَلَ بَحْثٌ
فِي مَسَائِلَ، ثُمَّ قَالَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ أَخِيرًا: أَمَا سَمِعْتُمْ
قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ [ الْمَائِدَةِ: 95 ].
فَلَانَتِ الْقُلُوبُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَأَمَرَ كَاتِبَ السِّرِّ أَنْ يَكْتُبَ
مَضْمُونَ ذَلِكَ فِي مُطَالَعَةٍ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، ثُمَّ
خَرَجْنَا عَلَى ذَلِكَ.
عَوْدَةُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ إِلَى دِمَشْقَ
فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى
قَدِمَ مِنْ نَاحِيَةِ الْكُسْوَةِ، وَقَدْ تَلَقَّاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ
الْأَعْيَانِ إِلَى الصَّنَمَيْنِ وَمَا فَوْقَهَا، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى
الْكُسْوَةِ كَثُرَ النَّاسُ جَدًّا، وَقَارَبَهَا قَاضِي قُضَاةِ الْحَنَفِيَّةِ
الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ السَّرَّاجِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ مِنْ عَقَبَةِ
سَجَوْرَا تَلَقَّاهُ خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، وَأُشْعِلَتِ الشُّمُوعُ
حَتَّى مَعَ النِّسَاءِ، وَالنَّاسُ فِي سُرُورٍ عَظِيمٍ، فَلَمَّا كَانَ قَرِيبًا
مِنَ الْجَسُورَةِ تَلَقَّتْهُ السَّنَاجِقُ الْخَلِيفَتِيَّةُ مَعَ الْجَوَامِعِ،
وَالْمُؤَذِّنُونَ يُكَبِّرُونَ، وَالنَّاسُ فِي سُرُورٍ كَثِيرٍ، وَلَمَّا
قَارَبَ بَابَ النَّصْرِ وَقْعَ مَطَرٌ عَظِيمٌ، وَالنَّاسُ مَعَهُ لَا تَسَعُهُمُ
الطُّرُقَاتُ، يَدْعُونَ لَهُ، وَيَفْرَحُونَ بِقُدُومِهِ، فَدَخَلَ دَارَ
السَّعَادَةِ، وَسَلَّمَ عَلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ، ثُمَّ دَخَلَ الْجَامِعَ
بَعْدَ الْعَصْرِ، وَمَعَهُ شُمُوعٌ عَظِيمَةٌ، وَالرُّؤَسَاءُ أَكْثَرُ مِنَ
الْعَامَّةِ. وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثَانِيَ شَهْرِ جُمَادَى
الْآخِرَةِ رَكِبَ قَاضِي الْقُضَاةِ السُّبْكِيُّ إِلَى دَارِ السَّعَادَةِ،
وَقَدِ اسْتَدْعَى نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بِالْقَاضِيَيْنِ; الْمَالِكِيِّ
وَالْحَنْبَلِيِّ، فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ، وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ ثَلَاثَتُهُمْ
يَتَمَاشَوْنَ إِلَى الْجَامِعِ، فَدَخَلُوا دَارَ الْخَطَابَةِ فَاجْتَمَعُوا
هُنَاكَ، وَضَيَّفَهُمَا الشَّافِعِيُّ،
ثُمَّ حَضَرَا خُطْبَتَهُ الْحَافِلَةَ
الْبَلِيغَةَ الْفَصِيحَةَ، ثُمَّ خَرَجُوا ثَلَاثَتُهُمْ مِنْ جَوَّا إِلَى دَارِ
الْمَالِكِيِّ، فَاجْتَمَعُوا هُنَالِكَ، وَضَيَّفَهُمُ الْمَالِكِيُّ هُنَالِكَ
مَا تَيَسَّرَ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
وَفِي أَوَائِلِ هَذَا الشَّهْرِ وَرَدَتِ الْمَرَاسِيمُ الشَّرِيفَةُ
السُّلْطَانِيَّةُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِأَنْ يُجْعَلَ لِلْأَمِيرِ
مِنْ إِقْطَاعِهِ النِّصْفُ خَاصًّا لَهُ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يَكُونُ
لِأَجْنَادِهِ، فَحَصَلَ بِهَذَا رِفْقٌ عَظِيمٌ بِالْجُنْدِ وَعَدَلٌ كَثِيرٌ -
وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - وَأَنْ يَتَجَهَّزَ الْأَجْنَادُ وَيُحَرَّضُوا عَلَى
السَّبْقِ، وَالرَّمْيِ بِالنُّشَّابِ، وَأَنْ يَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ، مَتَى
اسْتُنْفِرُوا نَفَرُوا، فَاسْتَعَدُّوا لِذَلِكَ، وَتَأَهَّبُوا لِقِتَالِ
الْفِرِنْجِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ
مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ
وَعَدُوَّكُمْ الْآيَةَ [ الْأَنْفَالِ: 60 ]. وَثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عَلَى
الْمِنْبَرِ:أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:ارْمُوا
وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ عُقِدَ مَجْلِسٌ بِدَارِ السَّعَادَةِ
لِلْكَشْفِ عَلَى قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالِ الدِّينِ الْمَرْدَاوِيِّ
الْحَنْبَلِيِّ بِمُقْتَضَى مَرْسُومٍ شَرِيفٍ وَرَدَ مِنَ الدِّيَارِ
الْمِصْرِيَّةِ بِذَلِكَ; وَذَلِكَ بِسَبَبِ مَا يَعْتَمِدُهُ كَثِيرٌ مِنْ
شُهُودِ مَجْلِسِهِ مِنْ بَيْعِ أَوْقَافٍ لَمْ يَسْتَوْفِ فِيهَا شَرَائِطَ
الْمَذْهَبِ، وَإِثْبَاتِ إِعْسَارَاتٍ أَيْضًا كَذَلِكَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
الْوَقْعَةُ بَيْنَ الْأُمَرَاءِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ
وَفِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَدَ الْخَبَرُ بِأَنَّ
الْأَمِيرَ الْكَبِيرَ يَلْبُغَا
الْخَاصِّكِيَّ خَرَجَ عَلَيْهِ
جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ مَعَ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ طَيْبُغَا
الطَّوِيلِ، فَبَرَزَ إِلَيْهِمْ إِلَى قُبَّةِ النَّصْرِ، فَالْتَقَوْا مَعَهُ
هُنَالِكَ، فَقَتَلَ جَمَاعَةً وَجَرَحَ آخَرِينَ، وَانْفَصَلَ الْحَالُ عَلَى
مَسْكِ طَيْبُغَا الطَّوِيلِ وَهُوَ جَرِيحٌ، وَمُسِكَ أَرْغُونَ الْإِسْعِرْدِيُّ
الدَّوَادَارُ، وَخَلْقٌ مِنْ أُمَرَاءِ الْأُلُوفِ وَالطَّبْلَخَانَاهْ، وَجَرَتْ
خَبْطَةٌ عَظِيمَةٌ اسْتَمَرَّ فِيهَا الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ يَلْبُغَا عَلَى
عِزِّهِ وَتَأْيِيدِهِ، وَنَصْرِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَفِي ثَانِي رَجَبٍ يَوْمِ السَّبْتِ تَوَجَّهَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ
بَيْدَمُرُ الَّذِي كَانَ نَائِبَ دِمَشْقَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ
بِطَلَبِ الْأَمِيرِ يَلْبُغَا; لِيُؤَكِّدَ أَمْرَهُ فِي دُخُولِ الْبَحْرِ
لِقِتَالِ الْفِرِنْجِ وَفَتْحِ قُبْرُسَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ بَغْدَادَ
أَخْبَرَنِي الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْبَغْدَادِيُّ أَحَدُ رُؤَسَاءِ
بَغْدَادَ، وَأَصْحَابِ التِّجَارَاتِ، وَالشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ الْعَطَّارُ
السِّمْسَارُ فِي الشَّرْبِ - بَغْدَادِيٌّ أَيْضًا - أَنَّ بَغْدَادَ
اسْتَعَادَهَا أُوَيْسٌ مَلِكُ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ مِنْ يَدِ الطَّوَاشِيِّ
مَرْجَانَ، وَاسْتَحْضَرَهُ فَأَكْرَمَهُ، وَأَطْلَقَ لَهُ، وَاتَّفَقَا أَنَّ
أَصْلَ الْفِتْنَةِ مِنَ الْأَمِيرِ أَحْمَدَ أَخِي الْوَزِيرِ، فَأَحْضَرَهُ
السُّلْطَانُ إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ، وَضَرَبَهُ بِسِكِّينٍ فِي كَرِشِهِ
فَشَقَّهُ، وَأَمَرَ بَعْضَ الْأُمَرَاءِ فَقَتَلَهُ، فَانْتَصَرَ أَهْلُ
السُّنَّةِ لِذَلِكَ نُصْرَةً عَظِيمَةً، وَأَخَذَ جُثَّتَهُ أَهِلُ بَابِ
الْأَزَجِ فَأَحْرَقُوهُ، وَسَكَنَتِ الْأُمُورُ، وَتَشَفَّوْا بِمَقْتَلِ
الشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ الْأَنْبَارِيِّ الَّذِي قَتَلَهُ الْوَزِيرُ
الرَّافِضِيُّ فَأَهْلَكَهُ اللَّهُ بَعْدَهُ سَرِيعًا.
وَفَاةُ قَاضِي الْقُضَاةِ عِزِّ
الدِّينِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَاتِمٍ الشَّافِعِيِّ
وَفِي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ قَدِمَ كِتَابٌ مِنَ الدِّيَارِ
الْمِصْرِيَّةِ بِوَفَاةِ قَاضِي الْقُضَاةِ عِزِّ الدِّينِ ابْنِ قَاضِي
الْقُضَاةِ بَدْرِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ جَمَاعَةَ بِمَكَّةَ - شَرَّفَهَا
اللَّهُ - فِي الْعَاشِرِ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَدُفِنَ فِي الْحَادِيَ
عَشَرَ فِي بَابِ الْمُعَلَّى، وَذَكَرُوا أَنَّهُ تُوُفِّيَ وَهُوَ يَقْرَأُ
الْقُرْآنَ، وَأَخْبَرَنِي صَاحِبُنَا الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ الرَّحْبِيُّ -
حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ كَثِيرًا: أَشْتَهِي أَنْ
أَمُوتَ وَأَنَا مَعْزُولٌ، وَأَنْ تَكُونَ وَفَاتِي بِأَحَدِ الْحَرَمَيْنِ.
فَأَعْطَاهُ اللَّهُ مَا تَمَنَّاهُ; عَزَلَ نَفْسَهُ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ،
وَهَاجَرَ إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ لِزِيَارَةِ رَسُولِ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ عَادَ إِلَى مَكَّةَ، وَكَانَتْ
وَفَاتُهُ بِهَا فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ، فَرَحِمَهُ اللَّهُ، وَبَلَّ
بِالرَّحْمَةِ ثَرَاهُ.
وَقَدْ كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ، فَتُوُفِّيَ عَنْ
ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَقَدْ نَالَ الْعِزُّ عِزًّا فِي الدُّنْيَا،
وَرِفْعَةً هَائِلَةً، وَمَنَاصِبَ، وَتَدَارِيسَ كِبَارًا، ثُمَّ عَزَلَ
نَفْسَهُ، وَتَفَرَّغَ لِلْعِبَادَةِ وَالْمُجَاوَرَةِ بِالْحَرَمَيْنِ
الشَّرِيفَيْنِ، فَيُقَالُ لَهُ مَا قُلْتُهُ فِي بَعْضِ الْمَرَاثِي:
فَكَأَنْ قَدْ أُعْلِمْتَ بِالْمَوْتِ حَتَّى قَدْ تَزَوَّدْتَ مِنْ خِيَارِ
الزَّادِ
وَحَضَرَ عِنْدِي فِي يَوْمِ
الثُّلَاثَاءِ تَاسِعِ شَوَّالٍ الْبَتْرَكُ بِشَارَةُ الْمُلَقَّبُ بِمِيخَائِيلَ
النَّصْرَانِيِّ الْمَلْكِيُّ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّ الْمَطَارِنَةَ بِالشَّامِ
بَايَعُوهُ عَلَى أَنْ جَعَلُوهُ بَتْرَكًا بِدِمَشْقَ عِوَضًا عَنِ الْبَتْرَكِ
بِأَنْطَاكِيَّةَ، فَذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مُبْتَدَعٌ فِي دِينِهِمْ،
فَإِنَّهُ لَا تَكُونُ الْبَتَارِكَةُ إِلَّا أَرْبَعَةً; بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ،
وَبِالْقُدْسِ، وَبِأَنْطَاكِيَّةَ، وَبِرُومِيَّةَ، فَنُقِلَ بَتْرَكُ رُومِيَّةَ
إِلَى إِسْطَنْبُولَ وَهِيَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ
كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِذْ ذَاكَ، فَهَذَا الَّذِي ابْتَدَعُوهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ
أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ ! لَكِنِ اعْتَذَرَ بِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ عَنْ
أَنْطَاكِيَّةَ، وَإِنَّمَا أُذِنَ لَهُ فِي الْمُقَامِ بِالشَّامِ الشَّرِيفِ;
لِأَجْلِ أَنَّهُ أَمَرَهُ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ أَنْ يَكْتُبَ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ
مِلَّتِهِمْ إِلَى صَاحِبِ قُبْرُسَ، يَذْكُرُ لَهُ مَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ
الْخِزْيِ، وَالنَّكَالِ، وَالْجِنَايَةِ بِسَبَبِ عُدْوَانِ صَاحِبِ قُبْرُسَ
عَلَى مَدِينَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَأَحْضَرَ لِي الْكُتُبَ إِلَيْهِ وَإِلَى
مَلِكِ إِسْطَنْبُولَ، وَقَرَأَهَا عَلَيَّ مِنْ لَفْظِهِ - لَعَنَهُ اللَّهُ
وَلَعَنَ الْمَكْتُوبَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا - وَقَدْ تَكَلَّمْتُ مَعَهُ فِي
دِينِهِمْ وَنُصُوصِ مَا يَعْتَقِدُهُ كُلٌّ مِنَ الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ; وَهُمُ
الْمَلْكِيَّةُ، وَالْيَعْقُوبِيَّةُ - وَمِنْهُمُ الْإِفْرِنْجُ وَالْقِبْطُ -
وَالنَّسْطُورِيَّةُ، فَإِذَا هُوَ يَفْهَمُ بَعْضَ الشَّيْءِ، وَلَكِنَّ
حَاصِلَهُ أَنَّهُ حِمَارٌ مِنْ أَكْفَرِ الْكُفَّارَ، لَعَنَهُ اللَّهُ.
وَفِي هَذَا الشَّهْرِ بَلَغَنَا اسْتِعَادَةُ السُّلْطَانِ أُوَيْسٍ ابْنِ
الشَّيْخِ حَسَنٍ مَلِكِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ لِبَغْدَادَ مِنْ يَدِ
الطَّوَاشِيِّ مَرْجَانَ الَّذِي كَانَ نَائِبَهُ عَلَيْهَا وَامْتَنَعَ مِنْ
طَاعَةِ أُوَيْسٍ، فَجَاءَ إِلَيْهِ فِي جَحَافِلَ كَثِيرَةٍ، فَهَرَبَ مَرْجَانُ،
وَدَخَلَ
أُوَيْسٌ إِلَى بَغْدَادَ دُخُولًا
هَائِلًا، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا.
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ قَدِمَ
الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ بَيْدَمُرُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عَلَى
الْبَرِيدِ أَمِيرَ مِائَةٍ مُقَدَّمَ أَلْفٍ، وَعَلَى نِيَابَةِ يَلْبُغَا فِي
جَمِيعِ دَوَاوِينِهِ بِدِمَشْقَ وَغَيْرِهَا، وَعَلَى إِمَارَةِ الْبَحْرِ
وَعَمَلِ الْمَرَاكِبِ، فَلَمَّا قَدِمَ أَمَرَ بِجَمْعِ جَمِيعِ النَّشَّارِينَ،
وَالنَّجَّارِينَ، وَالْحَدَّادِينَ، وَتَجْهِيزِهِمْ لِبَيْرُوتَ لِقَطْعِ
الْأَخْشَابِ، فَسُيِّرُوا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ثَانِيَ رَمَضَانَ، وَهُوَ
عَازِمٌ عَلَى اللَّحَاقِ بِهِمْ إِلَى هُنَالِكَ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ،
ثُمَّ أُتْبِعُوا بِآخَرِينَ مِنْ نَجَّارِينَ، وَحَدَّادِينَ، وَعَتَّالِينَ،
وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَجَعَلُوا كُلَّ مَنْ وَجَدُوهُ مِنْ رُكَّابِ الْحَمِيرِ
يُنْزِلُونَهُ وَيَرْكَبُوا إِلَى نَاحِيَةِ الْبِقَاعِ، وَسَخَّرُوا لَهُمْ مِنَ
الصُّنَّاعِ وَغَيْرِهِمْ، وَجَرَتْ خُطْبَةٌ عَظِيمَةٌ، وَتَبَاكَى عَوَائِلُهُمْ
وَأَطْفَالُهُمْ، وَلَمْ يُسْلَفُوا شَيْئًا مِنْ أُجُورِهِمْ، وَكَانَ مِنَ
اللَّائِقِ أَنْ يُسْلَفُوهُ حَتَّى يَتْرُكُوهُ إِلَى أَوْلَادِهِمْ.
وَخَطَبَ بُرْهَانُ الدِّينِ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنَفِيُّ بِجَامِعِ يَلْبُغَا
عِوَضًا عَنْ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ
الْكَفْرِيِّ، بِمَرْسُومٍ شَرِيفٍ وَمَرْسُومِ نَائِبِ صَفَدَ أَسَنْدَمُرَ أَخِي
يَلْبُغَا، وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى جَدِّهِ وَجَمَاعَتِهِمْ، وَذَلِكَ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ الرَّابِعَ مِنْ رَمَضَانَ، هَذَا وَحَضَرَ عِنْدَهُ خَلْقٌ
كَثِيرٌ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ قُرِئَ تَقْلِيدُ
قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ ابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ لِقَضَاءِ
الْحَنَابِلَةِ، عِوَضًا عَنْ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالِ الدِّينِ
الْمَرْدَاوِيِّ، عُزِلَ هُوَ وَالْمَالِكِيُّ مَعَهُ أَيْضًا; بِسَبَبِ أُمُورٍ
تَقَدَّمَ نِسْبَتُهَا لَهُمَا، وَقُرِئَ التَّقْلِيدُ بِمِحْرَابِ
الْحَنَابِلَةِ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْحَنَفِيُّ، وَكَانَ
الْمَالِكِيُّ مُعْتَكِفًا بِالْقَاعَةِ
مِنَ الْمَنَارَةِ الْغَرْبِيَّةِ،
فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ; لِأَنَّهُ مَعْزُولٌ أَيْضًا بِسَرِيِّ الدِّينِ
قَاضِي حَمَاةَ، وَقَدْ وَقَعَتْ شُرُورٌ وَتَخْبِيطٌ بِالصَّالِحِيَّةِ
وَغَيْرِهَا.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ
خُلِعَ عَلَى قَاضِي الْقُضَاةِ سَرِيِّ الدِّينِ إِسْمَاعِيلَ الْمَالِكِيِّ -
قَدِمَ مِنْ حَمَاةَ عَلَى قَضَاءِ الْمَالِكِيَّةِ - عِوَضًا عَنْ قَاضِي
الْقُضَاةِ جَمَالِ الدِّينِ الْمَسَلَّاتِيِّ - عُزِلَ عَنِ الْمَنْصِبِ -
وَقُرِئَ تَقْلِيدُهُ بِمَقْصُورَةِ الْمَالِكِيَّةِ مِنَ الْجَامِعِ، وَحَضَرَ
عِنْدَهُ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ سَابِعِ شَوَّالٍ قَدِمَ الْأَمِيرُ
حَيَّارُ بْنُ مُهَنَّا إِلَى دِمَشْقَ سَامِعًا مُطِيعًا، بَعْدَ أَنْ جَرَتْ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُيُوشِ حُرُوبٌ مُتَطَاوِلَةٌ، كُلُّ ذَلِكَ لِيَطَأَ
الْبِسَاطَ، فَأَبَى خَوْفًا مِنَ الْمَسْكِ وَالْحَبْسِ أَوِ الْقَتْلِ، فَبَعْدَ
ذَلِكَ كُلِّهِ قَدِمَ هَذَا الْيَوْمَ قَاصِدًا الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ;
لِيَصْطَلِحَ مَعَ الْأَمِيرِ الْكَبِيرِ يَلْبُغَا، فَتَلَقَّاهُ الْحَجَبَةُ،
وَالْمَهْمَنْدَارِيَّةُ، وَالْخَلْقُ، وَخَرَجَ النَّاسُ لِلْفُرْجَةِ، فَنَزَلَ
الْقَصْرَ الْأَبْلَقَ، وَقَدِمَ مَعَهُ نَائِبُ حَمَاةَ عُمَرُ شَاهْ فَنَزَلَ
مَعَهُ ثَانِيَ يَوْمٍ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ. وَأَقْرَأَنِي الْقَاضِي
وَلِيُّ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ وَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ كِتَابَ وَالِدِهِ
قَاضِي الْقُضَاةِ بَهَاءِ الدِّينِ أَبِي الْبَقَاءِ قَاضِي قُضَاةِ
الشَّافِعِيَّةِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ; أَنَّ الْأَمِيرَ الْكَبِيرَ
جَدَّدَ دَرْسًا بِجَامِعِ ابْنِ طُولُونَ فِيهِ سَبْعَةُ مُدَرِّسِينَ
لِلْحَنَفِيَّةِ، وَجَعَلَ لَكُلِّ فَقِيهٍ مِنْهُمْ فِي الشَّهْرِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا،
وَإِرْدَبَّ قَمْحٍ، وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ
انْتَقَلُوا إِلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لِيَنْزِلُوا فِي هَذَا الدَّرْسِ.
دَرْسُ التَّفْسِيرِ بِالْجَامِعِ
الْأُمَوِيِّ
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ
سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ حَضَرَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ عِمَادُ
الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ دَرْسَ التَّفْسِيرِ الَّذِي أَنْشَأَهُ مَلِكُ
الْأُمَرَاءِ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ مَنْكَلِي بُغَا،
مِنْ أَوْقَافِ الْجَامِعِ الَّتِي جَدَّدَهَا فِي حَالِ نَظَرِهِ عَلَيْهِ،
أَثَابَهُ اللَّهُ، وَجَعَلَ مِنَ الطَّلَبَةِ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ خَمْسَةَ
عَشَرَ طَالِبًا، لِكُلِّ طَالِبٍ فِي الشَّهْرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ،
وَلِلْمُعِيدِ عِشْرُونَ، وَلِكَاتِبِ الْغَيْبَةِ عِشْرُونَ، وَلِلْمُدَرِّسِ
ثَمَانُونَ، وَتَصَدَّقَ حِينَ دَعَوْتُهُ لِحُضُورِ الدَّرْسِ، فَحَضَرَ،
وَاجْتَمَعَ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ، وَأَخَذْتُ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِ "
الْفَاتِحَةِ "، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ،
وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ
وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ وَقَاضِي قُضَاةِ الْحَنَابِلَةِ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ أَحْمَدُ
بْنُ الْحَسَنِ ابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ الْمَقْدِسِيُّ، وَنَاظِرُ الدَّوَاوِينِ
سَعْدُ الدِّينِ بْنُ التَّاجِ إِسْحَاقَ، وَكَاتِبُ السِّرِّ فَتْحُ الدِّينِ
بْنُ الشَّهِيدِ، وَهُوَ شَيْخُ الشُّيُوخِ أَيْضًا، وَنَاظِرُ الْجُيُوشِ
الشَّامِيَّةِ بُرْهَانُ الدِّينِ بْنُ الْحِلِّيِّ، وَوَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ
الْقَاضِي وَلِيُّ الدِّينِ ابْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ بَهَاءِ الدِّينِ أَبِي
الْبَقَاءِ.
سَفَرُ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ
لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ قَدِمَ
طَشْتَمُرُ دَوَادَارُ يَلْبُغَا عَلَى الْبَرِيدِ، فَنَزَلَ بِدَارِ
السَّعَادَةِ، ثُمَّ رَكِبَ هُوَ وَنَائِبُ السَّلْطَنَةِ بَعْدَ الْعِشَاءِ
الْأَخِيرَةِ فِي الْمَشَاعِلِ، وَالْحَجَبَةُ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا،
وَالْخَلَائِقُ يَدْعُونَ لِنَائِبِهِمْ، وَاسْتَمَرُّوا كَذَلِكَ ذَاهِبِينَ
إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَأَكْرَمُهُ يَلْبُغَا وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ،
وَسَأَلَهُ أَنْ يَكُونَ بِبِلَادِ حَلَبَ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَعَادَ
فَنَزَلَ بِدَارِ سَنْجَرَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَارْتَحَلَ مِنْهَا إِلَى حَلَبَ،
وَقَدِ اجْتَمَعْتُ بِهِ هُنَالِكَ، وَتَأَسَّفَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَنَابَ فِي
الْغَيْبَةِ الْأَمِيرُ
سَيْفُ الدِّينِ زُبَالَةَ، إِلَى أَنْ
قَدِمَ النَّائِبُ الْمُعِزُّ السَّيْفِيُّ أَقْتَمُرُ عَبْدُ الْغَنِيِّ، عَلَى
مَا سَيَأْتِي.
وَتُوُفِّيَ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ بْنُ مَنْصُورٍ الْحَنَفِيُّ الَّذِي كَانَ
نَائِبَ الْحَكَمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَوْمَ السَّبْتِ السَّادِسِ
وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَدُفِنَ بِالْبَابِ الصَّغِيرِ، وَقَدْ
قَارَبَ الثَّمَانِينَ.
وَفِي هَذَا الْيَوْمِ أَوِ الَّذِي بَعْدَهُ تُوُفِّيَ الْقَاضِي شِهَابُ
الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ الْوَزَوَازَةِ، نَاظِرُ الْأَوْقَافِ بِالصَّالِحِيَّةِ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثَالِثِ صَفَرٍ نُودِيَ فِي الْبَلَدِ أَنْ
لَا يَتَخَلَّفَ أَحَدٌ مِنْ أَجْنَادِ الْحَلْقَةِ عَنِ النَّفِيرِ إِلَى
بَيْرُوتَ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ لِذَلِكَ، فَبَادَرَ النَّاسُ وَالْجَيْشُ
مُلْبِسِينَ إِلَى سَطْحِ الْمِزَّةِ، وَخَرَجَ مَلِكُ الْأُمَرَاءِ أَمِيرُ
عَلِيٌّ - نَائِبُ الشَّامِ - مِنْ دَارِهِ دَاخِلَ بَابِ الْجَابِيَةِ فِي
جَمَاعَتِهِ مُلْبِسِينَ فِي هَيْئَةٍ حَسَنَةٍ، وَتَجَمُّلٍ هَائِلٍ، وَوَلَدُهُ
الْأَمِيرُ نَاصِرُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ، وَطُلْبُهُ مَعَهُ، وَقَدْ جَاءَ نَائِبُ
الْغَيْبَةِ وَالْحَجَبَةُ إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ إِلَى وِطَاقِهِ، وَشَاوَرُوهُ
فِي الْأَمْرِ، فَقَالَ: لَيْسَ لِي هَاهُنَا أَمْرٌ، وَلَكِنْ إِذَا حَضَرَ
الْحَرْبُ وَالْقِتَالُ، فَلِي هُنَاكَ أَمْرٌ. وَخَرَجَ خَلْقٌ مِنَ النَّاسِ
مُتَبَرِّعِينَ، وَخَطَبَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ الشَّافِعِيُّ
بِالنَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْعَادَةِ، وَحَرَّضَ النَّاسَ عَلَى
الْجِهَادِ، وَقَدْ أَلْبَسَ جَمَاعَةً مِنْ غِلْمَانِهِ اللَّأْمَةَ وَالْخُوَذَ،
وَهُوَ عَلَى عَزْمِ الْمَسِيرِ مَعَ النَّاسِ إِلَى بَيْرُوتَ، وَلِلَّهِ
الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ رَجَعَ النَّاسُ
إِلَى مَنَازِلِهِمْ، وَقَدْ وَرَدَ الْخَبَرُ بِأَنَّ الْمَرَاكِبَ الَّتِي
رُئِيَتْ فِي الْبَحْرِ إِنَّمَا هِيَ مَرَاكِبُ تُجَّارٍ لَا مَرَاكِبَ قِتَالٍ،
فَطَابَتْ قُلُوبُ النَّاسِ، وَلَكِنْ
ظَهَرَ مِنْهُمُ اسْتِعْدَادٌ عَظِيمٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَفِي لَيْلَةِ الْأَحَدِ خَامِسِ صَفَرٍ قُدِمَ بِالْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ
شَرْشَيٍّ - الَّذِي كَانَ إِلَى آخِرِ وَقْتٍ نَائِبَ حَلَبَ - مُحْتَاطًا
عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ إِلَى دَارِ السَّعَادَةِ بِدِمَشْقَ،
فَسُيِّرَ مَعْزُولًا عَنْ حَلَبَ إِلَى طَرَابُلُسَ بَطَّالًا، وَبُعِثَ فِي
سَرْجَيْنِ صُحْبَةَ الْأَمِيرِ عَلَاءِ الدِّينِ بْنِ صُبْحٍ.
وَبَلَغَنَا وَفَاةُ الشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ نُبَاتَةَ حَامِلِ لِوَاءِ
شُعَرَاءِ زَمَانِهِ بِدِيَارِ مِصْرَ بِمَرِسْتَانِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ
قَلَاوُونَ، وَذَلِكَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ سَابِعَ صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ،
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي لَيْلَةِ ثَامِنِهِ هَرَبَ أَهْلُ حَبْسِ السُّدِّ مِنْ سِجْنِهِمْ،
وَخَرَجَ أَكْثَرُهُمْ، فَأَرْسَلَ الْوُلَاةُ صَبِيحَةَ يَوْمَئِذٍ فِي
إِثْرِهِمْ، فَمُسِكَ كَثِيرٌ مِمَّنْ هَرَبَ، فَضَرَبُوهُمْ أَشَدَّ الضَّرْبِ،
وَرَدُّوهُمْ إِلَى شَرِّ الْمُنْقَلَبِ.
وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ خَامِسَ عَشَرَهُ نُودِيَ بِالْبُلْدَانِ أَنْ لَا
يُعَامَلَ الْفِرِنْجُ الْبَنَادِقَةُ، وَالْجَنَوِيَّةُ، وَالْكَنْبَلَانُ،
وَاجْتَمَعْتُ فِي آخِرِ هَذَا الْيَوْمِ بِالْأَمِيرِ زَيْنِ الدِّينِ زُبَالَةَ
نَائِبِ الْغَيْبَةِ النَّازِلِ بِدَارِ الذَّهَبِ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ
الْبَرِيدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ صَاحِبَ قُبْرُسَ رَأَى فِي النُّجُومِ أَنَّ
قُبْرُسَ مَأْخُوذَةٌ، فَجَهَّزَ مَرْكَبَيْنِ مِنَ الْأَسْرَى الَّذِينَ عِنْدَهُ
مِنَ
الْمُسْلِمِينَ إِلَى يَلْبُغَا،
وَنَادَى فِي بِلَادِهِ أَنَّ مَنْ كَتَمَ مُسْلِمًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا
قُتِلَ، وَكَانَ مِنْ عَزْمِهِ أَنْ لَا يُبْقِيَ أَحَدًا مِنَ الْأُسَارَى إِلَّا
أَرْسَلَهُ.
وَفِي آخِرِ نَهَارِ الْأَرْبِعَاءِ خَامِسَ عَشَرَهُ قَدِمَ مِنَ الدِّيَارِ
الْمِصْرِيَّةِ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ الْمَسَلَّاتِيُّ
الْمَالِكِيُّ الَّذِي كَانَ قَاضِيَ الْمَالِكِيَّةِ، فَعُزِلَ فِي أَوَاخِرِ
رَمَضَانَ مِنَ الْعَامِ الْمَاضِي، فَحَجَّ، ثُمَّ قَصَدَ الدِّيَارَ
الْمِصْرِيَّةَ فَدَخَلَهَا لَعَلَّهُ يَسْتَغِيثُ، فَلَمْ يُصَادِفْهُ قَبُولٌ،
فَادَّعَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْحُجَّابِ، وَحَصَلَ لَهُ مَا يَسُوؤُهُ، ثُمَّ
خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَجَاءَ فَنَزَلَ فِي التُّرْبَةِ الْكَامِلِيَّةِ
شَمَالِيَّ الْجَامِعِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى مَنْزِلِ ابْنَتِهِ مُتَمَرِّضًا،
وَالْطُلَابَاتُ وَالدَّعَاوَى وَالْمُصَالَحَاتُ عَنْهُ كَثِيرَةٌ جِدًّا،
فَأَحْسَنَ اللَّهُ عَاقِبَتَهُ.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ بَعْدَ الْعَصْرِ دَخَلَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ
طَيْبُغَا الطَّوِيلُ مِنَ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ إِلَى دِمَشْقَ، فَنَزَلَ
بِالْقَصْرِ الْأَبْلَقِ، وَرَحَلَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ إِلَى
نِيَابَةِ حَمَاةَ - حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى - بِتَقْلِيدٍ مِنَ الدِّيَارِ
الْمِصْرِيَّةِ، وَجَاءَتِ الْأَخْبَارُ بِتَوْلِيَةِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ
مَنْكَلِي بُغَا نِيَابَةَ حَلَبَ عِوَضًا عَنْ نِيَابَةِ دِمَشْقَ، وَأَنَّهُ
حَصَلَ لَهُ مِنَ التَّشْرِيفِ، وَالتَّكْرِيمِ، وَالتَّشَارِيفِ بِدِيَارِ مِصْرَ
شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَمَالٌ جَزِيلٌ، وَخُيُولٌ، وَأَقْمِشَةٌ، وَتُحَفٌ يَشُقُّ
حَصْرُهَا، وَأَنَّهُ قَدِ اسْتَقَرَّ بِدِمَشْقَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ أَقْتَمُرُ
عَبْدُ الْغَنِيِّ الَّذِي كَانَ حَاجِبَ الْحُجَّابِ بِمِصْرَ، وَعُوِّضَ عَنْهُ
فِي الْحُجُوبِيَّةِ الْأَمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ طَيْبُغَا أُسْتَاذُ دَارِ
يَلْبُغَا، وَخُلِعَ عَلَى الثَّلَاثَةِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ حَادِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ اشْتُهِرَ فِي
الْبَلَدِ قَضِيَّةُ الْفِرِنْجِ أَيْضًا بِمَدِينَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ،
وَقَدِمَ بَرِيدِيٌّ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِذَلِكَ، وَاحْتِيطَ عَلَى
مَنْ
كَانَ بِدِمَشْقَ مِنَ الْفِرِنْجِ،
وَسُجِنُوا بِالْقَلْعَةِ، وَأُخِذَتْ حَوَاصِلُهُمْ، وَأَخْبَرَنِي قَاضِي
الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ الشَّافِعِيُّ يَوْمَئِذَ أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ أَنَّ
سَبْعَةَ مَرَاكِبَ مِنَ التُّجَّارِ مِنَ الْبَنَادِقَةِ مِنَ الْفِرَنْجِ
قَدِمُوا إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَبَاعُوا بِهَا وَاشْتَرَوْا، وَبَلَغَ
الْخَبَرُ إِلَى الْأَمِيرِ الْكَبِيرِ يَلْبُغَا أَنَّ مَرْكَبًا مِنْ هَذِهِ
السَّبْعَةِ لِصَاحِبِ قُبْرُسَ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْفِرَنْجِ يَقُولُ لَهُمْ
أَنْ يُسَلِّمُوا هَذِهِ الْمَرْكَبَ، فَامْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ، وَبَادَرُوا
إِلَى مَرَاكِبِهِمْ، فَأَرْسَلَ فِي آثَارِهِمْ سِتَّةَ شَوَانٍ مَشْحُونَةً
بِالْمُقَاتِلَةِ، فَالْتَقَوْا هُمْ وَالْفِرِنْجُ فِي الْبَحْرِ، فَقُتِلَ مِنَ
الْفَرِيقَيْنِ خَلْقٌ، وَلَكِنْ مِنَ الْفِرَنْجِ أَكْثَرُ، وَهَرَبُوا فَارِّينَ
بِمَا مَعَهُمْ مِنَ الْبَضَائِعِ.
فَجَاءَ الْأَمِيرُ عَلِيٌّ الَّذِي كَانَ نَائِبَ دِمَشْقَ أَيْضًا فِي جَيْشٍ
مُبَارَكٍ، وَمَعَهُ وَلَدُهُ وَمَمَالِيكُهُ فِي تَجَمُّلٍ هَائِلٍ، فَرَجَعَ
الْأَمِيرُ عَلِيٌّ، وَاسْتَمَرَّ نَائِبُ السُّلْطَنَةِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى
بَيْرُوتَ، وَنَظَرَ فِي أَمْرِهَا وَعَادَ سَرِيعًا. وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ
الْفِرِنْجَ جَاءُوا طَرَابُلُسَ غُزَاةً، وَأَخَذُوا مَرْكَبًا لِلْمُسْلِمِينَ
مِنَ الْمِينَا وَحَرَّقُوهُ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ
دَفْعَهُمْ، وَلَا مَنْعَهُمْ، وَأَنَّ الْفِرَنْجَ كَرُّوا رَاجِعِينَ، وَقَدْ
أَسَرُوا ثَلَاثَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
رَاجِعُونَ. انْتَهَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مَقْتَلُ يَلْبُغَا الْأَمِيرِ الْكَبِيرِ
جَاءَ الْخَبَرُ بِقَتْلِهِ إِلَيْنَا بِدِمَشْقَ فِي لَيْلَةِ الِاثْنَيْنِ
السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ مَعَ أَسِيرَيْنِ جَاءَا عَلَى
الْبَرِيدِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَأَخْبَرَا بِمَقْتَلِهِ فِي يَوْمِ
الْأَرْبِعَاءِ ثَانِيَ
عَشَرَ هَذَا الشَّهْرِ; تَمَالَأَ
عَلَيْهِ مَمَالِيكُهُ حَتَّى قَتَلُوهُ يَوْمَئِذٍ، وَتَغَيَّرَتِ الدَّوْلَةُ،
وَمُسِكَ مِنْ أُمَرَاءِ الْأُلُوفِ وَالطَّبْلَخَانَاهْ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ،
وَاخْتَبَطَتِ الْأُمُورُ جِدًّا، وَجَرَتْ أَحْوَالٌ صَعْبَةٌ، وَقَامَ
بِأَعْبَاءِ الْقَضِيَّةِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ طُغَيْتَمُرُ النِّظَامِيُّ،
وَقَوِيَ جَانِبُ السُّلْطَانِ وَرَشَدَ، وَفَرِحَ أَكْثَرُ الْأُمَرَاءِ بِمِصْرَ
بِمَا وَقَعَ، وَقَدِمَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ إِلَى دِمَشْقَ مِنْ بَيْرُوتَ،
فَأَمَرَ بِدَقِّ الْبَشَائِرِ وَتَزْيِينِ الْبَلَدِ، فَفُعِلَ ذَلِكَ،
وَأُطْلِقَتِ الْفِرَنْجُ الَّذِينَ كَانُوا بِالْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، فَلَمْ
يَهُنْ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ.
وَهَذَا آخِرُ مَا وُجِدَ مِنَ التَّارِيخِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ،
وَصَلَوَاتُهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
[كِتَابُ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ يَسِّرْ وَأَعِنْ.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْفِدَاءِ عِمَادُ
الدِّينِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ كَثِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا كِتَابُ
الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ الْوَاقِعَةِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذِكْرِ أَشْرَاطِ
السَّاعَةِ وَالْأُمُورِ الْعِظَامِ الَّتِي تَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ،
مِمَّا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهَا. الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَدْ أَخْبَرَ بِهَا،
وَهُوَ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِخْبَارَهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْغُيُوبِ الْمَاضِيَةِ، وَبَسَطْنَاهُ فِي
بَدْءِ الْخَلْقِ، وَقَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَيَّامِ النَّاسِ إِلَى
زَمَانِنَا، وَأَتْبَعْنَا ذَلِكَ بِذِكْرِ سِيرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَيَّامِهِ، وَذِكْرِ شَمَائِلِهِ وَدَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ،
وَذَكَرْنَا فِيهَا مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنَ الْغُيُوبِ الَّتِي وَقَعَتْ بَعْدَهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طِبْقَ إِخْبَارِهِ، كَمَا شُوهِدَ ذَلِكَ
عِيَانًا قَبْلَ زَمَانِنَا هَذَا، وَقَدْ أَوْرَدْنَا جُمْلَةَ ذَلِكَ فِي آخِرِ
كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ سِيرَتِهِ، وَذَكَرْنَا عِنْدَ كُلِّ زَمَانٍ
مَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ الْحَدِيثِ الْخَاصِّ بِهِ عِنْدَ ذِكْرِ حَوَادِثِ
الزَّمَانِ، وَوَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ، كَمَا بَسَطْنَا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَا
حَدَثَ فِيهَا مِنَ الْأُمُورِ الْغَرِيبَةِ، وَتَرْجَمْنَا مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا
مِنْ مَشَاهِيرِ النَّاسِ; مِنَ الصِّحَابَةِ وَالْخُلَفَاءِ، وَالْمُلُوكِ وَالْوُزَرَاءِ
وَالْأُمَرَاءِ، وَالْفُقَهَاءِ وَالصُّلَحَاءِ، وَالشُّعَرَاءِ وَالنُّحَاةِ
وَالْأُدَبَاءِ، وَالْمُتَكَلِّمِينَ ذَوِي الْآرَاءِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ
النُّبَلَاءِ، وَلَوْ أَعَدْنَا الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ
فِيمَا تَقَدَّمَ لَطَالَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ
نُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ، إِشَارَةً لَطِيفَةً، ثُمَّ نَعُودُ إِلَى مَا قَصَدْنَا
لَهُ هَاهُنَا وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
فَمِنْ ذَلِكَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ
الَّتِي قَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَجِدْكَ؟ كَأَنَّهَا تُرِيدُ الْمَوْتَ،
فَقَالَ: " إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ ". رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ، فَكَانَ الْقَائِمَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ لِلصِّدِّيقِ كِتَابًا
بِالْخِلَافَةِ فَتَرَكَهُ; لِعِلْمِهِ أَنَّ أَصْحَابَهُ لَا يَعْدِلُونَ عَنْ
أَبِي بَكْرٍ إِلَى غَيْرِهِ; لِعِلْمِهِمْ بِسَابِقَتِهِ وَأَفْضَلِيَّتِهِ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا
بَكْرٍ ". وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي، أَبِي بَكْرٍ،
وَعُمْرَ ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ
وَحَسَّنَهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ بْنِ
الْيَمَانِ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي
الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي هَذَا فِي
فَضَائِلِ الشَّيْخَيْنِ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّهُ وَقَعَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؟ وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ
الْخِلَافَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ
وَلِيَهَا بَعْدَهُ عُمَرُ، كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سَوَاءً بِسَوَاءٍ.
وَرَوَى مَالِكٌ وَاللَّيْثُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ،
عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" إِذَا افْتَتَحْتُمْ مِصْرَ فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ ". وَفِي
رِوَايَةٍ: " فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً
وَرَحِمًا ". وَقَدِ افْتَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ
فِي سَنَةِ عِشْرِينَ، أَيَّامَ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ "
عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا
بِأَهْلِهَا خَيْرًا; فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا ".
وَقَدْ مُصِّرَ فِي أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْمِصْرانِ; الْبَصْرَةُ
وَالْكُوفَةُ. فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الصَّبَّاحِ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، ثَنَا مُوسَى
الْحَنَّاطُ - لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: يَا أَنَسُ، إِنَّ النَّاسَ يُمَصِّرُونَ أَمْصَارًا، وَإِنَّ
مِصْرًا مِنْهَا يُقَالُ لَهُ: الْبَصْرَةُ - أَوِ الْبُصَيْرَةُ - فَإِنْ أَنْتَ
مَرَرْتَ بِهَا أَوْ دَخَلْتَهَا فَإِيَّاكَ وَسِبَاخَهَا وَكَلَّاءَهَا،
وَسُوقَهَا وَأَبْوَابَ أُمَرَائِهَا، وَعَلَيْكَ بِضَوَاحِيهَا; فَإِنَّهُ
يَكُونُ بِهَا خَسْفٌ وَقَذْفٌ وَرَجْفٌ، وَقَوْمٌ يُمْسَخُونَ قِرَدَةً
وَخَنَازِيرَ ".
خَبَرُ الْأُبُلَّةِ:
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
صَالِحِ بْنِ دِرْهَمٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: انْطَلَقْنَا حَاجِّينَ، فَإِذَا
رَجُلٌ، فَقَالَ لَنَا: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟
فَقُلْنَا: مِنْ بَلَدِ كَذَا وَكَذَا.
فَقَالَ: إِنَّ بِجَنْبِكُمْ قَرْيَةً يُقَالُ لَهَا: الْأُبُلَّةُ؟ فَقُلْنَا:
نَعَمْ. فَقَالَ: مَنْ يَضْمَنُ أَنْ يُصَلِّيَ لِي فِي مَسْجِدِ الْعَشَّارِ
رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا، وَيَقُولُ: هَذِهِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ؟ فَإِنِّي
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ
اللَّهَ يَبْعَثُ مِنْ مَسْجِدِ الْعَشَّارِ شُهَدَاءَ لَا يَقُومُ مَعَ شُهَدَاءِ
بَدْرٍ غَيْرُهُمْ ".
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي "
الصَّحِيحَيْنِ ": إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا
هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِتُنْفَقَنَّ
كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ". وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ
بِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمْرَ، وَعُثْمَانَ;
انْزَاحَتْ يَدُ قَيْصَرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ - وَاسْمُهُ هِرَقْلُ - عَنْ بِلَادِ
الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ، وَثَبَتَ مُلْكُهُ مَقْصُورًا عَلَى بِلَادِ الرُّومِ
فَقَطُّ، وَالْعَرَبُ إِنَّمَا كَانُوا يُسَمُّونَ قَيْصَرَ لِمَنْ مَلَكَ بِلَادَ
الرُّومِ مَعَ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بِشَارَةٌ
عَظِيمَةٌ لِأَهْلِ الشَّامِ; وَهُوَ أَنَّ يَدَ مَلِكِ الرُّومِ لَا تَعُودُ
إِلَيْهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ. وَسَنُورِدُ هَذَا الْحَدِيثَ قَرِيبًا
بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا كِسْرَى
فَإِنَّهُ سُلِبَ عَامَّةَ مُلْكِهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، ثُمَّ
اسْتُؤْصِلَ بَاقِيهُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَقُتِلَ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ
وَثَلَاثِينَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَقَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ
مُطَوَّلًا فِيمَا سَلَفَ، وَقَدْدَعَا عَلَى كِسْرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّهُ مَزَّقَ كِتَابَهُ، بِأَنْ
يُمَزَّقَ مُلْكُهُ كُلَّ مُمَزَّقٍ، فَوَقَعَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، وَجَامِعِ
بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، عَنْ
شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ،عَنْ
حُذَيْفَةَ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ:
أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي الْفِتْنَةِ؟ قُلْتُ: أَنَا. قَالَ: هَاتِ إِنَّكَ لِجَرِيءٌ. فَقُلْتُ:
ذَكَرَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ،
يُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ
عَنِ الْمُنْكَرِ. فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا أَعْنِي، إِنَّمَا أَعْنِي الَّتِي
تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَكَ
وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا. فَقَالَ: وَيْحَكَ ! أَيُفْتَحُ الْبَابُ أَمْ
يُكْسَرُ؟ قُلْتُ: بَلْ يُكْسَرُ. قَالَ: إِذًا لَا يُغْلَقُ أَبَدًا. قُلْتُ:
أَجَلْ. فَقُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ الْبَابُ؟ قَالَ:
نَعَمْ; إِنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ. قَالَ: فَهِبْنَا
أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ: مَنِ الْبَابُ؟ فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ: سَلْهُ.
فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: هُوَ عُمَرُ. وَهَكَذَا وَقَعَ الْأَمْرُ سَوَاءً بَعْدَ
مَقْتَلِ عُمَرَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ; وَقَعَتِ الْفِتَنُ بَيْنَ
النَّاسِ بَعْدَ مَقْتَلِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ انْتِشَارِهَا بَيْنَهُمْ.
وَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ
أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ، فَوَقَعَ الْأَمْرُ
كَذَلِكَ; حُصِرَ وَقُتِلَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا شَهِيدًا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
وَقَدْ ذَكَرْنَا عِنْدَ مَقْتَلِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي وَرَدَتْ
بِالْإِنْذَارِ بِذَلِكَ، وَالْإِعْلَامِ بِهِ قَبْلَ كَوْنِهِ; فَوَقَعَ طِبْقَ
ذَلِكَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ. وَذَكَرْنَا مَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي
الْجَمَلِ وَصِفِّينَ، فَوَقَعَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الْإِخْبَارُ
بِمَقْتَلِ عَمَّارٍ. وَمَا وَرَدَ فِي
الْأَحَادِيثِ بِمَقْتَلِ الْخَوَارِجِ
الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
وَصَفَتِهِمْ، وَنَعْتِ ذِي الثُّدَيَّةِ مِنْهُمْ. كُلُّ ذَلِكَ قَدْ
حَرَّرْنَاهُ فِيمَا سَلَفَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَذَكَرْنَا
عِنْدَ مَقْتَلِ عَلِيٍّ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِي ذَلِكَ بِطُرُقِهِ،
وَأَلْفَاظِهِ، وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو
دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ
بْنِ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا
". وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الثَّلَاثُونَ سَنَةً عَلَى خِلَافَةِ أَبِي
بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعُمَرَ الْفَارُوقِ، وَعُثْمَانَ الشَّهِيدِ، وَعَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ الشَّهِيدِ أَيْضًا، وَكَانَ تَمَامُهَا وَخِتَامُهَا
بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلِيَهَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بَعْدَ أَبِيهِ، وَعِنْدَ
تَمَامِ الثَّلَاثِينَ نَزَلَ عَنِ الْأَمْرِ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ،
وَأَصْفَقَتِ الْبَيْعَةُ لِمُعَاوِيَةَ وَسُمِّيَ ذَلِكَ عَامَ الْجَمَاعَةِ،
وَقَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي
بَكْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُسَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَانِبِهِ عَلَى
الْمِنْبَرِ -: " إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ
بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ". وَهَكَذَا وَقَعَ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ أَنَّ
نَاسًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَغْزُونَ الْبَحْرَ مَرَّتَيْنِ، وَأَنَّهَا
تَكُونُ مَعَ الْأَوَّلِينَ، فَكَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ
وَعِشْرِينَ، مَعَ مُعَاوِيَةَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، حِينَ اسْتَأْذَنَ
عُثْمَانَ فِي غَزْوِ قُبْرُسَ،
فَأَذِنَ لَهُ فَرَكِبَ الْمُسْلِمُونَ
الْمَرَاكِبَ إِلَيْهَا وَفَتَحُوهَا قَسْرًا، وَتُوُفِّيَتْ أُمُّ حَرَامٍ فِي
هَذِهِ الْغَزْوَةِ، وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ
الصَّامِتِ، وَكَانَ مَعَ مُعَاوِيَةَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ زَوْجَتُهُ
فَاخِتَةُ بِنْتُ قَرَظَةَ. وَأَمَّا غَزْوَةُ الْبَحْرِ الثَّانِيَةُ فَكَانَتْ
فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَخَمْسِينَ فِي أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ أَيْضًا، غَزَاهَا
ابْنُهُ يَزِيدُ وَمَعَهُ الْجُنُودُ فَدَخَلُوا إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ،
وَكَانَ مَعَهُ فِي هَذَا الْجَيْشِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ،
مِنْهُمْ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، فَمَاتَ هُنَالِكَ وَأَوْصَى إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، أَنْ
يَدْفِنَهُ تَحْتَ سَنَابِكِ الْخَيْلِ، وَأَنْ يُوغِلَ بِهِ إِلَى أَقْصَى مَا
يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَهِيَ بِهِ إِلَى نَحْوِ جِهَةِ الْعَدُوِّ، فَفَعَلَ ذَلِكَ.
وَتَفَرَّدَ الْبُخَارِيُّ بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ
خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ، عَنْ أُمِّ
حَرَامٍ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا
". قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا فِيهِمْ؟
قَالَ: " أَنْتِ فِيهِمْ ". ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ
قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ ". قُلْتُ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: " لَا ".
ذِكْرُ قِتَالِ الْهِنْدِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا
الْبَرَاءُ، عَنِ الْحَسَنِ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَلِيلِي
الصَّادِقُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
" يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْثٌ إِلَى السِّنْدِ وَالْهِنْدِ ".
فَإِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُ فَاسْتُشْهِدْتُ فَذَاكَ، وَإِنْ أَنَا - فَذَكَرَ
كَلِمَةً - رَجَعْتُ، فَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْمُحَرَّرُ; قَدْ أَعْتَقَنِي
مِنَ النَّارِ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ
جَبْرِ بْنِ عُبَيْدَةَ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَعَدَنَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الْهِنْدِ، فَإِنِ اسْتُشْهِدْتُ،
كُنْتُ مِنْ خَيْرِ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ رَجَعْتُ فَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ
الْمُحَرَّرُ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ وَزَيْدِ بْنِ أَبِي
أُنَيْسَةَ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ جَبْرٍ - وَيُقَالُ: جُبَيْرٌ - عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ. وَقَدْ غَزَا الْمُسْلِمُونَ الْهِنْدَ فِي سَنَةِ
أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ، فِي إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ أَيْضًا، فَجَرَتْ هُنَالِكَ
أُمُورٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا مَبْسُوطَةً فِيمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ غَزَاهَا
الْمَلِكُ السَّعِيدُ الْمَحْمُودُ مَحْمُودُ بْنُ سُبُكْتِكِينَ صَاحِبُ غَزْنَةَ
وَمَا وَالَاهَا، فِي حُدُودِ أَرْبَعِمِائَةٍ، فَفَعَلَ هُنَالِكَ أَفْعَالًا
مَشْهُورَةً، وَأُمُورًا مَشْكُورَةً؟ كَسَرَ الصَّنَمَ الْأَعْظَمَ الْمُسَمَّى
بِسُومَنَاتَ، وَأَخَذَ قَلَائِدَهُ وَجَوَاهِرَهُ وَذَهَبَهُ وَشُنُوفَهُ،
وَأَخَذَ مِنَ الْأَمْوَالِ مَا لَا
يُحْصَى، وَرَجَعَ إِلَى بِلَادِهِ
سَالِمًا مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا.
وَقَدْ كَانَ نُوَّابُ بَنِي أُمَيَّةَ يُقَاتِلُونَ الْأَتْرَاكَ، فِي أَقْصَى
بِلَادِ السِّنْدِ وَالصِّينِ، وَقَهَرُوا مَلِكَهُمْ الْقَانَ الْأَعْظَمَ،
وَمَزَّقُوا عَسَاكِرَهُ، وَاسْتَحْوَذُوا عَلَى أَمْوَالِهِ وَحَوَاصِلِهِ،
وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِذِكْرِ صِفَتِهِمْ وَنَعْتِهِمْ، وَلْنَذْكُرْ
شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَازِ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا
أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ
الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ،
وَحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ; صِغَارَ الْأَعْيُنِ، حُمْرَ الْوُجُوهِ، ذُلْفَ
الْأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، وَتَجِدُونَ مِنْ
خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الْأَمْرِ، حَتَّى يَدْخُلَ
فِيهِ، وَالنَّاسُ مَعَادِنُ; خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي
الْإِسْلَامِ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ زَمَانٌ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ
إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ ". تَفَرَّدَ
بِهِ الْبُخَارِيُّ. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا خُوزًا وَكَرْمَانَ مِنَ الْأَعَاجِمِ، حُمْرَ
الْوُجُوهِ فُطْسَ الْأُنُوفِ، كَأَنَّ
وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ
الْمُطْرَقَةُ، نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ ". وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا
كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ "،
وَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ سِوَى النَّسَائِيِّ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ بِهِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنْ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ أَبِي خَالِدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: وَهُمْ أَهْلُ
الْبَارَزِ. كَذَا قَالَ سُفْيَانُ، وَلَعَلَّهُ: الْبَازَرُ، وَهُوَ سُوقُ
الْفُسُوقِ الَّذِي لَهُمْ.
حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ: وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ،
حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ
تَغْلِبَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ
" أَوْ: " يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ " - وَإِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ
السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا عِرَاضَ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ
الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ ". وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ
بْنِ حَازِمٍ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيِّ. قَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ أُمَّتِي يَسُوقُهَا قَوْمٌ صِغَارُ الْأَعْيُنِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْحَجَفُ، ثَلَاثَ مِرَارٍ " حَتَّى يُلْحِقُوهُمْ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ; أَمَّا السِّيَاقَةُ الْأُولَى فَيَنْجُو مَنْ هَرَبَ مِنْهُمْ، أَمَّا الثَّانِيَةُ فَيَنْجُو بَعْضٌ وَيَهْلِكُ بَعْضٌ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَيُصْطَلَمُونَ كُلُّهُمْ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: " التُّرْكُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِيَرْبِطُنَّ خُيُولَهُمْ بِسَوَارِي مَسْجِدِ الْمُسْلِمِينَ ". قَالَ: فَكَانَ بُرَيْدَةُ لَا يُفَارِقُهُ بَعِيرَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَمَتَاعٌ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْهَرَبِ; لِمَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبَلَاءِ فِي التُّرْكِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْمَلَاحِمِ مِنْ " سُنَنِهِ " عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُسَافِرٍ، عَنْ خَلَّادِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى عَنْهُ، بِهِ، وَفِيهِ: قَوْمٌ صِغَارُ الْعُيُونِ، عِرَاضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْحَجَفُ، يُلْحِقُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ بِمَنَابِتِ
الشِّيحِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ; أَمَّا
الْمَرَّةُ الْأُولَى فَيَنْجُو مَنْ هَرَبَ، وَأَمَّا الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ
فَيَنْجُو بَعْضٌ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَيَهْلِكُونَ جَمِيعًا، كَأَنِّي
أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَقَدْ رَبَطُوا خُيُولَهُمُ بِسَوَارِي الْمَسْجِدِ ".
قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " هُمُ التُّرْكُ ".
حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ الثَّقَفِيِّ فِي ذَلِكَ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثَنَا
الْحَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ الْقَيْسِيُّ الْكُوفِيُّ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ
جُمْهَانَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي فِي هَذَا
الْمَسْجِدِ مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِتَنْزِلَنَّ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي أَرْضًا يُقَالُ
لَهَا: الْبَصْرَةُ. فَيَكْثُرُ بِهَا عَدَدُهُمْ وَنَخْلُهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ
بَنُو قَنْطُورَاءَ، عِرَاضُ الْوُجُوهِ، صِغَارُ الْعُيُونِ، حَتَّى يَنْزِلُوا
عَلَى جِسْرٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: دِجْلَةَ. فَيَفْتَرِقَ الْمُسْلِمُونَ ثَلَاثَ
فِرَقٍ؟ فَأَمَّا فِرْقَةٌ فَتَأْخُذُ بِأَذْنَابِ الْإِبِلِ فَتَلْحَقُ
بِالْبَادِيَةِ، فَهَلَكَتْ، وَأَمَّا فِرْقَةٌ فَتَأْخُذُ عَلَى أَنْفُسِهَا،
فَكَفَرَتْ، فَهَذِهِ وَتِلْكَ سَوَاءٌ، وَأَمَّا فِرْقَةٌ فَيَجْعَلُونَ
عِيَالَهُمْ خَلْفَ ظُهُورِهِمْ وَيُقَاتِلُونَ، فَقَتْلَاهُمْ شُهَدَاءُ،
وَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى بَقِيَّتِهِمْ ".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَلَاحِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ
فَارِسٍ، عَنْ
عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ
الْوَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ
أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: يَنْزِلُ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي بِغَائِطٍ يُسَمُّونَهُ
الْبَصْرَةَ عِنْدَ نَهْرٍ يُقَالُ لَهُ: دِجْلَةُ. يَكُونُ عَلَيْهِ جِسْرٌ،
يَكْثُرُ أَهْلُهَا، وَتَكُونُ مِنْ أَمْصَارِ الْمُهَاجِرِينَ - وَفِي لَفْظٍ:
الْمُسْلِمِينَ - فَإِذَا كَانَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ جَاءَ بَنُو قَنْطُورَاءَ
عِرَاضُ الْوُجُوهِ صِغَارُ الْأَعْيُنِ، حَتَّى يَنْزِلُوا عَلَى شَطِّ
النَّهْرِ، فَيَتَفَرَّقَ الْمُهَاجِرُونَ ثَلَاثَ فِرَقٍ، فِرْقَةٌ تَأْخُذُ
بِأَذْنَابِ الْبَقَرِ وَالْبَرِّيَّةِ وَهَلَكُوا، وَفِرْقَةٌ يَأْخُذُونَ
لِأَنْفُسِهِمْ وَكَفَرُوا، وَفِرْقَةٌ يَجْعَلُونَ ذَرَارِيَّهَمْ خَلْفَ
ظُهُورِهِمْ، وَيُقَاتِلُونَهُمْ، وَهُمُ الشُّهَدَاءُ ".
وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي ذِكْرِ الْبَصْرَةِ، الَّتِي مُصِّرَتْ فِي
زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ
يَعْقُوبَ الْإِسْكَنْدَرَانِيِّ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ التُّرْكَ، قَوْمًا كَأَنَّ
وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، يَلْبَسُونَ الشَّعَرَ ". وَهَذَا
لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
سَعِيدٍ، فَقَالَ أَحْمَدُ ثَنَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ ابْنُ أُخْتِ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا صِغَارَ الْأَعْيُنِ، عِرَاضَ
الْوُجُوهِ، كَأَنَّ أَعْيُنَهُمْ حَدَقُ الْجَرَادِ، وَكَأَنَّ وُجُوهَهُمُ
الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ، وَيَتَّخِذُونَ الدَّرَقَ
حَتَّى يَرْبِطُوا خُيُولَهُمْ بِالنَّخْلِ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فِي قِتَالِ التُّرْكِ:
قَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْبَصْرِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْغَمْرِ، مَوْلَى سَمُوكٍ، ثَنَا أَبِي، عَنْ جَدِّي،
سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ حُدَيْجٍ يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ بْنِ
أَبِي سُفْيَانَ إِذْ جَاءَهُ كِتَابُ عَامِلِهِ يُخْبِرُ أَنَّهُ أَوْقَعَ
بِالتُّرْكِ وَهَزَمَهُمْ، وَبِكَثْرَةِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ وَكَثْرَةِ مَا
غُنِمَ مِنْهُمْ، فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ
إِلَيْهِ: قَدْ فَهِمْتُ مَا ذَكَرْتَ مِمَّا قَتَلْتَ وَغَنِمْتَ فَلَا
أَعْلَمَنَّ أَنَّكَ عُدْتَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا تُقَاتِلْهُمْ حَتَّى
يَأْتِيَكَ
أَمْرِي. فَقُلْتُ لَهُ: وَلِمَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ التُّرْكَ تُحَارِبُ الْعَرَبَ حَتَّى تُلْحِقَهَا بِمَنَابِتِ الشِّيحِ وَالْقَيْصُومِ ". فَأَكْرَهُ قِتَالَهُمْ لِذَلِكَ. طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ مُعَاوِيَةَ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْعَلَّافُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْحَرَّانِيُّ، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ التَّنُوخِيِّ، ثَنَا حَسَّانُ بْنُ كُرَيْبٍ الْحِمْيَرِيُّ، سَمِعْتُ ابْنَ ذِي الْكَلَاعِ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اتْرُكُوا التُّرْكَ. مَا تَرَكُوكُمْ ". وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ فِي كِتَابِ " الْمَلَاحِمِ "، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْعَطَّارُ وَأَبُو الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ: يَنْزِلُ التُّرْكُ آمِدَ وَيَشْرَبُونَ مِنْ نَهْرِ الدِّجْلَةِ وَالْفُرَاتِ، سَبْعُونَ أَلْفًا، وَيَسْعَوْنَ فِي الْجَزِيرَةِ وَأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فِي الْحِيرَةِ، لَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ شَيْئًا، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثَلْجًا بِغَيْرِ كَيْلٍ فِيهِ صِرٌّ مِنْ رِيحٍ شَدِيدَةٍ وَجَلِيدٍ، فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ. فَيَرْجِعُونَ فَيَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَهُمْ وَكَفَاكُمُ الْعَدُوَّ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَدْ هَلَكُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ. وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ التُّرْكَ قَاتَلَهُمُ الصَّحَابَةُ، فَهَزَمُوهُمْ، وَغَنِمُوهُمْ، وَسَبَوْا نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ، وَظَاهِرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ قِتَالَهُمْ يَكُونُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ،
وَأَشْرَاطُهَا لَا تَكُونُ إِلَّا
بَيْنَ يَدَيْهَا قَرِيبًا مِنْهَا، فَقَدْ يَكُونُ هَذَا وَاقِعًا مَرَّةً
أُخْرَى عَظِيمَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالتُّرْكِ، حَتَّى يَكُونَ آخِرَ
ذَلِكَ قِتَالُهُمْ مَعَ الدَّجَّالِ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، كَمَا سَيَأْتِي
ذِكْرُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ
بَيْنَ يَدَيْهَا قَرِيبًا مِنْهَا، أَوْ يَكُونَ مِمَّا يَقَعُ فِي الْجُمْلَةِ،
حَتَّى وَلَوْ تَقْدَّمَ قَبْلَهَا بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، إِلَّا أَنَّهُ مِمَّا
يَقَعُ بَعْدَ زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا هُوَ
الَّذِي يَظْهَرُ بَعْدَ تَأَمُّلِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا
الْبَابِ، كَمَا تَرَى ذَلِكَ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا وَرَدَ فِي مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ
بِكَرْبَلَاءَ، فِي أَيَّامِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، كَمَا سَلَفَ. وَمَا
وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي ذِكْرِ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ وَأُغَيْلِمَةِ
بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ; قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا أَبُو
أُمَيَّةَ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، أَخْبَرَنِي جَدِّي
سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: هَلَكَةُ أُمَّتِي
عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ ". فَقَالَ مَرْوَانُ، وَهُوَ مَعَنَا فِي الْحَلْقَةِ
قَبْلَ أَنْ يَلِيَ شَيْئًا: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ غِلْمَةً. قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ بَنِي فَلَانٍ، وَبَنِي
فَلَانٍ لَفَعَلْتُ. قَالَ: فَكُنْتُ أَخْرُجُ مَعَ أَبِي وَجَدِّي إِلَى بَنِي
مَرْوَانَ بَعْدَ مَا مَلَكُوا، فَإِذَا هُمْ يُبَايِعُونَ
الصِّبْيَانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ
يُبَايَعُ لَهُ وَهُوَ فِي خِرْقَةٍ. قَالَ لَنَا: هَلْ عَسَى أَصْحَابُكُمْ
هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا الَّذِينَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرُ أَنَّ
هَذِهِ الْمُلُوكَ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
بِنَحْوِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا،
وَقَدْ حَرَّرْنَاهَا فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ.
وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي ذِكْرِ الْكَذَّابِ وَالْمُبِيرِ مِنْ ثَقِيفٍ،
فَالْكَذَّابُ هُوَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ الَّذِي ظَهَرَ بِالْكُوفَةِ
أَيَّامَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ رَافِضِيًّا خَبِيثًا،. بَلْ
كَانَ يُنْسَبُ إِلَى الزَّنْدَقَةِ، وَادَّعَى أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، وَقَدْ
قَتَلَهُ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَأُمَّا الْمُبِيرُ فَهُوَ الْحَجَّاجُ بْنُ
يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ، الَّذِي قَتَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ
نَاصِبِيًّا جَبَّارًا عَنِيدًا، عَكْسَ الْأَوَّلِ فِي الرَّفْضِ. وَتَقَدَّمَ
حَدِيثُ الرَّايَاتِ السُّودِ الَّتِي جَاءَ بِهَا بَنُو الْعَبَّاسِ مِنْ
خُرَاسَانَ لَمَّا اسْتَلَبُوا الْمُلْكَ مِنْ أَيْدِي بَنِي أُمَيَّةَ، وَذَلِكَ
فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، أَخَذُوا الْخِلَافَةَ مِنْ
مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ الْعَاصِ وَيُعَرَفُ
بِمَرْوَانَ الْحِمَارِ الْجَعْدِيِّ; لِاشْتِغَالِهِ عَلَى الْجَعْدِ بْنِ
دِرْهَمٍ الْمُعْتَزِلِيِّ، وَكَانَ آخِرَ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَصَارَتِ
الْخِلَافَةُ إِلَى السَّفَّاحِ أَوَّلِ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَقَدْ
صَرَّحَ بِاسْمِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ
ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ
لَيْثٍ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ
أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ،
وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
إِنَّ اللَّهَ بَدَأَ هَذَا الْأَمْرَ نُبُوَّةً وَرَحْمَةً، وَكَائِنًا خِلَافَةً
وَرَحْمَةً، وَكَائِنًا مُلْكًا عَضُوضًا، وَكَائِنًا عِزَّةً وَجَبْرِيَّةً
وَفَسَادًا فِي الْأُمَّةِ، يَسْتَحِلُّونَ الْفُرُوجَ، وَالْخُمُورَ،
وَالْحَرِيرَ، وَيُنْصَرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَيُرْزَقُونَ أَبَدًا، حَتَّى
يَلْقَوُا اللَّهَ ". وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ الْجُمَحِيِّ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ
أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَكُونُ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ
خُلَفَاءُ يَعْمَلُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَعْدِلُونَ فِي عِبَادِ اللَّهِ،
ثُمَّ يَكُونُ مِنْ بَعْدِ الْخُلَفَاءِ مُلُوكٌ يَأْخُذُونَ بِالثَّأْرِ،
وَيَقْتُلُونَ الرِّجَالَ، وَيَصْطَفُونَ الْأَمْوَالَ، فَمُغَيِّرٌ بِيَدِهِ،
وَمُغَيِّرٌ بِلِسَانِهِ، وَمُغَيِّرٌ بِقَلْبِهِ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ
الْإِيمَانِ شَيْءٌ ".
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ
فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ
أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَانَتْ
بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ; كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ
نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَإِنَّهُ سَيَكُونُ خُلَفَاءُ
فَيَكْثُرُونَ ". قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
" فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ;
فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ ".
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: مَا كَانَ نَبِيٌّ إِلَّا كَانَ لَهُ حَوَارِيُّونَ يَهْدُونَ
بِهَدْيهِ، وَيَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ
يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ مَا يُنْكِرُونَ ".
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: يَكُونُ اثَنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ
". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ،
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا
يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى يَكُونَ اثَنَا عَشَرَ خَلِيفَةً ".
وَفِي رِوَايَةٍ: لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مُسْتَقِيمًا أَمْرُهَا،
ظَاهِرَةً عَلَى عَدُوِّهَا، حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهُمُ اثَنَا عَشَرَ خَلِيفَةً
كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ ". قَالُوا: ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا؟ قَالَ: "
يَكُونُ الْهَرْجُ ".
فَهَؤُلَاءِ الْخُلَفَاءُ الْمُبَشَّرُ بِهِمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسُوا
بِالْاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِينَ تَزْعُمُهُمُ
الرَّوَافِضُ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ
وَبُهْتَانٌ مِنْهُمْ، لِأَنَّ أَكْثَرَ أُولَئِكَ لَمْ يَلِ أَحَدٌ مِنْهُمْ
شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي خِلَافَةٍ، بَلْ وَلَا فِي بَلَدٍ
مِنَ الْبُلْدَانِ، وَإِنَّمَا وَلِىَ مِنْهُمْ عَلَيٌّ وَابْنُهُ الْحَسَنُ،
وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَؤُلَاءِ الِاثْنَيْ عَشْرَ الَّذِينَ تَتَابَعَتْ
وِلَايَتُهُمْ سَرْدًا إِلَى أَثَنَاءِ دَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ; لِأَنَّ حَدِيثَ
سَفِينَةَ: الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ". يَمْنَعُ مِنْ هَذَا
الْمَسْلَكِ، وَإِنْ كَانَ الْبَيْهَقِيُّ قَدْ رَجَّحَهُ، وَقَدْ بَحَثَنَا
مَعَهُ فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا بِمَا أَغْنَى
عَنْ إِعَادَتِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ
الِاثْنَيْ عَشَرَ وُجِدَ مِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ: أَبُو بَكْرٍ،
ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ، وَابْنُهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ
أَيْضًا، وَمِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، كَمَا هُوَ عِنْدَ كَثِيرٍ
مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَجُمْهُورِ الْأُمَّةِ، وَكَذَلِكَ وُجِدَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ
مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَسَيُوجَدُ بَقِيَّتُهُمْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ
الزَّمَانِ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُمُ الْمَهْدِيُّ الْمُبَشَّرُ بِهِ فِي
الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهَا، وَبِاللَّهِ
الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذَا الَّذِي
قُلْنَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، كَمَا قَرَّرْنَا ذَلِكَ.
حَدِيثُ عُبَادَةَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَ الْمِائَةِ سَنَةٍ:
قَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ،
عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي عَطَاءٍ يَزِيدَ بْنِ عَطَاءٍ
السَّكْسَكِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ شَقْرَاءَ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي
أُمَيَّةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ يَذْكُرُأَنَّ رَجُلًا أَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا
مُدَّةُ أُمَّتِكَ فِي الرَّخَاءِ؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، حَتَّى
سَأَلَهُ ثَلَاثَ مِرَارٍ، كُلُّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ
الرَّجُلُ، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" أَيْنَ السَّائِلُ " ؟ فَرَدُّوهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ:
" سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا
سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي; مُدَّةُ أُمَّتِي مِنَ الرَّخَاءِ مِائَةُ
سَنَةٍ ". قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ أَمَارَةٍ أَوْ عَلَامَةٍ أَوْ آيَةٍ؟
فَقَالَ: " نَعَمْ، الْخَسْفُ وَالرَّجْفُ وَإِرْسَالُ الشَّيَاطِينِ
الْمُجْلِبَةِ عَلَى النَّاسِ ". وَفِي " مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى
"، وَالْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ مُصْعَبِ بْنِ مُصْعَبٍ، وَلَا أَعْرِفُهُ
إِلَّا عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: تُرْفَعُ زِينَةُ الدُّنْيَا سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ
". هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
حَدِيثٌ فِيمَا بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ قَالَ
ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ، حَدَّثَنَا عَوْنُ
بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ ثُمَامَةَ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ
أَنَسٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْآيَاتُ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ ". ثُمَّ أَوْرَدَهُ
ابْنُ مَاجَهْ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، وَلَا يَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّ فَهُوَ
مَحْمُولٌ عَلَى مَا وَقَعَ مِنَ الْفِتْنَةِ بِسَبَبِ الْقَوْلِ بِخَلْقِ
الْقُرْآنِ، وَمِحْنَةِ الْإِمَامِ
أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ مِنْ أَئِمَّةِ
الْحَدِيثِ، كَمَا بَسَطْنَا ذَلِكَ هُنَالِكَ.
وَرَوَى رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ - وَهُوَ مُنْكَرُ الرِّوَايَةِ - عَنْ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ
مَرْفُوعًا: " خَيْرُكُمْ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ خَفِيفُ الْحَاذِ ".
قَالُوا: وَمَا خَفِيفُ الْحَاذِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " مَنْ لَا
أَهْلَ لَهُ، وَلَا مَالَ وَلَا وَلَدَ ". وَهَذَا مُنْكَرٌ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي
جَمْرَةَ، عَنْ زَهْدَمِ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ أُمَّتِي
قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ". قَالَ
عِمْرَانُ: فَلَا أَدْرِي ذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً:
" ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ،
وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ
فِيهِمُ السِّمَنُ ". لَفَظُ الْبُخَارِيِّ.
ذِكْرُ سَنَةِ خَمْسِمِائَةٍ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو
الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنِي صَفْوَانُ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ سَعْدِ
بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ:
إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَعْجِزَ
أُمَّتِي عِنْدَ رَبِّهَا أَنْ يُؤَخِّرَهَا نِصْفَ يَوْمٍ ". قِيلَ
لِسَعْدٍ: وَكَمْ نِصْفُ يَوْمٍ؟ قَالَ: خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ. تَفَرَّدَ بِهِ
أَبُو دَاوُدَ.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ مِنْ
قَوْلِهِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَهَذَا التَّحْدِيدُ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ لَا يَنْفِي
مَا يَزِيدُ عَلَيْهَا، إِنْ صَحَّ رَفْعُ الْحَدِيثِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَأَمَّا مَا يُورِدُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعَامَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يُؤَلَّفُ تَحْتَ الْأَرْضِ. فَهُوَ مِنْ
قَوْلِهِمْ وَكَلَامِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ وَلَا ذِكْرٌ فِي كُتُبِ
الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَلَا سَمِعْنَاهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَبْسُوطَاتِ،
وَالْأَجْزَاءِ الْمُخْتَصَرَاتِ، وَلَا ثَبَتَ فِي حَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَدَّ السَّاعَةَ بِمُدَّةٍ
مَحْصُورَةٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ أَشْرَاطِهَا وَأَمَارَاتِهَا
وَعَلَامَاتِهَا، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
ذِكْرُ الْخَبَرِ الْوَارِدِ فِي
ظُهُورِ نَارٍ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ أَضَاءَتْ لَهَا أَعْنَاقُ الْإِبِلِ
بِبُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ
وَسِتِّمِائَةٍ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَخْبَرَنِي أَبُو
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا
تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ
أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
بِهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْتُ مِنْ
طَرِيقِ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ
عِيسَى بْنِ عَلِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ رَافِعِ بْنِ بِشْرٍ السَّلَمِيِّ،
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَخْرُجُ
نَارٌ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى، تَسِيرُ سَيْرَ بَطِيئَةِ
الْإِبِلِ، تَسِيرُ النَّهَارَ وَتُقِيمُ اللَّيْلَ، تَغْدُو وَتَرُوحُ،
فَيُقَالُ: أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ غَدَتِ النَّارُ فَاغْدُوا. أَوْ: قَالَتِ
النَّارُ أَيُّهَا النَّاسُ فَقِيلُوا. غَدَتِ النَّارُ أَيُّهَا النَّاسُ
فَرُوحُوا. مَنْ أَدْرَكَتْهُ أَكَلَتْهُ ". هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ،
وَهُوَ
فِي " مُسْنَدِ أَحْمَدَ "
مِنْ رِوَايَةِ رَافِعِ بْنِ بِشْرٍ السَّلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ إِلَى:
" تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى ". وَهُوَ الصَّوَابُ; فَإِنَّ
هَذِهِ النَّارَ الَّتِي ذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ هِيَ النَّارُ الَّتِي تَسُوقُ
النَّاسَ إِلَى أَرْضِ الْمَحْشَرِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ قَرِيبًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ
الْأَعْمَشَ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْحَارِثِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ حِمَازٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:أَقْبَلْنَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلْنَا ذَا
الْحُلَيْفَةِ فَتَعَجَّلَتْ رِجَالٌ مِنَّا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَبَاتَ رَسُولُ
اللَّهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ سَأَلَ عَنْهُمْ، فَقِيلَ: تَعَجَّلُوا إِلَى
الْمَدِينَةِ. فَقَالَ: " تَعَجَّلُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَالنِّسَاءِ،
أَمَا إِنَّهُمْ سَيَدَعُونَهَا أَحْسَنَ مَا كَانَتْ ". ثُمَّ قَالَ: "
لَيْتَ شِعْرِي، مَتَى تَخْرُجُ نَارٌ مِنَ الْيَمَنِ مِنْ جَبَلِ الْوَرَاقِ
تُضِيءُ لَهَا أَعْنَاقُ الْإِبِلِ بُرُوكًا بِبُصْرَى كَضَوْءِ النَّهَارِ
". وَهَذَا الْإِسْنَادُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَأَنَّهُ مِمَّا اشْتَبَهَ
عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ، فَإِنَّ النَّارَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ
مِنَ الْيَمَنِ، هِيَ الَّتِي تَسُوقُ النَّاسَ الْمَوْجُودِينَ فِي آخِرِ
الزَّمَانِ إِلَى الْمَحْشَرِ، وَأَمَّا النَّارُ الَّتِي تُضِيءُ لَهَا أَعْنَاقُ
الْإِبِلِ، فَتِلْكَ تَخْرُجُ مِنْ أَرْضِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، كَمَا
تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ.
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ - وَكَانَ شَيْخَ
الْمُحَدِّثِينَ فِي زَمَانِهِ،
وَأُسْتَاذَ الْمُؤَرِّخِينَ فِي أَوَانِهِ
- أَنَّ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةَ
خَامِسِ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْهَا ظَهَرَتْ نَارٌ بِأَرْضِ الْحِجَازِ فِي
أَرْضِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَوْدِيَةِ، طُولَ
أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ وَعَرْضَ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ، تُسِيلُ الصَّخْرَ، حَتَّى
يَبْقَى مِثْلَ الْآنُكِ، ثُمَّ يَصِيرُ مِثْلَ الْفَحْمِ الْأَسْوَدِ، وَأَنَّ
النَّاسَ كَانُوا يَسِيرُونَ عَلَى ضَوْئِهَا بِاللَّيْلِ إِلَى تَيْمَاءَ،
وَأَنَّهَا اسْتَمَرَّتْ شَهْرًا، وَقَدْ ضَبَطَ ذَلِكَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ،
وَعَمِلُوا فِيهَا أَشْعَارًا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَأَخْبَرَنِي قَاضِي الْقُضَاةِ صَدَرُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ
الْحَنَفِيُّ، قَاضِيهِمْ بِدِمَشْقَ، عَنْ وَالِدِهِ الشَّيْخِ صَفِيِّ الدِّينِ
مُدَرِّسِ الْحَنَفِيَّةِ بِبُصْرَى، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ
الْأَعْرَابِ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، مِمَّنْ كَانَ بِحَاضِرَةِ بَلَدِ
بُصْرَى، أَنَّهُمْ شَاهَدُوا أَعْنَاقَ الْإِبِلِ فِي ضَوْءِ هَذِهِ النَّارِ
الَّتِي ظَهَرَتْ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ سَنَةَ
أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ عَنْ إِعَادَتِهِ
هُنَا.
ذِكْرُ إِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغُيُوبِ
الْمُسْتَقْبَلَةِ بَعْدَ زَمَانِنَا هَذَا
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ
ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ الْيَشْكُرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو
زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ:صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا
حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، ثُمَّ نَزَلَ
فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ صَعِدَ
الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى
الْعَصْرَ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا، حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ،
فَحَدَّثَنَا بِمَا كَانَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُنْفَرِدًا بِهِ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ مِنْ "
صَحِيحِهِ "، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيِّ، وَحَجَّاجِ
بْنِ الشَّاعِرِ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ النَّبِيلِ، عَنْ
عَزْرَةَ، عَنْ عِلْبَاءَ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ - وَهُوَ عَمْرُو بْنُ أَخْطَبَ.
بْنِ رِفَاعَةَ - الْأَنْصَارِيِّ بِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ " صَحِيحِهِ
": رُوِيَ عَنْ عِيسَى بْنِ مُوسَى غُنْجَارٍ، عَنْ رَقَبَةَ، عَنْ قَيْسِ
بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ يَقُولُ:قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَقَامًا، فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ، حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ
مُنَازِلَهُمْ، وَأَهْلُ النَّارِ مُنَازِلَهُمْ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ،
وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ. هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا بِصِيغَةِ
التَّمْرِيضِ عَنْ عِيسَى غُنْجَارٍ، عَنْ رَقَبَةَ وَهُوَ ابْنُ مَصْقَلَةَ،
قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ فِي " الْأَطْرَافِ ": وَإِنَّمَا
رَوَاهُ عِيسَى غُنْجَارٌ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ رَقَبَةَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي أَوَّلِ
كِتَابِ الْفِتَنِ مِنْ " سُنَنِهِ ": حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ،عَنْ
حُذَيْفَةَ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَائِمًا، فَمَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى
قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا حَدَّثَهُ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ
نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ، وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ
الشَّيْءُ فَأَذْكُرُهُ كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ
عَنْهُ، ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ
حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ، كِلَاهُمَا
عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ،
عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ:صَلَّى
بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعَصْرِ ذَاتَ
يَوْمٍ بِنَهَارٍ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَنَا إِلَى أَنْ غَابَتِ الشَّمْسُ، فَلَمْ
يَدَعْ شَيْئًا مِمَّا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا حَدَّثَنَاهُ،
حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَ، وَنَسِيَ ذَلِكَ مَنْ نَسِيَ، فَكَانَ مِمَّا قَالَ:
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَإِنَّ
اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا
الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ ". وَذَكَرَ تَمَامَهَا إِلَى أَنْ قَالَ:
" وَقَدْ دَنَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ، وَإِنَّ مَا بَقِيَ مِنَ
الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا مِثْلُ مَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا
مَضَى مِنْهُ ".
عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ التَّيْمِيُّ لَهُ غَرَائِبُ وَمُنْكَرَاتٌ،
وَلَكِنْ لِهَذَا الْحَدِيثِ
شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ. وَفِي
" صَحِيحِ مُسْلِمٍ "، مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
بَعْضُهُ، وَفِيهِ الدِّلَالَةُ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْطُوعُ بِهِ; أَنَّ مَا
بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا مَضَى مِنْهَا شَيْءٌ يَسِيرٌ
جِدًّا، وَمَعَ هَذَا لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ مَا بَقِيَ عَلَى التَّعْيِينِ
وَالتَّحْدِيدِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، كَمَا لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ مَا مَضَى
مِنْهَا إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَالَّذِي فِي كُتُبِ
الْإِسْرَائِيلِيِّينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ تَحْدِيدِ مَا سَلَفَ بِأُلُوفٍ
وَمِئِينَ مِنَ السِّنِينَ قَدْ نَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى
تَخْطِئَتِهِمْ فِيهِ، وَتَغْلِيطِهِمْ، وَهُمْ جَدِيرُونَ بِذَلِكَ حَقِيقُونَ
بِهِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ: " الدُّنْيَا جُمْعَةٌ مِنْ جُمَعِ
الْآخِرَةِ ". وَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ. وَكَذَا كُلُّ حَدِيثٍ وَرَدَ
فِيهِ تَحْدِيدٌ بِوَقْتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى التَّعْيِينِ، لَا يَثْبُتُ
إِسْنَادُهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ
أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا
إِلَى قَوْلِهِ: أَوْ ضُحَاهَا [ النَّازِعَاتِ: 42 - 44 ] وَقَالَ تَعَالَى:
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا
عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [ الْأَعْرَافِ: 187 ]، وَالْآيَاتُ فِي هَذَا
وَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ
وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [ الْقَمَرِ: 1 ].
وَثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ
سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ،
قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ
". وَفِي رِوَايَةٍ: " إِنْ كَادَتْ لَتَسْبِقُنِي ". وَهَذَا
يَدُلُّ عَلَى اقْتِرَابِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا مَضَى مِنَ الدُّنْيَا،
وَقَالَ تَعَالَى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ
مُعْرِضُونَ [ الْأَنْبِيَاءِ: 1 ]، وَقَالَ تَعَالَى: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا
تَسْتَعْجِلُوهُ [ النَّحْلِ: 1 ] وَقَالَ تَعَالَى: يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ
لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ
أَنَّهَا الْحَقُّ [ الشُّورَى: 18 ].
وَفِي " الصَّحِيحِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: " إِنَّهَا
كَائِنَةٌ، فَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا " ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ يَا
رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أُعِدَّ لَهَا كَثِيرَ صَلَاةٍ وَلَا عَمَلٍ، وَلَكِنِّي
أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ: " أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ
". فَمَا فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ.
وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَسُئِلَ
عَنِ السَّاعَةِ، فَنَظَرَ إِلَى غُلَامٍ فَقَالَ: " لَنْ يُدْرِكَ هَذَا
الْهَرَمُ حَتَّى تَأْتِيَكُمْ سَاعَتُكُمْ ". وَالْمُرَادُ: انْخِرَامُ
قَرْنِهِمْ، وَدُخُولُهُمْ فِي عَالَمِ الْآخِرَةِ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ
فَقَدْ دَخَلَ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: مَنْ مَاتَ
فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ. وَهَذَا الْكَلَامُ بِهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ،
وَقَدْ يَقُولُ هَذَا بَعْضُ الْمَلَاحِدَةِ، وَيُشِيرُونَ بِهِ إِلَى شَيْءٍ مِنَ
الزَّنْدَقَةِ وَالْبَاطِلِ. فَأَمَّا السَّاعَةُ الْعُظْمَى وَهُوَ اجْتِمَاعُ
الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَهَذَا مِمَّا اسْتَأْثَرَ
اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِ وَقْتِهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: خَمْسٌ لَا
يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ".
ثُمَّ قَرَأَ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [ لُقْمَانَ: 34 ].
وَقَدْ سَأَلَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
الْإِسْلَامِ فَأَخْبَرَهُ بِهِ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنِ الْإِيمَانِ فَأَخْبَرَهُ
بِهِ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنِ الْإِحْسَانِ فَأَخْبَرَهُ بِهِ، فَلَمَّا سَأَلَهُ
عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ لَهُ: " مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ
السَّائِلِ ". قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَشْرَاطِهَا. فَأَخْبَرَهُ عَنْ
ذَلِكَ. كَمَا سَيَأْتِي إِيرَادُهُ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، مَعَ أَمْثَالِهِ
وَأَشْكَالِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ.
بَابُ ذِكْرُ الْفِتَنِ جُمْلَةً ثُمَّ نُفَصِّلُ ذِكْرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ،
حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ
الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ، أَنَّهُسَمِعَ
حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ;
مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي
جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا
الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ
الشَّرِّ مَنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: " نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ ". قُلْتُ:
وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: " قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ
مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ ". قُلْتُ: فَهَلْ
بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟
قَالَ: " نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ
إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا.
قَالَ: " هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ".
قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: " تَلْزَمُ
جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ". قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: " فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ
كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ
وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ ". ثُمَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، بِهِ نَحْوَهُ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا
الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ; فَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو
دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طَرِيقِ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ
خَالِدٍ الْيَشْكُرِيِّ الْكُوفِيِّ، عَنْهُ مَبْسُوطًا، وَفِيهِ تَفْسِيرٌ لِمَا
فِيهِ مِنْ مُشْكِلٍ، وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ
رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُرْطٍ، عَنْهُ. وَفِي " صَحِيحِ
الْبُخَارِيِّ "، مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ
بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: تَعَلَّمَ أَصْحَابِي الْخَيْرَ،
وَتَعَلَّمْتُ اَلشَّرَّ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ
أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ
غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ،
فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ". قِيلَ: وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ "
النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ ". وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ،
وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، أَنَّ أَبَا حَازِمٍ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنٍ
لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الْإِيمَانَ بَدَأَ
غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى يَوْمئِذٍ لِلْغُرَبَاءِ، إِذَا
فَسَدَ النَّاسُ، وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي الْقَاسِمِ بِيَدِهِ لِيَأْرِزَنَّ
الْإِيمَانُ بَيْنَ هَذَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى
جُحْرِهَا ".
وَقَالَ أَحْمَدُ، ثَنَا حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى، ثَنَا ابْنُ
لَهِيعَةَ، ثَنَا جَمِيلٌ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ،
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا
يُدْرِكْنِي زَمَانٌ - أَوْ قَالَ: لَا تُدْرِكُوا زَمَانًا - لَا يُتَّبَعُ فِيهِ
الْعَلِيمُ وَلَا يُسْتَحَيَا فِيهِ مِنَ الْحَلِيمِ، قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ
الْأَعَاجِمِ، وَأَلْسِنَتُهُمْ أَلْسِنَةُ الْعَرَبِ ". تَفَرَّدَ بِهِ
أَحْمَدُ.
بَابُ افْتِرَاقِ الْأُمَمِ
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " تَفَرَّقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً،
وَتَفَرَّقَتْ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ". وَرَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ عَنْ وَهَبِ بْنِ بَقِيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَمْرٍو، بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ
كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يُوسُفَ،
حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ
مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى
وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ،
وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَإِحْدَى
وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً،
فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ". قِيلَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: " الْجَمَاعَةُ ". تَفَرَّدَ
بِهِ، وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا:
حَدَّثَنَا هِشَامٌ، هُوَ ابْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ بَنِي
إِسْرَائِيلَ افْتَرَقَتْ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَإِنَّ أُمَّتِي
سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ
إِلَّا وَاحِدَةً، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ ". وَهَذَا إِسْنَادٌ قَوِيٌّ عَلَى
شَرْطِ الصَّحِيحِ، تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
أَنَسٍ. وَأَبِي سَعِيدٍ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ، وَقَوْمٌ يُحْسِنُونَ
الْقِيلَ، وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ ". الْحَدِيثَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ
يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا
صَفْوَانُ، هُوَ ابْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْحَرَازِيُّ - قَالَ أَحْمَدُ - عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ، عَنْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، أَنَّهُ قَامَ فَقَالَ:أَلَا إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا، فَقَالَ: " أَلَا
إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ
وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ
الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ
وَسَبْعِينَ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ،
وَهِيَ الْجَمَاعَةُ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَفِي " مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا سَأَلُوهُ عَنِ
الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: " مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ
وَأَصْحَابِي.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا ابْنُ
لَهِيعَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوْدَاةَ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ،
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِثْلًا بِمِثْلٍ
". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ".
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّ الْمَخْلَصَ مِنَ الْفِتَنِ عِنْدَ
وُقُوعِهَا اتِّبَاعُ الْجَمَاعَةِ وَلُزُومُ الْإِمَامِ بِالطَّاعَةِ إِذَا
كَانُوا عَلَى حَقٍّ وَاتِّبَاعِ الشَّرْعِ، وَإِذَا فَسَدُوا فَلَا طَاعَةَ
لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، فَإِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ،
فَإِذَا خَالَفْتُ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ
الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُعَانُ بْنُ
رِفَاعَةَ السَّلَامِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَلَفٍ الْأَعْمَى، أَنَّهُ سَمِعَ
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى
ضَلَالَةٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ
الِاخْتِلَافَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ ". وَلَكِنْ هَذَا
حَدِيثٌ ضَعِيفٌ; لِأَنَّ مُعَانَ بْنَ رِفَاعَةَ السَّلَامِيَّ قَدْ ضَعَّفَهُ
غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: عَلَيْكُمْ
بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ; الْحَقِّ وَأَهْلِهِ ". وَقَدْ كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
يَقُولُ: السَّوَادُ الْأَعْظَمُ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْلَمَ الطُّوسِيُّ. وَقَدْ
كَانَ أَهْلُ الْحَقِّ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ هُمْ أَكْثَرَ الْأُمَّةِ;
فَكَانَ لَا يُوجَدُ فِيهِمْ مُبْتَدِعٌ لَا فِي الْأَقْوَالِ وَلَا الْأَفْعَالِ،
وَفِي الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ فَقَدْ يَجْتَمِعُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ عَلَى
بِدْعَةٍ، وَقَدْ يَخْلُو الْحَقُّ فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ
عِصَابَةٍ يَقُومُونَ بِهِ، كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ:فَإِنْ لَمْ
يَكُنْ لَهُمْ إِمَامٌ وَلَا جَمَاعَةٌ؟ قَالَ لَهُ: " فَاعْتَزِلْ تِلْكَ
الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ
الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ ". وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ:
بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ ".
وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ:
اللَّهُ اللَّهُ ".
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ إِذَا ظَهَرَتِ الْفِتَنُ، فَإِنَّهُ يَسُوغُ اعْتِزَالُ
النَّاسِ حِينَئِذٍ، كَمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَإِعْجَابَ كُلِّ
ذِي رَأْيٍ بِرَأْيهِ، فَعَلَيْكَ بِخُوَيْصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ أَمْرَ
الْعَوَامِّ ".
وَفِي رِوَايَةٍ: إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا
مُؤْثَرَةً فَعَلَيْكَ
بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، فَإِنَّ مِنْ
بَعْدِكُمْ زَمَانَ الصَّبْرِ، صَبْرٌ فِيهِنَّ كَقَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ "،
وَقَدِ اعْتَزَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ النَّاسَ وَالْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ
وَهُمْ أَئِمَّةٌ كِبَارٌ; كَأَبِي ذَرٍّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَعِيدِ
بْنِ زَيْدٍ، وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ،
حَتَّى اعْتَزَلُوا مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الَّذِي الصَّلَاةُ فِيهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ. وَاعْتَزَلَ مَالِكٌ الْجُمُعَةَ
وَالْجَمَاعَةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ
مَعْرِفَتِهِ الْحَدِيثَ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَكَانَ لَا يَشْهَدُ
جُمُعَةً وَلَا جَمَاعَةً، وَكَانَ إِذَا لِيمَ فِي ذَلِكَ يَقُولُ: مَا كَلُّ مَا
يُعْلَمُ يُقَالُ. وَقِصَّتُهُ مَعْرُوفَةٌ، وَكَذَلِكَ اعْتَزَلَ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ وَخَلْقٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ; لِمَا شَاهَدُوهُ مِنَ
الظُّلْمِ وَالشُّرُورِ وَالْفِتَنِ خَوْفًا عَلَى إِيمَانِهِمْ أَنْ يُسْلَبَ
مِنْهُمْ، وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِي كِتَابِ " الْعُزْلَةِ "
وَكَذَلِكَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا قَبْلَهُ مِنْ هَذَا جَانِبًا كَبِيرًا.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا
مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ
يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ; يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ
الْفِتَنِ ". لَمْ يُخْرِجْهُ مُسْلِمٌ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ،
وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ بِهِ، وَيَجُوزُ حِينَئِذٍ
سُؤَالُ الْمَوْتِ وَطَلَبُهُ مِنَ اللَّهِ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ وَالظُّلْمِ
وَإِنْ كَانَ قَدْ نُهِيَ عَنْهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا صَحَّ بِهِ الْحَدِيثُ
".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
أَنَّهُ قَالَ: لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ وَلَا يَدْعُو بِهِ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ وَثِقَ بِعَمَلِهِ فَإِنَّهُ
إِنْ مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ
عُمُرُهُ إِلَّا خَيْرًا ". وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ سُؤَالِ الْمَوْتِ
عِنْدَ الْفِتَنِ، الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ
" عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَهُوَ حَدِيثُ الْمَنَامِ الطَّوِيلُ. وَفِيهِ:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ،
وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ
بِقَوْمٍ فِتْنَةً فَتَوَفَّنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ، اللَّهُمَّ إِنِّي
أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى
حُبِّكَ ".
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي عَلَى
النَّاسِ زَمَانٌ شَدِيدٌ لَا يَكُونُ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ جَمَاعَةٌ قَائِمَةٌ
بِالْحَقِّ، إِمَّا فِي جَمِيعِ الْأَرْضِيَّةِ أَوْ فِي بَعْضِهَا.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ
لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ
يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا،
اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ
عِلْمٍ، فَضَّلُوا وَأَضَلُّوا ".
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى
الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ
أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ ". وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ":
" وَهُمْ بِالشَّامِ ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ
وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ: وَهُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ،
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ شَرَاحِيلَ
بْنِ يَزِيدَ الْمَعَافِرِيِّ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ
يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ
لَهَا أَمْرَ دِينِهَا ". تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ. ثُمَّ قَالَ ":
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ لَمْ يَجُزْ بِهِ شَرَاحِيلَ. يَعْنِي أَنَّهُ
مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، وَقَدِ ادَّعَى كُلُّ قَوْمٍ فِي إِمَامِهِمْ أَنَّهُ
الْمُرَادُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَالظَّاهِرُ، وَاللَّهِ أَعْلَمُ، أَنَّهُ
يَعُمُّ حَمَلَةَ الْعِلْمِ الْعَامِلِينَ بِهِ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ، مِمَّنْ
عَمَلُهُ مَأْخُوذٌ عَنِ الشَّارِعِ، أَوْ مِمَّنْ هُوَ مُوَافِقٌ مِنْ كُلِّ
طَائِفَةٍ وَكُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الْعُلَمَاءِ، مِنْ مُفَسِّرِينَ،
وَمُحَدِّثِينَ، وَقُرَّاءَ، وَفُقَهَاءَ، وَنُحَاةٍ، وَلُغَوِيِّينَ، إِلَى
غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: مَنْ فَسَدَ مِنْ عُلَمَائِنَا كَانَ فِيهِ شَبَهٌ
مِنَ الْيَهُودِ، وَمَنْ فَسَدَ مِنْ عُبَّادِنَا كَانَ فِيهِ شَبَهٌ مِنَ
النَّصَارَى.
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو: إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ
مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءَ ". ظَاهِرٌ فِي أَنَّ
الْعِلْمَ لَا يُنْتَزَعُ مِنْ صُدُورِ الْعُلَمَاءِ بَعْدَ أَنْ وَهَبَهُمُ
اللَّهُ إِيَّاهُ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ عَنْ بُنْدَارٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ
شُعْبَةَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَلَا
أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَا يُحَدِّثُكُمْ بِهِ أَحَدٌ بَعْدِي، سَمِعْتُهُ مِنْهُ: إِنَّ مِنْ
أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَفْشُوَ
الزِّنَى، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَذْهَبَ الرِّجَالُ، وَيَبْقَى النِّسَاءُ،
حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ ". وَأَخْرَجَاهُ فِي
" الصَّحِيحَيْنِ "، مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرٍ، بِهِ. وَقَالَ ابْنُ
مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا
أَبِي وَوَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ
السَّاعَةِ أَيَّامٌ، يُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ، وَيَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ،
وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ، وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ ". وَهَكَذَا رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، بِهِ ".
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ،
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ،
حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلَا
صَلَاةٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ،
وَيُسْرَى عَلَى الْكِتَابِ فِي لَيْلَةٍ، فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ
آيَةٌ، وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ; الشَّيْخُ الْكَبِيرُ، وَالْعَجُوزُ،
يَقُولُونَ: أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ، فَنَحْنُ نَقُولُهَا ". فَقَالَ لَهُ صِلَةُ: مَا تُغْنِي عَنْهُمْ:
" لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " وَهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا صَلَاةٌ وَلَا
صِيَامٌ، وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ، ثُمَّ
رَدَّهَا عَلَيْهِ ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ حُذَيْفَةُ، ثُمَّ
أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَالَ: يَا صِلَةُ، تُنْجِيهِمْ مِنَ
النَّارِ. ثَلَاثًا.
وَهَذَا دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ قَدْ يُرْفَعُ مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ فِي
آخِرِ الزَّمَانِ، حَتَّى إِنَّ الْقُرْآنَ يُسْرَى عَلَيْهِ فَيُرْفَعُ مِنَ
الْمَصَاحِفِ وَالصُّدُورِ، وَيَبْقَى النَّاسُ بِلَا عِلْمٍ وَلَا قُرْآنٍ،
وَإِنَّمَا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ الْمُسِنَّةُ يُخْبِرَانِ أَنَّهُمْ
أَدْرَكُوا النَّاسَ وَهُمْ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَهُمْ
يَقُولُونَهَا أَيْضًا عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ بِهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ، فَهِيَ نَافِعَةٌ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مِنَ الْعَمَلِ
الصَّالِحِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ غَيْرُهَا، وَقَوْلُهُ: تُنْجِيهِمْ مِنَ
النَّارِ. يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُمْ دُخُولَ
النَّارِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَيَكُونُ فَرْضُهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ الْقَوْلَ
الْمُجَرَّدَ عَنِ الْعَمَلِ، لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ بِالْأَعْمَالِ، الَّتِي
لَمْ يُخَاطَبُوا بِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ
نَجَاتَهُمْ مِنَ النَّارِ بَعْدَ دُخُولِهِمْ إِلَيْهَا، وَأَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ تَكُونُ سَبَبَ نَجَاتِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ الدَّائِمِ
الْمُسْتَمِرِّ. وَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُرَادِينِ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُخْرِجَنَّ مِنَ
النَّارِ مَنْ قَالَ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ".
كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ أُولَئِكَ قَوْمًا آخَرِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ الْعِلْمَ
يُرْفَعُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَيَكْثُرُ الْجَهْلُ، فِي رِوَايَةٍ، وَفِي
رِوَايَةٍ: وَيَنْزِلُ الْجَهْلُ. أَيْ يُلْهَمُ أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ
الْجَهْلَ، وَذَلِكَ مِنْ قَهْرِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَخِذْلَانِهِ إِيَّاهُمْ،
نُعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ لَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ فِي تَزَايُدٍ مِنَ
الْجَهَالَةِ وَالضَّلَالَةِ، إِلَى مُنْتَهَى الْآجَالِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ
الْأَخِيرِ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ: اللَّهُ اللَّهُ
"، وَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى أَشْرَارِ النَّاسِ ".
وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ مُطَرِّحِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِهَذَا الدِّينِ إِقْبَالًا وَإِدْبَارًا،
وَإِنَّ مِنْ إِقْبَالِهِ أَنَّ تَفْقَهَ الْقَبِيلَةُ بِأَسْرِهَا حَتَّى لَا
يَبْقَى فِيهَا إِلَّا الْفَاسِقُ أَوِ الْفَاسِقَانِ، فَهُمَا ذَلِيلَانِ فِيهَا
مُضْطَهَدَانِ، إِنْ تَكَلَّمَا قُهِرَا وَذُلَّا وَاضْطُهِدَا، وَإِنَّ مِنْ
إِدْبَارِ هَذَا الدِّينِ أَنْ تَجْفُوَ الْقَبِيلَةُ بِأَسْرِهَا فَلَا يَبْقَى
فِيهَا إِلَّا الْفَقِيهُ أَوِ الْفَقِيهَانِ، فَهُمَا ذَلِيلَانِ مُضْطَهَدَانِ،
إِنْ تَكَلَّمَا قُهِرَا وَاضْطُهِدَا، وَيَلْعَنُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ
أَوَّلَهَا، أَلَا وَعَلَيْهِمْ حَلَّتِ اللَّعْنَةُ، حَتَّى يُشْرَبَ الْخَمْرُ
عَلَانِيَةً، وَحَتَّى تَمُرَّ الْمَرْأَةُ بِالْقَوْمِ، فَيَقُومَ إِلَيْهَا
بَعْضُهُمْ، فَيَرْفَعَ بِذَيْلِهَا كَمَا يَرْفَعُ بِذَنَبِ النَّعْجَةِ،
فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: أَلَا وَارَيْتَهَا وَرَاءَ حَائِطٍ. فَهُوَ يَوْمَئِذٍ فِيهِمْ
مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِيكُمْ، وَمَنْ أَمَرَ يَوْمَئِذٍ بِمَعْرُوفٍ،
وَنَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، فَلَهُ أَجْرُ خَمْسِينَ مِمَّنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي
وَأَطَاعَنِي وَبَايَعَنِي ".
ذِكْرُ شُرُورٍ تَحْدُثُ فِي هَذِهِ
الْأُمَّةِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَإِنْ كَانَ قَدْ وُجِدَ بَعْضُهَا فِي
زَمَانِنَا أَيْضًا
قَالَ ابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ مِنْ " سُنَنِهِ ":
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَقْبَلَ
عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا
مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسُ خِصَالٍ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ
بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ
حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ
الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ
يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ
الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ
أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا
الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ
رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ
فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ
بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ
اللَّهُ بِأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ". تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ
غَرَابَةٌ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا
الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ أَبُو فَضَالَةَ الشَّامِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا فَعَلَتْ
أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ فِيهَا الْبَلَاءُ ". قِيلَ: وَمَا
هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " إِذَا كَانَ الْمَغْنَمُ دُوَلًا،
وَالْأَمَانَةُ مَغْنَمًا، وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا، وَأَطَاعَ الرَّجُلُ
زَوْجَتَهُ، وَعَقَّ أُمَّهُ، وَبَرَّ صَدِيقَهُ، وَجَفَا أَبَاهُ، وَارْتَفَعَتِ
الْأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ،
وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ، وَشُرِبَتِ الْخَمْرُ، وَلُبِسَ
الْحَرِيرُ، وَاتُّخِذَتِ الْقَيْنَاتُ، وَالْمَعَازِفُ، وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ
الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا، فَلْيُرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ، أَوْ
خَسْفًا وَمَسْخًا ". ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ،
لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَا نَعْلَمُ
أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ غَيْرَ
الْفَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ،، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ
قِبَلِ حِفْظِهِ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ وَكِيعٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ
الْأَئِمَّةِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْحُسَيْنِ الْقَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَرْقَمَ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ
بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَلَمَّا صَلَّى صَلَاتَهُ نَادَاهُ
رَجُلٌ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَزَبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَانْتَهَرَهُ، وَقَالَ: " اسْكُتْ ". حَتَّى إِذَا أَسْفَرَ
رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ،
فَقَالَ: " تَبَارَكَ رَافِعُهَا وَمُدَبِّرُهَا ". ثُمَّ رَمَى
بِبَصَرِهِ إِلَى الْأَرْضِ، فَقَالَ: " تَبَارَكَ دَاحِيهَا وَخَالِقُهَا
". ثُمَّ قَالَ: " أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟ " فَجَثَا
الرَّجُلُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: أَنَا بِأَبِي وَأُمِّي سَأَلْتُكَ.
فَقَالَ: " ذَلِكَ عِنْدَ حَيْفِ الْأَئِمَّةِ، وَتَصْدِيقٍ بِالنُّجُومِ،
وَتَكْذِيبٍ بِالْقَدَرِ، وَحَتَّى تُتَّخَذَ الْأَمَانَةُ مَغْنَمًا،
وَالصَّدَقَةُ مَغْرَمًا، وَالْفَاحِشَةُ زِيَادَةً. فَعِنْدَ ذَلِكَ هَلَكَ
قَوْمُكَ ". ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ، وَيُونُسُ بْنُ أَرْقَمَ كَانَ صَادِقًا، رَوَى عَنْهُ النَّاسُ،
وَفِيهِ شِيعِيَّةٌ شَدِيدَةٌ.
ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الْمُسْتَلِمِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ رُمَيْحٍ
الْجُذَامِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا اتُّخِذَ الْفَيْءُ دُوَلًا، وَالْأَمَانَةُ
مَغْنَمًا، وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا، وَتُعُلِّمَ لِغَيْرِ الدِّينِ، وَأَطَاعَ
الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، وَعَقَّ أُمَّهُ، وَأَدْنَى صَدِيقَهُ، وَأَقْصَى أَبَاهُ،
وَظَهَرَتِ الْأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَسَادَ الْقَبِيلَةَ فَاسِقُهُمْ،
وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ، وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ،
وَظَهَرَتِ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ، وَشُرِبَتِ الْخُمُورُ، وَلَعَنَ آخِرُ
هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا، فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ،
وَخَسْفًا، وَمَسْخًا، وَقَذْفًا، وَآيَاتٍ تَتَابَعُ، كَنِظَامٍ بَالٍ قُطِعَ
سِلْكُهُ فَتَتَابَعَ ". وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ
إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ
الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ
خَسْفٌ، وَمَسْخٌ، وَقَذْفٌ ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: وَمَتَى
ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " إِذَا ظَهَرَتِ الْقَيْنَاتُ
وَالْمَعَازِفُ، وَشُرِبَتِ الْخُمُورُ ". ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ
غَرِيبٌ، وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ سَابِطٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكِنْدِيُّ،
حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، أَخْبَرَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا مَشَتْ أُمَّتِي الْمُطَيْطَاءَ،
وَخَدَمَهَا أَبْنَاءُ الْمُلُوكِ، أَبْنَاءُ فَارِسَ وَالرُّومِ، سُلِّطَ
شِرَارُهَا عَلَى خِيَارِهَا ". وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَاهُ
أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، وَلَا
نَعْرِفُ لَهُ أَصْلًا، وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ،
مُرْسَلًا.
ثُمَّ رَوَى مِنْ حَدِيثِ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ
أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ
خِيَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ،
فَظَهْرُ الْأَرْضِ خَيْرٌ
لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا، وَإِذَا كَانَ
أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلَاءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ إِلَى
نِسَائِكُمْ، فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا ". ثُمَّ
قَالَ: غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، وَلَهُ
غَرَائِبُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، وَهُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ.
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُبَارَكِ بْنِ
حَسَّانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا طَغَى نِسَاؤُكُمْ، وَفَتَقَ شَأْنُكُمْ؟ "
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ؟! قَالَ: "
وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، لَا تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا تَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ ". قَالُوا: وَإِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ؟! قَالَ: " وَأَشَدُّ
مِنْ ذَلِكَ، تَرَوْنَ الْمَعْرُوفَ مُنْكَرًا وَالْمُنْكَرَ مَعْرُوفًا ".
قَالُوا: وَإِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ؟! قَالَ: " وَأَشَدُّ مِنْهُ; تَأْمُرُونَ
بِالْمُنْكَرِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ". قَالُوا: وَإِنَّ ذَلِكَ
لَكَائِنٌ؟ قَالَ: " وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِئْسَ أُولَئِكَ الْقَوْمُ،
وَبِئْسَ الْقَوْمُ قَوْمٌ يَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ
النَّاسِ، وَبِئْسَ الْقَوْمُ قَوْمٌ يَسْتَحِلُّونَ الْمُحَرَّمَاتِ
وَالشَّهَوَاتِ بِالشُّبُهَاتِ، وَبِئْسَ الْقَوْمُ قَوْمٌ يَمْشِي الْمُؤْمِنُ
بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ بِالتَّقِيَّةِ وَالْكِتْمَانِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا
عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِتَضْرِبَنَّ مُضَرُ عِبَادَ اللَّهِ حَتَّى لَا يُعْبَدَ
لِلَّهِ اسْمٌ، وَلْيَضْرِبَنَّهُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى لَا يَمْنَعُوا ذَنَبَ
تَلْعَةٍ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ
أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ
".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ
بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ
الْجَرْمِيِّ، زَادَ أَبُو دَاوُدَ: وَعَنْ قَتَادَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسٍ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهِ، وَسَيَأْتِي فِي ذِكْرِ
أَشْرَاطِ السَّاعَةِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَفِيهِ: " وَتُزَخْرَفُ
الْمَحَارِيبُ، وَتَخْرَبُ الْقُلُوبُ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا
شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ زَاذَانَ أَبِي
عُمَرَ، عَنْ عُلَيْمٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عَلَى سَطْحٍ، مَعَنَا رَجُلٌ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَزِيدُ:
لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَبْسًا الْغِفَارِيَّ - وَالنَّاسُ يَخْرُجُونَ فِي
الطَّاعُونِ، فَقَالَ عَبْسٌ: يَا طَاعُونُ، خُذْنِي. ثَلَاثًا يَقُولُهَا،
فَقَالَ لَهُ عُلَيْمٌ: لِمَ تَقُولُ هَذَا؟ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ؟ فَإِنَّهُ
عِنْدَ انْقِطَاعِ عَمَلِهِ، وَلَا يُرَدُّ فَيَسْتَعْتِبُ ". فَقَالَ:
إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
بَادِرُوا بِالْمَوْتِ سِتًّا: إِمْرَةَ السُّفَهَاءِ، وَكَثْرَةَ الشُّرَطِ،
وَبَيْعَ الْحُكْمِ، وَاسْتِخْفَافًا بِالدَّمِ، وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، وَنَشَوًا
يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ
يُقَدِّمُونَهُ يُغَنِّيهِمْ وَإِنْ
كَانَ أَقَلَّ مِنْهُمْ فِقْهًا ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَلَّى عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو مِثْلُهُ أَوْ
نَحْوُهُ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الزِّيَادَاتِ عَلَى " مُسْنَدِ أَحْمَدَ
"، وَاللَّهَ سُبْحَانَهُ أَحْمَدُ، وَقَدْ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ:
حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيُّ، حَدَّثَنَا جَمِيلُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّائِعُ،
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَلَّى، قَالَ: قَالَ الْحَكَمُ الْغِفَارِيُّ: يَا طَاعُونُ،
خُذْنِي إِلَيْكَ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: لِمَ تَقُولُ هَذَا،
وَقَدْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا
يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ " ؟ فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ مَا سَمِعْتُمْ،
وَلَكِنِّي أُبَادِرُ سِتًّا: بَيْعَ الْحُكْمِ، وَكَثْرَةَ الشُّرَطِ،
وَإِمَارَةَ الصِّبْيَانِ، وَسَفْكَ الدِّمَاءِ، وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، وَنَشَوًا
يَكُونُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَيَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَسْفٌ
وَقَذْفٌ وَمَسْخٌ ". قِيلَ: وَمَتَى ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
" إِذَا ظَهَرَتِ الْمَعَازِفُ وَالْقَيْنَاتُ، وَاسْتُحِلَّتِ الْخَمْرُ
". لَهُ شَاهِدٌ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي
مَالِكٍ أَوْ أَبِي عَامِرٍ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، ثَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ،
سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ عَنْ
حُذَيْفَةَ، قَالَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
السَّاعَةِ، فَقَالَ: " عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا
إِلَّا هُوَ، وَلَكِنْ أُخْبِرُكُمْ بِمَشَارِيطِهَا، وَمَا يَكُونُ بَيْنَ
يَدَيْهَا، إِنَّ بَيْنَ يَدَيْهَا فِتَنًا وَهَرْجًا ". قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، الْفِتْنَةُ عَرَفْنَاهَا، فَالْهَرْجُ مَا هُوَ؟ قَالَ: "
هُوَ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْقَتْلُ ". قَالَ: " وَيُلْقَى بَيْنَ
النَّاسِ التَّنَاكُرُ فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يَعْرِفُ أَحَدًا ". تَفَرَّدَ
بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، ثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنِي
السَّفْرُ بْنُ نُسَيْرٍ الْأَزْدِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ
الْيَمَانِ، أَنَّهُ قَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي شَرٍّ،
فَذَهَبَ اللَّهُ بِذَلِكَ الشَّرِّ، وَجَاءَ بِخَيْرٍ عَلَى يَدَيْكَ، فَهَلْ
بَعْدَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قُلْتُ: مَا هُوَ؟
قَالَ: " فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا،
تَأْتِيكُمْ مُشْتَبِهَةً كَوُجُوهِ الْبَقَرِ لَا تَدْرُونَ أَيًّا مِنْ أَيٍّ
".
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا سُلَيْمَانُ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي عَمْرٌو،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْهَلِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ،
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتُلُوا إِمَامَكُمْ، وَتَجْتَلِدُوا بِأَسْيَافِكُمْ،
وَيَرُبَّ دُنْيَاكُمْ شِرَارُكُمْ ".
وَبِهِ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ أَسْعَدَ النَّاسِ بِالدُّنْيَا
لُكَعُ ابْنُ لُكَعَ ". وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ
إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ
أَبُو أُمَيَّةَ الْحَرَّانِيُّ، ثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ صَدَقَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنِ
الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ حِزَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّكُمْ
قَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي زَمَانٍ كَثِيرٍ فُقَهَاؤُهُ، قَلِيلٍ خُطَبَاؤُهُ، كَثِيرٍ
مُعْطُوهُ، قَلِيلٍ سَائِلُوهُ، الْعَمَلُ فِيهِ خَيْرٌ مِنَ الْعِلْمِ،
وَسَيَأْتِي زَمَانٌ قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ، كَثِيرٌ خُطَبَاؤُهُ، كَثِيرٌ
سُؤَّالُهُ، قَلِيلٌ مُعْطُوهُ، الْعِلْمُ فِيهِ خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، أَخْبَرَنِي مِسْعَرٌ، عَنْ
عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ظَالِمٍ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ:ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، أَرَاهُ قَالَ: "
فَيَذْهَبُ النَّاسُ أَسْرَعَ ذَهَابٍ ". قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، كُلُّهُمْ هَالِكٌ أَوْ بَعْضُهُمْ؟ قَالَ: " حَسْبُهُمْ - أَوْ:
بِحَسْبِهِمُ - الْقَتْلُ ". تَفَرَّدَ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ
عُرْفُطَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا
خَالِدُ، إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَحْدَاثٌ وَفِتَنٌ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ
تَكُونَ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ لَا الْقَاتِلَ فَافْعَلْ ".
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ عَجْلَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو
كَثِيرٍ الْمُحَارِبِيُّ،
سَمِعْتُ خَرَشَةَ الْمُحَارِبِيَّ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَتَكُونُ
فِتَنٌ، النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْيَقْظَانِ، وَالْجَالِسُ فِيهَا خَيْرٌ
مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ
مِنَ السَّاعِي، أَلَا فَمَنْ أَتَتْ عَلَيْهِ فَلْيَمْشِ بِسَيْفِهِ إِلَى
الصَّفَا فَلْيَضْرِبْ بِهِ حَتَّى يَنْكَسِرَ، ثُمَّ لِيَضْطَجِعَ حَتَّى
تَنْجَلِيَ عَمَّا انْجَلَتْ ". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الْمَهْدِيِّ الَّذِي يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ.
وَهُوَ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ،
وَلَيْسَ هُوَ بِالْمُنْتَظَرِ الَّذِي تَزْعُمُ الرَّافِضَةُ، وَتَرْتَجِي
ظُهُورَهُ مِنْ سِرْدَابِ سَامَرَّا، فَإِنَّ ذَلِكَ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ،
وَلَا عَيْنَ، وَلَا أَثَرَ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
الْعَسْكَرِيُّ، وَأَنَّهُ دَخَلَ السِّرْدَابَ وَعُمْرُهُ خَمْسُ سِنِينَ،
وَأَمَّا مَا سَنَذْكُرُهُ فَقَدْ نَطَقَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَرْوِيَّةُ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ يَكُونُ فِي
آخِرِ الزَّمَانِ، وَأَظُنُّ ظُهُورَهُ يَكُونُ قَبْلَ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ؟ فَإِنَّ هَذَا يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا
وَظُلْمًا، وَهَكَذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ
الْأَحَادِيثُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ وَأَبُو نُعَيْمٍ، قَالَا:
حَدَّثَنَا فِطْرٌ، عَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ
أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ حَجَّاجٌ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا
إِلَّا يَوْمٌ لَبَعَثَ اللَّهُ رَجُلًا مِنَّا يَمْلَؤُهَا عَدْلًا، كَمَا
مُلِئَتْ جَوْرًا ". قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: " رَجُلًا مِنِّي ".
وَقَالَ: سَمِعْتُهُ مَرَّةً يَذْكُرُهُ عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ
الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا فَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا
يَاسِينُ الْعِجْلِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَهْدِيُّ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ، يُصْلِحُهُ اللَّهُ
فِي لَيْلَةٍ ". وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي
شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْحَفَرِيِّ، عَنْ يَاسِينَ الْعِجْلِيِّ، وَلَيْسَ
هَذَا يَاسِينَ بْنَ مُعَاذٍ الزَّيَّاتَ، الزَّيَّاتُ ضَعِيفٌ، وَالْعِجْلِيُّ
أَوْثَقُ مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حُدِّثْتُ عَنْ هَارُونَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
قَالَ:قَالَ عَلِيٌّ، وَنَظَرَ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنِي
هَذَا سَيِّدٌ كَمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَسَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلٌ يُسَمَّى بَاسِمِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُشْبِهُهُ فِي الْخُلُقِ، وَلَا يُشْبِهُهُ فِي الْخَلْقِ -
ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ - يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا.
وَقَدْ عَقَدَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، كِتَابَ
الْمَهْدِيِّ مُفْرَدًا فِي
" سُنَنِهِ "، فَأَوْرَدَ
فِي صَدْرِهِ حَدِيثَ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى يَكُونَ
عَلَيْكُمُ اثَنَا عَشَرَ خَلِيفَةً، كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ
". وَفِي رِوَايَةٍ: " لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا إِلَى
اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً ". قَالَ: فَكَبَّرَ النَّاسُ وَضَجُّوا، ثُمَّ
قَالَ كَلِمَةً خَفِيَّةً، قُلْتُ لِأَبِي: مَا قَال؟ قَالَ: " كُلُّهُمْ
مِنْ قُرَيْشٍ ". وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ
أَتَتْهُ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا؟ قَالَ: " ثُمَّ يَكُونُ
الْهَرْجُ ".
ثُمَّ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي بَكْرِ
بْنِ عَيَّاشٍ، وَزَائِدَةَ، وَفِطْرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ
عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، وَهُوَ ابْنُ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ
حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ
". قَالَ زَائِدَةُ: " لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ ".
ثُمَّ اتَّفَقُوا: " حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلًا مِنِّي - أَوْ: مِنْ
أَهْلِ بَيْتِي - يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي ".
زَادَ فِي حَدِيثِ فِطْرٍ: " يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا، كَمَا
مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا ". وَقَالَ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ: " لَا
تَذْهَبُ - أَوْ: لَا تَنْقَضِي - الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبَ رَجُلٌ
مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي ". وَهَكَذَا رَوَاهُ
أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَمِنْ
حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،
كُلُّهُمْ عَنْ عَاصِمٍ، بِهِ. وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ السُّفْيَانَيْنِ، بِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأُمِّ
سَلَمَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ
الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
يَلِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي ". قَالَ
عَاصِمٌ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَوْ لَمْ
يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى
يَلِيَ " ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ تَمَّامِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنَا
عِمْرَانُ الْقَطَّانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَهْدِيُّ
مِنِّي، أَجْلَى الْجَبْهَةِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا
وَعَدَلًا، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا، يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ ".
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ،
حَدَّثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ الْحَسَنُ
بْنُ عُمَرَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ بَيَانٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ نُفَيْلٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ:سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الْمَهْدِيُّ مِنْ
عِتْرَتِي، مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ
أَبَا الْمَلِيحِ يُثْنِي عَلَى عَلِيِّ بْنِ نُفَيْلٍ، وَيَذْكُرُ عَنْهُ
صَلَاحًا. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الرَّقِّيِّ، عَنْ زِيَادِ
بْنِ بَيَانٍ، بِهِ. فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي
تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ الْمَهْدِيُّ ابْنُ الْمَنْصُورِ، مِنْ
طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ مُوسَى
الْهَاشِمِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيُّ، ثَنَا أَسْبَاطُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الضَّبِّيُّ، وَصِلَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ
سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: " الْمَهْدِيُّ مِنْ وَلَدِ الْعَبَّاسِ عَمِّي ". فَإِنَّهُ
حَدِيثٌ غَرِيبٌ، كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ، تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ
الْوَلِيدِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، قَالَ: وَلَمْ يُكْتَبْ إِلَّا عَنْ شَيْخِنَا
أَبِي إِسْحَاقَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّي، حَدَّثَنَا
مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبِي
الْخَلِيلِ، عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: يَكُونُ اخْتِلَافٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ، فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَارِبًا إِلَى مَكَّةَ، فَيَأْتِيهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ،
فَيُخْرِجُونَهُ وَهُوَ
كَارِهٌ، فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ
الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ مِنَ الشَّامِ، فَيُخْسَفُ
بِهِمْ بِالْبَيْدَاءِ; بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَإِذَا رَأَى النَّاسُ
ذَلِكَ أَتَاهُ أَبْدَالُ الشَّامِ، وَعَصَائِبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ،
فَيُبَايِعُونَهُ، ثُمَّ يَنْشَأُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، أَخْوَالُهُ كَلْبٌ،
فَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بَعْثًا، فَيَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ بَعْثُ
كَلْبٍ، وَالْخَيْبَةُ لِمَنْ لَمْ يَشْهَدْ غَنِيمَةَ كَلْبٍ، فَيَقْسِمُ
الْمَالَ، وَيَعْمَلُ فِي النَّاسِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَيُلْقِي الْإِسْلَامُ بِجِرَانِهِ إِلَى الْأَرْضِ، فَيَلْبَثُ
سَبْعَ سِنِينَ، ثُمَّ يُتَوَفَّى، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ".
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ هَارُونُ، يَعْنِي ابْنَ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ،
عَنْ هِلَالِ بْنِ عَمْرٍو، سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ وَرَاءِ النَّهْرِ، يُقَالُ
لَهُ: الْحَارِثُ. حَرَّاثٌ، عَلَى مُقَدِّمَتِهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مَنْصُورٌ.
يُوَطِّئُ - أَوْ: يُمَكِّنُ - لِآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا مَكَّنَتْ قُرَيْشٌ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَبَتْ عَلَى كُلِّ
مُؤْمِنٍ نُصْرَتُهُ ". أَوْ قَالَ: " إِجَابَتُهُ ".
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى الْمِصْرِيُّ،
وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ
عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ،
عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَمْرِو بْنِ جَابِرٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَخْرُجُ نَاسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ، فَيُوَطِّئُونَ
لِلْمَهْدِيِّ ". يَعْنِي سُلْطَانَهُ.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ
عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ،
فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ، وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: مَا نَزَالُ نَرَى
فِي وَجْهِكَ شَيْئًا تَكْرَهُهُ. فَقَالَ: " إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ
اللَّهُ لَنَا الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا، وَإِنَّ أَهْلَ بَيْتِي سَيَلْقَوْنَ
بَعْدِي بَلَاءً وَتَشْرِيدًا وَتَطْرِيدًا، حَتَّى يَأْتِيَ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ
الْمَشْرِقِ مَعَهُمْ رَايَاتٌ سُودٌ، فَيَسْأَلُونَ الْخَيْرَ، فَلَا
يُعْطَوْنَهُ، فَيُقَاتِلُونَ فَيُنْصَرُونَ، فَيُعْطَوْنَ مَا سَأَلُوا، فَلَا
يَقْبَلُونَهُ حَتَّى يَدْفَعُوهَا إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي،
فَيَمْلَؤُهَا قِسْطًا، كَمَا مَلَئُوهَا جَوْرًا، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ
مِنْكُمْ فَلْيَأْتِهِمْ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ ". فَفِي هَذَا
الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى مُلْكِ بَنِي الْعَبَّاسِ، كَمَا تَقَدَّمَ
التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ ابْتِدَاءِ دَوْلَتِهِمْ فِي سَنَةِ
ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَهْدِيَّ
يَكُونُ بَعْدَ دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ
الْبَيْتِ مِنْ ذُرِّيَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ مِنْ وَلَدِ الْحَسَنِ، لَا الْحُسَيْنِ، كَمَا
تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ
أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، وَأَحْمَدُ بْنُ
يُوسُفَ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،
عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ
الرَّحَبِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ
ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمُ ابْنُ خَلِيفَةٍ.
ثُمَّ لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ،
مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلًا لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ
". ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا لَا أَحْفَظُهُ، فَقَالَ: " فَإِذَا
رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ، وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ; فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ
اللَّهِ الْمَهْدِيُّ ". تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ
قَوِيٌّ صَحِيحٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْكَنْزِ الْمَذْكُورِ
كَنْزُ الْكَعْبَةِ، يَقْتَتِلُونَ عِنْدَهُ; لِيَأْخُذَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ
أَوْلَادِ الْخُلَفَاءِ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَرَجَ
الْمَهْدِيُّ مِنْ بِلَادِ الْمَشْرِقِ، وَقِيلَ: مِنْ مَكَّةَ. لَا مِنْ
سِرْدَابِ سَامَرَّا، كَمَا تَزْعُمُهُ الرَّافِضَةُ مِنْ أَنَّهُ مَحْبُوسٌ فِيهِ
الْآنَ، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَهَذَا مِنَ الْهَذَيَانِ،
وَقِسْطٌ كَبِيرٌ مِنَ الْخِذْلَانِ، وَهَوَسٌ شَدِيدٌ مِنَ الشَّيْطَانِ; إِذْ -
لَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا بُرْهَانَ، مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا
مَعْقُولٍ صَحِيحٍ وَلَا بَيَانٍ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ
سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ
ذُؤَيْبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ رَايَاتٌ سُودٌ، فَلَا يَرُدُّهَا
شَيْءٌ حَتَّى تُنْصَبَ بِإِيلْيَاءَ ". هَذَا - حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَهَذِهِ
الرَّايَاتُ السُّودُ لَيْسَتْ هِيَ الَّتِي أَقْبَلَ بِهَا أَبُو مُسْلِمٍ
الْخُرَاسَانِيُّ، فَاسْتَلَبَ بِهَا دَوْلَةَ بَنِي أُمَيَّةَ، فِي سَنَةِ
ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، بَلْ هِيَ رَايَاتٌ سُودٌ أُخْرَى تَأْتِي
صُحْبَةَ الْمَهْدِيِّ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَلَوِيُّ
الْفَاطِمِيُّ الْحَسَنِيُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، يُصْلِحُهُ اللَّهُ فِي لَيْلَةٍ
وَاحِدَةٍ، أَيْ: يَتُوبُ عَلَيْهِ، وَيُوَفِّقُهُ، يُلْهِمُهُ رُشْدَهُ، بَعْدَ
أَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ بِنَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ،
يَنْصُرُونَهُ، وَيُقِيمُونَ سُلْطَانَهُ، وَيُشَيِّدُونَ أَرْكَانَهُ، وَتَكُونُ
رَايَاتُهُمْ سُودًا أَيْضًا،
وَهُوَ زِيٌّ عَلَيْهِ الْوَقَارُ;
لِأَنَّرَايَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ
سَوْدَاءَ، يُقَالُ لَهَا: الْعُقَابُ. وَقَدْ رَكَّزَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ
عَلَى الثَّنِيَّةِ الَّتِي هِيَ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، حِينَ أَقْبَلَ مِنَ
الْعِرَاقِ، فَعُرِفَتْ بِهَا الثَّنِيَّةُ، فَهِيَ إِلَى الْآنِ يُقَالُ لَهَا:
ثَنِيَّةُ الْعُقَابِ. وَقَدْ كَانَتْ عِقَابًا عَلَى الْكُفَّارِ، مِنْ نَصَارَى
الشَّامِ وَالرُّومِ وَالْعَرَبِ وَالْفُرْسِ. وَأَطَّدَتْ حُسْنَ الْعَاقِبَةِ
لِعِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ وَعَدَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَرِثُوا الْأَرْضَ، مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَلِمَنْ كَانَ مَعَهُمْ وَبَعْدَهُمْ إِلَى
يَوْمِ الدِّينِ. وَكَذَلِكَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ وَكَانَ
أَسْوَدَ، وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ كَانَ مُعْتَمًّا بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ،
فَوْقَ الْبَيْضَةِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْمَهْدِيَّ الْمَوْعُودَ بِهِ يَكُونُ فِي آخِرِ
الزَّمَانِ، وَيَكُونُ أَصْلُ خُرُوجِهِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ، ثُمَّ
يَأْتِي مَكَّةَ، فَيُبَايَعُ لَهُ عِنْدَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، كَمَا ذُكِرَ
ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ أَفْرَدْتُ فِي ذِكْرِ الْمَهْدِيِّ جُزْءًا عَلَى
حِدَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ الْعُقَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ
أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ، عَنْ أَبِي صِدِّيقٍ النَّاجِيِّ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: يَكُونُ فِي أُمَّتِي الْمَهْدِيُّ إِنْ قُصِرَ فَسَبْعٌ وَإِلَّا فَتِسْعٌ
تَنْعَمُ فِيهِ أُمَّتِي نِعْمَةً لَمْ ( يَنْعَمُوا مِثْلَهَا ) قَطُّ; تُؤْتِي
الْأَرْضُ أُكُلَهَا، وَلَا تَدَّخِرُ مِنْهُ شَيْئًا، وَالْمَالُ يَوْمَئِذٍ
كُدُوسٌ، يَقُومُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: يَا مَهْدِيُّ،
أَعْطِنِي. فَيَقُولُ: خُذْ ".
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ زَيْدًا الْعَمِّيَّ،
سَمِعْتُ أَبَا الصِّدِّيقِ النَّاجِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ، قَالَ: خَشِينَا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ نَبِيِّنَا حَدَثٌ، فَسَأَلْنَا
نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ فِي أُمَّتِى
الْمَهْدِيَّ، يَخْرُجُ يَعِيشُ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا ". زَيْدٌ
الشَّاكُّ، قَالَ: قُلْنَا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: سِنِينَ. قَالَ: " فَيَجِيءُ
إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: يَا مَهْدِيُّ، أَعْطِنِى، أَعْطِنِى ".
قَالَ: فَيَحْثِي لَهُ فِي ثَوْبِهِ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَحْمِلَهُ ". هَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو الصِّدِّيقِ النَّاجِيُّ
اسْمُهُ بَكْرُ بْنُ عَمْرٍو، وَيُقَالُ: بَكْرُ بْنُ قَيْسٍ !. وَهَذَا يَدُلُّ
عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّتِهِ تِسْعُ سِنِينَ، وَأَقَلَّهَا خَمْسٌ أَوْ سَبْعٌ،
وَلَعَلَّهُ هُوَ الْخَلِيفَةُ الَّذى يَحْثُو الْمَالَ حَثْيًا وَلَا يَعُدُّهُ
عَدًّا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَفَى زَمَانِهِ تَكُونُ الثِّمَارُ كَثِيرَةً،
وَالزُّرُوعُ غَزِيرَةً، وَالْمَالُ وَافِرًا، وَالسُّلْطَانُ قَاهِرًا،
وَالدِّينُ قَائِمًا ظَاهِرًا، وَالْعَدُوُّ مَلُومًا مَخْذُولًا دَاخِرًا،
وَالْبِلَادُ آمِنَةً، وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ قَائِمًا، وَالرِّزْقُ دَارًّا
دَائِمًا.
. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا
عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي
الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا يَأْتِي عَلَيْنَا
أَمِيرٌ إِلَّا وَهُوَ شَرٌّ مِنَ الْماضِي، وَلَا عَامٌ إِلَّا وَهُوَ شَرٌّ مِنَ
الْماضِي. قَالَ: لَوْلَا شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقُلْتُ مِثْلَ مَا يَقُولُ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ أُمَرَائِكُمْ
أَمِيرًا يَحْثُو الْمالَ حَثْوًا وَلَا يَعُدُّهُ عَدًّا، يَأْتِيهِ الرَّجُلُ
فَيَسْأَلُهُ، فَيَقُولُ: خُذْ.
فَيَبْسُطُ ثَوْبَهُ، فَيَحْثُو فِيهِ ". وَبَسَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِلْحَفَةً غَلِيظَةً كَانَتْ عَلَيْهِ، يَحْكِي
صُنْعَ الرَّجُلِ، ثُمَّ جَمَعَ إِلَيْهِ أَكْنَافَهَا، قَالَ: "
فَيَأْخُذُهُ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا هَدِيَّةُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا
سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ
الْيَمَامِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: نَحْنُ، وَلَدُ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ، سَادَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، أَنَا، وَحَمْزَةُ، وَعْلِيٌّ،
وَجَعْفَرٌ، وَالْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، وَالْمَهْدِيُّ ". قَالَ شَيْخُنَا
أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ: كَذَا وَقَعَ فِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ
"، وَفِي إِسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ الْيَمَامِيُّ، وَالصَّوَابُ:
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ السُّحَيْمِيُّ.
قُلْتُ: وَكَذَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ "، وَابْنُ
أَبِي حَاتِمٍ فِي " الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ "، وَهُوَ رَجُلٌ
مَجْهُولٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُنْكَرٌ.
وَفِي " الطَّبَرَانِيِّ " مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ
قَيْسِ بْنِ جَابِرٍ الصَّدَفِيِّ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: سَيَكُونُ بَعْدِي خُلَفَاءُ، ثُمَّ
مُلُوكٌ، ثُمَّ أُمَرَاءُ، ثُمَّ جَبَابِرَةٌ، ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ
بَيْتِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا، ثُمَّ يُؤَمَّرُ
الْقَحْطَانِيُّ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا هُوَ بِدُونِهِ ".
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ ":
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ
الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْجَنَدِيُّ، عَنْ أَبَانِ
بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَزْدَادُ الْأَمْرُ إِلَّا
شِدَّةً، وَلَا الدُّنْيَا إِلَّا إِدْبَارًا، وَلَا النَّاسُ إِلَّا شُحًّا،
وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ، وَلَا الْمَهْدِيُّ
إِلَّا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ". فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ بِمُحَمَّدِ
بْنِ خَالِدٍ الْجَنَدِيِّ الصَّنْعَانِيِّ الْمُؤَذِّنِ، شَيْخِ الشَّافِعِيِّ،
وَرَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ أَيْضًا، وَلَيْسَ هُوَ بِمَجْهُولٍ كَمَا زَعَمَهُ
الْحَاكِمُ، بَلْ قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ وَثَّقَهُ، وَلَكِنْ
مِنَ الرُّوَاةِ مَنْ حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ،
عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، مُرْسَلًا، وَذَكَرَ شَيْخُنَا فِي "
التَّهْذِيبِ "، عَنْ بَعْضِهِمْ، أَنَّهُ رَأَى الشَّافِعِيَّ فِي الْمَنَامِ
وَهُوَ يَقُولُ: كَذَبَ عَلَيَّ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ،
لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثِي.
قُلْتُ: يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى مِنَ الثِّقَاتِ، لَا يُطْعَنُ فِيهِ
بِمُجَرَّدِ مَنَامٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا يَظْهَرُ فِي بَادِي الرَّأْيِ
مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا فِي إِثْبَاتِ مَهْدِيٍّ غَيْرِ
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، إِمَّا قَبْلَ نُزُولِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ، وَإِمَّا بَعْدَ
نُزُولِهِ، وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ
يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُنَافِيهَا، وَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ
أَنَّ الْمَهْدِيَّ حَقَّ الْمَهْدِيِّ هُوَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَلَا يَنْفِي
ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ مَهْدِيًّا أَيْضًا.
ذِكْرُ أَنْوَاعٍ مِنَ الْفِتَنِ وَقَعَتْ، وَسَتَكْثُرُ وَتَتَفَاقَمُ فِي آخِرِ
الزَّمَانِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ
أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَنَّهَا
قَالَتْ:اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّوْمِ
مُحْمَرًّا وَجْهُهُ، يَقُولُ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ
لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ! فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ
وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ ". وَعَقَدَ سُفْيَانُ تِسْعِينَ أَوْ مِائَةً، قِيلَ:
أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: " نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ
". وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ، بِهِ. قَالَ: وَعَقَدَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ عَشْرَةً. وَكَذَلِكَ
رَوَاهُ عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
وَقَالَ: وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ، وَالَّتِي تَلِيهَا. ثُمَّ رَوَاهُ
عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو، وَزُهَيْرِ بْنِ
حَرْبٍ، وَابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ،
عَنْ زَيْنَبَ، عَنْ حَبِيبَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ
جَحْشٍ، فَاجْتَمَعَ فِيهِ تَابِعِيَّانِ، وَرَبِيبَتَانِ،
وَزَوْجَتَانِ، أَرْبَعُ
صَحَابِيَّاتٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ
رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ ". وَعَقَدَ وُهَيْبٌ تِسْعِينَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ وُهَيْبٍ مِثْلَهُ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدَ بِنْتِ الْحَارِثِ
الْفِرَاسِيَّةِ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَتِ:اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَيْلَةً فَزِعًا، يَقُولُ: " سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَاذَا أُنْزِلَ
اللَّيْلَةَ مِنَ الْخَزَائِنِ، وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ؟ مَنْ يُوقِظُ
صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ - يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ - لِكَيْ يُصَلِّينَ، رُبَّ
كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٌ فِي الْآخِرَةِ ".
ثُمَّ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ،
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ:أَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: " هَلْ تَرَوْنَ
مَا أَرَى؟ " قَالُوا: لَا. قَالَ: " فَإِنِّي لَأَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ
خِلَالَ بُيُوتِكُمْ، كَوَقْعِ الْقَطْرِ ". وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ
حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ الْعِلْمُ، وَيُلْقَى
الشُّحُّ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ ". قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، أَيَّمَا هُوَ؟ قَالَ: " الْقَتْلُ، الْقَتْلُ ".
وَرَوَاهُ أَيْضًا، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ، وَأَبِي مُوسَى.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،
عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ،
فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا يَلْقَوْنَ مِنَ الْحَجَّاجِ، فَقَالَ: اصْبِرُوا
فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ
مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ " سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ،
وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهَذَا الْحَدِيثُ يُعَبِّرُ عَنْهُ الْعَوَامُّ،
فِيمَا يُورِدُونَهُ، بِلَفْظٍ آخَرَ: كُلَّ عَامٍ تَرْذُلُونَ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ، وَعَنْ
أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
سَتَكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا
خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ يُشْرِفُ
لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً أَوْ مُعَاذًا فَلْيَعُذْ
بِهِ ". وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ نَحْوُهُ بِأَبْسَطَ مِنْهُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،
حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ
رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْآخَرَ، حَدَّثَنَاأَنَّ الْأَمَانَةَ
نَزَلَتْ فِي جِذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ
عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ. وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: " يَنَامُ
الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا
مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ، فَيَبْقَى
أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْمَجْلِ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ
فَنَفِطَ،
فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ
شَيْءٌ، فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، وَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي
الْأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فَلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا. وَيُقَالُ
لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ، وَمَا أَظْرَفَهُ، وَمَا أَجْلَدُهُ! وَمَا فِي
قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ
زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيَّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ
عَلَيَّ الْإِسْلَامُ، وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ،
وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، بِهِ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ،
وَمِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ إِلَى جَنْبِ الْمِنْبَرِ وَهُوَ
مُسْتَقْبِلُ الْمَشْرِقِ، فَقَالَ: " أَلَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا،
مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ ". أَوْ قَالَ: " قَرْنُ
الشَّمْسِ ". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنْ
سَالِمٍ بِهِ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ
مِنْ رِوَايَةِ عَطِيَّةَ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، بِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ
الرَّجُلِ، فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
أَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: تُوشِكُونَ أَنْ يَمْلَأَ اللَّهُ أَيْدِيَكُمْ مِنَ
الْعَجَمِ - وَقَالَ عَفَّانُ مَرَّةً: مِنَ الْأَعَاجِمِ - يَكُونُونَ أُسْدًا
لَا يَفِرُّونَ، يَقْتُلُونَ مُقَاتِلَتَكُمْ، وَيَأْكُلُونَ فَيْئَكُمْ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا
تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي
الْخَلَصَةِ ". وَذُو الْخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ، الَّتِي كَانُوا
يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ،
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَدِّهِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُوشِكُ
الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ
كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَمَنْ حَضَرَهُ
فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا ". قَالَ عُقْبَةُ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ
قَالَ: يَحْسِرُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ ". وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ،
مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ، مِنَ الْوَجْهَيْنِ.
ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَاتَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
يَنْحَسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مَنْ ذَهَبٍ، يَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ،
فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ
مِنْهُمْ: لَعَلِّي أَكُونُ أَنَا الَّذِي أَنْجُو ".
ثُمَّ رَوَى مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ:
كُنْتُ وَاقِفًا مَعَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي ظِلِّ أُجُمِ " حَسَّانَ،
فَقَالَ: لَا يَزَالُ النَّاسُ مُخْتَلِفَةً أَعْنَاقُهُمْ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا،
قُلْتُ: أَجَلْ. قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ،
فَإِذَا سَمِعَ بِهِ النَّاسُ سَارُوا إِلَيْهِ، فَيَقُولُ مَنْ عِنْدَهُ: لَئِنْ
تَرَكْنَا النَّاسَ يَأْخُذُونَ مِنْهُ لَيَذْهَبُنَّ بِهِ كُلِّهِ ". قَالَ:
" فَيَقْتَتِلُونَ عَلَيْهِ، فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ
وَتِسْعُونَ ".
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ،
حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا
تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا
مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ، وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ
كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ، كُلٌّ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ،
وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ،
وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ، وَحَتَّى يَكْثُرَ
فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضُ، حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ
صَدَقَتَهُ، وَحَتَّى يَعْرِضَهُ فَيَقُولُ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ: لَا
أَرَبَ لِي بِهِ. وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ، وَحَتَّى
يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ، فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ.
وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا
النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا
لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [
الْأَنْعَامِ: 158 ]. وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ
ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ.
وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلَا يَطْعَمُهُ،
وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يَلِيطُ حَوْضَهُ فَلَا يَسْقِي فِيهِ.
وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا
يَطْعَمُهَا ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، ثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ، يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ سَعْدِ
بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ قَوْمٌ يَأْكُلُونَ
بِأَلْسِنَتِهِمْ كَمَا تَأْكُلُ الْبَقَرُ
بِأَلْسِنَتِهَا ". تَفَرَّدَ
بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، أَنَا ابْنُ
وَهْبٍ، أَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ أَبَا إِدْرِيسَ
الْخَوْلَانِيَّ، قَالَ:قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ
النَّاسِ بِكُلِّ فِتْنَةٍ كَائِنَةٍ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ السَّاعَةِ، وَمَا
بِي إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَسَرَّ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يُحَدِّثْهُ غَيْرِي، وَلَكِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ يُحَدِّثُ مَجْلِسًا
أَنَا فِيهِ عَنِ الْفِتَنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ يَعُدُّ الْفِتَنَ: " مِنْهُنَّ ثَلَاثٌ لَا يَكَدْنَ
يَذَرْنَ شَيْئًا، وَمِنْهُنَّ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ، مِنْهَا صِغَارٌ،
وَمِنْهَا كِبَارٌ ". قَالَ حُذَيْفَةُ: فَذَهَبَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ
كُلُّهُمْ غَيْرِي.
وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِذَا مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّامُ
مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا،
وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ،
وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ ". شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي
هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: كُنَّا
عِنْدَ جَابِرٍ فَقَالَ:يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ
قَفِيزٌ وَلَا دِرْهَمٌ. قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ
الْعَجَمِ، يَمْنَعُونَ ذَاكَ. ثُمَّ قَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الشَّامِ أَنْ لَا
يُجْبَى إِلَيْهِمْ دِينَارٌ وَلَا مُدْيٌ. قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ. قَالَ:
مِنْ قِبَلِ الرُّومِ، يَمْنَعُونَ ذَاكَ. قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ هُنَيْهَةً، ثُمَّ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَكُونُ
مِنْ آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثُو الْمَالَ حَثْيًا لَا يَعُدُّهُ عَدًّا
". قَالَ الْجُرَيْرِيُّ: فَقُلْتُ لِأَبِي نَضْرَةَ وَأَبِي الْعَلَاءِ:
أَتَرَيَانِهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَقَالَا: لَا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ
مِنْ حَدِيثِ الْجُرَيْرِيِّ، بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ
سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ قُبَاءَ مِنَ الْأَنْصَارِ،
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ
أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنْ طَالَتْ بِكُمْ مُدَّةٌ أَوْشَكَ أَنْ تَرَى قَوْمًا
يَغْدُونَ فِي سَخَطِ اللَّهِ، وَيَرُوحُونَ فِي لَعْنَتِهِ، فِي أَيْدِيهِمْ
مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ ". وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
الْحُبَابِ، عَنْ أَفْلَحَ بْنِ
سَعِيدٍ، بِهِ.
ثُمَّ رَوَى عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا بَعْدُ;
قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ،
وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ
كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ
رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ يَحْيَى الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا
أَبُو مُعَيْدٍ، حَدَّثَنَا مَكْحُولٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:قِيلَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَّى نَدَعُ الِائْتِمَارَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ
عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: " إِذَا ظَهَرَ فِيكُمْ مِثْلُ مَا ظَهَرَ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِذَا كَانَتِ الْفَاحِشَةُ فِي كِبَارِكُمْ، وَالْعِلْمُ فِي
رُذَّالِكُمْ، وَالْمُلْكُ فِي صِغَارِكُمْ ". وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنِ
الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ الدِّمَشْقِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ
عُبَيْدٍ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبَى مُعَيْدٍ حَفْصِ بْنِ
غَيْلَانَ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ، عَنْ عَطَاءِ
بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ضَافَ رَجُلٌ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَفِي
دَارِهِ كَلْبَةٌ مُجِحٌّ، فَقَالَتِ الْكَلْبَةُ: وَاللَّهِ لَا أَنْبَحُ ضَيْفَ
أَهْلِي. قَالَ: فَعَوَى جِرَاؤُهَا فِي بَطْنِهَا. قَالَ: قِيلَ: مَا هَذَا؟
قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ: هَذَا مَثَلُ
أُمَّةٍ تَكُونُ مِنْ بَعْدِكُمْ، يَقْهَرُ سُفَهَاؤُهَا حُلَمَاءَهَا ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا
أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي
جَارٌ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَدِمْتُ مِنْ سَفَرٍ، فَجَاءَنِي
جَابِرٌ يُسَلِّمُ عَلَيَّ، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُ عَنِ افْتِرَاقِ النَّاسِ
وَمَا أَحْدَثُوا، فَجَعَلَ جَابِرٌ يَبْكِي، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ النَّاسَ
دَخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، وَسَيَخْرُجُونَ مِنْهُ أَفْوَاجًا
".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا
ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ
حَسَنٌ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ; فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ
الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، يَبِيعُ قَوْمٌ
دِينَهُمْ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قَلِيلٍ، الْمُتَمَسِّكُ يَوْمَئِذٍ بِدِينِهِ
كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ ". أَوْ قَالَ: " عَلَى الشَّوْكِ ".
وَقَالَ حَسَنٌ فِي حَدِيثِهِ: " بِخَبَطِ الشَّوْكِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ
حَبِيبٍ الْأَزْدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ شُبَيْلِ
بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِثَوْبَانَ: " كَيْفَ أَنْتَ يَا
ثَوْبَانُ، إِذَا تَدَاعَتْ عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ كَتَدَاعِيهِمْ إِلَى قَصْعَةِ
الطَّعَامِ، يُصِيبُونَ مِنْهُ؟ " قَالَ ثَوْبَانُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا
رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا؟ قَالَ: " لَا، بَلْ أَنْتُمْ
يَوْمئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ يُلْقَى فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنُ ". قَالُوا:
وَمَا الْوَهَنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " حُبُّكُمُ الدُّنْيَا،
وَكَرَاهِيَتُكُمُ الْقِتَالَ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ وَابِصَةَ الْأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ: إِنِّي بِالْكُوفَةِ فِي دَارِي، إِذْ سَمِعْتُ عَلَى بَابِ الدَّارِ:
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَلِجُ؟ فَقُلْتُ: عَلَيْكُمُ السَّلَامُ، فَلِجْ.
فَلَمَّا دَخَلَ، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَقُلْتُ: يَا
أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَيَّةُ سَاعَةِ زِيَارَةٍ هَذِهِ؟! وَذَلِكَ فِي
نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَقَالَ: طَالَ عَلَيَّ النَّهَارُ، فَذَكَرْتُ مَنْ
أَتَحَدَّثُ إِلَيْهِ. قَالَ: فَجَعَلَ يُحَدِّثُنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُحَدِّثُهُ، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنِي، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: تَكُونُ
فِتْنَةٌ، النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمُضْطَجِعِ، وَالْمُضْطَجِعُ فِيهَا
خَيْرٌ مِنَ الْقَاعِدِ، وَالْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ،
وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ
مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ الرَّاكِبِ، وَالرَّاكِبُ خَيْرٌ مِنَ الْمُجْرِي، قَتْلَاهَا كُلُّهَا فِي النَّارِ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَتَى ذَلِكَ؟ قَالَ: " ذَلِكَ أَيَّامَ الْهَرْجِ ". قُلْتُ: وَمَتَى أَيَّامُ الْهَرْجِ؟ قَالَ: " حِينَ لَا يَأْمَنُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ ". قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: " اكْفُفْ نَفْسَكَ وَيَدَكَ، وَادْخُلْ دَارَكَ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَيَّ دَارِي؟ قَالَ: " فَادْخُلْ بَيْتَكَ ". قَالَ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنَّ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي؟ قَالَ: " فَادْخُلْ مَسْجِدَكَ، وَاصْنَعْ هَكَذَا - وَقَبَضَ بِيَمِينِهِ عَلَى الْكُوعِ - وَقُلْ: رَبِّيَ اللَّهُ. حَتَّى تَمُوتَ عَلَى ذَلِكَ ". وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ الْجَزَرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ وَابِصَةَ، عَنْ أَبِيهِ،عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، فَذَكَرَ بَعْضَ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: " قَتْلَاهَا كُلُّهُمْ فِي النَّارِ ". قَالَ فِيهِ: قُلْتُ: مَتَى ذَلِكَ يَا ابْنَ مَسْعُودٍ؟ قَالَ: " تِلْكَ أَيَّامُ الْهَرْجِ، حَيْثُ لَا يَأْمَنُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ ". قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ الزَّمَانُ؟ قَالَ: " تَكُفُّ لِسَانَكَ وَيَدَكَ، وَتَكُونُ حِلْسًا مِنْ أَحْلَاسِ بَيْتِكَ ". قَالَ - يَعْنِي وَابِصَةَ -: فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ طَارَ قَلْبِي مَطَارَهُ، فَرَكِبْتُ حَتَّى أَتَيْتُ دِمَشْقَ، فَلَقِيتُ خُرَيْمَ بْنَ فَاتِكٍ الْأَسَدِيَّ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَسَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا حَدَّثَنِيهِ ابْنُ مَسْعُودٍ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عُثْمَانَ الشَّحَّامِ،
حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ،
الْمُضْطَجِعُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْجَالِسِ، وَالْجَالِسُ خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ،
وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي ".
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: " مَنْ كَانَتْ لَهُ
إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ إِبِلَهُ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ
بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ ". قَالَ:
فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: " فَلْيَعْمِدْ إِلَى
سَيْفِهِ فَلْيَضْرِبْ بِحَدِّهِ عَلَى حَرَّةٍ، ثُمَّ لِيَنْجُ مَا اسْتَطَاعَ
النَّجَاءَ ". وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ الشَّحَّامِ بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا
الْمُفَضَّلُ، عَنْ عَيَّاشٍ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ
حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْجَعِيِّ، أَنَّهُسَمِعَ سَعْدَ بْنَ
أَبِي وَقَّاصٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي هَذَا
الْحَدِيثِ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ
بَيْتِي، وَبَسَطَ يَدَهُ لِيَقْتُلَنِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُنْ كَابْنِ آدَمَ ". وَتَلَا يَزِيدُ: لَئِنْ
بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْنُلَنِي
الْآيَةُ [ الْمَائِدَةِ: 28 ]
انْفَرَدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ
سَعْدٍ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ
بِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ عِنْدَ فِتْنَةِ
عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ
الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ
السَّاعِي ". قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي فَبَسَطَ
يَدَهُ إِلَيَّ لِيَقْتُلَنِي؟ قَالَ: " كُنْ كَابْنِ آدَمَ ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ
عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي
وَقَّاصٍ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ
اللَّيْثِ، وَزَادَ فِي الْإِسْنَادِ رَجُلًا. يَعْنِي: الْحُسَيْنَ - وَقِيلَ:
الْحُسَيْلُ - ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيُقَالُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
الْحُسَيْنِ عَنْ سَعْدٍ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ آنِفًا.
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ
بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
ثَرْوَانَ، عَنْ هُزَيْلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ
السَّاعَةِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا
مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا،
الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ
السَّاعِي، فَكَسِّرُوا قِسِيَّكُمْ، وَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ، وَاضْرِبُوا
سُيُوفَكُمْ بِالْحِجَارَةِ، فَإِنْ دَخَلَ - يَعْنِي: عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ -
فَلْيَكُنْ
كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مَرْحُومٌ، حَدَّثَنِي أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: رَكِبَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا، وَأَرْدَفَنِي خَلْفَهُ،
فَقَالَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إِنْ أَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ
شَدِيدٌ، حَتَّى لَا تَسْتَطِيعَ أَنْ تَقُومَ مِنْ فِرَاشِكَ إِلَى مَسْجِدِكَ،
كَيْفَ تَصْنَعُ؟ " قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "
تَعَفَّفْ ". قَالَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إِنْ أَصَابَ
النَّاسَ مَوْتٌ شَدِيدٌ، يَكُونُ الْبَيْتُ فِيهِ بِالْعَبْدِ - يَعْنِي: الْقَبْرَ
- كَيْفَ تَصْنَعُ؟ " قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "
اصْبِرْ ". قَالَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَ النَّاسُ
بَعْضُهُمْ بَعْضًا - يَعْنِي حَتَّى تَغْرَقَ حِجَارَةُ الزَّيْتِ مِنَ
الدِّمَاءِ - كَيْفَ تَصْنَعُ؟ " قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: " اقْعُدْ فِي بَيْتِكَ، وَأَغْلِقْ عَلَيْكَ بَابَكَ ". قَالَ:
فَإِنْ لَمْ أُتْرَكْ؟ قَالَ: " فَائْتِ مَنْ أَنْتَ مِنْهُمْ، فَكُنْ
فِيهِمْ ". قُلْتُ: فَآخُذُ سِلَاحِي؟ قَالَ: " إِذًا تُشَارِكُهُمْ
فِيمَا هُمْ فِيهِ، وَكُنْ إِنْ خَشِيتَ أَنْ يَرْدَعَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ،
فَأَلْقِ طَرْفَ رِدَائِكَ عَلَى وَجْهِكَ كَيْ يَبُوءَ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ
". هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ
مُسَدَّدٍ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادِ
بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنِ الْمُشَعَّثِ بْنِ طَرِيفٍ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، بِنَحْوِهِ ". ثُمَّ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَذْكُرِ الْمُشَعَّثَ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ
زَيْدٍ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، ثَنَا
عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثَنَا عَاصِمٌ
الْأَحْوَلُ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى يَقُولُ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّبَيْنَ
أَيْدِيكُمْ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا
وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، الْقَاعِدُ فِيهَا
خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي
فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي ". قَالُوا. فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: "
كُونُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبَى قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي
أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا
وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ مُلْكَ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَإِنِّي
أُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ; الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي
لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلَكُوا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وَلَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ
عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي،
عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً، فَإِنَّهُ
لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ
بِعَامَّةٍ، وَلَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ
فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بَيْنَ
أَقْطَارِهَا - أَوْ قَالَ: مَنْ بِأَقْطَارِهَا - حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ
يَسْبِي بَعْضًا، وَإِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي
الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ، وَإِذَا
وُضِعَ فِي أُمَّتِي السَّيْفُ لَمْ يُرْفَعْ عَنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ،
وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي
بِالْمُشْرِكِينَ، وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الْأَوْثَانَ،
وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ
أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَلَا
تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ
خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ ". وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ
أَبِي قِلَابَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْجَرْمِيِّ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ
عَمْرِو بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ ثَوْبَانَ بْنِ بُجْدُدٍ، بِنَحْوِهِ، وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا
أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ، عَنْ بَدْرِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ
رَجُلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: تَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَرْبَعُ فِتَنٍ، آخِرُهَا الْفَنَاءُ ".
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ
الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
سَالِمٍ، حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ
الْعَنْسِيِّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ:كُنَّا قُعُودًا
عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ الْفِتَنَ،
فَأَكْثَرَ فِي ذِكْرِهَا، حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الْأَحْلَاسِ، فَقَالَ قَائِلٌ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ؟ قَالَ: " هِيَ حَرَبٌ
وَهَرَبٌ، ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ،
دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ
مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي، وَلَيْسَ مِنِّي، وَإِنَّمَا
أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ، ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ
عَلَى ضِلَعٍ، ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ، لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ
الْأُمَّةِ إِلَّا لَطْمَتْهُ، حَتَّى إِذَا قِيلَ: انْقَضَتْ عَادَتْ، يُصْبِحُ
الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى
فُسْطَاطَيْنِ; فُسْطَاطِ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ، وَفُسْطَاطِ نِفَاقٍ لَا
إِيمَانَ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ ذَاكُمْ، فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ، مِنْ يَوْمِهِ
أَوْ مِنْ غَدِهِ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ
فِي " مُسْنَدِهِ "، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ، بِمِثْلِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ،
يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَيْفَ بِكُمْ وَزَمَانٍ - أَوْ: أَوْشَكَ أَنْ
يَأْتِيَ زَمَانٌ - يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً، تَبْقَى حُثَالَةٌ مِنَ
النَّاسِ قَدْ مَرَجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ، وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا
هَكَذَا ". وَشَبَّكَ بَيْنَ
أَصَابِعِهِ، فَقَالُوا: كَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "
تَأْخُذُونَ بِمَا تَعْرِفُونَ، وَتَدَعُونَ مَا تُنْكِرُونَ، تُقْبِلُونَ عَلَى
أَمْرِ خَاصَّتِكُمْ، وَتَذَرُونَ أَمْرَ عَامَّتِكُمْ ". قَالَ أَبُو
دَاوُدَ: هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ. وَهَكَذَا
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ
الصَّبَّاحِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، بِهِ. وَرَوَاهُ
أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ "، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ
يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، بِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، أَوْ مِثْلَهُ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا
الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، يَعْنِي ابْنَ أَبِي إِسْحَاقَ،
عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ أَبِي الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ:بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ ذَكَرَ الْفِتْنَةَ، أَوْ
ذُكِرَتْ عِنْدَهُ، فَقَالَ: " إِذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ قَدْ مَرَجَتْ
عُهُودُهُمْ، وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ، وَكَانُوا هَكَذَا ". وَشَبَّكَ
بَيْنَ أَصَابِعِهِ، قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ
ذَلِكَ جَعَلَنِي اللَّهُ فَدَاكَ؟ قَالَ: " الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ
عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ
بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ،
وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ
". وَهَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ
دُكَيْنٍ، بِهِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ بَكَّارٍ، عَنْ مَخْلَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي
إِسْحَاقَ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ.
قَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ، ثَنَا حَرِيزٌ،
يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ الرَّحَبِيَّ، ثَنَا رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ
الْمَقْرَائِيُّ، عَنْ أَبِي حَيٍّ، عَنْ ذِي مِخْمَرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِي حِمْيَرَ،
فَنَزَعَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ، فَجَعَلَهُ فِي قُرَيْشٍ وَ سَ يَ عُ و دُ إِلَ يْ
هِ مْ ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: هَكَذَا فِي كِتَابِ أَبِي
مُقَطَّعٌ، وَحَيْثُ حَدَّثَنَا بِهِ تَكَلَّمَ بِهِ عَلَى الِاسْتِوَاءِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ
بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ:
زِيَادٌ. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ سَتَكُونُ فِتْنَةٌ تَسْتَنْظِفُ الْعَرَبَ،
قَتْلَاهَا فِي النَّارِ، اللِّسَانُ فِيهَا أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ السَّيْفِ
". وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ أَسْوَدَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِهِ عَنِ اللَّيْثِ،
عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ زِيَادٍ،
وَهُوَ الْأَعْجَمُ، وَيُقَالُ لَهُ:
زِيَادُ سِيمِينْ كُوشَ. وَقَدْ حَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ
لَيْسَ لِزِيَادٍ هَذَا حَدِيثٌ سِوَاهُ، وَأَنَّ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ رَوَاهُ
عَنِ اللَّيْثِ فَوَقَفَهُ، وَقَدِ اسْتَدْرَكَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَلَى
الْبُخَارِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ، فَإِنَّ أَبَا دَاوُدَ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ
حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ مَرْفُوعًا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنِي
ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ
خَالِدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَتَكُونُ فِتْنَةٌ صَمَّاءُ
بَكْمَاءُ عَمْيَاءُ، مَنْ أَشْرَفَ لَهَا اسْتَشْرَفَتْ لَهُ، وَإِشْرَافُ
اللِّسَانِ فِيهَا كَوُقُوعِ السَّيْفِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ - وَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ - حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -
وَكُنْتُ جَالِسًا مَعَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ -
قَالَ: كُنَّا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا، فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُ خِبَاءَهُ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ، إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً. قَالَ: فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ، وَيَقُولُ: " أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ خَيْرًا لَهُمْ، وَيُنْذِرُهُمْ مَا يَعْلَمُهُ شَرًّا لَهُمْ، أَلَا وَإِنَّ عَافِيَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَفِتَنٌ يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، تَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي. ثُمَّ تَنْكَشِفُ، ثُمَّ تَجِئُ فَيَقُولُ: هَذِهِ هَذِهِ. ثُمَّ تَجِيءُ فَيَقُولُ: هَذِهِ، هَذِهِ. ثُمَّ تَنْكَشِفُ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتُدْرِكْهُ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَيَأْتِي إِلَى النَّاسِ مَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ، وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ ". وَقَالَ مَرَّةً: " مَا اسْتَطَاعَ ". قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَلَمَّا سَمِعْتُهَا أَدْخَلْتُ رَأْسِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ، قُلْتُ: فَإِنَّ ابْنَ عَمِّكَ مُعَاوِيَةَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ، وَأَنْ نَقْتُلَ أَنْفُسَنَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [ النِّسَاءِ: 29 ]. وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [ النِّسَاءِ: 29 ]. قَالَ: فَجَمَعَ يَدَيْهِ، فَوَضَعَهُمَا عَلَى جَبْهَتِهِ، ثُمَّ نَكَسَ هُنَيْهَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ.
قُلْتُ لَهُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا
مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ،
سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، بِهِ، وَأَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو،
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُمْ
أُمَّتِي تَهَابُ الظَّالِمَ أَنْ تَقُولَ لَهُ: إِنَّكَ ظَالِمٌ. فَقَدْ
تُوُدِّعَ مِنْهُمْ ".
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ فِي أُمَّتِي
قَذْفٌ وَخَسْفٌ وَمَسْخٌ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي أَبُو قَبِيلٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَسُئِلَ: أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا؟
الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ قَالَ: فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ
بِصُنْدُوقٍ لَهُ حِلَقٌ، قَالَ: فَأَخْرَجَ مِنْهُ كِتَابًا. قَالَ: فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ:بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَكْتُبُ إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا؟ قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ
رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلًا ". يَعْنِي الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي " التَّذْكِرَةِ ": وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ
حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " وَيَبْدَأُ الْخَرَابُ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ
حَتَّى تَخْرَبَ مِصْرُ، وَمِصْرُ آمِنَةٌ مِنَ الْخَرَابِ حَتَّى تَخْرَبَ
الْبَصْرَةُ، وَخَرَابُ الْبَصْرَةِ مِنَ الْغَرَقِ، وَخَرَابُ مِصْرَ مِنْ
جَفَافِ النِّيلِ، وَخَرَابُ مَكَّةَ مِنَ الْحَبَشَةِ، وَخَرَابُ الْمَدِينَةِ
مِنَ الْجُوعِ، وَخَرَابُ الْيَمَنِ مِنَ الْجَرَادِ، وَخَرَابُ الْأُبُلَّةِ مِنَ
الْحِصَارِ، وَخَرَابُ فَارِسَ مِنَ الصَّعَالِيكِ، وَخَرَابُ التُّرْكِ مِنَ
الدَّيْلَمِ، وَخَرَابُ الدَّيْلَمِ مِنَ الْأَرْمَنِ، وَخَرَابُ الْأَرْمَنِ مِنَ
الْخَزَرِ، وَخَرَابُ الْخَزَرِ مِنَ التُّرْكِ...، وَخَرَابُ التُّرْكِ مِنَ
الصَّوَاعِقِ، وَخَرَابُ السِّنْدِ مِنَ الْهِنْدِ، وَخَرَابُ الْهِنْدِ مِنَ
الصِّينِ، وَخَرَابُ الصِّينِ مِنَ الرَّمْلِ، وَخَرَابُ الْحَبَشَةِ مِنَ
الرَّجْفَةِ، وَخَرَابُ الزَّوْرَاءِ مِنَ السُّفْيَانِيِّ، وَخَرَابُ
الرَّوْحَاءِ مِنَ الْخَسْفِ، وَخَرَابُ الْعِرَاقِ مِنَ الْقَحْطِ ". ثُمَّ
قَالَ: ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، قَالَ: وَسَمِعْتُ أَنَّ
خَرَابَ الْأَنْدَلُسِ بِالرِّيحِ الْعَقِيمِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ،
وَأَخْلَقُ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ صَحِيحًا، بَلْ أَخْلَقُ بِهِ أَنْ يَكُونَ
مَوْضُوعًا، أَوْ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى حُذَيْفَةَ، وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ
أَيْضًا، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ فِي تَعْدَادِ الْآيَاتِ وَالْأَشْرَاطِ الْوَاقِعَةِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا خَلَفٌ، يَعْنِي ابْنَ
خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي جَنَابٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،
قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا مَكِيثًا، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَنَظَرَ إلَيَّ، فَقَالَ: سِتٌّ فِيكُمْ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ: مَوْتُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَكَأنَّمَا انْتَزَعَ قَلْبِي مِنْ مَكَانِهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاحِدَةٌ ". قَالَ: وَيَفِيضُ الْمَالُ فِيكُمْ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُعْطَى عَشَرَةَ آلَافٍ، فَيَظَلُّ يَسْخَطُهَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثِنْتَيْنِ. قَالَ: وَفِتْنَةٌ تَدْخُلُ بَيْتَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلَاثٌ ". قَالَ: وَمَوْتٌ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْبَعٌ. وَهُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ، يَجْمَعُونَ لَكُمْ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ كَقَدْرِ حَمْلِ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ يَكُونُونَ أَوْلَى بِالْغَدْرِ مِنْكُمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَمْسٌ ". قَالَ: وَفَتْحُ مَدِينَةٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سِتٌّ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُ مَدِينَةٍ ؟ قَالَ: قُسْطَنْطِينِيَّةُ ". وَهَذَا الْإِسْنَادُ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ رِجَالِهِ، وَلَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ صَحِيحٍ، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ زَبْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ بُسْرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ:أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ: " اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ، حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنَى الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ رَايَةً، تَحْتَ كُلِّ
رَايَةٍ اثَنَا عَشَرَ أَلْفًا ".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ، مِنْ حَدِيثِ
الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ: عَنِ
الْوَلِيدِ، عَنِ ابْنِ زَبْرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ
عُبَيْدِ اللَّهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَتِهِ بِسَمَاعِ ابْنِ
زَبْرٍ مِنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: فَقُلْتُ: أَدْخُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "
نَعَمْ ". قُلْتُ: كُلِّي؟ قَالَ: " نَعَمْ ". وَإِنَّمَا قُلْتُ
ذَلِكَ; مِنْ صِغَرِ الْقُبَّةِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا
صَفْوَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نَفِيرٍ، عَنْ
أَبِيهِ،عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "
عَوْفٌ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: " ادْخُلْ ". قَالَ: قُلْتُ:
كُلِّي أَوْ بَعْضِي؟ قَالَ: " بَلْ كُلُّكَ ". قَالَ: " اعْدُدْ
يَا عَوْفُ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: أَوَّلُهُنَّ مَوْتِي ". قَالَ:
فَاسْتَبْكَيْتُ حَتَّى جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُسْكِتُنِي. قَالَ: " قُلْ: إِحْدَى ". قُلْتُ: إِحْدَى. "
وَالثَّانِيَةُ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قُلِ: اثْنَتَيْنِ ". فَقُلْتُ. "
وَالثَّالِثَةُ مُوتَانٌ يَكُونُ فِي أُمَّتِي يَأْخُذُهُمْ مِثْلَ قُعَاصِ
الْغَنَمِ، قُلْ: ثَلَاثًا ". فَقُلْتُ. " وَالرَّابِعَةُ فِتْنَةٌ
تَكُونُ فِي أُمَّتِي - وَعَظَّمَهَا - قُلْ: أَرْبَعًا. وَالْخَامِسَةُ يَفِيضُ
الْمَالُ فِيكُمْ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُعْطَى الْمِائَةَ دِينَارٍ،
فَيَسْخَطُهَا، قُلْ: خَمْسًا. وَالسَّادِسَةُ: هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ، فَيَسِيرُونَ إِلَيْكُمْ عَلَى ثَمَانِينَ غَايَةً
". قُلْتُ: وَمَا الْغَايَةُ؟ قَالَ: " الرَّايَةُ، تَحْتَ كُلِّ
غَايَةٍ اثَنَا عَشَرَ
أَلْفًا، فُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ
يَؤْمَئِذٍ فِي أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا: الْغُوطَةُ، فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا:
دِمَشْقُ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى
بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَرْطَاةَ،
سَمِعْتُ جُبَيْرَ بْنَ نُفَيْرٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ فُسْطَاطَ
الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ بِالْغُوطَةِ إِلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ
يُقَالُ لَهَا: دِمَشْقُ، مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشَّامِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ النَّهَّاسِ بْنِ قَهْمٍ،
حَدَّثَنِي شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سِتٌّ مِنْ أَشْرَاطِ
السَّاعَةِ: مَوْتِي، وَفَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَمَوْتٌ يَأْخُذُ فِي
النَّاسِ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، وَفِتْنَةٌ يَدْخُلُ حَرْبُهَا بَيْتَ كُلِّ
مُسْلِمٍ، وَأَنْ يُعْطَى الرَّجُلُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَيَسْخَطُهَا، وَأَنْ
تَغْدِرَ الرُّومُ فَيَسِيرُونَ بِثَمَانِينَ بَنْدًا تَحْتَ كُلِّ بَنْدٍ اثَنَا
عَشَرَ أَلْفًا ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ وَعَفَّانُ، قَالَا:
حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ
رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ
مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ
الْأَرْضِ، وَخُوَيْصَةَ أَحَدِكُمْ،
وَأُمَرَاءَ الْعَامَّةِ ". وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: إِذَا قَالَ: "
وَأَمْرَ الْعَامَّةِ ". قَالَ: أَيْ أَمْرَ السَّاعَةِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ
مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَعَبْدِ الصَّمَدِ، كِلَاهُمَا عَنْ هَمَّامٍ،
بِهِ. ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ مُنْفَرِدًا بِهِ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ
عِمْرَانَ الْقَطَّانِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا مِثْلَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنِي
الْعَلَاءُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ
الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَالدَّابَّةَ،
وَخَاصَّةَ أَحَدِكُمْ، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ ". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ
حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَدَنِيِّ، بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ
فُرَاتٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، قَالَ:اطَّلَعَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ
السَّاعَةَ، فَقَالَ: " مَا تَذْكُرُونَ؟ " قَالُوا: نَذْكُرُ
السَّاعَةَ. فَقَالَ: " إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ:
الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا،
وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ:
خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ،
وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ
قِبَلِ عَدَنَ، تَطْرُدُ النَّاسَ
إِلَى مَحْشَرِهِمْ ". قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ
الْإِمَامِ أَحْمَدَ: سَقَطَ كَلِمَةٌ.
ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَشُعْبَةَ،
كِلَاهُمَا عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ
وَاثِلَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، أَبِي سَرِيحَةَ الْغِفَارِيِّ،
فَذَكَرَهُ، وَقَالَ فِيهِ: " وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ، تَسُوقُ
- أَوْ: تَحْشُرُ - النَّاسَ، تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتَقِيلُ
مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا ". قَالَ شُعْبَةُ: وَحَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ
رَجُلٌ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَحَدُ هَذَيْنِ
الرَّجُلَيْنِ: نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ. وَقَالَ الْآخَرُ: رِيحٌ
تُلْقِيهِمْ فِي الْبَحْرِ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَشُعْبَةَ، عَنْ
فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ
مَوْقُوفًا. وَرَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ فُرَاتٍ
الْقَزَّازِ، بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادِ
بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ
سَمْعَانَ، أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْقُرَشِيِّ الْمَدَنِيِّ مِنْ طَرِيقِهِ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ
حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ عَشْرُ آيَاتٍ كَالنَّظْمِ فِي الْخَيْطِ،
إِذَا سَقَطَ مِنْهَا وَاحِدَةٌ تَوَالَتْ: الدَّجَّالُ، وَنُزُولُ عِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ، وَفَتْحُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَالدَّابَّةُ، وَطُلُوعُ الشَّمْسِ
مِنْ مَغْرِبِهَا، وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا... ".
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. هَذَا لَفْظُهُ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، ثَنَا يُونُسُ، ثَنَا
عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ الْقَاسِمِ، ثَنَا إِيَادُ بْنُ لَقِيطٍ، عَنْ قَرَظَةَ
بْنِ حَسَّانَ، سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى مِنْبَرِ
الْبَصْرَةِ يَقُولُ:سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
السَّاعَةِ وَأَنَا شَاهِدٌ، فَقَالَ: " لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ، لَا
يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكُمْ بِمَشَارِيطِهَا،
وَمَا يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهَا، إِنَّ بَيْنَ يَدَيْهَا رَدْمًا مِنَ الْفِتَنِ،
وَهَرْجًا ". فَقِيلَ لَهُ: وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
" هُوَ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: الْقَتْلُ. وَأَنْ تَجِفَّ قُلُوبُ النَّاسِ،
وَيُلْقَى بَيْنَهُمُ التَّنَاكُرُ فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يَعْرِفُ أَحَدًا،
وَيُرْفَعُ ذَوُو الْحِجَا، وَتَبْقَى رَجْرَجَةٌ مِنَ النَّاسِ لَا تَعْرِفُ
مَعْرُوفًا، وَلَا تُنْكِرُ مُنْكَرًا ".
ذِكْرُ قِتَالِ الْمَلْحَمَةِ مَعَ
الرُّومِ الَّذِي يَكُونُ آخِرُهُ فَتْحَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ
وَعِنْدَ ذَلِكَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ، وَيَنْزِلُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ
الشَّرْقِيَّةِ بِدِمَشْقَ، وَقْتَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ
ذَلِكَ كُلِّهِ، بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ، هُوَ
الْقَرْقَسَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ،
عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ ذِي مِخْمَرٍ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تُصَالِحُونَ الرُّومَ
صُلْحًا آمِنًا، وَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِهِمْ،
فَتَسْلَمُونَ وَتَغْنَمُونَ، ثُمَّ تَنْزِلُونَ بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ، فَيَقُومُ
رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ، فَيَرْفَعُ الصَّلِيبَ، وَيَقُولُ: أَلَا غَلَبَ
الصَّلِيبُ. فَيَقُومُ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَقْتُلُهُ، فَعِنْدَ
ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ، وَتَكُونُ الْمَلَاحِمُ، فَيَجْمَعُونَ لَكُمْ،
فَيَأْتُونَكُمْ فِي ثَمَانِينَ غَايَةً، مَعَ كُلِّ غَايَةٍ عَشَرَةُ آلَافٍ
". ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ رَوْحٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، بِهِ،
وَقَالَ فِيهِ: فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ، وَيَجْمَعُونَ لِلْمَلْحَمَةِ
". وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ
الْأَوْزَاعِيِّ، بِهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، فِي " صَحِيحِ
الْبُخَارِيِّ ": فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ
غَايَةٍ اثَنَا عَشَرَ أَلْفًا ". وَهَكَذَا فِي حَدِيثِ شَدَّادٍ أَبِي
عَمَّارٍ، عَنْ مُعَاذٍ: فَيَسِيرُونَ إِلَيْكُمْ بِثَمَانِينَ بَنْدًا، تَحْتَ
كُلِّ بَنْدٍ اثَنَا عَشَرَ أَلْفًا ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ
حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ:
هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ بِالْكُوفَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ هِجِّيرَى
إِلَّا: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، جَاءَتِ السَّاعَةُ. قَالَ: وَكَانَ
مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ: إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ حَتَّى لَا يُقْسَمَ
مِيرَاثٌ، وَلَا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ. قَالَ: عَدُوٌّ يَجْمَعُونَ لِأَهْلِ
الْإِسْلَامِ، وَيَجْمَعُ لَهُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ. وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ
الشَّامِ، قُلْتُ؟ الرُّومَ تَعْنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَتَكُونُ عِنْدَ ذَاكُمُ
الْقِتَالِ رِدَّةٌ شَدِيدَةٌ. قَالَ: فَيَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً
لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ، حَتَّى يَحْجِزَ
بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ،
وَتَفْنَى
الشُّرْطَةُ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تُرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجِزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يُمْسُوا، فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ نَهَدَ إِلَيْهِمْ بَقِيَّةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَيَجْعَلُ اللَّهُ الدَّبْرَةَ عَلَيْهِمْ، فَيَقْتَتِلُونَ مَقْتَلَةً - إِمَّا قَالَ: لَا يُرَى مِثْلُهَا، وَإِمَّا قَالَ: لَمْ يُرَ مِثْلُهَا - حَتَّى إِنَّ الطَّائِرَ لَيَمُرُّ بِجَنْبَاتِهِمْ. فَمَا يُخَلِّفُهُمْ حَتَّى يَخِرَّ مَيِّتًا. قَالَ: فَيَتَعَادُّ بَنُو الْأَبِ، كَانُوا مِائَةً، فَلَا يَجِدُونَهُ بَقِيَ مِنْهُمْ إِلَّا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ، فَبِأَيِّ غَنِيمَةٍ يُفْرَحُ؟ أَوْ أَيُّ مِيرَاثٍ يُقَاسَمُ؟ قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعُوا بِبَأْسٍ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَجَاءَهُمُ الصَّرِيخُ: إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَفَهُمْ فِي ذَرَارِيِّهِمْ، فَيَرْفُضُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَيُقْبِلُونَ فَيَبْعَثُونَ عَشَرَةَ فَوَارِسَ طَلِيعَةً. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي لَأَعْلَمُ أَسْمَاءَهُمْ، وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ، وَأَلْوَانَ خُيُولِهِمْ، هُمْ خَيْرُ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ ".
تَفَرَّدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ،
فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ،
كِلَاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَمِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ
زَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ، وَمِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ،
كِلَاهُمَا عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ الْعَدَوِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ
الْعَدَوِيِّ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ، وَالْأَشْهَرُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ
مَعِينٍ أَنَّهُ تَمِيمُ بْنُ نُذَيْرٍ، وَوَثَّقَهُ. وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ
وَغَيْرُهُ: كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَتَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ فِي
تَعْدَادِ الْأَشْرَاطِ: " وَهُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ بَنِي
الْأَصْفَرِ، فَيَسِيرُونَ إِلَيْكُمْ فِي ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ
غَايَةٍ اثَنَا عَشَرَ أَلْفًا، وَفُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ فِي أَرْضٍ
يُقَالُ لَهَا: الْغُوطَةُ. فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا: دِمَشْقُ ".
رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ " مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ أَيْضًا، عَنْ
أَبَى الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: " إِنَّ فُسْطَاطَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ بِالْغُوطَةِ
إِلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا: دِمَشْقُ، مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشَّامِ
".
وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي حَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فِي فَتْحِ
الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَكَذَا حَدِيثُ أَبِي قَبِيلٍ فِي فَتْحِ رُومِيَّةَ
بَعْدَهَا أَيْضًا.
وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
مُعَلَّى بْنُ
مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ
بْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنِي سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ
حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ
جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ، فَإِذَا
تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سُبُوا مِنَّا
نُقَاتِلْهُمْ. فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا وَاللَّهِ، لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا. فَيُقَاتِلُونَهُمْ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ
اللَّهِ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا، فَيَفْتَتِحُونَ
قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا
سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ، إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ: إِنَّ الْمَسِيحَ
قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ. فَيَخْرُجُونَ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِذَا
جَاءُوا الشَّامَ خَرَجَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ، يُسَوُّونَ
الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ
فَأَمَّهُمْ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي
الْمَاءِ، فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ
اللَّهُ بِيَدِهِ، فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ ".
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ، يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ ثَوْرٍ، وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ
الدِّيلِيُّ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنْهَا
فِي الْبَرِّ، وَجَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ
اللَّهِ. قَالَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُونَ
أَلْفًا مِنْ بَنِي
إِسْحَاقَ، فَإِذَا جَاءُوهَا
نَزَلُوا، فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلَاحٍ، وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ; قَالُوا: لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا
". قَالَ ثَوْرٌ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: " الَّذِي فِي
الْبَحْرِ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّانِيَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ
أَكْبَرُ. فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الْآخَرُ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّالِثَةَ: لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ. فَيُفَرَّجُ لَهُمْ، فَيَدْخُلُوهَا
فَيَغْنَمُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْمَغَانِمَ إِذْ جَاءَهُمُ
الصَّرِيخُ، فَقَالَ: إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ، فَيَتْرُكُونَ كُلَّ شَيْءٍ
وَيَرْجِعُونَ ".
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ الرَّقِّيُّ،
حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ الْحُنَيْنِيُّ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ
أَدْنَى مَسَالِحِ الْمُسْلِمِينَ بِبَوْلَاءَ ". ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَلِيُّ، يَا عَلِيُّ، يَا عَلِيُّ ". قَالَ:
بِأَبِي وَأُمِّي. قَالَ: " إِنَّكُمْ
سَتُقَاتِلُونَ بَنِي الْأَصْفَرِ،
وَيُقَاتِلُهُمُ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِكُمْ، حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ رُوقَةُ
الْإِسْلَامِ، أَهْلُ الْحِجَازِ الَّذِينَ لَا يَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ
لَائِمٍ، فَيَفْتَتِحُونَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ،
فَيُصِيبُونَ غَنَائِمَ لَمْ يُصِيبُوا مِثْلَهَا، حَتَّى يَقْتَسِمُوا
بِالْأَتْرِسَةِ، وَيَأْتِيَ آتٍ، فَيَقُولُ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَرَجَ فِي
بِلَادِكُمْ، أَلَا وَهِيَ كِذْبَةٌ، فَالْآخِذُ نَادِمٌ، وَالتَّارِكُ نَادِمٌ
".
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ،. عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ
عُتْبَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ فَارِسَ
فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ
تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ ".
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي مُوسَى
بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ عِنْدَ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: " تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ
". فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ. قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ
مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ
إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ
فِتْنَةٍ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً
بَعْدَ فَرَّةٍ، وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ، وَخَامِسَةٌ
حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ.
ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي أَبُو شُرَيْحٍ أَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ أَنَّ الْمُسْتَوْرِدَ الْقُرَشِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ ". قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تُذْكَرُ عَنْكَ أَنَّكَ تَقُولُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَوْرِدُ: قُلْتُ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَقَالَ عَمْرٌو: لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ، إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وَأَصْبَرُ النَّاسِ عِنْدَ مُصِيبَةٍ، وَخَيْرُ النَّاسِ لِمَسَاكِينِهِمْ وَضُعَفَائِهِمْ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّومَ يُسْلِمُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَلَعَلَّ فَتْحَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ يَكُونُ عَلَى يَدَيْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ، كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّهُ يَغْزُوهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ، وَالرُّومُ مِنْ سُلَالَةِ الْعِيصِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَهُمْ أَوْلَادُ عَمِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، فَالرُّومُ يَكُونُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَيْرًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِنَّ الدَّجَّالَ يَتْبَعُهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ، فَهُمْ أَنْصَارُ الدَّجَّالِ، وَهَؤُلَاءِ أَعْنِي الرُّومَ، قَدْ مُدِحُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَعَلَّهُمْ يُسْلِمُونَ عَلَى يَدَيِ الْمَسِيحِ ابْنِ مَرْيَمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: " مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ ". وَقَوَّى ذَلِكَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي
أُوَيْسٍ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: سَتُقَاتِلُونَ بَنِي الْأَصْفَرِ، وَيُقَاتِلُهُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ أَهْلُ الْحِجَازِ، حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ
الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَرُومِيَّةَ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ، فَيَنْهَدِمَ
حِصْنُهَا فَيُصِيبُونَ مَالًا لَمْ يُصِيبُوا مِثْلَهُ قَطُّ، حَتَّى إِنَّهُمْ
يَقْتَسِمُونَ بِالْأَتْرِسَةِ، ثُمَّ يَصْرُخُ صَارِخٌ: يَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ،
الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ فِي بِلَادِكُمْ وَذَرَارِيِّكُمْ. فَيَنْفَضُّ النَّاسُ
عَنِ الْمَالِ، مِنْهُمُ الْآخِذُ، وَمِنْهُمُ التَّارِكُ، الْآخِذُ نَادِمٌ،
وَالتَّارِكُ نَادِمٌ، فَيَقُولُونَ: مَنْ هَذَا الصَّارِخُ؟ وَلَا يَعْلَمُونَ
مَنْ هُوَ فَيَقُولُونَ: ابْعَثُوا طَلِيعَةً إِلَى إِيلِيَاءَ، فَإِنْ يَكُنِ
الْمَسِيحُ قَدْ خَرَجَ فَسَيَأْتُونَكُمْ بِعِلْمِهِ. فَيَأْتُونَ،
فَيَنْظُرُونَ، فَلَا يُرَوْنَ شَيْئًا، وَيَرَوْنَ النَّاسَ سَاكِتِينَ
فَيَقُولُونَ: مَا صَرَخَ الصَّارِخُ إِلَّا لِنَبَأٍ عَظِيمٍ، فَاعْتَزِمُوا،
ثُمَّ ارْتَضُوا، فَيَعْتَزِمُونَ أَنْ نَخْرُجَ بِأَجْمَعِنَا إِلَى إِيلِيَاءَ،
فَإِنْ يَكُنِ الدَّجَّالُ خَرَجَ نُقَاتِلْهُ بِأَجْمَعِنَا، حَتَّى يَحْكُمَ
اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى فَإِنَّهَا بِلَادُكُمْ
وَعَشَائِرُكُمْ إِنْ رَجَعْتُمْ إِلَيْهَا.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ بَهَاءُ الدِّينِ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي كِتَابِهِ "
الْمُسْتَقْصَى فِي فَضَائِلِ الْأَقْصَى " بِسَنَدٍ لَهُ عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، أَنَّهُ
قَالَ: إِنَّ مَدِينَةَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ شَمَتَتْ بِخَرَابِ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ، يَعْنِي زَمَنَ بُخْتُ نَصَّرَ، فَتَعَزَّزَتْ وَتَجَبَّرَتْ
وَشَمَخَتْ، فَسَمَّاهَا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، الْعَاتِيَةَ الْمُسْتَكْبِرَةَ;
وَذَلِكَ أَنَّهَا قَالَتْ مَعَ شَمَاتَتِهَا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ. إِنْ يَكُنْ
عَرْشُ رَبِّي عَلَى الْمَاءِ، فَقَدْ بُنِيتُ أَنَا عَلَى الْمَاءِ، فَغَضِبَ
اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا، وَوَعَدَهَا الْعَذَابَ وَالْخَرَابَ وَقَالَ
لَهَا: حَلَفْتُ يَا مُسْتَكْبِرَةُ
لِمَا قَدْ عَتَيْتِ عَنْ أَمْرِي وَتَجَبَّرْتِ، لَأَبْعَثَنَّ عَلَيْكِ عِبَادًا
لِي مُؤْمِنِينَ مِنْ مَسَاكِنِ سَبَأٍ، ثُمَّ لَأُشَجِّعَنَّ قُلُوبَهُمْ حَتَّى
أَدَعَهَا كَقُلُوبِ الْأُسْدِ الضَّارِيَةِ، وَلَأَجْعَلَنَّ صَوْتَ أَحَدِهِمْ
عِنْدَ الْبَأْسِ كَصَوْتِ الْأَسَدِ حِينَ يَخْرُجُ مِنَ الْغَابَةِ، ثُمَّ
لَأُرْعِبَنَّ قُلُوبَ أَهْلِكِ كَرُعْبِ الْعُصْفُورِ، ثُمَّ لَأَنْزِعَنَّ
عَنْكِ حُلِيَّكِ وَدِيبَاجَكِ وَرِيَاشَكِ، ثُمَّ لَأَتْرُكُنَّكِ جَلْحَاءَ
قَرْعَاءَ صَلْعَاءَ; فَإِنَّهُ طَالَ مَا أُشْرِكَ بِي فِيكِ، وَعُبِدَ غَيْرِي،
وَافْتُرِيَ عَلَيَّ، وَأَمْهَلْتُكِ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ خِزْيُكِ،
فَلَا تَسْتَعْجِلِي يَا عَاتِيَةُ فَإِنَّهُ لَنْ يَفُوتَنِي شَيْءٌ أُرِيدُهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَبَّاسِ
الشَّامِيُّ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ قَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ: أَرَاهُ عَنْ هُزَيْلٍ،
قَالَ: قَامَ حُذَيْفَةُ فِي دَارِ عَامِرِ بْنِ حَنْظَلَةَ فِيهَا الْيَمَنِيُّ
وَالْمُضَرِيُّ، فَقَالَ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى مُضَرَ يَوْمٌ لَا يَدَعُونَ
لِلَّهِ عَبْدًا يَعْبُدُهُ إِلَّا قَتَلُوهُ، أَوْ لَيُضْرَبُنَّ ضَرْبًا لَا
يَمْنَعُونَ ذَنَبَ تَلْعَةٍ ". فَقِيلَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تَقُولُ
هَذَا لِقَوْمِكَ - أَوْ: لِقَوْمٍ أَنْتَ مِنْهُمْ - فَقَالَ: لَا أَقُولُ إِلَّا
مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ
جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ، عَنْ
مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ:قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عُمْرَانُ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ، وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ،
وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَفَتْحُ
الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ ". قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ
عَلَى فَخْذِ الَّذِي حَدَّثَهُ أَوْ مَنْكِبِهِ، ثُمَّ قَالَ " إِنَّ هَذَا
لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ هَاهُنَا ". أَوْ: " كَمَا أَنَّكَ قَاعِدٌ
". يَعْنِي مُعَاذًا.
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ عَبَّاسٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ
هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ، بِهِ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ وَحَدِيثٌ حَسَنٌ، وَعَلَيْهِ نُورُ الصِّدْقِ
وَجَلَالَةُ النُّبُوَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَدِينَةَ تَخْرَبُ
بِالْكُلِّيَّةِ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ،
كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ
عِمَارَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَبَبًا فِي خَرَابِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ;
لِأَنَّ النَّاسَ يَرْحَلُونَ مِنْهَا إِلَى الشَّامِ لِأَجْلِ الرِّيفِ
وَالرُّخْصِ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ
الدَّجَّالَ لَا يَدْخُلُهَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ مَا عَلَى أَنْقَابِهَا مِنَ
الْمَلَائِكَةِ، بِأَيْدِيهِمُ السُّيُوفُ الْمُصْلَتَةُ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ نُعَيْمٍ
الْمُجْمِرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْمَدِينَةُ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا
الدَّجَّالُ ". وَفِي " جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ " أَنَّ الْمَسِيحَ
ابْنَ مَرْيَمَ إِذَا مَاتَ يُدْفَنُ فِي الْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ.
وَقَدْ قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنِي
عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ،
عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَبْلُغُ
الْمَسَاكِنُ إِهَابَ ". أَوْ: " يِهَابَ ". قَالَ زُهَيْرٌ:
قُلْتُ لِسُهَيْلٍ: فَكَمْ ذَلِكَ مِنَ الْمَدِينَةِ؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا
مِيلًا.
فَهَذِهِ الْعِمَارَةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ قَبْلَ عِمَارَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،
وَقَدْ تَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ بِدَهْرٍ، ثُمَّ تَخْرَبُ بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا
دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي سَنُورِدُهَا.
وَقَدْ رَوَى الْقُرْطُبِيُّ، مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ
لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَلَى الْمِنْبَرِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَخْرُجُ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْهَا، ثُمَّ يَعُودُونَ إِلَيْهَا فَيُعَمِّرُونَهَا
حَتَّى تَمْتَلِئَ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهَا
أَبَدًا ".
وَفِي حَدِيثٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، مَرْفُوعًا مِثْلُهُ، وَزَادَ: "
وَلَيَدَعُنَّهَا وَهِيَ خَيْرُ مَا تَكُونُ، مُونِعَةً ". قِيلَ: فَمَنْ
يَأْكُلُهَا؟ قَالَ: " الطَّيْرُ وَالسِّبَاعُ ".
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ "، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَتْرُكُونَ الْمَدِينَةَ عَلَى خَيْرِ
مَا كَانَتْ، لَا يَغْشَاهَا إِلَّا الْعَوَافِي - يُرِيدُ عَوَافِي السِّبَاعِ
وَالطَّيْرِ -
ثُمَّ يَخْرُجُ رَاعِيَانِ مِنْ
مُزَيْنَةَ يُرِيدَانِ الْمَدِينَةَ يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا، فَيَجِدَانِهَا
وَحْشًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا
".
وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ أَشْيَاءَ، إِلَّا أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ: مَا يُخْرِجُ أَهْلَ
الْمَدِينَةِ مِنْهَا؟ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "
يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَنِصْفُ ثَمَرِهَا زَهْوٌ، وَنِصْفُهُ رُطَبٌ ". قِيلَ:
مَا يُخْرِجُهُمْ مِنْهَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: أُمَرَاءُ السُّوءِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُفَيْلٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ
يُونُسَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ سُفْيَانَ
الْغَسَّانِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُطْبٍ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ،
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: الْمَلْحَمَةُ الْكُبْرَى، وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَخُرُوجُ
الدَّجَّالِ فِي سَبْعَةِ أَشْهُرٍ ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ
الْمُبَارَكِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ بِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ لَا
نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي الْبَابِ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ
جَثَّامَةَ،
وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ،
وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ
مُسْلِمٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ،
بِهِ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَاللَّفْظُ لَهُ: حَدَّثَنَا
حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ بَحِيرِ بْنِ
سَعْدٍ، عَنْ خَالِدٍ، هُوَ ابْنُ مَعْدَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي بِلَالٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَ الْمَلْحَمَةِ وَفَتْحِ الْمَدِينَةِ سِتُّ سِنِينَ،
وَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي السَّابِعَةِ ". وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بَقِيَّةَ، بِهِ.
وَهَذَا مُشْكِلٌ مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ
أَوَّلِ الْمَلْحَمَةِ وَآخِرِهَا سِتُّ سِنِينَ، وَيَكُونُ بَيْنَ آخِرِهَا
وَفَتْحِ الْمَدِينَةِ، وَهَيَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ،
بِحَيْثُ يَكُونُ ذَلِكَ مَعَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ فِي سَبْعَةِ أَشْهُرٍ،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو
دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
قَالَ: فَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ مَعَ قِيَامِ السَّاعَةِ. قَالَ مَحْمُودٌ:
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَالْقُسْطَنْطِينِيَّةُ هِيَ مَدِينَةُ الرُّومِ تُفْتَحُ
عِنْدَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ، وَالْقُسْطَنْطِينِيَّةُ قَدْ فُتِحَتْ فِي زَمَانِ
بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هَكَذَا قَالَ إِنَّهَا فُتِحَتْ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ;
فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَيْهَا ابْنَهُ يَزِيدَ فِي جَيْشٍ فِيهِمْ أَبُو
أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَّفِقْ لَهُ فَتْحُهَا، وَحَاصَرَهَا
مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فِي زَمَانِ دَوْلَتِهِمْ،
وَلَمْ يَفْتَحْهَا أَيْضًا، وَلَكِنْ صَالَحَهُمْ عَلَى بِنَاءِ مَسْجِدٍ بِهَا،
كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ مَبْسُوطًا. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
ذُكْرُ خُرُوجِ الدَّجَّالِ بَعْدَ وُقُوعِ الْمَلْحَمَةِ الرُّومِيَّةِ وَفَتْحِ
الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ
وَلْنَذْكُرْ قَبْلَ ذَلِكَ مُقَدِّمَةً فِيمَا وَرَدَ فِي ذِكْرِ الْكَذَّابِينَ
الدَّجَّالِينَ الَّذِينَ هُمْ كَالْمُقَدِّمَةِ بَيْنَ يَدِيِ الدَّجَّالِ
الْكَبِيِرِ خَاتَمِهِمْ، قَبَّحَهُ اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ، وَجَعَلَ نَارَ
الْجَحِيمِ مُنْقَلَبَهُمْ وَمَثْوَاهُمْ.
رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَغَيْرِهِ،
عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّبَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ
كَذَّابِينَ ". قَالَ جَابِرٌ: فَاحْذَرُوهُمْ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ،
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ
كَذَّابُونَ،
مِنْهُمْ صَاحِبُ الْيَمَامَةِ،
وَمِنْهُمْ صَاحِبُ صَنْعَاءَ الْعَنْسِيُّ، وَمِنْهُمْ صَاحِبُ حِمْيَرَ،
وَمِنْهُمُ الدَّجَّالُ، وَهُوَ أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً ". قَالَ جَابِرٌ:
وَبَعْضُ أَصْحَابِي يَقُولُ: قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كَذَّابًا. تَفَرَّدَ بِهِ
أَحْمَدُ.
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ
شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ
حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ، كُلٌّ
يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ". وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ بِطُولِهِ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي
الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ
دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ، كُلٌّ يَزْعُمُ أَنَّهُ
رَسُولُ اللَّهِ ".
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا
مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: "
يَنْبَعِثُ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، سَمِعْتُ الْعَلَاءَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ ثَلَاثُونَ دَجَّالُونَ،
كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَيَفِيضُ
الْمَالُ فَيَكْثُرُ، وَتَظْهَرُ
الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ ". قَالَ: قِيلَ: أَيُّمَا الْهَرْجُ؟
قَالَ: " الْقَتْلُ الْقَتْلُ " ثَلَاثًا. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ
هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنِ الْعَلَاءِ بِهِ.
وَمِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ دَجَّالًا كَذَّابًا،
كُلُّهُمْ يَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا خِلَاسٌ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ دَجَّالِينَ كَذَّابِينَ،
كُلُّهُمْ يَقُولُ: أَنَا نَبِيٌّ، أَنَا نَبِيٌّ ". وَهَذَا إِسْنَادٌ
جَيِّدٌ حَسَنٌ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ أَيْضًا.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ،
حَدَّثَنَا سَلَامَانُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الْأَصْبَحِيِّ،
سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ،
يَأْتُونَكُمْ بِبِدَعٍ مِنَ الْحَدِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا
آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يَفْتِنُوكُمْ ".
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْحَسَنِ الْأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا
هَارُونُ بْنُ صَالِحٍ الْهَمْدَانِيُّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
عَنْ أَبِي الْجُلَاسِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهِ
السَّبَائِيِّ: وَيْلَكَ، وَاللَّهِ مَا أَفْضَى إِلَيَّ بِشَيْءٍ كَتَمْتُهُ
أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ
ثَلَاثِينَ كَذَّابًا ". وَإِنَّكَ لَأَحَدُهُمْ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ
أَبِي بُكَيْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، بِهِ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي
أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ كَذَّابُونَ، كُلُّهُمْ
يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، لَا نَبِيَّ بَعْدِي
". الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، حَدَّثَنَا إِيَادٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ نُعْمٍ، أَوْ نُعَيْمٍ الْأَعْرَجِيِّ، شَكَّ أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ:
سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الْمُتْعَةِ - وَأَنَا عِنْدَهُ - مُتْعَةِ
النِّسَاءِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَانِينَ وَلَا مُسَافِحِينَ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ
لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
لَيَكُونَنَّ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ،
وَكَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ، أَوْ
أَكْثَرُ ". وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِنَحْوِهِ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ،
وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ
الْكُوفَةِ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ عَنِ الْمُخْتَارِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنْ
كَانَ كَمَا تَقُولُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ ثَلَاثِينَ دَجَّالًا
كَذَّابًا ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَكِنْ قَالَ: "
سَبْعُونَ ". قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا
وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ فِي أُمَّتِي لَنَيِّفًا وَسَبْعِينَ
دَاعِيًا، كُلُّهُمْ دَاعٍ إِلَى النَّارِ، لَوْ أَشَاءُ لَأَنْبَأْتُكُمْ
بِأَسْمَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ". وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا بَأْسَ بِهِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِهِ حَدِيثًا فِي الْكَرْعِ وَالشُّرْبِ بِالْيَدِ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ بِشْرٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ قَبْلَ خُرُوجِ
الدَّجَّالِ نَيِّفٌ عَلَى سَبْعِينَ دَجَّالًا ". فِيهِ غَرَابَةٌ،
وَالَّذِي فِي الصِّحَاحِ أَثْبَتُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي
بَكْرَةَ، قَالَ:أَكْثَرَ النَّاسُ فِي مُسَيْلِمَةَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْئًا، فَقَامَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا، فَقَالَ: " أَمَّا
بَعْدُ، فَفِي شَأْنِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي قَدْ أَكْثَرْتُمْ فِيهِ، وَإِنَّهُ
كَذَّابٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كَذَّابًا، يَخْرُجُونَ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ،
وَإِنَّهُ لَيْسَ بَلَدٌ إِلَّا يَبْلُغُهَا رُعْبُ الْمَسِيحِ إِلَّا
الْمَدِينَةَ; عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْ نِقَابِهَا مَلَكَانِ يَذُبَّانِ عَنْهَا
رُعْبَ الْمَسِيحِ ".
وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ
عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ،
أَنَّ عِيَاضَ بْنَ مُسَافِعٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، فَذَكَرَهُ،
وَقَالَ فِيهِ: فَإِنَّهُ كَذَّابٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كَذَّابًا، يَخْرُجُونَ قَبْلَ
الدَّجَّالِ، وَإِنَّهُ لَيْسَ بَلَدٌ
إِلَّا يَدْخُلُهُ رُعْبُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ إِلَّا الْمَدِينَةَ; عَلَى
كُلِّ نَقْبٍ مِنْ نِقَابِهَا يَوْمَئِذٍ مَلَكَانِ يَذُبَّانِ عَنْهَا رُعْبَ
الْمَسِيحِ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيُّ، وَهُوَ
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ
أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً، يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ،
وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ
فِيهَا الْخَائِنُ، وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ ". قِيلَ: وَمَا
الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: " الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ
". وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ثَنَا
مُعَاذٌ. يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ
يَدِهِ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ
دَجَّالُونَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ، مِنْهُمْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَإِنِّي خَاتَمُ
النَّبِيِّينَ، لَا نَبِيَّ بَعْدِي ".
الْكَلَامُ عَلَى أَحَادِيثِ
الدَّجَّالِ
قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِيُّ، أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي
يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ
عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ انْطَلَقَ
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ قِبَلَ ابْنِ
صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدَهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِي
مَغَالَةَ، وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ الْحُلُمَ، فَلَمْ يَشْعُرْ
حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهْرَهُ
بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ
صَيَّادٍ: " أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ " فَنَظَرَ إِلَيْهِ
ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الْأُمِّيِّينَ، فَقَالَ ابْنُ
صَيَّادٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَشْهَدُ أَنِّي
رَسُولُ اللَّهِ؟ فَرَفَضَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ: " آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ ". ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَاذَا تَرَى؟ " قَالَ
ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُلِّطَ عَلَيْكَ الْأَمْرُ ".
ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
إِنِّي قَدْ خَبَّأْتُ لَكَ خَبِيئًا ". فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ
الدُّخُّ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ
". فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ذَرْنِي يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ يَكُنْهُ قُلْنَ تَسَلَّطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ
يَكُنْهُ فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ ". وَقَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ
الْأَنْصَارِيُّ إِلَى النَّخْلِ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ حَتَّى إِذَا
دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخْلَ طَفِقَ
يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنَ ابْنِ صَيَّادٍ
شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ابْنُ صَيَّادٍ، فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشٍ فِي قَطِيفَةٍ، لَهُ
فِيهَا زَمْزَمَةٌ، فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، فَقَالَتْ لِابْنِ
صَيَّادٍ: يَا صَافِ - وَهُوَ اسْمُ ابْنِ صَيَّادٍ - هَذَا مُحَمَّدٌ. فَثَارَ
ابْنُ صَيَّادٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ ".
قَالَ سَالِمٌ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ
أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: إِنِّي لَأُنْذِرُكُمُوهُ، مَا مِنْ
نَبِيٍّ إِلَّا
وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ
أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ
نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ، تَعَلَّمُوا أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ ".
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ، أَنَّهُ
أَخْبَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حَذَّرَ
النَّاسَ الدَّجَّالَ: " إِنَّهُمَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ،
يَقْرَؤُهُ مَنْ كَرِهَ عَمَلَهُ، أَوْ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ".
وَقَالَ: تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
حَتَّى يَمُوتَ ". وَأَصْلُ الْحَدِيثِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، بِنَحْوِهِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ
الدَّجَّالَ بَيْنَ ظَهَرَانَيِ النَّاسِ فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى
لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلَا وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ
الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِئَةٌ ". وَلِمُسْلِمٍ مِنْ
حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ
أُمَّتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ
بِأَعْوَرَ، وَمَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، بِنَحْوِهِ.
قَالَ مُسْلِمٌ: وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ،
مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ ". ثُمَّ تَهَجَّاهَا كَ فَ رَ، "
يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ،
عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَمْ
يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا وَصَفَ الدَّجَّالَ لِأُمَّتِهِ، وَلَأَصِفَنَّهُ صِفَةً
لَمْ يَصِفْهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي، إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
لَيْسَ بِأَعْوَرَ " لَمْ يُخْرِجُوهُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الدَّجَّالُ
أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى، جُفَالُ الشَّعْرِ، مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ،
فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ ".
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ،
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَأَنَا
أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ، مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ;
أَحَدُهُمَا رَأْيَ الْعَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ، وَالْآخَرُ رَأْيَ الْعَيْنِ نَارٌ
تَأَجَّجُ، فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ
نَارًا وَلِيُغَمِّضْ، ثُمَّ لِيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ، فَيَشْرَبَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ
مَاءٌ بَارِدٌ، وَإِنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ
الْعَيْنِ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ
غَلِيظَةٌ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ،
كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ ".
ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ
رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
بِنَحْوِهِ.
قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
أَبِي التَّيَّاحِ، سَمِعْتُ صَخْرًا يُحَدِّثُ عَنْ سُبَيْعٍ قَالَ: أَرْسَلُونِي
مِنْ مَاءٍ إِلَى الْكُوفَةِ أَشْتَرِي الدَّوَابَّ فَأَتَيْنَا الْكُنَاسَةَ،
فَإِذَا رَجُلٌ عَلَيْهِ جَمْعٌ، فَأَمَّا صَاحِبِي فَانْطَلَقَ إِلَى
الدَّوَابِّ، وَأَمَّا أَنَا فَأَتَيْتُهُ، فَإِذَا حُذَيْفَةُ،فَسَمِعْتُهُ
يَقُولُ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْخَيْرِ، وَأَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، هَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: " نَعَمْ ".
قُلْتُ: فَمَا الْعِصْمَةُ مِنْهُ؟ قَالَ: " السَّيْفُ ".
قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "
ثُمَّ تَكُونُ هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ ". قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ:
" ثُمَّ تَكُونُ دُعَاةُ الضَّلَالَةِ، فَإِنْ رَأَيْتَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةً
فِي الْأَرْضِ فَالْزَمْهُ، وَإِنْ نَهَكَ جِسْمَكَ، وَأَخَذَ مَالَكَ، فَإِنْ
لَمْ تَرَهُ فَاهْرُبْ فِي الْأَرْضِ، وَلَوْ أَنْ تَمُوتَ وَأَنْتَ عَاضٌّ
بِجِذْلِ شَجَرَةٍ ". قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: " ثُمَّ
يَخْرُجُ الدَّجَّالُ ". قَالَ: قُلْتُ: فَبِمَ يَجِيءُ بِهِ مَعَهُ؟ قَالَ:
" بِنَهْرٍ - أَوْ قَالَ: مَاءٍ وَنَارٍ - فَمَنْ دَخَلَ نَهْرَهُ حَبِطَ
أَجْرُهُ، وَوَجَبَ وَزِرُهُ، وَمَنْ دَخَلَ نَارَهُ وَجَبَ أَجْرُهُ، وَحَبِطَ
وِزْرُهُ ". قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: " لَوْ أَنْتَجْتَ فَرَسًا
لَمْ تُرْكَبْ فُلُوُّهَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ". وَرَوَى
الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
أَلَاأُخْبِرُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ حَدِيثًا مَا حَدَّثَهُ نَبِيٌّ قَوْمَهُ؟
إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّهُ يَجِيءُ مَعَهُ مِثْلُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ،
فَالَّتِي يَقُولُ إِنَّهَا الْجَنَّةُ، هِيَ النَّارُ، وَإِنِّي أَنْذَرْتُكُمْ
بِهِ، كَمَا أَنْذَرَ بِهِ نُوحٌ قَوْمَهَ ".
وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: رَأَيْتُ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ "
الدَّجَّالُ، فَقُلْتُ: أَتَحْلِفُ بِاللَّهِ؟ قَالَ؟ إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ
يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ،أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَقِيَ ابْنَ صَيَّادٍ فِي
بَعْضِ طُرُقِ
الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ
عُمَرَ قَوْلًا أَغْضَبَهُ، فَانْتَفَخَ حَتَّى مَلَأَ السِّكَّةَ - وَفِي
رِوَايَةٍ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ نَخَرَ كَأَشَدِّ نَخِيرِ حِمَارٍ يَكُونُ،
وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ ضَرَبَهُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عَصَاهُ - ثُمَّ دَخَلَ عَلَى
أُخْتِهِ حَفْصَةَ، فَقَالَتْ لَهُ: مَا أَرَدْتَ مِنَ ابْنِ صَيَّادٍ؟ أَمَا
عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "
إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا ".
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: ابْنُ صَيَّادٍ كَانَ بَعْضُ الصِّحَابَةِ يَظُنُّهُ
الدَّجَّالَ الْأَكْبَرَ، وَلَيْسَ بِهِ، إِنَّمَا كَانَ دَجَّالًا مِنَ
الدَّجَاجِلَةِ صَغِيرًا. وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَحِبَ
أَبَا سَعِيدٍ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَأَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ
تَبَرَّمَ إِلَيْهِ مِمَّا تَقُولُ النَّاسُ فِيهِ إِنَّهُ الدَّجَّالُ، ثُمَّ
قَالَ لِأَبِي سَعِيدٍ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ ". وَقَدْ وُلِدْتُ
بِهَا، " وَإِنَّهُ لَا يُولَدُ لَهُ ". وَقَدْ وُلِدَ لِي، "
وَإِنَّهُ كَافِرٌ ". وَأَنَا قَدْ أَسْلَمْتُ؟ ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ:
وَمَعَ هَذَا إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ، وَأَيْنَ مَكَانُهُ، وَلَوْ عُرِضَ
عَلَيَّ أَنْ أَكُونَ إِيَّاهُ لَمَا كَرِهْتُ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُتَعَالِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ،
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنْ أَبِي
الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:ذُكِرَ ابْنُ صَيَّادٍ عِنْدَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا
يَمُرُّ بِشَيْءٍ إِلَّا كَلَّمَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا سَعِيدٌ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنِي مَهْدِيُّ
بْنُ
عِمْرَانَ الْمَازِنِيُّ،سَمِعْتُ
أَبَا الطُّفَيْلِ، وَسُئِلَ هَلْ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: هَلْ كَلَّمْتَهُ؟ قَالَ: لَا،
وَلَكِنِّي رَأَيْتُهُ انْطَلَقَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، وَمَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مَسْعُودٍ وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى أَتَى دَارًا قَوْرَاءَ،
فَقَالَ: " افْتَحُوا هَذَا الْبَابَ ". فَفَتَحُوا، وَدَخَلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَخَلْتُ مَعَهُ، فَإِذَا قَطِيفَةٌ
فِي وَسَطِ الْبَيْتِ، فَقَالَ: " ارْفَعُوا هَذِهِ الْقَطِيفَةَ ".
فَرَفَعُوهَا، فَإِذَا غُلَامٌ أَعْوَرُ تَحْتَ الْقَطِيفَةِ، فَقَالَ: "
قُمْ يَا غُلَامُ ". فَقَامَ الْغُلَامُ. فَقَالَ: " يَا غُلَامُ،
أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ". فَقَالَ الْغُلَامُ: أَشْهَدُ أَنِّي
رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: " أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ".
فَقَالَ الْغُلَامُ: أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ شَرٍّ
هَذَا " مَرَّتَيْنِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ لَيْسَ بِالدَّجَّالِ الَّذِي يَخْرُجُ فِي
آخِرِ الزَّمَانِ قَطْعًا; لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْفِهْرِيَّةِ،
فَإِنَّهُ فَيْصَلٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فِي الدَّجَّالِ
قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ
الْوَارِثِ، وَحَجَّاجُ
ابْنُ الشَّاعِرِ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَاللَّفْظُ لِعَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيُّ، شَعْبُ هَمْدَانَ، أَنَّهُسَأَلَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أُخْتَ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ، فَقَالَ: حَدِّثِينِي حَدِيثًا سَمِعْتِيهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُسْنِدِيهِ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ. فَقَالَتْ: لَئِنْ شِئْتَ لَأَفْعَلَنَّ. فَقَالَ لَهَا: أَجَلْ، حَدِّثِينِي. فَقَالَتْ: نَكَحْتُ ابْنَ الْمُغِيرَةِ، وَهُوَ مِنْ خِيَارِ شَبَابِ قُرَيْشٍ يَوْمَئِذٍ، فَأُصِيبَ فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا تَأَيَّمْتُ خَطَبَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَطَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَوْلَاهُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَكُنْتُ قَدْ حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ أُسَامَةَ ". فَلَمَّا كَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ؟ أَمْرِي بِيَدِكَ، فَأَنْكِحْنِي مَنْ شِئْتَ. فَقَالَ: " انْتَقِلِي إِلَى أُمِّ شَرِيكٍ ". وَأُمُّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ غَنِيَّةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَظِيمَةُ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَنْزِلُ عَلَيْهَا الضِّيفَانُ. فَقُلْتُ: سَأَفْعَلُ. فَقَالَ: " لَا تَفْعَلِي; إِنَّ أُمَّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ كَثِيرَةُ الضِّيفَانِ، وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْكِ خِمَارُكِ، أَوْ يَنْكَشِفَ الثَّوْبُ عَنْ سَاقَيْكِ، فَيَرَى الْقَوْمُ مِنْكِ بَعْضَ مَا تَكْرَهِينَ، وَلَكِنِ انْتَقِلِي إِلَى ابْنِ عَمِّكِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ". وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ، فِهْرِ قُرَيْشٍ، وَهُوَ مِنَ الْبَطْنِ الَّذِي هِيَ مِنْهُ. فَانْتَقَلَتْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا
انْقَضَتْ عِدَّتِي سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي، مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي: الصَّلَاةَ جَامِعَةً. فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنْتُ فِي النِّسَاءِ اللَّاتِي يَلِينَ ظُهُورَ الْقَوْمِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: " لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلَّاهُ ". ثُمَّ قَالَ: " أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ؟ " قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " إِنِّي، وَاللَّهِ، مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لِأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا، فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ; حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ، فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ أَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حِينَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ، فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعْرِ، لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعْرِ، فَقَالُوا: وَيْلَكِ، مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ. قَالُوا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: أَيُّهَا الْقَوْمُ، انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ، فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ. قَالَ: لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ، فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا، وَأَشَدُّهُ وَثَاقًا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ، بِالْحَدِيدِ. قُلْنَا: وَيْلَكَ، مَا أَنْتَ؟ قَالَ: قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي، فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا:
نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ، رَكِبْنَا فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ، فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْرًا، ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ، فَجَلَسْنَا فِي أَقْرُبِهَا، فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعْرِ، لَا نَدْرِي مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعْرِ، فَقُلْنَا: وَيْلَكِ، مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ. قُلْنَا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتِ: اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ; فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ. فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا، وَفَزِعْنَا مِنْهَا، وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً. فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ. قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا، هَلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لَا تُثْمِرَ. قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ. قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قَالُوا: هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ. قَالَ: أَمَا إِنْ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ. قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ. قَالُوا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِي الْعَيْنِ مَاءٌ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ، هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا. قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الْأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ؟ قَالُوا: قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ، وَنَزَلَ يَثْرِبَ. قَالَ: أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ، وَأَطَاعُوهُ. قَالَ لَهُمْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّي يُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ، فَأَخْرُجَ
فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ، فَلَا أَدَعُ
قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ،
فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ
وَاحِدَةً، أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ
صَلْتًا، يَصُدُّنِي عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبِ مِنْهَا مَلَائِكَةً
يَحْرُسُونَهَا ". قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ: " هَذِهِ طَيْبَةُ،
هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ ". يَعْنِي الْمَدِينَةَ. " أَلَا
هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ عَنْ ذَلِكَ؟ " فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ. "
فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ
أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ، وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، أَلَا إِنَّهُ فِي بَحْرِ
الشَّامِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ، لَا بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ، مِنْ
قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ ". وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ،
قَالَتْ: فَحَفِظْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
ثُمَّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سَيَّارٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ
فَاطِمَةَ، قَالَتْ. فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ، فَقَالَ: " إِنَّ بَنِي عَمٍّ لِتَمِيمٍ
الدَّارِيِّ رَكِبُوا فِي الْبَحْرِ ". وَسَاقَ الْحَدِيثَ.
وَمِنْ حَدِيثِ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْهَا،
فَذَكَرَتْهُ: أَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ رَكِبَ فِي الْبَحْرِ، فَتَاهَتْ بِهِ
السَّفِينَةُ، فَسَقَطَ إِلَى جَزِيرَةٍ، فَخَرَجَ إِلَيْهَا يَلْتَمِسُ الْمَاءَ،
فَلَقِيَ إِنْسَانًا يَجُرُّ شَعْرَهُ، وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ:
فَأَخْرَجَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّاسِ،
فَحَدَّثَهُمْ، قَالَ: " هَذِهِ طَيْبَةُ، وَذَاكَ الدَّجَّالُ ".
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ
إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، يَعْنِي
الْحِزَامِيَّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ
قَيْسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَعَدَ عَلَى
الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، حَدَّثَنِي تَمِيمٌ الدَّارِيُّ
أَنَّ أُنَاسًا مِنْ قَوْمِهِ كَانُوا فِي الْبَحْرِ فِي سَفِينَةٍ لَهُمْ،
فَانْكَسَرَتْ بِهِمْ، فَرَكِبَ بَعْضُهُمْ عَلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ
السَّفِينَةِ، فَخَرَجُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ ". وَسَاقَ
الْحَدِيثَ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ مَجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْهَا،
بِنَحْوِهِ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْهَا،
وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ
أَبِي هِنْدَ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْهَا بِنَحْوِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ، عَنْ عَفَّانَ، وَعَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبِ، كُلٌّ
مِنْهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا مَجَالِدٌ، عَنْ
عَامِرٍ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ،فَأَتَيْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ،
فَحَدَّثَتْنِي أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي سَرِيَّةٍ، فَقَالَ لِي أَخُوهُ: اخْرُجِي مِنَ الدَّارِ. فَقُلْتُ: إِنَّ لِي
نَفَقَةً وَسُكْنَى حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ. قَالَ: لَا. قَالَتْ: فَأَتَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: إِنَّ فَلَانًا
طَلَّقَنِي، وَإِنَّ أَخَاهُ أَخْرَجَنِي، وَمَنَعَنِي السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: " مَا لَكَ، وَلِابْنَةِ آلِ قَيْسٍ؟ "
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَخِي طَلَّقَهَا ثَلَاثًا جَمِيعًا. قَالَتْ:
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انْظُرِي يَا
ابْنَةَآلِ قَيْسٍ، إِنَّمَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ عَلَى
زَوْجِهَا، مَا كَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ
عَلَيْهَا رَجْعَةٌ فَلَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى، اخْرُجِي فَانْزِلِي عَلَى
فُلَانَةَ ". ثُمَّ قَالَ: " إِنَّهُ يُتَحَدَّثُ إِلَيْهَا، انْزِلِي
عَلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ; فَإِنَّهُ أَعْمَى لَا يَرَاكِ ". ثُمَّ قَالَ:
" لَا تَنْكِحِي حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُنْكِحُكِ ".
قَالَتْ: فَخَطَبَنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَأْمِرُهُ، فَقَالَ: " أَلَا تَنْكِحِينَ
مَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ،
فَأَنْكِحْنِي مَنْ أَحْبَبْتَ. قَالَتْ: فَأَنْكَحَنِي مِنْ أُسَامَةَ بْنِ
زَيْدٍ. قَالَ: فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَخْرُجَ، قَالَتِ: اجْلِسْ حَتَّى
أُحَدِّثَكَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمًا
مِنَ الْأَيَّامِ، فَصَلَّى صَلَاةَ الْهَاجِرَةِ، ثُمَّ قَعَدَ فَفَزِعَ
النَّاسُ، فَقَالَ: " اجْلِسُوا أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنِّي لَمْ أَقُمْ
مَقَامِي هَذَا لِفَزَعٍ، وَلَكِنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي
خَبَرًا مَنَعَنِي مِنَ الْقَيْلُولَةِ; مِنَ الْفَرَحِ وَقُرَّةِ الْعَيْنِ،
فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَنْشُرَ عَلَيْكُمْ فَرَحَ نَبِيِّكُمْ. أَخْبَرَنِي أَنَّ
رَهْطًا مِنْ بَنِي عَمِّهِ رَكِبُوا الْبَحْرَ، فَأَصَابَتْهُمْ رِيحٌ عَاصِفٌ،
فَأَلْجَأَتْهُمُ الرِّيحُ إِلَى
جَزِيرَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا فَقَعَدُوا فِي قُوَيْرِبِ سَفِينَةٍ، حَتَّى خَرَجُوا إِلَى الْجَزِيرَةِ، فَإِذَا هُمْ بِشَيْءٍ أَهْلَبَ كَثِيرِ الشَّعْرِ، لَا يَدْرُونَ أَرَجُلٌ هُوَ أَوِ امْرَأَةٌ؟ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِمُ السَّلَامَ، فَقَالُوا: أَلَا تُخْبِرُنَا؟ فَقَالَ: مَا أَنَا بِمُخْبِرِكُمْ، وَلَا بِمُسْتَخْبِرِكُمْ، وَلَكِنَّ هَذَا الدَّيْرَ الَّذِي قَدْ رَهِقْتُمُوهُ فِيهِ مَنْ هُوَ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ أَنْ يُخْبِرَكُمْ وَيَسْتَخْبِرَكُمْ. قَالُوا: قُلْنَا: مَا أَنْتِ؟ قَالَ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ. فَانْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوُا الدَّيْرَ، فَإِذَا هُمْ بِرَجُلٍ مُوثَقٍ شَدِيدِ الْوَثَاقِ، مُظْهِرِ الْحُزْنِ كَثِيرِ التَّشَكِّي، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: مِنَ الْعَرَبِ. قَالَ: مَا فَعَلَتِ الْعَرَبُ؟ أَخَرَجَ نَبِيُّهُمْ بَعْدُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا فَعَلُوا؟ قَالُوا: خَيْرًا، آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ. قَالَ: ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُمْ. قَالَ: فَكَانَ لَهُ عَدُوٌّ فَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: فَالْعَرَبُ الْيَوْمَ إِلَهُهُمْ وَاحِدٌ، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، وَكَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا فَعَلَتْ عَيْنُ زُغَرَ؟ قَالُوا: صَالِحَةٌ، يَشْرَبُ مِنْهَا أَهْلُهَا، تَسْقِيهِمْ، وَيَسْقُونَ مِنْهَا زَرْعَهُمْ. قَالَ: فَمَا فَعَلَ نَخْلٌ بَيْنَ عَمَّانَ وَبَيْسَانَ؟ قَالُوا: صَالِحٌ، يُطْعِمُ جَنَاهُ كُلَّ عَامٍ. قَالَ " فَمَا فَعَلَتْ بُحَيْرَةُ الطَّبَرِيَّةِ؟ قَالُوا: مَلْأَى. قَالَ: فَزَفَرَ ثُمَّ زَفَرَ ثُمَّ زَفَرَ، ثُمَّ حَلَفَ: لَوْ خَرَجْتُ مِنْ مَكَانِي هَذَا مَا تَرَكْتُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ اللَّهِ إِلَّا وَطِئْتُهَا غَيْرَ طَيْبَةَ، لَيْسَ لِي عَلَيْهَا سُلْطَانٌ ". قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِلَى هَذَا انْتَهَى فَرَحِي ". ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. " إِنَّ طَيْبَةَ الْمَدِينَةُ، إِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، حَرَّمَ
حَرَمهَا عَلَى الدَّجَّالِ أَنْ
يَدْخُلَهَا ". ثُمَّ حَلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا لَهَا طَرِيقٌ
ضَيِّقٌ وَلَا وَاسِعٌ فِي سَهْلٍ وَلَا جَبَلٍ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ شَاهِرٌ
بِالسَّيْفِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَا يَسْتَطِيعُ الدَّجَّالُ أَنْ
يَدْخُلَهَا عَلَى أَهْلِهَا ".
قَالَ عَامِرٌ: فَلَقِيتُ الْمُحَرَّرَ بْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَحَدَّثْتُهُ
بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي أَنَّهُ
حَدَّثَنِي كَمَا حَدَّثَتْكَ فَاطِمَةُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ فِي نَحْوِ
الْمَشْرِقِ ". قَالَ: ثُمَّ لَقِيتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، فَذَكَرْتُ
لَهُ حَدِيثَ فَاطِمَةَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَّهَا حَدَّثَتْنِي
كَمَا حَدَّثَتْكَ فَاطِمَةُ غَيْرَ أَنَّهَا قَالَتْ: الْحَرَمَانِ عَلَيْهِ
حَرَامٌ، مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ ".
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
أَبِي خَالِدٍ، عَنْ مَجَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ
قَيْسٍ، بَسَطَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَأَحَالَهُ أَبُو دَاوُدَ عَلَى الْحَدِيثِ
الَّذِي رَوَاهُ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُتَابَعَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ،
وَعَائِشَةَ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،
عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَخَّرَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ:
" إِنَّهُ حَبَسَنِي حَدِيثٌ كَانَ يُحَدِّثُنِيهِ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ عَنْ
رَجُلٍ فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ، فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ
تَجُرُّ شَعْرَهَا، قَالَ: مَا أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، اذْهَبْ
إِلَى ذَلِكَ الْقَصْرِ. فَأَتَيْتُهُ،
فَإِذَا رَجُلٌ يَجُرُّ شَعْرَهُ،
مُسَلْسَلٌ فِي الْأَغْلَالِ، يَنْزُو فِيمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَقُلْتُ:
مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا الدَّجَّالُ، خَرَجَ نَبِيُّ الْأُمِّيِّينَ بَعْدُ؟
قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَطَاعُوهُ أَمْ عَصَوْهُ؟ قُلْتُ: بَلْ أَطَاعُوهُ.
قَالَ: ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ. فَهَذِهِ مُتَابَعَةٌ لِلشَّعْبِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ
بِنْتِ قَيْسٍ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَوْرَدَ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ،
بِطُولِهِ كَنَحْوٍ مِمَّا تَقَدَّمَ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُمَيْعٍ،
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ:
" إِنَّهُ بَيْنَمَا أُنَاسٌ يَسِيرُونَ فِي الْبَحْرِ، فَنَفِدَ
طَعَامُهُمْ، فَرُفِعَتْ لَهُمْ جَزِيرَةٌ، فَخَرَجُوا يُرِيدُونَ الْخُبْزَ،
فَلَقِيَتْهُمُ الْجَسَّاسَةُ ". قُلْتُ لِأَبِي سَلَمَةَ: وَمَا
الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَ: امْرَأَةٌ تَجُرُّ شَعَرَ جِلْدِهَا وَرَأْسِهَا.
فَقَالَتْ: فِي هَذَا الْقَصْرِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَسَأَلَ عَنْ نَخْلِ
بَيْسَانَ، وَعَيْنِ زُغَرَ. قَالَ: هُوَ الْمَسِيحُ. فَقَالَ لِي ابْنُ أَبِي
سَلَمَةَ: إِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ شَيْئًا مَا حَفِظْتُهُ. قَالَ: شَهِدَ
جَابِرٌ أَنَّهُ ابْنُ صَيَّادٍ. قُلْتُ: فَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ. قَالَ: وَإِنْ
مَاتَ. قُلْتُ: فَإِنَّهُ أَسْلَمَ. قَالَ: وَإِنْ أَسْلَمَ. قُلْتُ: فَإِنَّهُ
قَدْ دَخَلَ الْمَدِينَةَ. قَالَ: وَإِنْ دَخْلَ الْمَدِينَةَ. تَفَرَّدَ بِهِ
أَبُو دَاوُدَ، وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ سَعْدُ بْنُ
زِيَادٍ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَايَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ:
" حَدَّثَنِي تَمِيمٌ ". فَرَأَى تَمِيمًا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ،
فَقَالَ: " يَا تَمِيمُ، حَدِّثِ النَّاسَ مَا حَدَّثْتَنِي ". فَقَالَ:
كُنَّا فِي جَزِيرَةٍ، فَإِذَا نَحْنُ بِدَابَّةٍ لَا يُدْرَى قُبُلُهَا مِنْ
دُبُرِهَا. فَقَالَتْ: تَعْجَبُونَ مِنْ خَلْقِي، وَفِي الدَّيْرِ مَنْ يَشْتَهِي
كَلَامَكُمْ! فَدَخَلْنَا الدَّيْرَ، فَإِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ مُوثَقٍ فِي
الْحَدِيدِ، مِنْ كَعْبِهِ إِلَى أُذُنِهِ، وَإِذَا أَحَدُ مِنْخَرَيْهِ
مَسْدُودٌ، وَإِحْدَى عَيْنَيْهِ مَطْمُوسَةٌ، وَالْأُخْرَى كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ
دُرِّيٌّ. قَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: مَا فَعَلَتْ
بُحَيْرَةُ طَبَرِيَّةَ؟ قُلْنَا: كَعَهْدِهَا. قَالَ: فَمَا فَعَلَ نَخْلُ
بَيْسَانَ؟ قُلْنَا: بِعَهْدِهِ. قَالَ: لَأَطَأَنَّ الْأَرْضَ بِقَدَمَيَّ
هَاتَيْنِ، إِلَّا بَلْدَةَ إِبْرَاهِيمَ وَطَابَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طَابَا هِيَ الْمَدِينَةُ ". وَهَذَا
حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَبُو عَاصِمٍ هَذَا لَيْسَ بِالْمَتِينِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ،عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ امْرَأَةً مِنَ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ وَلَدَتْ
غُلَامًا مَمْسُوحَةً عَيْنُهُ، طَالِعَةً نَاتِئَةً، فَأَشْفَقَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ الدَّجَّالَ، فَوَجَدَهُ تَحْتَ
قَطِيفَةٍ يُهَمْهِمُ، فَآذَنَتْهُ أُمُّهُ فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا
أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ
جَاءَ فَاخْرُجْ إِلَيْهِ. فَخَرَجَ
مِنَ الْقَطِيفَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللَّهُ؟ لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ ".
ثُمَّ قَالَ: " يَا ابْنَ صَيَّادٍ مَا تَرَى؟ " قَالَ: أَرَى حَقًّا،
وَأَرَى بَاطِلًا، وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ. قَالَ: فَلُبِسَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ: " أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ ". فَقَالَ هُوَ:
أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ". ثُمَّ خَرَجَ
وَتَرَكَهُ، ثُمَّ أَتَاهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَوَجَدَهُ فِي نَخْلٍ لَهُ
يُهَمْهِمُ، فَآذَنَتْهُ أُمُّهُ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا أَبُو
الْقَاسِمِ قَدْ جَاءَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللَّهُ؟ لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ
". قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَطْمَعُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ كَلَامِهِ شَيْئًا؟ لِيَعْلَمَ أَهْوَ هُوَ أَمْ لَا؟
قَالَ: " يَا ابْنَ صَيَّادٍ مَا تَرَى؟ ". قَالَ: أَرَى حَقًّا،
وَأَرَى بَاطِلًا، وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ. قَالَ: " أَتَشْهَدُ
أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ ". قَالَ هُوَ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آمَنْتُ
بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ". فَلُبِسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَهُ. ثُمَّ
جَاءَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَنَا مَعَهُ. قَالَ: فَبَادَرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَيْدِينَا، وَرَجَا
أَنْ يَسْمَعَ مِنْ كَلَامِهِ شَيْئًا، فَسَبَقَتْهُ أُمُّهُ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ:
يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ جَاءَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللَّهُ؟ لَوْ
تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ ". فَقَالَ: " يَا ابْنَ صَيَّادٍ مَا تَرَى؟
". قَالَ: أَرَى حَقًّا، وَأَرَى بَاطِلًا، وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ.
قَالَ: " أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ ". قَالَ: أَتَشْهَدُ
أَنْتَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمَنْتُ بِاللَّهِ
وَرُسُلِهِ ". فَلُبِسَ عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا ابْنَ صَيَّادٍ، إِنَّا قَدْ خَبَّأْنَا لَكَ
خَبِيئًا، فَمَا هُوَ؟ ". قَالَ: الدُّخُّ، الدُّخُّ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اخْسَأْ اخْسَأْ ".
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ائْذَنْ لِي فَأَقْتُلَهُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِنْ يَكُنْ هُوَ فَلَسْتَ صَاحِبَهُ، إِنَّمَا صَاحِبُهُ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ، وَإِنْ لَا يَكُنْ هُوَ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَقْتُلَ رَجُلًا مِنْ
أَهْلِ الْعَهْدِ ". قَالَ - يَعْنِي جَابِرًا -: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْفِقًا أَنَّهُ الدَّجَّالُ.
وَهَذَا سِيَاقٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَمْشِي إِذْ مَرَّ بِصِبْيَانٍ يَلْعَبُونَ، فِيهِمُ
ابْنُ صَيَّادٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" تَرِبَتْ يَدَاكَ، أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ " فَقَالَ
هُوَ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: دَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ.
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ
يَكُنِ الَّذِي تَخَافُ فَلَنْ تَسْتَطِيعَهُ ". وَالْأَحَادِيثُ
الْوَارِدَةُ فِي ابْنِ صَيَّادٍ كَثِيرَةٌ، وَفِي بَعْضِهَا التَّوَقُّفُ فِي
أَمْرِهِ، هَلْ هُوَ الدَّجَّالُ أَمْ لَا؟ فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي شَأْنِ الدَّجَّالِ وَتَعْيِينِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ
تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ فَاصِلٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ،
وَسَنُورِدُ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّجَّالَ لَيْسَ
بِابْنِ صَيَّادٍ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ
بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ، سَبْطُ الشَّعْرِ، يَنْطِفُ - أَوْ:
يُهَرَاقُ - رَأْسُهُ مَاءً، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ مَرْيَمَ. ثُمَّ
ذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ، فَإِذَا رَجُلٌ جَسِيمٌ، أَحْمَرُ، جَعْدُ الرَّأْسِ،
أَعْوَرُ الْعَيْنِ، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، قَالُوا: هَذَا
الدَّجَّالُ، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ، رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ
".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي خِفَّةٍ مِنَ الدِّينِ، وَإِدْبَارٍ
مِنَ الْعِلْمِ، فَلَهُ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً يَسِيحُهَا فِي الْأَرْضِ، الْيَوْمُ
مِنْهَا كَالسَّنَةِ، وَالْيَوْمُ مِنْهَا كَالشَّهْرِ، وَالْيَوْمُ مِنْهَا
كَالْجُمُعَةِ، ثُمَّ سَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ هَذِهِ، وَلَهُ حِمَارٌ
يَرْكَبُهُ، عَرْضُ مَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، فَيَقُولُ
لِلنَّاسِ: أَنَا رَبُّكُمْ. وَهُوَ أَعْوَرُ - وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ
بِأَعْوَرَ - مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ، ك ف ر مُهَجَّاةٌ، يَقْرَؤُهُ
كُلُّ مُؤْمِنٍ، كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ، يَرِدُ كُلَّ مَاءٍ وَمَنْهَلٍ إِلَّا
الْمَدِينَةَ وَمَكَّةَ; حَرَّمَهُمَا اللَّهُ عَلَيْهِ، وَقَامَتِ الْمَلَائِكَةُ
بِأَبْوَابِهَا، وَمَعَهُ جِبَالٌ مَنْ خُبْزٍ، وَالنَّاسُ فِي جَهْدٍ إِلَّا مَنِ
اتَّبَعَهُ، وَمَعَهُ نَهَرَانِ - أَنَا أَعْلَمُ بِهِمَا مِنْهُ،
نَهَرٌ يَقُولُ: الْجَنَّةُ. وَنَهَرٌ
يَقُولُ: النَّارُ. فَمَنْ أُدْخِلَ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْجَنَّةَ فَهُوَ
النَّارُ، وَمَنْ أُدْخِلَ الَّذِي يُسَمِّيهِ النَّارَ فَهُوَ الْجَنَّةُ ".
قَالَ: " وَتُبْعَثُ مَعَهُ شَيَاطِينُ تُكَلِّمُ النَّاسَ، وَمَعَهُ
فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ، يَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ،
وَيَقْتُلُ نَفْسًا ثُمَّ يُحْيِيهَا فِيمَا يَرَى النَّاسُ، لَا يُسَلَّطُ عَلَى
غَيْرِهَا، وَيَقُولُ لِلنَّاسِ: هَلْ يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا إِلَّا الرَّبُّ عَزَّ
وَجَلَّ؟ " قَالَ: " فَيَفِرُّ الْمُسْلِمُونَ إِلَى جَبَلِ الدُّخَانِ
بِالشَّامِ، فَيَأْتِيهِمْ فَيُحَاصِرُهُمْ، فَيَشْتَدُّ حِصَارُهُمْ،
وَيُجْهِدُهُمْ جُهْدًا شَدِيدًا، ثُمَّ يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ،
فَيُنَادِي مِنَ السَّحَرِ، فَيَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَا يَمْنَعُكُمْ
أَنْ تَخْرُجُوا إِلَى الْكَذَّابِ الْخَبِيثِ؟ فَيَقُولُونَ: هَذَا رَجُلٌ
جِنِّيٌّ. فَيَنْطَلِقُونَ، فَإِذَا هُمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فَتُقَامُ
الصَّلَاةُ، فَيُقَالُ لَهُ: تَقَدَّمْ يَا رُوحَ اللَّهِ. فَيَقُولُ: لِيَتَقَدَّمْ
إِمَامُكُمْ فَلْيُصَلِّ بِكُمْ. فَإِذَا صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ خَرَجُوا
إِلَيْهِ " قَالَ: " فَحِينَ يَرَاهُ الْكَذَّابُ يَنْمَاثُ كَمَا
يَنْمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فَيَمْشِي إِلَيْهِ فَيَقْتُلُهُ، حَتَّى إِنَّ
الشَّجَرَةَ وَالْحَجَرَ يُنَادِي: يَا رُوحَ اللَّهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ، فَلَا
يَتْرُكُ مِمَّنْ كَانَ يَتْبَعُهُ أَحَدًا إِلَّا قَتَلَهُ ". تَفَرَّدَ
بِهِ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
طَهْمَانَ، وَهُوَ ثِقَةٌ.
حَدِيثُ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلَابِيِّ فِي مَعْنَاهُ، وَأَبْسَطُ
مِنْهُ
قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ،
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ، قَاضِي حِمْصَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلَابِيَّ ( ح )، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، قَالَ:ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ: " مَا شَأْنُكُمْ؟ " قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ. فَقَالَ: " غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُهُ طَافِيَةٌ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا، يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا لُبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: " أَرْبَعُونَ يَوْمًا; يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: " لَا، اقْدِرُوا لَهُ قَدْرَهُ ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: " كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ
فَتُمْطِرُ وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًى وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ. فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًّا، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ، فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ، شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرَفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلَهُ، ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ، وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ. وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ، فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ،
وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغْفَ فِي رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتَنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ، فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ اللَّهُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى إِنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً،
فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ،
فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ
يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ
".
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ -
قَالَ ابْنُ حُجْرٍ: دَخَلَ حَدِيثُ أَحَدِهِمَا فِي حَدِيثِ الْآخَرِ - عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ مَا
ذَكَرْنَا، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: " لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ
": " ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمْرِ،
وَهُوَ جَبَلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيَقُولُونَ: لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي
الْأَرْضِ، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ. فَيَرْمُونَ بِنِشَابِهِمْ
إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نِشَابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا
". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حُجْرٍ: " فَإِنِّي قَدْ أَنْزَلْتُ عِبَادًا
لِي لَا يَدَيْ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ ". انْتَهَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ
إِسْنَادًا وَمَتْنًا. وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ عَنِ الْبُخَارِيِّ.
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي " مُسْنَدِهِ "، عَنِ
الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ، وَزَادَ فِي سِيَاقِهِ بَعْدَ
قَوْلِهِ: " فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ " قَالَ ابْنُ
جَابِرٍ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَطَاءٍ السَّكْسَكِيُّ، عَنْ كَعْبٍ أَوْ
غَيْرِهِ، قَالَ: " فَتَطْرَحُهُمْ بِالْمَهْبِلِ ". قَالَ ابْنُ
جَابِرٍ: وَأَيْنَ الْمَهْبِلُ؟ قَالَ: مَطْلِعُ الشَّمْسِ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ
صَفْوَانَ بْنِ صَالِحٍ الْمُؤَذِّنِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، بِبَعْضِهِ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، وَسَاقَهُ بِطُولِهِ،
وَقَالَ: غَرِيبٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
جَابِرٍ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ،
مُخْتَصَرًا.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ بِإِسْنَادِهِ،
قَالَ: يَسْتَوْقِدُ النَّاسُ مِنْ قِسِيِّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَنِشَابِهِمْ
وَأَتْرِسَتِهِمْ سَبْعَ سِنِينَ ". وَذَكَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِتَمَامِهِ،
عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذِهِ الْقِصَّةَ، وَلَا
ذَكَرَ فِي إِسْنَادِهِ يَحْيَى بْنَ جَابِرٍ الطَّائِيَّ.
قال أبو عبد الله بن ماجه، حدثنا علي بن محمد بن ماجه، حدثنا عبد الرحمن المحاربي، عن إسماعيل بن رافع أبي رافع، عن أبي زرعة الشيباني يحيى بن أبي عمرو، عن أبي أمامة الباهلي قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أكثرُ خُطْبَتِه حديثاً حَدَّثنَاهُ عن الدجال وحَذَّرْنَاهُ فكانَ من قوله أنْ قَالَ: " إِنَّهُ لم تكن فِتْنَةٌ في الأَرض مُنْذُ ذَرَأ اللَّهُ ذُرِّيَّة آدَمَ أعْظَمَ من فتنة الدجال، وإِن الله لَمْ يَبْعَثْ نبيّاً إلا حَذَّرَ من الدجال، وأنا آخر الأنبياء وأَنتم آخرُ الأمَم، وهو خارج فيكم لاَ مَحَالَةَ، فإِن يخرج وأنا بين أظْهرِكُم فأنا حَجِيجٌ لكل مسلم، وإِن يخرج من بعدي فكل حَجِيجُ نَفْسِهِ، والله خَلِيفتي على كل مسلم، وإِنه يخرج من خَلَّة بين الشام والعراق فيَعِيثُ يميناً وشِمالاً،. يا عباد الله أيها الناس فاثبُتُوا، وإِني سَأصِفُه لكم صِفَةَ لم يَصِفْها إِيَّاه نبيٌّ قَبْلي، إِنَّهُ يَبْدأ فَيَقولُ: أنا نَبي ولا نَبِيَّ بَعْدِي، ثُمّ يُثنِّي فيقول: أنا ربّكم، وَلاَ تَرَوْنَ ربكم حتى تَمُوتوا، وإِنَّه أَعورُ وإِن ربكم عزَّ وجل ليس بأعورَ، وإنه مَكتُوبٌ بين عينيه
كافرٌ يقرؤُه كل مؤمن كاتبٍ وغير
كاتبٍ، وإِن من فتنته أن معه جنَّةً وناراً. فنارُه جَنّةٌ وَجَنَّتُهُ نار، فمن
ابْتُلِيَ بِنَارِهِ فَلْيَسْتَغثْ بِاللَّهِ وليقرأْ فَوَاتِحَ الكهْفَ فَتَكُونَ
عَلَيْهِ بَرْداً وَسَلاماً كما كانت النارُ على إِبراهِيمَ، وإِن مِن فتنته أن
يقول لأعرابِيّ أَرأَيت إِن بَعَثث لك أَبَاكَ وأمَّكَ أتشهد أنِّي ربُّك؟ فيقول
له: نَعَمْ، فَيَتَمًثّلْ لَهُ شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان يا بُنَيّ
اتَّبِعْهُ فإنه ربُّك، وإن من فتنته أن يُسًلّطَ على نَفس واحدة فيقتلها
يَنْشُرُها بالمِنْشَارِ ثم يُلْقِيها شقَّتين، ثم يقول انظروا إلى عَبْدِي فإني
أبتَعِثُهُ الآن، ثم يزعم أن له رباً غيري، فيَبْعَثُهُ الله فيقول له الخبيث: من
ربك؟ فيقول: ربِّي اللَّهُ، وأنت عدوّ اللَّهِ الدجالُ واللَّهِ ما كنتُ بَعْدُ
أشدَّ بَصِيرَةً بِكَ منِّي اليومَ ".
قال أبو الحسن يعني علي بن محمد، فحدثنا المحاربيّ حدثنا عبيد الله بن الوليد
الوصالي، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذاك
الرجلُ أرفعُ أمَّتي درجةً في الجنّةِ ".
قال: قال أبو سعيد ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب حتى مضى لسبيله.
قال المحاربي ثم رجعنا إلى حديث أبي رافع قال: من فتنته أن يأمر السماءَ أنْ
تُمْطِرَ فتمطرَ، ويأمرَ الأرض أن تُنْبِتَ فتُنبت، وإِن من فتنته أن يمر بالحي
فيكذبونه فلا تبقى لهم سَائِمةٌ إلا هلكت، وإن من فتنته أن يمر بالحي
فيصدقونه فيأمر السماءَ أن تُمْطِرَ فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، حتى تروح عليهم مواشِيهِم من يومهم ذلك أسمنَ ما كانَتْ وأعظمه، وأمَدَّه خَوَاصِرَ، وأدَرَّهُ ضُرُوعاً وإِنه لا يبقى من الأرض شيئاً إلا وَطِئَه وظَهَر عليه إلا مكّةَ والمدينة، فإنه لا يَأتيهما مِن نَقب من نِقَابِهِما إِلاّ لقيته الملائكة بالسيوف صَلْتَةً حتى ينزل عند الطريب الأحمر عند منقطع السبْخَةِ فَتَرْجُفُ المدينة بأهلها ثلاث رجَفَاتٍ فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خَرَج إليه فَيُنقًّى الخَبَث منها كما يُنقَّى الكيرُ خَبَثَ الحديد وَيُدْعَى ذَلِكَ الْيومُ يَوْمَ الخلاص، فقالت أمّ شَريكٍ ابنةُ أبي الْعَسْكَر: يا رسول الله فأيْنَ العربُ يَومَئِذٍ؟ قال: هُمْ قَلِيلٌ وجُلًّهُمْ ببيت المقدِس وإِمَامُهُمْ رجلٌ صالحٌ، فبينما إِمَامُهُمْ قدْ تَقَدَّمَ فَصًلّى الصُبحَ إذ نزل عليهم عِيسى ابنُ مَرْيَمَ، فَرَجَعَ ذلك الإِمَامُ يمشي القَهْقَرى ليتقدّمَ بهم عيسى يُصلّي، فيضعُ عيسى عليه الصلاة والسلام يده بين كتفيه فيقول له: تَقَدَّمْ فَصَلِّ فإنها لك أقيمَتْ، فيصلي بهم إمامهم فإذا انصرفَ قال عيسى: أقِيمُوا البابَ فَيُفْتَحُ
وَوَرَاءَه الدجالُ مَعَهُ سبعون ألف
يهوديٌّ كُلُّهُم ذو سيْف مُحَلَّى وساج، فإذا نظر إليه الدجال ذَاب كما يذوبُ
المِلحُ في الماء وينطلق هارِباً ويقول عيسى: إن لي فيك ضَرْبَةً لَنْ تَسْبقَني
بِها؟ فيدْرِكُه عندَ بابِ الدارِ الشرقي فيقتله فَيَهزِمُ اللَّهُ اليهودَ فَلاَ
يَبْقى شَيء بِهَا خَلَقَ اللَّهُ يَتَوَارى بِهِ يَهوديٌّ إلا أنطَقَ اللَّهُ
الشيء، لاَ حَجَرَ وَلاَ شَجَرَ وَلاَ حَائِطَ وَلاَ دابَّةَ إلا الغَرْقَدَة
فإِنها من شَجَرِهِمْ لاَ تَنْطِقُ إلا قال: يا عبد الله المسلم هذا يهوديٌّ
فَتَعَالَ فاقْتُلْهُ.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وإِن أيامِه أربعون سنةً السنةُ كنصف
السنةِ، والسنةُ كالشهر، والشهر ُكالجمعةِ، وآخر أيامِهِ قصيرةٌ يصبح أحدكم على
باب المدينة فما يصل إلى بابها الآخر حتى يُمْسي، فقيل له يا رسول الله: كيف نصلي
في تلكَ الأيّام القِصارِ؟ قال: تَقدُرُونَ فيها للصَلاةِ كما تقدرونه في هذه
الأيام الطوال ثم صلّوا ".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لِيَكونَنَّ عيسى ابنُ مريمَ في أمَّتي
حَكَماً عَدْلاً وإِماماً قِسْطاً يدُق الصليبَ ويَقْتلُ الخنزيرَ ويَضَعُ الجزيةَ
ويترك الصَّدقةَ فلا تسعى على شاةٍ ولا بعيرٍ، ويرفَع الشحناء والتباغضَ وينزع
جُمَّةِ كل ذي جُمَّة حتى يدخل الوليد يده في فَم الحيّة فلا تَضُرُّه، وينفر
الوليد الأسد فلا
يَضرُّه ويكون الذئب في الغنم كأنَّهُ
كَلبها، وتملأ الأرْضُ من السّلْم كما يملأ الاناء من الماءِ؟ وتكون الكلمَةُ واحةً
فلا يعبدُ إِلا اللَّهُ، وتَضعُ الْحَرب أوزَارها، وتَسْلَبُ قريشٌ فلْكَهَا
وتكونُ الأرض كَعَاثُور الفِضّةَ يَنْبُتُ نَبَاتها كعهد آدمَ حتى يجتمِع
النَّفَرُ على القِطْفِ من العِنَبِ فَلْيُشْبِعُهُمْ ويجتمع النَّفَرُ على
الرًّمَانةِ فَتُشْبعهمْ، ويكونَ الثَّور بكذا وكذا من المال، ويكون الفرَسُ
بالدريهمات قيل يا رسول الله: وَمَا يُرْخصُ الفرسَ؟ قال: لا يركب لحرب أبداً قيل
له: فما يُغْلي الثور؟ قال: لحرث الأرض كلّها: وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات
شدادٍ يصيب الناس فيها جوعٌ شديدٌ يأمر اللَّهُ السماء أن تَحْبِسَ ثلثَ مطرِها،
ويأمرَ الأرضَ أن تَحْبِسَ ثلثَ نباتِها، ثم يأمر السماء في السنةِ الثانية فتحبسُ
ثلثي مَطَرِها ويأمر الأرضَ فتحبسُ ثلث نبَاتِها، ثم يأمر السماءَ في السنةِ
الثالثةِ فتحبسُ مطرها كلَّهُ فَلاَ تَقْطر قطرةً، ويأمر الأرض فتحبسُ نَداتَها
كلَّها فلا تُنْبِتَ خضراءَ، فلا تبقى ذاتُ ظلْفٍ إلا هلكت إلا ما شاء الله، فقيل:
ما يُعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليلُ والتكبير والتسبيحُ والتحميدُ ويجري
ذلك عليهم مُجْرى الطعام ".
بعض العجائب الغرائب التي وردت نسبة قولها إلى الرسول عليه السلام
قال ابن ماجه سمعت أبا الحسن الطنافسي يقول، سمعت عبد الرحمن
المحاربي يقول ينبغي أن يدفع هذا
الحديث إلى المؤدب حتى يعلمه الصبيان في الكتّاب انتهى سياق ابن ماجه، وقد وقع
تخبيط في إسناده لهذا الحديث، فكما وجدته في نسخة كتبت إسناده، وقد سقط التابعي
منه وهو عمرو بن عبد الله الحضرمي أبو عبد الله الجبار الشامي المرادي عن أبي
أمامة قال شيخنا الحافظ المزي، ورواه ابن ماجه في الفتن عن علي بن محمد، عن عبد
الرحمن بن محمد المحاربي، عن أبي رافع إسماعيل بن رافع، عن أبي عمرو الشيباني
زرعة. عن أبي أمامة بتمامه كذا قال، وكذا رواه سهل بن عثمان عن المحاربي، وهو وهم
فاحش. قلت: وقد جرد إسناده أبو داود فرواه عن عيسى بن محمد، عن ضمرة، عن يحيى بن
أبي عمرو الشيباني، عن عمرو بن عبد الله، عن أبي أمامة نحو حديث النواس بن سمعان.
وقد روى الإِمام أحمد بهذا الإِسناد حديثاً واحداً في مسنده فقال أبو عبد الرحمن
عبد الله ابن الإِمام أحمد: وجدت في كتاب أبي بخط يده حدثني مهدي بن جعفر الرملي،
حدثنا ضمرة، عن الشيباني واسمه يحيى
بن أبي عمر، وعن عمرو بن عبد الله
الحضرمي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال
طائفة من أمّتي ظاهرين على عَدوَهِم قاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من
لأواء حتى يأتي أمر الله وهم كذلك. قالوا يا رسول الله وأين هم؟ قال: في بيت
المقدس وأكْتَافِ بَيْتِ المقدِس ".
حديث يجب صرفه عن ظاهره الى التأويل
وقال مسلم: حدثنا عمرو بن الناقد والحسن الحلواني وعبيد بن حميد وألفاظهم متقاربة
والسياق بعيد قال حدثني وقال الآخران: حدثنا يعقوب هو ابن إبراهيم بن سعد، حدثنا
أبي عن صالح، عن ابن شهاب، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا سعيد
الخدري قال، حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً حدثنا طويلاً عن الدجال
فكان فيما حدثنا قال: " يأتي وهو محرَّم عليه أن يدخلَ نِقَابَ المدينةِ
فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيَخرجُ إليه يومئذٍ رجل هو خيرُ الناس أو
مِنْ خير الناس فيقول له: أشهد أَنَّك الدجالُ الذي حدّثَنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم حديثه فيقول الدجال: أرَايْتُمْ إِن قتلتُ هذا ثم أحْيَيْتُه أتَشكُّون
في الأمرِ؟ فيقولون: لا. قال: فَيَقْتُلُهُ ثم يُحْيِيه فيقول حين يُحييه: والله
ما كنتُ فيك قَطُّ أشَدّ بصيرةً مني الآن. قال: فيريدُ الدجال أن يقتلَه فلا
يُسلّطَ عليه ".
قال أبو إسحاق: " يُقَالُ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ
هو الخِضْرُ ".
قال مسلم: وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب،
عن الزهري في هذا الإِسناد بمثله.
وقال مسلم: حدثني محمد بن عبد الله بن فهران من أهل مرو، حدثنا عبد الله بن عثمان،
عن أبي حمزة، عن قيس بن وهب، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " يخرج الدجال فَيَتَوَجَّهُ قِبَلَهُ رجل من
المؤمنين فتلقاه الْمَسَالحُ مَسالحُ الدجالِ فيقولون له أين تَعْمَدُ؟ فيقول:
أَعْمَدُ إلى هذا الذي خرج. قال: فيقولون له أو ما تُؤْمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا
خَفَاءُ، فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربُّكم أن تقتلوا
أحداً دونه؟ قال: فينطلقون إلى الدجالِ فإِذا رآه المؤمنُ قال يا أيها الناس: هذا
الدجالُ الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فيأمر الدجال به فَيُشَجُّ فيقول خذوه وشُجوه فَيُوسَعُ ظَهْرَهُ وبَطْنَهُ
ضَرْباً قال فيقول: أما تؤمن بي؟ قال فيقول: أنت المسيح الكذاب.
قال: فيؤمر به فَيُنْشَرُ بالمنشارِ من مَفْرِقِهِ حتى يَفْرِقَ بينَ رِجْلَيْه
قال: ثم يَمشي الدجال
بينَ الْقِطْعَتَيْن ثم يقول له: قُم
فَيَسْتَوِي قَائِماً. قال: ثم يقول له أَتؤمِنُ بي؟ فيقول: مَا ازْدَدْتُ فيك
إِلاَّ بصِيرَةً قال: ثم يقول يا أَيها الناس إِنه لا يفعل بعدي بأَحد من الناس
مِثْلَ الذي فَعَلَ بي. قال: فيأخذه الدجال ليذبحه فَيَحُول مَا بَيْنَ رقبتِه
إِلى تَرْقُوتِهِ نُحاس فلا يستطيع إِليه سبيلاً، قال فيأخذ بيديه ورجليه لِيَقْذِفَ
به فَيَحْسِبُ الناس أَنَّما قَذَفَه إِلى النَّارِ وإِنَّمَا ألقِيَ في الجنةِ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هَذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين
".
ذِكْرُ أَحَادِيثَ مَنْثُورَةٍ فِي الدَّجَّالِ حَدِيثٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي
عَرُوبَةَ، عَنْ أَبِي الْتَّيَّاحِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سُبَيْعٍ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
أَفَاقَ مِنْ مَرْضَةٍ لَهُ، فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ، فَاعْتَذَرَ بِشَيْءٍ
وَقَالَ: مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. ثُمَّ قَالَ:حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ فِي أَرْضٍ
بِالْمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا: خُرَاسَانُ. يَتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ
وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ
مِنْ حَدِيثِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ
غَرِيبٌ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي
الْتَّيَّاحِ، فَلَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ رَوْحٌ، كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَا
سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ; فَإِنَّ يَعْقُوبَ بْنَ شَيْبَةَ قَالَ: لَمْ
يَسْمَعْهُ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ مِنْ أَبِي الْتَّيَّاحِ، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ
مِنَ ابْنِ شَوْذَبٍ عَنْهُ.
حَدِيثٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُجَيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: ذَكَرْنَا الدَّجَّالَ عِنْدَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظَ مُحْمَرًّا
لَوْنُهُ، فَقَالَ: " غَيْرُ ذَلِكَ أَخْوَفُ لِي عَلَيْكُمْ ". ذَكَرَ
كَلِمَةً. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
حَدِيثٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ. رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا وَصَفَ الدَّجَّالَ لِأُمَّتِهِ،
وَلَأَصِفَنَّهُ صِفَةً لَمْ يَصِفْهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي; إِنَّهُ أَعْوَرُ،
وَإِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، لَيْسَ بِأَعْوَرَ ". تَفَرَّدَ بِهِ
أَحْمَدُ.
حَدِيثٌ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ
جَثَّامَةَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي أَبُو حُمَيْدٍ
الْحِمْصِيُّ، ثَنَا حَيْوَةُ، ثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو،
عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:لَمَّا فُتِحَتْ إصْطَخْرُ إِذَا مُنَادٍ
يُنَادِي: أَلَا إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ. قَالَ: فَلَقِيَهُمُ الصَّعْبُ
بْنُ جَثَّامَةَ فَقَالَ: لَوْلَا مَا تَقُولُونَ لَأَخْبَرْتُكُمْ أَنِّي
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا
يَخْرُجُ الدَّجَّالُ حَتَّى يَذْهَلَ النَّاسُ عَنْ ذِكْرِهِ، وَحَتَّى يَتْرُكَ
الْأَئِمَّةُ ذِكْرَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ ". إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَلَمْ
يُخْرِجْهُ.
حَدِيثٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ
التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيُّ،
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُرَاقَةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ
بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ بَعْدَ نُوحٍ، إِلَّا قَدْ
أَنْذَرَ قَوْمَهُ الدَّجَّالَ، وَأَنَا أُنْذِرُكُمُوهُ ". فَوَصَفَهُ لَنَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " لَعَلَّهُ سَيُدْرِكُهُ
بَعْضُ مَنْ رَأَى أَوْ سَمِعَ كَلَامِي ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
كَيْفَ قُلُوبُنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: " مِثْلُهَا - يَعْنِي الْيَوْمَ -
أَوْ خَيْرٌ ".
ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي
الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
جُزَيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ
حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ وَعَبْدِ الصَّمَدِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو
دَاوُدَ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
بِهِ. وَرَوَى أَحْمَدُ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ
بِبَعْضِهِ.
حَدِيثٌ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رَوَى أَحْمَدُ عَنْ
غُنْدَرٍ، وَرَوْحٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، وَوَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ،
كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الزُّبَيْرِ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ أَبِي الْهُذَيْلِ، سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبْزَى، سَمِعَ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ خَبَّابٍ، سَمِعَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يُحَدِّثُأَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ عِنْدَهُ الدَّجَّالُ، فَقَالَ:
" إِحْدَى عَيْنَيْهِ كَأَنَّهَا زُجَاجَةٌ خَضْرَاءُ، وَتَعَوَّذُوا
بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
حَدِيثٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ عَبْدُ
اللَّهِ ابْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: وَجَدْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ أَبِي
بِخَطِّ يَدِهِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمُتَعَالِ بْنُ
عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، حَدَّثَنَا مَجَالِدٌ، عَنْ أَبِي
الْوَدَّاكِ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو سَعِيدٍ: هَلْ تُقِرُّ الْخَوَارِجُ
بِالدَّجَّالِ؟ قُلْتُ: لَا. فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي خَاتَمُ أَلْفِ نَبِيٍّ أَوْ أَكْثَرَ، وَمَا بُعِثَ
نَبِيٌّ يُتَّبَعُ إِلَّا وَقَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ، وَإِنِّي قَدْ
بُيِّنَ لِي مِنْ أَمْرِهِ مَا لَمْ يُبَيَّنْ لِأَحَدٍ، وَإِنَّهُ أَعْوَرُ،
وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَعَيْنُهُ الْيُمْنَى عَوْرَاءُ جَاحِظَةٌ
لَا تَخْفَى، كَأَنَّهَا نُخَامَةٌ فِي حَائِطٍ مُجَصَّصٍ، وَعَيْنُهُ الْيُسْرَى
كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، مَعَهُ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ، وَمَعَهُ صُورَةُ
الْجَنَّةِ خَضْرَاءُ، يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ، وَصُورَةُ النَّارِ سَوْدَاءُ،
تَدْخُنُ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي
" مُسْنَدِهِ "، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ
عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ.
حَدِيثٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا بَهْزٌ وَعَفَّانُ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يَجِيءُ الدَّجَّالُ فَيَطَأُ الْأَرْضَ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، فَيَأْتِي
الْمَدِينَةَ، فَيَجِدُ بِكُلِّ نَقْبٍ مِنْ أَنْقَابِهَا صُفُوفًا مِنَ
الْمَلَائِكَةِ، فَيَأْتِي سَبَخَةَ الْجُرْفِ " فَيَضْرِبُ رِوَاقَهُ،
فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ مُنَافِقٍ
وَمُنَافِقَةٍ ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ
بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبِ، عَنْ حَمَّادِ
بْنِ سَلَمَةَ، بِهِ نَحْوَهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ حُمَيْدٍ،
عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ
الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الشِّمَالِ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ،
مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَفَرَ أَوْ كَافِرٌ ". هَذَا حَدِيثٌ
ثُلَاثِيُّ الْإِسْنَادِ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ ".
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ،
مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْيَهُودِ، عَلَيْهِمُ السِّيجَانُ ".
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ;
هُوَ ابْنُ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ
مَكْتُوبٌ: كَافِرٌ - ثُمَّ تَهَجَّاهَا - يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ: ك ف ر
".
حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ - عَنْ
حُمَيْدٍ وَشُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الدَّجَّالُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ
رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ. يَقْرَؤُهُ
كُلُّ مُؤْمِنٍ؟ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ
شُعَيْبٍ بِهِ، بِنَحْوِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ
الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا
أَنْذَرَ
أُمَّتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ،
أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ
عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ ".
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ.
حَدِيثٌ عَنْ سَفِينَةَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ،
حَدَّثَنَا حَشْرَجٌ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَلَا إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ
نَبِيٌّ قَبَلِي إِلَّا قَدْ حَذَّرَ الدَّجَّالَ أُمَّتَهُ، هُوَ أَعْوَرُ
عَيْنِهِ الْيُسْرَى، بِعَيْنِهِ الْيُمْنَى ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ
عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ، يَخْرُجُ مَعَهُ وَادِيَانِ; أَحَدُهُمَا جَنَّةٌ وَالْآخَرُ
نَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ، وَجَنَّتُهُ نَارٌ، مَعَهُ مَلَكَانِ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ يُشْبِهَانِ نَبِيِّينِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَوْ شِئْتُ
سَمَّيْتُهُمَا بِأَسْمَائِهِمَا وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمَا، أَحَدُهُمَا عَنْ
يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، وَذَلِكَ فِتْنَةٌ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ:
أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ أَلَسْتُ أُحْيِي وَأُمِيتُ؟ فَيَقُولُ لَهُ أَحَدُ
الْمَلَكَيْنِ: كَذَبْتَ. مَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا صَاحَبَهُ،
فَيَقُولُ لَهُ: صَدَقْتَ. فَيَسْمَعُهُ النَّاسُ فَيَظُنُّونَ أَنَمَا يُصَدِّقُ
الدَّجَّالَ، وَذَلِكَ فِتْنَةٌ، ثُمَّ يَسِيرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَدِينَةَ،
فَلَا يُؤْذَنُ لَهُ فِيهَا؟ فَيَقُولُ: هَذِهِ قَرْيَةُ ذَاكَ الرَّجُلِ. ثُمَّ يَسِيرُ
حَتَّى يَأْتِيَ الشَّامَ، فَيُهْلِكُهُ اللَّهُ عِنْدَ عَقَبَةِ
أَفِيقَ ". تَفَرَّدَ بِهِ
أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنْ فِي مَتْنِهِ غَرَابَةٌ
وَنَكَارَةٌ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ
سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ ": حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا خُنَيْسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ يَحْيَى الْمُعَافِرِيُّ، عَنْ
أَبِي قَبِيلٍ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، أَنَّ قَوْمًا دَخَلُوا عَلَى
مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَقَالُوا لَهُ: حَدِّثْنَا حَدِيثًا
سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ
تَنْسَهُ. فَقَالَ: أَجْلِسُونِي. فَأَخَذَ بَعْضُ الْقَوْمِ بِيَدِهِ، وَجَلَسَ
بَعْضُهُمْ خَلْفَهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ
الدَّجَّالَ، وَإِنِّي أُحَذِّرُكُمْ أَمْرَهُ، إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبِّي،
عَزَّ وَجَلَّ، لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ.
يَقْرَؤُهُ الْكَاتِبُ وَغَيْرُ الْكَاتِبِ، مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، فَنَارُهُ
جَنَّةٌ، وَجَنَّتُهُ نَارٌ ". قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ:
تَفَرَّدَ بِهِ خُنَيْسٌ، وَمَا عَلِمْتُ فِيهِ جَرْحًا، وَإِسْنَادُهُ صَالِحٌ.
حَدِيثٌ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنِ الْأُسُودِ بْنِ قَيْسٍ، حَدَّثَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ، مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، قَالَ: شَهِدْتُ يَوْمًا خُطْبَةً لِسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، فَذَكَرَ فِي خُطْبَتِهِ حَدِيثًا فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ بَعْدَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، فَقَالَ: "وَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ كَذَّابًا، آخِرُهُمُ الْأَعْوَرُ الدَّجَّالُ، مَمْسُوحُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى، كَأَنَّهَا عَيْنُ أَبِي تِحْيَى، وَإِنَّهُ مَتَى يَخْرُجُ - أَوْ قَالَ: مَتَى مَا يَخْرُجُ - فَإِنَّهُ سَوْفَ يَزْعُمُ أَنَّهُ اللَّهُ، فَمَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَهُ; لَمْ يَنْفَعْهُ صَالِحٌ مِنْ عَمَلِهِ سَلَفَ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ وَكَذَّبَهُ; لَمْ يُعَاقَبْ بِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ - وَقَالَ الْحَسَنُ: بِسَيِّئٍ مِنْ عَمَلِهِ - سَلَفَ، وَإِنَّهُ سَوْفَ يَظْهَرُ عَلَى الْأَرْضِ كُلِّهَا إِلَّا الْحَرَمَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَإِنَّهُ يَحْصُرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَيُزَلْزَلُونَ زِلْزَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ يُهْلِكُهُ اللَّهُ تَعَالَى، حَتَّى إِنَّ جِذْمَ الْحَائِطِ، وَأَصْلَ الشَّجَرَةِ لَيُنَادِي: يَا مُؤْمِنُ، هَذَا يَهُودِيٌّ - أَوْ قَالَ: هَذَا كَافِرٌ - تَعَالَ فَاقْتُلْهُ. وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى تَرَوْا أُمُورًا يَتَفَاقَمُ شَأْنُهَا فِي أَنْفُسِكُمْ،
وَتَسْأَلُونَ بَيْنَكُمْ: هَلْ كَانَ
نَبِيُّكُمْ ذَكَرَ لَكُمْ مِنْهَا ذِكْرًا، وَحَتَّى تَزُولَ جِبَالٌ عَنْ
مَرَاتِبِهَا ثُمَّ شَهِدَ خُطْبَةَ سَمُرَةَ مَرَّةً أُخْرَى، فَمَا قَدَّمَ
كَلِمَةً وَلَا أَخَّرَهَا عَنْ مَوْضِعِهَا.
وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ
الْأَرْبَعَةِ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ فِي
" مُسْتَدْرَكِهِ " أَيْضًا.
وَقَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي كِتَابِهِ " فِي نَبَأِ الدَّجَّالِ
": سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا:
الدَّجَّالُ أَعْوَرُ عَيْنِ الشِّمَالِ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ ".
قُلْتُ: وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي " الْمُسْنَدِ
"، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَكَانَ الْأَوْلَى
بِشَيْخِنَا أَنْ يُسْنِدَهُ، أَوْ يَعْزُوَهُ إِلَى كِتَابٍ مَشْهُورٍ، وَاللَّهُ
الْمُوَفِّقُ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ سَمُرَةَ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ، أَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ،
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ يَقُولُ: إِنَّ الدَّجَّالَ خَارِجٌ، وَهُوَ أَعْوَرُ عَيْنِ الشِّمَالِ، عَلَيْهَا
ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، وَإِنَّهُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُحْيِي
الْمَوْتَى، وَيَقُولُ لِلنَّاسِ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَمَنْ قَالَ: أَنْتَ رَبِّي.
فَقَدْ فُتِنَ، وَمَنْ قَالَ: رُبِّيَ اللَّهُ. حَتَّى يَمُوتَ، فَقَدْ عُصِمَ
مِنْ فِتْنَتِهِ، وَلَا فِتْنَةَ بَعْدَهُ عَلَيْهِ وَلَا عَذَابَ، فَيَلْبَثُ فِي
الْأَرْضِ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَجِيءُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مِنْ قِبَلِ
الْمَغْرِبِ، مُصَدِّقًا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى
مِلَّتِهِ، فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ، ثُمَّ إِنَّمَا هُوَ قِيَامُ السَّاعَةِ
".
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ
بْنُ جَعْفَرٍ السَّمُرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
خُبَيْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ
خُبَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ سَمُرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ
عَيْنِ الشِّمَالِ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، وَإِنَّهُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ
وَالْأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى، وَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَمَنِ
اعْتَصَمَ بِاللَّهِ، فَقَالَ. رَبِّيَ اللَّهُ. ثُمَّ أَبَى إِلَّا ذَلِكَ حَتَّى
يَمُوتَ، فَلَا عَذَابَ عَلَيْهِ وَلَا فِتْنَةَ، وَمَنْ قَالَ: أَنْتَ رَبِّي.
فَقَدْ فُتِنَ، وَإِنَّهُ يَلْبَثُ فِي الْأَرْضِ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ
يَجِيءُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مِنَ الْمَشْرِقِ مُصَدِّقًا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى مِلَّتِهِ، ثُمَّ يَقْتُلُ الدَّجَّالَ
".
حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
حَدِيثٌ عَنْ جَابِرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ زَيْدٍ -
يَعْنِي ابْنَ أَسْلَمَ - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَشْرَفَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَلَقٍ مِنْ أَفْلَاقِ
الْحَرَّةِ، وَنَحْنُ مَعَهُ، فَقَالَ: نِعْمَتِ الْأَرْضُ الْمَدِينَةُ إِذَا
خَرَجَ الدَّجَّالُ، عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْ أَنْقَابِهَا مَلَكٌ، لَا
يَدْخُلُهَا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ رَجَفَتِ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ
رَجَفَاتٍ، لَا يَبْقَى مُنَافِقٌ وَلَا مُنَافِقَةٌ إِلَّا خَرَجَ إِلَيْهِ،
وَأَكْثَرُ - يَعْنِي مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ - النِّسَاءُ، وَذَلِكَ يَوْمُ
التَّخْلِيصِ; يَوْمٌ تَنْفِي الْمَدِينَةُ الْخَبَثَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ
خَبَثَ الْحَدِيدِ، يَكُونُ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْيَهُودِ، عَلَى
كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ سَاجٌ وَسَيْفٌ مُحَلًّى، فَيَضْرِبُ رِوَاقَهُ بِهَذَا
الضَّرْبِ الَّذِي عِنْدَ مُجْتَمَعِ السُّيُولِ ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا كَانَتْ فِتْنَةٌ وَلَا
تَكُونُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، أَكْبَرَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَمَا
مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ، وَلَأُخْبِرَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مَا
أَخْبَرَهُ نَبِيٌّ أُمَّتَهُ قَبْلِي ". ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى
عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ
". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ: قَالَ
الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ،
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مَجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ
جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي
لَخَاتَمُ أَلْفِ نَبِيٍّ أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ نَبِيٌّ
إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ الدَّجَّالَ، وَإِنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ لِي مَا
لَمْ يَتَبَيَّنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ
لَيْسَ بِأَعْوَرَ ". تَفَرَّدَ بِهِ الْبَزَّارُ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ،
وَلَفْظُهُ غَرِيبٌ جِدًّا.
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي " السُّنَّةِ "، مِنْ طَرِيقِ
مَجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ;أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: " إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ
رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ". وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ مُجَالِدٍ بِهِ، أَطْوَلَ مِنْ هَذَا.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا
ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
الدَّجَّالُ أَعْوَرُ، وَهُوَ أَشَدُّ الْكَذَّابِينَ ".
وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ
جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَزَالُ
طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ حَتَّى يَنْزِلَ
عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ.... "
وَتَقَدَّمَتِ الطَّرِيقُ الْأُخْرَى عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ، وَعَنْ أَبِي
سَلَمَةَ عَنْهُ، فِي الدَّجَّالِ.
حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ
بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الدَّجَّالِ: " أَعْوَرُ
هِجَانٌ أَزْهَرُ، كَأَنَّ رَأْسَهُ أَصَلَةٌ، أَشْبَهُ النَّاسَ بِعَبْدِ الْعُزَّى
بْنِ قَطَنٍ، فَإِمَّا هَلَكَ الْهُلَّكُ، فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ
". قَالَ شُعْبَةُ: فَحَدَّثْتُ بِهِ قَتَادَةَ، فَحَدَّثَنِي بِنَحْوٍ مِنْ
هَذَا. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَرَوَى أَحْمَدُ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَأَبُو يَعْلَى، مِنْ
طَرِيقِ هِلَالٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ،
قَالَ: وَرَأَى الدَّجَّالَ فِي صُورَتِهِ رُؤْيَا عَيْنٍ، لَيْسَ رُؤْيَا
مَنَامٍ، وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ،فَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنِ الدَّجَّالِ، فَقَالَ: " رَأَيْتُهُ فَيْلَمَانِيًّا أَقْمَرَ هِجَانًا،
إِحْدَى عَيْنَيْهِ قَائِمَةٌ، كَأَنَّهَا
كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، كَأَنَّ شَعْرَهُ
أَغْصَانُ شَجَرَةٍ ". وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ.
حَدِيثٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ -
يَعْنِي ابْنَ هِلَالٍ - عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا بَيْنَ
خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرُ مِنْ فِتْنَةِ
الدَّجَّالِ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حُمَيْدِ
بْنِ هِلَالٍ، عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِمْ، قَالَ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عَامِرٍ
لِجِيرَانِهِ: إِنَّكُمْ لَتَخْطُونَ إِلَى رِجَالٍ مَا كَانُوا بِأَحْضَرَ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَوْعَى لِحَدِيثِهِ
مِنِّي، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَمْرٌ أَكْبَرُ مِنَ
الدَّجَّالِ ".
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ،
عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ
أَبِي الدَّهْمَاءِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّكُمْ
لَتُجَاوِزُنَّنِي إِلَى رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانُوا أَحْصَى وَلَا أَحْفَظَ لِحَدِيثِهِ مِنِّي،
وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَمْرٌ أَكْبَرُ مِنَ
الدَّجَّالِ ".
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ رَهْطٍ، مِنْهُمْ أَبُو الدَّهْمَاءِ
وَأَبُو قَتَادَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ
أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ رَأَسَ الدَّجَّالِ مِنْ
وَرَائِهِ حُبُكٌ حُبُكٌ، فَمَنْ قَالَ: أَنْتَ رَبِّي. افْتَتَنَ، وَمَنْ قَالَ:
كَذَبْتَ، رَبِّيَ اللَّهُ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ. فَلَا يَضُرُّهُ ". أَوْ
قَالَ: " فَلَا فِتْنَةَ عَلَيْهِ ".
حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يَنْزِلُ الدَّجَّالُ فِي هَذِهِ السَّبَخَةِ، بِمَرِّ قَنَاةٍ، فَيَكُونُ
أَكْثَرَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْجِعُ
إِلَى حَمِيمِهِ، وَإِلَى أُمِّهِ، وَابْنَتِهِ، وَأُخْتِهِ، وَعَمَّتِهِ،
فَيُوثِقُهَا رِبَاطًا، مَخَافَةَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ، ثُمَّ يُسَلِّطُ اللَّهُ
الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ، فَيَقْتُلُونَهُ، وَيَقْتُلُونَ شِيعَتَهُ، حَتَّى إِنَّ
الْيَهُودِيَّ لَيَخْتَبِئُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَوِ الْحَجَرِ، فَيَقُولُ
الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرَةُ
لِلْمُسْلِمِ: هَذَا يَهُودِيٌّ
تَحْتِي فَاقْتُلْهُ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ سَالِمٍ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
قَالَ:قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ،
فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ، تَعَالَى بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، فَذَكَرَ الدَّجَّالَ
فَقَالَ: " إِنِّي لَأُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ
أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ; لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَوْمَهُ، وَلَكِنْ سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ
لِقَوْمِهِ; تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
لَيْسَ بِأَعْوَرَ ". وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي الصَّحِيحِ مَعَ حَدِيثِ
ابْنِ صَيَّادٍ. وَبِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ، فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ،
حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي، فَاقْتُلْهُ
". وَأَصْلُهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ،
بِنَحْوِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، عَنْ أَخِيهِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ،
يَعْنِي أَبَا عُمَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ:
كُنَّا نُحَدَّثُ بِحِجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلَا نَدْرِي أَنَّهُ الْوَدَاعُ مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ فِي حِجَّةِ
الْوَدَاعِ،خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ
الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: " مَا بَعَثَ
اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ أُمَّتَهُ; لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ، وَالنَّبِيُّونَ، عَلَيْهِمُ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مِنْ بَعْدِهِ، أَلَا مَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ
مِنْ شَأْنِهِ فَلَا يَخْفَيَنَّ
عَلَيْكُمْ أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلَا مَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ
شَأْنِهِ فَلَا يَخْفَيَنَّ عَلَيْكُمْ أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ".
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا وَصَفَهُ
لِأُمَّتِهِ، وَلَأَصِفَنَّهُ صِفَةً لَمْ يَصِفْهَا مَنْ كَانَ قَبْلِي، إِنَّهُ
أَعْوَرُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، عَيْنُهُ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا
عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ ". وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ حَسَنٌ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى
الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الدَّجَّالِ فَقَالَ: "
أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلَا وَإِنَّهُ أَعْوَرُ، عَيْنُهُ الْيُمْنَى
كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ
حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ،
وَأَسْمَاءَ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي بَكْرَةَ، وَعَائِشَةَ،
وَأَنَسٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْفَلَتَانِ بْنِ عَاصِمٍ.
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ،
قَالَ: لَمَّا جَاءَتْنَا بَيْعَةُ يَزِيدَ بْنِ
مُعَاوِيَةَ قَدِمْتُ الشَّامَ، فَأُخْبِرْتُ
بِمَقَامٍ يَقُومُهُ نَوْفٌ، فَجِئْتُهُ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ - فَاشْتَدَّ النَّاسُ
- عَلَيْهِ خَمِيصَةٌ، وَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،
فَلَمَّا رَآهُ نَوْفٌ أَمْسَكَ عَنِ الْكَلَامِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّهَا
سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، يَنْحَازُ النَّاسُ إِلَى مُهَاجَرِ
إِبْرَاهِيمَ، لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ إِلَّا شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلْفِظُهُمْ
أَرْضُوهُمْ، تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ، تَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ
الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، تَبِيتُ مَعَهُمْ إِذَا بَاتُوا، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ
إِذَا قَالُوا، وَتَأْكُلُ مَنْ تَخَلَّفَ ". قَالَ: وَسَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَيَخْرُجُ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي
مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ،
كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ، كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ
- حَتَّى عَدَّهَا زِيَادَةً عَلَى عَشْرِ مَرَّاتٍ - كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ
قَرْنٌ قُطِعَ، حَتَّى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ فِي بَقِيَّتِهِمْ ". وَرَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا
جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّامَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا
فِرْدَوْسٌ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ
أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الدَّجَّالِ: " مَا
شُبِّهَ عَلَيْكُمْ مِنْهُ، فَإِنَّ اللَّهَ، سُبْحَانَهُ، لَيْسَ بِأَعْوَرَ،
يَخْرُجُ
فَيَكُونُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ
صَبَاحًا، يَرِدُ كُلَّ مَنْهَلٍ إِلَّا الْكَعْبَةَ، وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ
وَالْمَدِينَةَ، الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَالْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَمَعَهُ
جَنَّةٌ وَنَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ، وَجَنَّتُهُ نَارٌ، مَعَهُ جَبَلٌ مِنْ
خُبْزٍ، وَنَهْرٌ مِنْ مَاءٍ، يَدْعُو بِرَجُلٍ، لَا يُسَلِّطُهُ اللَّهُ إِلَّا
عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: مَا تَقُوُلُ فِيَّ؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ عَدُوُّ اللَّهِ،
وَأَنْتَ الدَّجَّالُ الْكَذَّابُ. فَيَدْعُو بِمِنْشَارٍ، فَيَضَعُهُ حَذْوَ
رَأْسِهِ فَيَشُقُّهُ، ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ لَهُ: مَا تَقُوُلُ فِيَّ؟
فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي فِيكَ الْآنَ، أَنْتَ
عَدُوُّ اللَّهِ؟ الدَّجَّالُ الَّذِي أَخْبَرَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَيَهْوِي إِلَيْهِ بِسَيْفِهِ فَلَا يَسْتَطِيعُهُ،
فَيَقُولُ: أَخِّرُوهُ عَنِّي ". قَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ: هَذَا
حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَمَسْعُودٌ لَا يُعْرَفُ. وَسَيَأْتِي حَدِيثُ يَعْقُوبَ بْنِ
عَاصِمٍ عَنْهُ، فِي مُكْثِ الدَّجَّالِ فِي الْأَرْضِ، وَنُزُولِ عِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ.
حَدِيثٌ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ الْأَنْصَارِيَّةِ: قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ
الْأَنْصَارِيَّةِ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي، فَذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: إِنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ
ثَلَاثَ سِنِينَ; سَنَةً تُمْسِكُ السَّمَاءُ ثُلُثَ قَطْرِهَا، وَالْأَرْضُ
ثُلُثَ نَبَاتِهَا، وَالثَّانِيَةَ تُمْسِكُ السَّمَاءُ ثُلُثَيْ قَطْرِهَا،
وَالْأَرْضُ ثُلُثَيْ نَبَاتِهَا، وَالثَّالِثَةَ تُمْسِكُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا
كُلَّهُ، وَالْأَرْضُ نَبَاتَهَا كُلَّهُ، وَلَا يَبْقَى ذَاتُ ضِرْسٍ وَلَا ذَاتُ
ظِلْفً مِنَ الْبَهَائِمِ إِلَّا
هَلَكَتْ، وَإِنَّ مِنْ أَشَدِّ فِتْنَتِهِ أَنْ يَأْتِيَ الْأَعْرَابِيَّ
فَيَقُولُ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَحْيَيْتُ لَكَ إِبِلَكَ؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنِّي
رَبُّكَ؟ " قَالَ: " فَيَقُولُ: بَلَى. فَتَمَثَّلُ لَهُ الشَّيَاطِينُ
نَحْوَ إِبِلِهِ كَأَحْسَنِ مَا تَكُونُ ضُرُوعُهَا وَأَعْظَمِهِ أَسْنِمَةً
". قَالَ: " وَيَأْتِي الرَّجُلَ قَدْ مَاتَ أَخُوهُ، وَمَاتَ أَبُوهُ،
فَيَقُولُ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَحْيَيْتُ لَكَ أَبَاكَ، وَأَحْيَيْتُ لَكَ أَخَاكَ،
أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنِّي رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. فَتَمَثَّلُ لَهُ
الشَّيَاطِينُ نَحْوَ أَبِيهِ وَنَحْوَ أَخِيهِ ". قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ
وَالْقَوْمُ فِي اهْتِمَامٍ وَغَمٍّ، مِمَّا حَدَّثَهُمْ بِهِ، قَالَتْ: فَأَخَذَ
بِلُجْفَتَيِ الْبَابِ وَقَالَ: " مَهْيَمْ أَسْمَاءُ ". قَالَتْ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ خَلَعْتَ أَفْئِدَتَنَا بِذِكْرِ
الدَّجَّالِ. قَالَ: " فَإِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا حَيٌّ فَأَنَا حَجِيجُهُ،
وَإِلَّا فَإِنَّ رَبِّي خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ ". قَالَتْ أَسْمَاءُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا وَاللَّهِ لَنَعْجِنُ عَجِينَتَنَا فَمَا
نَخْتَبِزُهَا حَتَّى نَجُوعَ، فَكَيْفَ بِالْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ:
" يُجْزِئُهُمْ مَا يُجْزِئُ أَهْلَ السَّمَاءِ مِنَ التَّسْبِيحِ،
وَالتَّقْدِيسِ ".
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ جَرِيرِ
بْنِ حَازِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْهَا، بِنَحْوِهِ، وَهَذَا
إِسْنَادٌ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَتَقَدَّمَ لَهُ
شَاهِدٌ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الطَّوِيلِ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ
بَعْدَهُ شَاهِدٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَيْضًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، حَدَّثَنَا شَهْرٌ، حَدَّثَتْنِي أَسْمَاءُ: أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَدِيثٍ: فَمَنْ
حَضَرَ مَجْلِسِي، وَسَمِعَ قَوْلِي، فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ
الْغَائِبَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، صَحِيحٌ لَيْسَ
بِأَعْوَرَ، وَأَنَّ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ، مَمْسُوحُ الْعَيْنِ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ
عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ. يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ; كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ
". وَسَيَأْتِي عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ نَحْوُهُ، وَالْمَحْفُوظُ
هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ جَهْدًا يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ الدَّجَّالِ، فَقَالُوا:
أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ يَوْمَئِذٍ. قَالَ: " غُلَامٌ شَدِيدٌ يَسْقِي
أَهْلَهُ الْمَاءَ، وَأَمَّا الطَّعَامُ فَلَيْسَ ". قَالُوا: فَمَا طَعَامُ
الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: " التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ،
وَالتَّحْمِيدُ، وَالتَّهْلِيلُ ". قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَيْنَ الْعَرَبُ
يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: " الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ ". تَفَرَّدَ بِهِ
أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ فِيهِ غَرَابَةٌ، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ
أَسْمَاءَ، وَأَبِي أُمَامَةَ شَاهِدٌ لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهَا: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ،
حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي
الْحَضْرَمِيُّ بْنُ لَاحِقٍ، أَنَّ ذَكْوَانَ أَبَا
صَالِحٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ
أَخْبَرَتْهُ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: " مَا يُبْكِيكِ؟ " قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، ذَكَرْتُ الدَّجَّالَ، فَبَكَيْتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ يَخْرُجِ الدَّجَّالُ وَأَنَا حَيٌّ
كَفَيْتُكُمُوهُ، وَإِنْ يَخْرُجِ الدَّجَّالُ بَعْدِي فَإِنَّ رَبَّكُمْ، عَزَّ
وَجَلَّ، لَيْسَ بِأَعْوَرَ، إِنَّهُ يَخْرُجُ فِي يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ،
حَتَّى يَأْتِيَ الْمَدِينَةَ، فَيَنْزِلَ نَاحِيَتَهَا، وَلَهَا يَوْمَئِذٍ
سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَكَانِ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ
شِرَارُ أَهْلِهَا، حَتَّى يَأْتِيَالشَّامَ، مَدِينَةً بِفِلَسْطِينَ بِبَابِ
لُدٍّ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَقْتُلُهُ،
ثُمَّ يَمْكُثُ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً
إِمَامًا عَادِلًا، وَحَكَمًا مُقْسِطًا ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ - أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ
عَامِرٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ:لَا يَدْخُلُ الدَّجَّالُ مَكَّةَ وَلَا الْمَدِينَةَ ". وَرَوَاهُ
النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
عَدِيٍّ، بِهِ. وَالْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ
بِنْتِ قَيْسٍ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ " مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ
زَوْجَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ،
أَنَّهَا قَالَتْ فِي حَدِيثِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَئِذٍ: وَإِنَّهُ قَدْ
أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ قَرِيبًا، أَوْ مِثْلَ،
فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ". لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ
أَسْمَاءُ؟ الْحَدِيثُ بِطُولِهِ.
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ
" مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ
أُمِّ شَرِيكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
لَيَفِرَّنَّ النَّاسُ مِنَ الدَّجَّالِ حَتَّى يَلْحَقُوا بِرُءُوسِ الْجِبَالِ
". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "
هُمْ قَلِيلٌ ".
حَدِيثٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ:
أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ:
قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ:ذَكَرْتُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ لَيْلَةً، فَلَمْ
يَأْتِنِي النَّوْمُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: " لَا تَفْعَلِي،
فَإِنَّهُ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ يَكْفِكُمُ اللَّهُ بِي، وَإِنْ يَخْرُجْ
بَعْدَ أَنْ أَمُوتَ يَكْفِكُمُ اللَّهُ بِالصَّالِحِينَ ". ثُمَّ قَامَ،
فَقَالَ: " مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا حَذَّرَ أُمَّتَهُ مِنْهُ، وَإِنِّي
أُحَذِّرُكُمُوهُ، إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ".
قَالَ الذَّهَبِيُّ: إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ.
حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَطِيَّةَ
بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَمِّ الْقَدَرِيَّةِ، وَأَنَّهُمْ
زَنَادِقَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَفِي زَمَانِهِمْ يَكُونُ ظُلْمُ السُّلْطَانِ،
وَحَيْفٌ وَأَثَرَةٌ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ طَاعُونًا، فَيُفْنِي عَامَّتَهُمْ،
ثُمَّ يَكُونُ الْخَسْفُ، فَمَا أَقَلَّ مَنْ يَنْجُو مِنْهُمْ، الْمُؤْمِنُ
يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ فَرَحُهُ، شَدِيدٌ غَمُّهُ، ثُمَّ يَكُونُ الْمَسْخُ،
فَيَمْسَخُ اللَّهُ عَامَّتَهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، ثُمَّ يَخْرُجُ
الدَّجَّالُ عَلَى
إِثْرِ ذَلِكَ قَرِيبًا. ثُمَّ بَكَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَكَيْنَا لِبُكَائِهِ،
وَقُلْنَا: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: " رَحْمَةً لِأُولَئِكَ الْأَشْقِيَاءِ،
لِأَنَّ فِيهِمُ الْمُقْتَصِدَ، وَفِيهِمُ الْمُجْتَهِدَ... ". الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: أَتَيْنَا عُثْمَانَ بْنَ
أَبِي الْعَاصِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ; لِنَعْرِضَ عَلَيْهِ مُصْحَفًا لَنَا عَلَى
مُصْحَفِهِ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الْجُمُعَةُ أَمَرَنَا فَاغْتَسَلْنَا، ثُمَّ
أَتَيْنَا بِطِيبٍ فَتَطَيَّبْنَا، ثُمَّ جِئْنَا الْمَسْجِدَ، فَجَلَسْنَا إِلَى
رَجُلٍ، فَحَدَّثَنَا عَنِ الدَّجَّالِ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي
الْعَاصِ، فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَجَلَسْنَا، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةُ
أَمْصَارٍ ; مِصْرٌ بِمُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ، وَمِصْرٌ بِالْحِيرَةِ، وَمِصْرٌ
بِالشَّامِ، فَيَفْزَعُ النَّاسُ ثَلَاثَ فَزَعَاتٍ، فَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي
أَعْرَاضِ النَّاسِ، فَيَهْزِمُ مَنْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ، فَأَوَّلُ مِصْرٍ
يَرُدُّهُ الْمِصْرُ الَّذِي بِمُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ، فَيَصِيرُ أَهْلُهُ
ثَلَاثَ فِرَقٍ; فِرْقَةٌ تُقِيمُ تَقُولُ: نُشَامُّهُ; نَنْظُرُ مَا هُوَ،
وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْأَعْرَابِ،
وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْمِصْرِ
الَّذِي يَلِيهِمْ، وَمَعَ الدَّجَّالِ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ السِّيجَانُ،
وَأَكْثَرُ تَبَعِهِ الْيَهُودُ وَالنِّسَاءُ، ثُمَّ يَأْتِي الْمِصْرَ الَّذِي
يَلِيهِ، فَيَصِيرُ أَهْلُهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ; فِرْقَةٌ تَقُولُ: نُشَامُّهُ
نَنْظُرُ مَا هُوَ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْأَعْرَابِ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ
بِالْمِصْرِ الَّذِي يَلِيهِمْ بِغَرْبِيِّ الشَّامِ، وَيَنْحَازُ الْمُسْلِمُونَ
إِلَى عَقَبَةِ أَفِيقَ، فَيَبْعَثُونَ سَرْحًا لَهُمْ، فَيُصَابُ سَرْحُهُمْ،
فَيَشْتَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَتُصِيبُهُمْ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ وَجَهْدٌ
شَدِيدٌ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَحْرِقُ وَتَرَ قَوْسِهِ فَيَأْكُلُهُ،
فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّحَرِ: يَا أَيُّهَا
النَّاسُ، أَتَاكُمُ الْغَوْثُ. ثَلَاثًا، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ
هَذَا الصَّوْتَ لَصَوْتُ رَجُلٍ شَبْعَانَ، وَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ،
عَلَيْهِ السَّلَامُ، عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَيَقُولُ لَهُ أَمِيرُهُمْ: يَا
رُوحَ اللَّهِ، تَقَدَّمْ صَلِّ. فَيَقُولُ: هَذِهِ الْأُمَّةُ أُمَرَاءُ
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَيَتَقَدَّمُ أَمِيرُهُمْ فَيُصَلِّي، فَإِذَا قَضَى
صَلَاتَهُ أَخَذَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَرْبَتَهُ، فَيَذْهَبُ نَحْوَ
الدَّجَّالِ، فَإِذَا رَآهُ الدَّجَّالُ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ، فَيَضَعُ
حَرْبَتَهُ بَيْنَ ثَنْدُوَتَيْهِ فَيَقْتُلُهُ، وَيَنْهَزِمُ أَصْحَابُهُ،
فَلَيْسَ يَوْمَئِذٍ شَيْءٌ يُوَارِي مِنْهُمْ أَحَدًا، حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَةَ
لَتَقُولُ: يَا مُؤْمِنُ، هَذَا كَافِرٌ. وَيَقُولُ الْحَجَرُ: يَا مُؤْمِنُ،
هَذَا كَافِرٌ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَلَعَلَّ هَذَيْنَ الْمِصْرَيْنِ هَمَا الْبَصْرَةُ وَالْكُوفَةُ; بِدَلِيلِ مَا
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ
الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا الْحَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ الْقَيْسِيُّ الْكُوفِيُّ،
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي فِي
هَذَا الْمَسْجِدِ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْبَصْرَةِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَتَنْزِلَنَّ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي
أَرْضًا يُقَالُ لَهَا: الْبَصْرَةُ. يَكْثُرُ بِهَا عَدَدُهُمْ، وَيَكْثُرُ بِهَا
نَخْلُهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ بَنُو قَنْطُورَاءَ صِغَارُ الْعُيُونِ، حَتَّى
يَنْزِلُوا عَلَى جِسْرٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: دِجْلَةُ. فَيَتَفَرَّقُ
الْمُسْلِمُونَ ثَلَاثَ فِرَقٍ، فَأَمَّا فِرْقَةٌ فَيَأْخُذُونَ بِأَذْنَابِ
الْإِبِلِ، وَتَلْحَقُ بِالْبَادِيَةِ، وَهَلَكَتْ، وَأَمَّا فِرْقَةٌ فَتَأْخُذُ
عَلَى أَنْفُسِهَا، وَكَفَرَتْ، فَهَذِهِ وَتِلْكَ سَوَاءٌ، وَأَمَّا فِرْقَةٌ
فَيَجْعَلُونَ عِيَالَهُمْ خَلْفَ ظُهُورِهِمْ وَيُقَاتِلُونَ، فَقَتْلَاهُمْ
شُهَدَاءُ، وَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى بَقِيَّتِهَا ".
ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْعَوَّامِ
بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ. قَالَ الْعَوَّامُ: بَنُو قَنْطُورَاءَ هُمُ التُّرْكُ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، عَنْ عَبْدِ
الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ،
عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ يُقَاتِلُكُمْ قَوْمٌ صِغَارُ الْأَعْيُنِ ". يَعْنِي
التُّرْكَ، قَالَ: " تَسُوقُونَهُمْ ثَلَاثَ مِرَارٍ، حَتَّى تُلْحِقُوهُمْ
بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَأَمَّا فِي السِّيَاقَةِ
الْأُولَى فَيَنْجُو مَنْ هَرَبَ
مِنْهُمْ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَيَنْجُو بَعْضٌ وَيَهْلِكُ بَعْضٌ،
وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ فَيُصْطَلَمُونَ ". أَوْ كَمَا قَالَ. لَفْظُ
أَبِي دَاوُدَ.
وَرَوَى الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ،
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: يَفْتَرِقُ النَّاسُ عِنْدَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ
ثَلَاثَ فِرَقٍ، فِرْقَةٌ تَتْبَعُهُ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِأَرْضِ آبَائِهَا
بِمَنَابِتِ الشِّيحِ، وَفِرْقَةٌ تَأْخُذُ بِشَطِّ الْفُرَاتِ، يُقَاتِلُهُمْ
وَيُقَاتِلُونَهُ، حَتَّى يَجْتَمِعَ الْمُؤْمِنُونَ بِقُرَى الشَّامِ،
وَيَبْعَثُونَ طَلِيعَةً، فِيهِمْ فَارِسٌ فَرَسُهُ أَشْقَرُ أَوْ أَبْلَقُ،
فَيُقْتَلُونَ فَلَا يَرْجِعُ مِنْهُمْ بَشَرٌ.
حَدِيثٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ: قَالَ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ:
حَدَّثَنَا دُحَيْمٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى الْمَعَافِرِيُّ،
هُوَ الْبُرُلُّسِيُّ - أَحَدُ الثِّقَاتِ - عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ،
حَدَّثَنِي أَبُو الْوَازِعِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
لَيُدْرِكَنَّ الدَّجَّالَ مَنْ رَآنِي ". أَوْ قَالَ: " لَيَكُونَنَّ
قَرِيبًا مِنْ مَوْتِي ". قَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ: أَبُو الْوَازِعِ
لَا يُعْرَفُ، وَالْحَدِيثُ مُنْكَرٌ. قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي
عُبَيْدَةَ شَاهِدٌ لَهُ.
حَدِيثٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسْفَاطِيُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَرِيشِ، حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: أَقْبَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ الْعَقِيقِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا مَعَ الثَّنِيَّةِ، قَالَ: إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى مَوَاقِعِ عَدُوِّ اللَّهِ الْمَسِيحِ، إِنَّهُ يُقْبِلُ حَتَّى يَنْزِلَ مِنْ كَذَا، حَتَّى يَخْرُجَ إِلَيْهِ الْغَوْغَاءُ، مَا مِنْ نَقْبٍ مِنْ أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ أَوْ مَلَكَانِ يَحْرُسَانِهِ، مَعَهُ صُورَتَانِ; صُورَةُ الْجَنَّةِ، وَصُورَةُ النَّارِ خَضْرَاءُ، وَمَعَهُ شَيَاطِينُ يَتَشَبَّهُونَ بِالْأَمْوَاتِ، يَقُولُ لِلْحَيِّ: تَعْرِفُنِي؟ أَنَا أَخُوكَ، أَنَا أَبُوكَ، أَنَا ذُو قُرَابَةٍ مِنْكَ، أَلَسْتُ قَدْ مِتُّ؟ هَذَا رَبُّنَا فَاتَّبِعْهُ. فَيَقْضِي اللَّهُ مَا شَاءَ مِنْهُ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ لَهُ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيُسْكِتُهُ وَيُبَكِّتُهُ، وَيَقُولُ: هَذَا الْكَذَّابُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا يَغُرَّنَّكُمْ، فَإِنَّهُ كَذَّابٌ وَيَقُولُ بَاطِلًا، وَلَيْسَ رَبُّكُمْ بِأَعْوَرَ. فَيَقُولُ: هَلْ أَنْتَ مُتَّبِعِي؟ فَيَأْتِي، فَيَشُقُّهُ شِقَّتَيْنِ، وَيَفْصِلُ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: أُعِيدُهُ لَكُمْ؟ فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ أَشَدَّ مَا كَانَ تَكْذِيبًا لَهُ، وَأَشَدَّ شَتْمًا، فَيَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا رَأَيْتُمْ بَلَاءً ابْتُلِيتُمْ بِهِ، وَفِتْنَةً افْتُتِنْتُمْ بِهَا، إِنْ كَانَ صَادِقًا فَلْيُعِدْنِي مَرَّةً أُخْرَى، أَلَا هُوَ كَذَّابٌ. فَيَأْمُرُ بِهِ إِلَى هَذِهِ النَّارِ، وَهَىَ صُورَةُ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يَخْرُجُ قِبَلَ الشَّامِ ".
مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ
ضَعِيفٌ، وَهَذَا السِّيَاقُ فِيهِ غَرَابَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثُ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدٍ
الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ مِحْجَنِ بْنِ
الْأَدْرَعِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ
النَّاسَ، فَقَالَ: يَوْمُ الْخَلَاصِ، وَمَا يَوْمُ الْخَلَاصِ؟! "
ثَلَاثًا. فَقِيلَ لَهُ: وَمَا يَوْمُ الْخَلَاصِ. قَالَ: " يَجِيءُ
الدَّجَّالُ، فَيَصْعَدُ أُحُدًا، فَيَنْظُرُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَيَقُولُ
لِأَصْحَابِهِ: هَلْ تَرَوْنَ هَذَا الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ، هَذَا مَسْجِدُ
أَحْمَدَ. ثُمَّ يَأْتِي الْمَدِينَةَ، فَيَجِدُ بِكُلِّ نَقْبٍ مِنْ أَنِقَابِهَا
مَلَكًا مُصْلِتًا، فَيَأْتِي سَبَخَةَ الْجُرْفِ، فَيَضْرِبُ رُوَاقَهُ، ثُمَّ
تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، فَلَا يَبْقَى مُنَافِقٌ وَلَا
مُنَافِقَةٌ، وَلَا فَاسِقٌ وَلَا فَاسِقَةٌ إِلَّا خَرَجَ إِلَيْهِ، فَذَلِكَ
يَوْمُ الْخَلَاصِ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ مِحْجَنِ
بْنِ الْأَدْرَعِ، قَالَ:أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِيَدِي، فَصَعِدَ عَلَى أُحُدٍ، فَأَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ،
فَقَالَ: " وَيْلَ أُمِّهَا قَرْيَةً! يَدَعُهَا أَهْلُهَا خَيْرَ مَا
تَكُونُ - أَوْ كَأَخْيَرِ مَا تَكُونُ - فَيَأْتِيهَا الدَّجَّالُ، فَيَجِدُ
عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا مَلَكًا مُصْلِتًا بِجَنَاحِهِ، فَلَا
يَدْخُلُهَا ". قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي، فَدَخَلَ
الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي، فَقَالَ لِي: " مَنْ هَذَا؟ "
فَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ خَيْرًا، فَقَالَ: " اسْكُتْ، لَا تُسْمِعْهُ
فَتُهْلِكَهُ ". قَالَ: ثُمَّ أَتَى حُجْرَةَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ،
فَنَفَضَ يَدَهُ مِنْ يَدِي، وَقَالَ: " إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ،
إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ
أَيْسَرُهُ ".
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ مَعْمَرٌ فِي " جَامِعِهِ "، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيُّ، أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ:ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الدَّجَّالَ، فَقَالَ: " يَأْتِي سِبَاخَ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ
عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَهَا، فَتَنْتَفِضُ بِأَهْلِهَا نَفْضَةً أَوْ نَفْضَتَيْنِ،
وَهِيَ الزَّلْزَلَةُ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْهَا كُلُّ مُنَافِقٍ
وَمُنَافِقَةٍ، ثُمَّ يُوَلِّي الدَّجَّالُ قِبَلَ الشَّامِ، حَتَّى يَأْتِيَ
بَعْضَ جِبَالِ الشَّامِ، وَبَقِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُعْتَصِمُونَ
بِذُرْوَةِ جَبَلٍ، فَيُحَاصِرُهُمْ نَازِلًا بِأَصْلِهِ، حَتَّى إِذَا طَالَ
عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ، قَالَ رَجُلٌ: حَتَّى مَتَى أَنْتُمْ هَكَذَا، وَعَدُوُّ
اللَّهِ نَازِلٌ بِأَصْلِ جَبَلِكُمْ؟ هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا بَيْنَ إِحْدَى
الْحُسْنَيَيْنِ; بَيْنَ أَنْ يَسْتَشْهِدَكُمْ أَوْ يُظْهِرَكُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ.
فَتَتَبَايَعُونَ عَلَى الْمَوْتِ بَيْعَةً يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهَا الصِّدْقُ
مِنْ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ تَأْخُذُهُمْ ظُلْمَةٌ لَا يُبْصِرُ امْرُؤٌ كَفَّهُ،
فَيَنْزِلُ ابْنُ مَرْيَمَ، فَيَحْسِرُ عَنْ أَبْصَارِهِمْ، وَبَيْنَ أَظْهُرِهِمْ
رَجُلٌ عَلَيْهِ لَأْمَةٌ، فَيَقُولُونَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَبْدُ
اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَرُوحُهُ، وَكَلِمَتُهُ، عِيسَى، اخْتَارُوا إِحْدَى
ثَلَاثٍ، بَيْنَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ عَلَى الدَّجَّالِ وَجُنُودِهِ عَذَابًا
مِنَ السَّمَاءِ، أَوْ يَخْسِفَ بِهِمُ الْأَرْضَ، أَوْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ
سِلَاحَكُمْ، وَيَكُفَّ سِلَاحَهُمْ عَنْكُمْ. فَيَقُولُونَ: هَذِهِ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، أَشَفَى لِصُدُورِنَا. فَيَوْمَئِذٍ يُرَى الْيَهُودِيُّ الْعَظِيمُ
الطَّوِيلُ، الْأَكُولُ الشَّرُوبُ، لَا تُقِلُّ يَدُهُ سَيْفَهُ; مِنَ الرِّعْدَةِ،
فَيَنْزِلُونَ إِلَيْهِمْ، فَيُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ، وَيَذُوبُ الدَّجَّالُ
حَتَّى يُدْرِكَهُ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ، فَيَقْتُلَهُ " قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: هَذَا
حَدِيثٌ قَوِيُّ الْإِسْنَادِ.
حَدِيثُ نَهِيكِ بْنِ صُرَيْمٍ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ:
حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الزَّمِنُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ
بِشْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ نَهِيكِ بْنِ صُرَيْمٍ
السَّكُونِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَتُقَاتِلُنَّ الْمُشْرِكِينَ، حَتَّى تُقَاتِلَ بَقِيَّتُكُمُ الدَّجَّالَ عَلَى
نَهَرِ الْأُرْدُنِّ، أَنْتُمْ شَرْقِيَّهُ، وَهُوَ غَرْبِيَّهُ ". قَالَ: وَمَا
أَدْرِي أَيْنَ الْأُرْدُنُّ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْأَرْضِ؟ وَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ
بْنُ سَالِمٍ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ صَالِحٍ. حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ،
عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ
الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ
وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ، يَا عَبْدَ
اللَّهِ، هَذَا الْيَهُودِيُّ مِنْ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا
الْغَرْقَدَ; فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ ".
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ
قُتَيْبَةَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا
التُّرْكَ ". الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِطُرُقِهِ
وَأَلْفَاظِهِ، وَالظَّاهِرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ الْمُرَادَ بِهَؤُلَاءِ
التُّرْكِ أَنْصَارُ الدَّجَّالِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبَى هُرَيْرَةَ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
لَيَنْزِلَنَّ الدَّجَّالُ بِخُوزَ وَكَرْمَانَ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا كَأَنَّ
وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ ". إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ
حَسَنٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ:
حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنِ الْحَارِثِ
بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ، وَذَكَرَ
الدَّجَّالَ، فَقَالَ: " إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا حَذَّرَهُ
أُمَّتَهُ، وَسَأَصِفُهُ لَكُمْ مَا لَمْ يَصِفْهُ نَبِيٌّ قَبْلِي; إِنَّهُ
أَعْوَرُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ. يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ
يَكْتُبُ أَوْ لَا يَكْتُبُ ". هَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ لَمْ يُخْرِجُوهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْعَلَاءِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْمَدِينَةُ وَمَكَّةُ
مَحْفُوفَتَانِ بِالْمَلَائِكَةِ، عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهُمَا مَلَكٌ لَا
يَدْخُلُهُمَا الدَّجَّالُ وَلَا الطَّاعُونُ ". هَذَا غَرِيبٌ جِدًّا، وَذِكْرُ
مَكَّةَ فِي هَذَا لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، أَوْ ذِكْرُ الطَّاعُونِ، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ، وَالْعَلَاءُ الثَّقَفِيُّ هَذَا إِنْ كَانَ ابْنَ زَيْدَلٍ، فَهُوَ
كَذَّابٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ،
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عِمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ:مَازِلْتُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مُنْذُ ثَلَاثٍ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى
الدَّجَّالِ ". قَالَ: وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِي ".
قَالَ: وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَعْتِقِيهَا; فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ
إِسْمَاعِيلَ ".
حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ
بْنُ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ
يُحَدِّثُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ
سَمِعَ
بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ،
فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ
فَيَتَّبِعُهُ، مِمَّا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ " أَوْ لِمَا
يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ ". هَكَذَا قَالَ. تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو
دَاوُدَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ
بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءِ، عَنْ
عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَأْتِيهِ
يَحْسَبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، فَمَا يَزَالُ بِهِ - لِمَا مَعَهُ مِنَ الشُّبَهِ -
حَتَّى يَتَّبِعَهُ ". وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ
هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَأَبُو الدَّهْمَاءِ -
وَاسْمُهُ قِرْفَةُ بْنُ بُهَيْسٍ الْعَدَوِيُّ - ثِقَةٌ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ،
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، وَمَشَى فِي الْأَسْوَاقِ ".
يَعْنِي الدَّجَّالَ.
حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ:
حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا بِحِيرٌ،
عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ
جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ
عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي قَدْ حَدَّثْتُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ،
حَتَّى خَشِيتُ أَلَّا تَعْقِلُوا، إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ رَجُلٌ قَصِيرٌ،
أَفْحَجُ، جَعْدٌ، أَعْوَرُ، مَطْمُوسُ الْعَيْنِ لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ، وَلَا
حَجْرَاءَ، فَإِنْ لُبِّسَ عَلَيْكُمْ، فَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ
بِأَعْوَرَ ". وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ وَيَزِيدَ
بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ،
كُلُّهُمْ عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ، بِهِ.
حَدِيثٌ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ
أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، حَدَّثَنِي بَعْضُ
أَصْحَابِنَاعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، أَنَّهَا شَكَتْ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَاجَةَ، فَقَالَ: " كَيْفَ
بِكُمْ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِعَبْدٍ قَدْ سُخِّرَتْ لَهُ أَنْهَارُ الْأَرْضِ
وَثِمَارُهَا، فَمَنِ اتَّبَعَهُ أَطْعَمَهُ وَأَكْفَرَهُ، وَمَنْ عَصَاهُ
حَرَمَهُ وَمَنَعَهُ؟ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْجَارِيَةَ
لَتُخْلَفَنَّ عَلَى التَّنُّورِ سَاعَةً تَخْبِزُهَا، فَأَكَادُ أَفْتَتِنُ بِهَا
فِي صَلَاتِي، فَكَيْفَ بِنَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ
لَيَعْصِمُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا
يَعْصِمُ بِهِ الْمَلَائِكَةَ مِنَ التَّسْبِيحِ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ:
كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ ".
حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ
عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ الرُّؤَاسِيُّ،
عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ
الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ:مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُ. قَالَ: "
وَمَا يُنْصِبُكَ مِنْهُ؟ إِنَّهُ لَا يَضُرُّكَ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَعَهُ الطَّعَامَ وَالْأَنْهَارَ.
قَالَ: " هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ".
حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ
قَيْسٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ:مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُهُ.
قَالَ: " وَمَا سُؤَالُكَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ:
مَعَهُ جِبَالٌ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ، وَنَهْرٌ مِنْ مَاءٍ. قَالَ " هُوَ
أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا فِي الِاسْتِئْذَانِ، مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُسَدَّدٍ،
عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ
حُذَيْفَةَ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَاءَهُ نَارٌ، وَنَارَهُ مَاءٌ بَارِدٌ، وَإِنَّمَا
ذَلِكَ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ.
وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، كَابْنِ حَزْمٍ
وَالطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِمَا فِي أَنَّ الدَّجَّالَ مُمَخْرِقٌ مُمَوِّهٌ، لَا
حَقِيقَةَ لِمَا يُبْدِي لِلنَّاسِ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تُشَاهَدُ فِي
زَمَانِهِ، بَلْ كُلُّهَا خَيَالَاتٌ عِنْدَ هَؤُلَاءِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو
عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ شَيْخُ الْمُعْتَزِلَةِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
لِذَلِكَ حَقِيقَةٌ; لِئَلَّا يَشْتَبِهَ خَارِقُ السَّاحِرِ بِخَارِقِ
النَّبِيِّ. وَقَدْ أَجَابَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الدَّجَّالَ
إِنَّمَا يَدَّعِي الْإِلَهِيَّةَ، وَذَلِكَ مُنَافٍ لِبَشَرِيَّتِهِ، فَلَا
يَمْتَنِعُ إِجْرَاءُ الْخَارِقِ عَلَى يَدَيْهِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ.
وَقَدْ أَنْكَرَتْ طَوَائِفُ كَثِيرَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْجَهْمِيَّةِ
وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ خُرُوجَ الدَّجَّالِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَرَدُّوا
الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِيهِ، فَلَمْ يَصْنَعُوا شَيْئًا، وَخَرَجُوا
بِذَلِكَ عَنْ حَيِّزِ الْعُلَمَاءِ; لِرَدِّهِمْ مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ
الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَا
بَعْضَ مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَفِيهِ كِفَايَةٌ وَمَقْنَعٌ، وَبِاللَّهِ
الْمُسْتَعَانُ.
وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ الدَّجَّالَ
يَمْتَحِنُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ بِمَا يَخْلُقُهُ مَعَهُ مِنَ الْخَوَارِقِ
الْمُشَاهَدَةِ فِي زَمَانِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَنِ اسْتَجَابَ لَهُ
يَأْمُرُ السَّمَاءَ
فَتُمْطِرُهُمْ، وَالْأَرْضَ
فَتُنْبِتُ لَهُمْ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ، وَأَنْفُسُهُمْ
وَتَرْجِعُ إِلَيْهِمْ مَوَاشِيهِمْ سِمَانًا لَبَنًا، وَمَنْ لَا يَسْتَجِيبُ
لَهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَمْرَهُ تُصِيبُهُمُ السَّنَةُ وَالْجَدْبُ وَالْقَحْطُ
وَالْغُلَّةُ وَمَوْتُ الْأَنْعَامِ وَنَقْصُ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ
وَالثَّمَرَاتِ، وَأَنَّهُ يَتْبَعُهُ كُنُوزُ الْأَرْضِ كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ،
وَأَنَّهُ يَقْتُلُ ذَلِكَ الشَّابَّ ثُمَّ يُحْيِيهِ، وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ
بِمَخْرَقَةٍ، بَلْ لَهُ حَقِيقَةٌ امْتَحَنَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ،
فَيُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا، وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا، يَكْفُرُ الْمُرْتَابُونَ،
وَيَزْدَادُ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا.
وَقَدْ حَمَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَعْنَى
الْحَدِيثِ: " هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ". أَيْ هُوَ
أَقَلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَا يُضِلُّ بِهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ،
وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُ نَاقِصٌ، ظَاهِرُ النَّقْصِ وَالْفُجُورِ
وَالظُّلْمِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَا مَعَهُ مِنَ الْخَوَارِقِ; فَبَيْنَ
عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ: كَافِرٌ. كِتَابَةً ظَاهِرَةً، وَقَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ
الشَّارِعُ فِي خَبَرِهِ بِقَوْلِهِ: " كَ فَ رَ ". فَدَلَّ ذَلِكَ
عَلَى أَنَّهُ كِتَابَةٌ حِسِّيَّةٌ، لَا مَعْنَوِيَّةٌ، كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ
النَّاسِ، وَعَيْنُهُ الْوَاحِدَةُ عَوْرَاءُ شَنِيعَةُ الْمَنْظَرِ نَاتِئَةٌ،
وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: " كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ ". أَيْ
عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، وَمَنْ رَوَى ذَلِكَ: " طَافِئَةٌ ".
فَمَعْنَاهُ: لَا ضَوْءَ فِيهَا. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " كَأَنَّهَا
نُخَامَةٌ عَلَى حَائِطٍ مُجَصَّصٍ ". أَيْ بَشِعَةُ الشَّكْلِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ عَيْنَهُ الْيُمْنَى عَوْرَاءُ،
وَجَاءَ فِي بَعْضِهَا: الْيُسْرَى. فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ إِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ غَيْرَ مَحْفُوظَةٍ، أَوْ أَنَّ الْعَوَرَ
حَاصِلٌ فِي كُلٍّ مِنَ الْعَيْنَيْنِ،
وَيَكُونُ مَعْنَى الْعَوَرِ النَّقْصَ وَالْعَيْبَ، وَيُقَوِّي هَذَا الْجَوَابَ
مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمَّارُ
وَأَبُو خَلِيفَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ،
حَدَّثَنَا سِمَاكٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدَّجَّالُ جَعْدٌ هِجَانٌ أَقْمَرُ،
كَأَنَّ رَأْسَهُ غُصْنُ شَجَرَةٍ، مَطْمُوسُ عَيْنِهِ الْيُسْرَى، وَالْأُخْرَى
كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ ". الْحَدِيثَ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ، عَنْ سِمَاكٍ بِنَحْوِهِ. لَكِنْ قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ
الْمُتَقَدِّمِ: " وَعَيْنُهُ الْأُخْرَى كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ
".
وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ الرِّوَايَةُ الْوَاحِدَةُ غَلَطًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ
يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ عَوْرَاءُ فِي نَفْسِهَا،
وَالْأُخْرَى عَوْرَاءُ بِاعْتِبَارِ انْفِرَادِهَا. وَاللَّهُ، سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى، أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
وَقَدْ سَأَلَ سَائِلٌ سُؤَالًا، فَقَالَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الدَّجَّالَ
مَعَ كَثْرَةِ شَرِّهِ وَفُجُورِهِ، وَانْتِشَارِ أَمْرِهِ، وَدَعْوَاهُ
الرُّبُوبِيَّةَ، وَهُوَ فِي ذَاكَ ظَاهِرُ الْكَذِبِ وَالِافْتِرَاءِ، وَقَدْ
حَذَّرَ مِنْهُ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ، كَيْفَ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ،
وَيُبَصَّرْ مِنْهُ، وَيُصَرَّحْ بِاسْمِهِ، وَيُنَوَّهْ بِكَذِبِهِ وَعِنَادِهِ؟.
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ; أَحَدُهَا أَنَّهُ قَدْ أُشِيرَ إِلَى ذِكْرِهِ فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا
إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا
خَيْرًا
الْآيَةَ [ الْأَنْعَامِ: 158 ].
فَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِهَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ
حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ
أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ
تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا الدَّجَّالُ،
وَالدَّابَّةُ، وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ - أَوْ مِنْ مَغْرِبِهَا
". ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
الثَّانِي: أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا،
فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ ذُكِرَ فِي
الْقُرْآنِ نُزُولُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ
وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا
لِيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ
شَهِيدًا [ النِّسَاءِ: 158، 159 ].
وَقَدْ قَرَّرْنَا فِي " التَّفْسِيرِ " أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى: قَبْلَ مَوْتِهِ. عَائِدٌ عَلَى عِيسَى، أَيْ سَيَنْزِلُ إِلَى
الْأَرْضِ، وَيُؤْمِنُ بِهِ أَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ
اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا، فَمِنْ مُدِّعِي الْإِلَهِيَّةِ كَالنَّصَارَى، وَمِنْ
قَائِلٍ فِيهِ قَوْلًا عَظِيمًا، وَهُوَ أَنَّهُ وَلَدُ زَنْيَةٍ، وَهُمُ
الْيَهُودُ، وَمِنْ قَائِلٍ أَنَّهُ قُتِلَ وَصُلِبَ وَمَاتَ. إِلَى غَيْرِ
ذَلِكَ، فَإِذَا نَزَلَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَحَقَّقَ كُلٌّ مِنَ
الْفَرِيقَيْنِ كَذِبَ نَفْسِهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ فِيهِ مِنَ الِافْتِرَاءِ،
وَسَنُقَرِّرُ هَذَا قَرِيبًا. وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ ذِكْرُ نُزُولِ الْمَسِيحِ
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إِشَارَةً إِلَى ذِكْرِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ مَسِيحِ
الضَّلَالَةِ، وَهُوَ ضِدُّ مَسِيحِ الْهُدَى، وَمِنْ
عَادَةِ الْعَرَبِ أَنَّهَا تَكْتَفِي
بِذِكْرِ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ عَنْ ذِكْرِ الْآخَرِ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي
مَوْضِعِهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ بِصَرِيحِ اسْمِهِ فِي الْقُرْآنِ احْتِقَارًا
لَهُ، حَيْثُ إِنَّهُ يَدَّعِي الْإِلَهِيَّةَ وَهُوَ بَشَرٌ، وَهُوَ مَعَ بَشَرِيَّتِهِ
نَاقِصُ الْخَلْقِ يُنَافِي حَالُهُ جَلَالَ الرَّبِّ وَعَظَمَتَهُ
وَكِبْرِيَاءَهُ وَتَنْزِيهَهُ عَنِ النَّقْصِ، فَكَانَ أَمْرُهُ عِنْدَ الرَّبِّ
أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ، وَأَصْغَرَ، وَأَدْحَرَ مِنْ أَنْ يُجْلَى عَنْ
أَمْرِ دَعْوَاهُ وَيُحَذَّرَ، وَلَكِنِ انْتَصَرَ الرُّسُلُ لِجَنَابِ الرَّبِّ،
عَزَّ وَجَلَّ، فَجَلَوْا لِأُمَمِهِمْ عَنْ أَمْرِهِ، وَحَذَّرُوهُمْ مَا مَعَهُ
مِنَ الْفِتَنِ الْمُضِلَّةِ، وَالْخَوَارِقِ الْمُنْقَضِيَةِ الْمُضْمَحِلَّةِ،
فَاكْتَفَى بِإِخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ، وَتَوَاتَرَ ذَلِكَ عَنْ سَيِّدِ وَلَدِ
آدَمَ إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ عَنْ أَنْ يَذْكُرَ أَمْرَهُ الْحَقِيرَ
بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَلَالِ اللَّهِ، فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَوَكَلَ
بَيَانَ أَمْرِهِ إِلَى كُلِّ نَبِيٍّ كَرِيمٍ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَقَدْ ذُكِرَ فِرْعَوْنُ فِي الْقُرْآنِ، وَقَدِ ادَّعَى مَا
ادَّعَاهُ مِنَ الْإِلَهِيَّةِ وَالْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ; حَيْثُ قَالَ: أَنَا
رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [ النَّازِعَاتِ: 24 ]. وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا
عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [ الْقَصَصِ: 38 ]. فَالْجَوَابُ أَنَّ
أَمْرَ فِرْعَوْنَ قَدِ انْقَضَى، وَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ
وَعَاقِلٍ، وَأَمْرُ الدَّجَّالِ سَيَأْتِي، وَهُوَ كَائِنٌ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ
فِتْنَةً وَاخْتِبَارًا لِلْعِبَادِ، فَتُرِكَ ذِكْرُهُ فِي الْقُرْآنِ
احْتِقَارًا لَهُ، وَامْتِحَانًا بِهِ، إِذْ أَمْرُهُ وَكَذِبُهُ أَظْهَرُ مِنْ
أَنْ يُنَبَّهَ عَلَيْهِ، وَيُحَذَّرَ مِنْهُ، وَقَدْ يُتْرَكُ ذِكْرُ الشَّيْءِ
لِوُضُوحِهِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
مَرَضِ مَوْتِهِ قَدْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا بِخِلَافَةِ أَبِي
بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ،
وَقَالَ: " يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ ".
فَتَرَكَ نَصَّهُ عَلَيْهِ لِوُضُوحِ جَلَالَتِهِ، وَعَظِيمِ
قَدْرِهِ عِنْدَ الصَّحَابَةِ،
وَعَلِمَ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَنَّهُمْ لَا يَعْدِلُونَ بِهِ
أَحَدًا بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ الْأَمْرُ، وَلِهَذَا يُذْكَرُ هَذَا
الْحَدِيثُ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ غَيْرَ
مَرَّةٍ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ.
وَهَذَا الْمَقَامُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَهُوَ أَنَّ
الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ ظُهُورُهُ كَافِيًا عَنِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ
الْأَمْرَ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ وَأَجْلَى مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ مَعَهُ إِلَى
زِيَادَةِ إِيضَاحٍ عَلَى مَا فِي الْقُلُوبِ مُسْتَقِرٌّ، فَالدَّجَّالُ وَاضِحُ
الذَّمِّ ظَاهِرُ النَّقْصِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَقَامِ الَّذِي يَدَّعِيهِ
مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ، فَتَرَكَ اللَّهُ ذِكْرَهُ وَالنَّصَّ عَلَيْهِ; لِمَا
يَعْلَمُ تَعَالَى مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ مِثْلَ الدَّجَّالِ لَا
يَخْفَى ضَلَالُهُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَهِيضُهُمْ، وَلَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا
إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَتَصْدِيقًا لِلْحَقِّ، وَرَدًّا
لِلْبَاطِلِ.
وَلِهَذَا يَقُولُ ذَلِكَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُسَلَّطُ عَلَيْهِ الدَّجَّالُ
فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يُحْيِيهِ: وَاللَّهِ مَا ازْدَدْتُ فِيكَ إِلَّا بَصِيرَةً،
أَنْتَ الْأَعْوَرُ الْكَذَّابُ الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ سَمِعَ خَبَرَ
الدَّجَّالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِفَاهًا.
وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ الْفَقِيهُ
الرَّاوِي لِلصَّحِيحِ عَنْ مُسْلِمٍ، فَحَكَى عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ الْخَضِرُ،
عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَعْمَرٍ فِي "
جَامِعِهِ ".
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي "
مُسْنَدِهِ "، وَأَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ "، وَالتِّزْمِذِيُّ
فِي " جَامِعِهِ "، بِإِسْنَادِهِمْ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَعَلَّهُ
سَيُدْرِكُهُ مَنْ رَآنِي، وَسَمِعَ كَلَامِي ". وَهَذَا مِمَّا قَدْ
يَتَقَوَّى بِهِ بَعْضُ مَنْ يَقُولُ بِهَذَا، وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ
غَرَابَةٌ، وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُبَيَّنَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِ الدَّجَّالِ مَا بُيِّنَ فِي ثَانِي الْحَالِ.
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي قِصَّةِ الْخَضِرِ كَلَامَ النَّاسِ فِي حَيَاتِهِ،
وَدَلَّلْنَا عَلَى وَفَاتِهِ بِأَدِلَّةٍ أَسْلَفْنَاهَا هُنَالِكَ، فَمَنْ
أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَلْيَتَأَمَّلْهَا فِي قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ
كِتَابِنَا هَذَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
ذِكْرُ مَا يَعْصِمُ مِنَ الدَّجَّالِ فَمِنْ ذَلِكَ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ
فِتْنَتِهِ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ، مِنْ غَيْرِ
وَجْهٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ فِي
الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ أُمَّتَهُ بِذَلِكَ أَيْضًا: " اللَّهُمَّ
إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَمِنْ
فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ
". وَذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ
عَبَّاسٍ، وَسَعْدٍ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ،
وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ: وَالِاسْتِعَاذَةُ
مِنَ الدَّجَّالِ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
وَمِنْ ذَلِكَ حِفْظُ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ، كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ:
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هُشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا
سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،
يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ حَفِظَ
عَشْرَ آيَاتٍ مَنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ
". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَا قَالَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ
قَتَادَةَ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ حَفِظَ مِنْ خَوَاتِيمِ سُورَةِ
الْكَهْفِ ". وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ: " مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ
".
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
هَمَّامٍ، وَهِشَامٍ، وَشُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهِ، بِأَلْفَاظٍ
مُخْتَلِفَةٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي بَعْضِ
رِوَايَاتِهِ: " الثَّلَاثُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ ".
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَعَفَّانَ وَعَبْدِ الصَّمَدِ،
عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ بِهِ: مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ
سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ ".
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَنْ رَوْحٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ بِمِثْلِهِ،
وَرَوَاهُ عَنْ حُسَيْنٍ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ قَتَادَةَ كَذَلِكَ، وَقَدْ
رَوَاهُ عَنْ غُنْدَرٍ وَحَجَّاجٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ وَقَالَ: مَنْ
حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ
الدَّجَّالِ ".
وَمِنْ ذَلِكَ الِابْتِعَادُ عَنْهُ فَلَا يَرَاهُ; فَإِنَّ مَنْ رَآهُ افْتَتَنَ،
كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ
فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسَبُ
أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ; لِمَا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ ".
وَمِمَّا يَعْصِمُ مِنْ فِتْنَةِ
الدَّجَّالِ سُكْنَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وَمَكَّةَ، شَرَّفَهُمَا اللَّهُ
تَعَالَى، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ الْإِمَامِ
مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ، لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا
الدَّجَّالُ ".
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي
بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَدْخُلُ
الْمَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ; لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ
أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ ". وَقَدْ رَوَى هَذَا جَمَاعَةٌ
مِنَ الصِّحَابَةِ مِنْهُمْ; أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَسَلَمَةُ
بْنُ الْأَكْوَعِ، وَمِحْجَنُ بْنُ الْأَدْرَعِ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ،
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَأْتِي
الدَّجَّالُ الْمَدِينَةَ، فَيَجِدُ الْمَلَائِكَةَ يَحْرُسُونَهَا، فَلَا
يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ ".
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُوسَى، وَإِسْحَاقِ بْنِ أَبِي
عِيسَى، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا
حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ
قَيْسٍ، وَمِحْجَنٍ، وَأُسَامَةَ، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي
الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ وَلَا الْمَدِينَةَ تَمَنَعُهُ
الْمَلَائِكَةُ; لِشَرَفِ هَاتَيْنِ
الْبُقْعَتَيْنِ، فَهُمَا حَرَمَانِ
آمِنَانِ، وَإِنَّمَا إِذَا نَزَلَ عِنْدَ سَبَخَةِ الْمَدِينَةِ تَرْجُفُ
بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، إِمَّا حِسًّا، وَإِمَّا مَعْنًى، عَلَى
الْقَوْلَيْنِ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ، فَيَوْمَئِذٍ
تَنْفِي الْمَدِينَةُ خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ طِيبُهَا، كَمَا تَقَدَّمَ.
مُلَخَّصُ سِيرَةِ الدَّجَّالِ، لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى
هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى، لِيَكُونَ مِحْنَةً
وَاخْتِبَارًا لِلنَّاسِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فَيُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا،
وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا، وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ، فِي "
تَارِيخِهِ "، مِنْ طَرِيقِ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ قَالَ:
كُنْيَةُ الدَّجَّالِ أَبُو يُوسُفَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
وَأَبِي ذَرٍّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ،
كَمَا تَقَدَّمَ، أَنَّهُ ابْنُ صَيَّادٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: يَمْكُثُ أَبَوَا الدَّجَّالِ ثَلَاثِينَ عَامًا لَا يُولَدُ لَهُمَا،
ثُمَّ يُولَدُ لَهُمَا غُلَامٌ أَعْوَرُ أَضَرُّ شَيْءٍ، وَأَقَلُّهُ نَفْعًا،
تَنَامُ عَيْنَاهُ، وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ ". ثُمَّ نَعَتَ أَبَوَيْهِ،
فَقَالَ: " أَبُوهُ رَجُلٌ طَوِيلٌ، مُضْطَرِبُ اللَّحْمِ، طَوِيلُ
الْأَنْفِ، كَأَنَّ أَنْفَهُ مِنْقَارٌ، وَأُمُّهُ امْرَأَةٌ
فِرْضَاخِيَّةٌ، عَظِيمَةُ
الثَّدْيَيْنِ ". قَالَ: فَبَلَغَنَا أَنَّ مَوْلُودًا مِنَ الْيَهُودِ
وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ،
حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبَوَيْهِ، فَرَأَيْنَا فِيهِمَا نَعْتَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا هُوَ مُنْجَدِلٌ فِي الشَّمْسِ فِي
قَطِيفَةٍ، لَهُ هَمْهَمَةٌ، فَسَأَلْنَا أَبَوَيْهِ، فَقَالَا: مَكَثْنَا
ثَلَاثِينَ عَامًا لَا يُولَدُ لَنَا، ثُمَّ وُلِدَ لَنَا غُلَامٌ أَعْوَرُ،
أَضَرُّ شَيْءٍ، وَأَقَلُّهُ نَفْعًا. فَلَمَّا خَرَجْنَا مَرَرْنَا بِهِ،
فَقَالَ: مَا كُنْتُمَا فِيهِ؟ قُلْنَا: وَسَمِعْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّهُ
تَنَامُ عَيْنَايَ، وَلَا يَنَامُ قَلْبِي. فَإِذَا هُوَ ابْنُ صَيَّادٍ.
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَقَالَ:
حَسَنٌ غَرِيبٌ. قُلْتُ: بَلْ هُوَ مُنْكَرٌ جِدًّا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ كَانَ ابْنُ صَيَّادٍ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ، وَقِيلَ: كَانَ مِنَ
الْأَنْصَارِ. وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَيُقَالُ: صَافُ. وَقَدْ جَاءَ هَذَا
وَهَذَا، وَقَدْ يَكُونُ أَصْلَ اسْمِهِ صَافُ، ثُمَّ تَسَمَّى لَمَّا أَسْلَمَ
بِعَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ ابْنُهُ عُمَارَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ سَادَاتِ
التَّابِعِينَ، رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ
الصَّحِيحَ أَنَّ الدَّجَّالَ غَيْرُ ابْنِ صَيَّادٍ، وَأَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ
كَانَ دَجَّالًا مِنَ الدَّجَاجِلَةِ، ثُمَّ تِيبَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ،
فَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِضَمِيرِهِ
وَسَرِيرَتِهِ.
وَأَمَّا الدَّجَّالُ الْأَكْبَرُ فَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ
بِنْتِ قَيْسٍ، الَّذِي رَوَتْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَفِيهِ قِصَّةُ الْجَسَّاسَةِ، ثُمَّ
يُؤْذَنُ لَهُ فِي الْخُرُوجِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، بَعْدَ فَتْحِ الْمُسْلِمِينَ
مَدِينَةَ الرُّومِ الْمُسَمَّاةَ بِقُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَيَكُونُ بُدُوُّ
ظُهُورِهِ مِنْ أَصْبَهَانَ مِنْ حَارَةٍ بِهَا يُقَالُ لَهَا: الْيَهُودِيَّةُ.
وَيَنْصُرُهُ مِنْ أَهْلِهَا سَبْعُونَ أَلْفَ يَهُودِيٍّ، عَلَيْهِمُ
الْأَسْلِحَةُ وَالسِّيجَانُ، وَهَى الطَّيَالِسَةُ الْخُضْرُ، وَكَذَلِكَ
يَنْصُرُهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ التَّتَارِ، وَخَلْقٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ،
فَيَظْهَرُ أَوَّلًا فِي صُورَةِ مَلِكٍ مِنَ الْمُلُوكِ الْجَبَابِرَةِ، ثُمَّ
يَدَّعِي النُّبُوَّةَ، ثُمَّ يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ، فَيَتْبَعُهُ عَلَى
ذَلِكَ الْجَهَلَةُ مِنْ بُنِيَ آدَمَ، وَالطَّغَامُ مِنَ الرَّعَاعِ
وَالْعَوَامِّ، وَيُخَالِفُهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ
الصَّالِحِينَ، وَحِزْبِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ، وَيَتَدَنَّى فَيَأْخُذُ
الْبِلَادَ بَلَدًا بَلَدًا، وَحِصْنًا حِصْنًا، وَإِقْلِيمًا إِقْلِيمًا،
وَكُورَةً كُورَةً، وَلَا يَبْقَى بَلَدٌ مِنَ الْبِلَادِ إِلَّا وَطِئَهُ
بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ، غَيْرَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَمُدَّةُ مُقَامِهِ فِي
الْأَرْضِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ
كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِ النَّاسِ هَذِهِ، وَمُعَدَّلُ ذَلِكَ
سَنَةٌ وَشَهْرَانِ وَنِصْفٌ، وَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ خَوَارِقَ
كَثِيرَةً، يُضِلُّ بِهَا مَنْ
يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، وَيَثْبُتُ
مَعَهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَيَزْدَادُونَ بِهَا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ،
وَهُدًى إِلَى هُدَاهُمْ، وَيَكُونُ نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مَسِيحِ الْهُدَى فِي أَيَّامِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ
مَسِيحِ الضَّلَالَةِ عَلَى الْمَنَارَةِ الشَّرْقِيَّةِ بِدِمَشْقَ، فَيَجْتَمِعُ
عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ، وَيَلْتَفِتُ مَعَهُ عِبَادُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ،
فَيَسِيرُ بِهِمْ قَاصِدًا نَحْوَ الدَّجَّالِ، وَقَدْ تَوَجَّهَ نَحْوَ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ، فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ عَقَبَةِ أَفِيقَ، فَيَنْهَزِمُ مِنْهُ
الدَّجَّالُ، فَيَلْحَقُهُ عِنْدَ بَابِ مَدِينَةِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ
بِحَرْبَتِهِ، وَهُوَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا، وَيَقُولُ لَهُ: إِنَّ لِي فِيكَ
ضَرْبَةً لَنْ تَفُوتَنِي. وَإِذَا وَاجَهَهُ الدَّجَّالُ انْمَاعَ كَمَا
يَنْمَاعُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ، فَتَكُونُ
وَفَاتُهُ هُنَالِكَ، لَعَنَهُ اللَّهُ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ
الصِّحَاحُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَمَا سَيَأْتِي.
وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْأَنْصَارِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَمِّي
مُجَمِّعَ بْنَ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَقْتُلُ ابْنُ مَرْيَمَ الدَّجَّالَ
بِبَابِ لُدٍّ ".
وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي
النَّضْرِ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ، عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَهُوَ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِهِ، وَإِسْنَادُهُ مِنْ بَعْدِهِ
ثِقَاتٌ، وَلِهَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لَهُ: هَذَا حَدِيثٌ
" صَحِيحٌ. قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَنَافِعِ
بْنِ عُتْبَةَ، وَأَبِي بَرْزَةَ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ،
وَكَيْسَانَ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ،
وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ،
وَالنَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ، وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ
الْيَمَانِ.
وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ يَهُودِيًّا عَنِ
الدَّجَّالِ، فَقَالَ: وَإِلَهِ يَهُودَ لَيَقْتُلَنَّهُ ابْنُ مَرْيَمَ بِفِنَاءِ
لُدٍّ.
صِفَةُ الدَّجَّالِ، قَبَّحَهُ اللَّهُ
وَلَعَنَهُ وَأَخْزَاهُ وَأَخَسَاهُ
قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّهُ أَزْهَرُ هِجَانٌ
فَيْلَمَانِيٌّ، وَهُوَ كَثِيرُ الشَّعْرِ، وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ قَصِيرٌ
أَفْحَجُ. وَفِي حَدِيثٍ أَنَّهُ طَوِيلٌ، وَجَاءَ أَنَّ مَا بَيْنَ أُذُنَيْ
حِمَارِهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَيُرْوَى
فِي حَدِيثٍ آخَرَ: سَبْعُونَ بَاعًا. وَلَا يَصِحُّ، وَفِي الْأَوَّلِ نَظَرٌ.
وَقَالَ عَبْدَانُ فِي كِتَابِ " مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ ": رَوَى
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ حَوْطٍ
الْعَبْدِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: أُذُنُ حِمَارِ الدَّجَّالِ تُظِلُّ
سَبْعِينَ أَلْفًا.
قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: حَوْطٌ مَجْهُولٌ، وَالْخَبَرُ
مُنْكَرٌ.
وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَإِنَّ
رَأْسَهُ مِنْ وَرَائِهِ كَأَنَّهُ أَصَلَةٌ - أَيْ حَيَّةٌ - لَعَلَّهُ طَوِيلُ
الرَّأْسِ.
وَقَالَ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ
أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا النَّاسُ
قَدْ تَكَابُّوا عَلَى رَجُلٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ بَعْدِيَ الْكَذَّابَ
الْمُضِلَّ، وَإِنَّ رَأْسَهُ مِنْ
وَرَائِهِ حُبُكٌ حُبُكٌ ".
وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَمَعْنَى حُبُكٍ أَيْ: جَعْدٌ
خَشِنٌ، كَقَوْلِهِ: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ [ الذَّارِيَاتِ: 7 ].
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ
وَأَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، الْمَعْنَى، عَنْ عَاصِمِ بْنِ
كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَرَجْتُ إِلَيْكُمْ، وَقَدْ بُيِّنَتْ لِي
لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَمَسِيحُ الضَّلَالَةِ. فَكَانَ تَلَاحٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ
بِسُدَّةِ الْمَسْجِدِ، فَأَتَيْتُهُمَا; لِأَحْجِزَ بَيْنَهُمَا،
فَأَنْسَيْتُهُمَا، وَسَأَشْدُو لَكُمْ مِنْهُمَا شَدْوًا، أَمَّا لَيْلَةُ
الْقَدْرِ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَتْرًا، وَأَمَّا مَسِيحُ
الضَّلَالَةِ، فَإِنَّهُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ، أَجْلَى الْجَبْهَةِ، عَرِيضُ
النَّحْرِ، فِيهِ دُفًا، كَأَنَّهُ قَطَنُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى ". قَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ يَضُرُّنِي شَبَهُهُ؟ قَالَ: " لَا. أَنْتَ
امْرُؤٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ امْرُؤٌ كَافِرٌ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ;
وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى ( ح )، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ
الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَنْبَسَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا
سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ،
حَدَّثَنَا حَلَّامُ بْنُ صَالِحٍ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ شِهَابٍ
الْعَبْسِيُّ قَالَ: نَزَلَ عَلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَغْنَمٍ، وَكَانَ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَنِي عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " الدَّجَّالُ
لَيْسَ بِهِ خَفَاءٌ، إِنَّهُ يَجِيءُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، فَيَدْعُو إِلَى
حَقٍّ، فَيُتَّبَعُ، وَيَنْتَصِبُ لِلنَّاسِ فَيُقَاتِلُهُمْ، فَيَظْهَرُ
عَلَيْهِمْ، فَلَا يَزَالُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَقْدَمَ الْكُوفَةَ، فَيُظْهِرُ
دِينَ اللَّهِ، وَيَعْمَلُ بِهِ، فَيُتَّبَعُ وَيُحَبُّ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ
يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنِّي نَبِيٌّ. فَيَفْزَعُ مِنْ ذَلِكَ كُلُّ ذِي لُبٍّ
وَيُفَارِقُهُ، فَيَمْكُثُ بَعْدَ ذَلِكَ، حَتَّى يَقُولَ: أَنَا اللَّهُ.
فَتَعْمَشُ عَيْنُهُ، وَتُقْطَعُ أُذُنُهُ، وَيُكْتَبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ،
فَلَا يَخْفَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَيُفَارِقُهُ كُلُّ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ
فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَيَكُونُ أَصْحَابُهُ
وَجُنُودُهُ الْمَجُوسَ وَالْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، وَهَذِهِ الْأَعَاجِمَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ يَدْعُو بِرَجُلٍ فِيمَا يَرَوْنَ، فَيُؤْمَرُ بِهِ
فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يُقَطِّعُ أَعْضَاءَهُ، كُلَّ عُضْوٍ عَلَى حِدَةٍ، فَيُفَرِّقُ
بَيْنَهَا حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهَا، ثُمَّ يَضْرِبُهُ
بِعَصَاهُ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ، فَيَقُولُ: أَنَا اللَّهُ، أُحْيِي وَأُمِيتُ،
وَذَلِكَ كُلُّهُ سِحْرٌ يَسْحَرُ بِهِ أَعْيُنَ النَّاسِ، لَيْسَ يَصْنَعُ مِنْ
ذَلِكَ شَيْئًا ".
قَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ: وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ مُوسَى خَتٌّ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيِّ، وَهُوَ وَاهٍ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ فِي الدَّجَّالِ: هُوَ صَافِي بْنُ صَائِدٍ،
يَخْرُجُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ عَلَى حِمَارٍ أَبْتَرَ، مَا بَيْنَ
أُذُنَيْهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا،
وَمَا بَيْنَ حَافِرِهِ إِلَى الْحَافِرِ الْآخَرِ أَرْبَعُ لَيَالٍ، يَتَنَاوَلُ
السَّمَاءَ بِيَدِهِ، أَمَامَهُ جَبَلٌ مِنْ دُخَانٍ، وَخَلْفَهُ جَبَلٌ آخَرُ،
مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى،
أَتْبَاعُهُ أَصْحَابُ الرِّبَا وَأَوْلَادُ الزِّنَا. رَوَاهُ أَبُو عَمْرٍو
الدَّانِي فِي كِتَابِ " أَخْبَارِ الدَّجَّالِ "، وَلَا يَصِحُّ
إِسْنَادُهُ.
خَبَرٌ عَجِيبٌ، وَنَبَأٌ غَرِيبٌ
قَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي " كِتَابِ الْفِتَنِ ": حَدَّثَنَا
أَبُو عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ
حُسَيْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَ أُذُنَيْ حِمَارِ الدَّجَّالِ أَرْبَعُونَ
ذِرَاعًا، وَخُطْوَةُ حِمَارِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، يَخُوضُ الْبَحْرَ
كَمَا يَخُوضُ أَحَدُكُمُ السَّاقِيَةَ، وَيَقُولُ: أَنَا رَبُّ الْعَالَمِينَ،
وَهَذِهِ الشَّمْسُ تَجْرِي بِإِذْنِي، أَفَتُرِيدُونَ أَنْ أَحْبِسَهَا؟
فَتُحْبَسُ الشَّمْسُ، حَتَّى يُجْعَلَ الْيَوْمُ كَالشَّهْرِ وَالْجُمُعَةِ،
وَيَقُولُ: أَتُرِيدُونَ أَنْ أُسَيِّرَهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُجْعَلُ
الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَأْتِيهِ الْمَرْأَةُ فَتَقُولُ: يَا رَبِّ; أَحْيِ
لِي ابْنِي، وَأَحْيِ لِي زَوْجِي. حَتَّى إِنَّهَا تُعَايِنُ شَيَاطِينَ عَلَى
صُوَرِهِمْ،. وَبُيُوتُهُمْ مَمْلُوءَةٌ شَيَاطِينَ، وَيَأْتِيهِ الْأَعْرَابُ
فَتَقُولُ: يَا رَبَّنَا، أَحْيِ لَنَا إِبِلَنَا وَغَنَمَنَا. فَيُعْطِيهِمْ
شَيَاطِينَ أَمْثَالَ إِبِلِهِمْ وَغَنَمِهِمْ، سَوَاءً بِالسِّنِّ وَالسِّمَةِ،
فَيَقُولُونَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا رَبَّنَا لَمْ يُحْيِ لَنَا مَوْتَانَا.
وَمَعَهُ جَبَلٌ مِنْ مَرَقٍ وَعُرَاقِ
اللَّحْمِ، حَارٌّ لَا يَبْرَدُ، وَنَهْرٌ جَارٍ، وَجَبَلٌ مِنْ جِنَانٍ وَخُضْرَةٍ، وَجَبَلٌ مِنْ نَارٍ وَدُخَانٍ، يَقُولُ: هَذِهِ جَنَّتِي وَهَذِهِ نَارِي، وَهَذَا طَعَامِي وَهَذَا شَرَابِي. وَالْيَسَعُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَعَهُ يُنْذِرُ النَّاسَ مِنْهُ; يَقُولُ: هَذَا الْمَسِيحُ الْكَذَّابُ فَاحْذَرُوهُ، لَعَنَهُ اللَّهُ. وَيُعْطِيهِ اللَّهُ مِنَ السُّرْعَةِ وَالْخِفَّةِ مَا لَا يَلْحَقُهُ الدَّجَّالُ، فَإِذَا قَالَ: أَنَا رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ لَهُ النَّاسُ: كَذَبْتَ. وَيَقُولُ الْيَسَعُ: صَدَقَ النَّاسُ. فَيَمُرُّ بِمَكَّةَ، فَإِذَا هُوَ بِخَلْقٍ عَظِيمٍ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا مِيكَائِيلُ، بَعَثَنِي اللَّهُ أَنْ أَمْنَعَهُ مِنْ حَرَمِهِ. وَيَمُرُّ بِالْمَدِينَةِ، فَإِذَا هُوَ بِخَلْقٍ عَظِيمٍ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا جِبْرِيلُ، بَعَثَنِي اللَّهُ لِأَمْنَعهُ مِنْ حَرَمِ رَسُولِهِ. فَيَمُرُّ الدَّجَّالُ بِمَكَّةَ، فَإِذَا رَأَى مِيكَائِيلَ وَلَّى هَارِبًا، فَيَصِيحُ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْ مَكَّةَ مُنَافِقُوهَا، وَمِنَ الْمَدِينَةِ كَذَلِكَ. وَيَأْتِي النَّذِيرُ إِلَى الَّذِينَ فَتَحُوا الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَمَنْ تَأْلَّفَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ وَخَلَفَكُمْ فِي ذَرَارِيِّكُمْ ". قَالَ: " فَيَتَنَاوَلُ الدَّجَّالُ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَاقْتُلُوهُ. فَيُنْشَرُ فَيَقُولُ: أَنَا أُحْيِيهِ، قُمْ. فَيَأْذَنُ اللَّهُ بِإِحْيَائِهِ، وَلَا يَأْذَنُ بِإِحْيَاءِ نَفْسٍ غَيْرِهَا، فَيَقُولُ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَتُّكَ ثُمَّ أَحْيَيْتُكَ؟ فَيَقُولُ: الْآنَ قَدِ ازْدَدْتُ فِيكَ يَقِينًا; بَشَّرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّكَ تَقْتُلُنِي، ثُمَّ أَحْيَا بِإِذْنِ اللَّهِ لَا بِإِذْنِكَ. فَيُوضَعُ عَلَى جِلْدِهِ صَفَائِحُ مِنْ نُحَاسٍ، فَلَا يُحِيكُ فِيهِ سِلَاحُهُمْ، فَيَقُولُ: اطْرَحُوهُ فِي نَارِي. فَيُحَوِّلُ اللَّهُ ذَلِكَ الْجَبَلَ عَلَى النَّذِيرِ جِنَانًا، فَيَشُكُّ النَّاسُ فِيهِ، وَيُبَادِرُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَإِذَا صَعِدَ عَلَى عَقَبَةِ أَفِيقَ
وَقَعَ ظِلُّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَيُوَتِّرُونَ قِسِيَّهُمْ لِقِتَالِهِ، فَأَقْوَاهُمْ مَنْ يُوَتِّرُ وَهُوَ بَارِكٌ، أَوْ جَالِسٌ مِنَ الْجُوعِ وَالضَّعْفِ، وَيَسْمَعُونَ النِّدَاءَ: جَاءَكُمُ الْغَوْثُ. فَيَقُولُونَ: هَذَا كَلَامُ رَجُلٍ شَبْعَانَ. وَتُشْرِقُ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا، وَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَيَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، احْمَدُوا رَبَّكُمْ وَسَبِّحُوهُ. فَيَفْعَلُونَ، وَيُرِيدُونَ الْفِرَارَ، فَيُضَيِّقُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْأَرْضَ، فَإِذَا أَتَوْا بَابَ لُدٍّ فِي نِصْفِ سَاعَةٍ، فَيُوَافُونَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِذَا نَظَرَ الدَّجَّالُ إِلَى عِيسَى قَالَ: أَقِمِ الصَّلَاةَ. فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ. فَيَقُولُ عِيسَى: يَا عَدُوَّ اللَّهِ، زَعَمْتَ أَنَّكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، فَلِمَنْ تُصَلِّي؟ فَيَضْرِبُهُ بِمِقْرَعَةٍ فِي يَدِهِ فَيَقْتُلُهُ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أَنْصَارِهِ خَلْفَ شَيْءٍ إِلَّا نَادَى: يَا مُؤْمِنُ، هَذَا دَجَّالٌ فَاقْتُلْهُ. إِلَى أَنْ قَالَ: فَتَمَتَّعُوا أَرْبَعِينَ سَنَةً، لَا يَمُوتُ أَحَدٌ، وَلَا يَمْرَضُ أَحَدٌ، وَيَقُولُ الرَّجُلُ لِغَنَمِهِ وَدَوَابِّهِ: اذْهَبُوا فَارْعَوْا. وَتَمُرُّ الْمَاشِيَةُ بَيْنَ الزَّرْعَيْنِ لَا تَأْكُلُ مِنْهُ سُنْبُلَةً، وَالْحَيَّاتُ وَالْعَقَارِبُ لَا تُؤْذِي أَحَدًا، وَالسَّبُعُ عَلَى أَبْوَابِ الدُّورِ لَا يُؤْذِي أَحَدًا، وَيَأْخُذُ الرَّجُلُ الْمُدَّ مِنَ الْقَمْحِ، فَيَبْذُرُهُ بِلَا حِرَاثٍ، فَيَجِيءُ مِنْهُ سَبْعُمِائَةِ مُدٍّ، فَيَمْكُثُونَ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى يُكْسَرَ سَدُّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، فَيَخْرُجُونَ وَيُفْسِدُونَ مَا عَلَى الْأَرْضِ، فَيَسْتَغِيثُ النَّاسُ، فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ، وَأَهْلُ طُورِ سَيْنَاءَ هَمُ الَّذِينَ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ فَيَدْعُونَ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ ذَاتَ قَوَائِمَ، فَتَدْخُلُ فِي آذَانِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ مَوْتَى أَجْمَعُونَ، وَتُنْتِنُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ، فَيُؤْذُونَ النَّاسَ بِنَتَنِهِمْ أَشَدَّ مِنْ حَيَاتِهِمْ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِاللَّهِ تَعَالَى، فَيَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا يَمَانِيَّةً غَبْرَاءَ، فَتَصِيرُ عَلَى النَّاسِ غَمًّا وَدُخَانًا، وَتَقَعُ عَلَيْهِمُ
الزُّكْمَةُ، وَيُكْشَفُ مَا بِهِمْ
بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَقَدْ قُذِفَتْ جِيَفُهُمْ فِي الْبَحْرِ، وَلَا يَلْبَثُونَ
إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَجَفَّتِ
الْأَقْلَامُ، وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ تَوْبَةٌ،
وَيَخِرُّ إِبْلِيسُ سَاجِدًا يُنَادِي: إِلَهِي، مُرْنِي أَنْ أَسْجُدَ لِمَنْ شِئْتَ.
وَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ الشَّيَاطِينُ، تَقُولُ: يَا سَيِّدَنَا، إِلَى مَنْ
تَفْزَعُ؟ فَيَقُولُ: سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُنْظِرَنِي إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ،
وَقَدْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَهَذَا الْوَقْتُ الْمَعْلُومُ.
وَتَصِيرُ الشَّيَاطِينُ ظَاهِرَةً فِي الْأَرْضِ، حَتَّى يَقُولَ الرَّجُلُ:
هَذَا قَرِينِي الَّذِي كَانَ يُغْوِينِي، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْزَاهُ.
وَلَا يَزَالُ إِبْلِيسُ سَاجِدًا بَاكِيًا، حَتَّى تَخْرُجَ الدَّابَّةُ
فَتَقْتُلُهُ وَهُوَ سَاجِدٌ، وَيَتَمَتَّعُ الْمُؤْمِنُونَ بَعْدَ ذَلِكَ
أَرْبَعِينَ سَنَةً، لَا يَتَمَنَّوْنَ شَيْئًا إِلَّا أُعْطُوهُ، وَبَرَزَ
الْمُؤْمِنُونَ، لَا يَمُوتُ مُؤْمِنٌ حَتَّى تَتِمَّ أَرْبَعُونَ سَنَةً بَعْدَ
الدَّابَّةِ، ثُمَّ يَعُودُ فِيهِمُ الْمَوْتُ وَيُسْرِعُ، فَلَا يَبْقَى
مُؤْمِنٌ، وَيَقُولُ الْكَافِرُ: قَدْ كُنَّا مَرْعُوبِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ،
فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَلَيْسَ يُقْبَلُ مِنَّا تَوْبَةٌ.
فَيَتَهَارَجُونَ فِي الطُّرُقِ كَالْبَهَائِمِ، حَتَّى يَنْكِحَ الرَّجُلُ
أُمَّهُ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ، يَقُومُ وَاحِدٌ عَنْهَا، وَيَنْزِلُ عَلَيْهَا
آخَرُ، وَأَفْضَلُهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَوْ تَنَحَّيْتُمْ عَنِ الطَّرِيقِ كَانَ
أَحْسَنَ. فَيَكُونُونَ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى لَا يُوَلَدَ أَحَدٌ مِنْ نِكَاحٍ،
ثُمَّ يُعْقِمُ اللَّهُ النِّسَاءَ ثَلَاثِينَ سَنَةً، إِلَّا الزَّوَانِيَ وَالزَّانِيَاتِ
فَإِنَّهُنَّ يَحْبَلْنَ، وَيَلِدْنَ مِنَ الزِّنَى، وَيَكُونُونَ كُلُّهُمْ
أَوْلَادَ زِنًى، شِرَارَ النَّاسِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ ".
كَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاتِمٍ
الْمُرَادِيِّ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ، فَذَكَرَهُ.
قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ شِبْهُ مَوْضُوعٍ،
وَأَبُو عُمَرَ مَجْهُولٌ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ كَذَلِكَ، وَشَيْخُهُ يُقَالُ
لَهُ: الْبُنَانِيُّ. وَقَدْ أَنْبَأَنِي شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ إِجَازَةً - إِنْ
لَمْ يَكُنْ سَمَاعًا - أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْيُونِينِيُّ،
أَنْبَأَنَا الْبَهَاءُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حُضُورًا،
أَنْبَأَنَا عَتِيقُ بْنُ صِيلَا، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عُلْوَانَ،
أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ دُوسْتَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ
النَّجَّادُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ
التَّبُوذَكِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: الدَّجَّالُ يَتَنَاوَلُ السَّحَابَ، وَيَخُوضُ الْبَحْرَ إِلَى
رُكْبَتَيْهِ، وَيَسْبِقُ الشَّمْسَ إِلَى مَغْرِبِهَا، وَتَسِيرُ مَعَهُ
الْآكَامُ طَعَامًا، وَفِي جَبْهَتِهِ قَرْنٌ مَكْسُورُ الطَّرْفِ، يَخْرُجُ
مِنْهُ الْحَيَّاتُ، وَقَدْ صُوِّرَ فِي جَسَدِهِ السِّلَاحُ كُلُّهُ، حَتَّى
الرُّمْحُ وَالسَّيْفُ وَالدَّرَقُ ". قُلْتُ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ،
مَا الدَّرَقُ؟ قَالَ: التُّرْسُ. ثُمَّ قَالَ شَيْخُنَا: هَذَا مِنْ مَرَاسِيلِ
الْحَسَنِ، وَهِيَ ضَعِيفَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ فِي " كِتَابِ الْإِيمَانِ ": حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيٍّ،
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَعْدُوَيْهِ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ
خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا أَعْلَمُ
بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ، مَعَهُ نَهْرَانِ، أَحَدُهُمَا نَارٌ تَأَجَّجُ
فِي عَيْنِ مَنْ يَرَاهُ، وَالْآخَرُ مَاءٌ أَبْيَضُ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ
فَلْيُغْمِضْ عَيْنَيْهِ، وَلِيَشْرَبْ مِنَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا; فَإِنَّهُ
مَاءٌ بَارِدٌ، وَإِيَّاكُمْ وَالْآخَرَ، فَإِنَّهُ فِتْنَةٌ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ
مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ مَنْ كَتَبَ، وَمَنْ لَمْ
يَكْتُبْ، وَأَنَّ إِحْدَى عَيْنَيْهِ مَمْسُوحَةٌ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ، وَأَنَّهُ
يَطْلُعُ مِنْ آخِرِ عُمُرِهِ عَلَى بَطْنِ الْأُرْدُنِّ عَلَى ثَنِيَّةِ فِيقَ،
وَكُلُّ أَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ بِبَطْنِ الْأُرْدُنِّ،
وَأَنَّهُ يَقْتُلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُلُثًا، وَيَهْزِمُ ثُلُثًا، وَيَبْقَى
ثُلُثٌ، فَيَحْجِزُ بَيْنَهُمُ اللَّيْلَ، فَيَقُولُ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ
لِبَعْضٍ: مَا تَنْتَظِرُونَ أَنْ
تَلْحَقُوا بِإِخْوَانِكُمْ فِي
مَرْضَاةِ رَبِّكُمْ؟ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ طَعَامٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى
أَخِيهِ، وَصَلُّوا حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ، وَعَجِّلُوا الصَّلَاةَ، ثُمَّ
أَقْبِلُوا عَلَى عَدُوِّكُمْ، فَلَمَّا قَامُوا يُصَلُّونَ، نَزَلَ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِمَامُهُمْ يُصَلِّي بِهِمْ، فَلَمَّا
انْصَرَفَ قَالَ: هَكَذَا فَرِّجُوا بَيْنِي وَبَيْنَ عَدُوِّ اللَّهِ. فَيَذُوبُ
كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ، فَيُسَلِّطُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمِينَ
فَيَقْتُلُونَهُمْ، حَتَّى إِنَّ الْحَجَرَ وَالشَّجَرَ لَيُنَادِي: يَا عَبْدَ
اللَّهِ، يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ فَاقْتُلْهُ. فَيُعِينُهُمُ اللَّهُ،
وَيَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ،
وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَخْرَجَ اللَّهُ يَأْجُوجَ
وَمَأْجُوجَ، فَيَشْرَبُ أَوَّلُهُمُ الْبُحَيْرَةَ، وَيَجِيءُ آخِرُهُمْ، وَقَدِ
انْتَشَفُوا، فَمَا يَدَعُونَ فِيهَا قَطْرَةً، فَيَقُولُونَ: كَانَ هَاهُنَا
أَثَرُ مَاءٍ مَرَّةً. وَنَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ وَرَاءَهُمْ حَتَّى
يَدْخُلُوا مَدِينَةً مِنْ مَدَائِنِ فِلَسْطِينَ، يُقَالُ لَهَا: بَابُ لُدٍّ.
فَيَقُولُونَ: ظَهَرْنَا عَلَى مَنْ فِي الْأَرْضِ، فَتَعَالَوْا نُقَاتِلُ مَنْ
فِي السَّمَاءِ. فَيَدْعُو اللَّهَ نَبِيُّهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عِنْدَ
ذَلِكَ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قُرْحَةً فِي حُلُوقِهِمْ، فَلَا يَبْقَى
مِنْهُمْ بَشَرٌ، وَتُؤْذِي رَيحُهُمُ الْمُسْلِمِينَ، فَيَدْعُو عِيسَى
عَلَيْهِمْ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا تَقْذِفُهُمْ فِي الْبَحْرِ
أَجْمَعِينَ ". قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الذَّهَبِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ صَالِحٌ. قُلْتُ: وَفِيهِ سِيَاقٌ غَرِيبٌ،
وَأَشْيَاءُ مُنْكَرَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ، عَنِ
الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا الْأَثَرُ
فِي قُرَيْشٍ يَلِيهِ بَرُّهُمْ بِبَرِّهِمْ، وَفَاجِرُهُمْ بِفَاجِرِهِمْ، حَتَّى
يَدْفَعُوهُ إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ". وَفِي لَفْظٍ: " بَرُّهُمْ
بِبِرِّهِ، وَفَاجِرُهُمْ بِفُجُورِهِ ". قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَهُوَ
الْأَصَحُّ.
ذِكْرُ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا إِلَى الْأَرْضِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ
قَالَ تَعَالَى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ
الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ
إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ
إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا
لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ
شَهِيدًا [ النِّسَاءِ: 157 - 159 ].
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا
لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ. قَالَ: قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَكَذَا رَوَى الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ
قَبْلَ مَوْتِهِ. ذَلِكَ عِنْدَ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، لَا يَبْقَى
أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا آمَنَ بِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ
الْبَصْرِيُّ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ
مَوْتِهِ. قَالَ: قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى، وَاللَّهِ إِنَّهُ الْآنَ حَيٌّ عِنْدَ
اللَّهِ، وَلَكِنْ إِذَا نَزَلَ آمَنُوا بِهِ أَجْمَعُونَ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ:
أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ. فَقَالَ: قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى،
إِنَّ اللَّهَ رَفَعَ عِيسَى إِلَيْهِ، وَهُوَ بَاعِثُهُ قَبْلَ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ مَقَامًا يُؤْمِنُ بِهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ. وَهَكَذَا قَالَ
قَتَادَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ،
وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، كَمَا سَيَأْتِي
مَوْقُوفًا، وَفِي رِوَايَةٍ مَرْفُوعًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ السِّيَاقِ الْإِخْبَارُ بِحَيَاتِهِ الْآنَ فِي
السَّمَاءِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَزْعُمُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ الْجَهَلَةُ
أَنَّهُمْ صَلَبُوهُ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْزِلُ مِنَ
السَّمَاءِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ
الْمُتَوَاتِرَةُ كَمَا سَبَقَ فِي أَحَادِيثِ الدَّجَّالِ، وَكَمَا سَيَأْتِي
أَيْضًا، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ:
قَبْلَ مَوْتِهِ عَائِدٌ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، أَيْ يُؤْمِنُ بِعِيسَى قَبْلَ
الْمَوْتِ، وَذَلِكَ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْأَوَّلِ، وَلَكِنَّ
الصَّحِيحَ فِي الْمَعْنَى وَالْإِسْنَادِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ
فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَلِلَّهِ
الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي
ذَلِكَ
قَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍأَنَّ
عِيسَى يَنْزِلُ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ. وَفِي
غَيْرِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ:أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ
الشَّرْقِيَّةِ بِدِمَشْقَ. وَهَذَا أَشْبَهُ، فَإِنَّ فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ
فَيَنْزِلُ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ لِلصُّبْحِ فَيَقُولُ لَهُ إِمَامُ
الْمُسْلِمِينَ: تَقَدَّمْ يَا رُوحَ اللَّهِ. فَيَقُولُ: لَا، إِنَّهَا إِنَّمَا
أُقِيمَتْ لَكَ " فَفِيهِ مِنَ الدَّلَالَةِ الظَّاهِرَةِ أَنَّهُ يَنْزِلُ
عَلَى مَنَارَةِ الْمَعْبَدِ الْأَعْظَمِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ إِمَامُ
الْمُسْلِمِينَ إِذْ ذَاكَ، وَإِمَامُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ هُوَ
الْمَهْدِيُّ فِيمَا قِيلَ، وَهُوَ جَامِعُ دِمَشْقَ الْأَكْبَرُ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ يَنْزِلُ فِي غَيْرِ دِمَشْقَ،
وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَحْفُوظٍ.
وَكَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي سَاقَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي " تَارِيخِهِ "
مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِذٍ، ثَنَا الْوَلِيدُ، ثَنَا مَنْ سَمِعَ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ رَبِيعَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَيُّوبَ
بْنِ نَافِعِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَدِّهِ نَافِعِ بْنِ كَيْسَانَ صَاحِبِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عِنْدَ
بَابِ دِمَشْقَ - قَالَ نَافِعٌ: وَلَا أَدْرِي أَيَّ بَابِهَا يُرِيدُ - عِنْدَ
الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ لِسِتِّ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ فِي ثَوْبَيْنِ
مُمَشَّقَيْنِ، كَأَنَّمَا يَتَحَدَّرُ مَنْ رَأْسِهِ اللُّؤْلُؤُ ". فَفِيهِ
مُبْهَمٌ لَمْ يُسَمَّ، وَهُوَ مُنْكَرٌ; إِذْ هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ثَبَتَ فِي
الصِّحَاحِ مِنْ أَنَّ نُزُولَهُ وَقْتَ السَّحَرِ عِنْدَ إِضَاءَةِ الْفَجْرِ
وَقَدْ
أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ،
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، سَمِعْتُ
يَعْقُوبَ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ
يَقُولُ:سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا
هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي تُحَدِّثُ بِهِ؟ تَقُولُ: إِنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ
إِلَى كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ - أَوْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهُمَا - لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أُحَدِّثَ أَحَدًا
شَيْئًا أَبَدًا، إِنَّمَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدَ قَلِيلٍ أَمْرًا
عَظِيمًا; يُحَرَّقُ الْبَيْتُ، وَيَكُونُ وَيَكُونُ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي
أُمَّتِي، فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ - لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ
أَرْبَعِينَ شَهْرًا، أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا - فَيَبْعَثُ اللَّهُ تَعَالَى
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، فَيَطْلُبُهُ
فَيُهْلِكُهُ، ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ، لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ
عَدَاوَةٌ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّامِ، فَلَا
يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ
خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ، حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِي
كَبَدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ، حَتَّى تَقْبِضَهُ ". قَالَ:
سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ:
" فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ، وَأَحْلَامِ
السِّبَاعِ، لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا،
فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ: أَلَّا تَسْتَجِيبُونَ؟
فَيَقُولُونَ: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ،
وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارٌّ رِزْقُهُمْ، حَسَنٌ عَيْشُهُمْ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي
الصُّورِ، فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا ".
قَالَ: " وَأَوَّلُ مَنْ
يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إِبِلِهِ
". قَالَ: " فَيُصْعَقُ، وَيُصْعَقُ النَّاسُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ -
أَوْ قَالَ: " يُنْزِلُ اللَّهُ " - مَطَرًا، كَأَنَّهُ الطَّلُّ - أَوِ
الظِّلُّ، نُعْمَانُ الشَّاكُّ - فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ
يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى، فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا
أَيُّهَا النَّاسُ، هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ
[ الصَّافَّاتِ " 24 ] يُقَالُ: أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ. فَيُقَالُ: مِنْ
كَمْ؟ فَيُقَالُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ ".
قَالَ: " وَذَلِكَ يَوْمٌ يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا، وَيَوْمَ يُكْشَفُ.
عَنْ سَاقٍ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ، حَدَّثَنَا فُلَيْجٌ، عَنِ
الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَنْزِلُ ابْنُ
مَرْيَمَ إِمَامًا عَادِلًا، وَحَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ،
وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَرْجِعُ السِّلْمُ، وَتُتَّخَذُ السُّيُوفُ
مَنَاجِلَ، وَتَذْهَبُ حُمَةُ كُلِّ ذَاتِ حُمَةٍ، وَتُنْزِلُ السَّمَاءُ
رِزْقَهَا، وَتُخْرِجُ الْأَرْضُ بَرَكَتَهَا، حَتَّى يَلْعَبَ الصَّبِيُّ
بِالثُّعْبَانِ وَلَا يَضُرُّهُ، وَيُرَاعِي الْغَنَمَ الذِّئْبُ فَلَا
يَضُرُّهَا، وَيُرَاعِي الْأَسَدُ الْبَقَرَ فَلَا يَضُرُّهَا ". تَفَرَّدَ
بِهِ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ صَالِحٌ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا،
فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضُ
الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ خَيْرًا مِنَ
الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَءُوا
إِنْ شِئْتُمْ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ
مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [ النِّسَاءِ: 159 ].
وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَسَنٍ الْحُلْوَانِيِّ، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ،
كِلَاهُمَا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بِهِ، وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ
حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ
بِهِ.
وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيْهِ، مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي
حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، يَقْتُلُ
الدَّجَّالَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَضَعُ
الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضُ الْمَالُ، وَتَكُونُ السَّجْدَةُ وَاحِدَةً لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: وَإِنْ
مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ. مَوْتِ عِيسَى
ابْنِ مَرْيَمَ، ثُمَّ يُعِيدُهَا أَبُو هُرَيْرَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، وَهُوَ
ابْنُ حُسَيْنٍ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، فَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَمْحُو
الصَّلِيبَ، وَتُجْمَعُ لَهُ الصَّلَاةُ، وَيُعْطِي الْمَالَ حَتَّى لَا يُقْبَلَ،
وَيَضَعَ الْخَرَاجَ، وَيَنْزِلَ الرَّوْحَاءَ، فَيَحُجُّ مِنْهَا أَوْ
يَعْتَمِرُ، أَوْ يَجْمَعُهُمَا ". قَالَ: وَتَلَا أَبُو هُرَيْرَةَ: وَإِنْ
مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا. فَزَعَمَ حَنْظَلَةُ أَنَّ أَبَا
هُرَيْرَةَ قَالَ: يُؤْمِنُ بِهِ قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى. فَلَا أَدْرِي، هَذَا
كُلُّهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ شَيْءٌ
قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ؟.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
حَنْظَلَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: لِيُهِلَّنَّ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، مِنْ فَجِّ الرَّوْحَاءِ
بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، أَوْ لَيُثَنِّيَنَّهُمَا جَمِيعًا ".
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ
يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ
الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ
وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟ " ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: تَابَعَهُ عُقَيْلٌ
وَالْأَوْزَاعِيُّ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ،
وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ،
عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، كِلَاهُمَا
عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ أَبِي
ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ،
أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ ابْنُ آدَمَ مَوْلَى
أُمِّ بُرْثُنٍ صَاحِبِ السِّقَايَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ
لِعِلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، وَإِنِّي أَوْلَى
النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ
نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ نَازِلٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ، رَجُلٌ
مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ،
كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ، فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ،
وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَدْعُو النَّاسُ إِلَى
الْإِسْلَامِ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْأُمَمَ كُلَّهَا إِلَّا
الْإِسْلَامَ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، ثُمَّ
تَقَعُ الْأَمَنَةُ عَلَى الْأَرْضِ، حَتَّى تَرْتَعَ الْأُسُودُ مَعَ الْإِبِلِ،
وَالنِّمَارُ مَعَ الْبَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ، وَيَلْعَبَ
الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ، لَا تَضُرُّهُمْ، فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً
ثُمَّ يُتَوَفَّى، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ". وَهَكَذَا رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ، عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ
قَتَادَةَ بِهِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَلَمْ يُورِدْ عِنْدَ تَفْسِيرِهَا غَيْرَهُ، عَنْ
بِشْرِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ
قَتَادَةَ بِنَحْوِهِ، وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي
الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ
مَرْيَمَ، وَالْأَنْبِيَاءُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ
نَبِيٌّ ". ثُمَّ رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ
سُلَيْمَانِ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ
شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ ". ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ
طَهْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ
عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَهَذِهِ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ كَالْمُتَوَاتِرَةِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ،
عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ مُؤْثِرِ بْنِ عَفَازَةَ، عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
لَقِيتُ لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِي إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى، عَلَيْهِمُ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ". قَالَ: " فَتَذَاكَرُوا أَمْرَ السَّاعَةِ،
فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهَا.
فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهَا. فَرَدُّوا
أَمْرَهُمْ إِلَى عِيسَى، فَقَالَ: أَمَّا وَجْبَتُهَا فَلَا يَعْلَمُ بِهَا
أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ، وَلَكِنْ فِيمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ،
أَنَّ الدَّجَّالَ خَارِجٌ، وَمَعِي
قَضِيبَانِ، فَإِذَا رَآنِي ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ ". قَالَ: "
فَيُهْلِكُهُ اللَّهُ إِذَا رَآنِي، حَتَّى إِنَّ الْحَجَرَ وَالشَّجَرَ
لَيَقُولُ: يَا مُسْلِمُ، إِنْ تَحْتِي كَافِرًا، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ ".
قَالَ: " فَيُهْلِكُهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَى بِلَادِهِمْ
وَأَوْطَانِهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ
كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَطَئُونَ بِلَادَهُمْ، لَا يَأْتُونَ عَلَى شَيْءٍ
إِلَّا أَكَلُوهُ، وَلَا يَمُرُّونَ عَلَى مَاءٍ إِلَّا شَرِبُوهُ ". قَالَ:
" ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَيَّ فَيَشْكُونَهُمْ، فَأَدْعُو اللَّهَ
عَلَيْهِمْ فَيُهْلِكُهُمُ اللَّهُ وَيُمِيتُهُمْ حَتَّى تَجْوَى الْأَرْضُ مِنْ
نَتَنِ رِيحِهِمْ، وَيُنْزِلُ اللَّهُ الْمَطَرَ، فَتَجْرُفُ أَجْسَادَهُمْ حَتَّى
يَقْذِفَهُمْ فِي الْبَحْرِ "، فَفِيمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي، عَزَّ
وَجَلَّ، أَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ السَّاعَةَ كَالْحَامِلِ
الْمُتِمِّ الَّتِي لَا يَدْرِي أَهْلُهَا مَتَى تَفْجَؤُهُمْ بِوِلَادَتِهَا
لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ".
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ
هَارُونَ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ بِهِ، نَحْوَهُ.
صِفَةُ الْمَسِيحِ عِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ رَسُولِ اللَّهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ
ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِي لَقِيتُ مُوسَى - قَالَ: فَنَعَتَهُ -
فَإِذَا رَجُلٌ - حَسِبْتُهُ قَالَ -: مُضْطَرِبٌ - أَيْ طَوِيلٌ - رَجِلُ
الرَّأْسِ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ ". قَالَ: " وَلَقِيتُ
عِيسَى ". فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
" رَبْعَةٌ أَحْمَرُ، كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ ". يَعْنِي
الْحَمَّامَ.
وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَأَيْتُ عِيسَى، وَمُوسَى
وَإِبْرَاهِيمَ، فَأَمَّا عِيسَى فَأَحْمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ
الصَّدْرِ، وَأَمَّا مُوسَى فَآدَمُ
جَسِيمٌ سَبْطٌ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الزُّطِّ ". وَلَهُمَا مِنْ طَرِيقِ
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَيْنَ ظَهَرَانَيِ النَّاسِ
الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلَا إِنَّ
الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ
طَافِيَةٌ، وَأَرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فِي الْمَنَامِ، وَإِذَا
رَجُلٌ آدَمُ كَأَحْسَنِ مَا يُرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، تَضْرِبُ لِمَّتُهُ
بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ، رَجِلُ الشَّعْرِ، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَاضِعًا
يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ، وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ. فَقُلْتُ:
مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ. ثُمَّ رَأَيْتُ رَجُلًا
وَرَاءَهُ، جَعْدًا قَطَطًا أَعْوَرَ عَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ
بِابْنِ قَطَنٍ، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلٍ، يَطُوفُ بِالْبَيْتِ،
فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: " الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ ". تَابَعَهُ
عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ.
ثُمَّ رَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
لَا وَاللَّهِ، مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِعِيسَى: " أَحْمَرُ ". وَلَكِنْ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ
أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعْرِ، يُهَادَى بَيْنَ
رَجُلَيْنِ، يَنْظِفُ رَأْسُهُ مَاءً - أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً -
فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ
مَرْيَمَ. فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ، فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ، جَعْدُ
الرَّأْسِ، أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ.
قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ، وَأَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ
شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ ". قَالَ الزُّهْرِيُّ: رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ هَلَكَ
فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ: فَيَنْزِلُ عِنْدَ
الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ، شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا
كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا
رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ مِثْلُ جُمَانِ اللُّؤْلُؤِ، وَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ
يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي
طَرَفُهُ ".
هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ فِي مَوْضِعِ نُزُولِهِ أَنَّهُ عَلَى الْمَنَارَةِ
الْبَيْضَاءِ الشَّرْقِيَّةِ بِدِمَشْقَ، وَقَدْ رَأَيْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ:
أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ جَامِعِ دِمَشْقَ.
فَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ، وَتَكُونُ الرِّوَايَةُ: " فَيَنْزِلُ
عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ الشَّرْقِيَّةِ بِدِمَشْقَ " فَتَصَرَّفَ
الرَّاوِي فِي التَّعْبِيرِ بِحَسَبِ مَا فَهِمَ، وَلَيْسَ فِي دِمَشْقَ مَنَارَةٌ
تُعْرَفُ بِالشَّرْقِيَّةِ سِوَى الَّتِي إِلَى جَانِبِ الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ
بِدِمَشْقَ مِنْ شَرْقِيِّهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَنْسَبُ وَالْأَلْيَقُ; لِأَنَّهُ
يَنْزِلُ، وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَيَقُولُ لَهُ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ:
" يَا رُوحَ اللَّهِ تَقَدَّمْ ". فَيَقُولُ: " تَقَدَّمْ أَنْتَ،
فَإِنَّهَا إِنَّمَا أُقِيمَتْ لَكَ ". وَفِي رِوَايَةٍ: بَعْضُكُمْ عَلَى
بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةُ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ ".
وَقَدْ جُدِّدَ بِنَاءُ مَنَارَةٍ فِي زَمَانِنَا فِي سَنَةِ إِحْدَى
وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، مِنْ حِجَارَةٍ بِيضٍ، مِنْ أَمْوَالِ النَّصَارَى
الَّذِينَ حَرَقُوا الْمَنَارَةَ الَّتِي كَانَتْ مَكَانَهَا، وَلَعَلَّ هَذَا
يَكُونُ مِنْ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ الظَّاهِرَةِ، حَيْثُ قَبَضَ اللَّهُ بِنَاءَ
هَذِهِ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ مِنْ أَمْوَالِ
النَّصَارَى، لِيَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ عَلَيْهَا، فَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَلَا
يَقْبَلُ مِنْهُمْ جِزْيَةً، وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ قَتَلَهُ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ
حُكْمُهُ فِي سَائِرِ كُفَّارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ، فَإِنَّهُ لَا
يَبْقَى حُكْمٌ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا لَهُ، وَهَذَا مِنْ بَابِ
الْإِخْبَارِ عَنِ الْمَسِيحِ بِذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ سَوَّغَ لَهُ ذَلِكَ،
وَشَرَعَهُ لَهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَحْكُمُ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الشَّرِيعَةِ
الْمُطَهَّرَةِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، كَمَا تَقَدَّمَ، أَنَّهُ يَنْزِلُ
بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَالْأَحَادِيثُ تَقْتَضِي أَنَّ الدَّجَّالَ يُقْتَلُ
بَلُدٍّ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَتَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا
يَدْخُلُهُ الدَّجَّالُ كَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ حِمَايَةً لَهُ مِنْهُ، وَفِي
رِوَايَةٍ: أَنَّ عِيسَى يَنْزِلُ بِالْأُرْدُنِّ، وَفِي رِوَايَةٍ بِمُعَسْكَرِ
الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ آدَمَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
وَإِنَّهُ نَازِلٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى
الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ، كَأَنَّ رَأْسَهُ
يَقْطُرُ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ، فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ
الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَدْعُو النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ،
وَيُهْلِكُ اللَّهُ تَعَالَى فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ،
وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، ثُمَّ تَقَعُ
الْأَمَنَةُ عَلَى الْأَرْضِ، حَتَّى تَرْتَعَ الْأُسُودُ مَعَ الْإِبِلِ،
وَالنِّمَارُ مَعَ الْبَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ، وَيَلْعَبُ
الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ لَا تَضُرُّهُمْ، فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ
يُتَوَفَّى، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ". رَوَاهُ أَحْمَدُ،
وَأَبُو دَاوُدَ.
وَهَكَذَا وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
أَنَّهُ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ
سَبْعَ سِنِينَ. فَهَذَا مَعَ هَذَا مُشْكِلٌ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُحْمَلَ
هَذِهِ السَّبْعُ عَلَى مُدَّةِ إِقَامَتِهِ بَعْدَ نُزُولِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ
مَحْمُولًا عَلَى مُكْثِهِ فِيهَا قَبْلَ رَفْعِهِ مُضَافًا إِلَيْهِ، وَكَانَ
عُمْرُهُ قَبْلَ رَفْعِهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَهَذِهِ السَّبْعُ تَكْمِلَةُ الْأَرْبَعِينَ، فَيَكُونُ هَذَا مُدَّةَ مُقَامِهِ
فِي الْأَرْضِ قَبْلَ رَفْعِهِ وَبَعْدَ نُزُولِهِ،. وَأَمَّا مُقَامُهُ فِي
السَّمَاءِ قَبْلَ نُزُولِهِ فَهُوَ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ
أَعْلَمُ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يَخْرُجُونَ فِي
زَمَانِهِ وَيُهْلِكُهُمُ اللَّهُ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ
كَمَا تَقَدَّمَ وَكَمَا سَيَأْتِي، وَثَبَتَ أَنَّهُ يَحُجُّ فِي مُدَّةِ
إِقَامَتِهِ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ نُزُولِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: فِي الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ، أَنَّ
أَصْحَابَ الْكَهْفِ يَكُونُونَ فِي حِوَارِيِّهِ، وَأَنَّهُمْ يَحُجُّونَ مَعَهُ،
ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمَلَاحِمِ، فِي آخِرِ كِتَابِ "
التَّذْكِرَةِ "، وَتَكُونُ وَفَاتُهُ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ،
فَيُصَلَّى عَلَيْهِ هُنَالِكَ، وَيَدْفَنُ بِالْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ. وَقَدْ
ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَرَوَاهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي "
جَامِعِهِ "، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، فَقَالَ فِي كِتَابِ
الْمَنَاقِبِ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ الطَّائِيُّ الْبَصْرِيُّ،
حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَوْدُودٍ
الْمَدَنِيُّ،
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ
الضَّحَّاكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ صِفَةُ مُحَمَّدٍ،
وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يُدْفَنُ مَعَهُ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو مَوْدُودٍ: وَقَدْ
بَقِيَ فِي الْبَيْتِ مَوْضِعُ قَبْرٍ. ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
غَرِيبٌ. هَكَذَا قَالَ عُثْمَانُ بْنُ الضَّحَّاكِ، وَالْمَعْرُوفُ الضَّحَّاكُ
بْنُ عُثْمَانَ الْمَدَنِيُّ. انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ، رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ الضَّحَّاكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ سَلَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:يُدْفَنُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ، فَيَكُونُ قَبْرُهُ رَابِعًا.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَسْعَدَةَ، عَنْ
رِيَاحِ بْنِ عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ،
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: يَمْكُثُ النَّاسُ بَعْدَ الدَّجَّالِ يُعَمِّرُونَ
الْأَسْوَاقَ، وَيَغْرِسُونَ النَّخْلَ.
ذِكْرُ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ،
وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ بَعْدَ قَتْلِهِ الدَّجَّالَ،
فَيُهْلِكُهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ
عَلَيْهِمْ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ
كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ
أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا
بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ [ الْأَنْبِيَاءِ: 96، 97 ] وَقَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ
ذِي الْقَرْنَيْنِ: حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ
دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قَالُوا يَا ذَا
الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ
نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا [
الْكَهْفِ 93، 94 ] الْآيَاتِ إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " التَّفْسِيرِ "، وَفِي قِصَّةِ ذِي
الْقَرْنَيْنِ خَبَرَ بِنَائِهِ لِلسَّدِّ مِنْ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ بَيْنَ
جَبَلَيْنِ، فَصَارَ رَدْمًا وَاحِدًا، وَقَالَ: هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي. أَيْ
يَحْجِزُ بِهِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ وَبَيْنَ
النَّاسِ. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي
حَقًّا [ الْكَهْفِ: 98 ]. أَيِ الْوَقْتُ الَّذِي قَدَّرَ انْهِدَامَهُ فِيهِ.
جَعَلَهُ دَكَّاءَ أَيْ مُسَاوِيًا لِلْأَرْضِ. وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا.
أَيْ هَذَا شَيْءٌ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ وَوُقُوعِهِ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ
يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ [ الْكَهْفِ: 99 ] أَيْ إِذَا انْهَدَمَ
يَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ فَيَمُوجُونَ فِيهِمْ، وَيَنْسِلُونَ أَيْ
يُسْرِعُونَ الْمَشْيَ مِنْ كُلِّ
حَدَبٍ، ثُمَّ يَكُونُ النَّفْخُ فِي الصُّورِ لِلْفَزَعِ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ
الْوَقْتِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ
وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ [ الْأَنْبِيَاءِ: 96، 97 ] الْآيَةَ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي خُرُوجِ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ
الْمَسِيحِ طَرَفًا صَالِحًا مَنْ ذِكْرِهِمْ، مِنْ رِوَايَةِ النَّوَّاسِ بْنِ
سَمْعَانَ وَغَيْرِهِ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ زَيْنَبَ بِنْتِ
جَحْشٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ عِنْدَهَا،
ثُمَّ اسْتَيْقَظَ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ، وَهُوَ يَقُولُ: " لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ
رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ ". وَحَلَّقَ بَيْنَ
إِصْبَعَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ:وَعَقَدَ سَبْعِينَ أَوْ تِسْعِينَ. قَالَتْ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: "
نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ ".
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ وُهَيْبٍ، عَنِ ابْنِ
طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ
وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذَا ". وَعَقَدَ تِسْعِينَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي
عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ
يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ لَيَحْفِرُونَ السَّدَّ كُلَّ يَوْمٍ، حَتَّى إِذَا كَادُوا
يَرَوْنَ شُعَاعَ
الشَّمْسِ، قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ:
ارْجِعُوا، فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا. فَيُعُودُونَ إِلَيْهِ كَأَشَدِّ مَا كَانَ،
حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَهُمْ عَلَى
النَّاسِ حَفَرُوا حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِي
عَلَيْهِمْ: اغْدُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَيَسْتَثْنِي،
فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ، وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ فَيَحْفِرُونَهُ،
وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ، فَيَنْشُفُونَ الْمِيَاهَ، وَيَتَحَصَّنُ النَّاسُ
مِنْهُمْ فِي حُصُونِهِمْ، فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ،
فَتَرْجِعُ وَعَلَيْهَا كَهَيْئَةِ الدَّمِ، فَيَقُولُونَ: قَهَرْنَا أَهْلَ
الْأَرْضِ، وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ. فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا
فِي أَقْفَائِهِمْ فَيَقْتُلُهُمْ بِهَا ". فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ
دَوَابَّ الْأَرْضِ لَتَسْمَنُ وَتَشْكُرُ شُكْرًا مِنْ لُحُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ
". ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ: مِنْ غَيْرِ
وَجْهٍ، عَنْ قَتَادَةَ بِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ،
عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَرِيبًا مِنْ هَذَا. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ ابْنِ
إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ
لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يُفْتَحُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ،
فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ،
كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ [ الْأَنْبِيَاءِ: 96 ]. فَيَغْشَوْنَ النَّاسَ، وَيَنْحَازُ النَّاسُ، عَنْهُمْ إِلَى مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ، وَيَضُمُّونَ إِلَيْهِمْ مَوَاشِيَهُمْ، فَيَشْرَبُونَ مِيَاهَ الْأَرْضِ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَمُرُّ بِالنَّهْرِ، فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهِ، حَتَّى يَتْرُكُوهُ يَبَسًا، حَتَّى إِنَّ مَنْ بَعْدَهُمْ لَيَمُرُّ بِذَلِكَ النَّهْرِ، فَيَقُولُ: قَدْ كَانَ هَاهُنَا مَاءٌ مَرَّةً. حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ إِلَّا أَحَدٌ فِي حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ قَالَ قَائِلَهُمْ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْأَرْضِ قَدْ فَرَغْنَا مِنْهُمْ، بَقِيَ أَهْلُ السَّمَاءِ ". قَالَ: " ثُمَّ يَهُزُّ أَحَدُهُمْ حَرْبَتَهُ، ثُمَّ يَرْمِي بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَتَرْجِعُ إِلَيْهِ مُخْتَضِبَةً دَمًا لِلْبَلَاءِ وَالْفِتْنَةِ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ دُودًا فِي أَعْنَاقِهِمْ كَنَغَفِ الْجَرَادِ الَّذِي يَخْرُجُ فِي أَعْنَاقِهِ، فَيُصْبِحُونَ مَوْتَى، لَا يُسْمَعُ لَهُمْ حِسٌّ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: أَلَا رَجُلٌ يَشْرِي لَنَا نَفْسَهُ، فَيَنْظُرُ مَا فَعَلَ هَذَا الْعَدُوُّ؟ قَالَ: " فَيَتَجَرَّدُ رَجُلٌ مِنْهُمْ مُحْتَسِبًا نَفْسَهُ، قَدْ وَطَّنَهَا عَلَى أَنَّهُ مَقْتُولٌ، فَيَنْزِلُ فَيَجِدُهُمْ مَوْتَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَيُنَادِي: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَلَا أَبْشِرُوا، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَفَاكُمْ
عَدُوَّكُمْ. فَيَخْرُجُونَ مِنْ
مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ، وَيُسَرِّحُونَ مَوَاشِيَهُمْ، فَمَا يَكُونُ لَهَا
رَعْيٌ إِلَّا لُحُومُهُمْ، فَتَشْكُرُ عَنْهُ كَأَحْسَنِ مَا شَكَرَتْ عَنْ
شَيْءٍ مِنَ النَّبَاتِ أَصَابَتْهُ قَطُّ ". وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ
مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ
بِهِ، وَهُوَ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ.
وَفِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، بَعْدَ ذِكْرِ قَتْلِ عِيسَى
الدَّجَّالَ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ الشَّرْقِيِّ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ
إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لَا
يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ. فَيَبْعَثُ
اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَهُمْ مِنْ
كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَرْغَبُ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ
وَجَلَّ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا فِي رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ
فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، فَيَهْبِطُ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَلَا
يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ بَيْتًا إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتَنُهُمْ،
فَيَرْغَبُ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ، فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ
اللَّهُ ".
قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: " بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ الْمَهْبِلُ عِنْدَ
مَطْلِعِ الشَّمْسِ ". الْحَدِيثُ إِلَى آخِرِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
كَذَلِكَ حَدِيثُ مُؤْثِرِ بْنِ عَفَازَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فِي اجْتِمَاعِ
الْأَنْبِيَاءِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَتَذَاكُرِهِمْ أَمْرَ السَّاعَةِ،
فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى عِيسَى، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، كَمَا
تَقَدَّمَ، وَفِي آخِرِهِ: فَيَرْجِعُ
النَّاسُ إِلَى أَوْطَانِهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ،
وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَطَئُونَ بِلَادَهُمْ، لَا يَمُرُّونَ
عَلَى شَيْءٍ، إِلَّا أَهْلَكُوهُ، وَلَا عَلَى مَاءٍ إِلَّا شَرِبُوهُ "، قَالَ:
" ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَيَّ يَشْكُونَهُمْ، فَأَدْعُو اللَّهَ
عَلَيْهِمْ، فَيُهْلِكُهُمْ وَيُمِيتُهُمْ حَتَّى تَجْوَى الْأَرْضُ مِنْ نَتَنِ
رِيحِهِمْ، وَيُنْزِلُ اللَّهُ الْمَطَرَ، فَتَجْرُفُ أَجْسَادَهُمْ، حَتَّى
يَقْذِفَهُمْ فِي الْبَحْرِ، فَفِيمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي أَنَّ ذَلِكَ إِذَا
كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ السَّاعَةَ كَالْحَامِلِ الْمُتِمِّ، لَا يَدْرِي
أَهْلُهَا مَتَّى تَفْجَؤُهُمْ بِوِلَادَتِهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا "
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ خَالَتِهِ قَالَتْ:خَطَبَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَاصِبٌ إِصْبَعَهُ مِنْ
لَدْغَةِ عَقْرَبٍ، فَقَالَ: " إِنَّكُمْ تَقُولُونَ: لَا عَدُوَّ لَكُمْ،
وَإِنَّكُمْ لَا تَزَالُونَ تُقَاتِلُونَ عَدُوًّا حَتَّى يَأْتِيَ يَأْجُوجُ
وَمَأْجُوجُ، عِرَاضُ الْوُجُوهِ، صِغَارُ الْعُيُونِ، صُهْبُ الشِّعَافِ، مِنْ
كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ ".
قُلْتُ: يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ طَائِفَتَانِ مِنَ التُّرْكِ كَبِيرَتَانِ لَا
يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ
سُبْحَانَهُ، وَهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ
آدَمَ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ
الْقِيَامَةِ: يَا آدَمُ. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. فَيُنَادِي
بِصَوْتٍ: ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ. فَيَقُولُ: مِنْ كَمْ؟
فَيَقُولُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِلَى
النَّارِ، وَوَاحِدًا إِلَى الْجَنَّةِ. فَيَوْمَئِذٍ يَشِيبُ الصَّغِيرُ،
وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا فَيُقَالُ: أَبْشِرُوا، فَإِنَّ فِي
يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ لَكُمْ فِدَاءً ". وَفِي رِوَايَةٍ: " فَيُقَالُ:
إِنَّ فِيكُمْ أُمَّتَيْنِ مَا كَانَتَا فِي شَيْءٍ إِلَّا كَثَّرَتَاهُ;
يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ". وَسَيَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ بِطُرُقِهِ
وَأَلْفَاظِهِ.
ثُمَّ هُمْ مِنْ حَوَّاءَ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُمْ مِنْ آدَمَ لَا
مِنْ حَوَّاءَ، وَذَلِكَ أَنَّ آدَمَ احْتَلَمَ، فَاخْتَلَطَ مَنِيُّهُ
بِالتُّرَابِ، فَخَلَقَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ. وَهَذَا
مِمَّا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَرِدْ عَمَّنْ يَجِبُ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي
هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْ سُلَالَةِ يَافِثَ بْنِ
نُوحٍ، وَهُوَ أَبُو التُّرْكِ، وَقَدْ كَانُوا يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ،
وَيُؤْذُونَ أَهْلَهَا، فَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ذَا الْقَرْنَيْنِ
فَحَصَرَهُمْ فِي مَكَانِهِمْ دَاخِلَ السَّدِّ إِلَى أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ
تَعَالَى فِي خُرُوجِهِمْ عَلَى النَّاسِ، فَيَكُونُ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا
ذَكَرْنَا فِي الْأَحَادِيثِ.
وَهُمْ كَالنَّاسِ يُشْبِهُونَهُمْ كَأَبْنَاءِ جِنْسِهِمْ مِنَ التُّرْكِ الْغُتْمِ،
الْمَغُولِ الْمُخَرْزَمَةِ عُيُونُهُمْ، الذُّلْفِ أُنُوفُهُمْ، الصُّهْبِ،
شُعُورُهُمْ عَلَى أَشْكَالِهِمْ وَأَلْوَانِهِمْ، وَمَنْ زَعَمَ
أَنَّ مِنْهُمُ الطَّوِيلَ
كَالنَّخْلَةِ السَّحُوقِ وَأَطْوَلَ، وَمِنْهُمُ الْقَصِيرَ كَالشَّيْءِ
الْحَقِيرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ أُذُنَانِ يَتَغَطَّى بِإِحْدَاهُمَا
وَيَتَوَطَّأُ بِالْأُخْرَى، فَقَدْ تَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَقَالَ
مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ أَنَّ أَحَدَهُمْ لَا
يَمُوتُ حَتَّى يَرَى مِنْ نَسْلِهِ أَلْفَ إِنْسَانٍ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ
بِصِحَّتِهِ.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
الْعَبَّاسِ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ أَحْمَدُ بْنُ
الْفُرَاتِ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ
بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِنْ وَلَدِ آدَمَ، وَلَوْ أُرْسِلُوا لَأَفْسَدُوا
عَلَى النَّاسِ مَعَايِشَهُمْ، وَلَنْ يَمُوتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا تَرَكَ مِنْ
ذُرِّيَّتِهِ أَلْفًا فَصَاعِدًا، وَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِمْ ثَلَاثَ أُمَمٍ؟
تَاوِيلَ، وَتَارِيسَ، وَمَنْسَكَ ". وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ
يَكُونُ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنَ الزَّامِلَتَيْنِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
يَزِيدَ، قَالَ: رَأَى ابْنُ عَبَّاسٍ صِبْيَانًا يَنْزُو بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
يَلْعَبُونَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَكَذَا تَخْرُجُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ.
ذِكْرُ تَخْرِيبِ الْكَعْبَةِ،
شَرَّفَهَا اللَّهُ، عَلَى يَدَيْ ذِي السُّوَيْقَتَيْنِ الْأَفْحَجِ
الْحَبَشِيِّ، قَبَّحَهُ اللَّهُ
وَرُوِّينَا عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ فِي " التَّفْسِيرِ " عِنْدَ
قَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ [
الْأَنْبِيَاءِ: 96 ] أَنَّ أَوَّلَ ظُهُورِ ذِي السُّوَيْقَتَيْنِ فِي أَيَّامِ
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَلِكَ بَعْدَ هَلَاكِ يَأْجُوجَ
وَمَأْجُوجَ، فَيَبْعَثُ إِلَيْهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ طَلِيعَةً مَا بَيْنَ
السَّبْعِمِائَةِ إِلَى الثَّمَانِمِائَةِ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إِلَيْهِ
إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا يَمَانِيَّةً طَيِّبَةً، فَتُقْبَضُ فِيهَا رُوحُ
كُلِّ مُؤْمِنٍ، ثُمَّ يَبْقَى عَجَاجٌ مِنَ النَّاسِ، يَتَسَافَدُونَ كَمَا
تَتَسَافَدُ الْبَهَائِمُ. ثُمَّ قَالَ كَعْبٌ: وَتَكُونُ السَّاعَةُ قَرِيبَةً
حِينَئِذٍ. قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ عِيسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ يَحُجُّ بَعْدَ نُزُولِهِ إِلَى الْأَرْضِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيُحَجَّنَّ هَذَا الْبَيْتُ، وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ
خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ". انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ،
فَرَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ
طَهْمَانَ، عَنْ
حَجَّاجٍ - هُوَ ابْنُ حَجَّاجٍ - عَنْ قَتَادَةَ بْنِ دِعَامَةَ بِهِ. قَالَ:
تَابَعَهُ أَبَانٌ وَعِمْرَانُ، عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ
شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُحَجَّ الْبَيْتُ
". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ. انْتَهَى مَا
ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ أَبَانِ بْنِ يَزِيدَ الْعَطَّارِ، عَنْ
قَتَادَةَ، كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ. وَرِوَايَةُ عِمْرَانَ بْنِ دَاوُدَ الْقَطَّانِ
قَدْ أَوْرَدَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ، كَمَا رَأَيْتَ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ; سَمِعْتُ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عُتْبَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ
حَتَّى لَا يُحَجَّ الْبَيْتُ ". ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا
نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
قُلْتُ: وَلَا مُنَافَاةَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ; لِأَنَّ
الْكَعْبَةَ يَحُجُّهَا النَّاسُ وَيَعْتَمِرُونَ بِهَا، بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ
وَمَأْجُوجَ وَهَلَاكِهِمْ، وَطُمَأْنِينَةِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ أَرْزَاقِهِمْ
فِي زَمَانِ الْمَسِيحِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا
طَيِّبَةً، فَيَقْبِضُ بِهَا رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَيُتَوَفَّى
نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ
الْمُسْلِمُونَ، وَيُدْفَنُ بِالْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَكُونُ خَرَابُ الْكَعْبَةِ عَلَى
يَدَيْ ذِي السُّوَيْقَتَيْنِ بَعْدَ هَذَا، وَإِنْ كَانَ ظُهُورُهُ فِي زَمَنِ
الْمَسِيحِ، كَمَا قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.==
ج36. البداية
والنهاية
تأليف: عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (774 هـ).
ذِكْرُ تَخْرِيبِهِ إِيَّاهَا،
قَبَّحَهُ اللَّهُ، وَشَرَّفَهَا
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَهُوَ
الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ، وَيَسْلُبُهَا
حِلْيَتَهَا، وَيُجَرِّدُهَا مِنْ كِسْوَتِهَا، وَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ
أُصَيْلِعَ أُفَيْدِعَ، يَضْرِبُ عَلَيْهَا بِمِسْحَاتِهِ وَمِعْوَلِهِ ".
انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: بَابُ النَّهْيِ عَنْ تَهْيِيجِ الْحَبَشَةِ، حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ
حُنَيْفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اتْرُكُوا الْحَبَشَةَ مَا تَرَكُوكُمْ; فَإِنَّهُ لَا
يَسْتَخْرِجُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ إِلَّا ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ
".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
الْأَخْنَسِ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ -
وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ - أَنَّ ابْنَ
عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، أَسْوَدَ أَفْحَجَ يَنْقُضُهَا حَجَرًا حَجَرًا
". يَعْنِي الْكَعْبَةَ.
انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، فَرَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ،
عَنْ يَحْيَى، وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، بِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ
ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ،
يُخَرِّبُ بَيْتَ اللَّهِ ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ
مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ، بِهِ. وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ
رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ ".
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ
الدَّرَاوَرْدِيِّ، كِلَاهُمَا " عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ
أَبِي الْغَيْثِ، سَالِمٍ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً
بِسَوَاءٍ. وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الرَّجُلُ هُوَ ذَا السُّوَيْقَتَيْنِ،
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ; فَإِنَّ هَذَا مِنْ قَحْطَانَ، وَذَاكَ مِنَ
الْحَبَشَةِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ
جَعْفَرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:لَا يَذْهَبُ
اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمَوَالِي يُقَالُ لَهُ:
جَهْجَاهُ ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ
بِهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اسْمَ ذِي السُّوَيْقَتَيْنِ الْحَبَشِيِّ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ
لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَيَخْرُجُ أَهْلُ مَكَّةَ ثُمَّ لَا يُعْبَرُ بِهَا - أَوْ
لَا يَعْبُرُ بِهَا إِلَّا قَلِيلٌ - ثُمَّ تَمْتَلِئُ وَتُبْنَى، ثُمَّ
يَخْرُجُونَ مِنْهَا، فَلَا يَعُودُونَ فِيهَا أَبَدًا ". وَرَوَاهُ
الْبَزَّارُ.
فَصْلُ ( الْمَدِينَةُ النَّبَوِيَّةُ لَا يَدْخُلُهَا الدَّجَّالُ )
وَأَمَّا الْمَدِينَةُ النَّبَوِيَّةُ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ كَمَا
تَقَدَّمَ أَنَّ الدَّجَّالَ لَا يَدْخُلُهَا وَلَا مَكَّةَ، وَأَنَّهُ يَكُونُ
عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ يَحْرُسُونَهَا مِنْهُ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "، مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ نُعَيْمٍ
الْمُجْمِرِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَدْخُلُهَا الْمَسِيحُ
الدَّجَّالُ، وَلَا الطَّاعُونُ ". وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُخَيِّمُ
بِظَاهِرِهَا، وَأَنَّهَا تَرْجُفُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، فَيَخْرُجُ
إِلَيْهِ كُلُّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ، وَفَاسِقٍ وَفَاسِقَةٍ، وَيَثْبُتُ
فِيهَا كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَمُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، وَيُسَمَّى
يَوْمَئِذٍ يَوْمَ الْخَلَاصِ، وَأَكْثَرُ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ
وَهِيَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا
طَيْبَةُ، تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا ".
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ
لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ
أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ الْآيَةَ [ النُّورِ: 26 ].
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْمَدِينَةَ تَكُونُ عَامِرَةً أَيَّامَ الدَّجَّالِ، ثُمَّ
تَكُونُ كَذَلِكَ فِي زَمَنِ الْمَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ رَسُولِ اللَّهِ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، حَتَّى تَكُونَ وَفَاتُهُ بِهَا، وَدَفْنُهُ
بِهَا، ثُمَّ تُخَرَّبُ بَعْدَ ذَلِكَ.
كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا
ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَيَسِيرَنَّ الرَّاكِبُ فِي
جَنَبَاتِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ لَيَقُولُ: لَقَدْ كَانَ فِي هَذَا حَاضِرٌ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ كَثِيرٌ ". قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَلَمْ يَجُزْ بِهِ
حَسَنٌ الْأَشْيَبُ جَابِرًا. انْفَرَدَ بِهِمَا أَحْمَدُ.
خُرُوجُ الدَّابَّةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ
دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا
يُوقِنُونَ [ النَّمْلِ: 82 ]. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ
بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ "،
وَأَوْرَدْنَا هُنَالِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَلِكَ مَا فِيهِ
كِفَايَةٌ، وَلَوْ كَتَبْتُ مَجْمُوعَهَا هَاهُنَا كَانَ حَسَنًا كَافِيًا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ: تُكَلِّمُهُمْ، أَيْ
تُخَاطِبُهُمْ مُخَاطَبَةً. وَرَجَّحَ ابْنُ جَرِيرٍ: تُخَاطِبُهُمْ فَتَقُولُ
لَهُمْ: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ وَحَكَاهُ عَنْ
عَلِيٍّ، وَعَطَاءٍ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: تُكَلِّمُهُمْ:
تُجَرِّحُهُمْ. يَعْنِي تَكْتُبُ عَلَى جَبِينِ الْكَافِرِ: " كَافِرٌ "
وَعَلَى جَبِينِ الْمُؤْمِنِ: " مُؤْمِنٌ ". وَعَنْهُ: تُخَاطِبُهُمْ
وَتَجْرَحُهُمْ. وَهَذَا الْقَوْلُ يَنْتَظِمُ الْمَذْهَبَيْنِ، وَهُوَ قَوِىٌّ
حَسَنٌ جَامِعٌ لَهُمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَهْلُ
السُّنَنِ، عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَرَوْا
عَشْرَ آيَاتٍ: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدُّخَانُ، وَالدَّابَّةُ،
وَخُرُوجُ يَأْجُوجَ
وَمَأْجُوجَ، وَخُرُوجُ عِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ، وَالدَّجَّالُ، وَثَلَاثَةُ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ
بِالْمُشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ
عَدَنَ، تَسُوقُ النَّاسَ - أَوْ تَحْشُرُ النَّاسَ - تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ
بَاتُوا، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا ".
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَادِرُوا
بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوِ الدُّخَانَ،
أَوِ الدَّجَّالَ، أَوِ الدَّابَّةَ، أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ، أَوْ أَمْرَ
الْعَامَّةِ ".
وَلَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا:
الدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ الْأَرْضِ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ
مَغْرِبِهَا، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ، وَخُوَيْصَةَ أَحَدِكُمْ ".
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
الْحَارِثِ، وَابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سِنَانِ
بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ
مَغْرِبِهَا، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ الْأَرْضِ، وَالدَّجَّالَ، وَخُوَيْصَةَ
أَحَدِكُمْ، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ ". تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ
هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، وَجَرِيرِ
بْنِ حَازِمٍ; فَأَمَّا
طَلْحَةُ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ حَدَّثَهُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ أَبِي سَرِيحَةَ، وَأَمَّا جَرِيرٌ فَقَالَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَحَدِيثُ طَلْحَةَ أَتَمُّ وَأَحْسَنُ، قَالَ:ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّابَّةَ، فَقَالَ: لَهَا ثَلَاثُ خَرَجَاتٍ فِي الدَّهْرِ، فَتَخْرُجُ خَرْجَةً مِنْ أَقْصَى الْبَادِيَةِ، وَلَا يَدْخُلُ ذِكْرُهَا الْقَرْيَةَ - يَعْنِي مَكَّةَ - ثُمَّ تَكْمُنُ زَمَانًا طَوِيلًا، ثُمَّ تَخْرُجُ خَرْجَةً أُخْرَى دُونَ تِلْكَ، فَيَعْلُو ذِكْرُهَا فِي أَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَيَدْخُلُ ذِكْرُهَا الْقَرْيَةَ ". يَعْنِي مَكَّةَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثُمَّ بَيْنَمَا النَّاسُ فِي أَعْظَمِ الْمَسَاجِدِ عَلَى اللَّهِ حُرْمَةً وَأَكْرَمِهَا; الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا وَهِيَ تَرْغُو بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، تَنْفُضُ عَنْ رَأْسِهَا التُّرَابَ، فَارْفَضَّ النَّاسُ عَنْهَا شَتَّى وَمَعًا، وَثَبَتَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَرَفُوا أَنَّهُمْ لَنْ يُعْجِزُوا اللَّهَ، فَبَدَأَتْ بِهِمْ، فَجَلَتْ وُجُوهُهُمْ حَتَّى جَعَلَتْهَا كَالْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ، وَوَلَّتْ فِي الْأَرْضِ، لَا يُدْرِكُهَا طَالِبٌ، وَلَا يَنْجُو مِنْهَا هَارِبٌ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَعَوَّذُ مِنْهَا بِالصَّلَاةِ فَتَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِهِ، فَتَقُولُ: يَا فُلَانُ، الْآنَ تُصَلِّي؟! فَيُقْبِلُ عَلَيْهَا، فَتَسِمُهُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ تَنْطَلِقُ، وَيَشْتَرِكُ النَّاسُ فِي الْأَمْوَالِ، وَيَصْطَحِبُونَ فِي الْأَمْصَارِ، يُعْرَفُ الْمُؤْمِنُ مِنَ الْكَافِرِ، حَتَّى إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَقُولُ: يَا كَافِرُ، اقْضِنِي حَقِّي. وَحَتَّى إِنَّ الْكَافِرَ لَيَقُولُ: يَا مُؤْمِنُ، اقْضِنِي حَقِّي ". هَكَذَا رَوَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا السِّيَاقِ، وَفِيهِ
غَرَابَةٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ
مِنْ طَرِيقَيْنِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ أَيْضًا
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ مَرْفُوعًا، وَفِيهِ أَنَّ ذَلِكَ فِي زَمَانِ
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ
نَظَرٌ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو،
حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:ذَهَبَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَوْضِعٍ بِالْبَادِيَةِ قَرِيبٍ مِنْ مَكَّةَ،
فَإِذَا أَرْضٌ يَابِسَةٌ حَوْلَهَا رَمْلٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ
". فَإِذَا فِتْرٌ فِي شِبْرٍ. قَالَ ابْنُ بُرَيْدَةَ: فَحَجَجْتُ بَعْدَ
ذَلِكَ بِسِنِينَ، فَأَرَانَا عَصًا لَهُ، فَإِذَا هُوَ بِعَصَايَ هَذِهِ، هَكَذَا
وَهَكَذَا. يَعْنِي أَنَّهُ كُلَّمَا لَهُ يَتَّسِعُ حَتَّى يَكُونَ وَقْتُ
خُرُوجِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ،
قَالَ: هِيَ دَابَّةٌ ذَاتُ زَغَبٍ، لَهَا أَرْبَعُ قَوَائِمَ، تَخْرُجُ مِنْ
بَعْضِ أَوْدِيَةِ تِهَامَةَ. وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عُثْمَانَ
بْنِ مَطَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، قَالَ: قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ: تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ صَدْعٍ مِنَ الصَّفَا،
كَجَرْيِ الْفَرَسِ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ، لَا يَخْرُجُ ثُلُثُهَا.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُ قَالَ " تَخْرُجُ الدَّابَّةُ
مِنْ تَحْتِ صَخْرَةٍ بِشِعْبِ أَجْيَادٍ، فَتَسْتَقْبِلُ الْمَشْرِقَ، فَتَصْرُخُ
صَرْخَةً تُنْفِذُهُ، ثُمَّ تَسْتَقْبِلُ الشَّامَ، فَتَصْرُخُ صَرْخَةً
تُنْفِذُهُ، ثُمَّ تَسْتَقْبِلُ الْمَغْرِبَ، فَتَصْرُخُ صَرْخَةً تُنْفِذُهُ،
ثُمَّ تَسْتَقْبِلُ الْيَمَنَ، فَتَصْرُخُ صَرْخَةً تُنْفِذُهُ، ثُمَّ تَرُوحُ
مِنْ مَكَّةَ، فَتُصْبِحُ بِعُسْفَانَ. قِيلَ لَهُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ
لَا أَعْلَمُ. وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: تَخْرُجُ الدَّابَّةُ لَيْلَةَ جَمْعٍ.
وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَّهُ حَكَى عَنْ عُزَيْرٍ النَّبِيِّ، أَنَّهُ
قَالَ: تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ تَحْتِ سَدُومَ. يَعْنِي مَدِينَةَ قَوْمِ
لُوطٍ، فَهَذِهِ أَقْوَالٌ مُتَعَارِضَةٌ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، أَنَّهُ قَالَ: تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنَ الصَّفَا
أَوِ الْمَرْوَةِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، ثُمَّ سَاقَ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ
مَعِينٍ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا رَبَاحُ بْنُ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: بِئْسَ الشِّعْبُ شِعْبُ جِيَادٍ ". مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا،
قَالُوا: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " تَخْرُجُ مِنْهُ
الدَّابَّةُ، فَتَصْرُخُ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ، فَيَسْمَعُهَا مَنْ بَيْنَ
الْخَافِقَيْنِ ".
ثُمَّ رَوَى مِنْ حَدِيثِ فَرْقَدِ بْنِ الْحَجَّاجِ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ
أَبِي الْحَسْنَاءِ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَخْرُجُ دَابَّةُ الْأَرْضِ مِنْ
جِيَادٍ، فَيَبْلُغُ صَدْرُهَا الرُّكْنَ، وَلَمْ يَخْرُجْ ذَنَبُهَا بَعْدُ
". قَالَ: " وَهِيَ دَابَّةٌ ذَاتُ وَبَرٍ وَقَوَائِمَ ".
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَبَهْزِ بْنِ
أَسَدٍ، وَعَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ
بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَخْرُجُ
دَابَّةُ الْأَرْضِ وَمَعَهَا عَصَا مُوسَى، وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ، فَتَخْطِمُ
أَنْفَ الْكَافِرِ بِالْخَاتَمِ، وَتَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ بِالْعَصَا، حَتَّى
إِنَّ أَهْلَ الْخِوَانِ الْوَاحِدِ لَيَجْتَمِعُونَ، فَيَقُولُ هَذَا: يَا
مُؤْمِنُ. وَيَقُولُ هَذَا: يَا كَافِرُ ". وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ
أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبِ،
عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، بِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ،
عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، فَذَكَرَهُ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:
فَتَخْطِمُ أَنْفَ الْكَافِرِ بِالْعَصَا،
وَتَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ
بِالْخَاتَمِ ". وَهَذَا أَنْسَبُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ
اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنَّ الدَّابَّةَ فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنٍ،
مَا بَيْنَ قَرْنَيْهَا فَرْسَخٌ لِلرَّاكِبِ. وَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّهَا
دَابَّةٌ لَهَا رِيشٌ وَزَغَبٌ وَحَافِرٌ، وَمَا لَهَا ذَنَبٌ، وَلَهَا لِحْيَةٌ،
وَإِنَّهَا لَتَخْرُجُ حُضْرَ الْفَرَسِ الْجَوَادِ ثَلَاثًا، وَمَا خَرَجَ
ثُلُثَاهَا. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ وَصَفَ الدَّابَّةَ،
فَقَالَ: رَأْسُهَا رَأْسُ ثَوْرٍ، وَعَيْنُهَا عَيْنُ خِنْزِيرٍ، وَأُذُنُهَا
أُذُنُ فِيلٍ، وَقَرْنُهَا قَرْنُ إِيَّلٍ، وَعُنُقُهَا عُنُقُ نَعَامَةٍ،
وَصَدْرُهَا صَدْرُ أَسَدٍ، وَلَوْنُهَا لَوْنُ نَمِرٍ، وَخَاصِرَتُهَا خَاصِرَةُ
هِرٍّ، وَذَنَبُهَا ذَنَبُ كَبْشٍ، وَقَوَائِمُهَا قَوَائِمُ بَعِيرٍ، بَيْنَ كُلِّ
مَفْصِلَيْنِ اثَنَا عَشَرَ ذِرَاعًا، يَخْرُجُ مَعَهَا عَصَا مُوسَى، وَخَاتَمُ
سُلَيْمَانَ، فَلَا يَبْقَى مُؤْمِنٌ إِلَّا نَكَتَتْ فِي وَجْهِهِ بِعَصَا مُوسَى
نُكْتَةً بَيْضَاءَ، فَتَفْشُو تِلْكَ النُّكْتَةُ حَتَّى يَبْيَضَّ لَهَا
وَجْهُهُ، وَلَا يَبْقَى كَافِرٌ إِلَّا نَكَتَتْ فِي وَجْهِهِ نُكْتَةً سَوْدَاءَ
بِخَاتَمِ سُلَيْمَانَ، فَتَفْشُو تِلْكَ النُّكْتَةُ حَتَّى يَسْوَدَّ لَهَا
وَجْهُهُ، حَتَّى إِنَّ النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فِي الْأَسْوَاقِ: بِكَمْ ذَا يَا
مُؤْمِنُ؟ بِكَمْ ذَا يَا كَافِرُ؟ وَحَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ لَيَجْلِسُونِ
عَلَى مَائِدَتِهِمْ، فَيَعْرِفُونَ مُؤْمِنَهُمْ مِنْ كَافِرِهِمْ، ثُمَّ تَقُولُ
لَهُمُ الدَّابَّةُ: يَا فُلَانُ،
أَبْشِرْ، أَنْتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَ: يَا فُلَانُ، أَنْتَ مِنْ أَهْلِ
النَّارِ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ
أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا
بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ [ النَّمْلِ: 82 ]. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الدَّابَّةَ تَقْتُلُ إِبْلِيسَ الرَّجِيمَ، وَذَلِكَ
فِيمَا رَوَاهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي كِتَابِ " الْفِتَنِ
وَالْمَلَاحِمِ "، تَصْنِيفِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا
طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى،
فَأَيَّتُهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا، فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا
قَرِيبًا ". أَيْ أَوَّلُ الْآيَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مَأْلُوفَةً، وَإِنْ
كَانَ الدَّجَّالُ، وَنُزُولُ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنَ السَّمَاءِ
قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ خُرُوجُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، فَكُلُّ ذَلِكَ أُمُورٌ
مَأْلُوفَةٌ، لِأَنَّهُمْ بَشَرٌ، مُشَاهَدَتُهُمْ وَأَمْثَالُهُمْ مَعْرُوفَةٌ
مَأْلُوفَةٌ، فَأَمَّا خُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى شَكْلٍ غَيْرِ مَأْلُوفٍ،
وَمُخَاطَبَتُهَا النَّاسَ، وَوَسْمُهَا إِيَّاهُمْ بِالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ،
فَأَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ مَجَارِي الْعَادَاتِ، وَذَلِكَ أَوَّلُ الْآيَاتِ
الْأَرْضِيَّةِ، كَمَا أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوَّلُ الْآيَاتِ
السَّمَاوِيَّةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ عَلَى خِلَافِ عَادَتِهَا الْمَأْلُوفَةِ.
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ - يَعْنِي ابْنَ أَبِي سَلَمَةَ - الْمَاجِشُونُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطِيَّةَ بْنِ دِلَافٍ الْمُزَنِيِّ، لَا أَعْلَمُ
إِلَّا أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَخْرُجُ الدَّابَّةُ فَتَسِمُ النَّاسَ
عَلَى خَرَاطِيمِهِمْ ثُمَّ يَغْمُرُونَ فِيكُمْ حَتَّى يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ
الْبَعِيرَ فَيُقَالُ: مِمَّنِ اشْتَرَيْتَهُ؟ فَيَقُولُ: مِنْ أَحَدِ
الْمُخْطَمِينَ " وَقَالَ يُونُسُ - يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ -: " ثُمَّ
يَغْمُرُونَ فِيكُمْ " وَلَمْ يَشُكَّ. قَالَ: فِي رَفْعِهِ. تَفَرَّدَ بِهِ
أَحْمَدُ.
ذِكْرُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ
الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ
يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ
آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا. الْآيَةَ [
الْأَنْعَامِ: 158 ]. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَوْمَ يَأْتِي
بَعْضُ آيَتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا.
قَالَ: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ
مَغْرِبِهَا ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ، عَنْ
أَبِيهِ، بِهِ. وَقَالَ: غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ - عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا مُوسَى
بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ،
حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ
عَلَيْهَا، فَذَاكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ
مِنْ قَبْلُ ". وَقَدْ أَخْرَجَهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ - إِلَّا
التِّرْمِذِيَّ - مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ،
عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا
مِثْلَهُ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا
تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ
وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، وَذَلِكَ حِيَنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا
إِيمَانُهَا ". ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ. وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ
الصَّنْعَانِيِّ بِهِ، وَانْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ طَرِيقِ
الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي
حَازِمٍ سَلْمَانَ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا
يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي
إِيمَانِهَا خَيْرًا; طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدُّخَانُ،
وَدَابَّةُ الْأَرْضِ ". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي
شَيْبَةَ، وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ بِهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ
أَيْضًا، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ فُضَيْلِ
بْنِ غَزْوَانَ، بِهِ، نَحْوَهُ.
وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ
جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَيْضًا، فَعَنْ أَبِي سَرِيحَةَ حُذَيْفَةَ بْنِ
أَسِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا
تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ; طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ
مَغْرِبِهَا.... ". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ،
وَأَهْلُ السُّنَنِ، كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
وَمِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَادِرُوا
بِالْأَعْمَالِ سِتًّا ". فَذَكَرَ مِنْهُنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ
مَغْرِبِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِيهِ،عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ
هَذِهِ الشَّمْسُ إِذَا غَرَبَتْ " ؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي. قَالَ: "
إِنَّهَا تَنْتَهِي فَتَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ، فَيُوشِكُ
أَنْ يُقَالَ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ. وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ
نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ
آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ،
قَالَ: جَلَسَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَرْوَانَ
بِالْمَدِينَةِ، فَسَمِعُوهُ يَقُولُ وَهُوَ يُحَدِّثُ فِي الْآيَاتِ: إِنَّ
أَوَّلَهَا خُرُوجُ الدَّجَّالِ. قَالَ: فَانْصَرَفَ النَّفَرُ إِلَى عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَحَدَّثُوهُ بِالَّذِي سَمِعَ مِنْ مَرْوَانَ فِي
الْآيَاتِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَمْ يَقُلْ مَرْوَانُ شَيْئًا، قَدْ حَفِظْتُ
مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ
حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا،
وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ ضُحًى، فَأَيَّتُهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا
فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا، قَرِيبًا ". ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ،
وَكَانَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ: وَأَظُنُّ أُولَاهُمَا خُرُوجًا طُلُوعَ الشَّمْسِ
مِنْ مَغْرِبِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهَا كُلَّمَا غَرَبَتْ أَتَتْ تَحْتَ الْعَرْشِ
فَسَجَدَتْ وَاسْتَأْذَنَتْ فِي الرُّجُوعِ، فَأُذِنَ لَهَا فِي الرُّجُوعِ،
حَتَّى إِذَا بَدَا لِلَّهِ أَنْ تَطْلُعَ مِنْ مَغْرِبِهَا فَعَلَتْ كَمَا
كَانَتْ تَفْعَلُ; أَتَتْ تَحْتَ الْعَرْشِ فَسَجَدَتْ وَاسْتَأْذَنَتْ فِي
الرُّجُوعِ، فَلَمْ يُرَدَّ عَلَيْهَا شَيْءٌ، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ فِي الرُّجُوعِ،
فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهَا شَيْءٌ، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ فِي الرُّجُوعِ، فَلَا
يُرَدُّ عَلَيْهَا شَيْءٌ، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ
أَنْ يَذْهَبَ، وَعَرَفَتْ أَنَّهُ إِنْ أَذِنَ لَهَا فِي الرُّجُوعِ لَمْ
تُدْرِكِ الْمَشْرِقَ، قَالَتْ: رَبِّ، مَا أَبْعَدَ الْمَشْرِقَ، مَنْ لِي
بِالنَّاسِ؟ حَتَّى إِذَا صَارَ الْأُفُقُ كَأَنَّهُ
طَوْقٌ، اسْتَأْذَنَتْ فِي الرُّجُوعِ،
فَيُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ مَكَانِكِ فَاطْلُعِي. فَطَلَعَتْ عَلَى النَّاسِ
مِنْ مَغْرِبِهَا، ثُمَّ تَلَا عَبْدُ اللَّهِ هَذِهِ الْآيَةَ: يَوْمَ يَأْتِي
بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ
قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [ الْأَنْعَامِ: 158 ].
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ "، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ
مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَيَّانَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ
أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ...
وَذَكَرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَاتِ
هَاهُنَا الَّتِي لَيْسَتْ مَأْلُوفَةً، بَلْ هِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْعَادَاتِ،
وَقَدْ ظَنَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا
مُتَقَدِّمٌ عَلَى خُرُوجِ الدَّابَّةِ، وَذَلِكَ مُحْتَمَلٌ وَمُنَاسِبٌ،
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ
الطَّبَرَانِيُّ فِي " مُعْجَمِهِ "، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ حَيَّانَ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ زِبْرِيقٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ
بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ حُيَيِّ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا خَرَّ إِبْلِيسُ
سَاجِدًا يُنَادِي وَيَجْهَرُ: إِلَهِي، مُرْنِي أَنْ أَسْجُدَ لِمَنْ شِئْتَ
". قَالَ: " فَتَجْتَمِعُ إِلَيْهِ زَبَانِيَتُهُ، فَيَقُولُونَ: يَا
سَيِّدَهُمْ، مَا هَذَا التَّضَرُّعُ؟
فَيَقُولُ: إِنَّمَا سَأَلْتُ رَبِّي
أَنْ يُنْظِرَنِي إِلَى الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ، وَهَذَا الْوَقْتُ الْمَعْلُومُ.
قَالَ: " ثُمَّ تَخْرُجُ دَابَّةُ الْأَرْضِ مِنْ صَدْعٍ فِي الصَّفَا
". قَالَ: " فَأَوَّلُ خُطْوَةٍ تَضَعُهَا بِأَنْطَاكِيَةَ، فَتَأْتِي
إِبْلِيسَ فَتَلْطِمُهُ ". وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَرَفْعُهُ فِيهِ
نَكَارَةٌ، لَعَلَّهُ مِنَ الزَّامِلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَصَابَهُمَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَ الْيَرْمُوكِ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَكَانَ
يُحَدِّثُ مِنْهُمَا أَشْيَاءَ غَرَائِبَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي خَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي رَوَاهُ نُعَيْمُ بْنُ
حَمَّادٍ فِي " الْفِتَنِ "، أَنَّ الدَّابَّةَ تَقْتُلُ إِبْلِيسَ.
وَهَذَا مِنْ أَغْرَبِ الْأَخْبَارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي حَدِيثِ طَالُوتَ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ فَضَّالِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ صُدَيِّ بْنِ عَجْلَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا
".
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي " تَفْسِيرِهِ
": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، حَدَّثَنَا ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ، حَدَّثَنَا
ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
أَوْفَى، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ لَيْلَةٌ تَعْدِلُ
ثَلَاثَ لَيَالٍ مِنْ لَيَالِيكُمْ هَذِهِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ يَعْرِفُهَا
الْمُتَنَفِّلُونَ، يَقُومُ أَحَدُهُمْ، فَيَقْرَأُ حِزْبَهُ، ثُمَّ يَنَامُ،
ثُمَّ يَقُومُ، فَيَقْرَأُ حِزْبَهُ، ثُمَّ يَنَامُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ
صَاحَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، فَقَالُوا: مَا هَذَا؟ فَيَفْزَعُونَ إِلَى
الْمَسَاجِدِ، فَإِذَا هُمْ بِالشَّمْسِ قَدْ طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا، حَتَّى
إِذَا صَارَتْ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ رَجَعَتْ فَطَلَعَتْ مِنْ مَطْلِعِهَا
". قَالَ: " فَحِينَئِذٍ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا ".
ثُمَّ سَاقَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ
مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا آيَةُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا؟
فَقَالَ: " تَطُولُ تِلْكَ اللَّيْلَةُ حَتَّى تَكُونَ قَدْرَ لَيْلَتَيْنِ،
فَيَنْتَبِهُ الَّذِينَ كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهَا، فَيَعْمَلُونَ كَمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ قَبْلَهَا، وَالنُّجُومُ لَا تُرَى; قَدْ بَاتَتْ مَكَانَهَا، ثُمَّ
يَرْقُدُونَ، ثُمَّ يَقُومُونَ، فَيُصَلُّونَ، ثُمَّ يَرْقُدُونَ، ثُمَّ
يَقُومُونَ، فَتَكِلُّ عَلَيْهِمْ جُنُوبُهُمْ حِينَ يَتَطَاوَلُ اللَّيْلُ،
فَيَفْزَعُ النَّاسُ وَلَا يُصْبِحُونَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَنْتَظِرُونَ طُلُوعَ
الشَّمْسِ مِنْ مَشْرِقِهَا إِذْ طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا رَآهَا
النَّاسُ آمَنُوا، وَلَا يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ ".
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ
الْبَيْهَقِيُّ فِي " الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ ": أَخْبَرَنَا أَبُو
الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا
أَبُو نُصَيْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ بْنِ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمَّادٍ الْآمُلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ،
حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
رَجَاءٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ
قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ لِجُلَسَائِهِ: أَرَأَيْتُمْ قَوْلَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ:
تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ؟ [ الْكَهْفِ: 86 ] مَاذَا يَعْنِي بِهَا؟ قَالُوا:
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: إِنَّهَا إِذَا غَرَبَتْ سَجَدَتْ لَهُ
وَسَبَّحَتْهُ وَعَظَّمَتْهُ، ثُمَّ كَانَتْ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَإِذَا حَضَرَ
طُلُوعُهَا، سَجَدَتْ لَهُ وَسَبَّحَتْهُ وَعَظَّمَتْهُ ثُمَّ اسْتَأْذَنَتْهُ،
فَيُؤْذَنُ لَهَا، فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي تُحْبَسُ فِيهِ، سَجَدَتْ لَهُ
وَسَبَّحَتْهُ وَعَظَّمَتْهُ ثُمَّ اسْتَأْذَنَتْهُ، فَيُقَالُ لَهَا: اثْبُتِي.
فَإِذَا حَضَرَ طُلُوعُهَا سَجَدَتْ لَهُ وَسَبَّحَتْهُ وَعَظَّمَتْهُ ثُمَّ
اسْتَأْذَنَتْهُ فَيُقَالُ: اثْبُتِي. فَتُحْبَسُ مِقْدَارَ لَيْلَتَيْنِ. قَالَ:
وَيَفْزَعُ الْمُتَهَجِّدُونَ، وَيُنَادِي الرَّجُلُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ جَارَهُ:
يَا فُلَانُ، مَا شَأْنُنَا اللَّيْلَةَ؟ لَقَدْ نِمْتُ حَتَّى شَبِعْتُ
وَصَلَّيْتُ حَتَّى أَعْيَيْتُ. ثُمَّ يُقَالُ لَهَا: اطْلُعِي مِنْ حَيْثُ
غَرَبْتِ. فَذَلِكَ يَوْمٌ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ
مِنْ قَبْلُ الْآيَةَ [ الْأَنْعَامِ: 158 ].
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ
عُبَيْدٍ، يَرُدُّهُ إِلَى مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ، عَنِ ابْنِ
السَّعْدِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا
دَامَ الْعَدُوُّ يُقَاتِلُ ". فَقَالَ مُعَاوِيَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ عَوْفٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ:إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الْهِجْرَةَ خَصْلَتَانِ;
إِحْدَاهُمَا أَنْ تَهْجُرَ السَّيِّئَاتِ، وَالْأُخْرَى أَنْ تُهَاجِرَ إِلَى
اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا تُقُبِّلَتِ التَّوْبَةُ،
وَلَا تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنَ الْمَغْرِبِ،
فَإِذَا طَلَعَتْ، طُبِعَ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ، وَكُفِيَ النَّاسُ
الْعَمَلَ ". وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ
مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ.
وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ -
وَصَحَّحَهُ - وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ أَبِي
النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ فَتَحَ
بَابًا قِبَلَ الْمَغْرِبِ عَرْضُهُ سَبْعُونَ - أَوْ قَالَ: أَرْبَعُونَ - عَامًا
لِلتَّوْبَةِ، لَا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ ".
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَوَاتِرَةُ، مَعَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ إِيمَانًا، أَوْ تَوْبَةً بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
مِنْ مَغْرِبِهَا لَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَكْبَرِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَعَلَامَاتِهَا
الدَّالَّةِ عَلَى اقْتِرَابِهَا وَدُنُوِّهَا، فَعُومِلَ ذَلِكَ الْوَقْتُ
مُعَامَلَةَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا
أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ
آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا
إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ [ الْأَنْعَامِ: 158 ].
وَقَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا رَأَوْا
بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ
مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا
سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ
الْكَافِرُونَ [ غَافِرٍ: 84، 85 ].
وَقَالَ تَعَالَى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ
بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ
ذِكْرَاهُمْ [ مُحَمَّدٍ: 18 ].
وَقَدْ حَكَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ قَالَ: أَوَّلُ الْآيَاتِ
ظُهُورًا خُرُوجُ الدَّجَّالِ، ثُمَّ نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ثُمَّ فَتْحُ
يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، ثُمَّ خُرُوجُ الدَّابَّةِ، ثُمَّ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ
مَغْرِبِهَا، قَالَ: لِأَنَّهَا إِذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا آمَنَ مَنْ
عَلَيْهَا، فَلَوْ كَانَ نُزُولُ عِيسَى بَعْدَهَا، لَمْ يَلْقَ كَافِرًا.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ; لِأَنَّ إِيمَانَ أَهْلِ الْأَرْضِ
يَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُهُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ
آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، فَمَنْ أَحْدَثَ إِيمَانًا أَوْ تَوْبَةً يَوْمَئِذٍ لَمْ
تُقْبَلْ مِنْهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا أَوْ تَائِبًا قَبْلَ ذَلِكَ،
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ نُزُولِ عِيسَى فِي آخِرِ الزَّمَانِ:
وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [
النِّسَاءِ: 159 ]. أَيْ قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى، وَبَعْدَ نُزُولِهِ يُؤْمِنُ
جَمِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِهِ إِيمَانًا ضَرُورِيًّا، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ
يَتَحَقَّقُونَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَالنَّصْرَانِيُّ يَعْلَمُ
كَذِبَ نَفْسِهِ فِي دَعْوَاهُ فِيهِ الرُّبُوبِيَّةَ وَالْبُنُوَّةَ،
وَالْيَهُودِيُّ يَعْلَمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ، لَا وَلَدَ
زَانِيَةٍ، كَمَا كَانَ الْمُجْرِمُونَ مِنْهُمْ يَزْعُمُونَ ذَلِكَ، عَلَيْهِمْ
لِعَائِنُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ
الْمُتَدَارِكُ.
ذِكْرُ الدُخَّانِ الَّذِي يَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ
يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [
الدُّخَانِ: 10 - 16 ]. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي
سُورَةِ الدُّخَانِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَمَقْنَعٌ، وَقَدْ نَقَلَ
الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ فَسَّرَ ذَلِكَ بِمَا كَانَ يَحْصُلُ
لِقُرَيْشٍ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ، بِسَبَبِ الْقَحْطِ الَّذِي دَعَا عَلَيْهِمْ
بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ
يَرَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ دُخَانًا مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ.
وَهَذَا التَّفْسِيرُ غَرِيبٌ جِدًّا، وَلَمْ يُنْقَلْ مِثْلُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ
الصَّحَابَةِ غَيْرِهِ، وَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ
رَدَّ ذَلِكَ، وَمُعَارَضَتَهُ بِمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَرِيحَةَ
حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ
". فَذَكَرَ فِيهِنَّ الدُّخَانَ، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ:
بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا ". فَذَكَرَ فِيهِنَّ الدُّخَانَ،
وَالْحَدِيثَانِ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مَرْفُوعَانِ، وَالْمَرْفُوعُ
مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ مَوْقُوفٍ، وَفِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى
وُجُودِ دُخَانٍ مِنَ السَّمَاءِ يَغْشَى
النَّاسَ، وَهَذَا أَمْرٌ مُحَقَّقٌ
عَامٌّ، وَلَيْسَ كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ خَيَالٌ فِي أَعْيُنِ
قُرَيْشٍ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ.
قَالَ تَعَالَى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ. أَيْ:
ظَاهِرٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ جَلِيٌّ، لَيْسَ خَيَالًا مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ،
رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ. أَيْ: يُنَادِي أَهْلُ
ذَلِكَ الزَّمَانِ رَبَّهُمْ بِهَذَا الدُّعَاءِ; يَسْأَلُونَ كَشْفَ هَذِهِ الشِّدَّةِ
عَنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ قَدْ آمَنُوا، وَأَيْقَنُوا بِمَا وُعِدُوا بِهِ مِنَ
الْأُمُورِ الْغَيْبِيَّةِ الْكَائِنَةِ، بَعْدَ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ،
حَيْثُ يُمْكِنُ رَفْعُهُ، وَيُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ
مَسْرُوقٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يُحَدِّثُ فِي كِنْدَةَ قَالَ: يَجِيءُ
دُخَانٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ
وَأَبْصَارِهِمْ، وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ. فَفَزِعْنَا،
فَأَتَيْنَا ابْنَ مَسْعُودٍ. قَالَ: وَكَانَ مُتَّكِئًا. فَغَضِبَ فَجَلَسَ، فَقَالَ:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ
فَلْيَقُلْ: اللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا
يَعْلَمُ: اللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ
مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ. [ ص: 86 ]
وَإِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَئُوا عَنِ
الْإِسْلَامِ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ
يُوسُفَ ". فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا، وَأَكَلُوا
الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ، وَيَرَى الرَّجُلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ، فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، جِئْتَ
تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَقَوْمُكَ قَدْ هَلَكُوا، فَادْعُ اللَّهَ.
فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ
مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا
الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ
قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ أَفَيُكْشَفُ عَنْهُمْ عَذَابُ الْآخِرَةِ إِذَا
جَاءَ ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: يَوْمَ نَبْطِشُ
الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [ الدُّخَانِ: 16 ]. فَذَاكَ يَوْمُ
بَدْرٍ، فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [ الْفُرْقَانِ: 77 ] فَذَاكَ يَوْمُ بَدْرٍ،
الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ
سَيَغْلِبُونَ [ الرُّومِ: 1 - 3 ]، وَالرُّومُ قَدْ مَضَى، فَقَدْ مَضَتِ
الْأَرْبَعُ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ،
وَمَنْصُورٍ بِهِ نَحْوَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَدْ مَضَى الْقَمَرُ،
وَالدُّخَانُ، وَالرُّومُ، وَاللِّزَامُ. وَقَدْ سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ
طُرُقٍ كَثِيرَةٍ بِأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ. وَقَوْلُ هَذَا الْقَاصِّ: إِنَّ
هَذَا
الدُّخَانَ يَكُونُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ. لَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَمِنْ هُنَا تَسَلَّطَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ
بِالرَّدِّ، بَلْ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَكُونُ وُجُودُ هَذَا الدُّخَانِ،
كَمَا يَكُونُ وُجُودُ الْآيَاتِ، مِنَ الدَّابَّةِ وَالدَّجَّالِ، وَيَأْجُوجَ
وَمَأْجُوجَ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ عَنْ أَبَى سَرِيحَةَ وَأَبِي
هُرَيْرَةَ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ
فِيهَا، وَأَمَّا النَّارُ الَّتِي تَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَدْ
تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ، تَسُوقُ النَّاسَ
إِلَى الْمَحْشَرِ، تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ
قَالُوا، وَتَأْكُلُ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ.
ذِكْرُ الصَّوَاعِقِ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا
عُمَارَةٌ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَكْثُرُ الصَّوَاعِقُ عِنْدَ
اقْتِرَابِ السَّاعَةِ حَتَّى يَأْتِيَ الرَّجُلُ الْقَوْمَ فَيَقُولُ: مَنْ
صُعِقَ قِبَلَكُمُ الْغَدَاةَ؟ فَيَقُولُونَ: صُعِقَ فُلَانٌ، وَفُلَانٌ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ ثَنَا أَرْطْأَةُ -
يَعْنِي ابْنَ الْمُنْذِرِ - سَمِعْتُ ضَمْرَةَ بْنَ حَبِيبٍ سَمِعْتُسَلَمَةَ
بْنَ نُفَيْلٍ السَّكُونِيَّ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ
أُتِيتَ بِطَعَامٍ مِنَ السَّمَاءِ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ: وَبِمَاذَا؟
قَالَ: " بِمِسْخَنَةٍ " قَالَ: فَهَلْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ عَنْكَ
قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ:
فَمَا فُعِلَ بِهِ؟ قَالَ: " رُفِعَ، وَهُوَ يُوحَى إِلَيَّ أَنِّي مَكْفُوتٌ
غَيْرُ لَابِثٍ فِيكُمْ وَلَسْتُمْ لَابِثِينَ بَعْدِي إِلَّا قَلِيلًا بَلْ
تَلْبَثُونَ حَتَّى تَقُولُوا: مَتَى؟ وَسَتَأْتُونَ أَفْنَادًا يُفْنِي
بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَبَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ مُوتَانٌ شَدِيدٌ وَبَعْدَهُ
سَنَوَاتُ الزَّلَازِلِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ،
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: الْآيَاتُ خَرَزَاتٌ مَنْظُومَاتٌ فِي سِلْكٍ فَإِنْ يُقْطَعِ
السِّلْكُ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا ". انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ.
ذِكْرُ وُقُوعِ الْمَطَرِ الشَّدِيدِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ،
حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ
حَتَّى تُمْطِرَ السَّمَاءُ مَطَرًا لَا تُكَنُّ مِنْهُ بُيُوتُ الْمَدَرِ، وَلَا
تُكَنُّ مِنْهُ إِلَّا بُيُوتُ الشَّعَرِ ".
بَابُ ذِكْرِ أُمُورٍ لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ، مِنْهَا مَا قَدْ وَقَعَ، وَمِنْهَا مَا لَمْ يَقَعْ
بَعْدُ
قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَلْنَذْكُرْ أَشْيَاءَ أُخَرَ مِنْ
ذَلِكَ، وَإِيرَادَ شَيْءٍ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَمَا يَدُلُّ عَلَى
اقْتِرَابِهَا، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
تَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ
أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ. وَلَا تُقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ،
دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ. وَلَا تُقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ،
وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَكْثُرَ الْفِتَنُ،
وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ. وَلَا تُقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ
كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ
اللَّهِ. وَلَا تُقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ
فَيَقُولُ: لَيْتَنِي مَكَانَكَ. وَلَا تُقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ
الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا
أَجْمَعُونَ، وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ
آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [ الْأَنْعَامِ: 158 ]
وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ، حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ
الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ "، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَبُرَيْدَةَ، وَأَبِي بَكْرَةَ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ،
وَغَيْرِهِمْ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ
حَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ عِرَاضَ الْوُجُوهِ، ذُلْفَ الْأُنُوفِ، كَأَنَّ
وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ "
الْحَدِيثَ. وَهُمْ بَنُو قَنْطُورَاءَ، وَهِيَ جَارِيَةُ الْخَلِيلِ، عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ
مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ
وَالزِّنَى، وَتُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَيُكْثُرَ النِّسَاءُ
حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ ".
وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ: لَا تَذْهَبُ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ
مُرُوجًا وَأَنْهَارًا، أَوْ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ،
فَيَقْتَتِلُونَ عَلَيْهِ، فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ،
وَيَنْجُو وَاحِدٌ ". وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ
سُهَيْلٍ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ،
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ
دَوْسٍ حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ ". طَاغِيَةِ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا
يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ "، مِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْعَلَاءِ،
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،عَنْ
عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يَذْهَبُ
اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى " فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ: هُوَ الَّذِي
أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ
كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [ التَّوْبَةِ: 33 ] أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا.
فَقَالَ: " إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ
اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ
حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، فَيَرْجِعُونَ
إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ ".
وَفَى جُزْءِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ سَلَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا
أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ قَالَ: " نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ
الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ " الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ، إِذْ أَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ، فَسَأَلَهُ عَنِ
الْإِيمَانِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَتَى
السَّاعَةُ؟ فَقَالَ: " مَا الْمَسَئُولُ عَنْهَا بِأعْلَمَ مِنَ السَائِلِ،
وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا؟ إِذَا وَلَدَتِ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا،
فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا كَانَ الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ رُءُوسَ
النَّاسِ، فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا
اللَّهُ ". ثُمَّ قَرَأَ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ
وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ
مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ خَبِيرٌ [ لُقْمَانَ: 34 ]. ثُمَّ انْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: "
رُدُّوهُ عَلَيَّ ". فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فَقَالَ: " هَذَا
جِبْرِيلُ جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ ". أَخْرَجَاهُ فِي "
الصَّحِيحَيْنِ ".
وَعِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخِطَابِ نَحْوُ هَذَا بِأَبْسَطَ مِنْهُ.
فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا ".
يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْإِمَاءَ يَكُنَّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ هُنَّ الْمُشَارُ
إِلَيْهِنَّ بِالْحِشْمَةِ، تَكُونُ الْأَمَةُ تَحْتَ الرَّجُلِ الْكَبِيرِ دُونَ
غَيْرِهَا مِنَ الْحَرَائِرِ، وَلِذَلِكَ قَرَنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَأَنْ تَرَى
الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ ".
يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ رُءُوسَ النَّاسِ، قَدْ كَثُرَتْ
أَمْوَالُهُمْ، وَامْتَدَّتْ وَجَاهَتُهُمْ، فَلَيْسَ لَهُمْ دَأَبٌ وَلَا هِمَّةٌ
إِلَّا التَّطَاوُلُ فِي الْبِنَاءِ، وَهَذَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ
الْمُتَقَدِّمِ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ أَحْظَى النَّاسِ بِالدُّنْيَا
لُكَعُ ابْنُ لُكَعَ ". وَفَّى الْحَدِيثِ الْآخَرِ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ
حَتَّى يَسُودَ كُلَّ قَبِيلَةٍ رُذَّالُهَا " وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ. وَمَنْ
فَسَّرَ هَذَا بِكَثْرَةِ السَّرَارِي لِكَثْرَةِ الْفُتُوحَاتِ، فَقَدْ كَانَ
هَذَا فِي صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَثِيرًا جِدًّا، وَلَيْسَ هَذَا بِهَذِهِ
الصِّفَةِ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الْمُتَاخِمَةِ لِوَقْتِهَا، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ " الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ ":
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي
إِسْحَاقَ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ الْحَافِظُ،
حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ مِسْكِينٍ، حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ
فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ عُتَيٌّ: خَرَجْتُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ،
فَقَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَإِذَا أَنَا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَقُلْتُ:
يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، هَلْ لِلسَّاعَةِ مِنْ عَلَمٍ تُعْرَفُ بِهِ؟
فَقَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ
غَيْظًا، وَالْمَطَرُ قَيْظًا، وَتَفِيضُ الْأَشْرَارُ فَيْضًا، وَتَغِيضُ
الْأَخْيَارُ غَيْضًا وَيُصَدَّقُ الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ الصَّادِقُ،
وَيُؤْتَمَنُ الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ الْأَمِينُ، وَيَسُودُ كُلَّ قَبِيلَةٍ
مُنَافِقُوهَا، وَكُلَّ سُوقٍ فُجَّارُهَا، وَتُزَخْرَفُ الْمَحَارِيبُ،
وَتَخْرَبُ الْقُلُوبُ، وَيَكْتَفِي الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ، وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ،
وَيَخْرَبُ عُمْرَانُ الدُّنْيَا، وَيَعْمُرُ خَرَابُهَا، وَتَظْهَرُ الْفِتْنَةُ
وَأَكْلُ الرِّبَا، وَتَظْهَرُ الْمَعَازِفُ وَالْكُبُورُ وَشُرْبُ الْخَمْرِ،
وَتَكْثُرُ الشُّرَطُ وَالْغَمَّازُونَ وَالْهَمَّازُونَ ". ثُمَّ قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ فِيهِ ضَعْفٌ، إِلَّا أَنَّ أَكْثَرَ أَلْفَاظِهِ
قَدْ رُوِيَتْ بِأَسَانِيدَ أُخَرَ مُتَفَرِّقَةٍ.
قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ فَصْلٌ فِيهِ مَا يَقَعُ
مِنَ الشُّرُورِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَفِيهِ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ لِهَذَا
الْحَدِيثِ. وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ
يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَقَالَ: "
إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ ". قَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ،
وَكَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ فَقَالَ:
" إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ
".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ:
وَأَحْسَبُهُ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَيَّامُ الْهَرْجِ، أَيَّامٌ يَزُولُ فِيهَا الْعِلْمُ،
وَيَظْهَرُ فِيهَا الْجَهْلُ ". فَقَالَ أَبُو مُوسَى: الْهَرْجُ بِلِسَانِ
الْحَبَشِ: الْقَتْلُ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
يَخْرُجَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، فَيُخْبِرَهُ نَعْلُهُ، أَوْ سَوْطُهُ، أَوْ
عَصَاهُ، بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ ".
وَرَوَى أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ
الْحُدَّانِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ، وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ
عَذَبَةُ سَوْطِهِ، وَشِرَاكُ نَعْلِهِ، وَيُخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ
أَهْلُهُ بَعْدَهُ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، هُوَ
ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ
ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:كُنَّا
نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُمْطِرَ السَّمَاءُ، وَلَا
تُنْبِتَ الْأَرْضُ، وَحَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ
الْوَاحِدُ، وَحَتَّى إِنَّ الْمْرْأَةَ لَتَمُرُّ بِالْبَعْلِ، فَيَنْظُرُ
إِلَيْهَا فَيَقُولُ: لَقَدْ كَانَ لِهَذِهِ مَرَّةً رَجُلٌ. قَالَ أَحْمَدُ:
ذَكَرَهُ حَمَّادٌ مَرَّةً هَكَذَا، وَقَدْ ذَكَرَهُ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَشُكُّ فِيهِ، وَقَدْ
قَالَ أَيْضًا: عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِيمَا يَحْسَبُ. إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ، قَالَ: لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَقِلَّ
الرِّجَالُ، وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ قَيِّمَ خَمْسِينَ امْرَأَةً
رَجُلٌ وَاحِدٌ " تَقَدَّمَ لَهُ شَاهِدٌ فِي " الصَّحِيحِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا
مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى
الظُّهْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَذَكَرَ السَّاعَةَ،
وَذَكَرَ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْهَا أُمُورًا عِظَامًا. وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالَا:
حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ،
حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ
الزَّمَانُ، فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ،
وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونَ
السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ " وَالسَّعَفَةُ: الْخُوصَةُ، زَعَمَ
سُهَيْلٌ. وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا كَامِلٌ،
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَنْ تَذْهَبَ الدُّنْيَا حَتَّى تَصِيرَ لِلُكَعَ
ابْنِ لُكَعَ ". إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ وَسُرَيْجٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَبْلَ السَّاعَةِ
سُنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ،
وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيَنْطِقُ
فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ ". قَالَ سُرَيْجٌ: وَيُنْظَرُ فِيهَا لِلرُّوَيْبِضَةِ
". وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا
هَوْذَةُ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ مِنْ
أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرَى رُعَاةُ الشَّاءِ رَءُوسَ النَّاسِ، وَأَنْ يُرَى
الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ الْجُوَّعُ يَتَبَارَوْنَ فِي الْبِنَاءِ، وَأَنْ تَلِدَ
الْأَمَةُ رَبَّهَا أَوْ رَبَّتَهَا ". وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ، وَلَمْ
يُخْرِجُوهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ
قُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا تَنْطَحَ ذَاتُ
قَرْنٍ جَمَّاءَ " تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَلَا بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ
أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ،
وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ " قِيلَ: وَمَا الْهَرْجُ؟
قَالَ: " الْقَتْلُ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ
مُسْلِمٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ،
حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ مِنْهُ صَدَقَةَ مَالِهِ، وَيُقْبَضَ
الْعِلْمُ، وَيَقْتَرِبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ
الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ
". قَالُوا: الْهَرْجُ أَيُّمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "
الْقَتْلُ، الْقَتْلُ ".
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ،
وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ ".
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ،
كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ".
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ
وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، وَذَكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا
إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا
خَيْرًا [ الْأَنْعَامِ: 158 ] ". وَهَذَا ثَابِتٌ فِي " الصَّحِيحِ
".
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، حدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْحَكَمِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ
الْيَمَامِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَالَّذِي
بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَا تَنْقَضِي
هَذِهِ الدُّنْيَا حَتَّى يَقَعَ
بِهِمُ الْخَسْفُ، وَالْقَذْفُ، وَالْمَسْخُ ". قَالُوا: وَمَتَى ذَلِكَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " إِذَا رَأَيْتَ النِّسَاءَ رَكِبْنَ السُّرُوجَ،
وَكَثُرَتِ الْقَيْنَاتُ، وَفَشَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ، وَاسْتَغْنَى الرِّجَالُ
بِالرِّجَالِ، وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ ".
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تَعْزُبَ الْعُقُولُ، وَتَنْقُصَ
الْأَحْلَامُ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ،
حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ سَلْمَانَ، وَهُوَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سَيَّارٍ
أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَسْعُودٍ جُلُوسًا، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: قَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ.
فَقَامَ، وَقُمْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ رَأَيْنَا النَّاسَ
رُكُوعًا فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ، فَكَبَّرَ وَرَكَعَ وَرَكَعْنَا، ثُمَّ
مَشَيْنَا، وَصَنَعْنَا مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ، فَمَرَّ رَجُلٌ يُسْرِعُ، فَقَالَ:
عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ. فَلَمَّا صَلَّيْنَا وَرَجَعْنَا دَخَلَ إِلَى أَهْلِهِ،
وَجَلَسْنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: أَمَا سَمِعْتُمْ رَدَّهُ عَلَى
الرَّجُلِ، صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ قَالَ وَبَلَّغَتْ
رُسُلُهُ؟ أَيُّكُمْ يَسْأَلُهُ؟
فَقَالَ طَارِقٌ: أَنَا أَسْأَلُهُ. فَسَأَلَهُ حِينَ خَرَجَ، فَذَكَرَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ
تَسْلِيمَ الْخَاصَّةِ، وَفُشُوَّ التِّجَارَةِ حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ
زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَقَطْعَ الْأَرْحَامِ، وَشَهَادَةَ الزُّورِ،
وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ، وَظُهُورَ الْقَلَمِ ".
ثُمَّ رَوَى أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ بَشِيرٍ،
عَنْ سَيَّارٍ أَبِي حَمْزَةَ. قَالَ أَحْمَدُ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ،
وَسَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ لَمْ يَرْوِ عَنْ طَارِقٍ شَيْئًا.
صِفَةُ أَهْلِ آخِرِ الزَّمَانِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ،
حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ
حَتَّى يَأْخُذَ اللَّهُ شَرِيطَتَهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَيَبْقَى فِيهَا
عَجَاجَةٌ لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا ".
وَحَدَّثَنَاهُ عَفَّانُ، حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،
وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَقَالَ: حَتَّى يَأْخُذَ اللَّهُ شَرِيطَتَهُ مِنَ النَّاسِ
".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، حَدَّثَنَا
الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا، وَشِرَارُ النَّاسِ
الَّذِينَ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالَّذِينَ يَتَّخِذُونَ
قُبُورَهُمْ مَسَاجِدَ ". وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ الْأَقْمَرِ، سَمِعْتُ أَبَا الْأَحْوَصِ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا
تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ ". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ،
عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ
شُعْبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ بِهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ يَقِلُّ الرِّجَالُ،
وَتَكْثُرُ النِّسَاءُ، حَتَّى
يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً
الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ، يَلُذْنَ بِهِ، وَأَنَّهُمْ يَتَسَافَدُونَ فِي
الطُّرُقَاتِ، كَمَا يَتَسَافَدُ الْبَهَائِمُ. وَقَدْ أَوْرَدْنَاهَا
بِأَسَانِيدِهَا وَأَلْفَاظِهَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهَا، وَلِلَّهِ
الْحَمْدُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ،
أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ:
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ
حَرْبٍ، عَنْ عَفَّانَ بِهِ. وَلَفْظُهُ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا
يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: اللَّهُ اللَّهُ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَزَّاقِ، أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ:
اللَّهُ اللَّهُ ". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: اللَّهُ اللَّهُ ".
وَهَذَا الْإِسْنَادُ ثُلَاثِيٌّ عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ "،
وَإِنَّمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، مَرْفُوعًا،
وَقَالَ: حَسَنٌ. ثُمَّ رَوَاهُ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ
أَنَسٍ، مَوْقُوفًا. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الْأَوَّلِ.
وَفَى مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَتَّى لَا يُقَالَ
فِي الْأَرْضِ: اللَّهُ اللَّهُ ". قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ
أَنَّ أَحَدًا لَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا وَلَا يَزْجُرُ أَحَدٌ أَحَدًا إِذَا رَآهُ
قَدْ تَعَاطَى مُنْكَرًا، وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " حَتَّى لَا
يُقَالَ: اللَّهُ اللَّهُ ". كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو: فَيَبْقَى فِيهَا عَجَاجَةٌ لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا، وَلَا
يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا ". وَالْقَوْلُ الثَّانِي: حَتَّى لَا يُذْكَرَ
اللَّهُ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يُعْرَفَ اسْمُهُ فِيهَا، وَذَلِكَ عِنْدَ فَسَادِ
الزَّمَانِ، وَدَمَارِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ، وَكَثْرَةِ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ
وَالْعِصْيَانِ يَتَوَاكَلُونَ الْخَيْرَ بَيْنَهُمْ، حَتَّى لَا يَقُولَ أَحَدٌ
لِأَحَدٍ: اتَّقِ اللَّهَ خَفِ اللَّهَ، وَهَذَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ ". وَكَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّ الشَّيْخَ
الْكَبِيرَ وَالْعَجُوزَ الْكَبِيرَةَ يَقُولَانِ: " أَدْرَكْنَا النَّاسَ
وَهُمْ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ". ثُمَّ يَتَفَاقَمُ
الْأَمْرُ، وَيَتَزَايَدُ الْحَالُ، حَتَّى يُتْرَكَ ذِكْرُ اللَّهِ جُمْلَةً فِي
الْأَرْضِ، وَيُنْسَى بِالْكُلِّيَّةِ، فَلَا يُعْرَفَ فِيهَا، وَأُولَئِكَ هُمْ
شِرَارُ النَّاسِ، وَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي
الْحَدِيثِ: وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ ".
وَفِي لَفْظٍ: شِرَارُ النَّاسِ الَّذِينَ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ
أَحْيَاءٌ ".
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَزْدَادُ النَّاسُ إِلَّا شُحًّا، وَلَا
يَزْدَادُ الزَّمَانُ إِلَّا شِدَّةً، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى
شِرَارِ النَّاسِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ
بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِيهِ،عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: " يَا عَائِشَةُ،
قَوْمُكِ أَسْرَعُ أُمَّتِي لَحَاقًا بِي ". قَالَتْ: فَلَمَّا جَلَسَ
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، لَقَدْ دَخَلْتَ
وَأَنْتَ تَقُولُ كَلَامًا أَذْعَرَنِي، قَالَ: " وَمَا هُوَ؟ "
قَالَتْ: تَزْعُمُ أَنَّ قَوْمِي أَسْرَعُ أُمَّتِكَ بِكَ لَحَاقًا، قَالَ؟ "
نَعَمْ ". قَالَتْ: وَعَمَّ ذَاكَ؟ قَالَ: " تَسْتَحِلُّهُمُ الْمَنَايَا،
فَتَنْفَسُ عَلَيْهِمْ أُمَّتُهُمْ ". قَالَتْ: فَقُلْتُ: فَكَيْفَ النَّاسُ
بَعْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: " دَبًا يَأْكُلُ شِدَادُهُ ضِعَافَهُ، حَتَّى تَقُومَ
عَلَيْهِمُ السَّاعَةُ ". وَالدَّبَا: الْجَنَادِبُ الَّتِي لَمَّ تَنْبُتْ
أَجْنِحَتُهَا. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ
بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِلْبَاءَ السُّلَمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ ". تَفَرَّدَ بِهِ، وَقَدْ
رَوَاهُ أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ بِهِ.
وَلِأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِهِ،
بِإِسْنَادِهِ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنَ
الْمَوَالِي يُقَالُ لَهُ: جَهْجَاهُ ".
ذِكْرُ طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كُلَّ طَرْفَةِ عَيْنٍ، أَنَّهُ قَالَ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ
كَهَاتَيْنِ ".
رِوَايَةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ
اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَ أَبِي الْمُهَاجِرِ الدِّمَشْقِيَّ - قَالَ:قَدِمَ أَنَسُ
بْنُ مَالِكٍ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَسَأَلَهُ: مَاذَا
سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ بِهِ
السَّاعَةَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: " أَنْتُمْ وَالسَّاعَةُ كَتَيْنِ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، وَقَتَادَةَ، وَحَمْزَةَ، وَهُوَ
ابْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ
هَكَذَا ". وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. وَكَانَ قَتَادَةُ
يَقُولُ: كَفَضْلِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ
حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ حَمْزَةَ الضَّبِّيِّ هَذَا، وَأَبِي التَّيَّاحِ،
كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسٍ، بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ ". وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ
وَالْوُسْطَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ
حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ - وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ
قَتَادَةَ، وَأَبِي التَّيَّاحِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسٍ، بِهِ - وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ
زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ الْمَدَنِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: بُعِثْتُ
وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ ". وَمَدَّ إِصْبَعَيْهِ، السَّبَّابَةَ
وَالْوُسْطَى. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ ": حَدَّثَنَا
أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ هِلَالٍ الْعَنَزِيِّ، عَنْ أَنْسِ
بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ ". تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِمٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ،
سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ ".
وَبَسَطَ إِصْبَعَيْهِ، السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى. وَأَخْرَجَاهُ فِي "
الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي الْتَّيَّاحِ يَزِيدَ
بْنِ حُمَيْدٍ - وَزَادَ مُسْلِمٌ: وَحَمْزَةَ الضَّبِّيِّ - عَنْ أَنَسٍ، بِهِ.
رِوَايَةُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَلَامٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ،
هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ
قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ،
وَإِنَّ أَفْضَلَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا،
وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ". ثُمَّ يَرْفَعُ صَوْتَهُ وَتَحْمَرُّ
وَجْنَتَاهُ، وَيَشْتَدُّ غَضَبُهُ إِذَا ذَكَرَ السَّاعَةَ كَأَنَّهُ مُنْذِرُ
جَيْشٍ، ثُمَّ يَقُولُ: " أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ، بُعِثْتُ أَنَا
وَالسَّاعَةَ هَكَذَا - وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ؟ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى -
صَبَّحَتْكُمُ السَّاعَةُ وَمَسَّتْكُمْ، مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ، وَمَنْ
تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ ". الضَّيَاعُ: وَلَدُهُ
الْمَسَاكِينُ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَّائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ
طُرُقٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، بِهِ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ: بُعِثْتُ
أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ ".
رِوَايَةُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ
مَنْصُورٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا
قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَاللَّفْظُ
لَهُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ،
أَنَّهُ سَمِعَسَهْلًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُشِيرُ بِإِصْبَعَيْهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى،
وَهُوَ يَقُولُ: " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ هَكَذَا ". تَفَرَّدَ
بِهِ مُسْلِمٌ.
رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ:
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ،
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ ".
وَضَمَّ إِصْبَعَيْهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يُوسُفَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ
عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عُثْمَانَ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ
ذَكْوَانَ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ ". ثُمَّ قَالَ
الْبُخَارِيُّ: وَتَابَعَهُ إِسْرَائِيلُ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ هَنَّادِ
بْنِ السَّرِيِّ، وَأَبِي هِشَامٍ الرِّفَاعِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ
بِهِ، وَقَالَ: وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي
خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي جَبِيرَةَ بْنِ الضَّحَّاكِ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " بُعِثْتُ فِي
نَسَمِ السَّاعَةِ ". يَقُولُ:
حِينَ بَدَتْ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَلَيْسَ هُوَ
فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ، وَلَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإنَّمَا
رَوَى لِأَبِي جَبِيرَةَ حَدِيثًا آخَرَ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّنَابُزِ
بِالْأَلْقَابِ.
حَدِيثٌ فِي تَقْرِيبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا سَلَفَ مِنَ
الْأَزْمِنَةِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، يَقُولُ: " إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ
قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ، كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ
الشَّمْسِ، أُعْطِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا بِهَا، حَتَّى
إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ
أُعْطِيَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ الْإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا بِهِ حَتَّى صَلَاةِ
الْعَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُعْطِيتُمُ
الْقُرْآنَ فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأُعْطِيتُمْ
قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، فَقَالَ أَهْلُ
التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ:
رَبَّنَا، هَؤُلَاءِ أَقَلُّ عَمَلًا، وَأَكْثَرُ أَجْرًا ! فَقَالَ: هَلْ
ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا. فَقَالَ: فَذَاكَ
فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ ". وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ
أَبِي الْيَمَانِ.
وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلَا مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ،
كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَمَغْرِبِ الشَّمْسِ، وَمَثَلُكُمْ وَمَثَلُ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.... ". فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ وَطُولِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، سَمِعْتُ
سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ، يُحَدِّثُ عَنْ مُجَاهِدٍ،عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَالشَّمْسُ عَلَى قُعَيْقِعَانَ، بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَ: " مَا
أَعْمَارُكُمْ فِي أَعْمَارِ مَنْ مَضَى، إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ
فِيمَا مَضَى مِنْهُ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ،
لَا بَأْسَ بِهِ. طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ
زَيْدٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ وَاقِفًا بِعَرَفَاتٍ،
فَنَظَرَ إِلَى الشَّمْسِ حِينَ تَدَلَّتْ مِثْلَ التُّرْسِ لِلْغُرُوبِ، فَبَكَى
وَاشْتَدَّ بُكَاؤُهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ عِنْدَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، قَدْ وَقَفْتَ مَعِي مِرَارًا فَلَمْ تَصْنَعْ هَذَا؟! فَقَالَ:
ذَكَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِمَكَانِي
هَذَا، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ دُنْيَاكُمْ فِيمَا
مَضَى مِنْهَا، إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ
". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ،
حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَلَا إِنَّ مَثَلَ آجَالِكُمْ فِي آجَالِ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ، كَمَا بَيْنَ
صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مُغَيْرِبَانِ الشَّمْسِ ". وَرَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، مِنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، بِهِ،
نَحْوَهُ، بِأَبْسَطَ مِنْهُ.
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَطِيِّةَ
الْعَوْفِيِّ، وَوَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِ ذَلِكَ.
وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ
إِلَى مَا مَضَى مِنْهَا شَيْءٌ
يَسِيرٌ، لَكِنْ لَا يَعْلَمُ
مِقْدَارَ مَا مَضَى مِنْهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا مَا بَقِيَ إِلَّا
اللَّهُ تَعَالَى، وَلَكِنْ لَهَا أَشْرَاطٌ إِذَا وُجِدَتْ كَانَتْ قَرِيبَةً،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمْ يَجِئْ فِي حَدِيثٍ تَحْدِيدٌ يَصِحُّ سَنَدُهُ عَنِ
الْمَعْصُومِ، حَتَّى يُصَارَ إِلَيْهِ، وَيُعْلَمَ نِسْبَةُ مَا بَقِيَ
بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ قَلِيلٌ جِدًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى
الْمَاضِي، وَتَعْيِينُ وَقْتِ السَّاعَةِ لَمْ يَأْتِ بِهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، بَلِ
الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ مِمَّا اسْتَأْثَرَ
اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ، دُونَ خَلْقِهِ، كَمَا سَيَأْتِي
تَقْرِيرُهُ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ الْآتِي بَعْدَ هَذَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى، وَبِهِ الثِّقَةُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي
" مُسْنَدِهِ " قَائِلًا: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ:صَلَّى
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ
حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ، فَقَالَ: " أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ
هَذِهِ؟ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ
الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ ". قَالَ عَبْدُ اللَهِ: فَوَهَلَ
النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تِلْكَ، إِلَى مَا يُحَدِّثُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ،
وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَبْقَى
مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ ". يُرِيدُ بِذَلِكَ
أَنَّهُ يَنْخَرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنُ. وَهَكَذَا رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ
بِسَنَدِهِ وَلَفْظِهِ سَوَاءً، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ الْحَكَمِ بْنِ نَافِعٍ،
عَنْ شُعَيْبٍ، بِهِ. فَقَدْ فَسَّرَ الصَّحَابِيُّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا
الْحَدِيثِ بِمَا فَهِمَهُ، وَهُوَ أَوْلَى بِالْفَهْمِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ مِنْ
أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَنْخَرِمَ قَرْنُهُ ذَلِكَ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ
مِمَّنْ هُوَ كَائِنٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ مِنْ
حِينِ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إِلَى مِائَةِ سَنَةٍ، وَقَدِ اخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ; هَلْ ذَلِكَ خَاصٌّ بِذَلِكَ الْقَرْنِ؟ أَوْ عَامٌّ فِي كُلِّ قَرْنٍ
أَنَّهُ لَا يَبْقَى أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ،
وَالتَّخْصِيصُ بِذَلِكَ الْقَرْنِ الْمُعَيَّنِ الْأَوَّلِ أَوْلَى; فَإِنَّهُ
قَدْ شُوهِدَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ جَاوَزَ الْمِائَةَ سَنَةٍ، وَذَلِكَ
طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ النَّاسِ، كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا هَذَا فِي كِتَابِنَا
هَذَا فِي وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ أُخْرَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
رِوَايَةُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا
أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، عَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سُئِلَ عَنِ السَّاعَةِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ، فَقَالَ: "
تَسْأَلُونِي عَنِ السَّاعَةِ، وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَوَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أَعْلَمُ الْيَوْمَ نَفْسًا يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ
سَنَةٍ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ حَسَنٌ
رِجَالُهُ ثِقَاتٌ; أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ مِنْ رِجَالِ
الصَّحِيحَيْنِ، وَمُبَارَكُ بْنُ
فَضَالَةَ حَدِيثُهُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَنِ، وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ
الْبَصْرِيُّ مِنَ الْأَئِمَّةِ الثِّقَاتِ الْكِبَارِ، وَرِوَايَتُهُ مُخَرَّجَةٌ
فِي الصِّحَاحِ كُلِّهَا وَغَيْرِهَا.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ،
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ
بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ: " تَسْأَلُونِي عَنِ
السَّاعَةِ، وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ مَا عَلَى
الْأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ ".
وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَحَجَّاجِ بْنِ
الشَّاعِرِ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
حَاتِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهِ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي " الصَّحِيحِ "، بَابُ تَقْرِيبِ قِيَامِ
السَّاعَةِ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ،
قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ،
قَالَتْ:كَانَ الْأَعْرَابُ إِذَا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَنَظَرَ إِلَى
أَحْدَثِ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ، فَقَالَ: " إِنْ يَعِشْ هَذَا لَمْ يُدْرِكْهُ
الْهَرَمُ، قَامَتْ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ ". تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ
مُسْلِمٌ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا
يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ
أَنَسٍ،أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَتَّى تَقُومُ
السَّاعَةُ؟ وَعِنْدَهُ غُلَامٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ يَعِشْ هَذَا الْغُلَامُ، فَعَسَى أَنْ لَا
يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ". تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِمٌ
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ: وَحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا
مَعْبَدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَنَزِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ رَجُلًا
سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَتَى تَقُومُ
السَّاعَةُ؟ قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هُنَيْهَةً ثُمَّ نَظَرَ إِلَى غُلَامٍ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ،
فَقَالَ: " إِنْ عُمِّرَ هَذَا، لَمْ يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ
السَّاعَةُ ". قَالَ أَنَسٌ: ذَاكَ الْغُلَامُ مِنْ أَتْرَابِي يَوْمَئِذٍ.
تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا
عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ:مَرَّ غُلَامٌ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِي،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ يُؤَخَّرْ
هَذَا فَلَنْ يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ". وَرَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ هَمَّامٍ، بِهِ.
وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ تَدُلُّ عَلَى تَعْدَادِ هَذَا السُّؤَالِ وَهَذَا
الْجَوَابِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ تَحْدِيدَ وَقْتِ السَّاعَةِ الْعُظْمَى
إِلَى وَقْتِ هَرَمِ هَذَا الْغُلَامِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ
سَاعَتُهُمْ، وَهُوَ انْقِرَاضُ قَرْنِهِمْ وَعَصْرِهِمْ، وَأَنَّ قُصَارَاهُ
تَتَنَاهَى فِي مُدَّةِ عُمْرِ ذَلِكَ الْغُلَامِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي
الْحَدِيثِ: تَسْأَلُونِي عَنِ السَّاعَةِ، وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ
اللَّهِ، وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ مَا
عَلَى الْأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ
". وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ رِوَايَةُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَامَتْ
عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ ". وَذَلِكَ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ فَقَدْ دَخَلَ فِي
حُكْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّ عَالَمَ الْبَرْزَخِ قَرِيبٌ مِنْ عَالَمِ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ، وَفِيهِ شَبَهٌ مِنَ الدُّنْيَا أَيْضًا، وَلَكِنْ هُوَ أَشْبَهُ
بِالْآخِرَةِ، ثُمَّ إِذَا تَنَاهَتِ الْمُدَّةُ الْمَضْرُوبَةُ لِلدُّنْيَا
أَمَرَ اللَّهُ بِقِيَامِ السَّاعَةِ، فَجُمِعَ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ
لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ مِنَ الْكِتَابِ
وَالسُّنَّةِ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
ذِكْرُ دُنُوِّ السَّاعَةِ وَاقْتِرَابِهَا وَأَنَّهَا آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا،
وَأَنَّهَا لَا تَأْتِي إِلَّا بَغْتَةً، وَلَا يَعْلَمُ وَقْتَهَا عَلَى التَّعْيِينِ
إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ
مُعْرِضُونَ [ الْأَنْبِيَاءِ: 1 ]. وَقَالَ تَعَالَى: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا
تَسْتَعْجِلُوهُ [ النَّحْلِ: 1 ]. وَقَالَ: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ
قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ
تَكُونُ قَرِيبًا [ الْأَحْزَابِ: 63 ]. وَقَالَ تَعَالَى: سَأَلَ سَائِلٌ
بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي
الْمَعَارِجِ. إِلَى قَوْلِهِ: يُبَصَّرُونَهُمْ [ الْمَعَارِجِ: 1 - 11 ].
وَقَالَ تَعَالَى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [ الْقَمَرِ: 1 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً
مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا
بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [ يُونُسَ: 45 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [
النَّازِعَاتِ: 46 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ
يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا
مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ
يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ [ الشُّورَى: 17، 18 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ
زُرْقًا [ طَهَ: 102 ] الْآيَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى: قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي
الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ
الْعَادِّينَ قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ [ الْمُؤْمِنُونَ: 112 - 114 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ
السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا
يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا
تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ
إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [
الْأَعْرَافِ: 187 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ
مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا [
النَّازِعَاتِ: 42 - 44 ]. وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ
أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ
لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى [ طَهَ: 15، 16 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا
بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ [ النَّمْلِ: 66 ]. وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ
عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي
الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ
بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [ لُقْمَانَ: 34 ].
وَلِهَذَا لَمَّا سَأَلَ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ لَهُ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ
السَّائِلِ ". يَعْنِي قَدِ اسْتَوَى فِيهَا عِلْمُ كُلِّ مَسْئُولٍ
وَسَائِلٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى " لِأَنَّهُ إِنْ كَانَتِ
الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْمَسْئُولِ وَالسَّائِلِ لِلْعَهْدِ
عَائِدَةً عَلَيْهِ وَعَلَى جِبْرِيلَ،
فَكُلُّ أَحَدٍ مِمَّنْ سِوَاهُمَا لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى
وَالْأَحْرَى، وَإِنْ كَانَتْ لِلْجِنْسِ عَمَّتْ بِطَرِيقِ اللَّفْظِ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
ثُمَّ ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ شَيْئًا مِنْ
أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، ثُمَّ قَالَ: فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ.
ثُمَّ قَرَأَ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الْآيَةَ.
وَقَالَ تَعَالَى: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ
لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [ يُونُسَ: 53 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي
لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي
السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ
إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ سَعَوْا
فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٍ [
سَبَأٍ: 3 - 5 ].
فَهَذِهِ ثَلَاثُ آيَاتٍ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ أَنْ يُقْسِمَ بِهِ
فِيهِنَّ عَلَى إِتْيَانِ الْمَعَادِ، وَإِعَادَةِ الْخَلْقِ، وَجَمْعِهِمْ
لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، وَلَيْسَ لَهُنَّ رَابِعَةٌ مِثْلُهُنَّ، وَلَكِنْ فِي
مَعْنَاهُنَّ كَثِيرٌ; قَالَ تَعَالَى:
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ
أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي
يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا
كَاذِبِينَ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ [ النَّحْلِ: 38 - 40 ].
وَقَالَ تَعَالَى: مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [
لُقْمَانَ: 28 ]. وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ [ غَافِرٍ: 59 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا [ النَّازِعَاتِ: 27 ].
إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا
أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا
قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ
وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا يَوْمَ يَدْعُوكُمْ
فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا [
الْإِسْرَاءِ: 50 - 52 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ
زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا
وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا
جَدِيدًا أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا
رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا [ الْإِسْرَاءِ: 97 - 99 ].
وَقَالَ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ
فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [ يس: 77 ]. إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
وَقَالَ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ
الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ الْأَحْقَافِ: 33 ]
وَقَالَ تَعَالَى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ
بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ
تَخْرُجُونَ. الْآيَاتِ الثَّلَاثِ إِلَى
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [
الرُّومِ: 25 - 27 ].
وَقَالَ تَعَالَى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي
الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا
رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ [ الْحَجِّ: 6 - 7 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا
أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا
لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ فُصِّلَتْ: 39 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ
إِلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ
وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ [ الْمُؤْمِنُونَ: 12 - 17 ].
فَيَسْتَدِلُّ تَعَالَى بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ الْمَيْتَةِ عَلَى إِحْيَاءِ
الْأَجْسَادِ بَعْدَ مَوْتِهَا وَفَنَائِهَا وَتَمَزُّقِهَا، وَصَيْرُورَتِهَا
تُرَابًا وَعِظَامًا وَرُفَاتًا، وَكَذَلِكَ يَسْتَدِلُّ بِبَدْأَةِ الْخَلْقِ
عَلَى إِعَادَةِ النَّشْأَةِ الْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي
يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [ الرُّومِ: 127 ]
وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ
الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ الْعَنْكَبُوتِ: 20 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَالَّذِي
نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا
كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ [ الزُّخْرُفِ: 11 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ الَّذِي
أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ
فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ [ فَاطِرٍ: 9
]. وَفِي " الْأَعْرَافِ ": كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ [ الْأَعْرَافِ: 57 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ
خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ
إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ [ الطَّارِقِ: 5 -
9 ]. وَكَذَلِكَ سُورَةُ " ق " مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فِيهَا
ذِكْرُ بَعْثٍ وَنُشُورٍ، وَكَذَلِكَ سُورَةُ " الْوَاقِعَةِ "،
وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ طَافِحٌ بِهَذَا، وَلَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ.
وَقَالَ تَعَالَى: نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا
بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا [ الْإِنْسَانِ: 28 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى
أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ [ الْمَعَارِجِ: 39
- 41 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ
أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [ النَّازِعَاتِ:
10 - 14 ]. وَسُورَةُ " الصَّافَّاتِ " فِيهَا آيَاتٌ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ
عَلَى الْمَعَادِ، وَكَذَلِكَ سُورَةُ " الْكَهْفِ " وَغَيْرِهَا.
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى، وَأَنَّهُ أَحْيَا
قَوْمًا بَعْدَ مَوْتِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي سُورَةِ "
الْبَقَرَةِ " ; فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا؟ فِي قِصَّةِ بَنِي
إِسْرَائِيلَ حِينَ قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لَمَّا عَبَدُوا الْعِجْلَ، فِي
أَوَّلِ السُّورَةِ، فَقَالَ تَعَالَى: ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ
مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [ الْبَقَرَةِ: 56 ]. وَفَى قِصَّةِ
الْبَقَرَةِ: فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ
الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [ الْبَقَرَةِ: 73 ].
فَإِنَّهُ أَحْيَا ذَلِكَ الْمَيِّتَ لَمَّا ضَرَبُوهُ بِبَعْضِهَا. وَفَى قِصَّةِ
الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ
لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ
[ الْبَقَرَةِ: 243 ]. وَفَى قِصَّةِ
الَّذِي: مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى
يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ
بَعَثَهُ ثُمَّ أَحْيَا حِمَارَهُ، وَالْقِصَّةُ مَعْرُوفَةٌ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ
لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ الْبَقَرَةِ: 259
]. وَالْخَامِسَةُ قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالطَّيْرِ:
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ
أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ
أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ
مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ الْبَقَرَةِ: 260 ].
وَذَكَرَ تَعَالَى قِصَّةَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَكَيْفَ أَبْقَاهُمْ فِي
نَوْمِهِمْ ثَلَاثَمِائةِ سَنَةٍ شَمْسِيَّةٍ، وَهِيَ ثَلَاثُمِائةٍ وَتِسْعُ
سِنِينَ قَمَرِيَّةٍ، وَقَالَ فِيهَا: وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ
لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا
الْآيَةَ [ الْكَهْفِ: 21 ]. فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ دَلَالَةً عَلَى
إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِتْيَانِ السَّاعَةِ لَا رَيْبَ فِيهَا. وَاللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ زَوَالِ الدُّنْيَا وَإِقْبَالِ الْآخِرَةِ
أَوَّلُ شَيْءٍ يَطْرُقُ أَهْلَ الدُّنْيَا بَعْدَ وُقُوعِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ
نَفْخَةُ الْفَزَعِ ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَأْمُرُ إِسْرَافِيلَ
فَيَنْفُخُ فِي الصُّورِ نَفْخَةَ الْفَزَعِ، فَيُطَوِّلُهَا، فَلَا يَبْقَى
أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَا السَّمَاوَاتِ إِلَّا فَزِعَ، إِلَّا مَنْ
شَاءَ اللَّهُ، وَلَا يَسْمَعُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا أَصْغَى
لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا - أَيْ رَفَعَ صَفْحَةَ عُنُقِهِ وَأَمَالَ الْأُخْرَى -
يَسْتَمِعُ هَذَا الْأَمْرَ الْعَظِيمَ
الَّذِي قَدْ هَالَ النَّاسَ وَأَزْعَجَهُمْ عَمَّا كَانُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِ
الدُّنْيَا، وَشُغْلِهِمْ بِهَا، وَوُقُوعُ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ
اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا يَفْعَلُونَ [
النَّمْلِ: 87، 88 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا
مِنْ فَوَاقٍ [ ص: 15 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ
فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ [
الْمُدَّثِّرِ: 8 - 10 ]. وَقَالَ تَعَالَى: قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ [ الْأَنْعَامِ: 73 ].
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى إِسْرَافِيلَ أَنْ
يَنْفُخَ نَفْخَةَ الصَّعْقِ، فَيَصْعَقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي
الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَأْمُرُهُ فَيَنْفُخُ فِيهِ أُخْرَى
فَيَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ; كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ
إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ
يَنْظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ
بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ [ الزُّمَرِ: 68، 69 ] الْآيَاتِ إِلَى آخِرِ
السُّورَةِ. وَقَالَ تَعَالَى: وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ
يَخِصِّمُونَ
[ يس: 48، 49 ] الْآيَاتِ إِلَى
قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ [ يس: 67 ].
وَقَالَ تَعَالَى: فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهرَةِ
[ النَّازِعَاتِ: 13، 14 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ
كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [ الْكَهْفِ: 99 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَإِذَا نُفِخَ فِي
الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ [
الْمُؤْمِنُونَ: 101 ].
وَقَالَ تَعَالَى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ. إِلَى
قَوْلِهِ: لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ [ الْحَاقَّةِ: 13 - 37 ].
وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا [
النَّبَإِ: 18 ] الْآيَاتِ.
وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ
يَوْمَئِذٍ زُرْقًا [ طه: 102 ]. الْآيَاتِ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَسْلَمَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ شَغَافٍ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ:قَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، مَا الصُّورُ؟ قَالَ: " قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ ". ثُمَّ
رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ طَرْخَانَ
التَّيْمِيِّ، بِهِ.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاودَ، والتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ
سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ
أَسْلَمَ الْعِجْلِيِّ، بِهِ. وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ، وَلَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَسْلَمَ
الْعِجْلِيِّ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، عَنْ
عَطِيَّةَ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ [
الْمُدَّثِّرِ: 8 ]. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ،
وَحَنَى جَبْهَتَهُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ فَيَنْفُخُ ؟ ". فَقَالَ
أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
كَيْفَ نَقُولُ؟ قَالَ: " قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ،
عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ". انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو
كُدَيْنَةَ يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ
عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: كَيْفَ أَنْعَمُ وَقَدِ الْتَقَمَ صَاحِبُ الْقَرْنِ الْقَرْنَ،
وَحَنَى جَبْهَتَهُ، وَأَصْغَى سَمْعَهُ يَنْظُرُ مَتَى يُؤْمَرُ؟ " قَالَ
الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا نَقُولُ؟ قَالَ: " قُولُوا:
حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ".
وَأَخْرَجَهُ
التِّرْمِذِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي
عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ: حَسَنٌ. ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ
حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، بِهِ،
وَحَسَّنَهُ أَيْضًا.
وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي " الْأَطْرَافِ ":
وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو يَحْيَى التَّيْمِيُّ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. كَذَا قَالَ رَحِمَهُ
اللَّهُ، وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، فِي كِتَابِ
" الْأَهْوَالِ "، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الصُّورِ قَدِ الْتَقَمَ الصُّورَ، وَحَنَى جَبْهَتَهُ
يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ أَنْ يَنْفُخَ فَيَنْفُخَ ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ: " قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ ".
وَقَدْ قَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ ( أَبُو
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ): حَدَّثَنَا أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ
بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ الْحَرَّانِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ،
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - وَعَنْ عِمْرَانَ، عَنْ عَطِيَّةَ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَنْعَمُ - أَوْ:
" كَيْفَ أَنْتُمْ ". شَكَّ
أَبُو طَالِبٍ - " وَصَاحِبُ الصُّورِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ بِفِيهِ،
وَأَصْغَى سَمْعَهُ، وَحَنَى جَبِينَهُ، يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ فَيَنْفُخُ
". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ: " قُولُوا:
حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا
الْأَعْمَشُ، عَنْ سَعْدٍ الطَّائِيِّ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صَاحِبَ الصُّورِ، فَقَالَ: " عَنْ يَمِينِهِ جِبْرِيلُ، وَعَنْ
يَسَارِهِ مِيكَائِيلُ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ".
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا
عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ صَاحِبَيِ
الصُّورِ بِأَيْدِيهِمَا - أَوْ: فِي أَيْدِيهِمَا - قَرْنَانِ، يُلَاحِظَانِ
النَّظَرَ مَتَى يُؤْمَرَانِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ
التَّيْمِيِّ، عَنْ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي مُرَيَّةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: النَّفَّاخَانِ فِي
السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، رَأْسُ أَحَدِهِمَا بِالْمَشْرِقِ وَرِجْلَاهُ
بِالْمَغْرِبِ - أَوْ قَالَ: رَأْسُ أَحَدِهِمَا بِالْمَغْرِبِ، وَرِجْلَاهُ
بِالْمَشْرِقِ - يَنْتَظِرَانِ مَتَى يُؤْمَرَانِ يَنْفُخَانِ فِي الصُّورِ،
فَيَنْفُخَانِ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَأَبُو مُرَيَّةَ هَذَا اسْمُهُ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو
الْعِجْلِيُّ، وَلَيْسَ
بِالْمَشْهُورِ، وَلَعَلَّ هَذَيْنِ الْمَلَكَيْنِ أَحَدُهُمَا إِسْرَافِيلُ،
وَهُوَ الَّذِي يَنْفُخُ فِي الصُّورِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي حَدِيثِ
الصُّورِ بِطُولِهِ، وَالْآخَرُ هُوَ الَّذِي يَنْقُرُ فِي النَّاقُورِ، وَقَدْ
يَكُونُ الصُّورُ وَالنَّاقُورُ اسْمَ جِنْسٍ يَعُمُّ أَفْرَادًا كَثِيرَةً، أَوِ
الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهِمَا لِلْعَهْدِ، وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
أَتْبَاعٌ يَفْعَلُونَ كَفِعْلِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَرِيرٍ،
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ،
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ يَزِيدَ
بْنِ الْأَصَمِّ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ صَاحِبَ الصُّورِ لَمْ
يَطْرِفْ مُنْذُ وُكِّلَ بِهِ، كَأَنَّ عَيْنَيْهِ كَوْكَبَانِ دُرِّيَّانِ،
يَنْظُرُ تُجَاهَ الْعَرْشِ; مَخَافَةَ أَنْ يُؤْمَرَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ قَبْلَ
أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرْفُهُ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُشْكُدَانَةُ،
حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَطْرَفَ
صَاحِبُ الصُّورِ مُنْذُ وُكِّلَ بِهِ، مُسْتَعِدٌّ، يَنْظُرُ نَحْوَ الْعَرْشِ
مَخَافَةَ أَنْ يُؤْمَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرْفُهُ، كَأَنَّ
عَيْنَيْهِ كَوْكَبَانِ دُرِّيَّانِ ".
حَدِيثُ الصُّورِ بِطُولِهِ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ ":
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ
الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو رَافِعٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ
الْقُرَظِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي
طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا فَرَغَ مِنْ
خَلْقِ السَّمَاوَاتِ والْأَرْضِ خَلَقَ الصُّورَ، فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيلَ،
فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ، شَاخِصٌ إِلَى الْعَرْشِ بِبَصَرِهِ يَنْتَظِرُ
مَتَى يُؤْمَرُ فَيَنْفُخُ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الصُّورُ؟
قَالَ: " قَرْنٌ ". قُلْتُ: كَيْفَ هُوَ؟ قَالَ: " عَظِيمٌ،
وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ إِنَّ عِظَمَ دَائِرَةٍ فِيهِ كَعَرْضِ
السَّماوَاتِ والْأَرْضِ، يُنْفَخُ فِيهِ ثَلَاثُ نَفَخَاتٍ; الْأُولَى نَفْخَةُ
الْفَزَعِ، وَالثَّانِيَةُ نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَالثَّالِثَةُ نَفْخَةُ
الْقِيَامِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ بِالنَّفْخَةِ
الْأُولَى، فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الْفَزَعِ. فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ
الْفَزَعِ، فَيَفْزَعُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ
اللَّهُ، وَيَأْمُرُهُ تَعَالَى فَيَمُدُّهَا وَيُطِيلُهَا وَلَا يَفْتُرُ، وَهِيَ
الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً
وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ [ ص: 15 ]. فَتَسِيرُ
الْجِبَالُ سَيْرَ السَّحَابِ
فَتَكُونُ سَرَابًا، وَتَرْتَجُّ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا رَجًّا فَتَكُونُ
كَالسَّفِينَةِ الْمُوبَقَةِ فِي الْبَحْرِ، تَضْرِبُهَا الْأَمْوَاجُ تُكْفَأُ
بِأَهْلِهَا، كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّقِ بِالْعَرْشِ تُرَجِّحُهُ الْأَرْوَاحُ،
أَلَا وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ تَعَالَى: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا
الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ [
النَّازِعَاتِ: 6 - 9 ].
فَتَمِيدُ بِالنَّاسِ عَلَى وَجْهِهَا، وَتَذْهَلُ الْمَرَاضِعُ، وَتَضَعُ
الْحَوَامِلُ، وَيَشِيبُ الْوِلْدَانُ، وتَطيِرُ الشَّيَاطِينُ هَارِبَةً مِنَ
الْفَزَعِ حَتَّى تَأْتِيَ الْأَقْطَارَ، فَتَلْقَاهَا الْمَلَائِكَةُ، فَتَضْرِبُ
وُجُوهَهَا، فَتَرْجِعُ، ثُمَّ يُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ
عَاصِمٍ، يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:
يَوْمَ التَّنَادِ [ غَافِرٍ: 32 ]. فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ
تَصَدَّعَتِ الْأَرْضُ تَصَدُّعَيْنِ، مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ، فَرَأَوْا
أَمْرًا عَظِيمًا لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ، وَأَخَذَهُمْ لِذَلِكَ مِنَ الْكَرْبِ
وَالْهَوْلِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ، ثُمَّ تُطْوَى السَّمَاءُ فَإِذَا هِيَ
كَالْمُهْلِ، ثُمَّ انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَانْتَثَرَتْ نُجُومُهَا، وَخَسَفَتْ
شَمْسُهَا وَقَمَرُهَا ".
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْأَمْوَاتُ
لَا يَعْلَمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، مَنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ حِينَ يَقُولُ: فَفَزِعَ مَنْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ [ النَّمْلِ: 87 ]
قَالَ: " أُولَئِكَ الشُّهَدَاءُ، إِنَّمَا يَصِلُ الْفَزَعُ إِلَى
الْأَحْيَاءِ، وَهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَوَقَاهُمُ
اللَّهُ فَزَعَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَأَمَّنَهُمْ مِنْهُ، وَهُوَ عَذَابُ اللَّهِ
يَبْعَثُهُ عَلَى شِرَارِ خَلْقِهِ وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا
تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ
حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ
اللَّهِ شَدِيدٌ [ الْحَجِّ: 1، 2 ].
فَيَمْكُثُونَ فِي ذَلِكَ الْعَذَابِ مَا شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، إِلَّا
أَنَّهُ يَطُولُ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ
الصَّعْقِ، فَيُصْعَقُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، إِلَّا مَنْ شَاءَ
اللَّهُ، فَإِذَا هُمْ خَمَدُوا، جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى الْجَبَّارِ
تَعَالَى، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَاتَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا
مَنْ شِئْتَ. فَيَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ، وَهُوَ أَعْلَمُ: مَنْ بَقِيَ؟
فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الِّذِي لَا يَمُوتُ، وَبَقِيَتْ
حَمَلَةُ عَرْشِكَ، وَبَقِيَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَبَقِيتُ أَنَا. فَيَقُولُ
اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: لِيَمُتْ جِبْرِيلُ ومِيكَائِيلُ. فَيُنْطِقُ سُبْحَانَهُ
الْعَرْشَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، يَمُوتُ جِبْرِيلُ ومِيكَائِيلُ؟ فَيَقُولُ
اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلْعَرْشِ: اسْكُتْ، إِنِّي كَتَبْتُ الْمَوْتَ عَلَى كُلِّ
مَنْ كَانَ تَحْتَ عَرْشِي. فَيَمُوتَانِ، ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى
الْجَبَّارِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ مَاتَ جِبْرِيلُ
وَمِيكَائِيلُ. فَيَقُولُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ بَقِيَ: فَمَنْ بَقِيَ؟
فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَبَقِيَ
حَمَلَةُ عَرْشِكَ، وَبَقِيتُ أَنَا. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: فَلْيَمُتْ
حَمَلَةُ عَرْشِي. فَيَمُوتُونَ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْعَرْشَ
فَيَقْبِضُ الصُّورَ مِنْ إِسْرَافِيلَ، وَإِسْرَافِيلُ مِنْ جُمْلَةِ حَمَلَةِ
الْعَرْشِ، ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى الْجَبَّارِ، عَزَّ وَجَلَّ،
فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ مَاتَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ. فَيَقُولُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ بَقِيَ: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ،
بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي
لَا يَمُوتُ، وَبَقِيتُ أَنَا.
فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنْتَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِي، خَلَقْتُكَ لِمَا
رَأَيْتَ، فَمُتْ. فَيَمُوتُ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا اللَّهُ - قَالَ ابْنُ
أَبِي الدُّنْيَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ يَحْيَى
الْأُمَوِيُّ أَبُو نُبَاتَةَ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ آخِرَ مَنْ يَمُوتُ مِنَ
الْخَلْقِ مَلَكُ الْمَوْتِ، يُقَالُ لَهُ: يَا مَلَكَ الْمَوْتِ، مُتْ مَوْتًا
لَا تَحْيَا بَعْدَهُ أَبَدًا. قَالَ: فَيَصْرُخُ عِنْدَ ذَلِكَ صَرْخَةً لَوْ
سَمِعَهَا أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَمَاتُوا فَزَعًا، ثُمَّ يَمُوتُ،
ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ
الْقَهَّارِ [ غَافِرٍ: 16 ].
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا أَيْضًا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ
الْقُرَظِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا بِهَذَا.
وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ
شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
كَعْبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِيهِ: " يَا مَلَكُ، أَنْتَ خَلْقٌ
مِنْ خَلْقِي، خَلَقْتُكَ لِمَا رَأَيْتَ، فَمُتْ، ثُمَّ لَا تَحْيَا أَبَدًا
". قَالَ أَبُو مُوسَى: لَمْ يُتَابَعْ إِسْمَاعِيلُ عَلَى هَذِهِ
اللَّفْظَةِ،
وَلَمْ يَقُلْهَا أَكْثَرُ الرُّوَاةِ - قَالَ: فَإِذَا مَاتَ مَلَكُ الْمَوْتِ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ، الْأَحَدُ، الْفَرْدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، كَانَ آخِرًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا، طَوَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ، ثُمَّ دَحَاهُمَا، ثُمَّ تَلَقَّفَهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ: أَنَا الْجَبَّارُ. ثَلَاثًا، ثُمَّ يَهْتِفُ بِصَوْتِهِ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَا يُجِيبُهُ أَحَدٌ، ثُمَّ يَقُولُ لِنَفْسِهِ تَعَالَى: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ. وَيُبَدِّلُ اللَّهُ الْأَرْضَ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، فَيَبْسُطُهَا وَيَسْطَحُهَا وَيَمُدُّهَا مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ، لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا، ثُمَّ يَزْجُرُ اللَّهُ الْخَلْقَ زَجْرَةً وَاحِدَةً، فَإِذَا هُمْ فِي هَذِهِ الْمُبَدَّلَةِ فِي مِثْلِ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْأُولَى، مَنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا كَانَ فِي بَطْنِهَا، وَمَنْ كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا، ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ مَاءً مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ، فَتُمْطِرَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، حَتَّى يَكُونَ الْمَاءُ فَوْقَهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْأَجْسَادَ أَنْ تَنْبُتَ كَنَبَاتِ الطَّرَاثِيثِ، أَوْ كَنَبَاتِ الْبَقْلِ، حَتَّى إِذَا تَكَامَلَتْ أَجْسَادُهُمْ، فَكَانَتْ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لِتَحْيَا حَمَلَةُ عَرْشِي. فَيَحْيَوْنَ، وَيَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ فَيَأْخُذُ الصُّورَ، فَيَضَعُهُ عَلَى فِيهِ، ثُمَّ يَقُولُ: لِيَحْيَا جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ. فَيَحْيَيَانِ، ثُمَّ يَدْعُو اللَّهُ بِالْأَرْوَاحِ فَيُؤْتَى بِهَا، تَتَوَهَّجُ أَرْوَاحُ الْمُسْلِمِينَ نُورًا، وَالْأُخْرَى ظُلْمَةً، فَيَقْبِضُهَا جَمِيعًا، ثُمَّ يُلْقِيهَا فِي الصُّورِ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ نَفْخَةَ
الْبَعْثِ، فَيَنْفُخَ نَفْخَةَ الْبَعْثِ فَتَخْرُجَ الْأَرْوَاحُ مِنَ الصُّورِ كَأَنَّهَا النَّحْلُ، قَدْ مَلَأَتْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَتَرْجِعَنَّ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهَا. فَتَدْخُلُ الْأَرْوَاحُ فِي الْأَرْضِ إِلَى الْأَجْسَادِ، فَتَدْخُلُ فِي الْخَيَاشِيمِ، ثُمَّ تَمْشِي ضِدَّ الْأَجْسَادِ مَشْيَ السُّمِّ فِي اللَّدِيغِ، ثُمَّ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْكُمْ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، فَتَخْرُجُونَ مِنْهَا سِرَاعًا إِلَى رَبِّكُمْ تَنْسِلُونَ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ [ الْقَمَرِ: 8 ]. حُفَاةً عُرَاةً غُلْفًا غُرْلًا، ثُمَّ تَقِفُونَ مَوْقِفًا وَاحِدًا مِقْدَارَ سَبْعِينَ عَامًا، لَا يُنْظَرُ إِلَيْكُمْ، وَلَا يُقْضَى بَيْنَكُمْ، فَتَبْكُونَ حَتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ، ثُمَّ تَدْمَعُونَ دَمًا، وَتَعْرَقُونَ حَتَّى يَبْلُغَ ذَلِكَ مِنْكُمْ أَنْ يُلْجِمَكُمْ، أَوْ يَبْلُغَ الْأَذْقَانَ، فَتَضِجُّونَ وَتَقُولُونَ: مَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا لِيَقْضِيَ بَيْنَنَا. فَيَقُولُونَ: مَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ أَبِيكُمْ آدَمَ؟ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَكَلَّمَهُ قِبَلًا، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَطْلُبُونَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَأْتِي، فَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَستَقْرُونَ الْأَنْبِيَاءَ نَبِيًّا نَبِيًّا، كُلَّمَا جَاءُوا نَبِيًّا أَبَى عَلَيْهِمْ ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حَتَّى يَأْتُونِي، فَأَنْطَلِقُ، حَتَّى آتِيَ الْفَحْصَ، فَأَخِرُّ سَاجِدًا ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْفَحْصُ؟ قَالَ: " قُدَّامُ الْعَرْشِ، حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ إِلَيَّ مَلَكًا، فَيَأْخُذُ بِعَضُدِي فَيَرْفَعُنِي، فَيَقُولُ لِي: يَا مُحَمَّدُ. فَأَقُولُ: نَعَمْ، لَبَّيْكَ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: مَا شَأْنُكَ؟ وَهُوَ أَعْلَمُ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، وَعَدْتَنِي الشَّفَاعَةَ، فَشَفِّعْنِي فِي خَلْقِكَ، فَاقْضِ بَيْنَهُمْ. فَيَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شَفَّعْتُكَ، أَنَا
آتِيكُمْ فَأَقْضِي بَيْنَكُمْ ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأَرْجِعُ، فَأَقِفُ مَعَ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ وُقُوفٌ إِذْ سَمِعْنَا حِسًّا مِنَ السَّمَاءِ شَدِيدًا، فَنَزَلَ أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا مِثْلَ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْأَرْضِ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِمْ، وَأَخَذُوا مَصَافَّهُمْ قُلْنَا لَهُمْ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ قَالُوا: لَا، وَهُوَ آتٍ. ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، بِمِثْلِ مَنْ نَزَلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَمِثْلِ مَنْ فِيهَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْأَرْضِ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِمْ، وَأَخَذُوا مَصَافَّهُمْ، وَقُلْنَا لَهُمْ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ قَالُوا: لَا، وَهُوَ آتٍ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ كُلِّ سَمَاءٍ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّضْعِيفِ حَتَّى يَنْزِلَ الْجَبَّارُ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ، وَالْمَلَائِكَةُ، وَيَحْمِلُ عَرْشَهُ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ، وَهُمُ الْيَوْمَ أَرْبَعَةٌ، أَقْدَامُهُمْ عَلَى تُخُومِ الْأَرْضِ السُّفْلَى، وَالسَّمَاوَاتُ إِلَى حُجَزِهِمْ، وَالْعَرْشُ عَلَى مَنَاكِبِهِمْ، لَهُمْ زَجَلٌ مِنْ تَسْبِيحِهِمْ، يَقُولُونَ: سُبْحَانَ ذِي الْعِزَّةِ وَالْجَبَرُوتِ، سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، سُبْحَانَ الَّذِي يُمِيتُ الْخَلَائِقَ وَلَا يَمُوتُ، سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، سُبْحَانَ رَبِّنَا الْأَعْلَى رَبِّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، الَّذِي يُمِيتُ الْخَلَائِقَ وَلَا يَمُوتُ فَيَضَعُ اللَّهُ تَعَالَى كُرْسِيَّهُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ أَرْضِهِ، ثُمَّ يَهْتِفُ بِصَوْتِهِ، فَيَقُولُ تَعَالَى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، إِنِّي قَدْ أَنْصَتُّ
لَكُمْ مِنْ يَوْمِ خَلَقْتُكُمْ إِلَى يَوْمِكُمْ هَذَا، أَسْمَعُ قَوْلَكُمْ، وَأَرَى أَعْمَالَكُمْ، فَأَنْصِتُوا لِيَ الْيَوْمَ، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ وَصُحُفُكُمْ تُقْرَأُ عَلَيْكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ. ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ جَهَنَّمَ، فَيَخْرُجُ مِنْهَا عُنُقٌ سَاطِعٌ مُظْلِمٌ، ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [ يس: 60 - 63 ]. أَوْ: بِهَا تُكَذِّبُونَ. شَكَّ أَبُو عَاصِمٍ. وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ [ يس: 59 ]. فَيَمِيزُ اللَّهُ النَّاسَ، وَتَجْثُو الْأُمَمُ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [ الْجَاثِيَةِ: 28 ]. فَيَقْضِي اللَّهُ بَيْنَ خَلْقِهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ; الْإِنْسَ وَالْجِنَّ، فَيَقْضِي بَيْنَ الْوُحُوشِ وَالْبَهَائِمِ; حَتَّى إِنَّهُ لَيُقِيدُ الْجَمَّاءَ مِنْ ذَاتِ الْقَرْنِ، فَإِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ تَبْقَ تَبِعَةٌ عِنْدَ وَاحِدَةٍ لِأُخْرَى، قَالَ اللَّهُ لَهَا: كُونِي تُرَابًا. فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا [ النَّبَإِ: 40 ]. ثُمَّ يَقْضِي اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَكُونُ أَوَّلَ مَا يَقْضِي فِيهِ الدِّمَاءُ، وَيَأْتِي كُلُّ قَتِيلٍ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيَأْمُرُ اللَّهُ كُلَّ مَنْ قُتِلَ فَيَحْمِلُ رَأْسَهُ، تَشْخُبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟ فَيَقُولُ تَعَالَى وَهُوَ أَعْلَمُ: فِيمَ قَتَلْتَهُ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَتَلْتُهُ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لَكَ. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: صَدَقْتَ. فَيَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ مِثْلَ نُورِ السَّمَاوَاتِ، ثُمَّ تَسُوقُهُ الْمَلَائِكَةُ إِلَى الْجَنَّةِ، ثُمَّ يَأْتِي كُلُّ مَنْ كَانَ قُتِلَ عَلَى غَيْرِ
ذَلِكَ، فَيَأْمُرُ مَنْ قُتِلَ،
فَيَحْمِلُ رَأْسَهُ تَشْخُبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ
هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟ فَيَقُولُ وَهُوَ أَعْلَمُ: فِيمَ قَتَلْتَهُ؟ فَيَقُولُ:
يَا رَبِّ، قَتَلْتُهُ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لِي. فَيَقُولُ لَهُ: تَعِسْتَ. ثُمَّ
مَا تَبْقَى نَفْسٌ قَتَلَهَا إِلَّا قُتِلَ بِهَا، وَلَا مَظْلَمَةٌ إِلَّا
أُخِذَ بِهَا، وَكَانَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ،
وَإِنْ شَاءَ رَحِمَهُ.
ثُمَّ يَقْضِي اللَّهُ بَيْنَ مَنْ بَقِيَ مِنْ خَلْقِهِ، حَتَّى لَا تَبْقَى
مَظْلَمَةٌ لِأَحَدٍ عِنْدَ أَحَدٍ إِلَّا أَخَذَهَا اللَّهُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ
الظَّالِمِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيُكَلِّفُ شَائِبَ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ ثُمَّ
يَبِيعُهُ أَنْ يُخَلِّصَ اللَّبَنَ مِنَ الْمَاءِ. فَإِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ
ذَلِكَ نَادَى مُنَادٍ يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ كُلَّهُمْ: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ
بِآلِهَتِهِمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ. فَلَا يَبْقَى
أَحَدٌ عَبَدَ شَيْئًا مِنْ دُونِ اللَّهِ إِلَّا مُثِّلَتْ لَهُ آلِهَتُهُ بَيْنَ
يَدَيْهِ، وَيُجْعَلُ يَوْمَئِذٍ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى صُورَةِ
عُزَيْرٍ، وَمَلَكٌ عَلَى صُورَةِ الْمَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَيَتْبَعُ
هَذَا الْيَهُودُ، وَيَتْبَعُ هَذَا النَّصَارَى، ثُمَّ تَقُودُهُمْ آلِهَتُهُمْ
إِلَى النَّارِ، فَهَذَا الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ
آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ [ الْأَنْبِيَاءِ: 99 ].
فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ فِيهِمُ الْمُنَافِقُونَ; جَاءَهُمُ
اللَّهُ فِيمَا شَاءَ مِنْ هَيْئَةٍ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ذَهَبَ
النَّاسُ، فَالْحَقُوا بِآلِهَتِكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. فَيَقُولُونَ:
وَاللَّهِ مَا لَنَا إِلَهٌ إِلَّا اللَّهُ، مَا كُنَّا نَعْبُدُ غَيْرَهُ.
فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، وَهُوَ اللَّهُ الَّذِي يَأْتِيهِمْ، فَيَمْكُثُ عَنْهُمْ
مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ يَأْتِيهِمْ فَيَقُولُ: يَا أَيُّهَا
النَّاسُ، ذَهَبَ النَّاسُ، فَالْحَقُوا بِآلِهَتِكُمْ وَمَا كُنْتُمْ
تَعْبُدُونَ. فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَا لَنَا إِلَهٌ إِلَّا اللَّهُ، وَمَا
كُنَّا نَعْبُدُ غَيْرَهُ. فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، وَهُوَ اللَّهُ الَّذِي
يَأْتِيهِمْ، فَيَمْكُثُ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ
يَمْكُثَ، ثُمَّ يَأْتِيهِمْ
فَيَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ذَهَبَ النَّاسُ، فَالْحَقُوا بِآلِهَتِكُمْ
وَمَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَا لَنَا إِلَهٌ إِلَّا
اللَّهُ، وَمَا كُنَّا نَعْبُدُ غَيْرَهُ. فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، وَيَتَجَلَّى
لَهُمْ مِنْ عَظَمَتِهِ مَا يَعْرِفُونَ أَنَّهُ رَبُّهُمْ، فَيَخِرُّونَ لَهُ سُجَّدًا
عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَيَخِرُّ كُلُّ مُنَافِقٍ عَلَى قَفَاهُ، وَيَجْعَلُ اللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَصْلَابَ الْمُنَافِقِينَ كَصَيَاصِي الْبَقَرِ، ثُمَّ يَأْذَنُ
اللَّهُ لَهُمْ فَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ.
وَيَضْرِبُ اللَّهُ بِالصِّرَاطِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ كَقَدِّ الشَّعَرِ
- أَوْ كَعَقْدِ الشَّعَرِ - وَكَحَدِّ السَّيْفِ، عَلَيْهِ كَلَالِيبُ
وَخَطَاطِيفُ، وَحَسَكٌ كَحَسَكِ السَّعْدَانِ، دُونَهُ جِسْرٌ دَحْضٌ مَزَلَّةٌ،
فَيَمُرُّونَ كَطَرْفِ الْبَصَرِ، أَوْ كَلَمْحِ الْبَرْقِ، أَوْ كَمَرِّ
الرِّيحِ، أَوْ كَجِيَادِ الْخَيْلِ، أَوْ كَجِيَادِ الرِّكَابِ، أَوْ كَجِيَادِ
الرِّجَالِ، فَنَاجٍ سَالِمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ عَلَى وَجْهِهِ فِي
جَهَنَّمَ.
فَإِذَا أَفْضَى أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ حُبِسُوا دُونَهَا قَالُوا:
مَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَنَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ فَيَقُولُونَ: مَنْ
أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ أَبِيكُمْ آدَمَ؟ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ
فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَكَلَّمَهُ قِبَلًا. فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيُطْلَبُ ذَلِكَ
إِلَيْهِ، فَيَذْكُرُ ذَنْبًا وَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ
عَلَيْكُمْ بِنُوحٍ; فإنَهُ أَوَّلُ رُسُلِ اللَّهِ. فَيُؤْتَى
نُوحٌ، فَيُطْلَبُ ذَلِكَ إِلَيْهِ،
فَيَذْكُرُ ذَنْبًا، وَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ
إِبْرَاهِيمَ. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَطْلُبُونَ ذَلِكَ إِلَيْهِ،
فَيَذْكُرُ ذَنْبًا، وَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِكُمْ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ
بِمُوسَى. فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَذْكُرُ ذَنْبًا، وَيَقُولُ: مَا أَنَا
بِصَاحِبِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِرُوحِ اللَّهِ وَكَلِمَتِهِ عِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ. فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَطْلُبُونَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَقُولُ: مَا
أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَيَأْتُونِي،
وَلِي عِنْدَ رَبِّي ثَلَاثُ شَفَاعَاتٍ وَعَدَنِيهِنَّ، فَأَنْطَلِقُ فَآتِي
الْجَنَّةَ، فَآخُذُ بِحَلْقَةِ الْبَابِ، ثُمَّ أَسْتَفْتِحُ فَيُفْتَحُ لِي،
فَأُحَيَّا، وَيُرَحَّبُ لِي، فَإِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَنَظَرْتُ إِلَى
رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ خَرَرْتُ لَهُ سَاجِدًا، فَيَأْذَنُ اللَّهُ لِي مِنْ
حَمْدِهِ وَتَمْجِيدِهِ بِشَيْءٍ مَا أَذِنَ بِهِ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ
يَقُولُ اللَّهُ لِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ،
وَسَلْ تُعْطَهْ. فَإِذَا رَفَعْتُ رَأْسِي قَالَ اللَّهُ، وَهُوَ أَعْلَمُ: مَا
شَأْنُكَ؟ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، وَعَدْتَنِي الشَّفَاعَةَ، فَشَفِّعْنِي فِي
أَهْلِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ:
قَدْ شَفَّعْتُكَ، وَأَذِنْتُ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ. فَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " وَالَّذِي بَعَثَنِي
بِالْحَقِّ مَا أَنْتُمْ فِي الدُّنْيَا بِأَعْرَفَ بِأَزْوَاجِكُمْ
وَمَسَاكِنِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِأَزْوَاجِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ.
فَيَدْخُلُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً،
سَبْعِينَ مِمَّا يُنْشِئُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَثِنْتَيْنِ آدَمِيَّتَيْنِ
مِنْ بَنَاتِ آدَمَ، لَهُمَا فَضْلٌ عَلَى مَنْ أَنْشَأَ اللَّهُ،
بِعِبَادَتِهِمَا اللَّهَ فِي الدُّنْيَا، يَدْخُلُ عَلَى الْأُولَى مِنْهُمَا فِي
غُرْفَةٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ، عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلٍ بِاللُّؤْلُؤِ،
عَلَيْهِ سَبْعُونَ زَوْجًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ، وَإِنَّهُ لَيَضَعُ
يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى يَدِهِ مِنْ صَدْرِهَا، مِنْ
وَرَاءِ ثِيَابِهَا وَجِلْدِهَا وَلَحْمِهَا، وَإِنَّهُ لَيَنْظُرُ إِلَى مُخِّ سَاقِهَا
كَمَا يَنْظُرُ أَحَدُكُمْ إِلَى السِّلْكِ فِي قَصَبَةِ الْيَاقُوتَةِ، كَبِدُهُ
لَهَا مِرْآةٌ، وَكَبِدُهَا
لَهُ مِرْآةٌ، فَبَيْنَمَا هُوَ
عِنْدَهَا لَا يَمَلُّهَا وَلَا تَمَلُّهُ، لَا يَأَتِيهَا مَرَّةً إِلَّا
وَجَدَهَا عَذْرَاءَ، مَا يَفْتُرُ ذَكَرُهُ، وَلَا يَشْتَكِي قُبُلُهَا، إِلَّا
أَنَّهُ لَا مَنِيَّ وَلَا مَنِيَّةَ. فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ نُودِيَ:
إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا أَنَّكَ لَا تَمَلُّ وَلَا تُمَلُّ، إِلَّا أَنَّ لَكَ
أَزْوَاجًا غَيْرَهَا. فَيَخْرُجُ فَيَأْتِيهِنَّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا
جَاءَ وَاحِدَةً قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ أَحْسَنُ مِنْكَ،
وَمَا فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ ".
قَالَ: " وَإِذَا وَقَعَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ، وَقَدْ وَقَعَ فِيهَا
خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ خَلْقِ رَبِّكَ أَوْبَقَتْهُمْ أَعْمَالُهُمْ; فَمِنْهُمْ
مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى قَدَمَيْهِ لَا تُجَاوِزُ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ
تَأْخُذُهُ إِلَى حِقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُ جَسَدَهُ كُلَّهُ إِلَّا
وَجْهَهُ، وَحَرَّمَ اللَّهُ صُورَتَهُ عَلَى النَّارِ ". قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأَقُولُ: يَا رَبِّ،
شَفِّعْنِي فِيمَنْ وَقَعَ فِي النَّارِ مِنْ أُمَّتِي. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ. يَخْرُجُ أُولَئِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى
مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثَمَّ يَأْذَنُ اللَّهُ لِي فِي الشَّفَاعَةِ، فَلَا يَبْقَى
نَبِيٌّ وَلَا شَهِيدٌ إِلَّا شُفِّعَ. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
أَخْرِجُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ زِنَةَ الدِّينَارِ إِيمَانًا.
فَيَخْرُجُ أُولَئِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ ثُمَّ يَشْفَعُ مَنْ
شَاءَ اللَّهُ فَيَقُولُ: أَخْرِجُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ إِيمَانًا
ثُلُثَيْ دِينَارٍ، وَنِصْفَ دِينَارٍ، وَثُلُثَ دِينَارٍ، وَرُبُعَ دِينَارٍ،
ثُمَّ يَقُولُ: وَسُدُسَ دِينَارٍ، ثُمَّ يَقُولُ: وَقِيرَاطًا. ثُمَّ يَقُولُ:
حَبَّةً مِنْ خَرْدَلٍ. فَيَخْرُجُ أُولَئِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ،
وَحَتَّى لَا يَبْقَى فِي النَّارِ مَنْ عَمِلَ لِلَّهِ خَيْرًا قَطُّ ; وَحَتَّى
لَا يَبْقَى أَحَدٌ لَهُ شَفَاعَةٌ إِلَّا شُفِّعَ، حَتَّى إِنَّ إِبْلِيسَ
لَيَتَطَاوَلُ لِمَا يَرَى مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، رَجَاءَ أَنْ
يُشْفَعَ لَهُ. ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: بَقِيتُ أَنَا، وَأَنَا
أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. فَيُدْخِلُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ يَدَهُ فِي جَهَنَّمَ،
فَيُخْرِجُ مِنْهَا مَا
لَا يُحْصِيهِ غَيْرُهُ، كَأَنَّهُمْ
خَشَبٌ مُحْتَرِقٌ، فَيَبُثُّهُمُ اللَّهُ عَلَى نَهَرٍ يُقَالُ لَهُ: نَهَرُ
الْحَيَوَانِ. فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ،
فَمَا يَلِي الشَّمْسَ مِنْهَا أُخَيْضِرٌ، وَمَا يَلِي الظِّلَّ مِنْهَا
أُصَيْفِرٌ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الطَّرَاثِيثِ، حَتَّى يَكُونُوا أَمْثَالَ
الدُّرِّ، مَكْتُوبٌ فِي رِقَابِهِمْ: الْجَهَنَّمِيُّونَ، عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ
عَزَّ وَجَلَّ. يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ بِذَلِكَ الْكِتَابِ، مَا عَمِلُوا
خَيْرًا قَطُّ، فَيَبْقَوْنَ فِي الْجَنَّةِ ".
فَذِكْرُهُ إِلَى هُنَا كَانَ فِي أَصْلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُقْرِئِ، عَنْ
أَبِي يَعْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ، رَوَاهُ
جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ فِي كُتُبِهِمْ، كَابْنِ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ،
والطَّبَرَانِيِّ فِي الطِّوَالَاتِ وَغَيْرِهَا، وَالْبَيْهَقِيِّ فِي كِتَابِ
" الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ "، وَالْحَافِظِ أَبِي مُوسَى الْمَدِينِيِّ
فِي الطِّوَالَاتِ أَيْضًا - مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
رَافِعٍ قَاصِّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ بِسَبَبِهِ. وَفِي
بَعْضِ سِيَاقَاتِهِ نَكَارَةٌ
وَاخْتِلَافٌ، وَقَدْ بَيَّنْتُ طُرُقَهُ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ.
قُلْتُ: وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ الْمَدِينِيُّ لَيْسَ مِنَ الْوَضَّاعِينَ،
وَكَأَنَّهُ جَمَعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طُرُقٍ وَأَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ،
وَسَاقَهُ سِيَاقَةً وَاحِدَةً، فَكَانَ يَقُصُّ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ،
وَقَدْ حَضَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِ النَّاسِ فِي عَصْرِهِ، وَرَوَاهُ
عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْكِبَارِ; كَأَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ، وَالْوَلِيدِ بْنِ
مُسْلِمٍ، وَمَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ
شَابُورَ، وَعَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَلَفَ عَلَيْهِ فِيهِ
قَتَادَةُ، يَقُولُ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ،
عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وَتَارَةً يُسْقِطُ الرَّجُلَ.
وَقَدْ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ
رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَ الرَّجُلَ الْأَوَّلَ، قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ
الْمِزِّيُّ: وَهَذَا أَقْرَبُ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ
الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَلَهُ عَلَيْهِ مُصَنَّفٌ بَيَّنَ شَوَاهِدَهُ مِنَ
الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ
بَعْدَ إِيرَادِهِ لَهُ بِتَمَامِهِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ فِي
إِسْنَادِهِ مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، فَعَامَّةُ مَا فِيهِ يُرْوَى مُفَرَّقًا
بِأَسَانِيدَ ثَابِتَةٍ. ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى غَرِيبِهِ.
قُلْتُ: وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ
فَصْلًا فَصْلًا، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
فَصْلُ ( النَّفْخِ فِي الصُّورِ )
فَأَمَّا النَّفَخَاتُ فِي الصُّورِ فَثَلَاثٌ; نَفْخَةُ الْفَزَعِ، ثُمَّ
نَفْخَةُ الصَّعْقِ، ثُمَّ نَفْخَةُ الْبَعْثِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ
فِي حَدِيثِ الصُّورِ بِطُولِهِ. وَقَدْ قَالَ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ
": حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ
أَرْبَعُونَ ". قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ:
أَبَيْتُ. قَالُوا: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ. قَالُوا: أَرْبَعُونَ
سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ. قَالَ: " ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً، فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ ". قَالَ: " وَلَيْسَ
مِنَ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا، وَهُوَ عَجْبُ
الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". وَرَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ.
وَحَدِيثُ عَجْبِ الذَّنَبِ، وَأَنَّهُ لَا يَبْلَى، وَأَنَّ الْخَلْقَ يَبْدَأُ
مِنْهُ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - ثَابِتٌ مِنْ رِوَايَةِ
أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ
أَيْضًا، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، ثَنَا أَبُو
الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَبْلَى، وَيَأْكُلُهُ التُّرَابُ إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ،
مِنْهُ خُلِقَ، وَفِيهِ يُرَكَّبُ ". انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ عَلَى
شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ
الْهَجَرِيِّ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ،
حَدَّثَنَا دَرَّاجٌ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَأْكُلُ التُّرَابُ كُلَّ
شَيْءٍ مِنَ الْإِنْسَانِ إِلَّا عَجْبَ ذَنَبِهِ ". قِيلَ: وَمِثْلُ مَا
هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ، مِنْهُ
تَنْبُتُونَ ".
وَالْمَقْصُودُ هُنَا إِنَّمَا هُوَ ذِكْرُ النَّفْخَتَيْنِ، وَأَنَّ بَيْنَهُمَا
أَرْبَعِينَ; إِمَّا أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً، وَهَاتَانِ
النَّفْخَتَانِ هُمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَنَفْخَةُ
الْقِيَامِ لِلْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، بِدَلِيلِ إِنْزَالِ الْمَاءِ بَيْنَهُمَا،
وَذِكْرِ عَجْبِ الذَّنَبِ الَّذِي مِنْهُ يُخْلَقُ الْإِنْسَانُ، وَفِيهِ
يُرَكَّبُ عِنْدَ بَعْثِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
الْمُرَادُ مِنْهُمَا مَا بَيْنَ نَفْخَةِ الْفَزَعِ وَنَفْخَةِ الصَّعْقِ، وَهُوَ
الَّذِي نُرِيدُ ذِكْرَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا
بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ بَيْنَ نَفْخَتَيِ الْفَزَعِ وَالصَّعْقِ.
وَقَدْ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ
أَنَّهُ يَكُونُ فِيهَا أُمُورٌ عِظَامٌ، مِنْ ذَلِكَ زَلْزَلَةُ الْأَرْضِ
وَارْتِجَاجُهَا، وَمَيَدَانُهَا بِأَهْلِهَا، وتَكَفِّيهَا يَمِينًا وَشِمَالًا،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا [
الزَّلْزَلَةِ: 1 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ
إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [ الْحَجِّ: 1 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ
إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا الْآيَاتِ كُلِّهَا
إِلَى قَوْلِهِ: هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ [ الْوَاقِعَةِ: 1 - 56 ].
وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ النَّفْخَةُ - أَعْنِي نَفْخَةَ الْفَزَعِ - أَوَّلَ
مَبَادِئِ الْقِيَامَةِ، كَانَ اسْمُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ صَادِقًا عَلَى ذَلِكَ
كُلِّهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبَهُمَا فَلَا
يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ
انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلَا يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ
السَّاعَةُ وَهُوَ يُلِيطُ حَوْضَهُ فَلَا يَسْقِي فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ
السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطْعَمُهَا ".
وَهَذَا إِنَّمَا يَتَّجِهُ عَلَى مَا قَبْلَ نَفْخَةِ الْفَزَعِ، وَعَبَّرَ عَنْ
نَفْخَةِ الْفَزَعِ بِأَنَّهَا السَّاعَةُ لَمَّا كَانَتْ أَوَّلَ مَبَادِئِهَا،
وَتَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ فِي صِفَةِ أَهْلِ آخِرِ الزَّمَانِ أَنَّهُمْ شِرَارُ
النَّاسِ، وَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ.
وَقَدْ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ رَافِعٍ فِي حَدِيثِ الصُّورِ الْمُتَقَدِّمِ،
أَنَّ السَّمَاءَ تَنْشَقُّ فِيمَا بَيْنَ نَفْخَتَيِ الْفَزَعِ وَالصَّعْقِ،
وَأَنَّ نُجُومَهَا تَتَنَاثَرُ، وَيَخْسِفُ شَمْسُهَا وَقَمَرُهَا. وَالظَّاهِرُ،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ نَفْخَةِ الصَّعْقِ
حِينَ:
تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ
وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ وَتَرَى
الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ
قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ [ إِبْرَاهِيمَ: 48 - 50 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ الْآيَاتِ
[ الِانْشِقَاقِ: 1، 2 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ
الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَوْ أَلْقَى
مَعَاذِيرَهُ [ الْقِيَامَةِ: 7 - 15 ].
وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُ هَذَا كُلِّهِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ نَفْخَةِ
الصَّعْقِ، وَأَمَّا زِلْزَالُ الْأَرْضِ وَانْشِقَاقُهَا بِسَبَبِ تِلْكَ
الزَّلْزَلَةِ، وَفِرَارُ النَّاسِ إِلَى أَقْطَارِهَا وَأَرْجَائِهَا -
فَمُنَاسِبٌ أَنَّهُ بَعْدَ نَفْخَةِ الْفَزَعِ، وَقَبْلَ الصَّعْقِ، قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى، إِخْبَارًا عَنْ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ قَالَ: وَيَا
قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ
مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ [ غَافِرٍ: 32، 33 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا
مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا
بِسُلْطَانٍ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا
شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا
تُكَذِّبَانِ [ الرَّحْمَنِ: 33 - 36 ].
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَصَحِيحِ مُسْلِمٍ،
وَالسُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ السَّاعَةَ لَنْ
تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ ". فَذَكَرَهُنَّ، إِلَى أَنْ قَالَ:
" وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ، تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى
الْمَحْشَرِ ". وَهَذِهِ النَّارُ تَسُوقُ الْمَوْجُودِينَ فِي آخِرِ
الزَّمَانِ فِي سَائِرِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ مِنْهَا،
وَهِيَ بُقْعَةُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ.
ذِكْرُ أَمْرِ هَذِهِ النَّارِ،
وَحَشْرِهَا النَّاسَ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ
ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ وُهَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ
طَرَائِقَ: رَاغِبِينَ وَرَاهِبِينَ. وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى
بَعِيرٍ. وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ. وَتَحْشُرُ
بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ
حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ
أَمْسَوْا ".
وَرَوَى أَحْمَدُ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ أَوَّلِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ; فَقَالَ: " نَارٌ تَحْشُرُ
النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ ". الْحَدِيثَ بِطُولِهِ،
وَهُوَ فِي " الصَّحِيحِ ".
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ حَسَنٍ، وَعَفَّانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ; صِنْفٌ
مُشَاةٌ، وَصِنْفٌ رُكْبَانٌ، وَصِنْفٌ عَلَى وُجُوهِهِمْ ". قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَمْشُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ؟ قَالَ: " إِنَّ
الَّذِي أَمْشَاهُمْ عَلَى
أَرْجُلِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَمَا إِنَّهُمْ
يَتَّقُونَ بِوُجُوهِهِمْ كُلَّ حَدَبٍ وَشَوْكٍ ".
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ "، عَنْ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
إِنَّهَا سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، يَنْحَازُ النَّاسُ إِلَى مُهَاجَرِ
إِبْرَاهِيمَ، لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ إِلَّا شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلْفِظُهُمْ
أَرَضُوهُمْ، وَتَقْذَرُهُمْ نَفْسُ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، تَحْشُرُهُمُ
النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، تَبِيتُ مَعَهُمْ إِذَا بَاتُوا،
وَتَقِيلُ مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا، وَتَأْكُلُ مَنْ تَخَلَّفَ ". وَرَوَى
الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ " الْبَعْثِ
وَالنُّشُورِ ": أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عُبَيْدِ اللَّهِ الْحُرْفِيُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ
بْنِ عَفَّانَ، حدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ
الْحُبَابِ، أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ
بْنُ جُمَيْعٍ الْقُرَشِيُّ ( ح ).
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ،
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ
حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ:سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا [ الْإِسْرَاءِ: 97 ]. فَقَالَ
أَبُو ذَرٍّ: حَدَّثَنِي الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ
أَفْوَاجٍ، فَوْجٍ طَاعِمِينَ كَاسِينَ رَاكِبِينَ، وَفَوْجٍ يَمْشُونَ
وَيَسْعَوْنَ، وَفَوْجٍ تَسْحَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى وُجُوهِهِمْ. قُلْنَا:
قَدْ عَرَفْنَا هَذَيْنِ، فَمَا بَالُ الَّذِينَ يَمْشُونَ وَيَسْعَوْنَ؟ قَالَ:
" يُلْقِي اللَّهُ الْآفَةَ عَلَى الظَّهْرِ حَتَّى لَا يَبْقَى ذَاتُ
ظَهْرٍ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُعْطِي الْحَدِيقَةَ الْمُعْجِبَةَ
بِالشَّارِفِ ذَاتِ الْقَتَبِ ". لَفْظُ الْحَاكِمِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَلَمْ
يَذْكُرْ تِلَاوَةَ أَبِي ذَرٍّ لِلْآيَةِ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: " فَلَا
يَقْدِرُ عَلَيْهَا ".
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ بَهْزٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِيهِ
حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ
الْقُشَيْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ:
تُحْشَرُونَ هَهُنَا - وَأَوْمَأَ
بِيَدِهِ إِلَى نَحْوِ الشَّامِ - مُشَاةً، وَرُكْبَانًا، وَتُجَرُّونَ عَلَى
وُجُوهِكُمْ، وتُعْرَضُونَ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى أَفْوَاهِكُمُ الْفِدَامُ،
فَأَوَّلُ مَا يُعْرِبُ عَنْ أَحَدِكُمْ فَخِذُهُ وَكَفُّهُ ". وَقَدْ
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ،
عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، بِنَحْوِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ
صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ
جَعْفَرٍ، قَالَ.: ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ رَافِعِ
بْنِ بِشْرٍ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ؟ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ حَبْسِ سَيَلٍ
تَسِيرُ سَيْرَ بَطِيئَةِ الْإِبِلِ، تَسِيرُ النَّهَارَ وَتُقِيمُ اللَّيْلَ،
تَغْدُو وَتَرُوحُ، يُقَالُ: غَدَتِ النَّارُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَاغْدُوا،
قَالَتِ النَّارُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَقِيلُوا، رَاحَتِ النَّارُ يَا أَيُّهَا
النَّاسُ فَرُوحُوا. مَنْ أَدْرَكَتْهُ أَكَلَتْهُ ". تَفَرَّدَ بِهِ.
وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَرْجَمَةِ بِشْرٍ أَبِي رَافِعٍ السُّلَمِيِّ،
وَفِيهِ. " تُضِيءُ لَهَا أَعْنَاقُ الْإِبِلِ بِبُصْرَى ".
فَهَذِهِ السِّيَاقَاتُ تَدُلُّ عَلَى
أَنَّ هَذَا الْحَشْرَ هُوَ حَشْرُ الْمَوْجُودِينَ فِي آخِرِ الدُّنْيَا مِنْ
أَقْطَارِ الْأَرْضِ إِلَى مَحَلَّةِ الْمَحْشَرِ، وَهِيَ أَرْضُ الشَّامِ،
وَأَنَّهُمْ يَكُونُونَ عَلَى أَصْنَافٍ ثَلَاثَةٍ; فَقِسْمٍ طَاعِمِينَ كَاسِينَ
رَاكِبِينَ، وَقِسْمٍ يَمْشُونَ تَارَةً وَيَرْكَبُونَ أُخْرَى، وَهُمْ
يَعْتَقِبُوَنَ عَلَى الْبَعِيرِ الْوَاحِدِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي "
الصَّحِيحَيْنِ ": " اثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ
". إِلَى أَنْ قَالَ: " وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ ".
يَعْتَقِبُونَهُ مِنْ قِلَّةِ الظَّهْرِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَكَمَا جَاءَ
مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ، " وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ
". وَهِيَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ، فَتُحِيطُ بِالنَّاسِ مِنْ
وَرَائِهِمْ، تَسُوقُهُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ إِلَى أَرْضِ الْمَحْشَرِ، وَمَنْ
تَخَلَّفَ مِنْهُمْ أَكَلَتْهُ.
وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي آخِرِ
الزَّمَانِ آخِرِ الدُّنْيَا، حَيْثُ يَكُونُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالرُّكُوبُ
مَوْجُودًا، وَالْمُشْتَرَى وَغَيْرُهُ، وَحَيْثُ تُهْلِكُ الْمُتَخَلِّفِينَ
مِنْهُمُ النَّارُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا بَعْدَ نَفْخَةِ الْبَعْثِ لَمْ يَبْقَ
مَوْتٌ، وَلَا ظَهْرٌ يُشْتَرَى، وَلَا أَكْلٌ وَلَا شُرْبٌ وَلَا لُبْسٌ فِي
الْعَرَصَاتِ.
وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّ الْحَافِظَ أَبَا بَكْرٍ الْبَيْهَقِيَّ بَعْدَ
رِوَايَتِهِ لِأَكْثَرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ حَمَلَ هَذَا الرُّكُوبَ عَلَى
أَنَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَصَحَّحَ ذَلِكَ، وَضَعَّفَ مَا قُلْنَاهُ،
وَاسْتَدَلَّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ نَحْشُرُ
الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى
جَهَنَّمَ وِرْدًا [ مَرْيَمَ: 85، 86 ].
وَكَيْفَ يَصِحُّ مَا ادَّعَاهُ فِي
تَفْسِيرِ الْآيَةِ بِالْحَدِيثِ، وَفِيهِ أَنَّ مِنْهُمْ: " اثْنَانِ عَلَى
بَعِيرٍ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ "، وَقَدْ
جَاءَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِلَّةِ الظَّهْرِ؟! هَذَا لَا يَلْتَئِمُ
مَعَ هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ نَجَائِبَ الْمُتَّقِينَ مِنَ
الْجَنَّةِ، يَرْكَبُونَهَا مِنَ الْعَرَصَاتِ إِلَى الْجَنَّاتِ عَلَى غَيْرِ
هَذِهِ الصِّفَةِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ الْوَارِدُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ
الصَّحَابَةِ، مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةُ،
وَغَيْرُهُمْ: " إِنَّكُمْمَحْشُورُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً
غُرْلًا: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ [ الْأَنْبِيَاءِ: 104 ]
". فَذَلِكَ حَشْرٌ غَيْرُ هَذَا، ذَاكَ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ بَعْدَ
نَفْخَةِ الْبَعْثِ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ مِنْ قُبُورِهِمْ حُفَاةً عُرَاةً
غُرْلًا، أَيْ غَيْرَ مُخْتَتَنِينَ، وَكَذَلِكَ حَشْرُ الْكَافِرِينَ إِلَى
جَهَنَّمَ وِرْدًا; أَيْ عِطَاشًا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ
عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ
سَعِيرًا [ الْإِسْرَاءِ: 97 ]. فَذَلِكَ إِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُمْ حِينَ يُؤْمَرُ
بِهِمْ إِلَى النَّارِ مِنْ مُقَامِ الْمَحْشَرِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ
كُلِّهِ فِي مَوَاضِعِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ: أَنَّ الْأَمْوَاتَ لَا يَشْعُرُونُ بِشَيْءٍ
مِمَّا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ بِسَبَبِ نَفْخَةِ الْفَزَعِ، وَأَنَّ الَّذِينَ
اسْتَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى إِنْمَّا هُمُ الشُّهَدَاءُ،
لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ
رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَهُمْ يَشْعُرُونَ بِهَا وَلَا يَفْزَعُونَ مِنْهَا،
وَكَذَلِكَ لَا يُصْعَقُونَ بِسَبَبِ نَفْخَةِ الصَّعْقِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُسْتَثْنَيْنَ مِنْهَا عَلَى أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا هَذَا، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِيهِ، وَقِيلَ: بَلْ هُمْ
جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ، وَمَلَكُ الْمَوْتِ. وَقِيلَ:
وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ أَنَّهُ يَطُولُ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا
مُدَّةُ مَا بَيْنَ نَفْخَةِ الْفَزَعِ، وَنَفْخَةِ الصَّعْقِ، وَهُمْ
يُشَاهِدُونَ تِلْكَ الْأَهْوَالَ، وَالْأُمُورَ الْعِظَامَ.
نَفْخَةُ الصَّعْقِ
يَمُوتُ بِسَبَبِهَا جَمِيعُ الْمَوْجُودِينَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ، مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ; إِلَّا مَنْ شَاءَ
اللَّهُ، فَقِيلَ: هُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَجِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ،
وَمَلَكُ الْمَوْتِ. وَقِيلَ: هُمُ الشُّهَدَاءُ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ
فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ
قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [ الزُّمَرِ: 68 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَإِذَا نُفِخَ فِي
الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا
دَكَّةً وَاحِدَةً إِلَى قَوْلِهِ: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ
خَافِيَةٌ [ الْحَاقَّةِ: 13 - 18 ].
وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ:
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْمُرُ إِسْرَافِيلَ فَيَقُولُ لَهُ: انْفُخْ نَفْخَةَ
الصَّعْقِ. فَيَنْفُخُ، فَيُصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا
مَنْ شَاءَ اللَّهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَكِ الْمَوْتِ، وَهُوَ أَعْلَمُ
بِمَنْ بَقِيَ: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: بَقِيتَ أَنْتَ، الْحَيُّ الَّذِي لَا
يَمُوتُ، وَبَقِيَتْ حَمَلَةُ عَرْشِكَ، وَبَقِيَ جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ
". فَيَأْمُرُهُ اللَّهُ بِقَبْضِ رُوحِ جِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، ثُمَّ
يَأْمُرُهُ بِقَبْضِ أَرْوَاحِ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، ثُمَّ يَأْمُرُهُ أَنْ
يَمُوتَ، وَهَوَ آخِرُ مَنْ يَمُوتُ مِنَ الْخَلَائِقِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ رَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا بَلَغَهُ، وَعَنْهُ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،أَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ: " أَنْتَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِي،
خَلَقْتُكَ لِمَا رَأَيْتَ، فَمُتْ، ثُمَّ لَا تَحْيَا ". وَقَالَ مُحَمَّدُ
بْنُ كَعْبٍ فِيمَا بَلَغَهُ، فَيَقُولُ لَهُ: " مُتْ مَوْتًا لَا تَحْيَا
بَعْدَهُ أَبَدًا، فَيَصْرُخُ عِنْدَ ذَلِكَ صَرْخَةً لَوْ سَمِعَهَا أَهْلُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَمَاتُوا فَزَعًا ". قَالَ الْحَافِظُ أَبُو
مُوسَى الْمَدِينِيُّ: لَمْ يُتَابَعْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ عَلَى هَذِهِ
اللَّفْظَةِ، وَلَمْ يَقُلْهَا أَكْثَرُ الرُّوَاةِ.
قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي مَعْنَى هَذَا: " مُتْ مَوْتًا لَا
تَحْيَا بَعْدَهُ أَبَدًا ". يَعْنِي: لَا تَكُونُ بَعْدَ هَذَا مَلَكَ
مَوْتٍ أَبَدًا، لِأَنَّهُ لَا مَوْتَ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ، كَمَا ثَبَتَ فِي
" الصَّحِيحِ ": يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صُورَةِ
كَبْشٍ أَمْلَحَ،
فَيُذْبَحُ بَيْنَ الْجَنَّةِ
وَالنَّارِ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ، وَيَا
أَهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ ".
فَمَلَكُ الْمَوْتِ وَإِنْ حَيِيَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مَلَكَ مَوْتٍ
بَعْدَهَا أَبَدًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، بَلْ يُنْشِئُهُ اللَّهُ خَلْقًا آخَرَ
غَيْرَ ذَلِكَ كَالْمَلَائِكَةِ. وَبِتَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذَا اللَّفْظِ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا
يَحْيَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَبَدًا، فَيَكُونُ التَّأْوِيلُ الْمُتَقَدِّمُ بَعِيدَ
الصِّحَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
فَصْلٌ ( اللَّهُ يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَرَضِينَ وَتَكُونُ
السَّمَاوَاتُ بِيَمِينِهِ )
قَالَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ: فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ
الْأَحَدُ، الْفَرْدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، كَانَ آخِرًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا، طَوَى
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ، ثُمَّ دَحَاهُمَا،
ثُمَّ تَلَقَّفَهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ: أَنَا الْجَبَّارُ. ثَلَاثًا،
ثُمَّ يُنَادِي: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَا يُجِيبُهُ
أَحَدٌ، ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى مُجِيبًا لِنَفْسِهِ: لِلَّهِ الْوَاحِدِ
الْقَهَّارِ ".
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ
جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ
بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [ الزُّمَرِ: 67 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا
بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ.
وَقَالَ تَعَالَى: لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا
يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ
الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ
[ غَافِرٍ: 15، 16 ].
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَقْبِضُ اللَّهُ
تَعَالَى الْأَرْضَ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا
الْمَلِكُ، أَنَا الْجَبَّارُ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟
أَيْنَ الْمتُكَبِّرُونَ ".
وَفِيهِمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَرَضِينَ،
وَتَكُونُ السَّمَاوَاتُ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ ".
وَفِي " مُسْنَدِ أَحْمَدَ "، و " صَحِيحِ مُسْلِمٍ "، مِنْ
حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى
الْمِنْبَرِ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا
قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [ الزُّمَرِ: 67 ]. وَرَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَكَذَا بِيَدِهِ، وَيُحَرِّكُهَا،
يُقْبِلُ بِهَا وَيُدْبِرُ " يُمَجِّدُ الرَّبُّ نَفْسَهُ: أَنَا
الْجَبَّارُ، أَنَا الْمُتَكَبِّرُ، أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْعَزِيزُ، أَنَا
الْكَرِيمُ " فَرَجَفَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمِنْبَرُ، حَتَّى قُلْنَا: لَيَخِرَّنَّ بِهِ. وَهَذَا لَفْظُ أَحْمَدَ، وَقَدْ
ذَكَرْنَا الْأَحَادِيثَ الْمُتَعَلِّقَةَ
بِهَذَا الْمَقَامِ عِنْدَ تَفْسِيرِ
هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ " بِأَسَانِيدِهَا
وَأَلْفَاظِهَا، بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
قَالَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ: " وَيُبَدِّلُ اللَّهُ الْأَرْضَ غَيْرَ
الْأَرْضِ فَيَبْسُطُهَا، وَيَسْطَحُهَا، وَيَمُدُّهَا مَدَّ الْأَدِيمِ
الْعُكَاظِيِّ، إِلَى آخِرِ الْكَلَامِ، كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ
تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ [ إِبْرَاهِيمَ: 48 ]
" الْآيَةَ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:سُئِلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ
تُبَدَّلُ الْأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ؟ فَقَالَ: " هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ
الْجِسْرِ ".
وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ تَبْدِيلًا آخَرَ غَيْرَ هَذَا الْمَذْكُورِ
فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ أَنْ تُبَدَّلَ مَعَالِمُ الْأَرْضِ فِيمَا بَيْنَ
النَّفْخَتَيْنِ; نَفْخَةِ الصَّعْقِ، وَنَفْخَةِ الْبَعْثِ، فَتَسِيرُ الْجِبَالُ
وَتُمَدُّ الْأَرْضُ، وَيَبْقَى الْجَمِيعُ صَعِيدًا وَاحِدًا، لَا اعْوِجَاجَ
فِيهِ وَلَا رَوَابِيَ وَلَا أَوْدِيَةَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ
الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا
تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا [ طه: 105 - 107 ]. أَيْ لَا انْخِفَاضَ
فِيهَا وَلَا ارْتِفَاعَ. وَقَالَ تَعَالَى: وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا
جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ
شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ [ النَّمْلِ: 88 ] وَقَالَ تَعَالَى:
وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا [ النَّبَإِ: 20 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [ الْقَارِعَةِ: 5 ]. وَقَالَ
تَعَالَى:
وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ
فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً [ الْحَاقَّةِ: 14 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ
نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ
نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا [ الْكَهْفِ: 47 ] الْآيَاتِ.
فَصْلٌ ( سِتُّ آيَاتٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ )
قَالَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ: "،ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ
مَاءً، فَتُمْطِرُ السَّمَاءُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، حَتَّى يَكُونَ الْمَاءُ
فَوْقَكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ الْأَجْسَادَ أَنْ
تَنْبُتَ كَنَبَاتِ الطَّرَاثِيثِ، وَهِيَ صِغَارُ الْقِثَّاءِ، أَوْ كَنَبَاتِ
الْبَقْلِ ". وَتَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ،
وَمُسْلِمٌ،ثُمَّ يُرْسِلُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ، أَوِ الظِّلُّ، فَتَنْبُتُ
مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى، فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ
يَنْظُرُونَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ
". إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، قَدْ تَقَدَّمَ بِطُولِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ،
ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ: " أَبَيْتُ ". قَالَ:
" ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتَنْبُتُونَ، كَمَا
يَنْبُتُ الْبَقْلُ "، قَالَ: وَلَيْسَ مِنَ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا
يَبْلَى، إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا، وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ
الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ
رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَلَيْسَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مَا
ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَهِيَ ذِكْرُ نُزُولِ الْمَاءِ إِلَى
آخِرِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ " أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
": حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ
الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ
الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ
وَاقِدٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، حَدَّثَنِي
أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: سِتُّ آيَاتٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، بَيْنَمَا
النَّاسُ فِي أَسْوَاقِهِمْ إِذْ ذَهَبَ ضَوْءُ الشَّمْسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ
كَذَلِكَ إِذْ وَقَعَتِ الْجِبَالُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَتَحَرَّكَتْ
وَاضْطَرَبَتْ وَاخْتَلَطَتْ، وَفَزِعَتِ الْجِنُّ إِلَى الْإِنْسِ، وَالْإِنْسُ
إِلَى الْجِنِّ، وَاخْتَلَطَتِ الدَّوَابُّ وَالطَّيْرُ وَالْوَحْشُ، فَمَاجُوا
بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ [ التَّكْوِيرِ: 5 ]. قَالَ:
انْطَلَقَتْ، وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ [ التَّكْوِيرِ: 4 ] قَالَ:
أَهْمَلَهَا أَهْلُهَا، وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ [ التَّكْوِيرِ: 6 ] قَالَ
الْجِنُّ لِلْإِنْسِ: نَحْنُ نَأْتِيكُمْ بِالْخَبَرِ، فَانْطَلَقُوا إِلَى
الْبَحْرِ، فَإِذَا هُوَ نَارٌ تَأَجَّجُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ
تَصَدَّعَتِ الْأَرْضُ صَدْعَةً وَاحِدَةً، إِلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ
السُّفْلَى، وَإِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الْعُلْيَا، فَبَيْنَمَا هُمْ
كَذَلِكَ إِذْ جَاءَتْهُمْ رِيحٌ فَأَمَاتَتْهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عُمَرَ الْقُرَشِيُّ،
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ
بْنِ جَابِرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَطَاءٍ السَّكْسَكِيِّ، قَالَ: يَبْعَثُ اللَّهُ
رِيحًا طَيِّبَةً بَعْدَ قَبْضِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ،
وَعِنْدَ دُنُوٍّ مِنَ السَّاعَةِ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ،
وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ تَهَارُجَ الْحُمُرِ، عَلَيْهِمْ
تَقُومُ السَّاعَةُ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ
بَعَثَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ
الْخَوْفَ، فَتَرْجُفُ بِهِمْ أَقْدَامُهُمْ وَمَسَاكِنُهُمْ، فَتَخْرُجُ
الْجِنُّ، وَالْإِنْسُ، وَالشَّيَاطِينُ إِلَى سِيفِ الْبَحْرِ، فَيَمْكُثُونَ
كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ تَقُولُ الْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ: هَلُمَّ
نَلْتَمِسُ الْمَخْرَجَ، فَيَأْتُونَ خَافِقَ الْمَغْرِبِ، فَيَجِدُونَهُ قَدْ
سُدَّ وَعَلَيْهِ الْحَفَظَةُ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى النَّاسِ، فَبَيْنَمَا
هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ أَشْرَفَتْ عَلَيْهِمُ السَّاعَةُ، وَيَسْمَعُونَ
مُنَادِيًا يُنَادِي: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا
تَسْتَعْجِلُوهُ [ النَّحْلِ: 1 ]، قَالَ: فَمَا الْمَرْأَةُ بِأَشَدَّ
اسْتِمَاعًا مِنَ الْوَلِيدِ فِي حِجْرِهَا، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ
فَيُصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، إِلَّا مَنْ شَاءَ
اللَّهُ.
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سُفْيَانَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ
عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَطْلُعُ
السَّاعَةُ عَلَيْكُمْ سَحَابَةً سَوْدَاءَ مِثْلَ التُّرْسِ مِنْ قِبَلِ
الْمَغْرِبِ، فَمَا تَزَالُ تَرْتَفِعُ وَتَرْتَفِعُ حَتَّى
تَمْلَأَ السَّمَاءَ، وَيُنَادِي
مُنَادٍ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ أَمْرَ اللَّهِ قَدْ أَتَى، فَوَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الرَّجُلَيْنِ لَيَنْشُرَانِ الثَّوْبَ فَمَا
يَطْوِيَانِهِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَلُوطُ حَوْضَهُ فَمَا يَشْرَبُ مِنْهُ،
وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَحْلُبُ لِقْحَتَهُ، فَمَا يَشْرَبُ مِنْهَا شَيْئًا ".
وَقَالَ مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ: وَإِنَّ الطَّيْرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
لَتَضْرِبُ بِأَذْنَابِهَا، وَتَرْمِي بِمَا فِي حَوَاصِلِهَا مِنْ هَوْلِ مَا
تَرَى، لَيْسَ عِنْدَهَا طَلِبَةٌ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي "
الْأَهْوَالِ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى الْعَبْدِيُّ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَحِيرٍ،
سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ الصَّنْعَانِيَّ، سَمِعْتُ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَأْيَ
عَيْنٍ، فَلْيَقْرَأْ: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا السَّمَاءُ
انْفَطَرَتْ، وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ،
وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحِيرٍ.
نَفْخَةُ الْبَعْثِ
قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [
الزُّمَرِ: 68 ]. الْآيَاتِ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَقَالَ: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي
الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا [ النَّبَإِ: 18 ].
الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ
يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ [ الْإِسْرَاءِ: 52 ] الْآيَةَ. وَقَالَ
تَعَالَى: فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [
النَّازِعَاتِ: 13، 14 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ
مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ:
وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [
يس: 51 - 65 ].
وَذُكِرَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ بَعْدَ نَفْخَةِ الصَّعْقِ وَفَنَاءِ الْخَلْقِ،
وَبَقَاءِ الْحَيِّ الْقَيُّومِ الَّذِي لَا يَمُوتُ، الَّذِي كَانَ قَبْلَ كُلِّ
شَيْءٍ، وَهُوَ الْآخِرُ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ يُبَدِّلُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِإِنْزَالِ الْمَاءِ عَلَى
الْأَرْضِ، الَّذِي تُخْلَقُ مِنْهُ الْأَجْسَادُ فِي قُبُورِهَا، وَتَتَرَكَّبُ
فِي أَجْدَاثِهَا، كَمَا كَانَتْ فِي حَيَاتِهَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، ثُمَّ
يَدْعُو اللَّهُ بِالْأَرْوَاحِ، فَيُؤْتَى بِهَا تَتَوَهَّجُ أَرْوَاحُ
الْمُؤْمِنِينَ نُورًا، وَالْأُخْرَى ظُلْمَةً، فَتُوضَعُ فِي الصُّورِ،
وَيَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى إِسْرَافِيلَ أَنْ يَنْفُخَ نَفْخَةَ الْبَعْثِ،
فَتَخْرُجُ الْأَرْوَاحُ كَأَنَّهَا النَّحْلُ قَدْ مَلَأَتْ مَا بَيْنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَتَدْخُلُ كُلُّ رُوحٍ عَلَى جَسَدِهَا الَّتِي كَانَتْ
فِيهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَتَمْشِي الْأَرْوَاحُ فِي الْأَجْسَادِ مَشْيَ
السُّمِّ فِي اللَّدِيغِ، ثُمَّ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْهُمْ، كَمَا تَنْشَقُّ
عَنْ نَبَاتِهَا فَيَخْرُجُونَ مِنْهَا سِرَاعًا إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ
مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ [
الْقَمَرِ: 8 ]. حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا
كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [ الْمَعَارِجِ: 43 ]. إِلَى آخِرِ
السُّورَةِ، وَقَالَ تَعَالَى: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ
مَكَانٍ قَرِيبٍ [ ق: 41 ]. إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَقَالَ تَعَالَى: خُشَّعًا
أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ
مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ [
الْقَمَرِ: 7 - 8 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ
يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ
[ الْمُدَّثِّرِ: 8 - 10 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [ طه: 55 ]. وَقَالَ: وَاللَّهُ
أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ
إِخْرَاجًا [ نُوحٍ: 17، 18 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي تَدُلُّ
عَلَى الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: يُرْسِلُ اللَّهُ قَبْلَ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ رِيحًا فِيهَا صِرٌّ بَارِدَةً، وَزَمْهَرِيرًا بَارِدًا; فَلَا
تَذَرُ عَلَى الْأَرْضِ مُؤْمِنًا إِلَّا كُفِتَ بِتِلْكَ الرِّيحِ، ثُمَّ تَقُومُ
السَّاعَةُ عَلَى النَّاسِ، فَيَقُومُ مَلَكٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
بِالصُّورِ، فَيَنْفُخُ فِيهِ، فَلَا يَبْقَى خَلْقٌ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
إِلَّا مَاتَ، ثُمَّ يَكُونُ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ
يَكُونَ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ مَاءً مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، فَتَنْبُتُ
جُسْمَانُهُمْ وَلُحْمَانُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، كَمَا تَنْبُتُ الْأَرْضُ
مِنَ الثَّرَى، ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَذَلِكَ النُّشُورُ [ فَاطِرٍ: 9
]. ثُمَّ يَقُومُ مَلَكٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِالصُّورِ، فَيَنْفُخُ
فِيهِ، فَتَنْطَلِقُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَى جَسَدِهَا، فَتَدْخُلُ فِيهِ،
وَيَقُومُونَ، فَيَجِيئُونَ قِيَامًا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ:
يَبْلَوْنَ فِي الْقُبُورِ، فَإِذَا سَمِعُوا الصَّرْخَةَ عَادَتِ الْأَرْوَاحُ
فِي الْأَبْدَانِ، وَالْمَفَاصِلُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَإِذَا سَمِعُوا
النَّفْخَةَ الثَّانِيَةَ وَثَبَ الْقَوْمُ قِيَامًا عَلَى أَرْجُلِهِمْ،
يَنْفُضُونَ التُّرَابَ عَنْ رُءُوسِهِمْ، يَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ: سُبْحَانَكَ
مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ.
ذِكْرُ أَحَادِيثَ فِي الْبَعْثِ
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي
الزَّعْرَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا فِيهَا صِرٌّ
بَارِدَةً، وَزَمْهَرِيرًا بَارِدَةً، فَلَا يَبْقَى عَلَى الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ
إِلَّا كُفِتَ بِتِلْكَ الرِّيحِ، ثُمَّ تَقُومُ السَّاعَةُ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ
كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَقَالِ قَبْلَهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ
عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ عُدُسٍ،عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ، قَالَ: قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى؟ وَمَا آيَةُ ذَلِكَ فِي
خَلْقِهِ؟ قَالَ: " يَا أَبَا رَزِينٍ، أَمَا مَرَرْتَ بِوَادِي أَهْلِكَ
مَحْلًا، ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ يَهْتَزُ خَضِرًا ؟ ". قُلْتُ: بَلَى. قَالَ:
" فَكَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى، وَذَلِكَ آيَتُهُ فِي
خَلْقِهِ ". وَقَدْ رَوَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَغُنْدَرٍ،
كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، بِهِ، نَحْوَهُ أَوْ
مِثْلَهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ
بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى،عَنْ أَبِي
رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى؟
قَالَ: " أَمَرَرْتَ بِأَرْضٍ مِنْ أَرْضِكَ مُجْدِبَةٍ، ثُمَّ مَرَرْتَ
بِهَا مُخْصِبَةً ؟ " قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " كَذَلِكَ
النُّشُورُ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْإِيمَانُ ؟ قَالَ:
" أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ،
وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَحَبَّ إِلَيْكَ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ تُحْرَقَ بِالنَّارِ أَحَبُّ إِلَيْكَ
مِنْ أَنْ تُشْرِكَ بِاللَّهِ، وَأَنْ تُحِبَّ غَيْرَ ذِي نَسَبٍ لَا تُحِبُّهُ
إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا كُنْتَ كَذَلِكَ فَقَدْ دَخَلَ حُبُّ
الْإِيمَانِ فِي قَلْبِكَ، كَمَا دَخَلَ حُبُّ الْمَاءِ قَلْبَ الظَّمْآنِ فِي
الْيَوْمِ الْقَائِظِ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ لِي بِأَنْ
أَعْلَمَ أَنِّي مُؤْمِنٌ؟ قَالَ: " مَا مِنْ أُمَّتِي، أَوْ هَذِهِ
الْأُمَّةِ عَبْدٌ يَعْمَلُ حَسَنَةً، فَيَعْلَمُ أَنَّهَا حَسَنَةٌ، وَأَنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَازِيهِ بِهَا خَيْرًا، وَلَا يَعْمَلُ سَيِّئَةً، فَيَعْلَمُ
أَنَّهَا سَيِّئَةٌ، وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا، وَيَعْلَمُ
أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ إِلَّا هُوَ - إِلَّا وَهُوَ مِؤْمِنٌ ". تَفَرَّدَ
بِهِ أَحْمَدُ.
حَدِيثُ أَبِي رَزِينٍ فِي الْبَعْثِ
وَالنُّشُورِ
أَخْبَرَنَا شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْمِزِّيُّ - تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ - وَغَيْرُ وَاحِدٍ
مِنَ الْمَشَايِخِ، قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ، وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا
فَخْرُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْبُخَارِيِّ، وَغَيْرُ
وَاحِدٍ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُكَبِّرُ،
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُصَيْنِ الشَّيْبَانِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ؟ ابْنُ الْمُذْهِبِ
التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ
بْنِ مَالِكٍ الْقَطِيعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي " مُسْنَدِ أَبِيهِ "، قَالَ:
كَتَبَ إِلَيَّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ
مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ الزُّبَيْرِيُّ: كَتَبْتُ إِلَيْكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ،
وَقَدْ عَرَضْتُهُ، وَسَمِعْتُهُ عَلَى مَا كَتَبْتُ بِهِ إِلَيْكَ، فَحَدِّثْ
بِذَلِكَ عَنِّي. قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُغِيرَةِ
الْحِزَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَيَّاشٍ السَّمَعِيُّ
الْأَنْصَارِيُّ الْقُبَائِيُّ - مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، عَنْ دَلْهَمِ
بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَاجِبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ
الْمُنْتَفِقِ الْعُقَيْلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ،
قَالَ دَلْهَمٌ: وَحَدَّثَنِيهِ أَبِي الْأَسْوَدُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطٍ
-أَنَّ لَقِيطًا خَرَجَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ، يُقَالُ لَهُ: نَهِيكُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ الْمُنْتَفِقِ، قَالَ لَقِيطٌ: فَخَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبِي حَتَّى
قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِانْسِلَاخِ رَجَبٍ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَيْنَاهُ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَقَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنِّي قَدْ خَبَّأْتُ لَكُمْ صَوْتِي مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، أَلَا لِأُسْمِعَنَّكُمْ، أَلَا فَهَلْ مِنِ امْرِئٍ بَعَثَهُ قَوْمُهُ، فَقَالُوا: اعْلَمْ لَنَا مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلَا ثُمَّ لَعَلَّهُ أَنْ يُلْهِيَهُ حَدِيثُ نَفْسِهِ، أَوْ حَدِيثُ صَاحِبِهِ، أَوْ يُلْهِيَهُ الضَّلَالُ، أَلَا إِنِّي مَسْئُولٌ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ أَلَا اسْمَعُوا تَعِيشُوا، أَلَا اجْلِسُوا، أَلَا اجْلِسُوا ". قَالَ: فَجَلَسَ النَّاسُ، وَقُمْتُ أَنَا وَصَاحِبِي، حَتَّى إِذَا فَرَغَ لَنَا فُؤَادُهُ وَبَصَرُهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عِنْدَكَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ؟ فَضَحِكَ لَعَمْرُ اللَّهِ، وَهَزَّ رَأْسَهُ، وَعَلِمَ أَنِّي أَبْتَغِي لِسَقْطِهِ، فَقَالَ: " ضَنَّ رَبُّكَ، عَزَّ وَجَلَّ، بِمَفَاتِيحَ خَمْسٍ مِنَ الْغَيْبِ، لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ ". وَأَشَارَ بِيَدِهِ، قُلْتُ: وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: " عِلْمُ الْمَنِيَّةِ، قَدْ عَلِمَ مَتَى مَنِيَّةُ أَحَدِكُمْ وَلَا تَعْلَمُونَهُ، وَعِلْمُ الْمَنِيِّ حِينَ يَكُونُ فِي الرَّحِمِ، قَدْ عَلِمَهُ وَلَا تَعْلَمُونَ، وَعِلْمُ مَا فِي غَدٍ وَمَا أَنْتَ طَاعِمٌ غَدًا وَلَا تَعْلَمُهُ، وَعِلْمُ يَوْمِ الْغَيْثِ يُشْرِفُ عَلَيْكُمْ آزِلِينَ مُسْنِتِينَ، فَيَظَلُّ يَضْحَكُ، قَدْ عَلِمَ أَنَّ غَيْرَكُمْ إِلَى قَرِيبٍ ". قَالَ لَقِيطٌ: قُلْتُ: لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا. " وَعِلْمُ يَوْمِ السَّاعَةِ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنَا مِمَّا تُعَلِّمُ النَّاسَ، وَمَا تَعْلَمُ، فَإِنَّا مِنْ قَبِيلٍ لَا يُصَدِّقُونَ تَصْدِيقَنَا أَحَدٌ مِنْ مَذْحِجٍ الَّتِي تَرْبُو عَلَيْنَا،
وَخَثْعَمٍ الَّتِي تُوَالِينَا، وَعَشِيرَتِنَا الَّتِي نَحْنُ مِنْهَا. قَالَ: " تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ، ثُمَّ يُتَوَفَّى نَبِيُّكُمْ، ثُمَّ تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ، ثُمَّ تُبْعَثُ الصَّائِحَةُ، لَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَدَعُ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا مَاتَ، وَالْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ مَعَ رَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَصْبَحَ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ يَطُوفُ فِي الْأَرْضِ، وَخَلَتْ عَلَيْهِ الْبِلَادُ، فَأَرْسَلَ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاءَ تَهْضِبُ مِنْ عِنْدِ الْعَرْشِ فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَدَعُ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ مَصْرَعِ قَتِيلٍ، وَلَا مَدْفَنِ مَيِّتٍ إِلَّا شَقَّتِ الْقَبْرَ عَنْهُ، حَتَّى تُخْلِفَهُ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ، فَيَسْتَوِيَ جَالِسًا، فَيَقُولُ رَبُّكَ: مَهْيَمْ؟ لِمَا كَانَ فِيهِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَمْسِ، الْيَوْمَ، فَلِعَهْدِهِ بِالْحَيَاةِ يَحْسَبُهُ حَدِيثًا بِأَهْلِهِ ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَجْمَعُنَا بَعْدَمَا تُمَزِّقُنَا الرِّيَاحُ وَالْبِلَى وَالسِّبَاعُ ؟ قَالَ: " أُنْبِئُكَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي آلَاءِ اللَّهِ، الْأَرْضُ أَشْرَفْتَ عَلَيْهَا وَهِيَ مَدَرَةٌ بَالِيَةٌ "، فَقُلْتُ: لَا تَحْيَا أَبَدًا. " ثُمَّ أَرْسَلَ رَبُّكَ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهَا السَّمَاءَ، فَلَمْ تَلْبَثْ عَلَيْكَ إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى أَشْرَفْتَ عَلَيْهَا، وَهِيَ شَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَعَمْرُ إِلَهِكَ لَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى أَنْ يَجْمَعَكُمْ مِنَ الْمَاءِ، عَلَى
أَنْ يَجْمَعَ نَبَاتَ الْأَرْضِ،
فَتَخْرُجُونَ مِنَ الْأَصْوَاءِ، وَمِنْ مَصَارِعِكُمْ، فَتَنْظُرُونَ إِلَيْهِ،
وَيَنْظُرُ إِلَيْكُمْ ".
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ وَنَحْنُ مِلْءُ الْأَرْضِ، وَهُوَ
شَخْصٌ وَاحِدٌ يَنْظُرُ إِلَيْنَا، وَنَنْظُرُ إِلَيْهِ؟ قَالَ: "
أُنْبِئُكَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي آلَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، الشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ آيَةٌ مِنْهُ صَغِيرَةٌ، تَرَوْنَهُمَا وَيَرَيَانِكُمْ سَاعَةً
وَاحِدَةً، لَا تَضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا، وَلَعَمْرُ إِلَهِكَ لَهُوَ
أَقْدَرُ عَلَى أَنْ يَرَاكُمْ وَتَرَوْنَهُ مِنْهُمَا ". قَالَ: قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا يَفْعَلُ بِنَا رَبُّنَا، عَزَّ وَجَلَّ، إِذَا لَقِينَاهُ
؟ قَالَ: " تُعْرَضُونَ عَلَيْهِ بَادِيَةً لَهُ صَفَحَاتُكُمْ، لَا يَخْفَى
عَلَيْهِ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ، فَيَأْخُذُ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ بِيَدِهِ غُرْفَةً
مِنَ الْمَاءِ، فَيَنْضَحُ قَبِيلَكُمْ بِهَا، فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تُخْطِئُ
وَجْهَ أَحَدِكُمْ مِنْهَا قَطْرَةٌ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَتَدَعُ وَجْهَهُ
مِثْلَ الرَّيْطَةِ الْبَيْضَاءِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَتَخْطِمُهُ بِمِثْلِ
الْحُمَمِ الْأَسْوَدِ، أَلَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ نَبِيُّكُمْ، وَيَنْصَرِفُ
الصَّالِحُونَ عَلَى أَثَرِهِ،
فَتَسْلُكُونَ جِسْرًا مِنَ النَّارِ،
فَيَطَأُ أَحَدُكُمُ الْجَمْرَ فَيَقُولُ: حَسِّ. فَيَقُولُ رَبُّكَ، عَزَّ
وَجَلَّ: أَوَ أَنَّهْ. فَتَطْلُعُونَ عَلَى حَوْضِ الرَّسُولِ عَلَى أَظْمَإِ -
وَاللَّهِ - نَاهِلَةٍ قَطُّ رَأَيْتُهَا، فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا يَبْسُطُ
وَاحِدٌ مِنْكُمْ يَدَهُ إِلَّا وَقَعَ عَلَيْهَا قَدَحٌ يُطَهِّرُهُ مِنَ
الطَّوْفِ، وَالْبَوْلِ، وَالْأَذَى، وَتُحْبَسُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ، وَلَا
تَرَوْنَ مِنْهُمَا وَاحِدًا ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَبِمَ
نُبْصِرُ ؟ قَالَ: " بِمِثْلِ بَصَرِكَ سَاعَتَكَ هَذِهِ، وَذَلِكَ مَعَ
طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي يَوْمٍ أَشْرَقَتْ فِيهِ الْأَرْضُ وَوَاجَهَتْهُ
الْجِبَالُ ".
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَبِمَ نُجْزَى مِنْ سَيِّئَاتِنَا
وَحَسَنَاتِنَا ؟ قَالَ: " الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا،
وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْجَنَّةُ وَمَا النَّارُ ؟ قَالَ: " لَعَمْرُ
إِلَهِكَ إِنَّ لِلنَّارِ لَسَبْعَةَ أَبْوَابٍ، مَا مِنْهُنَّ بَابَانِ إِلَّا
يَسِيرُ الرَّاكِبُ بَيْنَهُمَا سَبْعِينَ عَامًا، وَإِنَّ لِلْجَنَّةِ لِثَمَانِيَةَ
أَبْوَابٍ، مَا مِنْهُنَّ بَابَانِ إِلَّا يَسِيرُ الرَّاكِبُ بَيْنَهُمَا
سَبْعِينَ عَامًا ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
فَعَلَامَ نَطَّلِعُ مِنَ الْجَنَّةِ؟
قَالَ: " عَلَى أَنْهَارٍ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى، وَأَنْهَارٍ مِنْ كَأْسٍ مَا
بِهَا مِنْ صُدَاعٍ وَلَا نَدَامَةٍ، وَأَنْهَارٍ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ
طَعْمُهُ، وَمَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وَفَاكِهَةٍ لَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَعْلَمُونَ،
وَخَيْرٌ مِنْ مِثْلِهِ مَعَهُ، وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ". قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، وَلَنَا فِيهَا أَزْوَاجٌ؟ أَوَ مِنْهُنَّ مُصْلِحَاتٌ ؟ قَالَ:
" الصَّالِحَاتُ لِلصَّالِحِينَ، تَلَذُّونَهُنَّ مِثْلَ لَذَّاتِكُمْ فِي
الدُّنْيَا وَيَلْذَذْنَ بِكُمْ غَيْرَ أَنَّ لَا تَوَالُدَ ".
قَالَ لَقِيطٌ: فَقُلْتُ: أَقْصَى مَا نَحْنُ بَالِغُونَ وَمُنْتَهُونَ إِلَيْهِ;
فَلَمْ يُجِبْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، عَلَامَ أُبَايِعُكَ ؟ قَالَ: فَبَسَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، وَقَالَ: " عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ،
وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَزِيَالِ الْمُشْرِكِ، وَأَنْ لَا تُشْرِكَ بِاللَّهِ
غَيْرَهُ ".
قَالَ: قُلْتُ: وَإِنَّ لَنَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ؟ فَقَبَضَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، وَظَنَّ أَنِّي مُشْتَرِطٌ
شَيْئًا لَا يُعْطِينِيهِ. قَالَ: قُلْتُ: نَحِلُّ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا، وَلَا
يَجْنِي عَلَى امْرِئٍ إِلَّا نَفْسُهُ، فَبَسَطَ يَدَهُ وَقَالَ: " ذَلِكَ
لَكَ، تَحِلُّ حَيْثُ شِئْتَ وَلَا يَجْنِي عَلَيْكَ إِلَّا نَفْسُكَ ".
قَالَ: فَانْصَرَفْنَا، فَقَالَ:
إِنَّ هَذَيْنِ - لَعَمْرُ إِلَهِكَ -
مِنْ أَتْقَى النَّاسِ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ ". فَقَالَ لَهُ كَعْبُ
بْنُ الْخُدَارِيِّةِ، أَحَدُ بَنِي بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ
اللَّهِ ؟ قَالَ: " بَنُو الْمُنْتَفِقِ أَهْلُ ذَلِكَ ". قَالَ:
فَانْصَرَفْنَا، وَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ
لِأَحَدٍ مِمَّنْ مَضَى خَيْرٌ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ ؟ قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ
عُرْضِ قُرَيْشٍ: وَاللَّهِ إِنَّ أَبَاكَ الْمُنْتَفِقَ لَفِي النَّارِ. قَالَ:
فَلَكَأَنَّهُ وَقَعَ حَرٌّ بَيْنَ جِلْدِي وَوَجْهِي وَلَحْمِي; مِمَّا قَالَ
لِأَبِي، عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ: وَأَبُوكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ ؟ ثُمَّ إِذَا الْأُخْرَى أَجْمَلُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
وَأَهْلُكَ ؟ قَالَ: " وَأَهْلِي، لَعَمْرُ اللَّهِ مَا أَتَيْتَ عَلَيْهِ
مِنْ قَبْرِ عَامِرِيٍّ أَوْ قُرَشِيٍّ مِنْ مُشْرِكٍ، فَقُلْ: أَرْسَلَنِي
إِلَيْكَ مُحَمَّدٌ، فَأُبَشِّرُكَ بِمَا يَسُوءُكَ ; تُجَرُّ عَلَى وَجْهِكَ
وَبَطْنِكَ فِي النَّارِ ".
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانُوا
عَلَى عَمَلٍ لَا يُحْسِنُونَ إِلَّا إِيَّاهُ، وَقَدْ كَانُوا يَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ مُصْلِحُونَ ؟ قَالَ: " ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ بَعَثَ فِي آخِرِ
كُلِّ سَبْعِ أُمَمٍ - يَعْنِي نَبِيًّا - فَمَنْ عَصَى نَبِيَّهُ كَانَ مِنَ
الضَّالِّينَ، وَمَنْ أَطَاعَ نَبِيَّهُ كَانَ مِنَ الْمُهْتَدِينَ ".
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْأَعْرَابِيِّ
" عَنْ أَبِي دَاوُدَ، " عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ، بِهِ، قَالَ شَيْخُنَا: لَعَلَّهُ مِنْ زِيَادَاتِ
ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ.
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَقَدْ جَمَعَ أَحَادِيثَ وَآثَارًا فِي
مُجَلَّدٍ تَشْهَدُ لِحَدِيثِ الصُّورِ فِي مُتَفَرِّقَاتِهِ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ
بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِي
الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ [ ق: 141 ] قَالَ: مَلَكٌ قَائِمٌ عَلَى
صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، يُنَادِي: أَيَّتُهَا الْعِظَامُ الْبَالِيَةُ،
وَالْأَوْصَالُ الْمُتَقَطِّعَةُ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُنَّ أَنْ تَجْتَمِعْنَ
لِفَصْلِ الْقَضَاءِ. وَبِهِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَا يُفَتَّرُ عَنْ أَهْلِ
الْقُبُورِ عَذَابُ الْقَبْرِ إِلَّا فِيمَا بَيْنَ نَفْخَةِ الصَّعْقِ وَنَفْخَةِ
الْبَعْثِ، فَلِذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ حِينَ يُبْعَثُ: يَا وَيْلَنَا مَنْ
بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا [ يس: 152 ] يَعْنِي تِلْكَ الْفَتْرَةَ، فَيَقُولُ
لَهُ الْمُؤْمِنُ: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [ يس: 52
].
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ
بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ
بَكْرٍ السَّعْدِيُّ، حَدَّثَنِي مَعْدِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: كَانَ أَبُو
مُحَلِّمٍ الْجَسْرِيُّ يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ إِخْوَانُهُ، وَكَانَ
حَكِيمًا، وَكَانَ إِذَا تَلَا هَذِهِ
الْآيَةَ: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ
يَنْسِلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا
وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [ 51، 52 ]، بَكَى، ثُمَّ قَالَ:
إِنَّ الْقِيَامَةَ لَمَعَارِيضُ، صِفَةٌ ذَهَبَتْ فَظَاعَتُهَا بِأَوْهَامِ
الْعُقُولِ، أَمَا وَاللَّهِ، لَئِنْ كَانَ الْقَوْمُ فِي رَقْدَةٍ مِثْلِ ظَاهِرِ
قَوْلِهِمْ لَمَا دَعَوْا بِالْوَيْلِ عِنْدَ أَوَّلِ وَهْلَةٍ مِنْ بَعْثِهِمْ،
وَلَمْ يُوقَفُوا بَعْدُ مَوْقِفَ عَرْضٍ وَلَا مُسَاءَلَةٍ، إِلَّا وَقَدْ
عَايَنُوا خَطَرًا عَظِيمًا، وَحُقِّقَتْ عَلَيْهِمُ الْقِيَامَةُ بِالْجَلَائِلِ
مِنْ أَمْرِهَا، وَلَئِنْ كَانُوا فِي طُولِ الْإِقَامَةِ فِي الْبَرْزَخِ;
كَانُوا يَأْلَمُونَ وَيُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، فَمَا دَعَوْا بِالْوَيْلِ
عِنْدَ انْقِطَاعِ ذَلِكَ عَنْهُمْ إِلَّا وَقَدْ نُقِلُوا إِلَى طَامَّةٍ هِيَ
أَعْظَمُ مِنْهُ، وَلَوْلَا أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى ذَلِكَ لَمَا اسْتَصْغَرَ
الْقَوْمُ مَا كَانُوا فِيهِ فَسَمَّوْهُ رُقَادًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا
يَسْتَقْبِلُونَ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا يُقَالُ هَذَا
الشَّيْءُ عِنْدَ هَذَا الشَّيْءِ رُقَادًا، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَوَّلِ
شَدَائِدُ وَأَهْوَالٌ، وَلَكِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ
وَأَدْهَى وَأَمَرُّ كَأَنَّهُ رُقَادٌ، وَإِنَّ فِي الْقُرْآنِ لَدَلِيلًا عَلَى
ذَلِكَ، حِينَ يَقُولُ: فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى [ النَّازِعَاتِ:
34 ]، قَالَ: ثُمَّ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ.
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ،
حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا
إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ يَقُولُ: اجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَى سَائِحٍ بَيْنَ
الْعِرَاقِ وَالشَّامِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ،
فَقَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ مَيِّتُونَ، ثُمَّ
مَبْعُوثُونَ إِلَى الْإِدَانَةِ وَالْحِسَابِ. فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: وَاللَّهِ
لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا لَا يَبْعَثُهُ اللَّهُ أَبَدًا، رَأَيْتُهُ وَقَعَ عَنْ
رَاحِلَتِهِ فِي مَوْسِمٍ مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ، فَوَطِئَتْهُ الْإِبِلُ
بِأَخْفَافِهَا، وَالدَّوَابُّ بِحَوَافِرِهَا، وَالرَّجَّالَةُ بِأَرْجُلِهَا،
حَتَّى رَمَّ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ أُنْمُلَةٌ. فَقَالَ السَّائِحُ: بَيْدَ
أَنَّكَ مِنْ قَوْمٍ سَخِيفَةٍ أَحْلَامُهُمْ، ضَعِيفٍ يَقِينُهُمْ، قَلِيلٍ
عِلْمُهُمْ، لَوْ أَنَّ الضَّبُعَ بَيَّتَتْ تِلْكَ الرِّمَّةَ فَأَكَلَتْهَا،
ثُمَّ ثَلَطَتْهَا، ثُمَّ غَدَتْ عَلَيْهِ النَّابُ فَأَكَلَتْهُ وَبَعَرَتْهُ،
ثُمَّ غَدَتْ عَلَيْهِ الْجَلَّالَةُ فَالْتَقَطَتْهُ، ثُمَّ أَوْقَدَتْهُ تَحْتَ
قِدْرِ أَهْلِهَا، ثُمَّ نَسَفَتِ الرِّيَاحُ رَمَادَهُ - لَأَمَرَ اللَّهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ كُلَّ شَيْءٍ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا أَنْ يَرُدَّهُ، فَرَدَّهُ،
ثُمَّ بَعَثَهُ اللَّهُ لِلْإِدَانَةِ وَالثَّوَابِ.
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ
بْنِ جَابِرٍ ; أَنَّ شَيْخًا مِنْ شُيُوخِ الْجَاهِلِيَّةِ الْقُسَاةِ قَالَ: يَا
مُحَمَّدُ، ثَلَاثٌ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُهُنَّ، لَا يَنْبَغِي لِذِي عَقْلٍ
أَنْ يُصَدِّقَكَ فِيهِنَّ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ: إِنَّ الْعَرَبَ تَارِكَةٌ
مَا كَانَتْ تَعْبُدُ هِيَ وَآبَاؤُهَا، وَإِنَّا سَنَظْهَرُ عَلَى كُنُوزِ
كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَإِنَّا سَنُبْعَثُ بَعْدَ أَنْ نَرِمَّ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَجَلْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَتْرُكَنَّ
الْعَرَبُ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ هِيَ وَآبَاؤُهَا، وَلَتَظْهَرَنَّ عَلَّى كُنُوزِ
كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَلَتَمُوتَنَّ ثُمَّ لَتُبْعَثَنَّ، ثُمَّ لَآخُذَنَّ
بِيَدِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَأُذَكِّرَنَّكَ مَقَالَتَكَ هَذِهِ ".
قَالَ: وَلَا تَضِلُّنِي فِي الْمَوْتَى وَلَا تَنْسَانِي؟ قَالَ: " وَلَا
أَضِلُّكَ فِي الْمَوْتَى وَلَا أَنْسَاكَ ". قَالَ: فَبَقِيَ ذَلِكَ
الشَّيْخُ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّمَ،
وَرَأَى ظُهُورَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى كُنُوزِ كِسْرَى، وَقَيْصَرَ، فَأَسْلَمَ،
وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَسْمَعُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَحِيبَهُ وَبُكَاءَهُ، فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِعْظَامِهِ مَا كَانَ وَاجَهَ بِهِ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ عُمَرُ يَأْتِيهِ وَيُسَكِّنُ
مِنْهُ، وَيَقُولُ: قَدْ أَسْلَمْتَ وَوَعَدَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوُدَّ أَنْ يَأْخُذَ بِيَدِكَ، وَلَا يَأْخُذُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ أَحَدٍ إِلَّا أَفْلَحَ
وَسَعِدَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عَبْدِ
الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، قَالَ:جَاءَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَظْمٍ حَائِلٍ فَفَتَّهُ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ،
أَيَبْعَثُ اللَّهُ هَذَا؟ قَالَ: " نَعَمْ، يُمِيتُكَ اللَّهُ، ثُمَّ
يُحْيِيكَ، ثُمَّ يُدْخِلُكَ نَارَ جَهَنَّمَ ". فَنَزَلَتْ وَضَرَبَ لَنَا
مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ
يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [
يس: 78، 79 ].
وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ
الْأُولَى
[ الْوَاقِعَةِ: 62 ]،. قَالَ: خَلْقُ
آدَمَ وَخَلْقُكُمْ، فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ [ الْوَاقِعَةِ: 57 ]، قَالَ:
فَهَلَّا تُصَدِّقُونَ.
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: عَجَبًا لِمَنْ يُكَذِّبُ
بِالنَّشْأَةِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ يَرَى النَّشْأَةَ الْأُولَى، يَا عَجَبًا كُلَّ
الْعَجَبِ لِمَنْ يُكَذِّبُ بِالنَّشْرِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ يُنْشَرُ فِي
كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ
الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [ الرُّومِ: 27 ]، قَالَ:
إِعَادَتُهُ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنَ ابْتِدَائِهِ، وَكُلٌّ عَلَيْهِ يَسِيرٌ.
رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا
مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: كَذَّبَنِي عَبْدِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي
كَمَا بَدَأَنِي. وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ
وَلَدًا. وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ". وَهُوَ ثَابِتٌ فِي " الصَّحِيحَيْنِ
"
وَفِيهِمَا قِصَّةُ الَّذِي عَهِدَ
إِلَى بَنِيهِ إِذَا مَاتَ أَنْ يَحْرِقُوهُ، ثُمَّ يَذْرُوا - يَوْمَ رِيحٍ -
نِصْفَ رَمَادِهِ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ
لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا
مِنَ الْعَالَمِينَ. وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَدَّخِرْ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ
حَسَنَةً وَاحِدَةً. فَلَمَّا مَاتَ فَعَلَ بِهِ بَنُوهُ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ.
فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا
فِيهِ، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا
حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: خَشْيَتُكَ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ. قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا تَلَافَاهُ أَنْ غَفَرَ لَهُ.
وَعَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَقَابِرَ نِصْفَ النَّهَارِ،
فَنَظَرْتُ إِلَى الْقُبُورِ كَأَنَّهُمْ قَوْمٌ صُمُوتٌ، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ
مَنْ يُحْيِيكُمْ ويَنْشُرُكُمْ مِنْ بَعْدِ طُولِ الْبِلَى. فَهَتَفَ بِي هَاتِفٌ
مِنْ بَعْضِ تِلْكَ الْحُفَرِ: يَا صَالِحُ، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ
السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ
إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ [ الرُّومِ: 25 ]. قَالَ: فَخَرَرْتُ وَاللَّهِ
مَغْشِيًّا عَلَيَّ.
ذِكْرُ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
قَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْحَقِّ الْإِشْبِيلِيُّ فِي كِتَابِ " الْعَاقِبَةِ
": يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَمَا أَدْرَاكَ
مَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ ؟ يَوْمُ الْحَسْرةِ وَالنَّدَامَةِ، يَوْمٌ يَجِدُ كُلُّ عَامِلٍ عَمَلَهُ أَمَامَهُ، يَوْمُ الدَّمْدَمَةِ، يَوْمُ الزَّلْزَلَةِ، يَوْمُ الصَّاعِقَةِ، يَوْمُ الْوَاقِعَةِ، يَوْمُ الرَّاجِفَةِ، يَوْمُ الْوَاجِفَةِ، يَوْمُ الرَّادِفَةِ، يَوْمُ الْغَاشِيَةِ، يَوْمُ الدَّاهِيَةِ، يَوْمُ الْآزِفَةِ، يَوْمُ الْحَاقَّةِ، يَوْمُ الطَّامَّةِ، يَوْمُ الصَّاخَّةِ، يَوْمُ التَّلَاقِ، يَوْمُ الْفِرَاقِ، يَوْمُ الْمَشَاقِّ، يَوْمُ الْإِشْفَاقِ، يَوْمُ الْإِشْتَاقِ، يَوْمُ الْقِصَاصِ، يَوْمُ لَاتَ حِينَ مَنَاصٍ، يَوْمُ التَّنَادِ، يَوْمُ الْأَشْهَادِ، يَوْمُ الْمَعَادِ، يَوْمُ الْمِرْصَادِ، يَوْمُ الْمُسَاءَلَةِ، يَوْمُ الْمُنَاقَشَةِ، يَوْمُ الْحِسَابِ، يَوْمُ الْمَآبِ، يَوْمُ الْعَذَابِ، يَوْمُ الثَّوَابِ، يَوْمُ الْفِرَارِ لَوْ وُجِدَ الْفِرَارُ، يَوْمُ الْقَرَارِ إِمَّا فِي الْجَنَّةِ، وَإِمَّا فِي النَّارِ، يَوْمُ الْقَضَاءِ، يَوْمُ الْجَزَاءِ، يَوْمُ الْبُكَاءِ، يَوْمُ الْبَلَاءِ، يَوْمُ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا، يَوْمُ الْحَشْرِ، يَوْمُ النَّشْرِ، يَوْمُ الْجَمْعِ، يَوْمُ الْبَعْثِ، يَوْمُ الْعَرْضِ، يَوْمُ الْوَزْنِ، يَوْمُ الْحَقِّ، يَوْمُ الْحُكْمِ، يَوْمُ الْفَصْلِ، يَوْمٌ عَقِيمٌ، يَوْمٌ عَسِيرٌ، يَوْمٌ قَمْطَرِيرٌ، يَوْمٌ عَصِيبٌ، يَوْمُ النُّشُورِ، يَوْمُ الْمَصِيرِ، يَوْمُ الدِّينِ، يَوْمُ الْيَقِينِ، يَوْمُ النَّفْخَةِ، يَوْمُ الصَّيْحَةِ، يَوْمُ الرَّجْفَةِ، يَوْمُ السَّكْرَةِ، يَوْمُ الرَّجَّةِ، يَوْمُ الْفَزَعِ، يَوْمُ الْجَزَعِ، يَوْمُ الْقَلَقِ، يَوْمُ الْفَرَقِ، يَوْمُ الْعَرَقِ، يَوْمُ الْمِيقَاتِ، يَوْمٌ تَخْرُجُ الْأَمْوَاتُ، يَوْمٌ تَظْهَرُ الْخَبِيئَاتُ، يَوْمُ الِانْشِقَاقِ، يَوْمُ الِانْكِدَارِ، يَوْمُ الِانْفِطَارِ، يَوْمُ الِانْتِشَارِ، يَوْمُ الِافْتِقَارِ، يَوْمُ الْوُقُوفِ، يَوْمُ الْخُرُوجِ، يَوْمُ الِانْصِدَاعِ، يَوْمُ الِانْقِطَاعِ، يَوْمٌ مَعْلُومٌ، يَوْمٌ مَوْعُودٌ، يَوْمٌ مَشْهُودٌ، يَوْمُ تُبْلَى السَّرَائِرُ، يَوْمُ يَظْهَرُ مَا فِي الضَّمَائِرِ، يَوْمُ لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا، يَوْمُ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا، يَوْمُ يُدْعَى فِيهِ إِلَى النَّارِ، يَوْمُ لَا سِجْنَ إِلَّا النَّارُ، يَوْمُ تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ، يَوْمُ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ - وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ - يَوْمُ تُقَلَّبُ
وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ، يَوْمُ
الْبُرُوزِ، يَوْمُ الْوُرُودِ، يَوْمُ الصُّدُورِ مِنَ الْقُبُورِ إِلَى اللَّهِ،
يَوْمُ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، يَوْمُ لَا تَنْفَعُ الْمَعْذِرَةُ،
يَوْمُ لَا يُرْتَجَى فِيهِ إِلَّا الْمَغْفِرَةُ.
قَالَ: وَأَهْوَلُ أَسْمَائِهِ وَأَبْشَعُ أَلْقَابِهِ يَوْمُ الْخُلُودِ، وَمَا
أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْخُلُودِ، يَوْمٌ لَا انْقِطَاعَ لِعِقَابِهِ، وَلَا
يُكْشَفُ فِيهِ عَنْ كَافِرٍ مَا بِهِ، فنَعُوذُ بِاللَّهِ، ثُمَّ نَعُوذُ
بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِهِ، وَعِقَابِهِ، وَبَلَائِهِ، وَسُوءِ قَضَائِهِ،
بِرَحْمَتِهِ وَكَرَمِهِ وَجُودِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ
إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
ذِكْرُ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، هُوَ يَوْمُ النَّفْخِ فِي الصُّورِ لِبَعْثِ
الْأَجْسَادِ مِنْ قُبُورِهَا، وَأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ
وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ:
قَالَ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ،
وَفِيهِ أُهْبِطَ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَاتَ، وَفِيهِ تَقُومُ
السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ
الشَّمْسُ شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ، إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، وَفِيهَا
سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ
شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ
مَالِكٍ. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ،
عَنِ ابْنِ الْهَادِ، بِهِ نَحْوَهُ، وَهُوَ أَتَمُّ.
وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي " مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ "، مِنْ
طَرِيقِ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ
إِلَّا فِي الْأَذَانِ ". قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: يَعْنِي أَذَانَ الْفَجْرِ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ
": أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ
عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو الْأَزْهَرِ مُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ
طَلْحَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ
مَالِكٍ يَقُولُ:أَتَى جِبْرِيلُ بِمِرْآةٍ بَيْضَاءَ فِيهَا وَكْتَةٌ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا هَذِهِ؟ ". قَالَ: هَذِهِ الْجُمُعَةُ
فُضِّلْتَ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتُكَ، فَالنَّاسُ لَكُمْ فِيهَا تَبَعٌ الْيَهُودُ،
وَالنَّصَارَى، وَلَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ، وَفِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا
مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ، وَهُوَ عِنْدَنَا
يَوْمُ الْمَزِيدِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
يَا جِبْرِيلُ، وَمَا يَوْمُ الْمَزِيدِ؟ " قَالَ: إِنَّ رَبَّكَ
اتَّخَذَ فِي الْفِرْدَوْسِ وَادِيًا
أَفْيَحَ، فِيهِ كُثُبُ مِسْكٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، أَنْزَلَ
اللَّهُ مَا شَاءَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَنَزَلَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَحَفَّ
حَوْلَهُ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَلَيْهَا مَقَاعِدُ النَّبِيِّينَ، وَحَفَّ
تِلْكَ الْمَنَابِرَ بمَنابِرَ مِنَ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ بِالْيَاقُوتِ
وَالزَّبَرْجَدِ، عَلَيْهَا الشُّهَدَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ، فَجَلَسُوا مِنْ
وَرَائِهِمْ، عَلَى تِلْكَ الْكُثُبِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: أَنَا رَبُّكُمْ، قَدْ
صَدَّقْتُمْ وَعْدِي، فَسَلُونِي أُعْطِكُمْ. فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا، نَسْأَلُكَ
رِضْوَانَكَ. فَيَقُولُ: قَدْ رَضِيتُ عَنْكُمْ، وَلَكُمْ عَلَيَّ مَا
تَمَنَّيْتُمْ، وَلَدَيَّ مَزِيدٌ. فَهُمْ يُحِبُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِمَا
يُعْطِيهِمْ فِيهِ رَبُّهُمْ مِنَ الْخَيْرِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي اسْتَوَى
فِيهِ رَبُّكُمْ عَلَى الْعَرْشِ، وَفِيهِ خَلَقَ آدَمَ، وَفِيهِ تَقُومُ
السَّاعَةُ.
ثُمَّ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، عَنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَيْضًا،
حَدَّثَنِي أَبُو عِمْرَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجَعْدِ، عَنْ أَنَسٍ، شَبِيهًا
بِهِ، قَالَ: وَزَادَ فِيهِ أَشْيَاءَ. قُلْتُ: وَسَيَأْتِي ذِكْرُ هَذَا
الْحَدِيثِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فِي كِتَابِ صِفَةِ الْجَنَّةِ
بِشَوَاهِدِهِ وَأَسَانِيدِهِ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ
الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ
الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ
الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ
مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ ".
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ عَلَيْكَ صَلَاتُنَا وَقَدْ
أَرِمْتَ؟ يَعْنِي وَقَدْ بَلِيتَ. قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ،
حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ
اللَّهِ عَلَيْهِمْ ". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ
مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ مِثْلَهُ. وَفِي
رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، بَدَلَ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ،
قَالَ شَيْخُنَا وَذَلِكَ وَهْمٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ
بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ
الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَيِّدُ الْأَيَّامِ يَوْمُ
الْجُمُعَةِ وَأَعْظَمُهَا عِنْدَهُ، وَأَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ،
مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى، وَفِيهِ خَمْسُ خِلَالٍ: خَلَقَ
اللَّهُ فِيهِ آدَمَ، وَأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ أَدَمَ إِلَى الْأَرْضِ، وَفِيهِ
تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُسْأَلُ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا
إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِيَّاهُ، مَا لَمْ يَسْأَلْ
حَرَامًا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَلَا سَمَاءٍ،
وَلَا أَرْضٍ، وَلَا رِيَاحٍ، وَلَا جِبَالٍ، وَلَا بَحْرٍ إِلَّا وَهُنَّ
يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ". وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي
بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ زُهَيْرٍ،
بِهِ.
وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: إِنَّ السَّاعَةَ
تَقُومُ وَقْتَ الْأَذَانِ
لِلْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
".
وَقَدْ حَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي " التَّذْكِرَةِ
" أَنَّ قِيَامَ السَّاعَةِ يَوْمُ جُمُعَةٍ لِلنِّصْفِ مِنْ شَهْرِ
رَمَضَانَ. وَهَذَا غَرِيبٌ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَثِيرٍ،
حَدَّثَنَا قُرْطُ بْنُ حُرَيْثٍ أَبُو سَهْلٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ
الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: يَوْمَانِ وَلَيْلَتَانِ لَمْ يَسْمَعِ
الْخَلَائِقُ بِمِثْلِهِنَّ قَطُّ، لَيْلَةٌ تَبِيتُ مَعَ أَهْلِ الْقُبُورِ،
وَلَمْ تَبِتْ لَيْلَةً قَبْلَهَا مِثْلَهَا، وَلَيْلَةٌ صَبِيحَتُهَا تُسْفِرُ
عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيَوْمُ يَأْتِيكَ الْبَشِيرُ مِنَ اللَّهِ إِمَّا
بِالْجَنَّةِ وَإِمَّا بِالنَّارِ، وَيَوْمُ تُعْطَى كِتَابَكَ إِمَّا بِيَمِينِكَ
وَإِمَّا بِشِمَالِكَ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَامِرِ بْنِ قَيْسٍ، وَهَرِمِ بْنَ
حَيَّانَ وَغَيْرِهِمَا؟ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعْظِمُونَ اللَّيْلَةَ الَّتِي
يُسْفِرُ صَبِيحَتُهَا عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ "، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا
مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ جُنَيْدٍ قَالَ: بَيْنَمَا الْحَسَنُ فِي يَوْمٍ مِنْ
رَجَبٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَفِي يَدِهِ قُلَيْلَةٌ، وَهُوَ يَمُصُّ مَاءَهَا، ثُمَّ
يَمُجُّهُ فِي الْحَصَى، إِذْ تَنَفَّسَ تَنَفُّسًا شَدِيدًا، ثُمَّ بَكَى حَتَّى
أُرْعِدَ مَنْكِبَاهُ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَنَّ بِالْقُلُوبِ حَيَاةً، لَوْ أَنَّ
بِالْقُلُوبِ صَلَاحًا، لَأَبْكَيْتُكُمْ مِنْ لَيْلَةٍ صَبِيحَتُهَا يومُ
الْقِيَامَةِ. أَيْ: لَيْلَةٌ
تَمَخَّضُ عَنْ صَبِيحَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَا سَمِعَ الْخَلَائِقُ بِيَوْمٍ
قَطُّ أَكْثَرَ فِيهِ عَوْرَةً بَادِيَةً، وَلَا عَيْنًا بَاكِيَةً مِنْ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ
ذِكْرُ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى أَبُو
صَالِحٍ، حَدَّثَنَا هِقْلٌ، يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ،
حَدَّثَنِي أَبُو عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنِي
أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ
يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ.
وَقَالَ هُشَيْمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا
سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ
تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، أَخْبَرَنَا
حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: (يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَيَصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي
الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَأَكُونُ
أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَحُوسِبَ
بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ، أَوْ بُعِثَ قَبْلِي ؟ ). وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ
بِقَرِيبٍ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ.
وَالْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ
الْأَرْضُ، فَأَجِدُ مُوسَى بَاطِشًا بِقَائِمَةِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ
قَبْلِي، أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ ).
فَذِكْرُ مُوسَى فِي هَذَا السِّيَاقِ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَعَلَّهُ مِنْ بَعْضِ
الرُّوَاةِ; دَخَلَ عَلَيْهِ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ ; فَإِنَّ التَّرْدِيدَ هَاهُنَا
فِيهِ لَا يَظْهَرُ، لَا سِيَّمَا قَوْلُهُ: " أَمْ جُوزِيَ بَصعْقَةِ
الطُّورِ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا أَيْضًا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، هُوَ ابْنُ
دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَابْنِ جُدْعَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ،
قَالَ: كَانَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَبَيْنَ يَهُودِيٍّ مُنَازَعَةٌ، فَقَالَ
الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَي مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ. فَلَطَمَهُ أَبُو
بَكْرٍ، فَأَتَى الْيَهُودِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَا يَهُودِيُّ )، أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ
عَنْهُ الْأَرْضُ، فَأَجِدُ مُوسَى مُتَعَلِّقًا بِالْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي هَلْ
كَانَ قَبْلِي، أَوْ جُوزِيَ بِالصَّعْقَةِ ).
وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْحَدِيثُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ
" مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ
بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ; وَفِي
بَعْضِهَا أَنَّ اللَّاطِمَ لِهَذَا الْيَهُودِيِّ إِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ، لَا الصِّدِّيقُ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْ أَحْسَنِهَا سِيَاقًا: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّ النَّاسَ
يَصْعَقُونَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَأَجِدُ مُوسَى بَاطِشًا
بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَصَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي،
أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ ). وَهَذَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ يَقْتَضِي
أَنَّ هَذَا الصَّعْقَ يَكُونُ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ صَعْقٌ آخَرُ
غَيْرُ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ، وَكَأَنَّ سَبَبَ هَذَا الصَّعْقِ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ التَّجَلِّي، يَعْنِي تَجَلِّيَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ إِذَا جَاءَ
لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، فَيَصْعَقُ النَّاسُ كَمَا خَرَّ مُوسَى صَعِقًا يَوْمَ
الطُّورِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عِنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنِ
الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" كَأَنِّي أَرَانِي أَنْفُضُ رَأْسِي مِنَ التُّرَابِ، فَأَلْتَفِتُ، فَلَا
أَرَى أَحَدًا إِلَّا مُوسَى مُتَعَلِّقًا بِالْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَمِمَّنِ
اسْتَثْنَى اللَّهُ أَنْ لَا تُصِيبَهُ النَّفْخَةُ، أَمْ بُعِثَ قَبْلِي ".
وَهَذَا مُرْسَلٌ أَيْضًا، وَهُوَ أَضْعَفُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
الصَّغَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو
بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى
بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنْ بِشْرِ بْنِ شَغَافٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
سَلَامٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا
سَيِّدُ وَلَدٍ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ
تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَمُشَفَّعٍ، بِيَدِي
لِوَاءُ الْحَمْدِ تَحْتِي آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ ). لَمْ يُخَرِّجُوهُ،
وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ،
أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي
بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،
وَقَالَ غَيْرُ أَبِي سَلَمَةَ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ (أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ،
ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ أَذْهَبُ إِلَى أَهْلِ الْبَقِيعِ،
فَيُحْشَرُونَ مَعِي، ثُمَّ أَنْتَظِرُ أَهْلَ مَكَّةَ فَيُحْشَرُونَ مَعِي،
فَأُحْشَرُ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ ).
وَقَالَ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ
مَسْلَمَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
قَالَ:دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ،
وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ، وَعُمَرُ عَنْ يَسَارِهِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ
عَلَيْهِمَا، قَالَ: ( هَكَذَا نُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ،
أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ،
عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ نُبَيْهِ بْنِ
وَهْبٍ، أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ قَالَ: مَا مِنْ فَجْرٍ يَطْلُعُ إِلَّا نَزَلَ
سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، حَتَّى يَحُفُّوا بِالْقَبْرِ،
يَضْرِبُونَ بِأَجْنِحَتِهِمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا أَمْسَوْا عَرَجُوا، وَهَبَطَ مِثْلُهُمْ
فَصَنَعُوا مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا انْشَقَّتِ الْأَرْضُ خَرَجَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ
يُوَقِّرُونَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ عُمَرَ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ
مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ سَيْفٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُحْشَرُ
النَّاسُ رِجَالًا، وَأُحْشَرُ رَاكِبًا عَلَى الْبُرَاقِ، وَبِلَالٌ بَيْنَ
يَدَيَّ، عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ، فَإِذَا بَلَغْنَا مَجْمَعَ النَّاسِ نَادَى
بِلَالٌ بِالْأَذَانِ، فَإِذَا قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،
أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَدَّقَهُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ
". وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ذِكْرُ بَعْثِ النَّاسِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، وَذِكْرُ أَوَّلِ مَنْ يُكْسَى
يَوْمَئِذٍ مِنَ النَّاسِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، حَدَّثَنَا
بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "
يُبْعَثُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَا ". قَالَ:
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ
بِالْعَوْرَاتِ؟ فَقَالَ: لِكُلِّ
امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [ عَبَسَ: 37 ] وَأَخْرَجَاهُ فِي
" الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ،
بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا
الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، شَيْخٌ مِنَ النَّخَعِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ
بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ:قَامَ فِينَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْعِظَةٍ، فَقَالَ: "
يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً
غُرْلًا كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا
كُنَّا فَاعِلِينَ [ الْأَنْبِيَاءِ: 104 ]. أَلَا وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلْقِ
يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِأُنَاسٍ مِنْ
أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَلَأَقُولَنَّ: أَصْحَابِي.
فَلَيُقَالَنَّ لِي: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَلَأَقُولَنَّ
كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ
فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ
لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ الْمَائِدَةِ: 117، 118 ]
فَيُقَالُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ
مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ ". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ
شُعْبَةَ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَرْفُوعًا: (إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ
إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حُفَاةً
عُرَاةً غُرْلًا ". وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ هِلَالِ بْنِ
خَبَّابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا "،
فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ: أَيَنْظُرُ بَعْضُنَا إِلَى عَوْرَةِ بَعْضٍ ؟ فَقَالَ:
" يَا فُلَانَةُ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [
عَبَسَ 37 ].
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى،
قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا
الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ،
عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: يُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا قِيَامًا أَرْبَعِينَ
سَنَةً، شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: فَيُلْجِمُهُمُ
الْعَرَقُ مِنْ شِدَّةِ الْكَرْبِ، ثُمَّ يُقَالُ: اكْسُوا إِبْرَاهِيمَ.
فَيُكْسَى قُبْطِيَّتَيْنِ مِنْ قَبَاطِيِّ الْجَنَّةِ. قَالَ: ثُمَّ يُنَادَى
لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُفَجَّرُ لَهُ الْحَوْضُ،
وَهُوَ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى مَكَّةَ. قَالَ: فَيَشْرَبُ وَيَغْتَسِلُ،
وَقَدْ تَقَطَّعَتْ أَعْنَاقُ الْخَلَائِقِ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْعَطَشِ. قَالَ:
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأُكْسَى
مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ، فَأَقُومُ عَنْ - أَوْ عَلَى - يَمِينِ الْكُرْسِيِّ
لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَائِقِ يَقُومُ ذَلِكَ الْمَقَامَ يَوْمَئِذٍ غَيْرِي،
فَيُقَالُ: سَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ".
فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَتَرْجُو
لِوَالِدَيْكَ شَيْئًا؟ فَقَالَ: ( إِنِّي شَافِعٌ لَهُمَا، أُعْطِيتُ أَوْ
مُنِعْتُ، وَلَا أَرْجُو لَهُمَا شَيْئًا ".
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَدْ يَكُونُ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ النَّهْيِ عَنْ
الِاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ، وَالصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى الْخَلِيلُ
قُبْطِيَّتَيْنِ، ثُمَّ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةَ
حِبَرَةٍ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي كِتَابِ " التَّذْكِرَةِ
": وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، مِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ،
وَعَلْقَمَةَ، وَأَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى
إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اكْسُوا خَلِيلِي.
فَيُؤْتَى بِرَيْطَتَيْنِ بَيْضَاوَيْنِ، فَيَلْبَسُهُمَا، ثُمَّ يَقْعُدُ مُسْتَقْبِلَ
الْعَرْشِ، ثُمَّ أُوتَى بِكِسْوَتِي، فَأَلْبَسُهَا، فَأَقُومُ عَنْ يَمِينِهِ
قِيَامًا لَا يَقُومُهُ أَحَدٌ غَيْرِي يَغْبِطُنِي فِيهِ الْأَوَّلُونَ
وَالْآخِرُونَ ".
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي " مِنْهَاجِ الدِّينِ
" لَهُ: وَرَوَى عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ
جَابِرٍ، قَالَ: إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ وَالْمُلَبِّينَ يَخْرُجُونَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ
مِنْ قُبُورِهِمْ، يُؤَذِّنُ
الْمُؤَذِّنُ، وَيُلَبِّي الْمُلَبِّي، وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى مِنْ حُلَلِ
الْجَنَّةِ إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
ثُمَّ النَّبِيُّونَ، ثُمَّ الْمُؤَذِّنُونَ. وَذَكَرَ تَمَامَهُ.
ثُمَّ شَرَعَ الْقُرْطُبِيُّ يَذْكُرُ الْمُنَاسَبَةَ فِي تَقْدِيمِ إِبْرَاهِيمَ
الْخَلِيلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْكِسْوَةِ يَوْمَئِذٍ، مِنْ
ذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ لَبِسَ السَّرَاوِيلَ مُبَالَغَةً فِي التَّسَتُّرِ،
وَأَنَّهُ جُرِّدَ يَوْمَ أُلْقِي فِي النَّارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ،
حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنَ
يَسَارٍ، عَنْ سَوْدَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُبْعَثُ النَّاسُ
حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ، فَبَلَغَ شُحُومَ
الْآذَانِ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاسَوْأَتَاهْ، يَنْظُرُ
بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ؟! قَالَ: " يُشْغَلُ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ، لِكُلِّ
امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [ عَبَسَ: 37 ]. إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ،
وَلَيْسَ هُوَ فِي الْمُسْنَدِ وَلَا فِي الْكُتُبِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا سعيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ
الْحَمِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُوسَى، عَنْ
عَطَاءِ بْنَ يَسَارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً كَمَا
بَدَءُوا ". قَالَتْ
أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
هَلْ يَنْظُرُ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ؟! قَالَ: " شُغِلَ النَّاسُ ".
قُلْتُ: وَمَا شَغَلَهُمْ؟ قَالَ: " نَشْرُ الصُّحُفِ فِيهَا مَثَاقِيلُ
الذَّرِّ، وَمَثَاقِيلُ الْخَرْدَلِ ".
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ،
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، يَعْنِي الثَّوْرِيَّ،
عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً
غُرْلًا ". قَالَ الْبَزَّارُ: أَحْسَبُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ شَبَّةَ غَلِطَ
فِيهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَتْنُ حَدِيثٍ فِي إِسْنَادِ حَدِيثٍ، وَإِنَّمَا هَذَا
الْحَدِيثُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: وَلَيْسَ لَسُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ
مُسْنَدٌ. وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ،
بِهِ مِثْلَهُ، وَزَادَ: وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ
إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ
حُرَيْثٍ، أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَائِذِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ
أَنَسٍ، قَالَ:سَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْشَرُ الرِّجَالُ؟ فَقَالَ:
" حُفَاةً عُرَاةً ". ثُمَّ انْتَظَرَتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْشَرُ النِّسَاءُ؟ قَالَ:
" كَذَلِكَ، حُفَاةً عُرَاةً
". قَالَتْ: وَاسَوْأَتَاهْ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ: " وَعَنْ
أَيِّ ذَلِكَ تَسْأَلِينَ؟ إِنَّهُ قَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ لَا يَضُرُّكِ
كَانَ عَلَيْكِ ثِيَابٌ أَمْ لَا ". قَالَتْ: أَيُّ آيَةٍ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ قَالَ: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [ عَبَسَ:
37 ].
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ حَاتِمٍ،
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْكَوْثَرِ، وَهُوَ ابْنُ حَكِيمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" يُحْشَرُ النَّاسُ كَمَا وَلَدَتْهُمْ أُمَّهَاتُهُمْ حُفَاةً عُرَاةً
غُرْلًا ". فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَالنِّسَاءُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟!
فَقَالَ: " نَعَمْ ". فَقَالَتْ: وَاسَوْأَتَاهْ! فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ عَجِبْتِ
يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ؟ " فَقَالَتْ: عَجِبْتُ مِنْ حَدِيثِكَ، يُحْشَرُ
الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى
بَعْضٍ. قَالَ: فَضَرَبَ عَلَى مَنْكِبِهَا، فَقَالَ: " يَا بِنْتَ أَبِي
قُحَافَةَ، شُغِلَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّظَرِ، وَسَمَوْا بِأَبْصَارِهِمْ
إِلَى السَّمَاءِ، مَوْقُوفُونَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَا يَأْكُلُونَ وَلَا
يَشْرَبُونَ، شَاخِصِينَ بِأَبْصَارِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ أَرْبَعِينَ سَنَةً،
فَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ الْعَرَقُ قَدَمَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ
سَاقَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ بَطْنَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ
الْعَرَقُ، مِنْ طُولِ الْوُقُوفِ، ثُمَّ يَتَرَحَّمُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ
عَلَى الْعِبَادِ، فَيَأْمُرُ الْمَلَائِكَةَ الْمقُرَّبِينَ، فَيَحْمِلُونَ
عَرْشَهُ مِنَ السَّمَاوَاتِ إِلَى الْأَرْضِ حَتَّى يُوضَعَ عَرْشُهُ فِي أَرْضٍ
بَيْضَاءَ لَمْ يُسْفَكْ عَلَيْهَا دَمٌ، وَلَمْ يُعْمَلْ فِيهَا خَطِيئَةٌ،
كَأَنَّهَا الْفِضِّةُ الْبَيْضَاءُ، ثُمَّ تَقُومُ الْمَلَائِكَةُ حَافِّينَ مَنْ
حَوْلِ الْعَرْشِ، وَذَلِكَ أَوَّلُ يَوْمٍ نَظَرَتْ فَيهِ عَيْنٌ إِلَى اللَّهِ
تَعَالَى، فَيَأْمُرُ مُنَادِيًا فَيُنَادِي بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ الثَّقَلَانِ
الْجِنُّ وَالْإِنْسُ: أَيْنَ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ ؟ أَيْنَ فُلَانُ ابْنُ
فُلَانٍ ؟ فَيَشْرَئِبُّ النَّاسُ لِذَلِكَ الصَّوْتِ، وَيَخْرُجُ ذَلِكَ
الْمُنَادَى مِنَ الْمَوْقِفِ، فَيُعَرِّفُهُ اللَّهُ
النَّاسَ، ثُمَّ يُقَالُ: تُخْرَجُ
مَعَهُ حَسَنَاتُهُ. فَيُعَرِّفُ اللَّهُ أَهْلَ الْمَوْقِفِ تِلْكَ الْحَسَنَاتِ،
فَإِذَا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قِيلَ: أَيْنَ أَصْحَابُ
الْمَظَالِمِ؟ فَيَجِيئُونَ، رَجُلًا رَجُلًا، فَيُقَالُ لَهُ: أَظَلَمْتَ
فُلَانًا كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ. فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي
تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ، فَتُؤْخَذُ حَسَنَاتُهُ، فَتُدْفَعُ إِلَى مَنْ ظَلَمَهُ يَوْمَ لَا
دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِلَّا أَخْذٌ مِنَ الْحَسَنَاتِ، وَرَدٌّ مِنَ
السَّيِّئَاتِ، فَلَا يَزَالُ أَصْحَابُ الْمَظَالِمِ يَسْتَوْفُونَ مِنْ
حَسَنَاتِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ حَسَنَةٌ، ثُمَّ يَقُومُ مَنْ بَقِيَ مِمَّنْ
لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا، فَيَقُولُونَ: مَا بَالُ غَيْرِنَا اسْتَوْفَى وَبَقِينَا؟
فَيُقَالُ لَهُمْ: لَا تَعْجَلُوا. فَيُؤْخَذُ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَتُرَدُّ
عَلَيْهِ، حَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ ظَلَمَهُ بِمَظْلَمَةٍ، فَيُعَرِّفُ اللَّهُ
أَهْلَ الْمَوْقِفِ أَجْمَعِينَ ذَلِكَ، فَإِذَا فُرِغَ مِنْ حِسَابِهِ قِيلَ:
ارْجِعْ إِلَى أُمِّكَ الْهَاوِيَةِ، فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ، إِنَّ
اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ، وَلَا يَبْقَى يَوْمَئِذٍ مَلَكٌ وَلَا نَبِيٌّ
مُرْسَلٌ وَلَا صِدِّيقٌ وَلَا شَهِيدٌ وَلَا بَشَرٌ، إِلَّا ظَنَّ، لِمَا رَأَى
مِنْ شِدَّةِ الْحِسَابِ، أَنَّهُ لَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ ".
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلِبَعْضِهِ شَاهِدٌ فِي "
الصَّحِيحِ "، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ الْوَاسِطِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
الْمُزَنِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ أَبِي سَعْدٍ، عَنْ
عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً ".
فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ يَرَى بَعْضُنَا بَعْضًا
قَالَ: " إِنَّ الْأَبْصَارَ يَوْمَئِذٍ شَاخِصَةٌ. وَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى
السَّمَاءِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ
عَوْرَتِي. قَالَ: " اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتَهَا ".
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ
ابْنُ الْخُرَاسَانِيِّ الْمُعَدَّلُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ
الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ،
عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ " عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ
بِثِيَابٍ جُدُدٍ، فَلَبِسَهَا، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ:
إِنَّ الْمُسْلِمَ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا. فَهَذَا
حَدِيثٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ " السُّنَنِ "، عَنِ الْحَسَنِ
بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ.
ثُمَّ شَرَعَ الْبَيْهَقِيُّ يُجِيبُ عَنْ هَذَا لِمُعَارَضَتِهِ الْأَحَادِيثَ
الْمُتَقَدِّمَةَ فِي بَعْثِ النَّاسِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، بِثَلَاثَةِ
أَجْوِبَةٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا تَبْلَى بَعْدَ قِيَامِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ، فَإِذَا
وَافَوُا الْمَوْقِفَ يَكُونُونَ عُرَاةً، ثُمَّ يُكْسَوْنَ مِنْ ثِيَابِ
الْجَنَّةِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا كُسِيَ
الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصِّدِّيقُونَ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى مَرَاتِبِهِمْ،
فَتَكُونُ كِسْوَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْ جِنْسِ مَا يَمُوتُ فِيهِ، ثُمَّ إِذَا
دَخَلُوا الْجَنَّةَ أُلْبِسُوا مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالثِّيَابِ هَهُنَا الْأَعْمَالُ، أَيْ يُبْعَثُ
فِي أَعْمَالِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا [ الْأَعْرَافِ: 26 ]. وَقَالَ:
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [ الْمُدَّثِّرِ: 4 ]. قَالَ قَتَادَةُ: عَمَلَكَ
فَأَخْلِصْهُ.
ثُمَّ اسْتَشْهَدَ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ الْأَخِيرِ بِمَا
رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ،
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ
عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ ". قَالَ: وَرُوِّيَنَا عَنْ فَضَالَةَ بْنِ
عُبَيْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ
قَالَ: مَنْ مَاتَ عَلَى مَرْتَبَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ بُعِثَ عَلَيْهَا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
، وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ
بْنِ صَالِحٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ هَانِئٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ،
قَالَ: أَوْصَانِي مُعَاذٌ بِامْرَأَتِهِ، وَخَرَجَ، فَمَاتَتْ، فَدَفَنَّاهَا
فَجَاءَنَا وَقَدْ رَفَعْنَا أَيْدِيَنَا مِنْ دَفْنِهَا، فَقَالَ: فِي أَيِّ شَيْءٍ
كَفَّنْتُمُوهَا؟ قُلْنَا: فِي ثِيَابِهَا. فَأَمَرَ بِهَا فَنُبِشَتْ،
وَكَفَّنَهَا فِي ثِيَابٍ جُدُدٍ، وَقَالَ: أَحْسِنُوا أَكْفَانَ مَوْتَاكُمْ؟
فَإِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ فِيهَا.
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
سَيَّارِ بْنِ نَصْرٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: يُحْشَرُ الْمَوْتَى فِي أَكْفَانِهِمْ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ
أَبِي الْعَالِيَةِ.
وَعَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ
قُبُورِهِمْ فِي أَكْفَانٍ دَسِمَةٍ، وَأَبْدَانٍ بَالِيَةٍ، مُتَغَيِّرَةٌ
وُجُوهُهُمْ، شَعِثَةٌ رُءُوسُهُمْ، نَهِكَةٌ أَجْسَامُهُمْ، طَائِرَةٌ
قُلُوبُهُمْ مِنْ صُدُورِهِمْ وَحَنَاجِرِهِمْ، لَا يَدْرِي الْقَوْمُ مَا
مَوْئِلُهُمْ إِلَّا عِنْدَ انْصِرَافِهِمْ مِنَ الْمَوْقِفِ، فَمُنْصَرَفٌ بِهِ
إِلَى الْجَنَّةِ، وَمُنْصَرَفٌ بِهِ إِلَى النَّارِ، ثُمَّ صَاحَ بِأَعْلَى
صَوْتِهِ: يَا سَوْءَ مُنْصَرَفَاهْ، إِنْ أَنْتَ لَمْ تَغَمَّدْنَا مِنْكَ
بِرَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ، لِمَا قَدْ ضَاقَتْ صُدُورُنَا مِنَ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ،
وَالْجَرَائِمِ الَّتِي لَا غَافِرَ لَهَا غَيْرُكَ.
ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانْشَقَّتِ
السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ الْآيَاتِ [ الْحَاقَّةِ: 15، 16 ].
وَقَالَ تَعَالَى وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ
الْآيَاتِ [ ق: 41 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ
وَعَذَابًا أَلِيمًا إِلَى قَوْلِهِ: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا
يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ
مَفْعُولًا [ الْمُزَّمِّلِ: 12 - 18 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً
مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ الْآيَةَ [ يُونُسَ: 45 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً
وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ:
وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [ الْكَهْفِ: 47 - 49 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا
قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ [ الزُّمَرِ:
67 - 75 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ
بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ آخِرِ
السُّورَةِ: إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ
الْفَائِزُونَ [ الْمُؤْمِنُونَ: 110 - 111 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ تَكُونُ
السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ: وَجَمَعَ فَأَوْعَى [
الْمَعَارِجِ: 8 - 18 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ إِلَى
آخِرِ السُّورَةِ [ عَبَسَ: 33 - 42 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَإِذَا جَاءَتِ
الطَّامَّةُ الْكُبْرَى إِلَى آخِرِ السُّورَةِ [ النَّازِعَاتِ: 34 - 46 ].
وَقَالَ تَعَالَى: كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ
وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا الْآيَاتِ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ [ الْفَجْرِ: 21 - 30
]. وَقَالَ تَعَالَى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ الْآيَاتِ إِلَى
قَوْلِهِ: وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ [ الْغَاشِيَةِ: 1 - 16 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ إِلَى قَوْلِهِ: هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ [
الْوَاقِعَةِ: 1 - 56 ]. ذَكَرَ فِيهَا سُبْحَانَهُ جَزَاءَ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ
الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، كَمَا، ذَكَرَ مَا
يُبَشَّرُونَ بِهِ عِنْدَ مَوْتِهِمْ
وَاحْتِضَارِهِمْ فِي آخِرِهَا، كَأَنَّ الْإِنْسَانَ يُشَاهِدُ ذَلِكَ
مُشَاهَدَةً.
وَقَالَ تَعَالَى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ
نُكُرٍ الْآيَاتِ. وَقَالَ فِي آخِرِهَا: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ
وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ [ الْقَمَرِ: 6 - 55 ].
وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ
وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ
الْحِسَابِ [ إِبْرَاهِيمَ: 48 - 51 ].
وَقَالَ تَعَالَى: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ
أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ يَوْمَ
هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ
الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ
الْحِسَابِ وَقَالَ بَعْدَهَا: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ
لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ
إِلَى قَوْلِهِ: وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ [ غَافِرٍ: 15 - 20 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ
فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ
الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ: فَلَا يَخَافُ
ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا [ طه: 99 - 111 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ
يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ
الظَّالِمُونَ [ الْبَقَرَةِ: 254 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَاتَّقُوا يَوْمًا
تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ
لَا يُظْلَمُونَ [ الْبَقَرَةِ: 281 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ تَبْيَضُّ
وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ الْآيَةَ. [ آلِ عِمْرَانَ: 106 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْآيَةَ [ آلِ
عِمْرَانَ: 161 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ
الْمُرْسَلِينَ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا
يَتَسَاءَلُونَ [ الْقَصَصِ: 65، 66 ].
وَقَالَ تَعَالَى: هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ
فَيَعْتَذِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [ الْمُرْسَلَاتِ: 35 - 37 ].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ لَا يَنْطِقُونَ بِحُجَّةٍ تَنْفَعُهُمْ. وَالْآيَاتُ
فِي أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا فِي أَكْثَرِ سُوَرِ
الْقُرْآنِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ " مَا
يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ آيَةٍ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِفَةِ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ، وَمِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْمُفَسِّرَةِ ذَلِكَ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ
رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [ الْأَنْعَامِ: 23 ]. وَقَوْلُهُ: يَوْمَ
يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ
وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ [
الْمُجَادَلَةِ: 18 ]. فَهَذَا يَكُونُ فِي حَالٍ آخَرَ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
فِي جَوَابِ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَأَقْبَلَ
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا
عَنِ الْيَمِينِ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ
الْمُجِيبُونَ [ الصَّافَّاتِ: 27 - 75 ] وَالْآيَاتُ فِي ذِكْرِ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ وَأَهْوَالِهِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، مِثْلُ الْآيَاتِ الَّتِي فِي آخِرِ
سُورَةِ " هُودٍ ": إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ
الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ
إِلَى عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ أَيْ غَيْرَ مَقْطُوعٍ [ هُودٍ: 103 - 108 ]،
وَكَذَلِكَ سُورَةُ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَسُورَةُ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ،
وَسُورَةُ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ، وَسُورَةُ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ،
وَسُورَةُ " الْمُطَفِّفِينَ " بِكَمَالِهَا، وَسُورَةُ "
الْمُرْسَلَاتِ "، و " النَّازِعَاتِ "، وَسُورَةُ هَلْ أَتَى
عَلَى الْإِنْسَانِ وَسُورَةُ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ، وَإِذَا زُلْزِلَتِ،
وَآخِرُ " الْعَادِيَاتِ "، وَ " الْقَارِعَةِ "، وَآخِرُ
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، وَ " الْهُمَزَةِ ".
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَحِيرٍ الصَّنْعَانِيُّ الْقَاصُّ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
بْنَ يَزِيدَ الصَّنْعَانِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ
يَنْظُرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ، فَلْيَقْرَأْ إِذَا
الشَّمْسُ كُوِّرَتْ. وَإِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ. وَإِذَا السَّمَاءُ
انْشَقَّتْ. وَأَحْسَبُهُ أَنَّهُ قَالَ: " وَسُورَةُ هُودٍ ". وَكَذَا
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَبَّاسٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ،
بِهِ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحِيرٍ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ، وَكَانَ أَعْلَمَ
بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مِنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي: شَيَّبَتْنِي هُودٌ
وَأَخَوَاتُهَا ".
ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ وَالْأَثَارِ الدَّالَّةِ عَلَى أَهْوَالِ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ، وَمَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْأُمُورِ الْكِبَارِ
وَالشَّدَائِدِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ،
وَالْجِنَانِ وَالنِّيرَانِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَبُو
غَالِبٍ الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُبْعَثُ النَّاسُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاءُ تَطِشُّ عَلَيْهِمْ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ،
وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " تَطِشُّ عَلَيْهِمْ ". احْتِمَالَانِ؟ أَحَدُهُمَا: أَنْ
يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الْمَطَرِ; أَيْ تُمْطِرُ عَلَيْهِمْ، كَمَا يُقَالُ:
أَصَابَهُمْ طَشٌّ مِنْ مَطَرٍ. وَهُوَ الْخَفِيفُ مِنْهُ. وَالثَّانِي: أَنْ
يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ
لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [
الْمُطَفِّفِينَ: 4 - 6 ]. وَقَدْ ثَبَتَ فِي
" الصَّحِيحِ ": أَنَّهُمْ
" يَقُومُونَ فِي الرَّشْحِ - أَيْ فِي الْعَرَقِ - إِلَى أَنْصَافِ
آذَانِهِمْ ". وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: أَنَّهُمْ يَتَفَاوَتُونَ فِي
ذَلِكَ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ،
كَمَا سَيَأْتِي،أَنَّ الشَّمْسَ تُدْنَى مِنَ الْعِبَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
فَتَكُونُ مِنْهُمْ عَلَى مَسَافَةِ مِيلٍ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَعْرَقُونَ بِحَسَبِ
أَعْمَالِهِمْ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
إِنَّ الْعَرَقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيَذْهَبُ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ بَاعًا،
وَإِنَّهُ لَيَبْلُغُ إِلَى أَفْوَاهِ النَّاسِ، أَوْ إِلَى آذَانِهِمْ ".
شَكَّ ثَوْرٌ أَيَّهُمَا قَالَ. وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي
الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ،
حَدَّثَنِي أَبِي،عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: جَلَسْتُ
إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا
لِصَاحِبِهِ: أَيُّ شَيْءٍ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَذْكُرُ أَنَّهُ يَبْلُغُ الْعَرَقُ مِنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إِلَى شَحْمَتِهِ. وَقَالَ الْآخَرُ: يُلْجِمُهُ. فَخَطَّ
ابْنُ عُمَرَ، وَأَشَارَ أَبُو عَاصِمٍ بِأُصْبُعِهِ، مِنْ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى
فِيهِ، فَقَالَ: مَا أَرَى ذَلِكَ إِلَّا سَوَاءً. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ،
وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى،
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ
بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنِي الْمِقْدَادُ بْنُ
الْأَسْوَدِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُدْنِيَتِ الشَّمْسُ مِنَ الْعِبَادِ،
حَتَّى تَكُونَ قِيدَ مِيلٍ، أَوْ مِيلَيْنِ ". قَالَ سُلَيْمٌ: لَا أَدْرِي
أَيَّ الْمِيلَيْنِ أَرَادَ؟ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ، أَمِ الْمِيلَ الَّذِي
تُكْحَلُ بِهِ الْعَيْنُ ؟ قَالَ: " فَتَصْهَرُهُمُ الشَّمْسُ، فَيَكُونُونَ
فِي الْعَرَقِ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ الْعَرَقُ
إِلَى عَقِبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ
مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى حِقْوَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ إِلْجَامًا ".
قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ إِلَى
فِيهِ، قَالَ: " يُلْجِمُهُ إِلْجَامًا ". وَكَذَا رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ
نَصْرٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُوسَى، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ،
عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، بِهِ نَحْوَهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ الْعَيْزَارِ، قَالَ: إِنَّ الْأَقْدَامَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ
النَّبْلِ فِي الْقَرْنِ، وَالسَّعِيدُ الَّذِي يَجِدُ لِقَدَمِهِ مَوْضِعًا
يَضَعُهُمَا فِيهِ، وَإِنَّ الشَّمْسَ لَتُدْنَى مِنْ رُءُوسِهِمْ، حَتَّى يَكُونَ
بَيْنَهَا وَبَيْنَ رُءُوسِهِمْ - إِمَّا قَالَ: مِيلًا. أَوْ: مِيلَيْنِ -
وَيُزَادُ فِي حَرِّهَا تِسْعَةً وَسِتِّينَ ضِعْفًا. وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ
مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُغِيثِ بْنِ سُمَيٍّ، قَالَ:
تَرْكُدُ الشَّمْسُ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ عَلَى أَذْرُعٍ، وَتُفْتَحُ أَبْوَابُ
جَهَنَّمَ، فَتَهُبُّ عَلَيْهِمْ رِيَاحُهَا وَسَمُومُهَا وَيَخْرُجُ عَلَيْهِمْ
نَفَحَاتُهَا، حَتَّى تَجْرِيَ الْأَنْهَارُ مِنْ عَرَقِهِمْ أَنْتَنَ مِنَ
الْجِيَفِ، وَالصَّائِمُونَ فِي جَنَّاتِهِمْ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ
عَطَاءٍ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عِيسَى الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْعَرَقَ لَيَلْزَمُ الْمَرْءَ فِي الْمَوْقِفِ حَتَّى
يَقُولَ: يَا رَبِّ، إِرْسَالُكَ بِي إِلَى النَّارِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِمَّا
أَجِدُ. وَهُوَ يَعْلَمُ مَا فِيهَا مِنْ شِدَّةِ الْعَذَابِ ". إِسْنَادُهُ
ضَعِيفٌ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ
اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ - وَفِي رِوَايَةٍ: إِلَّا
ظِلُّ عَرْشِهِ - إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ،
وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ
إِلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي
أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ
وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا
تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا أَنْفَقَتْ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا
فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، وَيَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ،
قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ أَبِي
عِمْرَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَنِ السَّابِقُونَ إِلَى ظِلِّ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ " قَالُوا: اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " الَّذِينَ إِذَا أُعْطُوا الْحَقَّ
قَبِلُوهُ، وَإِذَا سُئِلُوهُ بَذَلُوهُ، وَحَكَمُوا لِلنَّاسِ كَحُكْمِهِمْ
لِأَنْفُسِهِمْ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ مُقَارِبٌ، فِيهِ
ابْنُ لَهِيعَةَ وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَشَيْخُهُ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ.
هَذَا كُلُّهُ وَالنَّاسُ مَوْقُوفُونَ فِي مَقَامٍ ضَنْكٍ ضَيِّقٍ حَرِجٍ شَدِيدٍ
صَعْبٍ، إِلَّا
عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ
عَلَيْهِ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَيَّ
الْقَيُّومَ أَنْ يُهَوِّنَ عَلَيْنَا ذَلِكَ الْمَقَامَ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ
عَلَيْنَا يَسِيرًا بَرْدًا وَسَلَامًا، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ضِيقِ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنَا مَخْرَجًا مِنْ ذَلِكَ، وَنَسْأَلُكَ أَنْ
تُوَسِّعَ عَلَيْنَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مَعَ
الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا
الضَّالِّينَ، آمِينَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغُ، هُوَ
ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، حَدَّثَنِي
رَبِيعَةُ، هُوَ ابْنُ عَمْرٍو الْجُرَشِيُّ الشَّامِيُّ، قَالَ:سَأَلْتُ
عَائِشَةَ فَقُلْتُ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ وَبِمَ كَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ؟
قَالَتْ: كَانَ يُكَبِّرُ عَشْرًا، وَيَحْمَدُ عَشْرًا، وَيُهَلِّلُ عَشْرًا،
وَيَسْتَغْفِرُ عَشْرًا، وَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَاهْدِنِي،
وَارْزُقْنِي ". عَشْرًا، وَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ
مِنَ الضِّيقِ يَوْمَ الْحِسَابِ ". عَشْرًا.
وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي " الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ " عَنْ
أَبِي دَاوُدَ الْحَرَّانِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، بِإِسْنَادِهِ
مِثْلَهُ، وَعِنْدَهُ: " مِنْ ضِيقِ الْمَقَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ، حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ سَلَمَةَ
الْأَحْمَرُ، سَمِعْتُ ابْنَ السَّمَّاكِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا وَاعِظٍ
الزَّاهِدَ يَقُولُ: يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ يَتَسَكَّعُونَ فِي
الظُّلُمَاتِ أَلْفَ عَامٍ، وَالْأَرْضُ يَوْمَئِذٍ نَارٌ كُلُّهَا، وَإِنَّ
أَسْعَدَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ مَنْ وَجَدَ لِقَدَمِهِ مَوْضِعًا.
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سُفْيَانَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ نُفَيْلٍ،
عَنِ النَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ النَّاسَ إِذَا خَرَجُوا
مِنْ قُبُورِهِمْ كَانَ شِعَارُهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَكَانَتْ أَوَّلُ
كَلِمَةٍ يَقُولُهَا بَرُّهُمْ وَفَاجِرُهُمْ: رَبَّنَا ارْحَمْنَا.
وَحَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ
سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ
هَكَذَا. وَنَكَّسَ رَأْسَهُ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى كُوعِهِ
الْيُسْرَى.
وَحَدَّثَنِي عِصْمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، عَنِ
الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ سَيَّارًا
الشَّامِيَّ قَالَ: يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ وَكُلُّهُمْ مَذْعُورُونَ،
فَيُنَادِيهِمْ مُنَادٍ: يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا
أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [ الزُّخْرُفِ: 68 ]. فَيَطْمَعُ فِيهَا الْخَلْقُ
فَيُتْبِعُهَا: الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ
[ الزُّخْرُفِ: 69 ]. فَيَيْأَسُ
مِنْهَا الْخَلْقُ غَيْرُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ.
وَرَوَى مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْشَةٌ فِي
قُبُورِهِمْ، وَلَا يَوْمَ نُشُورِهِمْ، وَكَأَنِّي بِأَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ يَنْفُضُونَ التُّرَابَ عَنْ رُءُوسِهِمْ، وَيَقُولُونَ: الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [ فَاطِرٍ: 34 ].
قُلْتُ: وَلَهُ شَاهِدٌ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ
الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ
الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ: وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [
الْأَنْبِيَاءِ: 101 - 104 ].
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ الصَّفَّارُ،
حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عِيسَى
الْيَشْكُرِيُّ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُعِثَ مِنْ قَبْرِهِ
تَلَقَّاهُ مَلَكَانِ، مَعَ أَحَدِهِمَا دِيبَاجَةٌ فِيهَا بَرَدٌ وَمِسْكٌ،
وَمَعَ الْآخَرِ كُوبٌ مِنْ أَكْوَابِ الْجَنَّةِ فِيهِ شَرَابٌ، فَإِذَا خَرَجَ
مِنْ قَبْرِهِ خَلَطَ الْمَلِكُ ذَلِكَ الْبَرَدَ بِالْمِسْكِ فَرَشَّهُ عَلَيْهِ،
وَصَبَّ لَهُ الْآخَرُ شَرْبَةً فَيُنَاوِلُهُ إِيَّاهَا، فَيَشْرَبُهَا فَلَا
يَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ.
فَأَمَّا الْأَشْقِيَاءُ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ
قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
مُهْتَدُونَ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ
الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ
ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ
[ الزُّخْرُفِ: 36 - 39 ].
وَذَكَرْنَا فِي " التَّفْسِيرِ " أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا قَامَ مِنْ
قَبْرِهِ أَخَذَ بِيَدِهِ شَيْطَانُهُ، وَيَلْزَمُهُ فَلَا يُفَارِقُهُ، حَتَّى
يُرْمَى بِهِمَا فِي النَّارِ، وَهَكَذَا كُلُّ فَاجِرٍ وَفَاسِقٍ غَافِلٍ عَنْ
ذِكْرِ اللَّهِ، مُضَيِّعٍ لِأَمْرِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ
مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ [ ق: 21 ]. أَيْ: مَلَكٌ يَسُوقُهُ إِلَى الْمَحْشَرِ،
وَآخَرُ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِأَعْمَالِهِ وَهَذَا عَامٌّ فِي الْأَبْرَارِ
وَالْفُجَّارِ، وَكُلٌّ بِحَسَبِهِ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا أَيْ:
أَيُّهَا الْإِنْسَانُ الْغَافِلُ عَمَّا خُلِقَ لَهُ فَكَشَفْنَا عَنْكَ
غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ ق: 22 ]. أَيْ: نَافِذٌ قَوِيٌّ حَادٌّ
وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ [ ق: 23 ]. أَيْ: هَذَا الَّذِي
جِئْتُ بِهِ هُوَ الَّذِي وُكِّلْتُ بِهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ
ذَلِكَ لِلسَّائِقِ وَالشَّهِيدِ: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ [ ق: 24، 25 ]. أَيْ: لَيْسَ فِيهِ خَيْرٌ،
وَيَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ مُرِيبٌ أَيْ: هُوَ فِي
شَكٍّ وَرَيْبٍ. ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى مَنْ هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِأَعْظَمَ مِنْ
ذَلِكَ، وَقَدْ تَجْتَمِعُ فِي الْعَبْدِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْمُومَةُ
الْمَقْبُوحَةُ، الَّتِي هِيَ أَقْبَحُ الْخِصَالِ، وَأَعْظَمُهَا، وَأَقْبَحُهَا
الشِّرْكُ بِاللَّهِ، فَقَالَ تَعَالَى: الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا
آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ
نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ ق: 26 - 30
]. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ
الْقَطَّانُ، عَنِ ابْنِ
عَجْلَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: يُحْشَرُ الْمتُكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ
الذَّرِّ فِي صُوَرِ النَّاسِ، يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ، مِنَ الصَّغَارِ، حَتَّى
يَدْخُلُوا سِجْنًا فِي جَهَنَّمَ، يُقَالُ لَهُ: بُولَسُ. فتَعْلُوهُمْ نَارُ
الْأَنْيَارِ، فَيُسْقَوْنَ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا عَنْ سُوَيْدِ بْنِ نَصْرٍ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، بِهِ،
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عُثْمَانَ الْعُقَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ فِي
صُوَرِ الذَّرِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". ثُمَّ قَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ
مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ شَيْخِهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي " أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ
": حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجُشَمِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى
بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ، أَنْبَا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ
بْنِ حُصَيْنٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي
بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَقَدْ
تَفَاوَتَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ السَّيْرُ، فَرَفَعَ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ صَوْتَهُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ الْحَجِّ: 1، 2 ]. فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ حَثُّوا الْمَطِيَّ، وَعَلِمُوا أَنَّهُ عِنْدَ قَوْلٍ يَقُولُهُ، فَلَمَّا تَأَشَّبُوا حَوْلَهُ، قَالَ: " أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ ذَاكَ ؟ ذَاكَ يَوْمُ يُنَادَى آدَمُ يُنَادِيهِ رَبُّهُ ؟ يَقُولُ: يَا آدَمُ، ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ. قَالَ: يَا رَبِّ، وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ إِلَى النَّارِ، وَوَاحِدٌ إِلَى الْجَنَّةِ ". قَالَ: فَأُبْلِسَ أَصْحَابُهُ حَتَّى مَا أَوْضَحُوا بِضَاحِكَةٍ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: " اعْمَلُوا، وَأَبْشِرُوا، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَمَعَ خَلِيقَتَيْنِ مَا كَانَتَا مَعَ شَيْءٍ إِلَّا كَثَّرَتَاهُ، يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَمَنْ هَلَكَ مِنْ بَنِي آدَمَ وَمِنْ بَنِي إِبْلِيسَ ". قَالَ: فَسُرِّيَ عَنْهُمْ، ثُمَّ قَالَ: " اعْمَلُوا، وَأَبْشِرُوا، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلَّا كَالشَّامَةِ فِي جَنْبِ الْبَعِيرِ، أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الدَّابَّةِ ". وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَّائِيُّ جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ بُنْدَارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ،: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
فَصْلٌ ( إِذَا قَامَ النَّاسُ مِنْ
قُبُورِهِمْ وَجَدُوا الْأَرْضَ غَيْرَ صِفَةِ الْأَرْضِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا )
فَإِذَا قَامَ النَّاسُ مِنْ قُبُورِهِمْ وَجَدُوا الْأَرْضَ غَيْرَ صِفَةِ
الْأَرْضِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا وَفَارَقُوهَا، قَدْ دُكَّتْ جِبَالُهَا،
وَزَالَتْ تِلَالُهَا، وَتَغَيَّرَتْ أَحْوَالُهَا، وَانْقَطَعَتْ أَنْهَارُهَا،
وَبَادَتْ أَشْجَارُهَا، وَمَسَاكِنُهَا، وَمُدُنُهَا، وَبِلَادُهَا، وَسُجِّرَتْ
بِحَارُهَا، وَتَسَاوَتْ وِهَادُهَا، وَرُبَاهَا، وَخَرِبَتْ مَدَائِنُهَا،
وَقُرَاهَا، وَزَالَتْ قُصُورُهَا، وَبُيُوتُهَا، وَأَسْوَاقُهَا، وَزُلْزِلَتْ
زِلْزَالَهَا، وَأَخْرَجَتْ أَثْقَالَهَا، وَقَالَ الْإِنْسَانُ: مَالَهَا ؟!
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا، وَكَذَلِكَ
يَجِدُونَ السَّمَاوَاتِ قَدْ بُدِّلَتْ، وَنُجُومُهَا قَدِ انْكَدَرَتْ
وَانْتَثَرَتْ، وَنَوَاحِيهَا قَدْ تَشَقَّقَتْ، وَأَرْجَاؤُهَا قَدْ تَفَطَّرَتْ،
وَالْمَلَائِكَةُ عَلَى أَرْجَائِهَا قَدْ أَحْدَقَتْ، وَشَمْسُهَا وَقَمَرُهَا
مَكْسُوفَانِ، بَلْ مَخْسُوفَانِ، وَفِي مَكَانٍ وَاحِدٍ مَجْمُوعَانِ، ثُمَّ
يُكَوَّرَانِ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُلْقَيَانِ فِي النَّارِ، كَمَا فِي
الْحَدِيثِ الَّذِي سَنُورِدُهُ فِي " النِّيرَانِ " كأَنَّهُمَا
ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ.
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَخْرُجُونَ مِنْ
قُبُورِهِمْ، فَيَنْظُرُونَ إِلَى الْأَرْضِ غَيْرَ الْأَرْضِ الَّتِي عَهِدُوهَا،
وَإِلَى النَّاسِ غَيْرَ النَّاسِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْرِفُونَ وَيَعْهَدُونَ.
قَالَ: ثُمَّ تَمَثَّلَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
فَمَا النَّاسُ بِالنَّاسِ الَّذِينَ عَهِدْتَهُمْ وَلَا الدَّارُ بِالدَّارِ
الَّتِي كُنْتَ تَعْرِفُ
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ
وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [ إِبْرَاهِيمَ: 48 ].
وَقَالَ: يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا
الطُّورِ: [ 9، 10 ]. وَقَالَ: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً
كَالدِّهَانِ
[ الرَّحْمَنِ: 137 ]. وَقَالَ:
وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ
وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ [ الْحَاقَّةِ: 14، 15 ]. وَقَالَ تَعَالَى: إِذَا
الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ
الْآيَاتِ [ التَّكْوِيرِ: 1 - 3 ].
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ
سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ
كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ، لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لِأَحَدٍ ".
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: تُبَدَّلُ الْأَرْضُ
خُبْزَةً بَيْضَاءَ، يَأْكُلُ مِنْهَا الْمُؤْمِنُ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: الْأَرْضُ
كُلُّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَارٌ، وَالْجَنَّةُ مِنْ وَرَائِهَا تُرَى
كَوَاعِبُهَا وَأَكْوَابُهَا، وَيُلْجِمُهُمُ الْعَرَقُ، وَيَبْلُغُ مِنْهُمْ
كُلَّ مَبْلَغٍ، وَلَمْ يَبْلُغُوا الْحِسَابَ. وَكَذَا رَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنِ
الْمِنْهَالِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّكَنِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرَهُ.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ وَشُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
مَيْمُونٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ
الْأَرْضِ [ إِبْرَاهِيمَ: 48 ]. قَالَ: أَرْضٌ بَيْضَاءُ كَالْفِضَّةِ
الْبَيْضَاءِ، نَقِيَّةٌ لَمْ يُسْفَكْ فِيهَا دَمٌ، وَلَمْ يُعْمَلْ فِيهَا
خَطِيئَةٌ، يَنْفُذُهُمُ
الْبَصَرُ، وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي،
حُفَاةً عُرَاةً كَمَا خُلِقُوا. أُرَاهُ قَالَ: قِيَامًا حَتَّى يُلْجِمَهُمُ
الْعَرَقُ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ
بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ:قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ
وَالسَّمَاوَاتُ أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ؟ قَالَ: " إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ مَا
سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي قَبْلَكِ؟ النَّاسُ عَلَى الصِّرَاطِ ".
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ،
أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ، قَالَ: قَالَتْ
عَائِشَةُ، فَذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ قَتَادَةُ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ بِلَالٍ
الْمُزَنِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، بِمِثْلِ هَذَا سَوَاءً.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَنْبَأَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَرِيرٍ
الْعَتَكِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ الصَّيْرَفِيُّ، أَنْبَأَ
الْفَضْلُ بْنُ مَعْرُوفٍ الْقُطَعِيُّ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ فِي حِجْرِي بَكَيْتُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ:
" مَا أَبْكَاكِ ؟ " قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، ذَكَرْتُ قَوْلَ
اللَّهِ: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ. أَيْنَ
النَّاسُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ: " النَّاسُ يَوْمَئِذٍ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ،
وَالْمَلَائِكَةُ وُقُوفٌ تَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ. فَمِنْ بَيْنِ زَالٍّ
وَزَالَّةٍ ". هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، لَمْ يُخَرِّجْهُ
أَحْمَدُ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ
أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ
دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ،عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ:
أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ
وَالسَّمَاوَاتُ. قَالَتْ: قُلْتُ: أَيْنَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ قَالَ: " عَلَى الصِّرَاطِ ".
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ
بْنِ أَبِي هِنْدٍ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ،
عَنْ عَفَّانَ، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْهَا، وَلَمْ
يَذْكُرْ مَسْرُوقًا.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، ثُمَّ قَالَتْ:
أَيْنَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " هُمْ عَلَى مَتْنِ
جَهَنَّمَ ".
وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَامٍ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ،
عَنْ ثَوْبَانَ،أَنَّ حَبْرًا مِنَ الْيَهُودِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ
تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ
".
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي
ابْنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ،
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ ثَوْبَانَ الْكَلَاعِيُّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ
الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَبْرٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذْ يَقُولُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ:
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ فَأَيْنَ الْخَلْقُ
عِنْدَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: " أَضْيَافُ اللَّهِ، فَلَنْ يُعْجِزَهُمْ مَا
لَدَيْهِ ". وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ
بْنِ أَبِي مَرْيَمَ.
وَقَدْ يَكُونُ هَذَا التَّبْدِيلُ بَعْدَ الْمَحْشَرِ، وَيَكُونُ تَبْدِيلًا
ثَانِيًا إِلَى صِفَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْأُولَى، وَبَعْدَهَا، وَاللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَخْبَرَنَا يُوسُفُ
بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ
مَالِكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُجَاشِعٍ، يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الْكَرِيمِ.
أَوْ يُكَنَّى بِأَبِي عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: أَقَامَنِي عَلَى رَجُلٍ
بِخُرَاسَانَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي هَذَا أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ
وَالسَّمَاوَاتُ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْأَرْضَ تُبَدَّلُ فِضَّةً،
وَالسَّمَاوَاتِ ذَهَبًا. وَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، وَمُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ وَغَيْرِهِمْ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ طُولِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ،
وَمَا وَرَدَ فِي مِقْدَارِهِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ
اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا
تَعُدُّونَ [ الْحَجِّ: 47 ]. قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: هُوَ يَوْمُ
الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ تَعَالَى: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ إِلَى قَوْلِهِ: فَاصْبِرْ
صَبْرًا جَمِيلًا [ الْمَعَارِجِ: 1 - 5 ].
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " التَّفْسِيرِ " اخْتِلَافَ السَّلَفِ
وَالْخَلَفِ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ، فَرَوَى لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ
وَغَيْرُهُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: ذَلِكَ مِقْدَارُ
مَا بَيْنَ الْعَرْشِ إِلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى
الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ
مِمَّا تَعُدُّونَ [ السَّجْدَةِ: 5 ]. يَعْنِي بِذَلِكَ نُزُولَ الْأَمْرِ مِنَ
السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَمِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، لِأَنَّ مَا
بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ. رَوَاهُ ابْنُ
أَبِي حَاتِمٍ.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا، وَذَهَبَ إِلَيْهِ الْفَرَّاءُ،
وَقَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ، فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْحَافِظُ
أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ " الْبَعْثِ
وَالنُّشُورِ "، قَالَ
الْحَلِيمِيُّ: فَالْمَلَكُ يَقْطَعُ هَذِهِ الْمَسَافَةَ فِي بَعْضِ يَوْمٍ،
وَلَوْ أَنَّهَا مَسَافَةٌ يُمْكِنُ الْبَشَرَ قَطْعُهَا لَمْ يَتَمَكَّنْ أَحَدٌ
مِنْ قَطْعِهَا إِلَّا فِي مِقْدَارِ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. قَالَ: وَلَيْسَ
هَذَا مِنْ تَقْدِيرِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِسَبِيلٍ، بَلْ هَذَا مِقْدَارُ مَا
بَيْنَ الْعَرْشِ إِلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ. وَرَجَّحَ الْحَلِيمِيُّ هَذَا
بِقَوْلِهِ تَعَالَى: مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ
وَالرُّوحُ إِلَيْهِ [ الْمَعَارِجِ: 3، 4 ] وَذِي الْمَعَارِجِ: أَيِ الْعُلُوِّ
وَالْعَظَمَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ [
غَافِرٍ: 15 ] ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ
إِلَيْهِ أَيْ فِي مَسَافَةٍ كَانَ مِقْدَارُهَا خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، أَيْ
بُعْدُهَا وَاتِّسَاعُهَا هَذِهِ الْمُدَّةُ.
فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمُرَادِ بِذَلِكَ: مَسَافَةُ الْمَكَانِ. هَذَا
قَوْلٌ. وَقَدْ حَاوَلَ الْبَيْهَقِيُّ الْجَمْعَ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ
قَوْلِهِ: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقْطَعُ هَذِهِ
الْمَسَافَةَ فِي الدُّنْيَا فِي أَلْفِ سَنَةٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ
الْقِيَامَةِ لَا تَقْطَعُهَا إِلَّا فِي خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ؟ لِمَا
يُشَاهِدُونَ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَعَظَمَتِهِ، وَغَضَبِ الرَّبِّ
عَزَّ وَجَلَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مُدَّةُ عُمْرِ الدُّنْيَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "
تَفْسِيرِهِ ": حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. قَالَ:
الدُّنْيَا عُمْرُهَا خَمْسُونَ
أَلْفَ سَنَةٍ، ذَلِكَ عُمْرُهَا
يَوْمَ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى يَوْمًا: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ
إِلَيْهِ قَالَ: الْيَوْمُ الدُّنْيَا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: فِي يَوْمٍ
كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَا: الدُّنْيَا مِنْ أَوَّلِهَا
إِلَى آخِرِهَا خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ، لَا يَدْرِي أَحَدٌ كَمْ مَضَى، وَلَا
كَمْ بَقِيَ إِلَّا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ. وَذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ
طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، بِهِ. وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ
جِدًّا، لَا يُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ فَصْلُ مَا بَيْنَ
الدُّنْيَا وَيَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَهُوَ مُدَّةُ الْمَقَامِ فِي الْبَرْزَخِ.
رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَهُوَ
غَرِيبٌ أَيْضًا.
الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مِقْدَارُ الْفَصْلِ بَيْنَ
الْعِبَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ سِنَانٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ
إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي يَوْمٍ
كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. قَالَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إِسْنَادُهُ
صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مِنْ قَوْلِهِ،
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَالضَّحَّاكُ، وَابْنُ زَيْدٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ وَاقِعٍ،
حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ، قَالَ:
يَقُومُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَرْبَعِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَيُقْضَى
بَيْنَهُمْ فِي مِقْدَارِ عَشَرَةِ آلَافِ سَنَةٍ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ
جَعَلَهُ اللَّهُ عَلَى الْكَافِرِينَ مِقْدَارَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ فِي " تَفْسِيرِهِ "، وَهُوَ يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَوْ وَلِيَ مُحَاسَبَةَ الْعِبَادِ غَيْرُ
اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَفْرُغْ فِي خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَفِيمَا ذَكَرَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ،
قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: مَا ظَنُّكَ بِيَوْمٍ قَامَ الْعِبَادُ فِيهِ عَلَى
أَقْدَامِهِمْ مِقْدَارَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، لَمْ يَأْكُلُوا فِيهَا
أَكْلَةً، وَلَمْ يَشْرَبُوا فِيهَا شَرْبَةً، حَتَّى تَقَطَّعَتْ أَعْنَاقُهُمْ
عَطَشًا، وَاحْتَرَقَتْ أَجْوَافُهُمْ جُوعًا، ثُمَّ انْصُرِفَ بِهِمْ إِلَى
النَّارِ، فَسُقُوا مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ، قَدْ أَنَى حَرُّهَا، وَاشْتَدَّ
نُضْجُهَا. وَقَدْ وَرَدَ هَذَا فِي أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةٍ، فَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ
لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا دَرَّاجٌ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،
قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:يَوْمٌ كَانَ
مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ؟ مَا أَطْوَلَ هَذَا الْيَوْمَ ! فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ، إِنَّهُ لِيُخَفَّفُ عَلَى الْمُؤْمِنِ، حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ
مِنْ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ
يُصَلِّيهَا فِي الدُّنْيَا ".
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي " تَفْسِيرِهِ "، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ
الْأَعْلَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاجٍ،
بِهِ. وَدَرَّاجٌ أَبُو السَّمْحِ وَشَيْخُهُ أَبُو الْهَيْثَمِ سُلَيْمَانُ بْنُ
عَمْرٍو الْعُتْوَارِيُّ، ضَعِيفَانِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
بِلَفْظٍ آخَرَ، وَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ
الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ،
حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ سُلَيْمَانَ
الْحَضْرَمِيُّ - وَكَانَ رَجُلًا مِنَ الْخَائِفِينَ - قَالَ: سَمِعْتُ دَرَّاجًا
أَبَا السَّمْحِ يُخْبِرُ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،
أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
أَخْبِرْنِي مَنْ يَقْوَى عَلَى الْقِيَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِي قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ
الْمُطَفِّفِينَ: 6 فَقَالَ: " يُخَفَّفُ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ
كَالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ ".
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: إِنَّ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ كَرَاسِيَّ مِنْ نُورٍ، يَجْلِسُونَ عَلَيْهَا، وَيُظَلَّلُ
عَلَيْهِمُ الْغَمَائِمُ، وَيَكُونُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِمْ كَسَاعَةٍ
مِنْ نَهَارٍ، أَوْ كَأَحَدِ طَرَفَيْهِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي
" الْأَهْوَالِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ،
عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ صَاحِبِ
كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهُ إِلَّا جُعِلَ كَنْزُهُ صَفَائِحَ يُحْمَى عَلَيْهَا
فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَتُكْوَى بِهَا
جَبْهَتُهُ، وَجَنْبُهُ، وَظَهْرُهُ،
حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ
خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى
الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ... ". وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ
فِي مَانِعِ زَكَاةِ الْغَنَمِ، وَالْإِبِلِ، أَنَّهُ يُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ
قَرْقَرٍ، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا،
كُلَّمَا مَرَّتْ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا أُعِيدَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، حَتَّى
يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنَ الْعِبَادِ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ
أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ
وَإِمَّا إِلَى النَّارِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ ":
أَخْبَرَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، وَكَانَ ثِقَةً، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ
أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ
حَدِيثِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُخْتَارِ،
كِلَاهُمَا عَنْ سُهَيْلٍ، بِهِ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ
حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا فِي الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ،
وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي عُمَرَ الْغُدَانِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ كَانَتْ لَهُ
إِبِلٌ لَا يُعْطِي حَقَّهَا فِي
نَجْدَتِها وَرِسْلِهَا - يَعْنِي فِي
عُسْرِهَا وَيُسْرِهَا - فَإِنَّهَا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَغَذِّ مَا
كَانَتْ وَأَكْبَرِهِ وَأَسْمَنِهِ وَآشَرِهِ، حَتَّى يُبْطَحَ لَهَا بِقَاعٍ
قَرْقَرٍ، فَتَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، إِذَا جَاوَزَتْهُ أُخْرَاهَا أُعِيدَتْ
عَلَيْهِ أُولَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ،
حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ. وَإِذَا كَانَتْ لَهُ بَقَرٌ
لَا يُعْطِي حَقَّهَا فِي نَجْدَتِهَا وَرِسْلِهَا، فَإِنَّهَا تَأْتِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ كَأَغَذِّ مَا كَانَتْ وَأَكْبَرِهِ وَأَسْمَنِهِ وَآشَرِهِ، ثُمَّ
يُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، فَتَطَؤُهُ كُلُّ ذَاتِ ظِلْفٍ بِظِلْفِهَا،
وَتَنْطَحُهُ كُلُّ ذَاتِ قَرْنٍ بِقَرْنِهَا، لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلَا
عَضْبَاءُ، إِذَا جَاوَزَتْهُ أُخْرَاهَا أُعِيدَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، فِي
يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ
النَّاسِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ. وَإِذَا كَانَ لَهُ غَنَمٌ لَا يُعْطِي حَقَّهَا فِي
نَجْدَتِهَا وَرِسْلِهَا، فَإِنَّهَا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَغَذِّ مَا
كَانَتْ وَأَكْبَرِهِ وَأَسْمَنِهِ وَآشَرِهِ، حَتَّى يُبْطَحَ لَهَا بِقَاعٍ
قَرْقَرٍ فَتَطَؤُهُ كُلُّ ذَاتِ ظِلْفٍ بِظِلْفِهَا، وَتَنْطَحُهُ كُلُّ ذَاتِ
قَرْنٍ بِقَرْنِهَا، لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلَا عَضْبَاءُ، إِذَا جَاوَزَتْهُ
أُخْرَاهَا أُعِيدَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ
أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ ".
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا تَقْدِيرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ
بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ لَا
يَكُونُ ذَلِكَ كَذَلِكَ إِلَّا عَلَى الَّذِي لَا يُغْفَرُ لَهُ، فَأَمَّا مَنْ
غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، أَخْبَرَنَا
أَبُو الْمُوَجِّهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، هُوَ
ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كَقَدْرِ
مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. ثُمَّ قَالَ: هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ، وَقَدْ
رُوِيَ مَرْفُوعًا، أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ بِمَرْوَ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ سَاسُوَيْهِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ
نَصْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مَرْفُوعًا.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى،
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ
أَبِي هَانِئٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو، قَالَ:تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هَذِهِ الْآيَةَ: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [
الْمُطَفِّفِينَ: 6 ]. قَالَ: " كَيْفَ بِكُمْ إِذَا جَمَعَكُمُ اللَّهُ
كَمَا يُجْمَعُ النَّبْلُ فِي الْكِنَانَةِ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ لَا يَنْظُرُ
إِلَيْكُمْ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَيْسَرَةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ
أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَا يَنْتَصِفُ
النَّهَارُ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقِيلَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، ثُمَّ
قَرَأَ: ( ثُمَّ إِنَّ مَقِيلَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ ). قَالَ ابْنُ
الْمُبَارَكِ: هَكَذَا هِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَيْسَرَةَ
النَّهْدِيِّ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: [ الْفُرْقَانِ: 24 ]. قَالَ: لَا
يَنْتَصِفُ النَّهَارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقِيلَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ.
ذِكْرُ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الَّذِي خُصَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
وَمِنْ ذَلِكَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى فِي أَهْلِ الْمَوْقِفِ، لِيَجِيءَ
الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَفْصِلَ بَيْنَهُمْ، وَيُرِيحَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذَلِكَ
الْحَالِ إِلَى حُسْنِ الْمَآلِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى
أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [ الْإِسْرَاءِ: 79 ].
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ
أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ
قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ
التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ
وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدَتْهُ حَلَّتْ لَهُ
شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". انْفَرَدَ بِهِ دُونَ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، وَهُوَ ابْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الزَّعَافِرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ
مَقَامًا مَحْمُودًا [ الْإِسْرَاءِ: 79 ]. قَالَ: " الشَّفَاعَةُ ". إِسْنَادُهُ
حَسَنٌ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ،
وَغَيْرِهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ: أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي ;
نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَلَمْ
تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا،
فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ،
وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً،
وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً ".
فَقَوْلُهُ: " وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ ". يَعْنِي بِذَلِكَ
الشَّفَاعَةَ الَّتِي تُطْلَبُ مِنْ آدَمَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَاكُمْ،
اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَقُولُ لَهُمْ كَذَلِكَ وَيُرْشِدُهُمْ إِلَى
إِبْرَاهِيمَ، فَيُرْشِدُهُمْ إِلَى مُوسَى، فَيُرْشِدُهُمْ مُوسَى إِلَى عِيسَى،
فَيُرْشِدُهُمْ عِيسَى إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَيَقُولُ: " أَنَا لَهَا، أَنَا لَهَا ". وَسَيَأْتِي ذَلِكَ
مَبْسُوطًا فِي أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ، فِي إِخْرَاجِ الْعُصَاةِ مِنَ النَّارِ،
وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِطُولِهِ مَبْسُوطًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ
عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَنَا سَيِّدُ
وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ
مُشَفَّعٍ ". وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ; فِي حَدِيثِ
قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي، اللَّهُمَّ
اغْفِرْ لِأُمَّتِي، وَأَخَّرْتُ الثَّالِثَةَ لِيَوْمٍ يَرْغَبُ إِلَيَّ فِيهِ
الْخَلْقُ حَتَّى إِبْرَاهِيمُ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا
زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ
الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ كَنْتُ
إِمَامَ الْأَنْبِيَاءِ وَخَطِيبَهُمْ، وَصَاحِبَ شَفَاعَتِهِمْ غَيْرَ فَخْرٍ
".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ كَعْبِ
بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ؟
يُبْعَثُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ،
وَيَكْسُونِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ حُلَّةً خَضْرَاءَ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي;
فَأَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَقُولَ، فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ،
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي
حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ بِالسُّجُودِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ بِرَفْعِ رَأْسِهِ، فَأَنْظُرُ
إِلَى بَيْنِ يَدَيَّ، فَأَعْرِفُ أُمَّتِي مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ، وَمِنْ خَلْفِي
مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ يَمِينِي مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ شِمَالِي مِثْلُ ذَلِكَ
". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ
بَيْنِ الْأُمَمِ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ إِلَى أُمَّتِكِ؟ قَالَ: " هُمْ غُرٌّ
مُحَجَّلُونَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، لَيْسَ أَحَدٌ كَذَلِكَ غَيْرُهُمْ،
وَأَعْرِفُهُمْ أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ
تَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ذُرِّيَّتُهُمْ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا
حَرْبُ بْنُ مَيْمُونٍ; أَبُو الْخَطَّابِ الْأَنْصَارِيُّ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ،
عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنِّي لَقَائِمٌ، أَنْتَظِرُ أُمَّتِي حَتَّى تَعْبُرَ
الصِّرَاطَ إِذْ جَاءَنِي عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ:
هَذِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَدْ جَاءَتْكَ يَا مُحَمَّدُ يَسْأَلُونَكَ أَوْ قَالَ:
يَجْتَمِعُونَ إِلَيْكَ - يَدْعُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ
جَمِيعِ الْأُمَمِ إِلَى حَيْثُ يَشَاءُ اللَّهُ ; لِغَمِّ مَا هُمْ فِيهِ،
فَالْخَلْقُ مُلْجَمُونَ بِالْعَرَقِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَهُوَ عَلَيْهِ
كَالزُّكْمَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَغْشَاهُ الْمَوْتُ ". فَقَالَ:
" انْتَظِرْ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ ". فَذَهَبَ نَبِيُّ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " فَقَامَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَيَلْقَى
مَا لَمْ يَلْقَ مَلَكٌ
مُصْطَفًى، وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ.
" فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى جِبْرِيلَ أَنِ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَقُلْ
لَهُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَشَفَعْتُ فِي
أُمَّتِي، فَقَالَ: أَخْرِجْ مِنْ كُلِّ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا وَاحِدًا،
فَمَا زِلْتُ أَتَرَدَّدُ إِلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا أَقُومُ مِنْهُ
مَقَامًا إِلَّا شُفِّعْتُ، حَتَّى أَعْطَانِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ
أَنْ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ
شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَوْمًا وَاحِدًا مُخْلِصًا، وَمَاتَ عَلَى
ذَلِكَ ".
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ الْبُنَانِيِّ،
عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا، وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَإِنِّي لَأَقُومُ الْمَقَامَ
الْمَحْمُودَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا ذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ ؟ قَالَ: " ذَاكَ إِذَا
جِيءَ بِكُمْ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، فَيَكُونُ أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى
إِبْرَاهِيمُ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اكْسُوا خَلِيلِي، فَيُؤْتَى
بِرَيْطَتَيْنِ بَيْضَاوَيْنِ، فَيَلْبَسُهُمَا، ثُمَّ يَقْعُدُ مُسْتَقْبِلَ
الْعَرْشِ، ثُمَّ أُوتَى بِكِسْوَتِي، فَأَلْبَسُهَا، فَأَقُومُ عَنْ يَمِينِهِ
مَقَامًا لَا يَقُومُهُ أَحَدٌ، فَيَغْبِطُنِي بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ
". قَالَ: " وَيُفْتَحُ نَهْرٌ مِنَ الْكَوْثَرِ إِلَى الْحَوْضِ
". وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ فِي صِفَةِ الْحَوْضِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا.
وَذَكَرْنَا فِي " الْمُسْنَدِ الْكَبِيرِ " عَنْ حَيْدَةِ
الصَّحَابِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: " تُحْشَرُونَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ
الْخَلِيلُ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اكْسُوا خَلِيلِي. لِيَعْلَمَ النَّاسُ
فَضْلَهُ، ثُمَّ يُكْسَى النَّاسُ عَلَى قَدْرِ الْأَعْمَالِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَطُولُ عَلَى النَّاسِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ،
فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ،
فَلْيَشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَأْتُونَ آدَمَ،
فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْكَنَكَ
جَنَّتَهُ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكِ، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ:
إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا رَأْسَ النَّبِيِّينَ.
فَيَأْتُونَهُ، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكِ، فَلْيَقْضِ
بَيْنَنَا. فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ
خَلِيلَ اللَّهِ ". قَالَ: " فَيَأْتُونَهُ، فَيَقُولُونَ: يَا
إِبْرَاهِيمُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكِ، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ:
إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاهُ اللَّهُ
بِرِسَالَاتِهِ وَبِكَلَامِهِ ". قَالَ: " فَيَأْتُونَهُ، فَيَقُولُونَ:
يَا مُوسَى، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ:
إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ.
فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ،
فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا، فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا
مُحَمَّدًا ; فَإِنَّهُ خَاتَمُ اَلنَّبِيِّينَ، وَإِنَّهُ قَدْ حَضَرَ الْيَوْمَ
وَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. وَيَقُولُ
عِيسَى: أَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ مَتَاعٌ فِي وِعَاءٍ قَدْ خُتِمَ عَلَيْهِ، هَلْ
كَانَ
يُقْدَرُ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ
الْوِعَاءِ حَتَّى يُفَضَّ الْخَاتَمُ ؟ فَيَقُولُونَ: لَا. قَالَ: فَإِنَّ
مُحَمَّدًا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَيَأْتُونِي، فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، اشْفَعْ
لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَأَقُولُ: نَعَمْ، فَآتِي بَابَ
الْجَنَّةِ، فَآخُذُ بِحَلْقَةِ الْبَابِ، فَأَسْتَفْتِحُ، فَيُقَالُ: مَنْ
أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيُفْتَحُ لِي، فَأَخِرُّ سَاجِدًا، فَأَحْمَدُ
رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي،
وَلَا يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ بَعْدِي، فَيَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ،
وَقُلْ يُسْمَعْ مِنْكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: أَيْ
رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ: أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ
شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ ". قَالَ: " فَأُخْرِجُهُمْ، ثُمَّ أَخِرُّ
سَاجِدًا ". فَذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ. " فَيُقَالُ: أَخْرِجْ مَنْ كَانَ
فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ بُرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ، قَالَ: فَأُخْرِجُهُمْ، ثُمَّ
أَخِرُّ سَاجِدًا ". فَذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ. " فَيُقَالُ: أَخْرِجْ
مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ، قَالَ: فَأُخْرِجُهُمْ
". وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، نَحْوَهُ.
رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حِبَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو
زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أُتِيَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْمٍ، فَرَفَعَ إِلَيْهِ
الذِّرَاعَ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ،
فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً، ثُمَّ قَالَ: " أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَلَا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: أَلَا تَرَوْنَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ ؟ أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ ؟ أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: أَبُوكُمْ آدَمُ. فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ، فَسَجَدُوا لَكَ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ، فَعَصَيْتُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ. فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ اَلرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ نُوحٌ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكِ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ
غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ - وَذَكَرَ كَذَبَاتِهِ - نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى. فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَاتِهِ، وَبِتَكْلِيمِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ مُوسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى. فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ - قَالَ: هَكَذَا هُوَ - وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ عِيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبْ بَعْدَهُ مِثْلَهُ - وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا - اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ، فَيَأْتُونِي، فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَخَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَأَقُومُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَأْتِي سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ، وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِهِ، وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ: رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي. فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ
مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ
الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ
فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْأَبْوَابِ ". ثُمَّ قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسُ
مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَمَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا
بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى. أَخْرَجَاهُ فِي
" الصَّحِيحَيْنِ "، مِنْ حَدِيثٍ أَبِي حَيَّانَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ
بْنِ حَيَّانَ، بِهِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي " الْأَهْوَالِ "، عَنْ أَبِي
خَيْثَمَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي
زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ، وَزَادَ فِي السِّيَاقِ: " وَإِنِّي
أَخَافُ أَنْ يَطْرَحَنِي فِي النَّارِ، انْطَلِقُوا إِلَى غَيْرِي ". فِي
قِصَّةِ آدَمَ، وَنُوحٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَهِيَ زِيَادَةٌ
غَرِيبَةٌ جِدًّا، لَيْسَتْ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، وَلَا فِي
أَحَدِهِمَا، بَلْ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ بَقِيَّةِ " اَلسُّنَنِ "،
وَهِيَ مُنْكَرَةٌ جِدًّا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْمُنْذِرِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ قِطْعَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مِنْبَرِ
الْبَصْرَةِ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا لَهُ دَعْوَةٌ قَدْ تَنَجَّزَهَا فِي
الدُّنْيَا، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي، وَأَنَا
سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا
فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ
تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا
فَخْرَ، آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي وَلَا فَخْرَ، وَيَطُولُ يَوْمُ
الْقِيَامَةِ عَلَى اَلنَّاسِ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْطَلِقُوا بِنَا
إِلَى أَبِينَا، فَلْيَشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا.
فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ
بِيَدِهِ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، اشْفَعْ لَنَا
إِلَى رَبِّنَا، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ،
إِنِّي قَدْ أُخْرِجْتُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ
إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا رَأْسَ النَّبِيِّينَ. فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ، كَنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ إِلَى أَنْ قَالَ: " فَيَأْتُونِي،
فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا.
فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا، حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى،
فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَصْدَعَ بَيْنَ خَلْقِهِ، نَادَى مُنَادٍ: أَيْنَ
أَحْمَدُ وَأُمَّتُهُ؟ فَنَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ; آخِرُ الْأُمَمِ،
وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ، فَتُفْرِجُ لَنَا الْأُمَمُ طَرِيقًا، فَنَمْضِي غُرًّا
مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، فَتَقُولُ الْأُمُّ: كَادَتْ هَذِهِ
اَلْأُمَّةُ أَنْ تَكُونَ أَنْبِيَاءَ كُلُّهَا، فَآتِي بَابَ اَلْجَنَّةِ ".
وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ فِي الشَّفَاعَةِ، فِي عُصَاةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ هَكَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ،
مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنْ رِوَايَةِ
حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي فِي أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ.
وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ إِيرَادِ الْأَئِمَّةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي
أَكْثَرِ طُرُقِهِ، لَا يَذْكُرُونَ أَمْرَ الشَّفَاعَةِ الْأُولَى، فِي إِتْيَانِ
الرَّبِّ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، كَمَا وَرَدَ هَذَا فِي حَدِيثِ الصُّورِ، كَمَا
تَقَدَّمَ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْمَقَامِ.
وَمُقْتَضَى سِيَاقِ أَوَّلِ
الْحَدِيثِ ; فَإِنَّ النَّاسَ إِنَّمَا يَسْتَشْفِعُونَ إِلَى آدَمَ فَمَنْ
بَعْدَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي أَنْ يَفْصِلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ
النَّاسِ ؟ لِيَسْتَرِيحُوا مِنْ مَقَامِهِمْ ذَلِكَ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ
سِيَاقَاتُهُ مِنْ سَائِرِ طُرُقِهِ، فَإِذَا وَصَلُوا إِلَى الْمَحَزِّ إِنَّمَا
يَذْكُرُونَ الشَّفَاعَةَ فِي عُصَاةِ الْأُمَّةِ وَإِخْرَاجِهِمْ مِنَ النَّارِ،
وَكَأَنَّ مَقْصُودَ السَّلَفِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ مِنَ
الْحَدِيثِ هُوَ الرَّدُّ عَلَى الْخَوَارِجِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ، الَّذِينَ يُنْكِرُونَ خُرُوجَ أَحَدٍ مِنَ النَّارِ بَعْدَ دُخُولِهَا،
فَيَذْكُرُونَ هَذَا الْقَدْرَ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ النَّصُّ الصَّرِيحُ
فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنَ الْبِدْعَةِ
الْمُخَالِفَةِ لِلْأَحَادِيثِ، وَقَدْ جَاءَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ
الصُّورِ، كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ النَّاسَ يَذْهَبُونَ إِلَى آدَمَ، ثُمَّ إِلَى
نُوحٍ، ثُمَّ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ إِلَى مُوسَى، ثُمَّ إِلَى عِيسَى، ثُمَّ
يَأْتُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَذْهَبُ،
فَيَسْجُدُ لِلَّهِ تَحْتَ الْعَرْشِ فِي مَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: اَلْفَحْصُ. إِلَى
أَنْ قَالَ: " فَيَقُولُ: شَفَّعْتُكَ. أَنَا آتِيكُمْ فَأَقْضِي بَيْنَكُمْ
". قَالَ: " فَأَرْجِعُ، فَأَقِفُ مَعَ النَّاسِ ". إِلَى أَنْ
قَالَ: " فَيَضَعُ اللَّهُ كُرْسِيَّهُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ أَرْضِهِ ".
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَا مَعْمرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ
بْنِ الْحُسَيْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَدَّ
اللَّهُ الْأَرْضَ مَدَّ الْأَدِيمِ، حَتَّى لَا يَكُونَ لِبَشَرٍ مِنَ النَّاسِ
إِلَّا مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُدْعَى وَجِبْرِيلُ عَنْ
يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاللَّهِ مَا رَآهُ قَبْلَهَا، فَأَقُولُ:
أَيْ رَبِّ، إِنَّ هَذَا أَخْبَرَنِي أَنَّكَ أَرْسَلْتَهُ إِلَيَّ، فَيَقُولُ
اللَّهُ: صَدَقَ. ثُمَّ أَشْفَعُ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، عِبَادُكَ عَبَدُوكَ فِي
أَطْرَافِ الْأَرْضِ. فَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ ".
هَذَا مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ،
وَعِنْدِي أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: " عِبَادُكَ عَبَدُوكَ فِي أَطْرَافِ
الْأَرْضِ ". أَيْ وُقُوفٌ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ، أَيِ النَّاسُ
مُجْتَمِعُونَ فَى صَعِيدٍ وَاحِدٍ، مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، فَيَشْفَعُ
عِنْدَ اللَّهِ لِيَأْتِيَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَيَمِيزَ
مُؤْمِنَهُمْ مِنْ كَافِرِهِمْ فِي الْمَوْقِفِ وَالْمَصِيرِ فَى الْحَالِ،
وَالْمَآلِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
فَى قَوْلِهِ تَعَالَى: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. هُوَ
الْمَقَامُ الَّذِي يَقُومُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلشَّفَاعَةِ لِلنَّاسِ، لِيُرِيحَهُمْ رَبُّهُمْ مِنْ
عَظِيمِ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ شِدَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
الْأَحْوَصِ، عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ
النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُثًا، كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ
نَبِيَّهَا، يَقُولُونَ: يَا فُلَانُ، اشْفَعْ، يَا فُلَانُ، اشْفَعْ، حَتَّى
تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا.
قَالَ: وَرَوَاهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ أَسْنَدَ مَا عَلَّقَهُ هَهُنَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ " الصَّحِيحِ
"، فَقَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ،
سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَسْأَلُ النَّاسَ
حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مِزْعَةُ لَحْمٍ ".
وَقَالَ: " إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَبْلُغَ
الْعَرَقُ نِصْفَ الْأُذُنِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذِ اسْتَغَاثُوا
بِآدَمَ، ثُمَّ بِمُوسَى، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
". زَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ أَبِي
جَعْفَرٍ: " فَيَشْفَعُ لِيَقْضِيَ بَيْنَ الْخَلْقِ، فَيَمْشِي حَتَّى
يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ، فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَامًا
مَحْمُودًا يَحْمَدُهُ أَهْلُ الْجَمْعِ كُلُّهُمْ ".
وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
الْحَكَمِ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، بِهِ، بِنَحْوِهِ.
ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي الْحَوْضِ
النَّبَوِيِّ الْمُحَمَّدِيِّ، سَقَانَا اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنَ
الْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ الْمُتَعَدِّدَةِ مِنَ الطُّرُقِ الْكَثِيرَةِ
الْمُتَضَافِرَةِ، وَإِنْ رَغِمَتْ أُنُوفُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ
النَّافِرَةِ الْمُكَابِرَةِ الْقَائِلِينَ بِجُحُودِهِ، الْمُنْكِرِينَ
لِوُجُودِهِ، وَأَخْلِقْ بِهِمْ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ وُرُودِهِ،
كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَنْ كَذَّبَ بِكَرَامَةٍ لَمْ يَنَلْهَا. وَلَوِ
اطَّلَعَ الْمُنْكِرُ لِلْحَوْضِ عَلَى مَا سَنُورِدُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ قَبْلَ
مَقَالَتِهِ لَمْ يَقُلْهَا
رَوَى أَحَادِيثَ الْحَوْضِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ،
مِنْهُمْ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَبُرَيْدَةُ بْنُ
الْحُصَيْبِ، وَثَوْبَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَجُنْدَبُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ، وَحَارِثَةُ بْنُ وَهْبٍ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ
أَسِيدٍ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَحَمْزَةُ
بْنُ عَبْدِ الْمَطَّلِبِ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ،
وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، وَسُوَيْدُ بْنُ جَبَلَةَ،
وَعَبْدُ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ،
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ
عَبْدٍ السُّلَمِيُّ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَالْمُسْتَوْرِدُ، وَعُقْبَةُ
بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ، وَالنَّوَّاسُ بْنُ سَمْعَانَ، وَأَبُو أُمَامَةَ
الْبَاهِلِيُّ، وَأَبُو بَرْزَةَ
الْأَسْلَمِيُّ، وَأَبُو بَكْرَةَ، وَأَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ، وَأَبُو سَعِيدٍ
الْخُدْرِيُّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ، وَخَوْلَةُ بِنْتُ قَيْسٍ،
وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَعَائِشَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
رِوَايَةُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ
أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ
الْقَاسِمِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ أُبَيِّ
بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ
الْحَوْضَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْحَوْضُ؟ فَقَالَ: "
مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَحْلَى
مِنَ الْعَسَلِ، وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً
لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، وَمَنْ صُرِفَ عَنْهُ لَمْ يَرْوَ أَبَدًا ".
وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ، فِي كِتَابِ " السُّنَّةِ
": حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ الْقَاسِمِ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ،
وَلَفْظِهِ:قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْحَوْضُ؟ قَالَ: " وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ شَرَابَهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ
الْعَسَلِ، وَأَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ، وَآنِيَتَهُ
أَكْثَرُ عَدَدًا مِنَ النُّجُومِ، لَا يَشْرَبُ مِنْهُ إِنْسَانٌ فَيَظْمَأَ
أَبَدًا، وَلَا يُصْرَفُ عَنْهُ إِنْسَانٌ فَيَرْوَى أَبَدًا ". لَمْ
يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ، وَلَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
رِوَايَةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
الْأَنْصَارِيِّ خَادِمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ
الْبُخَارِيُّ؟ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ
يُونُسَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ; أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ
قَدْرَ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مِنَ الْيَمَنِ، وَإِنَّ فِيهِ
مِنَ الْأَبَارِيقِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ ". وَكَذَا رَوَاهُ
مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ
الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنْسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أُصَيْحَابِي
الْحَوْضَ، حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِي، فَأَقُولُ: أَصْحَابِي.
فَيَقُولُ: لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ
الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
قَالَ:أَغْفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِغْفَاءَةً،
فَرَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، إِمَّا قَالَ لَهُمْ، وَإِمَّا قَالُوا لَهُ:
لِمَ ضَحِكْتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنَّهُ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا
سُورَةٌ " فَقَرَأَ: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا
أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [ الْكَوْثَرِ: 1 ] حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ:
" هَلْ تَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ " قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَعْلَمُ، قَالَ: " هُوَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي
الْجَنَّةِ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ الْكَوَاكِبِ، يُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ،
فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي. فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا
أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ". هَذَا ثُلَاثِيُّ الْإِسْنَادِ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
فُضَيْلٍ، وَعَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ،
عَنْ أَنَسٍ، بِهِ.
وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: فَإِنَّهُ نَهَرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهِ
خَيْرٌ كَثِيرٌ، هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ
". وَالْبَاقِي مِثْلُهُ. وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُ يَشْخُبُ مِنَ
الْكَوْثَرِ وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ مِيزَابَانِ إِلَى الْحَوْضِ، وَالْحَوْضُ فِي
مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ قَبْلَ الصِّرَاطِ; لِأَنَّهُ يُخْتَلَجُ عَنْهُ، وَيُمْنَعُ
مِنْهُ أَقْوَامٌ قَدِ ارْتَدُّوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ، وَمِثْلُ هَؤُلَاءِ لَا
يُجَاوِزُونَ الصِّرَاطَ. كَمَا سَيَرِدُ هَذَا مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ،
وَجَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ أَنَّهُ فِي الْعَرَصَاتِ، كَمَا سَتَرَاهُ قَرِيبًا إِنْ
شَاءَ اللَّهُ. وَأَمَّا الْكَوْثَرُ فَإِنَّهُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، وَأَزْهَرُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: مِثْلُ مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْ حَوْضِي مِثْلُ مَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ
وَصَنْعَاءَ، أَوْ مِثْلُ مَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَعَمَّانَ ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ الْحَمَّالِ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عَاصِمِ بْنِ النَّضْرِ الْأَحْوَلِ، عَنِ
الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ،
بِنَحْوِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، وَحَسَنُ
بْنُ مُوسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ
أَيْضًا عَنْ عَفَّانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ،
عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ;أَنَّ قَوْمًا ذَكَرُوا عِنْدَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
زِيَادٍ الْحَوْضَ فَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ: مَا الْحَوْضُ ؟ فَبَلَغَ ذَلِكَ أَنَسَ
بْنَ مَالِكٍ، فَقَالَ: لَا جَرَمَ، وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ. فَأَتَاهُ، فَقَالَ:
ذَكَرْتُمُ الْحَوْضَ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، أَكْثَرَ مِنْ
كَذَا وَكَذَا مَرَّةٍ يَقُولُ: " إِنَّ مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ كَمَا بَيْنَ
أَيْلَةَ إِلَى مَكَّةَ أَوْ بَيْنَ صَنْعَاءَ وَمَكَّةَ، وَإِنَّ آنِيَتَهُ
أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ " انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، عَنْ سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ الْقَاضِي الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ،
عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: حَوْضِي مَا بَيْنَ كَذَا
إِلَى كَذَا، فِيهِ مِنَ الْآنِيَةِ
عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ، أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ،
وَأَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، وَمَنْ
لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ لَمْ يَرْوَ أَبَدًا ".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، هُوَ ابْنُ
سَلَامٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ; أَنَّ
عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ قَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْحَوْضَ؟ فَقَالَ: لَقَدْ
تَرَكْتُ بِالْمَدِينَةِ عَجَائِزَ يُكْثِرْنَ أَنْ يَسْأَلْنَ اللَّهَ أَنْ
يُورِدَهُنَّ حَوْضَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَبُو يَعْلَى أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ،
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، هُوَ ابْنُ
عَمَّارٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، إِنَّ
قَوْمًا يَشْهَدُونَ عَلَيْنَا بِالْكُفْرِ وَالشِّرْكِ. فَقَالَ أَنَسٌ:
أُولَئِكَ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ. قُلْتُ: وَيُكَذِّبُونَ بِالْحَوْضِ.
فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
إِنَّ لِي حَوْضًا عَرْضُهُ كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ، إِلَى الْكَعْبَةِ - أَوْ
قَالَ: صَنْعَاءَ - أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ،
فِيهِ آنِيَةٌ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ، يَمُدُّهُ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ،
مَنْ كَذَّبَ بِهِ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ الشُّرْبَ ".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ
الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا
أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ
أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَوْضِي
مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا، فِيهِ مِنَ الْآنِيَةِ
عَدَدُ النُّجُومِ، أَطْيَبُ رِيحًا
مِنَ الْمِسْكِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَبْيَضُ
مِنَ اللَّبَنِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، وَمَنْ لَمْ
يَشْرَبْ مِنْهُ لَمْ يَرْوَ أَبَدًا، ثُمَّ قَالَ: لَا نُعْلَمُهُ يُرْوَى
بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا عَنْ أَنَسٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يَرْوِ
عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ سِوَاهُ، وَلَا رَوَاهُ عَنْهُ إِلَّا
الْمَسْعُودِيُّ. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ
أَصْحَابِ الْكُتُبِ، وَلَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ
الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ جَدِّهِ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: " أُرِيتُ حَوْضِي، فَإِذَا عَلَى حَافَّتَيْهِ آنِيَةٌ مِثْلُ
نُجُومِ السَّمَاءِ، فَأَدْخَلْتُ يَدِي، فَإِذَا عَنْبَرٌ أَذْفَرُ ".
رِوَايَةُ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيِّ: قَالَ أَبُو يَعْلَى:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ عَائِذِ
بْنِ نُسَيْرٍ الْعِجْلِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " حَوْضِي كَمَا بَيْنَ عَمَّانَ إِلَى الْيَمَنِ، فِيهِ آنِيَةٌ
عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا
أَبَدًا ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ صَاعِدٍ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الْوَضَّاحِ الْأَزْدِيِّ اللُّؤْلُئِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَمَانٍ بِهِ.
وَلَفْظُهُ: " حَوْضِي مَا بَيْنَ عَمَّانَ، وَالْيَمَنِ، فِيهِ آنِيَةٌ
عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ، أَحْلَى
مِنَ الْعَسَلِ، وَأَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ، مَنْ
شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا ". لَمْ يُخَرِّجُوهُ.
رِوَايَةُ ثَوْبَانَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ مَعْدَانَ، عَنْ ثَوْبَانَ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَنَا بِعُقْرِ
حَوْضِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَذُودُ عَنْهُ النَّاسَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ،
وَأَضْرِبُهُمْ بِعَصَايَ حَتَّى يَرْفَضَّ عَنْهُمْ ". قَالَ: قِيلَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ: مَا سَعَتُهُ ؟ قَالَ: " مِنْ مَقَامِي إِلَى عَمَّانَ،
يَغُتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ ".
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ.
وَعَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ بِهِ،فَسُئِلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَرْضِهِ، فَقَالَ: " مِنْ
مَقَامِي إِلَى عَمَّانَ ". وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: مَا بَيْنَ بُصْرَى
وَصَنْعَاءَ، أَوْ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَمَكَّةَ ". أَوْ قَالَ: " مِنْ
مَقَامِي هَذَا إِلَى عَمَّانَ ".وَسُئِلَ عَنْ شَرَابِهِ، فَقَالَ: "
أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، يَغُتُّ فِيهِ
مِيزَابَانِ، يَمُدَّانِهِ مِنَ الْجَنَّةِ; أَحَدُهُمَا مِنْ ذَهَبٍ، وَالْآخَرُ
مِنْ وَرِقٍ ".
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ
الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ ثَوْبَانَ،
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَنَا عِنْدَ عُقْرِ
حَوْضِي أَذُودُ عَنْهُ النَّاسَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ، إِنِّي لَأَضْرِبُهُمْ
بِعَصَايَ حَتَّى يَرْفَضَّ ". قَالَ: وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَعَةِ الْحَوْضِ، قَالَ: " مِثْلُ مَقَامِي
هَذَا إِلَى عَمَّانَ، مَا بَيْنَهُمَا شَهْرٌ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ".
فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَرَابِهِ،
فَقَالَ: " أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ،
يَغُتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ، مِدَادُهُ - أَوْ مِدَادُهُمَا - مِنَ الْجَنَّةِ،
أَحَدُهُمَا وَرِقٌ، وَالْآخَرُ ذَهَبٌ ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ،
وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ
مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، بِنَحْوِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ ثَوْبَانَ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنِ
الْعَبَّاسِ بْنِ سَالِمٍ اللَّخْمِيِّ، قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ إِلَى أَبِي سَلَّامٍ الْحَبَشِيِّ، فَحُمِلَ إِلَيْهِ عَلَى
الْبَرِيدِ، لِيَسْأَلَهُ عَنِ الْحَوْضِ، فَقُدِمَ بِهِ عَلَيْهِ، فَسَأَلَهُ
فَقَالَ: سَمِعْتُ ثَوْبَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ حَوْضِي مِنْ عَدَنَ إِلَى عَمَّانِ
الْبَلْقَاءِ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ،
وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ،
وَأَكَاوِيبُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ
بَعْدَهَا أَبَدًا، أَوَّلُ النَّاسِ وُرُودًا عَلَيْهِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ
". فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: مَنْ
هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " هُمُ الشُّعْثُ رُءُوسًا، الدُّنْسُ
ثِيَابًا، الَّذِينَ لَا يَنْكِحُونَ الْمُتَنَعِّمَاتِ، وَلَا تُفْتَحُ لَهُمْ
أَبْوَابُ السُّدَدِ ". فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَقَدْ
نَكَحْتُ الْمُتَنَعِّمَاتِ، وَفُتِحَتْ لِيَ السُّدَدُ، إِلَّا أَنْ يَرْحَمَنِي
اللَّهُ، وَاللَّهِ لَا أَدْهُنُ رَأْسِي، حَتَّى يَشْعَثَ، وَلَا أَغْسِلُ ثَوْبِيَ
الَّذِي يَلِي جَسَدِي حَتَّى يَتَّسِخَ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الزُّهْدِ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ. وَابْنُ مَاجَهْ
فِيهِ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيِّ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ
مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنِ
الْعَبَّاسِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ.
قَالَ شَيْخُنَا الْمَزِّيُّ فِي أَطْرَافِهِ: وَرَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ
مُسْلِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ، وَشَيْبَةَ بْنِ الْأَحْنَفِ
وَغَيْرِهِمَا، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ،
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَاقَدٍ، حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ
عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَّامٍ الْأَسْوَدُ، عَنْ
ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَوْضِي كَمَا بَيْنَ عَدَنَ إِلَى
عَمَّانَ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَطْيَبُ
رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ، أَكَاوِيبُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ
شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَأَكْثَرُ النَّاسِ عَلَيَّ وَارِدَةً
فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ ". قُلْنَا: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: " الشُّعْثُ رُءُوسًا، الدُّنْسُ ثِيَابًا، الَّذِينَ لَا يَنْكِحُونَ
الْمُتَنَعِّمَاتِ، وَلَا تُفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السُّدَدِ، الَّذِينَ
يُعْطُونَ الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَلَا يُعْطَوْنَ الَّذِي لَهُمْ ". وَهَذِهِ
طَرِيقٌ جَيِّدَةٌ أَيْضًا.، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
رِوَايَةُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: قَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا
أَبُو هَمَّامٍ الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا زِيَادُ
بْنُ خَيْثَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي فَرَطُكُمْ
عَلَى الْحَوْضِ، وَإِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ
وَأَيْلَةَ، كَأَنَّ الْأَبَارِيقَ فِيهِ النُّجُومُ ". وَهَكَذَا رَوَاهُ
مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هَمَّامٍ، بِهِ وَقَالَ: ( أَنَا فَرَطٌ لَكُمْ ).
وَالْبَاقِي مِثْلُهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا
قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا
حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ
مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ
بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَعَ غُلَامِي نَافِعٍ:
أَخْبَرَنِي بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيَّ: إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ( أَنَا
الْفَرَطُ عَلَى الْحَوْضِ ).
رِوَايَةُ جَابِرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا
رَوْحٌ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ;
أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا عَلَى الْحَوْضِ أَنْظُرُ مَنْ يَرِدُ
عَلَيَّ ). قَالَ: " فَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، مِنِّي
وَمِنْ أُمَّتِي ". قَالَ: " فَيُقَالُ: وَمَا يُدْرِيكَ مَا عَمِلُوا
بَعْدَكَ؟ مَا بَرِحُوا بَعْدَكَ يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ ". قَالَ
جَابِرٌ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحَوْضُ
مَسِيرَةُ شَهْرٍ، وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ - يَعْنِي عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ -
وَكِيزَانُهُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ، وَهُوَ أَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ،
وَأَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ
أَبَدًا ). هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يَرْوِهِ،
وَقَدْ رَوَى مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ،
سِتَّةَ أَحَادِيثَ، لَيْسَ هَذَا مِنْهَا.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ هَيَّاجٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْأَرْحَبِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ
عَامِرٍ - هُوَ الشَّعْبِيُّ - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى
الْحَوْضِ، وَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي
كُفَّارًا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ) فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
مَا عَرْضُهُ ؟ قَالَ: " مَا
بَبْنَ أَيْلَةَ - أَحْسَبُهُ قَالَ -
إِلَى مَكَّةَ، فِيهِ مَكَاكِيُّ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ النُّجُومِ، لَا
يَتَنَاوَلُ مُؤْمِنٌ مِنْهَا وَاحِدًا فَيَضَعُهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَتَنَاوَلَ
آخَرَ ). ثُمَّ قَالَ: لَا يُرْوَى عَنْ جَابِرٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيِّ،
عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بِهِ، رِوَايَةُ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الْبَجَلِيِّ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنِي أَبِي،
عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، سَمِعْتُ جُنْدَبًا: سَمِعْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ ).
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَزَائِدَةَ، وَمِسْعَرٍ،
ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، بِهِ. وَرَوَاهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ، مِنْ حَدِيثِ هَؤُلَاءِ عَنْهُ، وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ سُفْيَانُ: الْفَرَطُ الَّذِي يَسْبِقُ.
رِوَايَةُ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ،
يَقُولُ:سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ
الْحَوْضَ، فَقَالَ: ( كَمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ
وَصَنْعَاءَ. وَزَادَ ابْنُ أَبِي
عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ،
سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: حَوْضُهُ مَا بَيْنَ
صَنْعَاءَ وَالْمَدِينَةِ ). فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَوْرِدُ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ
قَالَ الْأَوَانِيَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ: تُرَى فِيهِ الْآنِيَةُ
مِثْلَ الْكَوَاكِبِ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، عَنْ
حَرَمِيِّ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ شُعْبَةَ - كَمَا سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيغٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ - وَهُوَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ - عَنْ شُعْبَةَ، كَمَا ذَكَرَهُ
الْبُخَارِيُّ سَوَاءً.
وَالْمُسْتَوْرِدُ هَذَا هُوَ ابْنُ شَدَّادِ بْنِ عَمْرٍو الْفِهْرِيُّ،
صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ، عَلَّقَ لَهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَسْنَدَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ،
وَرَوَى لَهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَهُ أَحَادِيثُ.
الْغِفَارِيِّ: أُنْبِئْنَا عَنِ الْحَافِظِ الضِّيَاءِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
الْوَاحِدِ الْمَقْدِسِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْجُزْءِ
الَّذِي جَمَعَهُ فِي أَحَادِيثِ الْحَوْضِ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ نَصْرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ بِهَا، أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ أَحْمَدَ الْحَدَّادَ
أَخْبَرَهُمْ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَهُوَ حَاضِرٌ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي أَبَا نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيَّ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَمُّوَيْهِ،
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ،
حَدَّثَنَا مَعْرُوفُ بْنُ
خَرَّبُوذَ، حَدَّثَنَا أَبُو
الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا
صَدَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
قَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَإِنَّكُمْ
وَارِدُونَ عَلَى حَوْضٍ عَرْضُهُ مَا بَيْنَ بُصْرَى وَصَنْعَاءَ، فِيهِ آنِيَةٌ
عَدَدُ النُّجُومِ ). لَمْ يَرْوِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ أَحَدٌ، وَلَا
أَحْمَدُ.
رِوَايَةُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا
حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ هُبَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ
أَبَا تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيَّ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ، أَنَّهُ سَمِعَ
حُذَيْفَةَ يَقُولُ:غَابَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمًا فَلَمْ يَخْرُجْ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ لَنْ يَخْرُجَ،
فَلَمَّا خَرَجَ سَجَدَ سَجْدَةً، فَظَنَنَّا أَنَّ نَفْسَهُ قَدْ قُبِضَتْ
مِنْهَا، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ قَالَ: ( إِنَّ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى،
اسْتَشَارَنِي فِي أُمَّتِي: مَاذَا أَفْعَلُ بِهِمْ ؟ فَقُلْتُ: مَا شِئْتَ، أَيْ
رَبِّ، هُمْ خَلْقُكُ وَعِبَادُكُ. فَاسْتَشَارَنِي الثَّانِيَةَ، فَقُلْتُ لَهُ
كَذَلِكَ. فَقَالَ: لَا أُحْزِنُكَ فِي أُمَّتِكَ يَا مُحَمَّدُ. وَبَشَّرَنِي
أَنَّ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا، مَعَ
كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا، لَيْسَ عَلَيْهِمْ حِسَابٌ، ثُمَّ أَرْسَلَ
إِلَيَّ، فَقَالَ: ادْعُ تُجَبْ، وَسَلْ تُعْطَ. فَقَلْتُ لِرَسُولِهِ: أَوَ
مُعْطِيَّ رَبِّي سُؤْلِي ؟ فَقَالَ: مَا أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ إِلَّا
لِيُعْطِيَكَ، وَلَقَدْ أَعْطَانِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَلَا فَخْرَ، وَغَفَرَ
لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ، وَأَنَا أَمْشِي حَيًّا
صَحِيحًا، وَأَعْطَانِي أَنْ لَا تَجُوعَ أُمَّتِي، وَلَا تُغْلَبَ، وَأَعْطَانِي
الْكَوْثَرَ، فَهُوَ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ، يَسِيلُ فِي حَوْضِي، وَأَعْطَانِي
الْعِزَّ، وَالنَّصْرَ، وَالرُّعْبَ يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْ أُمَّتِي شَهْرًا،
وَأَعْطَانِي أَنِّي أَوَّلُ
الْأَنْبِيَاءِ أَدْخُلُ الْجَنَّةَ،
وَطَيَّبَ لِي وَلِأُمَّتِي الْغَنِيمَةَ، وَأَحَلَّ لَنَا كَثِيرًا مِمَّا
شَدَّدَ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ ). هَذَا
حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُبَارَكِ بْنِ
فَضَالَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، مَرْفُوعًا: إِنَّهَا سَتَكُونُ
عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَكْذِبُونَ وَيَظْلِمُونَ، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ
بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ
وَلَنْ يَرِدَ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ
يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَسَيَرِدُ عَلَيَّ
الْحَوْضَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ ).
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ
أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ،
عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ حَوْضِي لَأَبْعَدُ مِنْ أَيْلَةَ
وَعَدَنَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ
النُّجُومِ، وَلَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ،
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَذُودُ عَنْهُ الرِّجَالَ كَمَا يَذُودُ
الرَّاعِي الْإِبِلَ الْغَرِيبَةَ عَنْ حَوْضِهِ ). قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، تَعْرِفُنَا يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ: " نَعَمْ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا
مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، وَلَيْسَتْ لِأَحَدٍ غَيْرِكُمْ ".
رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ
أَبِي شَيْبَةَ بِنَحْوِهِ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ، فَقَالَ: وَقَالَ
حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدِيثُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ سَلْمٍ الرَّازِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَسَدِيُّ،
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَابِسٍ، عَنْ بَدْرِ بْنِ الْخَلِيلِ أَبِي الْخَلِيلِ،
عَنْ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ،
فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: لَقَدْ سَبَّ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ عَلِيًّا سَبًّا
قَبِيحًا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ. فَقَالَ: تَعْرِفُهُ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إِذَا رَأَيْتَهُ فَأْتِنِي بِهِ. قَالَ: فَرَآهُ عِنْدَ
عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، فَأَرَاهُ إِيَّاهُ، قَالَ: أَنْتَ مُعَاوِيَةُ بْنُ
حُدَيْجٍ؟ فَسَكَتَ، فَلَمْ يُجِبْهُ، ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ السَّبَّابُ
عَلِيًّا عِنْدَ ابْنِ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ؟ أَمَا إِنَّكَ إِنْ وَرَدْتَ
عَلَيْهِ الْحَوْضَ - وَمَا أَرَاكَ تَرِدُهُ - لَتَجِدَنَّهُ مُشَمِّرًا حَاسِرًا
عَنْ ذِرَاعَيْهِ يَذُودُ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ عَنْ حَوْضِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تُذَادُ غَرِيبَةُ الْإِبِلِ
عَنَ صَاحِبِهَا، قَوْلَ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ الْحَسَنِ مَرْفُوعًا.
حَدِيثُ أَبِي عُمَارَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْعَلَّافُ الْمِصْرِيُّ،
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ
أَبِي كَثِيرٍ، أَخْبَرَنِي حَرَامُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْأَعْرَجِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَوْمًا وَلَمْ
يَجِدْهُ، فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ - وَكَانَا مِنْ بَنِي النَّجَّارِ -
فَقَالَتْ: خَرَجَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي آنِفًا عَامِدًا نَحْوَكَ، فَأَظُنُّهُ
أَخْطَأَكَ فِي بَعْضِ أَزِقَّةِ بَنِي النَّجَّارِ، أَفَلَا تَدْخُلُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ فَدَخَلَ، فَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ حَيْسًا فَأَكَلَ مِنْهُ، فَقَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، هَنِيئًا لَكَ وَمَرِيئًا، لَقَدْ جِئْتَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ
آتِيَكَ أُهَنِّئُكَ وَأُمَرِّئُكَ، أَخْبَرَنِي أَبُو عُمَارَةَ أَنَّكَ
أُعْطِيتَ نَهَرًا فِي الْجَنَّةِ يُدْعَى الْكَوْثَرَ. فَقَالَ: " أَجَلْ "،
وَعَرْصَتُهُ يَاقُوتٌ، وَمَرْجَانٌ، وَزَبَرْجَدٌ، وَلُؤْلُؤٌ ". قَالَتْ:
أَحْبَبْتُ أَنْ تَصِفَ لِي حَوْضَكَ بِصِفَةٍ أَسْمَعُهَا مِنْكَ. فَقَالَ: ( هو
مَا بَيْنَ أَيْلَةَ، وَصَنْعَاءَ، فِيهِ أَبَارِيقُ مِثْلُ عَدَدِ النُّجُومِ،
وَأَحَبُّ وَارِدِهَا عَلَىَّ قَوْمُكِ، يَا بِنْتَ قَهْدٍ الْأَنْصَارِيِّ
".
هَذَا حَدِيثٌ عَزِيزٌ جِدًّا، مِنْ
رِوَايَةِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ مِنْ رِوَايَةِ زَوْجَتِهِ هَذِهِ، وَرِوَايَةِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الْأَعْرَجِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ
مُنْقَطِعَةٌ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ فِي " فَوَائِدِهِ
": أَنَّ بَيْنَهُمَا الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ.
رِوَايَةُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ
أَخْبَرَنِي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ
أَرْقَمَ، قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي سَفَرٍ، فَنَزَلَ مَنْزِلًا، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " ما أَنْتُمْ
بِجُزْءٍ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ جُزْءٍ مِمَّنْ يَرِدُ عَلَى الْحَوْضِ مِنْ
أُمَّتِي ". قُلْنَا لِزَيْدٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ:
سَبْعَمِائَةٍ أَوْ ثَمَانِمِائَةٍ.
وَكَذَا رَوَاهُ عَنْ هَاشِمٍ، عَنْ شُعْبَةَ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ،
عَنِ الْأَعْمَشِ، كِلَاهُمَا، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ شُعْبَةَ.
قُلْتُ: وَأَبُو حَمْزَةَ، هُوَ طَلْحَةُ بْنُ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيُّ
الْكُوفِيُّ مَوْلَى قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
أَعْلَمُ.
رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَرْقَمَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ،.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،
أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ الْعَدْلُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو
حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ، تَيْمُ الرَّبَابِ - حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، قَالَ: شَهِدْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ،
وَبَعَثَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ، فَقَالَ: مَا أَحَادِيثُ
بَلَغَنِي عَنْكَ تُحَدِّثُ بِهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟ تَزْعُمُ أَنَّ لَهُ حَوْضًا فِي الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنَا
ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَعَدْنَاهُ. فَقَالَ:
كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ شَيْخٌ قَدْ خَرِفْتَ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ سَمِعَتْهُ
أُذُنَايَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعْتُهُ
يَقُولُ: مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ
النَّارِ " وَمَا كَذَبْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَسَتَأْتِي رِوَايَتُهُ عَنْ أَخٍ لَهُ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَرَوَى
الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ
بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ سَلْمَانَ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ، فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ،
قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ مُبَارَكٌ... " وَذَكَرَ تَمَامَ
الْحَدِيثِ بِطُولِهِ فِي فَضْلِ
شَهْرِ رَمَضَانَ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَمَنْ أَشْبَعَ فِيهِ صَائِمًا سَقَاهُ
اللَّهُ مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لَا يَظْمَأُ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ ".
رِوَايَةُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ الْفَزَارِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُسْتَمِرِّ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ بِلَالٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ - هُوَ
ابْنُ بَشِيرٍ - عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ
حَوْضًا يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ
أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً ). وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نَيْزَكَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارِ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ قَالَ: وَرَوَاهُ أَشْعَثُ
بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا، وَهُوَ أَصَحُّ.
رِوَايَةُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ السَّاعِدِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ،
قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي فَرَطُكُمْ
عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ
أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ
يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ ". قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِي
النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ، فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ مَنْ سَهْلٍ؟
فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
لَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَزِيدُ فِيهَا: " فَأَقُولُ؟إِنَّهُمْ مِنِّي.
فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: سُحْقًا
سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
سُحْقًا: بُعْدًا. يُقَالُ: سَحِيقٌ:
بَعِيدٌ، سَحَقَهُ، وَأَسْحَقَهُ: أَبْعَدَهُ. تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ سُوَيْدِ بْنِ جَبَلَةَ، فَذَكَرَهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ،
وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ، ذَكَرَهَا عِيَاضٌ أَيْضًا.
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمِ الْمَازِنِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، فَأَعْطَى مَنْ
أَعْطَى مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، وَالْعَرَبِ، فَتَغَضَّبَ بَعْضُ الْأَنْصَارِ،
فَخَطَبَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ فِيمَا قَالَ: " إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ بَعْدِي
أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ ".
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَبُو
بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ،
حَدَّثَنَا لَيْثٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، - عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنِّي آخُذُ بِحُجَزِكُمْ
أَقُولُ: إِيَّاكُمْ وَجَهَنَّمَ، إِيَّاكُمْ وَالْحُدُودَ،
إِيَّاكُمْ وَجَهَنَّمَ، إِيَّاكُمْ
وَالْحُدُودَ " - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - " وَإِذَا أَنَا مِتُّ
تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ، وَأَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، فَمَنْ
وَرَدَ أَفْلَحَ، وَيُؤْتَى بِأَقْوَامٍ فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ،
فَأَقُولُ: يَا رَبِّ - أَحْسَبُهُ قَالَ: أَصْحَابِي - فَيُقَالُ: مَا زَالُوا
بَعْدَكَ يَرْتَدُّونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ ". ثُمَّ قَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ
لَيْثٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الْحَوْضِ مِنْ " صَحِيحِهِ ":
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو
بِشْرٍ، وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: الْكَوْثَرُ: الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ
إِيَّاهُ. قَالَ أَبُو بِشْرٍ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: إِنَّ أُنَاسًا
يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: النَّهْرُ الَّذِي
فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ.
قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَشْخُبُ مِنَ الْكَوْثَرِ الَّذِي فِي
الْجَنَّةِ إِلَى الْحَوْضِ الَّذِي فِي الْمَوْقِفِ مِيزَابَانِ مِنْ ذَهَبٍ
وَفِضَّةٍ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: قَالَ
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَارِثِيُّ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَوْضِي
مَسِيرَةُ شَهْرٍ، زَوَايَاهُ سَوَاءٌ، أَكْوَابُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ،
مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَطْيَبُ - يَعْنِي
رِيحًا - مِنَ الْمِسْكِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا
أَبَدًا ".
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ ابْنُ
أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا مِحْصَنُ بْنُ عُقْبَةَ الْيَمَانِيُّ،
عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ شَبِيبٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَاضِرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هَلْ فِيهِ مَاءٌ؟ قَالَ: "
إِي، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ فِيهِ لَمَاءً، إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ
لَيَرِدُونَ حِيَاضَ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ
فِي أَيْدِيهِمْ عِصِيٌّ مِنْ نَّارٍ يَذُودُونَ الْكُفَّارَ عَنْ حِيَاضِ
الْأَنْبِيَاءِ ".
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ
الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: أَمَامَكُمْ حَوْضٌ، مَا بَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ ".
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ يَحْيَى
الْقَطَّانِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَأَيُّوبَ،
وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَغَيْرِهِمْ، عَنْ نَافِعٍ.
وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ؟ أَمَامَكُمْ حَوْضٌ كَمَا بَيْنَ جَرْبَاءَ
وَأَذْرُحَ - وَهُمَا قَرْيَتَانِ بِالشَّامِ - فِيهِ أَبَارِيقُ عَدَدُ نُجُومِ
السَّمَاءِ، مَنْ وَرَدَهُ فَشَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا
".
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَمْرٍو أَبُو عُثْمَانَ الْأَحْمُوسِيُّ،
حَدَّثَنِي الْمُخَارِقُ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ:إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " حَوْضِي كَمَا بَيْنَ عَدَنَ وَعَمَّانَ أَبْرَدُ مِنَ
الثَّلْجِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ،
أَكْوَابُهُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ
يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا، أَوَّلُ النَّاسِ عَلَيْهِ وُرُودًا صَعَالِيكُ
الْمُهَاجِرِينَ ". قَالَ قَائِلٌ: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
الشَّعِثَةُ رُءُوسُهُمْ، الشَّحِبَةُ وُجُوهُهُمْ، الدَّنِسَةُ ثِيَابُهُمْ، لَا
يُفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السُّدَدِ، وَلَا يَنْكِحُونَ الْمُتَنَعِّمَاتِ،
الَّذِينَ يُعْطُونَ كُلَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَلَا يَأْخُذُونَ الَّذِي لَهُمْ
". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ أَبُو
دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ
السَّائِبِ، قَالَ: قَالَ لِي مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ: مَا كَانَ سَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ يَقُولُ فِي الْكَوْثَرِ؟ قُلْتُ: كَانَ سَعِيدٌ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: هُوَ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ. قَالَ مُحَارِبٌ: أَيْنَ يَقَعُ
رَأْيُ ابْنِ عَبَّاسٍ؟ قَالَ مُحَارِبٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ،
قَالَ:لَمَّا نَزَلَتْ: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [ الْكَوْثَرِ: ا ].
قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هُوَ
نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ، يَجْرِي عَلَى الدُّرِّ
وَالْيَاقُوتِ، تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ، وَطَعْمُهُ أَحْلَى
مِنَ الْعَسَلِ، وَمَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ ".
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ
السَّائِبِ بِنَحْوِهِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ
طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، بِهِ. وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا نَافِعُ
بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَيْرٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْضِي مَسِيرَةُ
شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ،
وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَا يَظْمَأُ أَبَدًا
". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ نَافِعِ بْنِ
عُمَرَ، بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي سَبْرَةَ - وَاسْمُهُ
سَالِمُ بْنُ سَبْرَةَ - قَالَ: كَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ يَسْأَلُ
عَنِ الْحَوْضِ ؟ حَوْضِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ
يُكَذِّبُ بِهِ بَعْدَ مَا سَأَلَ أَبَا بَرْزَةَ، وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ،
وَعَائِذَ بْنَ عَمْرٍو، وَرَجُلًا أَخَرَ، وَكَانَ يُكَذِّبُ بِهِ، فَقَالَ أَبُو
سَبْرَةَ: أَنَا أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ فِيهِ شِفَاءُ هَذَا، إِنَّ أَبَاكَ بَعَثَ
مَعِي بِمَالٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو،
فَحَدَّثَنِي بِمَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَأَمْلَى عَلَيَّ، فَكَتَبْتُ بِيَدِي، فَلَمْ أَزِدْ حَرْفًا، وَلَمْ
أَنْقُصْ حَرْفًا، حَدَّثَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ، أَوْ يُبْغِضُ الْفَاحِشَ،
وَالْمُتَفَحِّشَ ". قَالَ: وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ
الْفُحْشُ، وَالتَّفَاحُشُ، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ، وَسُوءُ الْمُجَاوَرَةِ،
وَحَتَّى يُؤْتَمَنَ الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ الْأَمِينُ ". وَقَالَ: "
أَلَا إِنَّ مَوْعِدَكُمْ حَوْضِي، عَرْضُهُ وَطُولُهُ وَاحِدٌ، وَهُوَ كَمَا
بَيْنَ أَيْلَةَ وَمَكَّةَ، وَهُوَ مَسِيرَةُ شَهْرٍ، فِيهِ مِثْلُ النُّجُومِ
أَبَارِيقُ، شَرَابُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الْفِضَّةِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ
مَشْرَبًا لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا ". فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: مَا
سَمِعْتُ فِي الْحَوْضِ حَدِيثًا أَثْبَتَ مِنْ هَذَا. فَصَدَّقَ بِهِ، وَأَخَذَ
الصَّحِيفَةَ، فَحَبَسَهَا عِنْدَهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي " مُسْنَدِهِ
": حَدَّثَنَا
مَحْمُودُ بْنُ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: إِنَّ لِي حَوْضًا فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَتُهُ شَهْرٌ، وَزَوَايَاهُ
سَوَاءٌ، رِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، مَاؤُهُ كَالْوَرِقِ، أَقْدَاحُهُ
كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا
أَبَدًا ". ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُ رَوَى عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى أَيْضًا: رَوَاهَا الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ
رِئَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ
". قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ: سَمِعْتُ أَبَا
وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَلَيُرْفَعَنَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ،
ثُمَّ لَيُخْتَلَجُنَّ دُونِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أَصْحَابِي، فَيُقَالُ:
إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ". تَابَعَهُ عَاصِمٌ، عَنْ
أَبِي وَائِلٍ، وَقَالَ حُصَيْنٌ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ فِي الْحَوْضِ وَغَيْرِهِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ الْبُنَانِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:جَاءَ ابْنَا مُلَيْكَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَا: إِنَّ أُمَّنَا مَاتَتْ وَكَانَتْ تُكْرِمُ الزَّوْجَ، وَتَعْطِفُ عَلَى الْوَلَدِ - قَالَ: وَذَكَرَ الضَّيْفَ - غَيْرَ أَنَّهَا كَانَتْ وَأَدَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: " أُمُّكُمَا فِي النَّارِ ". قَالَ: فَأَدْبَرَا وَالشَّرُّ يُرَى فِي وُجُوهِهِمَا، فَأَمَرَ بِهِمَا، فَرُدَّا، فَرَجَعَا وَالسُّرُورُ يُرَى فِي وُجُوهِهِمَا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَدَثَ شَيْءٌ، فَقَالَ: " أُمِّي مَعَ أُمِّكُمَا ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: وَمَا يُغْنِي هَذَا عَنْ أُمِّهِ شَيْئًا، وَنَحْنُ نَطَأُ عَقِبَيْهِ! فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ - وَلَمْ أَرَ رَجُلًا قَطُّ أَكْثَرَ سُؤَالًا مِنْهُ -: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ وَعَدَكَ رَبُّكَ فِيهِمَا ؟ قَالَ: فَظَنَّ أَنَّهُ مِنْ شَيْءٍ قَدْ سَمِعَهُ، فَقَالَ: مَا سَأَلْتُهُ رَبِّي، وَمَا أَطْمَعَنِي فِيهِ، وَإِنِّي لَأَقُومُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". فَقَالَ الْأَنْصَارُ: وَمَا ذَاكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ؟ قَالَ: " ذَاكَ إِذَا جِيءَ بِكُمْ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ، يَقُولُ: اكْسُوا خَلِيلِي. فَيُؤْتَى بِرَيْطَتَيْنِ بَيْضَاوَيْنِ، فَيَلْبَسُهُمَا، ثُمَّ يَقْعُدُ مُسْتَقْبِلَ الْعَرْشِ، ثُمَّ أُوتَى بِكِسْوَتِي،
فَأَلْبَسُهَا، فَأَقُومُ عَنْ
يَمِينِهِ مَقَامًا لَا يَقُومُهُ أَحَدٌ، يَغْبِطُنِي بِهِ الْأَوَّلُونَ
وَالْآخِرُونَ ". قَالَ: " وَيُفْتَحُ نَهَرٌ مِنَ الْكَوْثَرِ إِلَى
الْحَوْضِ ". فَقَالَ الْمُنَافِقُ: إِنَّهُ مَا جَرَى مَاءٌ قَطُّ إِلَّا
عَلَى حَالٍ أَوْ رَضْرَاضٍ. فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ
لَهُ حَالٌ أَوْ رَضْرَاضٌ؟ قَالَ: " حَالُهُ الْمِسْكُ، وَرَضْرَاضُهُ
التُّومُ ". فَقَالَ الْمُنَافِقُ: لَمْ أَسْمَعْ كَالْيَوْمِ، قَلَّمَا
جَرَى مَاءٌ قَطُّ عَلَى حَالٍ أَوْ رَضْرَاضٍ إِلَّا كَانَ لَهُ نَبْتٌ. فَقَالَ
الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لَهُ نَبْتٌ؟ قَالَ: " نَعَمْ،
قُضْبَانُ الذَّهَبِ ". قَالَ الْمُنَافِقُ: لَمْ أَسْمَعْ كَالْيَوْمِ،
فَإِنَّهُ قَلَّمَا نَبَتَ قَضِيبٌ إِلَّا أَوْرَقَ، وَإِلَّا كَانَ لَهُ ثَمَرٌ.
قَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لَهُ ثَمَرٌ ؟ قَالَ: "
نَعَمْ، أَلْوَانُ الْجَوْهَرِ، وَمَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ،
وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ مَشْرَبًا لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ،
وَمَنْ حُرِمَهُ لَمْ يَرْوَ بَعْدَهُ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ
غَرِيبٌ جِدًّا.
رِوَايَةُ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ خُلَيْدٍ الْحَلَبِيُّ،
حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ
سَلَّامٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ يَقُولُ:
حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ زَيْدٍ الْبِكَالِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عُتْبَةَ بْنَ
عَبْدٍ السُّلَمِيَّ يَقُولُ:جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا حَوْضُكَ هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُ
عَنْهُ؟ فَقَالَ: " كَمَا بَيْنَ الْبَيْضَاءِ إِلَى بُصْرَى، يَمُدُّنِي
اللَّهُ فِيهِ بِكُرَاعٍ لَا يَدْرِي إِنْسَانٌ مِمَّنْ خَلَقَ اللَّهُ أَيْنَ
طَرَفَاهُ ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ: وَخَرَّجَ
التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي " نَوَادِرِ الْأُصُولِ " مِنْ حَدِيثِ
عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ: " يَا عُثْمَانُ، لَا تَرْغَبْ عَنْ سُنَّتِي، فَإِنَّهُ مَنْ
رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ
وَجْهَهُ عَنْ حَوْضِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
رِوَايَةُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ
الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ
يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ
صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: "
إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي
وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الْآنَ وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ
الْأَرْضِ - أَوْ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ - وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ
عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي،
وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ
تَنَافَسُوا فِيهَا ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، بِهِ. وَمِنْ حَدِيثِ
يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، بِهِ، وَعِنْدَهُ:
إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَإِنَّ عَرْضَهُ كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى
الْجُحْفَةِ، وَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي،
وَلَكِنَّى أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا،
وَتَقْتَتِلُوا فَتَهْلِكُوا كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ". قَالَ
عُقْبَةُ: فَكَانَتْ آخِرَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ.
ذِكْرُ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي
ذَلِكَ: أَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ،
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ، وَرَجَمَ أَبُو بَكْرٍ، وَرَجَمْتُ،
وَسَيَكُونُ قَوْمٌ يُكَذِّبُونَ بِالرَّجْمِ، وَالدَّجَّالِ، وَالْحَوْضِ،
وَالشَّفَاعَةِ، وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ، وَبِقَوْمٍ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ الْمُسْتَوْرِدِ فَذَكَرَهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ.
وَرِوَايَةُ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلَابِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
قَالَ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُجَيْرٍ الْبُجَيْرِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ
بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ حَوْضِي
عَرْضُهُ وَطُولُهُ كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى عَمَّانَ، فِيهِ أَقْدَاحٌ
كَنُجُومِ السَّمَاءِ، أَوَّلُ مَنْ يَرِدُهُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَسْقِي كُلَّ
عَطْشَانَ ".
أَوْرَدَهُ الضِّيَاءُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَرَى أَنَّ هَذَا
الْحَدِيثَ مِنْ صِحَاحِ الْبُجَيْرِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
رِوَايَةُ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا دُحَيْمٌ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ
مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي
الْيَمَانِ الْهَوْزَنِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ،أَنَّ يَزِيدَ بْنَ الْأَخْنَسِ
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا سَعَةُ حَوْضِكَ ؟ قَالَ: " كَمَا بَيْنَ
عَدَنَ إِلَى عَمَّانَ، فَأَوْسَعُ، وَأَوْسَعُ - يُشِيرُ بِيَدِهِ - فِيهِ
مَثْعَبَانِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ". قَالَ: فَمَا مَاءُ حَوْضِكَ ؟
فَقَالَ: " أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ،
وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ
أَبَدًا، وَلَمْ يَسْوَدَّ وَجْهُهُ أَبَدًا ".
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
يُوسُفَ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
الْبَاهِلِيِّ، قَالَ:قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا سَعَةُ حَوْضِكَ ؟ قَالَ:
" مَا بَيْنَ عَدَنَ، وَعَمَّانَ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ - وَأَوْسَعُ،
وَأَوْسَعُ، وَفِيهِ مَثْعَبَانِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ". قِيلَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا شَرَابُهُ ؟
قَالَ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مَذَاقًا مِنَ الْعَسَلِ، وَأَطْيَبُ
رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا،
وَلَمْ يَسْوَدَّ وَجْهُهُ بَعْدَهَا أَبَدًا ".
رِوَايَةُ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَبُو
دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ
بْنُ أَبِي حَازِمٍ أَبُو طَالُوتَ، قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا بَرْزَةَ دَخَلَ عَلَى
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، فَحَدَّثَنِي فُلَانٌ - سَمَّاهُ مُسْلِمٌ -
وَكَانَ فِي السِّمَاطِ، فَلَمَّا رَآهُ عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ
مُحَمَّدِيَّكُمْ هَذَا لَدَحْدَاحٌ. فَفَهِمَهَا الشَّيْخُ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ
أَحْسَبُ أَنِّي أَبْقَى فِي قَوْمٍ يُعَيِّرُونِي بِصُحْبَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ: إِنَّ صُحْبَةَ
مُحَمَّدٍ لَكَ زَيْنٌ غَيْرُ شَيْنٍ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ
لِأَسْأَلَكَ عَنِ الْحَوْضِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَذْكُرُ فِيهِ شَيْئًا؟ قَالَ أَبُو بَرْزَةَ: نَعَمْ، لَا مَرَّةَ،
وَلَا ثِنْتَيْنِ، وَلَا ثَلَاثًا، وَلَا أَرْبَعًا، وَلَا خَمْسًا، فَمَنْ
كَذَّبَ بِهِ فَلَا سَقَاهُ اللَّهُ مِنْهُ. ثُمَّ خَرَجَ مُغْضَبًا.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ،
أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْزَمٍ
الْعَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي طَالُوتَ الْعَبْدِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا بَرْزَةَ
يَقُولُ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي
الْحَوْضِ، فَمَنْ كَذَّبَ بِهِ فَلَا سَقَاهُ
اللَّهُ مِنْهُ. وَقَدْ رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي
حَمْزَةَ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَنْصَارِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، فِي
دُخُولِهِ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي بَرْزَةَ: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ:
حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ،
حَدَّثَنَا شَدَّادُ بْنُ سَعِيدٍ، سَمِعْتُ أَبَا الْوَازِعِ، وَهُوَ جَابِرُ
بْنُ عَمْرٍو، سَمِعَ أَبَا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْ
حَوْضِي كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى صَنْعَاءَ، مَسِيرَةُ شَهْرٍ، عَرْضُهُ
كَطُولِهِ، فِيهِ مِيزَابَانِ يَغُتَّانِ مِنَ الْجَنَّةِ مِنْ وَرِقٍ وَذَهَبٍ،
أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، فِيهِ أَبَارِيقُ عَدَدُ
نُجُومِ السَّمَاءِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ صَالِحٍ، عَنْ سَيَّارِ
بْنِ سَلَامَةَ الرِّيَاحِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ لِي حَوْضًا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَرْضُهُ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى صَنْعَاءَ، مَاؤُهُ
أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، فِيهِ مِنَ
الْأَبَارِيقِ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ
يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا ". وَمَنْ كَذَّبَ بِهِ فَلَا سَقَاهُ اللَّهُ.
يَعْنِي مِنْهُ.
رِوَايَةُ أَبِي بَكْرَةَ
الثَّقَفِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا
فِي " الْأَهْوَالِ ": حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ،
عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ.
رِوَايَةُ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَّاجِ فِي صَحِيحِهِ ": حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،
وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ - وَاللَّفْظُ
لِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ
الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ أَبِي
عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ،
قَالَ: قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا آنِيَةُ الْحَوْضِ؟ قَالَ: "
وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ
السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا، أَلَا فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْمُصْحِيَةِ،
آنِيَةُ الْجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ مَا عَلَيْهِ،
يَشْخُبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ،
عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ مَا بَيْنَ عَمَّانَ إِلَى أَيْلَةَ، مَاؤُهُ أَشَدُّ
بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ ". هَذَا لَفْظُهُ
إِسْنَادًا وَمَتْنًا.
رِوَايَةُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ ابْنُ أَبِي
عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
بِشْرٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ
لِي حَوْضًا طُولُهُ مَا بَيْنَ الْكَعْبَةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَبْيَضُ
مِثْلُ اللَّبَنِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، وَإِنِّي لَأَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ
تَبَعًا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". وَرَوَاهُ
ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ
الْأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ عَطِيَّةَ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: إِنَّ لِي حَوْضًا طُولُهُ مِنَ الْكَعْبَةِ إِلَى بَيْتِ الْقُدْسِ،
أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، وَكُلُّ نَبِيٍّ
يَدْعُو أُمَّتَهُ، وَلِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِيهِ
الْفِئَامُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِيهِ الْعُصْبَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِيهِ
النَّفَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِيهِ الرَّجُلَانِ وَالرَّجُلُ، وَمِنْهُمْ مَنْ
لَا يَأْتِيهِ أَحَدٌ، فَيُقَالُ: لَقَدْ بَلَّغْتَ. وَإِنِّي لَأَكْثَرُ
الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ
خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " مَابَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ
الْجَنَّةِ ". ثُمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ
مَالِكٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ خُبَيْبٍ،
بِدُونِ ذِكْرِ أَبِي سَعِيدٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ
الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ
عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ خُبَيْبٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ
عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا بَيْنَ بَيْتِي
وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي ".
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا، وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ،
كِلَاهُمَا عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنِي
هِلَالٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ عَلَى الْحَوْضِ
إِذَا زُمْرَةٌ، حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي
وَبَيْنَهُمْ، فَقَالَ: هَلُمَّ. فَقُلْتُ: أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى النَّارِ
وَاللَّهِ. قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهُمْ ؟ قَالَ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ
عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى. ثُمَّ إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا
عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، فَقَالَ: هَلُمَّ. قُلْتُ:
أَيْنَ ؟ قَالَ: إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ. قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهُمْ ؟ قَالَ:
إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى. فَلَا أُرَاهُ
يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلَّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ ". انْفَرَدَ بِهِ
الْبُخَارِيُّ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَّامٍ
الْجُمَحِيُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ - يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ - عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: لَأَذُودَنَّ عَنْ حَوْضِي رِجَالًا كَمَا تُذَادُ الْغَرِيبَةُ
مِنَ الْإِبِلِ ".
وَحَدَّثَنِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ،
سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ،
وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، جَمِيعًا عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ، قَالَ ابْنُ أَبِي
عُمَرَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ
سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ حَوْضِي أَبْعَدُ مِنْ
أَيْلَةَ مِنْ عَدَنَ، لَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ، وَأَحْلَى مِنَ
الْعَسَلِ بِاللَّبَنِ، وَلَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ النُّجُومِ، وَإِنِّي
لَأَصُدُّ النَّاسَ عَنْهُ، كَمَا يَصُدُّ الرَّجُلُ إِبِلَ النَّاسِ عَنْ
حَوْضِهِ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَعْرِفُنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ:
" نَعَمْ، لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ مِنَ الْأُمَمِ، تَرِدُونَ
عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ ". هَذَا لَفْظُهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: رَوَى الْحَافِظُ الضِّيَاءُ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ
صَالِحٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
أَبِي أَسِيدٍ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا أَنَا هَلَكْتُ فَإِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى
الْحَوْضِ ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْحَوْضُ ؟ قَالَ: "
عَرْضُهُ مِثْلُ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ، بَيَاضُهُ بَيَاضُ
اللَّبَنِ، وَهُوَ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ، آنِيَتُهُ مِثْلُ نُجُومِ
السَّمَاءِ، مَنْ وَرَدَ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ
أَبَدًا، وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَرِدَ عَلَىَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ
وَيَعْرِفُونِي، فَيُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنْ أُمَّتِي.
فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: بُعْدًا
وَسُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي.
ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: لَا أَعْلَمُ أَنِّي سَمِعْتُ بِلَفْظِ
السُّكَّرِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا فِي هَذَا
الْحَدِيثِ. قُلْتُ: بَلَى، قَدْ وَرَدَ لَفْظُ السُّكَّرِ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ وَالنِّثَارِ؟ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَضَرَ عَقْدًا، فَأُتِيَ بِأَطْبَاقِ
الْجَوْزِ وَالسُّكَّرِ، فَنُثِرَ، فَجَعَلَ يُخَاطِفُهُمْ وَيُخَاطِفُونَهُ.
الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ، وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ
سَعِيدٍ الْحَبَطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَرِدُ عَلَيَّ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ رَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِي فَيُحَلَّئُونَ عَنِ الْحَوْضِ، فَأَقُولُ:
يَا رَبِّ، أَصْحَابِي، فَيَقُولُ: إِنَّكَ
لَا عِلْمَ لَكَ بِمَا أَحْدَثُوا
بَعْدَكَ، إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى ".
قَالَ: وَقَالَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَيُجْلَوْنَ ".
وَقَالَ عُقَيْلٌ: " فَيُحَلَّئُونَ ". وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
وَهَذَا كُلُّهُ تَعْلِيقٌ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا أَسْنَدَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ
هَذِهِ الْوُجُوهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، إِلَّا أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ
بَعْدَ هَذَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ كَانَ
يُحَدِّثُ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ
رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِي، فَيُحَلَّئُونَ عَنْهُ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أَصْحَابِي
فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا
عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَغَيْرُهُ،
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ كُلْثُومٍ -
إِمَامِ مَسْجِدِ بَنِي بَشِيرٍ - عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَأَنِّي بِكُمْ صَادِرِينِ
عَلَى الْحَوْضِ، يَلْقَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ، فَيَقُولُ: أَشَرِبْتَ؟ فَيَقُولُ:
نَعَمْ.
وَيَلْقَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ،
فَيَقُولُ: أَشَرِبْتَ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاعَطَشَاهُ !
رِوَايَةُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ
عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي
بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ
مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، مِنِّي وَمِنْ
أُمَّتِي. فَيُقَالُ: هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ؟ وَاللَّهِ مَا
بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ. فَكَانَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ
يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا، أَوْ
نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ
ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ، مِثْلَهُ.
رِوَايَةُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي
عُبَيْدَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْكَوْثَرِ،
فَقَالَتْ: هُوَ نَهْرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي الْجَنَّةِ، حَافَّتَاهُ دُرٌّ مُجَوَّفٌ، عَلَيْهِ مِنَ الْآنِيَةِ عَدَدُ
النُّجُومِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ الْكَاهِلِيِّ،
عَنْ إِسْرَائِيلَ، وَاسْتَشْهَدَ بِرِوَايَةِ مُطَرِّفٍ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا ابْنُ
أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ
عَائِشَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ، وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ: إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ
أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، فَوَاللَّهِ لَيُقْتَطَعَنَّ دُونِي
رِجَالٌ، فَلَأَقُولَنَّ: أَيْ رَبِّ، مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي. فَيَقُولُ: إِنَّكَ
لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ؟ مَا زَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ
". انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ.
رِوَايَةُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَالَ
مُسْلِمٌ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عُمَرُ،، وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ
بُكَيْرًا حَدَّثَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسٍ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ
النَّاسَ يَذْكُرُونَ الْحَوْضَ، وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمًا مِنْ ذَلِكَ، وَالْجَارِيَةُ
تُمَشِّطُنِي، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
يَقُولُ: " أَيُّهَا النَّاسُ ". فَقُلْتُ لِلْجَارِيَةِ: اسْتَأْخِرِي
عَنِّي. قَالَتْ: إِنَّمَا دَعَا الرِّجَالَ، وَلَمْ يَدْعُ النِّسَاءَ. فَقُلْتُ:
إِنِّي مِنَ النَّاسِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " إِنِّي لَكُمْ فَرَطٌ عَلَى الْحَوْضِ، فَإِيَّايَ لَا
يَأْتِيَنَّ أَحَدُكُمْ، فَيُذَبَّ عَنِّي كَمَا يُذَبُّ الْبَعِيرُ الضَّالُّ،
فَأَقُولُ: فِيمَ هَذَا ؟ فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا
بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: سُحْقًا ".
ثُمَّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَفْلَحَ بْنِ سَعِيدٍ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ
عَنْهَا.
رِوَايَةُ أَخٍ لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ مَطَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ،
قَالَ: شَكَّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ فِي الْحَوْضِ فَأَرْسَلَ إِلَى
زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الْحَوْضِ، فَحَدَّثَهُ بِهِ حَدِيثًا
مُؤْنَقًا فَأَعْجَبَهُ، فَقَالَ لَهُ: سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ حَدَّثَنِيهِ أَخِي.
فَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ صِفَةُ
هَذَا الْحَوْضِ الْعَظِيمِ، وَالْمَوْرِدِ الْكَرِيمِ الْمُمَدِّ مِنْ شَرَابِ
الْجَنَّةِ مِنْ نَهْرِ الْكَوْثَرِ، الَّذِي هُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ
اللَّبَنِ وَأَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَطْيَبُ
رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الِاتِّسَاعِ، عَرْضُهُ وَطُولُهُ
سَوَاءٌ، كُلُّ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ مَسِيرَةُ شَهْرٍ.
وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ كُلَّ مَا لَهُ فِي زِيَادَةٍ
وَاتِّسَاعٍ، وَأَنَّهُ يَنْبُتُ فِي حَالِهِ - أَيْ فِي طِينِهِ - مِنَ
الْمِسْكِ، وَأَنَّ رَضْرَاضَهُ مِنَ اللُّؤْلُؤِ، وَأَنَّهُ يَنْبُتُ عَلَى
جَوَانِبِهِ قُضْبَانُ الذَّهَبِ، وَيُثْمِرُ أَلْوَانَ الْجَوَاهِرِ، فَسُبْحَانَ
اللَّهِ الْخَالِقِ الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
ذِكْرُ أَنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا،
وَأَنَّ حَوْضَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَعْظَمُهَا، وَأَجَلُّهَا، وَأَكْثَرُهَا وَارِدًا
جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ وُرَّادِهِ، وَسَقَانَا مِنْهُ شَرْبَةً لَا
نَظْمَأُ بَعْدَهَا، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ نُذَادَ عَنْهُ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي
كِتَابِ " الْأَهْوَالِ ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ
الْأَسَدِيُّ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ عَطِيَّةَ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ لِي حَوْضًا طُولُهُ مَا بَيْنَ الْكَعْبَةِ إِلَى بَيْتِ
الْمَقْدِسِ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ،
وَكُلُّ نَبِيٍّ يَدْعُو أُمَّتَهُ، وَلِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ
يَأْتِيهِ الْفِئَامُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِيهِ الْعُصْبَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ
يَأْتِيهِ النَّفَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِيهِ الرَّجُلَانِ وَالرَّجُلُ،
وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَأْتِيهِ أَحَدٌ، فَيُقَالُ: لَقَدْ بَلَّغْتَ. وَإِنِّي
لَأَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ بِشْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ
الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا
مِحْصَنُ بْنُ عُقْبَةَ الْيَمَامِيُّ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ شَبِيبٍ،
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَاضِرٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنِ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ هَلْ فِيهِ مَاءٌ؟ فَقَالَ:
" إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ فِيهِ لَمَاءً، إِنَّ أَوْلِيَاءَ
اللَّهِ لَيَرِدُونَ حِيَاضَ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ سَبْعِينَ أَلْفَ
مَلَكٍ فِي أَيْدِيهِمْ عِصِيٌّ مِنْ نَارٍ، يَذُودُونَ الْكُفَّارَ عَنْ حِيَاضِ
الْأَنْبِيَاءِ ". هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَيْسَ هُوَ
فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ.
وَتَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ
حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ لِكُلِّ
نَبِيٍّ حَوْضًا، وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً،
وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً ". ثُمَّ قَالَ
التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَاهُ أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ، عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا، وَهُوَ أَصَحُّ.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ خُبَيْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ
سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَصْحَابًا،
وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ يَوْمَئِذٍ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً، وَإِنَّ كُلَّ
رَجُلٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ قَائِمٌ عَلَى حَوْضٍ مَلْآنَ، مَعَهُ عَصًا يَدْعُو
مَنْ عَرَفَ مِنْ أُمَّتِهِ، وَلِكُلِّ أُمِّةٍ سِيمَا يَعْرِفُهُمْ بِهَا
نَبِيُّهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا:
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا حَزْمُ بْنُ أَبِي حَزْمٍ، سَمِعْتُ
الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " إِذَا فَقَدْتُمُونِي فَأَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، إِنَّ
لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى حَوْضِهِ، بِيَدِهِ عَصًا، يَدْعُو
مَنْ عَرَفَ مِنْ أُمَّتِهِ، أَلَا وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ
تَبَعًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ
تَبَعًا ". وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ، وَهَذَا مُرْسَلٌ عَنِ الْحَسَنِ،
وَهُوَ حَسَنٌ، صَحَّحَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ
أَفْتَى شَيْخُنَا الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ بِصِحَّتِهِ بِهَذِهِ الطُّرُقِ.
إِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ يَكُونُ الْحَوْضُ قَبْلَ الْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ
أَوْ بَعْدَهُ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ ظَاهِرَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ
يَقْتَضِي كَوْنَهُ قَبْلَ الصِّرَاطِ لِأَنَّهُ يُذَادُ عَنْهُ أَقْوَامٌ يُقَالُ
عَنْهُمْ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَرْتَدُّونَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ، وَأَعْقَابِهِمْ
مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ. فَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ كُفَّارًا فَالْكَافِرُ لَا
يُجَاوِزُ الصِّرَاطَ، بَلْ يُكَبُّ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ قَبْلَ أَنْ
يُجَاوِزَهُ، وَقِيلَ: إِنَّ الصِّرَاطَ طَرِيقٌ وَمَعْبَرٌ إِلَى الْجَنَّةِ،
فَهُوَ إِنَّمَا يُنْصَبُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَالْعُصَاةِ، وَالْفُسَّاقِ،
وَالظَّلَمَةِ، تَحْفَظُهُمْ عَلَيْهِ الْكَلَالِيبُ، فَمِنْهُمُ الْمَخْدُوشُ
الْمُسَلَّمُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُ الْكَلُّوبُ فَيَهْوِي فِي النَّارِ عَلَى
وَجْهِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ بِالرِّدَّةِ عُصَاةً مِنَ
الْمُسْلِمِينَ فَيَبْعُدُ حَجْبُهُمْ عَنِ الْحَوْضِ، لَاسِيَّمَا وَعَلَيْهِمْ
سِيمَا الْوُضُوءِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَعْرِفُكُمْ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ ".
ثُمَّ مَنْ جَاوَزَ الصِّرَاطَ لَا
يَكُونُ إِلَّا نَاجِيًا مُسْلِمًا، فَمِثْلُ هَذَا لَا يُحْجَبُ عَنِ الْحَوْضِ،
فَالْأَشْبَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْحَوْضَ قَبْلَ الصِّرَاطِ.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ،
حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ،
قَالَ:سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ يَشْفَعَ
لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ: " أَنَا فَاعِلٌ ". قَالَ: فَأَيْنَ
أَطْلُبُكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: " اطْلُبْنِي
أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ ". قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ
أَلْقَكَ عَلَى الصِّرَاطِ ؟ قَالَ: " فَأَنَا عِنْدَ الْمِيزَانِ ".
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ الْمِيزَانِ ؟ قَالَ: " فَأَنَا عِنْدَ
الْحَوْضِ، لَا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلَاثَ مَوَاطِنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ بَدَلِ بْنِ الْمُحَبَّرِ، وَابْنُ مَاجَهْ
فِي " تَفْسِيرِهِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ، كِلَاهُمَا عَنْ
حَرْبِ بْنِ مَيْمُونٍ أَبِي الْخَطَّابِ الْأَنْصَارِيِّ الْبَصْرِيِّ، مِنْ
رِجَالِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ وَثَّقَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَعَمْرُو بْنُ
عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ، وَفَرَّقَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَرْبِ بْنِ مَيْمُونٍ أَبِي
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَبْدِيِّ الْبَصْرِيِّ أَيْضًا، صَاحِبِ الْأَغْمِيَةِ،
وَضَعَّفَا هَذَا.
وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ فَجَعَلَهُمَا وَاحِدًا، وَحَكَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
حَرْبٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ هَذَا أَكْذَبَ الْخَلْقِ. وَأَنْكَرَ
الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ فِي جَعْلِهِمَا هَذَيْنِ
وَاحِدًا.
وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ
الْمِزِّيُّ: جَمَعَهُمَا غَيْرُ وَاحِدٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ وَاحِدٍ،
وَهُوَ الصَّحِيحُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قُلْتُ: وَقَدْ حَرَّرْتُ هَذَا فِي
" التَّكْمِيلِ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَوْضَ بَعْدَ
الصِّرَاطِ، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ أَيْضًا، وَهَذَا لَا أَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا،
اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ حَوْضًا آخَرَ، يَكُونُ بَعْدَ
قَطْعِ الصِّرَاطِ، كَمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ
حَوْضًا ثَانِيًا لَا يُذَادُ عَنْهُ أَحَدٌ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا كَانَ الظَّاهِرُ كَوْنَهُ قَبْلَ الصِّرَاطِ، فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ
قَبْلَ وَضْعِ الْكُرْسِيِّ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ ؟ هَذَا
مِمَّا يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنَ الْأَمْرَيْنِ، وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا
فَاصِلًا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ يَكُونُ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي " التَّذْكِرَةِ ": وَاخْتَلَفَ فِي
الْمِيزَانِ وَالْحَوْضِ؟ أَيُّهُمَا يَكُونُ قَبْلَ الْآخَرِ؟ فَقِيلَ:
الْمِيزَانُ قَبْلُ. وَقِيلَ: الْحَوْضُ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ:
وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحَوْضَ قَبْلُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالْمَعْنَى
يَقْتَضِيهِ فَإِنَّ النَّاسَ يَخْرُجُونَ عِطَاشًا مِنْ قُبُورِهِمْ كَمَا
تَقَدَّمَ - فَيُقَدَّمُ قَبْلَ الْمِيزَانِ وَالصِّرَاطِ.
قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي
كِتَابِ " كَشْفِ عِلْمِ الْآخِرَةِ ": حَكَى بَعْضُ السَّلَفِ مِنْ
أَهْلِ التَّصْنِيفِ أَنَّ الْحَوْضَ يُورَدُ بَعْدَ الصِّرَاطِ، وَهُوَ غَلَطٌ
مِنْ قَائِلِهِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هُوَ كَمَا قَالَ. ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ
مَنْعِ الْمُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ عَنِ الْحَوْضِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا
الْحَدِيثُ مَعَ صِحَّتِهِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْحَوْضَ يَكُونُ فِي
الْمَوْقِفِ قَبْلَ الصِّرَاطِ ; لِأَنَّ الصِّرَاطَ مَنْ جَازَ عَلَيْهِ سَلِمَ،
كَمَا سَيَأْتِي. قُلْتُ: وَهَذَا التَّوْجِيهُ قَدْ أَسْلَفْنَاهُ. وَلِلَّهِ
الْحَمْدُ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ فِي تَحْدِيدِ
الْحَوْضِ تَارَةً بِجَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ، وَتَارَةً كَمَا بَيْنَ الْكَعْبَةِ
إِلَى كَذَا، وَتَارَةً بِغَيْرِ ذَلِكَ، اضْطِرَابًا. قَالَ: وَلَيْسَ الْأَمْرُ
كَذَلِكَ ؟ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَ أَصْحَابَهُ بِهِ
مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَخَاطَبَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِكُلِّ قَوْمٍ بِمَا
يَعْرِفُونَ مِنَ الْأَمَاكِنِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحِ تَحْدِيدُهُ بِشَهْرٍ
فِي شَهْرٍ. قَالَ: وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِكَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ، بَلْ
فِي الْأَرْضِ الْمُبَدَّلَةِ، وَهِيَ أَرْضٌ بَيْضَاءُ كَالْفِضَّةِ، لَمْ
يُسْفَكْ فِيهَا دَمٌ، وَلَمْ يُظْلَمْ عَلَى ظَهْرِهَا أَحَدٌ قَطُّ، تُطَهَّرُ
لِنُزُولِ الْجَبَّارِ جَلَّ جَلَالُهُ، لِفَصْلِ الْقَضَاءِ.
قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلَى كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا الْحَوْضِ
وَاحِدًا مِنَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، فَعَلَى الرُّكْنِ الْأَوَّلِ أَبُو
بَكْرٍ، وَعَلَى الثَّانِي عُمَرُ، وَعَلَى الثَّالِثِ عُثْمَانُ، وَعَلَى
الرَّابِعِ عَلِيٌّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. قُلْتُ: وَقَدْ رَوَيْنَاهُ فِي
" الْغَيْلَانِيَّاتِ "، وَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ لِضَعْفِ بَعْضِ
رِجَالِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ فِي مَجِيءِ الرَّبِّ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَا يَشَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ
بَيْنَ خَلْقِهِ
ذُكِرَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ إِذَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَفَعَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
لِيَفْصِلَ بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَقُولُ الرَّبُّ تَعَالَى:أَنَا آتِيكُمْ
فَأَقْضِي بَيْنَكُمْ. ثُمَّ يَرْجِعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَيَقِفُ مَعَ النَّاسِ فِي مَقَامِهِ الْأَوَّلِ، فَحِينَئِذٍ
تَنْشَقُّ السَّمَاوَاتُ بِغَمَامِ النُّورِ، وَتُنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ
تَنْزِيلًا، فَيَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَهُمْ قَدْرُ أَهْلِ
الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، فَيُحِيطُونَ بِهِمْ دَائِرَةً، ثُمَّ
تَنْشَقُّ السَّمَاءُ الثَّانِيَةُ فَتَنْزِلُ مَلَائِكَتُهَا وَهُمْ قَدْرُ
الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَقَدْرُ مَلَائِكَةِ سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُحِيطُونَ
بِمَنْ هُنَاكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ دَائِرَةً، ثُمَّ
كَذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، وَالرَّابِعَةِ، ثُمَّ الْخَامِسَةِ،
ثُمَّ السَّادِسَةِ، ثُمَّ السَّابِعَةِ، فَكُلُّ أَهْلِ سَمَاءٍ تُحِيطُ بِمَنْ
قَبْلَهُمْ دَائِرَةً، ثُمَّ تَنْزِلُ الْمَلَائِكَةُ الْكَرُوبِيُّونَ وَحَمَلَةُ
الْعَرْشِ، وَمَنْ حَوْلَهُ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، وَلَهُمْ زَجَلٌ بِالتَّسْبِيحِ
وَالتَّقْدِيسِ وَالتَّعْظِيمِ; يَقُولُونَ: سُبْحَانَ ذِي الْعِزَّةِ
وَالْجَبَرُوتِ، سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، سُبْحَانَ الْحَيِّ
الَّذِي لَا يَمُوتُ، سُبْحَانَ الَّذِي يُمِيتُ الْخَلَائِقَ وَلَا يَمُوتُ.
ثُمَّ يَأْتِيهِمُ اللَّهُ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي " الْأَهْوَالِ ":
حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي
الْمِنْهَالِ سَيَّارِ بْنِ سَلَامَةَ الرِّيَاحِيِّ، حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ
حَوْشَبٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِذَا
كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مُدَّتِ الْأَرْضُ مَدَّ الْأَدِيمِ، وَزِيدَ فِي سَعَتِهَا كَذَا وَكَذَا، وَجُمِعَ الْخَلَائِقُ بِصَعِيدٍ وَاحِدٍ; جِنُّهُمْ وَإِنْسُهُمْ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ قِيضَتْ هَذِهِ السَّمَاءُ الدُّنْيَا عَنْ أَهْلِهَا، فَنَثَرُوا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَلِأَهْلِ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَحْدَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ، جِنِّهِمْ وَإِنْسِهِمْ بِالضِّعْفِ، فَإِذَا رَآهُمْ أَهْلُ الْأَرْضِ فَزِعُوا إِلَيْهِمْ، وَيَقُولُونَ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ فَيَفْزَعُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَيَقُولُونَ: سُبْحَانَ رَبِّنَا لَيْسَ فِينَا، وَهُوَ آتٍ. ثُمَّ تُقَاضُ السَّمَاءُ الثَّانِيَةُ، وَلَأَهْلُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَمِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِالضِّعْفِ، فَإِذَا نُثِرُوا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَزِعَ إِلَيْهِمْ أَهْلُ الْأَرْضِ، وَيَقُولُونَ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ فَيَفْزَعُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَيَقُولُونَ: سُبْحَانَ رَبِّنَا! لَيْسَ فِينَا، وَهُوَ آتٍ. ثُمَّ تُقَاضُ السَّمَاوَاتُ سَمَاءً سَمَاءً، كُلَّمَا قِيضَتْ سَمَاءٌ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ الَّتِي تَحْتَهَا، وَمِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِالضِّعْفِ؟ جِنِّهِمْ وَإِنْسِهِمْ، كُلَّمَا نُثِرُوا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَزِعَ إِلَيْهِمْ أَهْلُ الْأَرْضِ، وَيَقُولُونَ لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَرْجِعُونَ إِلَيْهِمْ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى تُقَاضُ السَّمَاءُ السَّابِعَةُ، وَلَأَهْلُهَا وَحْدَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ سِتِّ سَمَاوَاتٍ، وَمِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ بِالضَّعْفِ، وَيَجِيءُ اللَّهُ فِيهِمْ، وَالْأُمَمُ جُثًا صُفُوفٌ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: سَتَعْلَمُونَ الْيَوْمَ مَنْ أَصْحَابُ الْكَرَمِ، لِيَقُمِ
الْحَمَّادُونَ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ
حَالٍ، فَيَقُومُونَ فَيُسَرَّحُونَ إِلَى الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُنَادِي ثَانِيَةً: سَتَعْلَمُونَ
مَنْ أَصْحَابُ الْكَرَمِ الْيَوْمَ، لِيَقُمِ الَّذِينَ كَانَتْ تَتَجَافَى
جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [ السَّجْدَةِ: 16 ]، فَيَقُومُونَ فَيُسَرَّحُونَ
إِلَى الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُنَادِي ثَالِثَةً: سَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ
الْكَرَمِ الْيَوْمَ، لِيَقُمِ الَّذِينَ كَانُوا لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا
بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ
يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ [ النُّورِ: 37
]، فَيَقُومُونَ فَيُسَرَّحُونَ إِلَى الْجَنَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ
مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ خَرَجَ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ، فَأَشْرَفَ عَلَى
الْخَلَائِقِ، لَهُ عَيْنَانِ بَصِيرَتَانِ، وَلِسَانٌ فَصِيحٌ، فَيَقُولُ: إِنِّي
وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ، وُكِّلْتُ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ. فَيَلْقُطُهُمْ مِنَ
الصُّفُوفِ لَقْطَ الطَّيْرِ حَبَّ السِّمْسِمِ، فَيَخْنِسُ بِهِمْ فِي جَهَنَّمَ،
ثُمَّ يَخْرُجُ الثَّانِيَةَ، فَيَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِمَنْ آذَى اللَّهَ
وَرَسُولَهُ. فَيَلْقُطُهُمْ مِنَ الصُّفُوفِ لَقْطَ الطَّيْرِ حَبَّ السِّمْسِمِ،
فَيَخْنِسُ بِهِمْ فِي جَهَنَّمَ، ثُمَّ يَخْرُجُ الثَّالِثَةَ، فَيَقُولُ: إِنِّي
وُكِّلْتُ بِأَصْحَابِ التَّصَاوِيرِ. فَيَلْقُطُهُمْ مِنَ الصُّفُوفِ لَقْطَ
الطَّيْرِ حَبَّ السِّمْسِمِ، فَيَخْنِسُ بِهِمْ فِي جَهَنَّمَ، فَإِذَا أَخَذَ
مِنْ هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةً، وَمِنْ هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةً، نُشِرَتِ الصُّحُفُ،
وَوُضِعَتِ الْمُوَازِينُ، وَدُعِيَتِ الْخَلَائِقُ لِلْحِسَابِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا
دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ
يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [ الْفَجْرِ: 21 -
23 ]، الْآيَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ
اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى
اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ [ الْبَقَرَةِ: 210 ] وَقَالَ تَعَالَى: وَأَشْرَقَتِ
الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ
وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ [
الزُّمَرِ: 69، 70 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ
بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ
لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا [ الْفُرْقَانِ: 25،
26 ].
وَقَالَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ: فَيَضَعُ اللَّهُ كُرْسِيَّهُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ
أَرْضِهِ. يَعْنِي بِذَلِكَ كُرْسِيَّ فَصْلِ الْقَضَاءِ، وَلَيْسَ هَذَا
بِالْكُرْسِيِّ الْمَذْكُورِ فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَلَا الْمَذْكُورِ فِي
" صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ ": " مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ
وَالْأَرَضُونَ السَّبْعُ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ فِي الْكُرْسِيِّ
إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ، وَمَا الْكُرْسِيُّ فِي الْعَرْشِ
إِلَّا كَتِلْكَ الْحَلْقَةِ بِتِلْكَ الْفَلَاةِ، وَالْعَرْشُ لَا يَقْدِرُ
قَدْرَهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ".
وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى هَذَا الْكُرْسِيِّ اسْمُ الْعَرْشِ، فَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ
فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، كَمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ:سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ " - وَفِي
رِوَايَةٍ: " فِي ظِلِّ عَرْشِهِ " - يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ
" الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ.
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ
الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَعَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ
النَّاسَ يُصْعَقُونَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَأَجِدُ مُوسَى بَاطِشًا
بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَصُعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي،
أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ؟ ". فَقَوْلُهُ: أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ
الطُّورِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الصَّعْقَ الَّذِي يَحْصُلُ لِلنَّاسِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ سَبَبُهُ تَجَلِّي الرَّبِّ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ لِفَصْلِ
الْقَضَاءِ، فَيُصْعَقُ النَّاسُ مِنْ تَجَلِّي الْعَظَمَةِ وَالْجَلَالِ، كَمَا
صُعِقَ مُوسَى يَوْمَ الطُّورِ حِينَ تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ فَجَعَلَهُ
دَكًّا، وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا.
فَمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِذَا صُعِقَ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ;
إِمَّا أَنْ يَكُونَ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ فَلَا يُصْعَقُ يَوْمَئِذٍ،
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ صُعِقَ فَأَفَاقَ، أَيْ صُعِقَ صَعْقَةً خَفِيفَةً،
فَأَفَاقَ قَبْلَ النَّاسِ كُلِّهِمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ
فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ، كَمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "،
وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ ".
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا.
وَجَاءَ أَنَّهُمْ يَسْجُدُونَ لَهُ
سُبْحَانَهُ يَوْمَئِذٍ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا جُبَارَةُ بْنُ
الْمُغَلِّسِ الْحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ أَبِي
الْمُسَاوِرِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْخَلَائِقَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَذِنَ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ فِي السُّجُودِ، فَيَسْجُدُونَ
لَهُ طَوِيلًا، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ، فَقَدْ جَعَلْنَا
عِدَّتَكُمْ فِدَاءَكُمْ مِنَ النَّارِ ". وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ
أُخَرَ، كَمَا سَيَأْتِي.
وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى
بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَتَلَفَّتُ فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ،
فَيَقَعُونَ سُجُودًا، وَتَرْجِعُ أَصْلَابُ الْمُنَافِقِينَ حَتَّى تَكُونَ
عَظْمًا، كَأَنَّهَا صَيَاصِي الْبَقَرِ ". ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُ
حَدَّثَ بِهِ عَنِ الْأَعْمَشِ إِلَّا أَبَا عَوَانَةَ، قُلْتُ: وَسَيَأْتِي لَهُ
شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.
وَذُكِرَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ: إِنَّ اللَّهَ يُنَادِي الْعِبَادَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: إِنِّي قَدْ أَنْصَتُّ لَكُمْ مُنْذُ خَلَقْتُكُمْ إِلَى
يَوْمِكُمْ هَذَا، أَرَى أَعْمَالَكُمْ وَأَسْمَعُ أَقْوَالَكُمْ، فَأَنْصِتُوا
لِي، فَإِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ، وَصُحُفُكُمْ تُقْرَأُ عَلَيْكُمْ، فَمَنْ
وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا
يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ".
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ اشْتَرَى
رَاحِلَةً، وَسَارَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ شَهْرًا ; لِيَسْمَعَ
مِنْهُ حَدِيثًا بَلَغَهُ عَنْهُ، فَلَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - أَوْ قَالَ:
الْعِبَادُ - عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا ". قُلْنَا: وَمَا بُهْمًا ؟ قَالَ:
" لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ
بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ، لَا
يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَهُ عِنْدَ
أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، وَلَا يَنْبَغِي
لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ
النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ، حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، حَتَّى اللَّطْمَةُ ".
قَالَ: قُلْنَا: وَكَيْفَ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ بُهْمًا ؟ قَالَ:
" بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ".
وَفَى " صَحِيحِ مُسْلِمٍ "، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْإِلَهِيِّ الطَّوِيلِ: يَا
عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ
إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ
ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ".
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ
ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ وَمَا
نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا
بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [ هُودٍ: 103 - 105 ]. ثُمَّ ذَا
سُبْحَانَهُ مَا أَعَدَّهُ لِلْأَشْقِيَاءِ، وَمَا أَعَدَّهُ لِلسُّعَدَاءِ،
وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا
يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا [
النَّبَإِ: 38 ].
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": " وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ
إِلَّا الرُّسُلُ ". وَقَدْ عَقَدَ
الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ
بَابًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ مِنْ " صَحِيحِهِ
": بَابُ كَلَامِ الرَّبِّ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ
الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ. ثُمَّ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي
الشَّفَاعَةِ بِتَمَامِهِ، وَحَدِيثَ عَدِيٍّ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا
سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ " الْحَدِيثَ، وَحَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّجْوَى.
وَنَحْنُ نُورِدُ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَحَادِيثَ أُخَرَ، مُنَاسِبَةً
لِهَذَا الْبَابِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ
وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ
وَقَالَ صَوَابًا [ الْمَائِدَةِ: 109 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَلَنَسْأَلَنَّ
الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فَلَنَقُصَّنَّ
عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ [ الْأَعْرَافِ: 6، 7 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
[ الْحِجْرِ: 92، 93 ].
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ،
أَنْبَأَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَنْعُمٍ الْمَعَافِرِيُّ،
عَنْ حِبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ، يُسْنِدُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا جَمَعَ اللَّهُ عِبَادَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ كَانَ أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إِسْرَافِيلَ، فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ:
مَا فَعَلْتَ فِي عَهْدِي؟ هَلْ بَلَّغْتَ عَهْدِي؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ،
قَدْ بَلَّغْتُهُ جِبْرِيلَ، فَيُدْعَى جِبْرِيلُ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغَكَ
إِسْرَافِيلُ عَهْدِي؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، قَدْ بَلَّغَنِي. فَيُخَلَّى عَنْ
إِسْرَافِيلَ، وَيُقَالُ لِجِبْرِيلَ: هَلْ بَلَّغْتَ عَهْدِي؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ،
قَدْ بَلَّغْتُ الرُّسُلَ. فَتُدْعَى الرُّسُلُ
فَيَقُولُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ
جِبْرِيلُ عَهْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُخَلَّى عَنْ جِبْرِيلَ، وَيُقَالُ
لِلرُّسُلِ: مَا فَعَلْتُمْ بِعَهْدِي؟ فَيَقُولُونَ: بَلَّغْنَا أُمَمَنَا.
فَتُدْعَى الْأُمَمُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمُ الرُّسُلُ عَهْدِي؟
فَمِنْهُمُ الْمُكَذِّبُ، وَمِنْهُمُ الْمُصَدِّقُ، فَيَقُولُ الرُّسُلُ: إِنَّ
لَنَا عَلَيْهِمْ شُهَدَاءَ يَشْهَدُونَ أَنْ قَدْ بَلَّغْنَا مَعَ شَهَادَتِكَ.
فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أُمَّةُ أَحْمَدَ. فَتُدْعَى
أُمَّةُ أَحْمَدَ، فَيَقُولُ: أَتَشْهَدُونَ أَنَّ رُسُلِي هَؤُلَاءِ قَدْ
بَلَّغُوا عَهْدِي إِلَى مَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ رَبِّ،
شَهِدْنَا أَنْ قَدْ بَلَّغُوا. فَتَقُولُ تِلْكَ الْأُمَمُ: كَيْفَ يَشْهَدُ
عَلَيْنَا مَنْ لَمْ يُدْرِكْنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمُ الرَّبُّ تَعَالَى: كَيْفَ
تَشْهَدُونَ عَلَى مَنْ لَمْ تُدْرِكُوا؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا، بَعَثْتَ
إِلَيْنَا رَسُولًا، وَأَنْزَلْتَ إِلَيْنَا عَهْدَكَ وَكِتَابَكَ، وَقَصَصْتَ
عَلَيْنَا أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا، فَشَهِدْنَا بِمَا عَهِدْتَ إِلَيْنَا.
فَيَقُولُ الرَّبُّ: صَدَقُوا. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ
الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [ الْبَقَرَةِ: 143 ].
قَالَ ابْنُ أَنْعُمٍ: فَبَلَغَنِي أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْهَدُ، إِلَّا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ حِنَةٌ عَلَى
أَخِيهِ.
ذِكْرُ كَلَامِ الرَّبِّ تَعَالَى مَعَ
آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ
بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى
يَوْمَ الْقِيَامَةِ آدَمُ، فَيُقَالُ: هَذَا أَبُوكُمْ آدَمُ. فَيَقُولُ: يَا
رَبِّ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. فَيَقُولُ لَهُ رَبُّنَا: أَخْرِجْ نَصِيبَ
جَهَنَّمَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، وَكَمْ؟ فَيَقُولُ: مِنْ
كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ ". فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَرَأَيْتَ إِذَا أَخَذَ مِنَّا مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ،
فَمَاذَا يَبْقَى مِنَّا؟ قَالَ: " إِنَّ أُمَّتِي فِي الْأُمَمِ
كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ ".
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَخِيهِ،
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ
سَالِمٍ أَبِي الْغَيْثِ، مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى يَوْمَ
الْقِيَامَةِ آدَمُ، فَتَرَاءَى ذُرِّيَّتُهُ، فَيُقَالُ: هَذَا أَبُوكُمْ آدَمُ.
فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ جَهَنَّمَ مِنْ
ذُرِّيَّتِكَ ". وَذَكَرَ تَمَامَهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا
آدَمُ، قُمْ فَابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ،
وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، يَا رَبِّ، وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ
أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ. قَالَ: فَحِينَئِذٍ يَشِيبُ
الْمَوْلُودُ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ
وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ
بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ
[ الْحَجِّ: 2 ].
قَالَ: فَيَقُولُونَ: فَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ
وَتِسْعُونَ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ ". قَالَ:
فَقَالَ النَّاسُ: اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ
أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ
الْجَنَّةِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ
". قَالَ: فَكَبَّرَ النَّاسُ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ فِي النَّاسِ إِلَّا
كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ
السَّوْدَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَبْيَضِ ".
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنِ الْأَعْمَشِ، بِهِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي
شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ بِهِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، بِهِ.
وَفَى " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ
شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي قُبَّةٍ، فَقَالَ: " أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ
أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ " قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: " أَتَرْضَوْنَ أَنْ
تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ ". قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: "
أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ ". قُلْنَا: نَعَمْ.
قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ
بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ
تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا
إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلَّا
كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ
السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَحْمَرِ ".
كَلَامُ الرَّبِّ تَعَالَى مَعَ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَسُؤَالُهُ إِيَّاهُ
عَنِ الْبَلَاغِ
كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ
وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [ الْأَعْرَافِ: 6 ].
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُدْعَى نُوحٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُدْعَى قَوْمُهُ،
فَيُقَالُ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ " أَوْ:
" مَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ ". قَالَ: " فَيُقَالُ لِنُوحٍ: مَنْ
يَشْهَدُ لَكَ ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ ". قَالَ: " فَذَلِكَ
قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [ الْبَقَرَةِ: 143 ]. قَالَ:
" وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ "، قَالَ: " فَيُدْعَوْنَ، فَيَشْهَدُونَ
لَهُ بِالْبَلَاغِ ". قَالَ: " ثُمَّ أَشْهَدُ عَلَيْكُمْ ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طُرُقٍ
عَنِ الْأَعْمَشِ، بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ،
بِلَفْظٍ أَعَمَّ مِنْ هَذَا، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا
الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَجِيءُ النَّبِيُّ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ الرَّجُلُ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلَانِ، وَأَكْثَرُ
مِنْ ذَلِكَ، فَيُدْعَى قَوْمُهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ هَذَا؟
فَيَقُولُونَ: لَا. فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ قَوْمَكَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ.
فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ. فَيُدْعَى
وَأُمَّتُهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَ هَذَا قَوْمَهُ؟ فَيَقُولُونَ:
نَعَمْ. فَيُقَالُ: وَمَا عِلْمُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جَاءَنَا نَبِيُّنَا،
فَأَخْبَرَنَا أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ
أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ قَالَ: يَقُولُ: "
عَدْلًا، لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ
شَهِيدًا [ الْبَقَرَةِ: 143 ]. وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي
كُرَيْبٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ.
قُلْتُ: وَمَضْمُونُ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
يَكُونُونَ عُدُولًا عِنْدَ سَائِرِ الْأُمَمِ وَالْأَنْبِيَاءِ، وَلِهَذَا
يَسْتَشْهِدُ بِهِمْ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى أُمَمِهِمْ، وَلَوْلَا
اعْتِرَافُ أُمَمِهِمْ بِشَرَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَمَا حَصَلَ إِلْزَامُهُمْ
بِشَهَادَتِهِمْ.
وَفِي حَدِيثِ بِهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ
حَيْدَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَنْتُمْ
تُوَفُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا، وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ ".
ذِكْرُ تَشْرِيفِ إِبْرَاهِيمَ
الْخَلِيلِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي
الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [ الْعَنْكَبُوتِ: 27 ]. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ:قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَخْطُبُ، فَقَالَ: " إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا كَمَا
بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ الْآيَةَ [ الْأَنْبِيَاءِ: 104 ]. وَإِنَّ
أَوَّلَ الْخَلَائِقِ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ،
وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ،
فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أَصْحَابِي. فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا
بَعْدَكَ. فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ
شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ إِلَى قَوْلِهِ الْحَكِيمُ [ الْمَائِدَةِ: 117، 118
]. قَالَ: " فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى
أَعْقَابِهِمْ ".
ذِكْرُ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَظُهُورِ شَرَفِهِ وَجَلَالَتِهِ وَكَرَامَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَوَجَاهَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ، وَكَثْرَةِ أَتْبَاعِهِ، وَانْتِشَارِ أُمَّتِهِ
قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا
مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا [
الْأَحْزَابِ: 69 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ
كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ
الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ
هَارُونَ نَبِيًّا [ مَرْيَمَ: 51 - 53 ]. وَقَالَ تَعَالَى: قَالَ يَا مُوسَى
إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي [ الْأَعْرَافِ:
144 ]. وَقَالَ: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى
عَيْنِي. إِلَى قَوْلِهِ: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [ طه: 39، 41 ]. وَالْقُرْآنُ
مَمْلُوءٌ بِذِكْرِ مُوسَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى
مُوسَى; فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ
مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى، بَاطِشٌ بِالْعَرْشِ ". الْحَدِيثَ.
وَقَالَ تَعَالَى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [ النِّسَاءِ: 164 ].
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِمُوسَى لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَهُوَ قَائِمٌ
يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ، وَرَآهُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ - وَفِي رِوَايَةٍ:
فِي السَّادِسَةِ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَكَانَتْ شَرِيعَةُ مُوسَى عَظِيمَةً
جِدًّا، وَأُمَّتُهُ كَثِيرَةً جِدًّا، وَكَانَ فِيهِمُ
الْأَنْبِيَاءُ وَالْعُلَمَاءُ،
وَالرَّبَّانِيُّونَ، وَالْأَحْبَارُ، وَالْعُبَّادُ، وَالزُّهَّادُ،
وَالصَّالِحُونَ، وَالْمُؤْمِنُونَ، وَالْمُسْلِمُونَ، وَالْمُلُوكُ،
وَالسَّادَاتُ، وَالْكُبَرَاءُ، وَطَالَتْ أَيَّامُهُمْ فِي أَرْغَدِ عَيْشٍ
وَأَطْيَبِهِ، مَعَ الْقَهْرِ، وَالْغَلَبَةِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ قَاطِبَةً، وَلَا
سِيَّمَا فِي زَمَنِ دَاوُدَ، وَسُلَيْمَانَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَقَدْ
مَدَحَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ، فَقَالَ تَعَالَى:
وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [
الْأَعْرَافِ: 159 ]، وَقَالَ: وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ
الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ [ الْأَعْرَافِ: 168 ]. وَقَالَ: أُولَئِكَ
الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ
وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ
وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا [ مَرْيَمَ: 158 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ
وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ
وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ [ الْجَاثِيَةِ: 16، 17 ]، وَقَدْ
ذَكَرَهُمُ اللَّهُ كَثِيرًا فِي الْقُرْآنِ. وَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَادًا عَظِيمًا قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ، فَظَنَّهَا
أُمَّتَهُ، فَقِيلَ: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ. وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ فِي
فَضْلِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
كَثِيرَةٌ جِدًّا.
ذِكْرُ عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَكَلَامِ الرَّبِّ مَعَهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ
قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [
الْمَائِدَةِ: 116 ]، إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَهَذَا السُّؤَالُ مِنَ اللَّهِ
تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِعِيسَى
ابْنِ مَرْيَمَ - مَعَ عِلْمِهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا مِنْ
ذَلِكَ، وَلَا خَطَرَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ قَطُّ، وَلَا حَدَّثَتْهُ بِهِ نَفْسُهُ -
إِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ لِمَنِ اعْتَقَدَ فِيهِ
ذَلِكَ، مِنْ ضُلَّالِ النَّصَارَى، وَجَهَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَيَبْرَأُ
إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَمِمَّنْ قَالَهَا فِيهِ وَفِي
أُمِّهِ، كَمَا تَتَبَرَّأُ الْمَلَائِكَةُ مِمَّنِ اعْتَقَدَ فِيهِمْ شَيْئًا
مِنْ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ
لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ
أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ
بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [ سَبَإٍ: 40، 41 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ
وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي
هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ. إِلَى قَوْلِهِ: نُذِقْهُ عَذَابًا
كَبِيرًا [ الْفُرْقَانِ: 17 - 19 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ
جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ
وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ
إِيَّانَا تَعْبُدُونَ [ يُونُسَ: 28 - 30 ].
وَأَمَّا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الْمُحَمَّدِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَا
يُسَاوِيهِ، بَلْ وَلَا يُدَانِيهِ أَحَدٌ فِيهِ، وَيَحْصُلُ لَهُ مِنَ
التَّشْرِيفَاتِ مَا يَغْبِطُهُ بِهَا الْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا وَرَدَ فِي الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ مِنَ الْأَحَادِيثِ،وَأَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ مَنْ يَسْجُدُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ
تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَشْفَعُ فَيُشَفَّعُ، وَأَوَّلُ
مَنْ يُكْسَى
بَعْدَ الْخَلِيلِ حُلَّتَيْنِ
خَضْرَاوَيْنِ، وَيَجْلِسُ الْخَلِيلُ بَيْنَ يَدَيِ الْعَرْشِ، وَمُحَمَّدٌ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ، فَيَقُولُ: " يَا
رَبِّ، إِنَّ هَذَا - وَيُشِيرُ إِلَى جِبْرِيلَ - أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ
أَرْسَلْتَهُ إِلَيَّ ". فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: صَدَقَ جِبْرِيلُ
".
وَقَدْ رَوَى لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَأَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ، وَعَطَاءُ
بْنُ السَّائِبِ، وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي
تَفْسِيرِ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ: إِنَّهُ يُجْلِسُهُ مَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ.
وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَجَمَعَ فِيهِ أَبُو
بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ جُزْءًا كَبِيرًا، وَحَكَاهُ هُوَ وَغَيْرُهُ عَنْ غَيْرِ
وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ; كَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ بْنِ
رَاهَوَيْهِ وَخَلْقٍ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَهَذَا شَيْءٌ لَا يُنْكِرُهُ
مُثْبِتٌ وَلَا نَافٍ. وَقَدْ نَظَمَهُ الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ
الدَّارَقُطْنِيُّ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
قُلْتُ: وَمِثْلُ هَذَا لَا يَنْبَغِي قَبُولُهُ إِلَّا عَنْ مَعْصُومٍ، وَلَمْ
يَثْبُتْ فِي هَذَا حَدِيثٌ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَلَا يُصَارُ بِسَبَبِهِ
إِلَيْهِ، وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَغَيْرِهِ فِي هَذَا: إِنَّهُ الْمَقَامُ
الْمَحْمُودُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ بِمُجَرَّدِهِ، وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ لَا يَصِحُّ، وَلَكِنْ قَدْ تَلَقَّاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ
أَهْلِ الْحَدِيثِ بِالْقَبُولِ، وَلَمْ يَصِحَّ إِسْنَادُهُ إِلَى ابْنِ سَلَامٍ.
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ،
حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ الْمَعْمَرِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ:
إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ
مُدَّتِ الْأَرْضُ مَدَّ الْأَدِيمِ، حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا
مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ ". قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُدْعَى، وَجِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ،
وَاللَّهِ مَا رَآهُ قَبْلَهَا، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّ هَذَا أَخْبَرَنِي
أَنَّكَ أَرْسَلْتَهُ إِلَيَّ. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: صَدَقَ. ثُمَّ أَشْفَعُ
فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، عِبَادُكَ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ. فَهُوَ الْمَقَامُ
الْمَحْمُودُ ".
قُلْتُ: قَدْ وَرَدَ فِي الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ أَنَّهُ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى
فِي الْخَلْقِ لِيُقْضَى بَيْنَهُمْ حِينَ يَأْتُونَ آدَمَ، وَنُوحًا، وَإِبْرَاهِيمَ،
وَمُوسَى، وَعِيسَى، فَإِذَا جَاءُوا لَدَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَعَلَيْهِمْ، قَالَ: " أَنَا لَهَا، أَنَا لَهَا ". فَهَذَا هُوَ
الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي يَحْمَدُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ،
كَمَا رُوِيَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ.
ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي كَلَامِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ مَعَ الْعُلَمَاءِ يَوْمَ
فَصْلِ الْقَضَاءِ
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ
بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ الطَّالَقَانِيُّ،
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ
ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْعُلَمَاءِ إِذَا جَلَسَ عَلَى
كُرْسِيِّهِ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ: إِنِّي لَمْ أَجْعَلْ عِلْمِي وَحِكْمَتِي
فِيكُمْ، إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَغْفِرَ لَكُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْكُمْ،
وَلَا أُبَالِي ".
قُلْتُ: وَلَا يَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّ كَانَ الْمُرَادَ بِهِ الْعُلَمَاءُ
الْعَامِلُونَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ أَوَّلِ كَلَامِهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِلْمُؤْمِنِينَ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
زَحْرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ مُعَاذِ
بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنْ شِئْتُمْ أَنْبَأْتُكُمْ بِأَوَّلِ مَا يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَبِأَوَّلِ مَا يَقُولُونَ لَهُ ".
قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى
يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ: هَلْ أَحْبَبْتُمْ لِقَائِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ يَا
رَبَّنَا. فَيَقُولُ: وَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: عَفْوُكَ
وَرَحْمَتُكَ
وَرِضْوَانُكَ. فَيَقُولُ؟ فَإِنِّي
قَدْ أَوْجَبْتُ لَكُمْ رَحْمَتِي.
فَصْلٌ ( مُخَاطَبَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِعَبْدِهِ الْكَافِرِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ )
وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ
بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ
فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [ آلِ عِمْرَانَ: 77 ].
وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ
الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي
بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [ الْبَقَرَةِ: 174، 1175 ]
وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ
كَلَامًا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَنَظَرًا يَرْحَمُهُمْ بِهِ. كَمَا أَنَّهُمْ عَنْ
رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ
جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ
أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ
وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ
خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [
الْأَنْعَامِ: 128 ]. وَقَالَ تَعَالَى: هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ
وَالْأَوَّلِينَ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ [ الْمُرْسَلَاتِ: 38 - 40 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ
يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ
وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ [
الْمُجَادَلَةِ: 18 ]
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ
أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ قَالَ الَّذِينَ حَقَّ
عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ
كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ وَقِيلَ
ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا
الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا
أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ
لَا يَتَسَاءَلُونَ [ الْقَصَصِ: 62 - 66 ]. وَقَالَ بَعْدَهُ وَيَوْمَ
يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ
وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ
فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [
الْقَصَصِ: 74، 75 ]. وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " - كَمَا سَيَأْتِي - مِنْ طَرِيقِ
خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ
لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ ". " فَيَلْقَى الرَّجُلَ
فَيَقُولُ: أَلَمْ أُكْرِمْكَ؟ أَلَمْ أُزَوِّجْكَ؟ أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ
الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى.
فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا. فَيَقُولُ:
فَالْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ". فَهَذَا فِيهِ تَصْرِيحٌ
بِمُخَاطَبَةِ اللَّهِ لِعَبْدِهِ الْكَافِرِ.
وَأَمَّا الْعُصَاةُ فَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي فِي "
الصَّحِيحَيْنِ " حَدِيثُ النَّجْوَى - كَمَا سَيَأْتِي - عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُدْنِي اللَّهُ الْعَبْدَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ
حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ،
ثُمَّ يُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، فَيَقُولُ: عَمِلْتَ فِي يَوْمِ كَذَا كَذَا
وَكَذَا، وَفِي يَوْمِ كَذَا كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ. حَتَّى
إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ
فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ".
فَصْلٌ فِي إِبْرَازِ النِّيرَانِ، وَالْجِنَانِ، وَنَصْبِ الْمِيزَانِ،
وَمُحَاسَبَةِ الدَّيَّانِ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ [ الشُّعَرَاءِ: 90، 91 ]،. وَقَالَ: وَإِذَا
الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا
أَحْضَرَتْ [ التَّكْوِيرِ: 12 - 14 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ نَقُولُ
لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ وَأُزْلِفَتِ
الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ [ ق: 30 - 31 ]، الْآيَاتِ. وَقَالَ
تَعَالَى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [
الْأَنْبِيَاءِ: 47 ]، الْآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [ النِّسَاءِ: 40 ]. وَقَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ فِيمَا
أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ
خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ
بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [ لُقْمَانَ: 16 ]. وَالْآيَاتُ فِي
هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا.
ذِكْرُ إِبْدَاءِ عُنُقٍ مِنَ النَّارِ إِلَى الْمَحْشَرِ فَيَطَّلِعُ عَلَى
النَّاسِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ
الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى
[ الْفَجْرِ: 23 ] وَقَالَ مُسْلِمٌ
فِي " صَحِيحِهِ ": حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ،
حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ خَالِدٍ الْكَاهِلِيِّ، عَنْ شَقِيقٍ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ
زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، يَجُرُّونَهَا ".
وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مَرْفُوعًا، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ هُوَ وَابْنُ
جَرِيرٍ مَوْقُوفًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ
فِرَاسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ
يَتَكَلَّمُ فَيَقُولُ: وُكِّلْتُ الْيَوْمَ بِثَلَاثَةٍ: بِكُلِّ جَبَّارٍ،
وَمَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ
نَفْسٍ. فَيَنْطَوِي عَلَيْهِمْ، فَيَقْذِفُهُمْ فِي غَمَرَاتِ جَهَنَّمَ ".
تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْمِيزَانِ عَنْ
خَالِدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، نَحْوُهُ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا
تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ
دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا
ثُبُورًا كَثِيرًا [ الْفُرْقَانِ: 12 - 14 ]،. قَالَ السُّدِّيُّ: إِذَا
رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ.
قَالَ: مِنْ مَسِيرَةِ مِائَةِ عَامٍ.
سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا. مِنْ شِدَّةِ حَنَقِهَا وَبُغْضِهَا لِمَنْ
أَشْرَكَ بِاللَّهِ، وَاتَّخَذَ مَعَهُ إِلَهًا آخَرَ. وَفِي الْحَدِيثِ مَنْ
كَذَبَ عَلَيَّ، وَادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَانْتَمَى إِلَى غَيْرِ
مَوَالِيهِ فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْنَ عَيْنَيْ جَهَنَّمَ مَقْعَدًا "، قَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ لَهَا مِنْ عَيْنَيْنِ؟ قَالَ: " أَوَمَا
سَمِعْتُمُ اللَّهَ يَقُولُ: إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا
لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ،
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي
يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُجَرُّ
إِلَى النَّارِ، فَتَنْزَوِي وَيَنْقَبِضُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَيَقُولُ
الرَّحْمَنُ: مَا لَكِ ؟ فَتَقُولُ: إِنَّهُ يَسْتَجِيرُ مِنِّي. فَيَقُولُ:
أَرْسِلُوا عَبْدِي. وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُجَرُّ إِلَى النَّارِ فَيَقُولُ: يَا
رَبِّ، مَا كَانَ هَذَا الظَّنَّ بِكَ. فَيَقُولُ: فَمَا كَانَ ظَنُّكَ؟
فَيَقُولُ: أَنْ تَسَعَنِي رَحْمَتُكَ. فَيَقُولُ: أَرْسِلُوا عَبْدِي. وَإِنَّ
الرَّجُلَ لَيُجَرُّ إِلَى النَّارِ فَتَشْهَقُ إِلَيْهِ النَّارُ شُهُوقَ
الْبَغْلَةِ إِلَى الشَّعِيرِ، وَتَزْفِرُ زَفْرَةً لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا
خَافَ. إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْمَنْصُورِ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: إِنَّ جَهَنَّمَ تَزْفِرُ زَفْرَةً،
لَا يَبْقَى مَلَكٌ وَلَا نَبِيٌّ إِلَّا خَرَّ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ، حَتَّى
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَيَجْثُو عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَيَقُولَ: رَبِّ، لَا
أَسْأَلُكَ الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي.
وَقَالَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ: ثُمَّ
يَأْمُرُ اللَّهُ جَهَنَّمَ فَيَخْرُجُ مِنْهَا عُنُقٌ سَاطِعٌ مُظْلِمٌ، ثُمَّ
يَقُولُ تَعَالَى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا
تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا
صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ
تَكُونُوا تَعْقِلُونَ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا
الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [ يس: 60 - 64 ]. وَقَالَ: وَامْتَازُوا
الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ [ يس: 159 ]. فَيَمِيزُ اللَّهُ بَيْنَ
الْخَلَائِقِ، وَتَجْثُو الْأُمَمُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَرَى كُلَّ
أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ
مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا
كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [ الْجَاثِيَةِ: 28، 29 ].
ذِكْرُ الْمِيزَانِ
قَالَ تَعَالَى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ الْآيَةَ
[ الْأَنْبِيَاءِ: 47 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ
الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [ الْمُؤْمِنُونَ: 102،
103 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ
الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ [
الْأَعْرَافِ: 8، 9 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ [ الْقَارِعَةِ: 6، 7 ]، الْآيَاتِ. وَقَالَ
تَعَالَى: فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [ الْكَهْفِ: 105 ].
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِذَا انْقَضَى الْحِسَابُ، كَانَ بَعْدَهُ
وَزْنُ الْأَعْمَالِ; لِأَنَّ الْوَزْنَ لِلْجَزَاءِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ
بَعْدَ الْمُحَاسَبَةِ، فَإِنَّ الْمُحَاسَبَةَ لِتَقْدِيرِ الْأَعْمَالِ،
وَالْوَزْنَ لِإِظْهَارِ مَقَادِيرِهَا; لِيَكُونَ الْجَزَاءُ بِحَسَبِهَا.
وَقَالَ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ
الْقِيَامَةِ. يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مَوَازِينُ مُتَعَدِّدَةٌ تُوزَنُ
فِيهَا الْأَعْمَالُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمَوْزُونَاتِ،
فَجُمِعَ بِاعْتِبَارِ تَنَوُّعِ الْأَعْمَالِ الْمَوْزُونَةِ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
بَيَانُ كَوْنِ الْمِيزَانِ لَهُ كِفَّتَانِ حِسِّيَّتَانِ مُشَاهَدَتَانِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ
الطَّالَقَانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ،
حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ،
وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو
يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ
تَعَالَى يَسْتَخْلِصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مَدُّ
الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ
كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ قَالَ: لَا يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: أَلَكَ عُذْرٌ، أَوْ
حَسَنَةٌ؟ فَيُبْهَتُ الرَّجُلُ، فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: بَلَى،
إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً وَاحِدَةً، لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ.
فَتَخْرُجُ لَهُ بِطَاقَةٌ، فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. فَيَقُولُ: أَحْضِرُوهُ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا هَذِهِ
الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟! فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ.
قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ. قَالَ:
فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ، وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ، وَلَا يَثْقُلُ شَيْءٌ مَعَ
اسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ". وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ،
وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ - زَادَ
التِّرْمِذِيُّ: وَابْنُ لَهِيعَةَ - كِلَاهُمَا عَنْ عَامِرِ بْنِ يَحْيَى، بِهِ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
سِيَاقٌ آخَرُ لِهَذَا الْحَدِيثِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا
قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تُوضَعُ
الْمَوَازِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُؤْتَى بِالرَّجُلِ، فَيُوضَعُ فِي
كِفَّةٍ، فَيُوضَعُ مَا أُحْصِيَ عَلَيْهِ، فَيَتَمَايَلُ بِهِ الْمِيزَانُ،
قَالَ: فَيُبْعَثُ بِهِ إِلَى النَّارِ،
قَالَ: فَإِذَا أُدْبِرَ بِهِ، إِذَا صَائِحٌ مِنْ عِنْدِ الرَّحْمَنِ تَعَالَى،
يَقُولُ: لَا تَعْجَلُوا، لَا تَعْجَلُوا، فَإِنَّهُ قَدْ بَقِيَ لَهُ. فَيُؤْتَى
بِبِطَاقَةٍ فِيهَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَتُوضَعُ مَعَ الرَّجُلِ فِي
كِفَّةٍ، حَتَّى يَمِيلَ بِهِ الْمِيزَانُ ". وَهَذَا السِّيَاقُ فِيهِ
غَرَابَةٌ، فِيهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ; وَهِيَ أَنَّ الْعَامِلَ يُوزَنُ مَعَ
عَمَلِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
الْبَرَاءِ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو - رَفَعَهُ - قَالَ: يُؤْتَى بِرَجُلٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى
الْمِيزَانِ، فَيُخْرَجُ لَهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ
مِنْهَا مَدُّ الْبَصَرِ، فِيهَا ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ، فَتُوضَعُ فِي كِفَّةٍ،
ثُمَّ يُخْرَجُ لَهُ قِرْطَاسٌ مِثْلُ الْأُنْمُلَةِ، فِيهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَتُوضَعُ فِي
الْكِفَّةِ الْأُخْرَى، فَتَرْجَحُ بِخَطَايَاهُ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ
سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَابِطٍ قَالَ: لَمَّا حَضَرَ أَبَا بَكْرٍ
الْمَوْتُ أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: إِنَّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ مَنْ
ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الْحَقَّ فِي
الدُّنْيَا، وَثِقَلِهِ عَلَيْهِمْ، وَحُقَّ لِمِيزَانٍ إِذَا وُضِعَ فِيهِ
الْحَقُّ غَدًا أَنْ يَكُونَ ثَقِيلًا، وَإِنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينُ مَنْ
خَفَّتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الْبَاطِلَ فِي
الدُّنْيَا، وَخِفَّتِهِ عَلَيْهِمْ، وَحُقَّ لِمِيزَانٍ إِذَا وُضِعَ فِيهِ
الْبَاطِلُ غَدًا أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عَنْ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي
مُلَيْكَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَثْقَلُ
شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ خُلُقٌ حَسَنٌ ".
وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِوَزْنِ الْأَعْمَالِ أَنْفُسِهَا، كَمَا فِي
" صَحِيحِ مُسْلِمٍ "، مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ
الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الطَّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ،
وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ،
وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ
نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، أَوْ مُوبِقُهَا ". فَقَوْلُهُ: وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
تَمْلَأُ الْمِيزَانَ ". فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ نَفْسَهُ
يُوزَنُ، وَذَلِكَ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ؟ إِمَّا أَنَّ الْعَمَلَ نَفْسَهُ وَإِنْ
كَانَ عَرَضًا قَدْ قَامَ بِالْفَاعِلِ، يُحِيلُهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، فَيَجْعَلُهُ ذَاتًا تُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ، كَمَا وَرَدَ فِي
الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَغَيْرُهُمَا، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ
يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَثْقَلُ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي
الْمِيزَانِ خُلُقٌ حَسَنٌ ".
وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ،
عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ غُنْدَرٍ،
وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ
عَطَاءٍ الْكَيْخَارَانِيِّ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ
أَثْقَلَ فِي الْمِيزَانِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ ". وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَطَاءٍ،
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، بِهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ
حَدِيثِ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْكَيْخَارَانِيِّ، بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبَانٌ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ مَوْلًى
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَخٍ بَخٍ لِخَمْسٍ، مَا أَثْقَلَهُنَّ
فِي الْمِيزَانِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ
اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ يُتَوَفَّى فَيَحْتَسِبُهُ
وَالِدُهُ. وَقَالَ: بَخٍ بَخٍ لِخَمْسٍ، مَنْ لَقِيَ اللَّهَ مُسْتَيْقِنًا
بِهِنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَبِالْجَنَّةِ
وَالنَّارِ، وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْحِسَابِ ". انْفَرَدَ بِهِ
أَحْمَدُ.
وَكَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ
الْآخَرِ: تَأْتِي الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا
غَمَامَتَانِ، أَوْ غَيَايَتَانِ، أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ،
يُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا ". وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ ثَوَابُ
تِلَاوَتِهِمَا يَصِيرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، وَقِيلَ: إِنَّهُمَا
بِذَاتِهِمَا يُحَاجَّانِ عَنْهُ، لَا ثَوَابُهُمَا.
الْأَمْرُ الثَّانِي: إِنَّ الْعَمَلَ نَفْسَهُ يُوزَنُ بِوَضْعِ الصَّحِيفَةِ
الَّتِي كُتِبَ فِيهَا الْعَمَلُ، فَيُوزَنُ الْعَمَلُ بِالصَّحِيفَةِ، كَمَا فِي
حَدِيثِ الْبِطَاقَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ جَاءَ أَنَّ الْعَامِلَ نَفْسَهُ يُوزَنُ، كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي
مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ، حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ
الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ".
وَقَالَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَزْنًا [ الْكَهْفِ: 105 ]. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَعَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ،
عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، مِثْلَهُ.
وَقَدْ أَسْنَدَ مُسْلِمٌ مَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، فَذَكَرَهُ. وَقَدْ رُوِيَ
مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ; فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:
حَدَّثَنَا أَبِي " حَدَّثَنَا أَبُو
الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْأَكُولِ الشَّرُوبِ الْعَظِيمِ،
فَيُوزَنُ بِحَبَّةٍ فَلَا يَزِنُهَا ". قَالَ: وَقَرَأَ: فَلَا نُقِيمُ
لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ الصَّلْتِ، عَنِ ابْنِ
أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ صَالِحٍ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا
بِلَفْظِ الْبُخَارِيِّ سَوَاءً، وَقَدْ قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا
الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا
هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ:كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَخْطُرُ فِي حُلَّةٍ لَهُ، فَلَمَّا قَامَ عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَا بُرَيْدَةُ،
هَذَا مِمَّنْ لَا يُقِيمُ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ".
ثُمَّ قَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عَوْنُ بْنُ عُمَارَةَ، وَلَيْسَ بِالْحَافِظِ،
وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، وَحَسَنُ بْنُ مُوسَى،
قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ،أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الْأَرَاكِ، وَكَانَ دَقِيقَ
السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تُكْفِئُهُ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مِمَّ تَضْحَكُونَ ؟ " قَالُوا: يَا
نَبِيَّ اللَّهِ، مِنْ دِقَّةِ سَاقِهِ. فَقَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ ". تَفَرَّدَ بِهِ
أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، فَقَدْ جَاءَتِ الرِّوَايَاتُ بِهَذِهِ
الصِّفَاتِ.
وَفِي " مُسْنَدِ أَحْمَدَ " فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ الْبِطَاقَةِ،
مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ; أَنَّ الْعَامِلَ يُوزَنُ مَعَ عَمَلِهِ
وَصَحِيفَتِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ
الْفَضْلِ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: قَالَتْ عَائِشَةُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ
تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: " أَمَّا فِي مُوَاطِنَ
ثَلَاثَةٍ فَلَا: الْكِتَابُ، وَالْمِيزَانُ، وَالصِّرَاطُ ".
فَقَوْلُهُ: " الْكِتَابُ " يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كِتَابَ
الْأَعْمَالِ لِيَشْهَدَ عَلَى الْأَنْفُسِ بِأَعْمَالِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ
يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ تَطَايُرِ الصُّحُفِ فِي أَيْدِي النَّاسِ فَآخِذٌ
بِيَمِينِهِ، وَآخِذٌ بِشِمَالِهِ، كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا
الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ
الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ،أَنَّ عَائِشَةَ
ذَكَرَتِ النَّارَ فَبَكَتْ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا
يُبْكِيكِ يَا عَائِشَةُ؟ "
قَالَتْ: ذَكَرْتُ النَّارَ فَبَكَيْتُ ; هَلْ تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: أَمَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ فَلَا يَذْكُرُ أَحَدٌ
أَحَدًا: حَيْثُ يُوضَعُ الْمِيزَانُ; حَتَّى يَعْلَمَ أَيَثْقُلُ مِيزَانُهُ أَمْ
يَخِفُّ، وَحَيْثُ يَقُولُ: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ [ الْحَاقَّةِ: 19 ].
حَيْثُ تَطَايَرُ الصُّحُفُ، حَتَّى يَعْلَمَ كِتَابَهُ فِي يَمِينِهِ، أَوْ فِي
شِمَالِهِ، أَوْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَحَيْثُ يُوضَعُ الصِّرَاطُ عَلَى جِسْرِ
جَهَنَّمَ ". قَالَ يُونُسُ: أَشُكُّ هَلْ قَالَ الْحَسَنُ: حَافَّتَاهُ
كَلَالِيبُ وَحَسَكٌ، يَحْبِسُ اللَّهُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، حَتَّى
يَعْلَمَ أَيَنْجُو أَمْ لَا يَنْجُو؟.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا الرُّوذَبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ
دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
وَحُمَيِدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَهُمْ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا ذَكَرَتِ
النَّارَ فَبَكَتْ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: "
وَعِنْدَ الْكِتَابِ، حِينَ يُقَالُ: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ. حَتَّى يَعْلَمَ
أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُهُ، أَفِي يَمِينِهِ أَمْ فِي شِمَالِهِ، أَمْ مِنْ وَرَاءِ
ظَهْرِهِ، وَعِنْدَ الصِّرَاطِ، إِذَا وُضِعَ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ ".
قَالَ يَعْقُوبُ عَنْ يُونُسَ: وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ
خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ،
قَالَتْ:قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ يَذْكُرُ الْحَبِيبُ حَبِيبَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: " يَا
عَائِشَةُ، أَمَّا عِنْدَ ثَلَاثٍ فَلَا; أَمَّا عِنْدَ الْمِيزَانِ حَتَّى
يَثْقُلَ أَوْ يَخِفَّ فَلَا، وَأَمَّا عِنْدَ تَطَايُرِ الْكُتُبِ، فَإِمَّا أَنْ
يُعْطَى بِيَمِينِهِ أَوْ يُعْطَى بِشِمَالِهِ فَلَا، ثُمَّ حِينَ يَخْرُجُ عُنُقٌ
مِنَ النَّارِ فَيَنْطَوِي عَلَيْهِمْ، وَيَتَغَيَّظُ عَلَيْهِمْ، وَيَقُولُ
ذَلِكَ الْعُنُقُ: وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ، وُكِّلْتُ بِمَنِ ادَّعَى مَعَ اللَّهِ
إِلَهًا آخَرَ، وَوُكِّلْتُ بِمَنْ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ، وَوُكِّلْتُ
بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ". قَالَ: " فَيَنْطَوِي عَلَيْهِمْ،
وَيَرْمِي بِهِمْ فِي غَمَرَاتٍ، وَلِجَهَنَّمَ جِسْرٌ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ،
وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ، عَلَيْهِ كَلَالِيبُ وَحَسَكٌ، تَأْخُذُ مَنْ شَاءَ
اللَّهُ، وَالنَّاسُ عَلَيْهِ كَالطَّرْفِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ،
وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، وَالْمَلَائِكَةُ يَقُولُونَ: رَبِّ
سَلِّمْ، رَبِّ سَلِّمْ. فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُسَلَّمٌ، وَمُكَوَّرٌ
فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ ".
وَتَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ حَرْبِ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ النَّضِرِ بْنِ أَنَسٍ،
عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ قَالَ:اشْفَعْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " أَنَا
فَاعِلٌ ". قَالَ: فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ؟ قَالَ: " اطْلُبْنِي أَوَّلَ
مَا تَطْلُبُنِي عِنْدَ الصِّرَاطِ ". قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ؟ قَالَ: "
فَعِنْدَ الْحَوْضِ ". قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ؟ قَالَ: " فَعِنْدَ
الْمِيزَانِ؟ فَإِنِّي لَا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ مَوَاطِنَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ:
أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
الْمِهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ بِبَغْدَادَ،
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ،
حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُؤْتَى
بِابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُوقَفُ بَيْنَ كِفَّتَيِ الْمِيزَانِ،
وَيُوَكَّلُ بِهِ مَلَكٌ، فَإِنْ ثَقُلَ مِيزَانُهُ نَادَى الْمَلَكُ بِصَوْتٍ
يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ: سَعِدَ فُلَانٌ سَعَادَةً لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا.
وَإِنْ خَفَّ مِيزَانُهُ نَادَى الْمَلَكُ بِصَوْتٍ يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ: شَقِيَ
فُلَانٌ شَقَاوَةً لَا يَسْعَدُ بَعْدَهَا أَبَدًا ". ثُمَّ مَالَ:
إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ بِمَرَّةٍ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظَانِ الْبَزَّارُ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي الْحَارِثِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْمُحَبَّرِ، حَدَّثَنَا
صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَجَعْفَرِ بْنِ زَيْدٍ، زَادَ
الْبَزَّارُ: وَمَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، - يَرْفَعُهُ،
بِنَحْوِهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ
مِغْوَلٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَيْزَارِ، قَالَ؟ عِنْدَ الْمِيزَانِ
مَلَكٌ إِذَا وُزِنَ الْعَبْدُ نَادَى: أَلَا إِنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ
ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، وَسَعِدَ سَعَادَةً لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا، أَلَا
إِنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ، وَشَقِيَ شَقَاوَةً لَا
يَسْعَدُ بَعْدَهَا أَبَدًا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا:
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا
يُوسُفُ بْنُ صُهَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي الْمُخْتَارِ، عَنْ بِلَالٍ
الْعَبْسِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: صَاحِبُ الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
جِبْرِيلُ، يَرُدُّ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَا ذَهَبٌ يَوْمَئِذٍ وَلَا فِضَّةٌ.
قَالَ: فَيُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِ الظَّالِمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ
أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ، فَرُدَّتْ عَلَى الظَّالِمِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ
الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، قَالَ: افْتَخَرَتْ قُرَيْشٌ عِنْدَ
سَلْمَانَ، فَقَالَ سَلْمَانُ: لَكِنِّي خُلِقْتُ مِنْ نُطْفَةٍ قَذِرَةٍ، ثُمَّ
أَعُودُ جِيفَةً مُنْتِنَةً، ثُمَّ يُؤْتَى بِي إِلَى الْمِيزَانِ، فَإِنْ
ثَقُلَتْ فَأَنَا كَرِيمٌ، وَإِنْ خَفَّتْ فَأَنَا لَئِيمٌ. قَالَ أَبُو
الْأَحْوَصِ: تَدْرِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ يُخَافُ؟ إِذَا ثَقُلَتْ مِيزَانُ عَبْدٍ
نُودِيَ فِي مَجْمَعٍ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ: أَلَا إِنَّ فُلَانَ
ابْنَ فُلَانٍ قَدْ سَعِدَ سَعَادَةً لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا، وَإِذَا
خَفَّتْ مِيزَانُهُ نُودِيَ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ: أَلَا إِنَّ فُلَانَ
ابْنَ فُلَانٍ قَدْ شَقِيَ شَقَاوَةً لَا يَسْعَدُ بَعْدَهَا أَبَدًا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ
السَّقَّاءُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمُنَادِي، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ
بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي حَدِيثِ الْإِيمَانِ،
قَالَ:يَا مُحَمَّدُ، مَا الْإِيمَانُ، قَالَ: " الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ
بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْجَنَّةِ
وَالنَّارِ وَالْمِيزَانِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَتُؤْمِنَ
بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ". قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ هَذَا فَأَنَا
مُؤْمِنٌ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ: صَدَقْتَ. وَقَالَ شُعْبَةُ: عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ شَمِرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ، هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: لِلنَّاسِ عِنْدَ الْمِيزَانِ تَجَادُلٌ
وَزِحَامٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ
النَّهْدَيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: يُوضَعُ الْمِيزَانُ وَلَهُ
كِفَّتَانِ، لَوْ وُضِعَ فِي إِحْدَاهُمَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَا
فِيهِنَّ لَوَسِعَتْهَا، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا مَنْ يَزِنُ
بِهَذَا؟ فَيَقُولُ تَعَالَى: مَنْ شِئْتُ مِنْ خَلْقِي. فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا،
مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى: حَدَّثَنَا
مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
حَنِيفَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَضَعُ
الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [ الْأَنْبِيَاءِ: 47 ]. قَالَ:
يُجَاءُ بِعَمَلِ الرَّجُلِ فَيُوضَعُ فِي كِفَّةِ مِيزَانِهِ، وَيُجَاءُ بِشَيْءٍ
مِثْلِ الْغَمَامَةِ، أَوْ مِثْلِ السَّحَابِ كَثْرَةً فَيُوضَعُ فِي كِفَّةٍ
أُخْرَى فِي مِيزَانِهِ، فَيَرْجَحُ، فَيُقَالُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا؟ هَذَا
الْعِلْمُ
الَّذِي تَعَلَّمْتَهُ، وَعَلَّمْتَهُ
النَّاسَ، فَعَلِمُوهُ وَعَمِلُوا بِهِ بَعْدَكَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ
الْهُذَلِيِّ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَهُوَ يُحَدِّثُ ذَاكَ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: يُحَاسَبُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَتْ
حَسَنَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ بِوَاحِدَةٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ
كَانَتْ سَيِّئَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِوَاحِدَةٍ دَخَلَ النَّارَ.
ثُمَّ قَرَأَ: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ [
الْمُؤْمِنُونَ: 102، 103 ]. ثُمَّ قَالَ؟ إِنَّ الْمِيزَانَ يَخِفُّ بِمِثْقَالِ
حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَوْ يَرْجَحُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا
السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ شَيْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ
الْحَسَنِ، قَالَ: يَعْتَذِرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى آدَمَ ثَلَاثَ
مَعَاذِيرَ، يَقُولُ: يَا آدَمُ، لَوْلَا أَنِّي لَعَنْتُ الْكَاذِبِينَ،
وَأُبْغِضُ الْكَذِبَ وَالْخُلْفَ، لَرَحِمْتُ ذُرِّيَّتَكَ الْيَوْمَ مِنْ
شِدَّةِ مَا أَعْدَدْتُ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ، وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي
لِمَنْ كَذَّبَ رُسُلِي وَعَصَى أَمْرِي، لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْهُمْ
أَجْمَعِينَ. وَيَا آدَمُ، اعْلَمْ أَنِّي لَا أُعَذِّبُ بِالنَّارِ أَحَدًا مِنْ
ذُرِّيَّتِكَ، وَأُدْخِلُ النَّارَ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ قَدْ عَلِمْتُ
فِي عِلْمِي أَنَّهُ لَوْ رَدَدْتُهُ إِلَى الدُّنْيَا لَعَادَ إِلَى شَرٍّ مِمَّا
كَانَ عَلَيْهِ، وَلَنْ يَرْجِعَ. وَيَا آدَمُ، أَنْتَ الْيَوْمَ عَدْلٌ بَيْنِي
وَبَيْنَ ذُرِّيَّتِكَ، قُمْ عِنْدَ الْمِيزَانِ، فَانْظُرْ مَا يَرْجِعُ إِلَيْكَ
مِنْ أَعْمَالِهِمْ، فَمَنْ رَجَحَ خَيْرُهُ عَلَى شَرِّهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
فَلَهُ الْجَنَّةُ، حَتَّى تَعْلَمَ أَنِّي لَا أُعَذِّبُ إِلَّا كُلَّ ظَالِمٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَامَتْ ثُلَّةٌ مِنَ النَّاسِ، يَسُدُّونَ
الْأُفُقَ، نُورُهُمْ كَنُورِ الشَّمْسِ، فَيُقَالُ: لِلنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ.
فَيَتَحَسَّسُ لَهَا كُلُّ نَبِيٍّ، فَيُقَالُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ. ثُمَّ
تَقُومُ ثُلَّةٌ أُخْرَى تَسُدُّ مَا بَيْنَ الْأُفُقِ، نُورُهُمْ كَنُورِ
الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَيُقَالُ: لِلنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ. فَيَتَحَسَّسُ
لَهَا كُلُّ نَبِيٍّ، فَيُقَالُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ. ثُمَّ تَقُومُ ثُلَّةٌ
أُخْرَى، نُورُهُمْ مِثْلُ كُلِّ كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ، فَيُقَالُ: لِلنَّبِيِّ
الْأُمِّيِّ. فَيَتَحَسَّسُ لَهَا كُلُّ نَبِيٍّ، فَيُقَالُ: مُحَمَّدٌ
وَأُمَّتُهُ. ثُمَّ يَجِيءُ الرَّبُّ تَعَالَى، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ مِنِّي يَا
مُحَمَّدُ، وَهَذَا لَكَ مِنِّي يَا مُحَمَّدُ. ثُمَّ يُوضَعُ الْمِيزَانُ،
وَيُؤْخَذُ فِي الْحِسَابِ ".
فَصْلٌ ( إِنْكَارُ الْمُعْتَزِلَةِ لِلْمِيزَانِ وَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ )
وَقَدْ نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمِيزَانَ لَهُ كِفَّتَانِ
عَظِيمَتَانِ، لَوْ وُضِعَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ
مِنْهُمَا لَوَسِعَتْهَا، فَأَمَّا كِفَّةُ الْحَسَنَاتِ فَنُورٌ، وَأَمَّا
الْأُخْرَى فَظُلْمَةٌ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ بَيْنَ يَدَيِ الْعَرْشِ، وَعَنْ
يَمِينِهِ الْجَنَّةُ، وَكِفَّةُ النُّورِ مِنْ نَاحِيَتِهَا، وَعَنْ يَسَارِهِ
جَهَنَّمُ، وَكِفَّةُ الظُّلْمَةِ مِنْ نَاحِيَتِهَا.
قَالَ: وَقَدْ أَنْكَرَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْمِيزَانَ، وَقَالُوا: الْأَعْمَالُ
أَعْرَاضٌ لَا جِرْمَ لَهَا،
فَكَيْفَ تُوزَنُ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ الْأَعْرَاضَ أَجْسَامًا، فَتُوزَنُ.
قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تُوزَنُ كُتُبُ الْأَعْمَالِ. قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ
مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ، وَعَلَى الثَّانِي، وَعَلَى أَنَّ الْعَامِلَ
نَفْسَهُ يُوزَنُ مَعَ عَمَلِهِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ،
وَالْأَعْمَشِ، أَنَّ الْمِيزَانَ هُنَا بِمَعْنَى الْعَدْلِ وَالْقَضَاءِ،
وَذِكْرُ الْوَزْنِ وَالْمِيزَانِ ضَرْبُ مَثَلٍ، كَمَا يُقَالُ: هَذَا الْكَلَامُ
فِي وَزْنِ هَذَا.
قُلْتُ: لَعَلَّ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا فَسَّرُوا هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ [ الرَّحْمَنِ: 7
- 9 ]. فَهَا هُنَا الْمُرَادُ بِالْمِيزَانِ أَنَّهُ تَعَالَى وَضَعَ الْعَدْلَ
بَيْنَ عِبَادِهِ، وَأَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يَتَعَامَلُوا بِهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ،
فَأَمَّا الْمِيزَانُ الْمَوْضُوعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَدْ تَوَاتَرَتْ
بِذِكْرِهِ الْأَحَادِيثُ كَمَا رَأَيْتَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ:
فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ [ الْأَعْرَافِ: 8 ]. وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ [
الْأَعْرَافِ: 9 ]. وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ لِشَيْءٍ مَحْسُوسٍ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَالْمِيزَانُ حَقٌّ، وَلَيْسَ هُوَ فِي حَقِّ كُلِّ
أَحَدٍ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى. يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ
فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ [ الرَّحْمَنِ: 41 ]. وَقَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَيَقُولُ اللَّهُ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ مِنْ
أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ الْأَيْمَنِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ
النَّاسِ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْأَبْوَابِ ".
قُلْتُ: وَقَدْ تَوَاتَرَتِ
الْأَخْبَارُ فِي السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ
حِسَابٍ، لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ لَا تُوزَنَ أَعْمَالُهُمْ، وَفِي هَذَا
نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ تُوزَنُ أَعْمَالُ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ
كَانَتْ رَاجِحَةً; لِإِظْهَارِ شَرَفِهِمْ وَفَضْلِهِمْ عَلَى رُءُوسِ
الْأَشْهَادِ، وَالتَّنْوِيهِ بِسَعَادَتِهِمْ وَنَجَاتِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا لَا
حِسَابَ عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَتُوزَنُ أَعْمَالُهُمْ، وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ لَهُمْ حَسَنَاتٌ تَنْفَعُهُمْ يُقَابَلُ بِهَا كُفْرُهُمْ، فَإِنَّ
حَسَنَاتِهِمْ - وَلَوْ بَلَغَتْ مَا بَلَغَتْ - لَا تُقَابِلُ كُفْرَهُمْ وَلَا
تُوَازِنُهُ، وَهِيَ غَيْرُ نَافِعَةٍ لَهُمْ، فَتُوزَنُ لِإِظْهَارِ شَقَائِهِمْ
وَتَوْبِيخِهِمْ وَفَضِيحَتِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ. وَقَدْ جَاءَ فِي
الْحَدِيثِ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا حَسَنَةً، أَمَّا الْكَافِرُ
فَيُطْعِمُهُ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يُوَافِيَ اللَّهَ وَلَيْسَ
لَهُ حَسَنَةٌ يَجْزِيهِ بِهَا ".
وَقَدْ ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي " التَّذْكِرَةِ " أَنَّ الْكَافِرَ
قَدْ يُوَافِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَدَقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ وَعِتْقٍ،
فَيُخَفِّفُ اللَّهُ عَنْهُ بِذَلِكَ مِنْ عَذَابِهِ، وَاسْتَشْهَدَ بِقَضِيَّةِ
أَبِي طَالِبٍ حِينَ جَعَلَهُ اللَّهُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُ
دِمَاغُهُ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ; إِذْ قَدْ يَكُونُ هَذَا خَاصًّا بِهِ; لِأَجْلِ
حِيَاطَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُصْرَتِهِ لَهُ،
كَمَا سُقِيَ أَبُو لَهَبٍ فِي النُّقْرَةِ الَّتِي هِيَ فِي ظَهْرِ الْإِبْهَامِ
بِسَبَبِ عَتَاقَتِهِ ثُوَيْبَةَ الَّتِي أَرْضَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَدَلَّ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِعُمُومِ
قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا
تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا الْآيَةَ [ الْأَنْبِيَاءِ: 47 ].
قُلْتُ: وَقُصَارَى هَذِهِ الْآيَةِ الْعُمُومُ، فَيُخَصُّ مِنْ ذَلِكَ
الْكَافِرُونَ، وَقَدْسُئِلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ،: ذُكِرَ لَهُ أَنَّهُ
كَانَ يَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُطْعِمُ الْجَائِعَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُعْتِقُ،
فَهَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: " لَا; إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا مِنَ
الدَّهْرِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ". وَفِي رِوَايَةٍ: " لَمْ
يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ. وَقَالَ تَعَالَى:
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [
الْفُرْقَانِ: 23 ]. وَقَالَ عَنْ أَعْمَالِ الْكُفَّارِ: وَالَّذِينَ كَفَرُوا
أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا
جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ
وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [ النُّورِ: 39 ].
فَصْلٌ ( الْحُكْمُ فِيمَنْ ثَقُلَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ بِحَسَنَةٍ
أَوْ بِحَسَنَاتٍ )
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ: مَنْ ثَقُلَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ،
وَلَوْ بِصُؤَابَةٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ كَانَتْ سَيِّئَاتُهُ أَثْقَلَ
وَلَوْ بِصُؤَابَةٍ دَخَلَ النَّارَ، إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ
عَنْهُ، وَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ
الْأَعْرَافِ. وَرُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ.
قُلْتُ: يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا
عَظِيمًا [ النِّسَاءِ: 40 ] لَكِنْ مَا الْحُكْمُ فِيمَنْ ثَقُلَتْ حَسَنَاتُهُ
عَلَى سَيِّئَاتِهِ بِحَسَنَةٍ أَوْ بِحَسَنَاتٍ؟ هَلْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
فَيَرْتَفِعُ فِي
دَرَجَاتِهَا بِجَمِيعِ حَسَنَاتِهِ، وَتَكُونُ قَدْ أَحْبَطَتِ السَّيِّئَاتِ الَّتِي وَازَنَتْهَا وَقَابَلَتْهَا؟ أَوْ يَرْتَفِعُ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ الرَّاجِحَةِ عَلَى السَّيِّئَاتِ، وَتَكُونُ السَّيِّئَاتُ قَدْ أَسْقَطَتْ مَا وَازَنَهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ، فَأَبْطَلَتْهَا؟ وَكَذَلِكَ إِذَا رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ بِسَيِّئَةٍ أَوْ بِسَيِّئَاتٍ، هَلْ يُعَذَّبُ فِي النَّارِ بِجَمِيعِ سَيِّئَاتِهِ، أَوْ بِمَا رَجَحَ عَلَى حَسَنَاتِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ ؟
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمِ
ذِكْرُ الْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَطَايُرِ
الصُّحُفِ وَمُحَاسَبَةِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادَهُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا
كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ
مَوْعِدًا وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ
وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً
وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا
يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [ الْكَهْفِ: 48 - 49 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَجِيءَ
بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ [ الزُّمَرِ: 69 ]
إِلَى آخَرِ السُّورَةِ، وَقَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا
خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ
ظُهُورِكُمْ الْآيَةَ. [ الْأَنْعَامِ: 94 ] وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ
نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ
وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ
إِيَّانَا تَعْبُدُونَ فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ
كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا
أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا
كَانُوا يَفْتَرُونَ [ يُونُسَ: 28 - 30 ]، وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ
نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ
الْإِنْسِ. إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ
يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِيَ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا
قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا الْآيَةَ [ الْأَنْعَامِ 128 - 130 ].
وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ
[ الْحَاقَّةِ: 18 ]. وَالْآيَاتُ فِي
هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَسَيَأْتِي فِي كُلِّ مَوْطِنٍ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ
مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ.
وَتَقَدَّمَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّكُمْ
مُلَاقُو اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ
نُعِيدُهُ " [ الْأَنْبِيَاءِ: 104 ]. وَعَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ
وَغَيْرِهِمَا نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ
التَّمَّارُ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ الْأَصَمُّ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ
أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُعْرَضُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَ
عَرَضَاتٍ ; فَعَرْضَتَانِ جِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ، وَعَرْضَةٌ تَطَايُرُ الصُّحُفِ،
فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَحُوسِبَ حِسَابًا يَسِيرًا، دَخَلَ
الْجَنَّةَ، وَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشَمَالِهِ دَخَلَ النَّارَ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
عَلِيِّ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُعْرَضُ
النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ، فَأَمَّا عَرْضَتَانِ فَجِدَالٌ
وَمَعَاذِيرُ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَعِنْدَهَا تَطِيرُ الصُّحُفُ فِي
الْأَيْدِي، فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ وَآخِذٌ بِشِمَالِهِ ". وَكَذَا رَوَاهُ
ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، بِهِ.
وَالْعَجَبُ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ
رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
عَلِيٍّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَلَا
يَصِحُّ هَذَا؛ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ الْحَسَنِ،
عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْتُ: الْحَسَنُ قَدْ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَقْرُونًا
بِغَيْرِهِ.
وَقَدْ وَقَعَ فِي " مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " التَّصْرِيحُ
بِسَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ يَكُونُ
الْحَدِيثُ عِنْدَهُ عَنْ أَبِي مُوسَى، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَرْوَانَ
الْأَصْفَرِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، مِنْ
قَوْلِهِ مِثْلَهُ سَوَاءً. وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنِ ابْنِ
الْمُبَارَكِ
أَنَّهُ أَنْشَدَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا:
وَطَارَتِ الصُّحُفُ فِي الْأَيْدِي مُنَشَّرَةً فِيهَا السَّرَائِرُ
وَالْجَبَّارُ مُطَّلِعُ فَكَيْفَ سَهْوُكَ وَالْأَنْبَاءُ وَاقِعَةٌ
عَمَّا قَلِيلٍ وَلَا تَدْرِي بِمَا تَقَعُ إِمَّا الْجِنَانُ وَفَوْزٌ لَا
انْقِطَاعَ لَهُ
أَوِ الْجَحِيمُ فَلَا تُبْقِي وَلَا تَدْعُ تَهْوِي بِسَاكِنِهَا طَوْرًا
وَتَرْفَعُهُمْ
إِذَا رَجَوْا مَخْرَجًا مِنْ غَمِّهَا قُمِعُوا طَالَ الْبُكَاءُ فَلَمْ يَرْحَمْ
تَضَرُّعَهُمْ
فِيهَا وَلَا رِقَّةٌ تُغْنِي وَلَا جَزَعُ لَيَنْفَعُ الْعِلْمُ قَبْلَ الْمَوْتِ
عَالِمَهُ
قَدْ سَالَ قَوْمٌ بِهَا الرُّجْعَى فَمَا رَجَعُوا
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: يَا أَيُّهَا
الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ فَأَمَّا مَنْ
أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ
إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ
فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ
مَسْرُورًا إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ
بَصِيرًا [ الِانْشِقَاقِ: 6 - 15 ].
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ ": حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي
صَغِيرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، حَدَّثَنِي
الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ قَدْ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ [ الِانْشِقَاقِ:
7، 8 ] ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الْحِسَابَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ إِلَّا
عُذِّبَ ". أَشَارَ إِلَى أَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى لَوْ نَاقَشَ الْعِبَادَ فِي حِسَابِهِ لَهُمْ، لَعَذَّبَهُمْ
كُلَّهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى يَعْفُو وَيَصْفَحُ
وَيَغْفِرُ، وَيَسْتُرُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ
عُمَرَ فِي النَّجْوَى: " يُدْنِي اللَّهُ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، ثُمَّ يُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، حَتَّى إِذَا
ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا
عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ".
فَصْلٌ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا وَكُنْتُمْ
أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ
وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ
السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ الْآيَاتِ [
الْوَاقِعَةِ: 6 - 12 ]. فَإِذَا نُصِبَ كُرْسِيُّ فَصْلِ الْقَضَاءِ انْمَازَ
الْكَافِرُونَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَوْقِفِ إِلَى نَاحِيَةِ الشِّمَالِ،
وَبَقِيَ الْمُؤْمِنُونَ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ بَيْنَ
يَدَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا
الْمُجْرِمُونَ [ يس: 59 ]. وَقَالَ تَعَالَى: ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ
أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ
الْآيَةَ [ يُونُسَ: 28 ]، وَقَالَ تَعَالَى: وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً
كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ [ الْجَاثِيَةِ: 28 ]. فَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ قِيَامٌ لِرَبِّ
الْعَالَمِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالْعَرَقُ قَدْ غَمَرَ أَكْثَرَهُمْ، وَبَلَغَ
الْجَهْدُ مِنْهُمْ كُلَّ مَبْلَغٍ، وَالنَّاسُ فِيهِ بِحَسَبِ الْأَعْمَالِ،
كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ، خَاضِعِينَ، صَامِتِينَ، لَا يَتَكَلَّمُ
أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ تَعَالَى، وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا
الْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ، حَوْلَهُمْ أُمَمُهُمْ، وَكِتَابُ الْأَعْمَالِ قَدِ
اشْتَمَلَ عَلَى عَمَلِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، مَوْضُوعٌ لَا يُغَادِرُ
صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا
أَحْصَاهَا، مِمَّا كَانَ يَعْمَلُ الْخَلْقُ وَأَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ
وَكَتَبَتْهُ عَلَيْهِمُ الْحَفَظَةُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ
يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ [ الْقِيَامَةِ: 13 - 15 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ
الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [ الْإِسْرَاءِ: 13، 14 ]. قَالَ الْحَسَنُ
الْبَصْرِيُّ: لَقَدْ أَنْصَفَكَ يَا بْنَ آدَمَ، مَنْ جَعَلَكَ حَسِيبَ نَفْسِكَ.
وَالْمِيزَانُ مَنْصُوبٌ لِوَزْنِ أَعْمَالِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالصِّرَاطُ
قَدْ مُدَّ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ، وَالْمَلَائِكَةُ مُحْدِقُونَ بِبَنِي آدَمَ
وَبِالْجِنِّ، وَقَدْ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ، وَأُزْلِفَتْ دَارُ النَّعِيمِ،
وَتَجَلَّى الرَّبُّ سُبْحَانَهُ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَأَشْرَقَتِ
الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا، وَقُرِئَتِ الصُّحُفُ، وَشَهِدَتْ عَلَى بَنِي آدَمَ
الْمَلَائِكَةُ بِمَا فَعَلُوا، وَالْأَرْضُ بِمَا عَمِلُوا عَلَى ظَهْرِهَا،
فَمَنِ اعْتَرَفَ مِنْهُمْ، وَإِلَّا خُتِمَ عَلَى فِيهِ، وَنَطَقَتْ جَوَارِحُهُ
بِمَا عَمِلَ بِهَا فِي أَوْقَاتِ عَمَلِهِ، مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ.
وَقَالَ تَعَالَى عَنِ الْأَرْضِ: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ
رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا [ الزَّلْزَلَةِ: 4، 5 ]، وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ
يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا
جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ الْآيَاتُ إِلَى قَوْلِهِ: فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ
[ فُصِّلَتْ: 19 - 23 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ
وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ
اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ
[ النُّورِ: 24، 25 ]، وَقَالَ تَعَالَى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ
وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
إِلَى قَوْلِهِ: وَلَا يَرْجِعُونَ [ يس: 65 - 67 ]، وَقَالَ تَعَالَى: وَعَنَتِ
الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا وَمَنْ
يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا
[ طه: 111، 112 ]. أَيْ لَا يُنْقَصُ
مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ الْهَضْمُ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ
سَيِّئَاتِ غَيْرِهِ، وَهُوَ الظُّلْمُ.
فَصْلٌ ( فَصْلٌ: أَوَّلُ مَا يَقْضِي اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمْ مِنَ
الْمَخْلُوقَاتِ الْحَيَوَانَاتُ )
فَأَوَّلُ مَا يَقْضِي اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمْ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ
الْحَيَوَانَاتُ، قَبْلَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَهُمَا الثَّقَلَانِ ;
فَالْإِنْسُ ثَقَلٌ وَالْجِنُّ ثَقَلٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى حَشْرِ الْحَيَوَانَاتِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا
طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي
الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ [ الْأَنْعَامِ: 38 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ [ التَّكْوِيرُ: 5 ].
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، وَأَبُو يَحْيَى الْبَزَّازُ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ
نُصَيْرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ مُرَاجِمٍ، مِنْ بَنِي
قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ
عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الْجَمَّاءَ لَتُقَصُّ مِنَ الْقَرْنَاءِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ
جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ: سَمِعْتُ الْعَلَاءَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لَتُؤَدَّنَّ الْحُقُوقُ إِلَى
أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقْتَصَّ لِلشَّاةِ الْجَمَّاءِ مِنَ
الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ تَنْطَحُهَا ". وَهَذَا إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ
مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ،
عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يُقْتَصُّ لِلْخَلْقِ
بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، حَتَّى لِلْجَمَّاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ، وَحَتَّى
لِلذَّرَّةِ مِنَ الذَّرَّةِ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: وَجَدْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي
كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ ثَرْوَانَ، عَنِ الْهُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ،أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا وَشَاتَانِ
تَعْتَلِفَانِ، فَنَطَحَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، فَأَجْهَضَتْهَا، قَالَ:
فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا
يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: " عَجِبْتُ لَهَا، وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُقَادَنَّ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
عَنْ سُلَيْمَانَ،
هُوَ الْأَعْمَشُ، عَنْ مُنْذِرٍ
الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُمْ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ح ) وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا
الْأَعْمَشُ، عَنْ مُنْذِرِ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَشْيَاخِهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ،
فَذَكَرَ مَعْنَاهُ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَأَى شَاتَيْنِ تَنْتَطِحَانِ، فَقَالَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ، هَلْ تَدْرِي
فِيمَ تَنْتَطِحَانِ ؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: " لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى
يَدْرِي، وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا ". وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ حَسَنٌ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ
التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَرَوَى لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ ثَرْوَانَ، عَنِ الْهُزَيْلِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِشَاتَيْنِ تَنْتَطِحَانِ،
فَقَالَ: " لَيَقْضِيَنَّ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِهَذِهِ الْجَلْحَاءِ
مِنْ هَذِهِ الْقَرْنَاءِ ". قَالَ: وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ
لَهِيعَةَ، وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ، أَنَّ أَبَا
سَالِمٍ الْجَيْشَانِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ طَرِيفٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى
أَبِي ذَرٍّ، فَسَمِعَهُ رَافِعًا صَوْتَهُ يَقُولُ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا
يَوْمُ الْخُصُومَةِ لَسَوَّأْتُكِ. فَدَخَلْتُ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ يَا أَبَا
ذَرٍّ ؟ فَقَالَ: هَذِهِ. قُلْتُ: وَمَا عَلَيْكَ أَنْ تَضْرِبَهَا ؟ فَقَالَ:
أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ - أَوْ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ
بِيَدِهِ - لَتُسَأَلَنَّ الشَّاةُ فِيمَ نَطَحَتْ صَاحِبَتَهَا، وَلَيُسْأَلَنَّ
الْجَمَادُ فِيمَ نَكَبَ أُصْبُعَ الرَّجُلِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ،
حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا دَرَّاجٌ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَيَخْتَصِمُ الْخَلْقُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ حَتَّى الشَّاتَانِ فِيمَا انْتَطَحَتَا ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ،
حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، ثُمَّ
قَالَ: " لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى
رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَغِثْنِي.
فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ
يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ، فَيَقُولُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَغِثْنِي. فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ
أَبْلَغْتُكَ. لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى
رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَغِثْنِي.
فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لَا أُلْفِيَنَّ
أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، أَغِثْنِي. فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ.
لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ
تَخْفِقُ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَغِثْنِي. فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ
لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَغِثْنِي. فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ ".
وَأَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَيَّانَ،
وَاسْمُهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، بِهِ.
وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لَا
يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إِلَّا بُطِحَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ،
فَتَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، كُلَّمَا مَرَّتْ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ
أُولَاهَا ". وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ.
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مَعَ الْآيَاتِ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى حَشْرِ
الْحَيَوَانَاتِ كُلِّهَا.
وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ: " فَيَقْضِي اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ
خَلْقِهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ ; الْإِنْسَ وَالْجِنَّ، فَيَقْضِي بَيْنَ
الْوُحُوشِ وَالْبَهَائِمِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيُقِيدُ الْجَمَّاءَ مِنْ ذَاتِ
الْقَرْنِ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَبْقَ لِوَاحِدَةٍ
تَبِعَةٌ عِنْدَ أُخْرَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا: كُونِي تُرَابًا.
فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا
[ النَّبَأِ: 40 ].
وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ أَبَا
عِمْرَانَ الْجَوْنِيَّ يَقُولُ: حُدِّثْتُ أَنَّ الْبَهَائِمَ إِذَا رَأَتْ بَنِي
آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ تَصَدَّعُوا مِنْ بَيْنِ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ ; صِنْفًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَصِنْفًا إِلَى النَّارِ، أَنَّ
الْبَهَائِمَ تُنَادِيهِمْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يَا بَنِي آدَمَ، الَّذِي لَمْ
يَجْعَلْنَا الْيَوْمَ مِثْلَكُمْ، فَلَا جَنَّةَ نَرْجُو، وَلَا عِقَابَ نَخَافُ.
وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيِّ فِي " شَرْحِ
الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى " عِنْدَ قَوْلِهِ: الْمُقْسِطُ الْجَامِعُ. قَالَ:
وَفِي خَبَرِ الْوُحُوشِ وَالْبَهَائِمِ، تُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتَسْجُدُ
لِلَّهِ سَجْدَةً، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: لَيْسَ هَذَا يَوْمَ سُجُودٍ، هَذَا
يَوْمُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. فَتَقُولُ الْبَهَائِمُ: هَذَا سُجُودُ شُكْرٍ ;
حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْنَا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، مَنْ بَنِي آدَمَ. قَالَ:
وَيُقَالُ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ لِلْبَهَائِمِ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ
يَحْشُرْكُمْ لِثَوَابٍ وَلَا لِعِقَابٍ، وَإِنَّمَا حَشَرَكُمْ تَشْهَدُونَ
فَضَائِحَ بَنِي آدَمَ.
وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهَا إِذَا حُشِرَتْ وَحُوسِبَتْ تَعُودُ تُرَابًا،
ثُمَّ يُحْثَى بِهَا فِي وُجُوهِ فَجَرَةِ بَنِي آدَمَ، قَالَ: وَذَلِكَ قَوْلُهُ:
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ [ عَبَسَ: 40 ]. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ
أَعْلَمُ، وَفِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ.
فَصْلٌ ( أَوَّلُ مَا يَقْضِي اللَّهُ
فِيهِ الدِّمَاءُ )
قَالَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ: " ثُمَّ يَقْضِي اللَّهُ بَيْنَ الْعِبَادِ،
فَيَكُونُ أَوَّلَ مَا يَقْضِي فِيهِ الدِّمَاءُ ". وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ
مِنَ الْفَصْلِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ، يَشْرَعُ فِي الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ،
كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ
قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [ يُونُسَ: 47 ].
وَيَكُونُ أَوَّلَ الْأُمَمِ يَقْضِي بَيْنَهُمْ هَذِهِ الْأُمَّةُ ; لِشَرَفِ
نَبِيِّهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضْلِهَا، كَمَا أَنَّهُمْ
أَوَّلُ مَنْ يَجُوزُ عَلَى الصِّرَاطِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ،
كَمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ،
عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَحْنُ الْآخِرُونَ
السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". وَفِي رِوَايَةٍ: " الْمَقْضِيُّ
لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ ".
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو
سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ
الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " نَحْنُ آخِرُ الْأُمَمِ،
وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ، يُقَالُ: أَيْنَ
الْأُمَّةُ الْأُمِّيَّةُ وَنَبِيُّهَا
؟ فَنَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ ".
ذِكْرُ أَوَّلِ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ
يُنَاقَشُ فِي الْحِسَابِ وَمَنْ يُسَامَحُ فِيهِ
قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ: " لَتُؤَدَّنَّ الْحُقُوقُ إِلَى أَهْلِهَا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقْتَصَّ لِلشَّاةِ الْجَمَّاءِ مِنَ الشَّاةِ
الْقَرْنَاءِ ". وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " وَحَتَّى
لِلذَّرَّةِ مِنَ الذَّرَّةِ ". وَالْمُرَادُ بِالذَّرَّةِ هَاهُنَا
النَّمْلَةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا كَانَ هَذَا حُكْمَ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مُكَلَّفَةً،
فَلَتَخْلِيصُ الْحُقُوقِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ وَالْجَانِّ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ
"، وَ " مُسْنَدِ أَحْمَدَ "، وَ " سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ
"، وَ " النَّسَائِيِّ "، وَ " ابْنِ مَاجَهْ "، مِنْ
حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ
سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَوَّلُ مَا يُقْضَى فِيهِ بَيْنَ
النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ ".
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ أَنَّ الْمَقْتُولَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ
تَشْخُبُ أَوْدَاجُهُ
دَمًا - وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ: " وَرَأْسُهُ فِي يَدِهِ " - فَيَتَعَلَّقُ بِالْقَاتِلِ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ قَتَلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: لِمَ قَتَلْتَهُ ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ: قَتَلْتُهُ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لَكَ. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: صَدَقْتَ. وَيَقُولُ الْمَقْتُولُ ظُلْمًا: يَا رَبِّ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: لِمَ قَتَلْتَهُ ؟ فَيَقُولُ: قَتَلْتُهُ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لِي - وَفِي رِوَايَةٍ: " لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لِفُلَانٍ " - فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: تَعِسْتَ. ثُمَّ يَقْتَصُّ مِنْهُ لِكُلِّ مَنْ قَتَلَهُ ظُلْمًا، ثُمَّ يَبْقَى فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَحِمَهُ. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَتَعَيَّنُ عَذَابُهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، كَمَا يُنْقَلُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ، حَتَّى نَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْهُ: أَنَّ الْقَاتِلَ لَا تَوْبَةَ لَهُ. وَهَذَا إِذَا حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ - وَهِيَ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ - صَحِيحٌ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عِقَابِهِ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ، بِدَلِيلِ حَدِيثِ الَّذِي قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ، ثُمَّ أَكْمَلَ الْمِائَةَ، ثُمَّ سَأَلَ عَالِمًا مَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ: وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ ؟ ائْتِ بَلَدَ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّهُ يُعْبَدُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ. فَلَمَّا تَوَجَّهْ نَحْوَهَا، وَتَوَسَّطَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَنَأَى بِصَدْرِهِ نَحْوَ الَّتِي هَاجَرَ إِلَيْهَا، فَتَوَفَّتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ. الْحَدِيثُ بِطُولِهِ، وَفِي سُورَةِ " الْفُرْقَانِ " نَصٌّ
عَلَى قَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ،
كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ
وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا
يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ الْآيَةَ [
الْفُرْقَانِ: 68 - 70 ] وَالَّتِي بَعْدَهَا، وَمَوْضِعُ تَقْرِيرِ هَذَا فِي
كِتَابِ " الْأَحْكَامِ "، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ شَمِرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ،
عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: يَجِيءُ الْمَقْتُولُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَجْلِسُ عَلَى الْجَادَّةِ، فَإِذَا مَرَّ بِهِ
الْقَاتِلُ قَامَ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ بِتَلَابِيبِهِ فَقَالَ: يَا رَبِّ، سَلْ
هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي ؟ فَيَقُولُ: أَمَرَنِي فُلَانٌ فَيُؤْخَذُ الْآمِرُ
وَالْقَاتِلُ، فَيُلْقَيَانِ فِي النَّارِ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لَخَرَابُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ - وَفِي رِوَايَةٍ: لَزَوَالُ الدُّنْيَا
- أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ ".
وَقَالَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ: " ثُمَّ يَقْضِي اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ
خَلْقِهِ، حَتَّى لَا تَبْقَى مَظْلَمَةٌ لِأَحَدٍ عِنْدَ أَحَدٍ إِلَّا أَخَذَهَا
مِنْهُ، حَتَّى إِنَّهُ لَيُكَلِّفُ شَائِبَ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ ثُمَّ
يَبِيعُهُ، أَنْ يُخَلِّصَ اللَّبَنَ مِنَ الْمَاءِ ". وَقَدْ قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى
كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
[ آلِ عِمْرَانَ: 161 ]، وَفِي "
الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ ظَلَمَ
قَيْدَ شِبْرٍ مَنْ أَرْضٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
".
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ ": " مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا
كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ
"، وَفِي رِوَايَةٍ: " إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ،
وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ".
وَفِي " الصَّحِيحِ: " مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَيْسَ بِفَاعِلٍ
". وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَمْرِ الْغُلُولِ، وَأَنَّ
مَنْ غَلَّ شَيْئًا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ، وَهُوَ
فِي " الصَّحِيحَيْنِ " بِطُولِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ
الْبَصْرِيُّ، ثَنَا أَبُو مِحْصَنٍ حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ
قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ
آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ
خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِكَ فِيمَا
أَفْنَيْتَ ؟ وَعَنْ شَبَابِكَ فِيمَا أَبْلَيْتَ ؟ وَعَنْ مَالِكَ ; مِنْ أَيْنَ
اكْتَسَبْتَهُ ؟ وَفِيمَا أَنْفَقْتَهُ ؟ وَمَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ "
؟. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ
شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ،
قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ
قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيَخْلُو اللَّهُ بِهِ، كَمَا يَخْلُو
أَحَدُكُمْ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَيَقُولُ: يَا عَبْدِي، مَا غَرَّكَ
بِي ؟ مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ ؟ مَاذَا أَجَبْتَ الْمُرْسَلِينَ ؟
هَكَذَا أَوْرَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مِنْ
طَرِيقِ مُحِلِّ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " وَلَيَقِفَنَّ
أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ
حِجَابٌ يَحْجُبُهُ، وَلَا تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، فَيَقُولُ: أَلَمْ
أُوتِكَ مَالًا ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. فَيَقُولُ: أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ رَسُولًا
؟ فَيَقُولُ: بَلَى. فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ،
وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ، فَلْيَتَّقِ أَحَدُكُمُ
النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ
" وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ، وَعَفَّانُ، قَالَا: حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، قَالَ: كُنْتُ آخِذًا
بِيَدِ ابْنِ عُمَرَ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟
فَقَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُدْنِي
الْمُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، وَيَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ،
وَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، فَيَقُولُ لَهُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ أَتَعْرِفُ
ذَنْبَ كَذَا ؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ،
وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا
عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ. ثُمَّ يُعْطَى
كِتَابَ حَسَنَاتِهِ بِيَمِينِهِ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَ
وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا
لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [ هُودٍ: 18 ] وَأَخْرَجَاهُ فِي "
الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ وَعَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ،
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "
يَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ،
حَمَلْتُكَ عَلَى الْخَيْلِ، وَالْإِبِلِ، وَزَوَّجْتُكَ النِّسَاءَ، وَجَعَلْتُكَ
تَرْبَعُ وَتَرْأَسُ، فَأَيْنَ شُكْرُ ذَلِكَ " ؟.
وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ
طَوِيلٍ قَالَ فِيهِ: " فَيَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ:
أَيْ فُلْ، أَلَمْ أُكْرِمْكَ، وَأُسَوِّدْكَ، وَأُزَوِّجْكَ، وَأُسَخِّرْ لَكَ
الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، أَيْ
رَبِّ. فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ ؟
فَيَقُولُ: لَا. فَيَقُولُ: فَإِنِّي
أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي. ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِيَ، فَيَقُولُ: أَيْ فُلْ،
أَلَمْ أُكْرِمْكَ، وَأُسَوِّدْكَ، وَأُزَوِّجْكَ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ
وَالْإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، أَيْ رَبِّ.
فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ ؟ فَيَقُولُ: لَا. فَيَقُولُ:
فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي. ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ، فَيَقُولُ لَهُ
مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرَسُولِكَ،
وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ. وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ،
فَيَقُولُ: هَاهُنَا إِذًا ". قَالَ: " ثُمَّ يُقَالُ: الْآنَ نَبْعَثُ
شَاهِدَنَا عَلَيْكَ. فَيُفَكِّرُ فِي نَفْسِهِ: مَنِ الذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ ؟
فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ: انْطِقِي.
فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ كَائِنًا مَا كَانَ،
وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ، وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ
اللَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ
تَعْبُدُ ". وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ بِطُولِهِ.
وَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ
مَالِكِ بْنِ سُعَيْرِ بْنِ الْخِمْسِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، رَفَعَاهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ إِلَى قَوْلِهِ: "
فَالْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ".
وَرَوَى مُسْلِمٌ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ
عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ، وَقَالَ: " هَلْ تَدْرُونَ
مِمَّ أَضْحَكُ " ؟ قَالَ: قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ:
" مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ - يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ -
يَقُولُ: يَا رَبِّ، أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ ؟ قَالَ: يَقُولُ: بَلَى.
قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي.
قَالَ: فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا، وَبِالْكِرَامِ
الْكَاتِبِينَ شُهُودًا. قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ:
انْطِقِي. قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْكَلَامِ. قَالَ: فَيَقُولُ:. بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا ! فَعَنْكُنَّ كُنْتُ
أُنَاضِلُ ".
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا
ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا
كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عُرِّفَ الْكَافِرُ بِعَمَلِهِ، فَجَحَدَ، وَخَاصَمَ،
فَيُقَالُ: هَؤُلَاءِ جِيرَانُكَ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ. فَيَقُولُ: كَذَبُوا.
فَيَقُولُ: أَهْلُكَ وَعَشِيرَتُكَ. فَيَقُولُ: كَذَبُوا. فَيَقُولُ: احْلِفُوا.
فَيَحْلِفُونَ، ثُمَّ يُصْمِتُهُمُ اللَّهُ وَتَشْهَدُ أَلْسِنَتُهُمْ،
وَيُدْخِلُهُمُ النَّارَ ".
وَرَوَى أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ، مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنِ
الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَجِيئُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى
أَفْوَاهِكُمُ الْفِدَامُ، فَأَوَّلُ مَا يَتَكَلَّمُ مِنَ ابْنِ آدَمَ فَخِذُهُ
وَكَفُّهُ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ أَبَانٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْحَسَنِ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
اللَّيْثِيُّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ
أَبِي أَيُّوبَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ يَخْتَصِمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلُ
وَامْرَأَتُهُ، وَاللَّهِ مَا يَتَكَلَّمُ لِسَانُهَا، وَلَكِنْ يَدَاهَا
وَرِجْلَاهَا، يَشْهَدَانِ عَلَيْهَا بِمَا كَانَتْ تُغَيِّبُ لِزَوْجِهَا،
وَتَشْهَدُ يَدَاهُ وَرَجْلَاهُ بِمَا كَانَ يُولِيهَا، ثُمَّ يُدْعَى بِالرَّجُلِ
وَخَدَمِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُدْعَى بِأَهْلِ الْأَسْوَاقِ، فَمَا يُؤْخَذُ
مِنْهُمْ دَوَانِيقُ وَلَا قَرَارِيطُ، وَلَكِنْ حَسَنَاتُ هَذَا تُدْفَعُ إِلَى
هَذَا الَّذِي ظُلِمَ، وَتُدْفَعُ سَيِّئَاتُ هَذَا إِلَى الَّذِي ظَلَمَهُ، ثُمَّ
يُؤْتَى بِالْجَبَّارِينَ فِي مَقَامِعَ مِنْ حَدِيدٍ، فَيُقَالُ: سُوقُوهُمْ
إِلَى النَّارِ. فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَيَدْخُلُونَهَا، أَمْ كَمَا قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا
مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا
جِثِيًّا [ مَرْيَمَ: 71، 72 ] ".
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ وَالْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا
السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ،
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي
سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:قَرَأَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: يَوْمَئِذٍ
تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [ الزَّلْزَلَةِ: 4 ]. قَالَ: " أَتَدْرُونَ مَا
أَخْبَارُهَا ؟ " قَالُوا ؟ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "
فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشَهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ وَأَمَةٍ بِمَا عَمِلَ
عَلَى ظَهْرِهَا ; أَنْ تَقُولَ:
عَمِلَ كَذَا وَكَذَا فِي يَوْمِ كَذَا
وَكَذَا. فَذَلِكَ أَخْبَارُهَا ".
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ:
حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، حَدَّثَنَا
صَعْصَعَةُ عَمُّ الْفَرَزْدَقِ، أَنَّهُ قَالَ:قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: فَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
شَرًّا يَرَهُ [ الزَّلْزَلَةِ: 7، 8 ] فَقَالَ: وَاللَّهُ لَا أُبَالِي أَنْ لَا
أَسْمَعَ غَيْرَهَا، حَسْبِي حَسْبِي.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ،
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ أَبُو عُثْمَانَ الْمَدِينِيُّ،
أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ حَدَّثَهُ أَنَّ شُفَيًّا حَدَّثَهُ أَنَّهُ دَخَلَ
الْمَدِينَةَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ:
مَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا: أَبُو هُرَيْرَةَ. فَقَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ، حَتَّى
قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلَا، قُلْتُ لَهُ: أَنْشُدُكَ بِحَقِّ وَحَقِّ لَمَا حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلْتَهُ وَعَلِمْتَهُ. ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً، فَمَكَثَ طَوِيلًا، ثُمَّ أَفَاقَ، ثُمَّ قَالَ: لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَيْتِ، مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ. ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً أُخْرَى، فَمَكَثَ طَوِيلًا كَذَلِكَ، ثُمَّ أَفَاقَ ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ، فَقَالَ: أَفْعَلُ، لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَيْتِ، مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ. ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ مَالَ خَارًّا عَلَى وَجْهِهِ، وَأَسْنَدْتُهُ طَوِيلًا، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَزَلَ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ، وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ، فَأَوَّلُ مَنْ يُدْعَى رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ، وَرَجُلٌ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْقَارِئِ: أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ ؟ قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: كَذَبْتَ. وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ. وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّمَا أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ قَارِئٌ. فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ. وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ ؟ قَالَ. كُنْتُ
أَصِلُ الرَّحِمَ، وَأَتَصَدَّقُ.
فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ. وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ. وَيَقُولُ
اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَوَادٌ. فَقَدْ
قِيلَ ذَلِكَ.
وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيُقَالُ لَهُ: فِيمَا قُتِلْتَ
؟ فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ، فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ.
فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ. وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ. وَيَقُولُ
اللَّهُ تَعَالَى: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَرِيءٌ. فَقَدْ قِيلَ
ذَلِكَ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ: " يَا أَبَا
هُرَيْرَةَ، أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ
النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
قَالَ الْوَلِيدُ أَبُو عُثْمَانَ: فَأَخْبَرَنِي عُقْبَةٌ أَنَّ شُفَيًّا -
وَكَانَ سَيَّافًا لِمُعَاوِيَةَ - دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَخْبَرَهُ
بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ فُعِلَ بِهَؤُلَاءِ
هَذَا، فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ ؟ ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً
شَدِيدًا، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ هَالِكٌ، ثُمَّ أَفَاقَ، وَمَسَحَ عَنْ
وَجْهِهِ، وَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا
لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا
النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [
هُودٍ: 15، 16 ].
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ
طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " أَوَّلُ مَا تُسَعَّرُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
بِثَلَاثَةٍ ; بِالْعَالِمِ وَالْمُتَصَدِّقِ وَالْمُجَاهِدِ، الَّذِينَ أَرَادُوا
بِأَعْمَالِهِمُ الدُّنْيَا ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَعْبَدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
بَكَّارِ بْنِ بِلَالٍ، قَاضِي دِمَشْقَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حُرَيْثِ بْنِ قَبِيصَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الرَّجُلُ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلَحَتْ صَلَحَ سَائِرُ
عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ
وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي نَافِلَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ نَافِلَةٌ
أُتِمَّتْ بِهَا الْفَرِيضَةُ. ثُمَّ سَائِرُ الْفَرَائِضِ كَذَلِكَ ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ، عَنْ
قَتَادَةَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ دَاوُدَ أَبِي
الْعَوَّامِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا
الْمُبَارَكُ - هُوَ ابْنُ فَضَالَةَ - عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
أُرَاهُ ذَكَرَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ
الْعَبْدَ الْمَمْلُوكَ لَيُحَاسَبُ بِصَلَاتِهِ، فَإِذَا نَقَصَ مِنْهَا قِيلَ:
لِمَ نَقَصْتَ مِنْهَا ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلَّطْتَ عَلَيَّ مَلِيكًا
شَغَلَنِي عَنْ صَلَاتِي. فَيَقُولُ: قَدْ رَأَيْتُكَ تَسْرِقُ مِنْ مَالِهِ
لِنَفْسِكَ، فَهَلَّا سَرَقْتَ
لِنَفْسِكَ مِنْ عَمَلِكَ ؟ - أَوْ
عَمَلِهِ ؟ - قَالَ: فَيَتَّخِذُ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحُجَّةَ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنْبَأَنَا
مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوَّلُ مَا تُسْأَلُ عَنْهُ
الْمَرْأَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَنْ صَلَاتِهَا، ثُمَّ عَنْ بَعْلِهَا، كَيْفَ
فَعَلَتْ إِلَيْهِ ؟ " وَهَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا
عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ
إِذْ ذَاكَ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَجِيءُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَتَجِيءُ
الصَّلَاةُ فَتَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَا الصَّلَاةُ. فَيَقُولُ: إِنَّكِ عَلَى
خَيْرٍ. ثُمَّ تَجِيءُ الصَّدَقَةُ، فَتَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَا الصَّدَقَةُ.
فَيَقُولُ: إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ. ثُمَّ يَجِيءُ الصِّيَامُ، فَيَقُولُ: يَا
رَبِّ، أَنَا الصِّيَامُ. فَيَقُولُ: إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ. ثُمَّ تَجِيءُ
الْأَعْمَالُ، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ. ثُمَّ يَجِيءُ
الْإِسْلَامُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنْتَ السَّلَامُ وَأَنَا الْإِسْلَامُ.
فَيَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ، بِكَ الْيَوْمَ آخُذُ،
وَبِكَ أُعْطِي. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ
الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ
الْخَاسِرِينَ [ آلِ عِمْرَانَ: 85 ].
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ
الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ الْكَلَاعِيُّ، حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ بْنُ كُلْثُومٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يُؤْتَى بِالْحُكَّامِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ ; بِمَنْ قَصَّرَ، وَبِمَنْ تَعَدَّى، فَيَقُولُ اللَّهُ:
أَنْتُمْ خُزَّانُ أَرْضِي، وَرُعَاةُ
غَنَمِي، وَعِنْدَكُمْ بُغْيَتِي. فَيَقُولُ لِلَّذِي قَصَّرَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى
مَا صَنَعْتَ ؟ فَيَقُولُ: الرَّحْمَةُ. فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ.:
أَنْتَ أَرْحَمُ بِعِبَادِي مِنِّي ؟! وَيَقُولُ لِلَّذِي تَعَدَّى: مَا حَمْلَكَ
عَلَى مَا صَنَعْتَ ؟! فَيَقُولُ: غَضِبْتُ لَكَ. فَيَقُولُ اللَّهُ: أَنْتَ
أَشَدُّ غَضَبًا مِنِّي ؟! فَيَقُولُ اللَّهُ: انْطَلِقُوا بِهِمْ، فَسُدُّوا
بِهِمْ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ جَهَنَّمَ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ،
عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:لَمَّا رَجَعَتْ مُهَاجِرَةُ الْحَبَشَةِ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَلَا تُخْبِرُونِي
بِأَعْجَبِ مَا رَأَيْتُمْ فِي أَرْضِ الْحَبَشَةِ ؟ "، فَقَالَ فِتْيَةٌ
مِنْهُمْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ إِذْ مَرَّتْ
عَلَيْنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِهِمْ، تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ
مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ
كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا، فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، وَانْكَسَرَتْ
قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، وَقَالَتْ: سَوْفَ
تَعْلَمُ يَا غُدَرُ، إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ،
وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ
بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، سَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ
غَدًا. قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
صَدَقَتْ، كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ قَوْمًا لَا يُؤْخَذُ مِنْ شَدِيدِهِمْ
لِضَعِيفِهِمْ ؟ ".
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ،أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَادِي الْعِبَادَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ، لَا يَنْبَغِي
لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ
النَّارِ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا تَقَدَّمَ، رَوَاهُ أَحْمَدُ،
وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ كَانَتْ لِأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ فَلْيَتَحَلَّلْهُ
مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ
يُؤْخَذَ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ
سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ". وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ،
وَمُسْلِمٌ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ ؟ " قَالُوا: مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ
وَلَا دِينَارَ. فَقَالَ: " بَلِ الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي
يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا
وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرْبَ هَذَا،
فَيُقْضَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ
حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ،
فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا:
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ السَّكُونِيُّ أَنْبَأَنَا الْقَاسِمُ بْنُ
مَالِكٍ الْمُزَنِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَمُوتَنَّ
وَعَلَيْكَ دَيْنٌ ; فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنَّمَا
هِيَ الْحَسَنَاتُ، جَزَاءً بِجَزَاءٍ، وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ".
وَرُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا
بَكْرُ بْنُ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ لَيَأْتِيَ الْعَبْدُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، وَقَدْ سَرَّتْهُ حَسَنَاتُهُ، فَيَجِيءُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: يَا
رَبِّ، ظَلَمَنِي هَذَا، فَيُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَيُجْعَلُ فِي حَسَنَاتِ
الَّذِي سَأَلَهُ، فَمَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى مَا تَبْقَى لَهُ حَسَنَةٌ،
فَإِذَا جَاءَ مَنْ يَسْأَلُهُ، نَظَرَ إِلَى سَيِّئَاتِهِ فَجُعِلَتْ مَعَ
سَيِّئَاتِ الرَّجُلِ، فَلَا يَزَالُ يُسْتَوْفَى مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَتُرَدُّ
عَلَيْهِ سَيِّئَاتُ مَنْ ظَلَمَهُ، فَمَا يَزَالُ يُسْتَوْفَى مِنْهُ حَتَّى
يَدْخُلَ النَّارَ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ
مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ بَابَنُوسَ
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:
الدَّوَاوِينُ عِنْدَ اللَّهِ، عَزَّ
وَجَلَّ، ثَلَاثَةٌ: دِيوَانٌ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئًا، وَدِيوَانٌ لَا
يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا، وَدِيوَانٌ لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ ; فَأَمَّا
الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ فَالشِّرْكُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ
الْجَنَّةَ [ الْمَائِدَةِ: 72 ] وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَعْبَأُ
اللَّهُ بِهِ شَيْئًا، فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ
رَبِّهِ، مِنْ صَوْمِ يَوْمٍ تَرَكَهُ، أَوْ صَلَاةٍ تَرَكَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ
يَغْفِرُ ذَلِكَ، وَيَتَجَاوَزُ إِنْ شَاءَ، وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا
يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا،
الْقِصَاصُ لَا مَحَالَةَ ".
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَائِدَةَ بْنِ أَبِي الرُّقَادِ، عَنْ
زِيَادٍ النُّمَيْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: الظُّلْمُ ثَلَاثَةٌ: فَظُلْمٌ
لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ، وَهُوَ الشِّرْكُ، وَظُلْمٌ يَغْفِرُهُ، وَهُوَ ظُلْمُ
الْعِبَادِ أَنْفُسِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ، وَظُلْمٌ لَا
يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا، وَهُوَ ظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا،
حَتَّى يَدِينَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ". ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ
يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ، وَكِلَا
الطَّرِيقَيْنِ ضَعِيفٌ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ شَرِيكٍ،
عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ - أَوْ
قَالَ: يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ كُلَّهَا - إِلَّا الْأَمَانَةَ ". قَالَ:
" يُؤْتَى
بِصَاحِبِ الْأَمَانَةِ، فَيُقَالُ
لَهُ: أَدِّ أَمَانَتَكَ. فَيَقُولُ: أَنَّى يَا رَبِّ، وَقَدْ ذَهَبَتِ
الدُّنْيَا ؟ فَيُقَالُ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى الْهَاوِيَةِ. فَيُذْهَبُ بِهِ
إِلَيْهَا، فَيَهْوِي حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى قَعْرِهَا، فَيَجِدُهَا هُنَاكَ
كَهَيْئَتِهَا، فَيَحْمِلُهَا فَيَضَعُهَا عَلَى عَاتِقِهِ، فَيَصْعَدُ بِهَا فِي
نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ زَلَّتْ فَهَوَتْ،
وَهَوَى فِي إِثْرِهَا، فَهُوَ كَذَلِكَ أَبَدَ الْآبِدِينَ ". قَالَ: "
وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّلَاةِ، وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّوْمِ، وَالْأَمَانَةُ فِي
الْوُضُوءِ، وَالْأَمَانَةُ فِي الْحَدِيثِ، وَأَشَدُّ ذَلِكَ الْوَدَائِعُ
". قَالَ: فَلَقِيتُ الْبَرَاءَ، فَقُلْتُ: أَلَا تَسْمَعُ إِلَى مَا يَقُولُ
أَخُوكَ عَبْدُ اللَّهِ ؟ قَالَ: صَدَقَ.
قَالَ شَرِيكٌ: وَحَدَّثَنَا عَبَّاسُ الْعَامِرِيُّ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ، وَلَمْ
يَذْكُرِ الْأَمَانَةَ فِي الصَّلَاةِ، وَالْأَمَانَةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَلَمْ يَرْوِهِ أَحْمَدُ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ
الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ
قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ،
يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ ؟ قَالَ: " نَعَمْ، إِلَّا الدَّيْنَ
".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ،
قَالَ:لَمَّا نَزَلَتْ: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [ الزُّمَرِ: 30، 31 ]، قَالَ
الزُّبَيْرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُكَرَّرُ عَلَيْنَا مَا
يَكُونُ بَيْنَنَا فِي الدُّنْيَا مَعَ
خَوَاصِّ الذُّنُوبِ ؟ قَالَ: " نَعَمْ، لَيُكَرَّرَنَّ عَلَيْكُمْ، حَتَّى
تُؤَدُّوا إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ". فَقَالَالزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ
إِنَّ الْأَمْرَ لِشَدِيدٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو سِنَانٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
السَّائِبِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: الْأُمَمُ
جَاثُونَ لِلْحِسَابِ، فَلَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَشَدُّ تَعَلُّقًا بَعْضُهُمْ
بِبَعْضٍ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا، الْأَبُ بِابْنِهِ، وَالِابْنُ بِأَبِيهِ،
وَالْأُخْتُ بِأَخِيهَا، وَالْأَخُ بِأُخْتِهِ، وَالزَّوْجُ بِامْرَأَتِهِ،
وَالْمَرْأَةُ بِزَوْجِهَا. ثُمَّ تَلَا عَبْدُ اللَّهِ: فَلَا أَنْسَابَ
بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ [ الْمُؤْمِنُونَ: 101 ].
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ،
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُؤْتَى
بِالْمَلِيكِ وَالْمَمْلُوكِ، وَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، فَيُحَاسَبُ الْمَلِيكُ
وَالْمَمْلُوكُ، وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ، حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: شَرِبْتَ
يَوْمَ كَذَا وَكَذَا عَلَى لَذَّةٍ. وَيُقَالُ لِلزَّوْجِ: خَطَبْتَ فُلَانَةً
مَعَ خُطَّابٍ فَزَوَّجْتُكَهَا وَتَرَكْتُهُمْ ". وَقَالَ ابْنُ أَبِي
الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ حِبَّانَ مَوْلَى بَنِي تَمِيمٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ يَدْعُو الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
فَيُذَكِّرُهُ وَيَعُدُّ عَلَيْهِ: دَعَوْتَنِي يَوْمَ كَذَا وَكَذَا
فَأَجَبْتُكَ.
حَتَّى يَعُدَّ عَلَيْهِ فِيمَا
يَعُدُّ ; وَقُلْتَ: يَا رَبِّ، زَوِّجْنِي فُلَانَةً - وَيُسَمِّيهَا بِاسْمِهَا
- فَزَوَّجْنَاكَهَا ". وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ،
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، مَوْقُوفًا، بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ عِيسَى،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْعَارَ لَيَلْزَمُ الْعَبْدَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يَقُولَ: يَا رَبِّ لَإِرْسَالُكَ بِي إِلَى النَّارِ
أَيْسَرُ عَلَيَّ مِمَّا أَلْقَى مِنَ الْعَارِ. وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ مَا فِيهَا
مِنْ شِدَّةِ الْعَذَابِ ". وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ
يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [ التَّكَاثُرِ: 8 ].
وَفِي " الصَّحِيحِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَلَمَّا أَكَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي حَدِيقَةِ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ
التَّيِّهَانِ مِنْ تِلْكَ الشَّاةِ الَّتِي ذُبِحَتْ لَهُ، وَأَكَلُوا مِنَ
الرُّطَبِ، وَشَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، قَالَ: " هَذَا مِنَ النَّعِيمِ
الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ ". أَيْ عَنِ الْقِيَامِ بِشُكْرِهِ، وَمَاذَا
عَمِلْتُمْ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: أَذِيبُوا
طَعَامَكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ، وَبِالصَّلَاةِ، وَلَا تَنَامُوا عَلَيْهِ،
فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ ". وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا
يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ ثَابِتٍ - أَوْ أَبِي ثَابِتٍ - أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ مَسْجِدَ
دِمَشْقَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ آنِسْ
وَحْشَتِي، وَارْحَمْ غُرْبَتِي، وَارْزُقْنِي جَلِيسًا صَالِحًا. فَسَمِعَهُ
أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ صَادِقًا لَأَنَا أَسْعَدُ بِمَا
قُلْتَ مِنْكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: " فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ [ فَاطِرِ: 32 ]. قَالَ:
الظَّالِمُ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ الْحَزَنُ
وَالْغَمُّ. وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ. قَالَ: يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا.
وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ. قَالَ: يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ
". وَسَتَأْتِي الْأَحَادِيثُ فِيمَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ،
وَكَمْ عِدَّتُهُمْ.
حَدِيثٌ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُصَالِحُ عَنْ عَبْدِهِ الَّذِي لَهُ بِهِ
عِنَايَةٌ مَنْ ظَلَمَهُ بِمَا يُرِيهِ مِنْ قُصُورِ الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا
قَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ شَيْبَةَ الْحَبَطِيُّ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ إِذْ رَأَيْنَاهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ،
فَقَالَ عُمَرُ ؟ مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ؟
فَقَالَ: " رَجُلَانِ جَثَيَا مِنْ أُمَّتِي بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعِزَّةِ،
تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَبِّ، خُذْ لِي مَظْلِمَتِي مِنْ
أَخِي. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْطِ أَخَاكَ مَظْلِمَتَهُ. قَالَ: يَا رَبِّ،
لَمْ يَبْقَ مِنْ حَسَنَاتِي شَيْءٌ. قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى لِلطَّالِبِ: كَيْفَ
تَصْنَعُ بِأَخِيكَ ؟ لَمْ يَبْقَ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْءٌ. قَالَ: يَا رَبِّ،
فَلْيَحْمِلْ عَنِّي مِنْ أَوْزَارِي ". قَالَ: وَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبُكَاءِ، ثُمَّ قَالَ: "
إِنَّ ذَلِكَ لَيَوْمٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ يَحْتَاجُ فِيهِ النَّاسُ إِلَى أَنْ
يُحْمَلَ عَنْهُمْ مِنْ أَوْزَارِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلطَّالِبِ:
ارْفَعْ بَصَرَكَ، فَانْظُرْ فِي الْجِنَانِ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: يَا
رَبِّ، أَرَى مَدَائِنَ مِنْ فِضَّةٍ، وَقُصُورًا مَنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةً
بِاللُّؤْلُؤِ، لِأَيِّ نَبِيٍّ هَذَا ؟ لِأَيِّ صِدِّيقٍ هَذَا ؟ لِأَيِّ شَهِيدٍ
هَذَا ؟ قَالَ: هَذَا لِمَنْ أَعْطَى الثَّمَنَ. قَالَ: يَا رَبِّ، وَمَنْ
يَمْلِكُ ذَلِكَ ؟ قَالَ: أَنْتَ تَمْلِكُهُ. قَالَ: بِمَاذَا يَا رَبِّ ؟ قَالَ:
بِعَفْوِكَ عَنْ أَخِيكَ. قَالَ: يَا رَبِّ، فَإِنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ. قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: خُذْ بِيَدِ أَخِيكَ، فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ ". فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: "
فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ; فَإِنَّ اللَّهَ يُصْلِحُ
بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". إِسْنَادٌ غَرِيبٌ، وَسِيَاقٌ
غَرِيبٌ، وَمَعْنَى حَسَنٌ عَجِيبٌ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ، بِهِ،
وَحَكَى عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَعِيدُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ فِي
الْمَظَالِمِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ. ثُمَّ أَوْرَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ
طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ مَيْمُونٍ الْبَصْرِيُّ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا،
بِنَحْوِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا، وَقَدْ يُسْتَشْهَدُ لَهُ بِمَا رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا
أَدَّاهَا اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ
اللَّهُ ".
وَقَدْ رَوَى أَبُو الْوَلِيدِ
الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْقَاهِرِ بْنِ السَّرِيِّ، وَرَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ، مِنْ حَدِيثِهِ، عَنِ ابْنٍ
لِكِنَانَةَ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ
مَاجَهْ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَدَعَا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ لِأُمَّتِهِ بِالْمَغْفِرَةِ
وَالرَّحْمَةِ، فَأَكْثَرَ الدُّعَاءَ، فَأَجَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى: "
إِنِّي قَدْ فَعَلْتُ إِلَّا ظُلْمَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ". فَقَالَ: "
يَا رَبِّ، إِنَّكَ قَادِرٌ أَنْ تُثِيبَ هَذَا الْمَظْلُومَ خَيْرًا مِنْ
مَظْلَمَتِهِ، وَتَغْفِرَ لِهَذَا الظَّالِمِ ". فَلَمْ يُجِبْهُ تِلْكَ
الْعَشِيَّةَ، فَلَمَّا كَانَ غَدَاةُ الْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ الدُّعَاءَ،
فَأَجَابَهُ اللَّهُ: " إِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ". فَتَبَسَّمَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَبَسَّمْتَ فِي سَاعَةٍ لَمْ تَكُنْ تَبَسَّمُ فِيهَا ؟
فَقَالَ: " تَبَسَّمْتُ مِنْ عَدُوِّ اللَّهِ إِبْلِيسَ، إِنَّهُ لَمَّا
عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ، قَدِ اسْتَجَابَ لِي فِي أُمَّتِي أَهْوَى
يَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، وَيَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ ".
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا الْعَفْوُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ عَذَابٍ
يَمَسُّهُمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِبَعْضِ النَّاسِ، وَيَحْتَمِلُ
أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي كُلِّ أَحَدٍ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ مُوسَى،
حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ
الْجَوْنِيُّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ زَيْدٍ
- أَوْ زَيْدِ بْنِ قَيْسٍ - عَنْ قَاضِي الْمِصْرَيْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَدْعُو صَاحِبَ
الدَّيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: يَا بْنَ آدَمَ، فِيمَ أَضَعْتَ
حُقُوقَ النَّاسِ ؟ فِيمَ أَذْهَبْتَ أَمْوَالَهُمْ ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، لَمْ
أُفْسِدْ، وَلَكِنِّي أُصِبْتُ، إِمَّا غَرَقًا، وَإِمَّا سَرَقًا. فَيَقُولُ:
أَنَا أَحَقُّ مَنْ قَضَى عَنْكَ الْيَوْمَ، فَتَرْجَحُ حَسَنَاتُهُ عَلَى
سَيِّئَاتِهِ، فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ ".
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ "، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ، وَاتْرُكُوا كِبَارَهَا.
فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ تُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا ؟ فَيَقُولُ ؟ لَا. وَهُوَ
مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ
تَعَالَى: إِنَّا قَدْ أَبْدَلْنَاكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً.
فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنِّي قَدْ عَمِلْتُ ذُنُوبًا لَا أَرَاهَا هَاهُنَا ؟
" قَالَ: وَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى
بَدَتْ نَوَاجِذُهُ.
وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي حَدِيثِ النَّجْوَى: يُدْنِي اللَّهُ الْعَبْدَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، وَيُقَرِّرُهُ
بِذُنُوبِهِ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا
عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ. وَيُعْطَى كِتَابَ
حَسَنَاتِهِ بِيَمِينِهِ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا:
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ،
أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عِمْرَانَ
الْجَوْنِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: يُدْنِي اللَّهُ تَعَالَى الْعَبْدَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ لِيَسْتُرَهُ مِنَ الْخَلَائِقِ
كُلِّهَا، وَيَدْفَعُ إِلَيْهِ كِتَابَهُ، فِي ذَلِكَ السِّتْرِ، فَيَقُولُ
تَعَالَى: " اقْرَأْ يَا بْنَ آدَمَ كِتَابَكَ ". فَيَمُرُّ
بِالْحَسَنَةِ فَيَبْيَضُّ لَهَا وَجْهُهُ، وَيُسَّرُّ بِهَا قَلْبُهُ، فَيَقُولُ
اللَّهُ تَعَالَى: " أَتَعْرِفُ يَا عَبْدِي ؟ " فَيَقُولُ: نَعَمْ، يَا
رَبِّ، أَعْرِفُ. فَيَقُولُ: " إِنِّي قَدْ تَقَبَّلْتُهَا مِنْكَ ".
قَالَ: فَيَخِرُّ سَاجِدًا، قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: " ارْفَعْ
رَأْسَكَ، وَعُدْ فِي قِرَاءَةِ كِتَابِكَ. فَيَمُرُّ بِالسَّيِّئَةِ، فَتَسُوءُهُ
وَيَسْوَدُّ لَهَا وَجْهُهُ، وَيَوْجَلُ مِنْهَا قَلْبُهُ، وَتُرْعَدُ مِنْهَا
فَرَائِصُهُ، وَيَأْخُذُهُ مِنَ الْحَيَاءِ مِنْ رَبِّهِ مَا لَا يَعْلَمُهُ
غَيْرُهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: " أَتَعْرِفُ يَا عَبْدِي ؟
" فَيَقُولُ: نَعَمْ، يَا رَبِّ، أَعْرِفُ. فَيَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:
" فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُهَا لَكَ ". " فَيَخِرُّ سَاجِدًا
فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: " ارْفَعْ رَأْسَكَ ". فَلَا يَزَالُ
فِي حَسَنَةٍ تُقْبَلُ، وَسَيِّئَةٍ تُغْفَرُ، وَسُجُودٍ عِنْدَ كُلِّ حَسَنَةٍ
وَسَيِّئَةٍ، لَا يَرَى الْخَلَائِقُ مِنْهُ إِلَّا ذَاكَ السُّجُودَ، حَتَّى
يُنَادِيَ الْخَلَائِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا: طُوبَى لِهَذَا الْعَبْدِ الَّذِي لَمْ
يَعْصِ اللَّهَ قَطُّ. وَلَا يَدْرُونَ مَا قَدْ لَقِيَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِمَّا قَدْ وَقَفَهُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: وَقَالَ أَبُو يَاسِرٍ عَمَّارُ بْنُ نَصْرٍ:
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي
الْعَاتِكَةِ، أَوْ غَيْرُهُ، قَالَ: مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ أُتِيَ
بِكِتَابٍ فِي بَاطِنِهِ سَيِّئَاتُهُ،
وَفِي ظَاهِرِهِ حَسَنَاتُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ كِتَابَكَ. فَيَقْرَأُ
بَاطِنَهُ، فَيُسَاءُ بِمَا فِيهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ، حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى
آخِرِهَا قَرَأَ فِيهِ: " هَذِهِ سَيِّئَاتُكَ، وَقَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ
فِي الدُّنْيَا، وَغَفَرْتُهَا لَكَ الْيَوْمَ ". وَيَغْبِطُهُ بِهَا
الْأَشْهَادُ - أَوْ قَالَ: أَهْلُ الْجَمْعِ - مِمَّا يَقْرَءُونَ فِي ظَاهِرِ
كِتَابِهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَيَقُولُونَ: سَعِدَ هَذَا. ثُمَّ يُؤْمَرُ
بِتَحْوِيلِهِ، وَقِرَاءَةِ مَا فِي ظَاهِرِهِ، فَيُحَوِّلُهُ، وَيُبَدِّلُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا كَانَ فِي بَاطِنِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ، فَيَجْعَلُهَا
اللَّهُ حَسَنَاتٍ، وَيَقْرَأُ حَسَنَاتَهُ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى آخِرِهَا، ثُمَّ
يَقُولُ: " هَذِهِ حَسَنَاتُكَ، قَدْ قَبِلْتُهَا مِنْكَ ". فَعِنْدَ
ذَلِكَ يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَمْعِ: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي
ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ [ الْحَاقَّةِ: 19، 20 ]. قَالَ: وَمَنْ
أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ يَأْخُذُهُ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ:
اقْرَأْ كِتَابَكَ. فَيَقْرَأُ كِتَابَهُ فِي بَاطِنِهِ حَسَنَاتُهُ، وَفِي
ظَاهِرِهِ سَيِّئَاتُهُ، فَيَقْرَؤُهَا أَهْلُ الْمَوْقِفِ - أَوْ قَالَ: أَهْلُ
الْجَمْعِ - وَيَقُولُونَ: هَلَكَ هَذَا. فَإِذَا أَتَى عَلَى آخَرِ حَسَنَاتِهِ،
قِيلَ: " هَذِهِ حَسَنَاتُكَ، وَقَدْ رَدَدْتُهَا عَلَيْكَ ".
وَيُؤْمَرُ بِتَحْوِيلِهِ، فَيَقْرَأُ سَيِّئَاتِهِ. حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى
آخِرِهَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَمْعِ: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ
كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ
مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [ الْحَاقَّةِ: 25 - 29
].
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنْبَأَنَا
الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُؤْتَى بِابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
كَأَنَّهُ بَذَجٌ - وَالْبَذَجُ وَلَدُ الشَّاةِ - فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: أَيْنَ مَا خَوَّلْتُكَ ؟ أَيْنَ مَا مَلَّكْتُكَ ؟ أَيْنَ مَا
أَعْطَيْتُكَ ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، جَمَعْتُهُ وَثَمَّرْتُهُ، وَتَرَكْتُهُ
أَكْثَرَ مَا كَانَ.
فَيَقُولُ: مَا قَدَّمْتَ مِنْهُ ؟
فَلَا يَرَى قَدَّمَ شَيْئًا، فَيَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ الرَّجْعَةَ إِلَى
الدُّنْيَا وَلَيْسَ بِرَاجِعٍ إِلَى الدُّنْيَا أَبَدًا ".
وَحَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُثْمَانَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ:
فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَرْجِعْنِي آتِكَ بِهِ كُلِّهِ. فَإِذَا أُعِيدَ لَمْ
يُقَدِّمْ شَيْئًا، فَيُمْضَى بِهِ إِلَى النَّارِ ". ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ
طَرِيقِ يَزِيدَ الرَّقَاشِّيِّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا
فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ
وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ [ الْأَنْعَامِ: 94 ].
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ ": أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي. وَهَلْ لَكَ مِنْ
مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ
تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ "، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ
لِلنَّاسِ ". وَقَالَ تَعَالَى: يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا
أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ [ الْبَلَدِ: 6، 7 ].
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا
سَيْفُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ابْنُ أُخْتِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ لَيْثِ بْنِ
أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ مُعَاذِ
بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا
تَزُولُ قَدَمَا الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ ;
عَنْ عُمُرِهِ: فِيمَ أَفْنَاهُ ؟ وَعَنْ جَسَدِهِ: فِيمَ أَبْلَاهُ ؟
وَعَنْ عِلْمِهِ: مَا عَمِلَ فِيهِ ؟
وَعَنْ مَالِهِ: مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ " وَقَدْ
تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوُهُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَرِيبٌ
مِنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا
الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْغَضَوَّرِ بْنِ عَتِيقٍ، عَنْ مَكْحُولٍ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا
عُوَيْمِرُ، يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، كَيْفَ بِكَ إِذَا قِيلَ لَكَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ: عَلِمْتَ أَوْ جَهِلْتَ ؟ فَإِنْ قُلْتَ: عَلِمْتُ. قِيلَ لَكَ:
فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ ؟ وَإِنْ قُلْتَ: جَهِلْتُ. قِيلَ: فَمَاذَا
كَانَ عُذْرُكَ فِيمَا جَهِلْتَ ؟ أَلَا تَعَلَّمْتَ " وَقَدْ رُوِيَ مِنْ
وَجْهٍ آخَرَ مَوْقُوفًا " عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ ( مَا يُدْعَى النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِآبَائِهِمْ )
قَالَ الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: بَابُ مَا يُدْعَى النَّاسُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ بِآبَائِهِمْ. ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُرْفَعُ
لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسْتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ: هَذِهِ
غَدْرَةُ فَلَانِ بْنِ فُلَانٍ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَا:
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَمْرِو، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي زَكَرِيَّا، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
بِأَسْمَائِكُمْ، وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ، فَحَسِّنُوا أَسْمَاءَكُمْ ".
وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَقِيءُ الْأَرْضُ
أَفْلَاذَ كَبِدِهَا، فَيَمُرُّ السَّارِقُ، فَيَقُولُ ؟ فِي هَذَا قُطِعَتْ
يَدِي. وَيَجِيءُ الْقَاتِلُ، فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَتَلْتُ. وَيَجِيءُ قَاطِعُ
الرَّحِمِ، فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي. ثُمَّ يَدْعُونَهُ فَلَا
يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا ".
فَصْلٌ ( حَالُ النَّاسِ عِنْدَ أَخْذِ الْكِتَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [ آلِ
عِمْرَانَ: 106 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا
نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ
[ الْقِيَامَةِ: 22 - 25 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ
ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا
قَتَرَةٌ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ
[ عَبَسَ: 38 - 42 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ
وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا
وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا
أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ
النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [ يُونُسَ 26، 27 ].
وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ
عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ
إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ
نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ [ الْإِسْرَاءِ: 71 ].
قَالَ: " يُدْعَى أَحَدُهُمْ فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَيُمَدُّ
لَهُ فِي جِسْمِهِ، وَيُبَيَّضُ وَجْهُهُ، وَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ
لُؤْلُؤَةٍ تَتَلَأْلَأُ، فَيَنْطَلِقُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَيَرَوْنَهُ مِنْ
بَعِيدٍ، فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ائْتِنَا بِهَذَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي هَذَا.
فَيَأْتِيهِمْ، فَيَقُولُ: أَبْشِرُوا، فَإِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ
هَذَا. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُسَوَّدُ وَجْهُهُ، وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ،
فَيَرَاهُ أَصْحَابُهُ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ هَذَا، وَمِنْ شَرِّ
هَذَا، اللَّهُمَّ لَا تَأْتِنَا بِهِ. فَيَأْتِيهِمْ، فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ
أَخْزِهِ. فَيَقُولُ: أَبْعَدَكُمُ اللَّهُ، فَإِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ
مِثْلَ هَذَا ". ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى الْعَبْسِيِّ، بِهِ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ
أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ
مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ، وَلَا شُهَدَاءَ،
يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمَكَانِهِمْ
مِنَ اللَّهِ ". قَالُوا: يَا رَسُولُ اللَّهِ، فَخَبِّرْنَا مَنْ هُمْ ؟
قَالَ: " هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى غَيْرِ
أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَاللَّهِ إِنَّ
لِوُجُوهِهِمْ لَنُورًا، وَإِنَّهُمْ لَعَلَى كَرَاسِيَّ مِنْ نُورٍ، لَا
يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ
": وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ
الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ
اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [ يُونُسَ: 62 - 64 ].
وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، وَهُوَ الْحَسَنُ
الْبَصْرِيُّ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ:
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ [ الْحَاقَّةِ: 30 ]. ابْتَدَرَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ،
فَتُسْلَكُ السِّلْسِلَةُ مِنْ فِيهِ، فَتَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ، فَيُنْظَمُ فِي السِّلْسِلَةِ
كَمَا يُنْظَمُ الْخَرَزُ فِي الْخَيْطِ، وَيُغْمَسُ فِي النَّارِ غَمْسَةً،
فَيَخْرُجُ عِظَامًا، فَتَقَعْقَعُ، ثُمَّ تُسْجَرُ تِلْكَ الْعِظَامُ فِي
النَّارِ، ثُمَّ يُعَادُ غَضًّا طَرِيًّا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا قَالَ اللَّهُ: خُذُوهُ. ابْتَدَرَهُ أَكْثَرُ مِنْ
رَبِيعَةَ وَمُضَرَ. وَعَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ
قَالَ: لَا يَبْقَى شَيْءٌ إِلَّا ذَمَّهُ، فَيَقُولُ: أَمَا
تَرْحَمُنِي ؟ فَيَقُولُ: كَيْفَ
أَرْحَمُكَ، وَلَمْ يَرْحَمْكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ؟!.
فَصْلٌ ( مَا يُرْجَى مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )
قَالَ ابْنُ مَاجَهْ فِي الرَّقَائِقِ ; بَابِ مَا يُرْجَى مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ
لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ، قَسَمَ مِنْهَا رَحْمَةً بَيْنَ جَمِيعِ الْخَلَائِقِ،
فَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ
عَلَى أَوْلَادِهَا، وَأَخَّرَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا
عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي
رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي
سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا
مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ
فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ
الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَوْ
يَعْلَمُ الْمُسْلِمُ بِكُلِّ
الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ
الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ ". انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو غَرِيبٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ،
قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: خَلَقَ اللَّهُ، يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِائَةَ
رَحْمَةٍ، فَجَعَلَ فِي الْأَرْضِ مِنْهَا رَحْمَةً، فَبِهَا تَعْطِفُ
الْوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا، وَالْبَهَائِمُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ،
وَالطَّيْرُ، وَأَخَّرَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا
كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَكْمَلَهَا اللَّهُ بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ ".
انْفَرَدَ بِهِ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ ".
ثُمَّ أَوْرَدَ ابْنُ مَاجَهْ مَا أَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "
مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابَا يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي ". وَفِي رِوَايَةٍ: "
سَبَقَتْ غَضَبِي ". وَفِي رِوَايَةٍ: " فَهُوَ مَوْضُوعٌ عِنْدَهُ
عَلَى الْعَرْشِ ". وَفِي رِوَايَةٍ: " فَوْقَ الْعَرْشِ ".
وَكُلُّهَا رِوَايَاتٌ صَحِيحَةٌ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [
الْأَنْعَامِ: 54 ]. وَقَالَ: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ الْآيَةَ: [
الْأَعْرَافِ: 156 ]. رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا [
غَافِرِ: 7 ]. هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ
أَنَّهُ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا. وَقَالَ: فَإِنْ كَذَّبُوكَ
فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ
الْمُجْرِمِينَ
[ الْأَنْعَامِ: 147 ].
ثُمَّ أَوْرَدَ ابْنُ مَاجَهْ حَدِيثَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ
جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ لَهُ:
يَا مُعَاذُ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ " قُلْتُ:
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا
بِهِ شَيْئًا ". ثُمَّ قَالَ: " أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى
اللَّهِ إِذَا هُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ ؟ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ ". وَهُوَ
ثَابِتٌ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "، مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ
هِلَالٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مُعَاذٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا
زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخُو حَزْمٍ
الْقُطَعِيِّ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ - أَوْ تَلَا - هَذِهِ
الْآيَةَ: هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ [ الْمُدَّثِّرُ: 56 ].
قَالَ: " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى فَلَا يُجْعَلَ
مَعِي إِلَهٌ آخَرُ، فَمَنِ اتَّقَى أَنْ يَجْعَلَ مَعِي إِلَهًا آخَرَ فَأَنَا
أَهْلٌ أَنْ أَغْفِرَ لَهُ ".
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى
الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ نَافِعٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ، فَمَرَّ بِقَوْمٍ فَقَالَ: " مَنِ
الْقَوْمُ ؟ " قَالُوا: نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ. وَامْرَأَةٌ تَحْصِبُ
تَنُّورَهَا، وَمَعَهَا ابْنٌ لَهَا، فَإِذَا ارْتَفَعَ وَهَجُ
التَّنُّورِ تَنَحَّتْ بِهِ، فَأَتَتِ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ
؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَلَيْسَ
اللَّهُ بِأَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ؟ قَالَ: " بَلَى ". قَالَتْ:
أَوَلَيْسَ اللَّهُ أَرْحَمَ بِعِبَادِهِ مِنَ الْأُمِّ بِوَلَدِهَا ؟ قَالَ:
" بَلَى ". قَالَتْ: إِنَّ الْأُمَّ لَا تُلْقِي وَلَدَهَا فِي
النَّارِ. فَأَكَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْكِي،
ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهَا، فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ،
لَا يُعَذِّبُ مِنْ عِبَادِهِ إِلَّا الْمَارِدَ الْمُتَمَرِّدَ، الَّذِي
يَتَمَرَّدُ عَلَى اللَّهِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
". إِسْنَادُهُ فِيهِ ضَعْفٌ، وَسِيَاقُهُ فِيهِ غَرَابَةٌ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ
وَتَوَلَّى [ اللَّيْلِ: 15، 16 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى
وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [ الْقِيَامَةِ: 31، 32 ].
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو
غَسَّانَ، حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ
تَحَلَّبَ ثَدْيُهَا تَسْعَى، فَإِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ
فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا، فَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ ؟
" قُلْنَا: لَا، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ. فَقَالَ: "
لَلَّهُ
أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ
بِوَلَدِهَا ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَسَنٍ الْحُلْوَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ
عَسْكَرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ
مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ، بِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَاللَّهِ لَلَّهُ أَرْحَمُ
بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ".
ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ
الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ،
عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا
يَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا شَقِيٌّ ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنِ
الشَّقِيُّ ؟ قَالَ: " مَنْ لَمْ يَعْمَلْ لِلَّهِ بِطَاعَةٍ، وَلَمْ
يَتْرُكْ لَهُ مَعْصِيَةً ". وَفَى إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا.
وَفَى " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي
مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، إِلَى
كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، فَيَقُولُ: هَذَا فِكَاكُكَ مِنَ
النَّارِ ". وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا أَدْخَلَ
اللَّهُ مَكَانَهُ إِلَى النَّارِ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا ". قَالَ:
فَاسْتَحْلَفَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ أَبَا بُرْدَةَ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: فَحَلَفَ لَهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ، فَيَغْفِرُهَا اللَّهُ لَهُمْ، وَيَضَعُهَا عَلَى
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ".
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ أَبِي الْمُسَاوِرِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا جَمَعَ
اللَّهُ الْخَلَائِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُذِنَ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّجُودِ، فَيَسْجُدُونَ لَهُ طَوِيلًا، ثُمَّ
يُقَالُ: ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ، قَدْ جَعَلْنَا عِدَّتَكُمْ فَدَاءَكُمْ مِنَ
النَّارِ ".
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي
شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا سَعْدٌ أَبُو غَيْلَانَ
الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ
صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ
الْفَاجِرُ فِي دِينِهِ، الْأَحْمَقُ فِي مَعِيشَتِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ الَّذِي قَدْ مَحَشَتْهُ النَّارُ بِذَنْبِهِ، وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَغْفِرَنَّ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْفِرَةً
يَتَطَاوَلُ لَهَا إِبْلِيسُ رَجَاءَ أَنْ تُصِيبَهُ ".
ذِكْرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ
هَذِهِ الْأُمَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ
فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٍ ( ح ) وَحَدَّثَنَا أَسِيدُ بْنُ زَيْدٍ،
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،
فَقَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ، فَأَجِدُ النَّبِيَّ يَمُرُّ
مَعَهُ الْأُمَّةُ، وَالنَّبِيَّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ، وَالنَّبِيَّ يَمُرُّ
مَعَهُ الْعَشَرَةُ، وَالنَّبِيَّ يَمُرُّ مَعَهُ الْخَمْسَةُ، وَالنَّبِيَّ
يَمُرُّ وَحْدَهُ، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ،
هَؤُلَاءِ أُمَّتِي ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ. فَنَظَرْتُ
فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قَالَ: هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ، وَهَؤُلَاءِ سَبْعُونَ
أَلْفًا قُدَّامَهُمْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ، وَلَا عَذَابَ. قُلْتُ: وَلِمَ ؟
قَالَ: كَانُوا لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ،
وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ". فَقَامَ إِلَيْهِ عُكَّاشَةُ بْنُ
مِحْصَنٍ، فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: "
اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ". ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ،
فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: " سَبَقَكَ بِهَا
عُكَّاشَةُ ".
وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ هُشَيْمٍ بِهِ، بِنَحْوِهِ، وَهُوَ
أَطْوَلُ مِنْ هَذَا.
ثُمَّ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، وَقَالَ فِيهِ: ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مَنَ
الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ: "
سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
سَأَلْتُ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، فَوَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ
أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ،
فَاسْتَزَدْتُ فَزَادَنِي مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعِينَ أَلْفًا، فَقُلْتُ: أَيْ
رَبِّ، إِنْ لَمْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ مُهَاجِرِي أُمَّتِي ؟ قَالَ: إِذَنْ
أُكْمِلَهُمْ لَكَ مِنَ الْأَعْرَابِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ
زِيَادٍ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، أَوَّلُ زُمْرَةٍ مِنْ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ سَبْعُونَ
أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ، صُورَةُ كُلِّ رَجُلٍ
التالي ج37.وج38. بمشيئة الله الواحد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق