ج13.وج14.البداية والنهاية لابن كثير
ج13. البداية
والنهاية لابن كثير
تأليف: عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (774 هـ).
أَبَدًا " فَتَنَازَعُوا، وَلَا
يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ يَهْجُرُ ؟ اسْتَفْهِمُوهُ.
فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَنْهُ، فَقَالَ: " دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ
خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ " فَأَوْصَاهُمْ بِثَلَاثٍ ; قَالَ:
" أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا
الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ " وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ
أَوْ قَالَ: فَنَسِيتُهَا. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ،
وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا
لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ " فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ
غَلَبَهُ الْوَجَعُ، وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ.
فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا
يَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ غَيْرَ
ذَلِكَ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلَافَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُومُوا ". قَالَ عُبَيْدُ
اللَّهِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ
الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ لِاخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِنَحْوِهِ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ " صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ وَيُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا قَدْ تَوَهَّمَ بِهِ بَعْضُ الْأَغْبِيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ الشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ، كُلٌّ يَدَّعِي أَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَكْتُبَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ مَا يَرْمُزُونَ إِلَيْهِ مِنْ مَقَالَاتِهِمْ، وَهَذَا هُوَ التَّمَسُّكُ بِالْمُتَشَابِهِ وَتَرْكُ الْمُحْكَمِ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَأْخُذُونَ بِالْمُحْكَمِ وَيَرُدُّونَ مَا تَشَابَهَ إِلَيْهِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ، كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي كِتَابِهِ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِمَّا زَلَّ فِيهِ أَقْدَامُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَاتِ، وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَلَيْسَ لَهُمْ مَذْهَبٌ إِلَّا اتِّبَاعُ الْحَقِّ يَدُورُونَ مَعَهُ كَيْفَمَا دَارَ، وَهَذَا الَّذِي كَانَ يُرِيدُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يَكْتُبَهُ قَدْ جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ التَّصْرِيحُ بِكَشْفِ الْمُرَادِ مِنْهُ ; فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، ثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:لَمَّا كَانَ وَجَعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ قَالَ: " ادْعُوا لِي أَبَا بَكْرٍ وَابْنَهُ فَلْيَكْتُبْ ; لِكَيْ لَا يَطْمَعَ فِي أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ طَامِعٌ وَلَا يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ " ثُمَّ قَالَ يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُؤْمِنُونَ مَرَّتَيْنِ. قَالَتْ عَائِشَةُ:
فَأَبَى اللَّهُ ذَلِكَ
وَالْمُؤْمِنُونَ. انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
أَبِي بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أَبِي بَكْرٍ " ائْتِنِي بِكَتِفٍ أَوْ لَوْحٍ حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي
بَكْرٍ كِتَابًا لَا يُخْتَلَفُ عَلَيْهِ " فَلَمَّا ذَهَبَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ لِيَقُومَ قَالَ أَبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ أَنْ يُخْتَلَفَ
عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ فَأَعْهَدَ ;
أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى مُتَمَنُّونَ، فَقُلْتُ: يَأْبَى
اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى
الْمُؤْمِنُونَ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " وَ " مُسْلِمٍ " مِنْ
حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ
بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ.
فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ ؟ كَأَنَّهَا تَقُولُ:
الْمَوْتَ. قَالَ: " إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ "
وَالظَّاهِرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّهَا إِنَّمَا قَالَتْ ذَلِكَ لَهُ،
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، صَلَوَاتُ
اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ خَطَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ خُطْبَةً عَظِيمَةً، بَيَّنَ فِيهَا فَضْلَ الصِّدِّيقِ
مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الصَّحَابَةِ، مَعَ مَا كَانَ قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَنْ
يَؤُمَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعِينَ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ مَعَ حُضُورِهِمْ
كُلِّهِمْ، وَلَعَلَّ خُطْبَتَهُ هَذِهِ كَانَتْ عِوَضًا عَمَّا أَرَادَ أَنْ
يَكْتُبَهُ فِي الْكِتَابِ، وَقَدِ اغْتَسَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،
بَيْنَ يَدَيْ هَذِهِ الْخُطْبَةِ الْكَرِيمَةِ، فَصَبُّوا عَلَيْهِ مِنْ سَبْعِ
قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِشْفَاءِ
بِالسَّبْعِ، كَمَا وَرَدَتْ بِهَا الْأَحَادِيثُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ،
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، اغْتَسَلَ ثُمَّ
خَرَجَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ خَطَبَهُمْ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا الْحَاكِمُ، أَنْبَأَنَا الْأَصَمُّ عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بَشِيرٍ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي مَرَضِهِ " أَفِيضُوا
عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ مِنْ سَبْعِ آبَارٍ شَتَّى، حَتَّى أَخْرُجَ
فَأَعْهَدَ إِلَى النَّاسِ " فَفَعَلُوا، فَخَرَجَ فَجَلَسَ عَلَى
الْمِنْبَرِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا ذَكَرَ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ
عَلَيْهِ ذَكَرَ أَصْحَابَ أُحُدٍ فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَدَعَا لَهُمْ، ثُمَّ
قَالَ " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، إِنَّكُمْ أَصْبَحْتُمْ تَزِيدُونَ،
وَالْأَنْصَارُ عَلَى هَيْئَتِهَا لَا تَزِيدُ، وَإِنَّهُمْ عَيْبَتِي الَّتِي
أَوَيْتُ إِلَيْهَا، فَأَكْرِمُوا كَرِيمَهُمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ
مُسِيئِهِمْ " ثُمَّ قَالَ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَبْدًا مِنْ
عِبَادِ اللَّهِ قَدْ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَ
اللَّهِ " فَفَهِمَهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنْ بَيْنِ
النَّاسِ فَبَكَى، وَقَالَ: بَلْ نَحْنُ نَفْدِيكَ بِأَنْفُسِنَا وَأَبْنَائِنَا
وَأَمْوَالِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" عَلَى رِسْلِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، انْظُرُوا إِلَى هَذِهِ الْأَبْوَابِ
الشَّارِعَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَسُدُّوهَا، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ بَيْتِ أَبِي
بَكْرٍ، فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا عِنْدِي أَفْضَلَ فِي الصُّحْبَةِ مِنْهُ
" هَذَا مُرْسَلٌ لَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ زُبَيْدِ بْنِ طُوسَى، عَنْ
عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، عَنْ أُمِّ ذَرَّةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَلَمَّا
اسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ تَحَدَّقَ النَّاسُ بِالْمِنْبَرِ وَاسْتَكَفُّوا،
فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لِقَائِمٌ عَلَى الْحَوْضِ السَّاعَةَ
ثُمَّ تَشَهَّدَ فَلَمَّا قَضَى تَشَهُّدَهُ كَانَ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ
أَنِ اسْتَغْفَرَ لِلشُّهَدَاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا بِأُحُدٍ، ثُمَّ قَالَ: "
إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا
عِنْدَ اللَّهِ، فَاخْتَارَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ " فَبَكَى أَبُو
بَكْرٍ فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ، وَقَالَ: بِأَبِي وَأُمِّي نَفْدِيكَ بِآبَائِنَا
وَأُمَّهَاتِنَا وَأَنْفُسِنَا وَأَمْوَالِنَا. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا
بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ " عَلَى رِسْلِكَ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، ثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ
سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ
بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ
فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا
عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ " قَالَ: فَبَكَى
أَبُو بَكْرٍ. قَالَ: فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ أَنْ يُخْبِرَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَبْدٍ خُيِّرَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ
أَعْلَمَنَا بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ،
لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ،
وَلَكِنْ خُلَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا يَبْقَى فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ
إِلَّا سُدَّ، إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ " وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ بِهِ. ثُمَّ رَوَاهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ فُلَيْحٍ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ
عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ وَبُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِهِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ فُلَيْحٍ وَمَالِكِ
بْنِ أَنَسٍ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَعُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ
كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامٌ، ثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ، عَنْ
عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ ابْنِ أَبِي
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمًا فَقَالَ: " إِنَّ رَجُلًا خَيَّرَهُ رَبُّهُ بَيْنَ
أَنْ يَعِيشَ فِي الدُّنْيَا مَا شَاءَ أَنْ يَعِيشَ فِيهَا يَأْكُلُ مِنَ
الدُّنْيَا مَا شَاءَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّهِ فَاخْتَارَ
لِقَاءَ رَبِّهِ " فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا الشَّيْخِ أَنْ
ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا صَالِحًا
خَيَّرَهُ رَبُّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّهِ، فَاخْتَارَ
لِقَاءَ رَبِّهِ ؟ ! فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَهُمْ بِمَا قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلْ نَفْدِيكَ
بِأَمْوَالِنَا وَأَبْنَائِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيْنَا فِي صُحْبَتِهِ
وَذَاتِ يَدِهِ مِنَ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا
لَاتَّخَذْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَكِنْ وُدٌّ وَإِخَاءٌ وَإِيمَانٌ،
وَلَكِنْ وُدٌّ وَإِخَاءٌ وَإِيمَانٌ مَرَّتَيْنِ وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. قَالُوا: وَصَوَابُهُ
أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْمُعَلَّى. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
- هُوَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ - ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، ثَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي
جُنْدُبٌ،أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَبْلَ أَنْ يُتَوَفَّى بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ: " قَدْ كَانَ لِي مِنْكُمْ
إِخْوَةٌ وَأَصْدِقَاءُ، وَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خُلَّتِهِ، وَلَوْ
كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا
بَكْرٍ خَلِيلًا، وَإِنَّ رَبِّي
اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَإِنَّ قَوْمًا
مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصُلَحَائِهِمْ
مَسَاجِدَ، فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ
ذَلِكَ " وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ
إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ بِنَحْوِهِ. وَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ
وَفَاتِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ هُوَ يَوْمُ
الْخَمِيسِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَقَدْ رُوِّينَا هَذِهِ الْخُطْبَةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ
الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْمُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا
يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، ثَنَا وَهْبُ
بْنُ جَرِيرٍ ثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ يُحَدِّثُ عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ
بِخِرْقَةٍ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ
قَالَ " إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ بِنَفْسِهِ
وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا
لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ،
سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ
" وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ
الْجُعْفِيِّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ
أَبِيهِ بِهِ. وَفِي قَوْلِهِ،
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي الْمَسْجِدِ
- يَعْنِي الْأَبْوَابَ الصِّغَارَ النَّافِذَةَ إِلَى الْمَسْجِدِ - غَيْرَ خَوْخَةِ
أَبِي بَكْرٍ إِشَارَةٌ إِلَى الْخِلَافَةِ ; أَيْ لِيَخْرُجَ مِنْهَا إِلَى
الصَّلَاةِ بِالْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
سُلَيْمَانَ بْنِ حَنْظَلَةَ، ابْنِ الْغَسِيلِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي
مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ دَسْمَاءَ،
مُلْتَحِفًا بِمِلْحَفَةٍ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ،
فَذَكَرَ الْخُطْبَةَ، وَذَكَرَ فِيهَا الْوَصَاةَ بِالْأَنْصَارِ، إِلَى أَنْ
قَالَ: فَكَانَ آخَرَ مَجْلِسٍ جَلَسَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُبِضَ. يَعْنِي آخِرَ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا، عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ
وَلَفْظٍ غَرِيبٍ ; فَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا
ابْنُ أَبِي قُمَاشٍ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا مُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ أَبُو عِمْرَانَ الْجَبُّلِيُّ، ثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى
الْقَزَّازُ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
إِيَاسٍ اللَّيْثِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:أَتَانِي
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا
شَدِيدًا، وَقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: خُذْ بِيَدِي
يَا فَضْلُ قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ حَتَّى قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ قَالَ: نَادِ فِي النَّاسِ يَا فَضْلُ فَنَادَيْتُ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً. قَالَ: فَاجْتَمَعُوا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَقَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّي حُقُوقٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهَرُكُمْ، وَلَنْ تَرَوْنِي فِي هَذَا الْمَقَامِ فِيكُمْ، وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَنَّ غَيْرَهُ غَيْرُ مُغْنٍ عَنِّي حَتَّى أَقُومَهُ فِيكُمْ، أَلَا فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرًا فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ لَهُ مَالًا فَهَذَا مَالِي فَلْيَأْخُذْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ، وَلَا يَقُولَنَّ قَائِلٌ: أَخَافُ الشَّحْنَاءَ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلَا وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ شَأْنِي وَلَا مِنْ خُلُقِي، وَإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مِنْ أَخَذَ حَقًّا إِنْ كَانَ لَهُ عَلَيَّ، أَوْ حَلَّلَنِي فَلَقِيتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عِنْدِي مَظْلِمَةٌ " قَالَ: فَقَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِي عِنْدَكَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. فَقَالَ: " أَمَّا أَنَا فَلَا أُكَذِّبُ قَائِلًا وَلَا مُسْتَحْلِفُهُ عَلَى يَمِينٍ، فِيمَ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي ؟ " قَالَ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّهُ مَرَّ بِكَ سَائِلٌ فَأَمَرْتَنِي، فَأَعْطَيْتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ. قَالَ: " أَعْطِهِ يَا فَضْلُ " قَالَ: وَأَمَرَ بِهِ فَجَلَسَ. قَالَ: ثُمَّ عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَالَتِهِ الْأُولَى، ثُمَّ قَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْغُلُولِ شَيْءٌ فَلْيَرُدَّهُ " فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدِي ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ غَلَلْتُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ: " فَلِمَ غَلَلْتَهَا ؟ " قَالَ: كُنْتُ إِلَيْهَا مُحْتَاجًا. قَالَ: " خُذْهَا مِنْهُ يَا فَضْلُ " ثُمَّ عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَالَتِهِ الْأُولَى وَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا فَلْيَقُمْ أَدْعُو اللَّهَ لَهُ " فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَمُنَافِقٌ، وَإِنِّي
لَكَذُوبٌ، وَإِنِّي لَنَئُومٌ.
فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَيْحَكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ لَقَدْ سَتَرَكَ
اللَّهُ، لَوْ سَتَرَتْ عَلَى نَفْسِكَ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَهْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فُضُوحُ الدُّنْيَا
أَهْوَنُ مِنْ فُضُوحِ الْآخِرَةِ. اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ صِدْقًا وَإِيمَانًا،
وَأَذْهِبْ عَنْهُ النَّوْمَ إِذَا شَاءَ " ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عُمَرُ مَعِي وَأَنَا مَعَ عُمَرَ
وَالْحَقُّ بَعْدِي مَعَ عُمَرَ " وَفِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ غَرَابَةٌ
شَدِيدَةٌ.
ذِكْرُ أَمْرِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنْ يُصَلِّيَ بِالصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ مَعَ
حُضُورِهِمْ كُلِّهِمْ وَخُرُوجِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَصَلَّى
وَرَاءَهُ مُقْتَدِيًا بِهِ فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ،
وَإِمَامًا لَهُ وَلِمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَعْقُوبُ، ثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ
بْنِ
أَسَدٍ قَالَ: لَمَّا اسْتُعِزَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، دَعَا بِلَالٌ لِلصَّلَاةِ، فَقَالَ: " مُرُوا مَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ " قَالَ: فَخَرَجْتُ فَإِذَا عُمَرُ فِي النَّاسِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ غَائِبًا فَقُلْتُ: قُمْ يَا عُمَرُ فَصَلِّ بِالنَّاسِ. قَالَ: فَقَامَ، فَلَمَّا كَبَرَّ عُمَرُ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ، وَكَانَ عُمَرُ رَجُلًا مُجْهِرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأَيْنَ أَبُو بَكْرٍ ؟ ! يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ، يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ " قَالَ: فَبَعَثَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَجَاءَ بَعْدَ مَا صَلَّى عُمَرُ تِلْكَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ: قَالَ لِي عُمَرُ: وَيْحَكَ مَاذَا صَنَعْتَ يَا ابْنَ زَمْعَةَ، وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ حِينَ أَمَرْتَنِي إِلَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَكَ بِذَلِكَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا صَلَّيْتُ. قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ حِينَ لَمْ أَرَ أَبَا بَكْرٍ رَأَيْتُكَ أَحَقَّ مَنْ حَضَرَ بِالصَّلَاةِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ. وَرَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ، فَذَكَرَهُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَمْعَةَ
أَخْبَرَهُ بِهَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: لَمَّا سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ عُمَرَ. قَالَ ابْنُ زَمْعَةَ: خَرَجَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَطْلَعَ رَأْسَهُ مِنْ حُجْرَتِهِ،
ثُمَّ قَالَ " لَا لَا لَا، لِيُصَلِّ لِلنَّاسِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ
" يَقُولُ ذَلِكَ مُغْضِبًا
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا
الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ الْأَسْوَدُ: كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَذَكَرْنَا الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ
وَالتَّعْظِيمَ لَهَا، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأَذَّنَ بِلَالٌ،
فَقَالَ " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " فَقِيلَ لَهُ:
إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ
يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ،
فَقَالَ " إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ
بِالنَّاسِ " فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى، فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ الْأَرْضَ مِنَ الْوَجَعِ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَكَانَكَ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ. قِيلَ لِلْأَعْمَشِ: فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ ؟ فَقَالَ بِرَأْسِهِ نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ بَعْضَهُ، وَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ بِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَنْبَأَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ: "
مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ " قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: إِنَّ
أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ مَقَامَكَ، لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ،
فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ، فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ: إِنَّ
أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ،
فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ، فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَهْ إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ
صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ " فَقَالَتْ
حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا. وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ بِهِ. وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ثَنَا
هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:أَمَرَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ
بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَوَجَدَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً،
فَخَرَجَ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّ النَّاسَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ
اسْتَأْخَرَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ كَمَا أَنْتَ. فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَكَانَ
أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ
بِهِ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ
يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَجَعُهُ، قِيلَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ " مُرُوا أَبَا
بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يُسْمِعِ
النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ. فَقَالَ: " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ
بِالنَّاسِ " فَعَاوَدَتْهُ مِثْلَ مَقَالَتِهَا، فَقَالَ: " أَنْتُنَّ
صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " قَالَ
ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَقَدْ عَاوَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، وَمَا حَمَلَنِي عَلَى مُعَاوَدَتِهِ إِلَّا
أَنِّي خَشِيتُ أَنْ يَتَشَاءَمَ النَّاسُ بِأَبِي بَكْرٍ، وَإِلَّا أَنِّي
عَلِمْتُ أَنَّهُ لَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ أَحَدٌ إِلَّا تَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ،
فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَعْدِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ إِلَى غَيْرِهِ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ
مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتِي قَالَ: " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ
فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ
أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إِذَا
قَرَأَ الْقُرْآنَ لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ، فَلَوْ أَمَرْتَ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ.
قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا بِي إِلَّا كَرَاهِيَةُ أَنْ يَتَشَاءَمَ النَّاسُ
بِأَوَّلِ مَنْ يَقُومُ فِي مَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. قَالَتْ: فَرَاجَعْتُهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. فَقَالَ "
لِيُصَلِّ بِالنَّاسِ أَبُو بَكْرٍ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ ".
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ،
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرِضَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ
فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ
أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لَا يَسْتَطِعْ يُصَلِّي
بِالنَّاسِ. قَالَ: فَقَالَ " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ،
فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ " قَالَ: فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ حَيَاةَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثَنَا
زَائِدَةُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: أَلَا تُحَدِّثِينِي عَنْ
مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ: بَلَى،
ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "
أَصَلَّى النَّاسُ ؟ " فَقُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ. فَقَالَ: " ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ " فَفَعَلْنَا،
قَالَتْ: فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ
فَقَالَ: " أَصَلَّى النَّاسُ ؟ " قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ
يَا رَسُولَ
اللَّهِ. قَالَ " ضَعُوا لِي
مَاءً فِي الْمِخْضَبِ " فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ
فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ " أَصَلَّى النَّاسُ ؟ "
قُلْنَا: لَا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَتْ: وَالنَّاسُ
عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِأَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، وَكَانَ
أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا رَقِيقًا، فَقَالَ: يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ. فَقَالَ:
أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ. فَصَلَّى بِهِمْ تِلْكَ الْأَيَّامَ، ثُمَّ إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ خِفَّةً، فَخَرَجَ
بَيْنَ رَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، فَلَمَّا رَآهُ
أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ،
وَأَمْرَهُمَا فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِهِ، فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي
قَائِمًا، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي
قَاعِدًا. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَدَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ:
أَلَا أَعْرِضُ عَلَيْكَ مَا حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: هَاتِ. فَحَدَّثْتُهُ فَمَا أَنْكَرَ
مِنْهُ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: سَمَّتْ لَكَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ
الْعَبَّاسِ ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ هُوَ عَلِيٌّ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زَائِدَةَ بِهِ. وَفِي
رِوَايَةٍ: فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ
أَبِي بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَفِي هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ، وَعَلَّقَ أَبُو بَكْرٍ
صَلَاتَهُ بِصَلَاتِهِ
قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْأَسْوَدُ وَعُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ، وَكَذَلِكَ
رَوَاهُ الْأَرْقَمُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. يَعْنِي بِذَلِكَ مَا
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي
زَائِدَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَرْقَمِ بْنِ
شُرَحْبِيلَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ وَجَدَ
خِفَّةً فَخَرَجَ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ أَرَادَ أَنْ يَنْكِصَ،
فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسَ
إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ يَسَارِهِ، وَاسْتَفْتَحَ مِنَ الْآيَةِ الَّتِي
انْتَهَى إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ثُمَّ رَوَاهُ أَيْضًا،
عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَرْقَمَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا. وَقَالَ وَكِيعٌ مَرَّةً: فَكَانَ أَبُو
بَكْرٍ يَأْتَمُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ
يَأْتَمُّونَ بِأَبِي بَكْرٍ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
مُحَمَّدٍ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَرْقَمَ
بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، ثَنَا شُعْبَةُ،
عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ:صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ. وَقَدْ رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ
حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا بَكْرُ بْنُ
عِيسَى، سَمِعْتُ شُعْبَةَ بْنَ الْحَجَّاجِ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ،
عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى
بِالنَّاسِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّفِّ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ
الْقَطَّانُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنْبَأَنَا يَعْقُوبُ
بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ
عَائِشَةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى خَلْفَ
أَبِي بَكْرٍ. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ. قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
وَيُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا.
ثُمَّ أَسْنَدَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ ; أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ
الْحَسَنِ، قَالَ هُشَيْمٌ: وَأَنْبَأَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَأَبُو بَكْرٍ
يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ فِي بُرْدَةٍ قَدْ خَالَفَ
بَيْنَ طَرَفَيْهَا فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ،
أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ،
أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ:آخَرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْقَوْمِ فِي ثَوْبٍ
وَاحِدٍ مُلْتَحِفًا بِهِ، خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ. قُلْتُ: وَهَذَا إِسْنَادٌ
جَيِّدٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ. وَهَذَا التَّقْيِيدُ
جَيِّدٌ بِأَنَّهَا آخَرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا مَعَ النَّاسِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ
وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ
طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ
أَنَسٍ،أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى خَلْفَ أَبِي
بَكْرٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ بُرْدٍ مُخَالِفًا بَيْنَ طَرَفَيْهِ، فَلَمَّا أَرَادَ
أَنْ يَقُومَ قَالَ: " ادْعُ لِي أَسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ " فَجَاءَ
فَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى نَحْرِهِ، فَكَانَتْ آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَفِي هَذَا دَلَالَةٌ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ كَانَتْ
صَلَاةَ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ يَوْمَ الْوَفَاةِ ; لِأَنَّهَا آخِرُ
صَلَاةٍ صَلَّاهَا لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ ضُحَى يَوْمِ الِاثْنَيْنِ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَخَذَهُ مُسَلِّمًا مِنْ " مَغَازِي
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ " فَإِنَّهُ كَذَلِكَ ذَكَرَ. وَكَذَا رَوَى أَبُو
الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، وَذَلِكَ ضَعِيفٌ، بَلْ هَذِهِ آخَرُ صَلَاةٍ
صَلَّاهَا مَعَ الْقَوْمِ، كَمَا تَقَدَّمَ تَقْيِيدُهُ فِي الرِّوَايَةِ
الْأُخْرَى، وَالْحَدِيثُ وَاحِدٌ فَيُحْمَلُ مُطْلَقُهُ عَلَى مُقَيَّدِهِ، ثُمَّ
لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ صَلَاةَ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ
يَوْمِ الْوَفَاةِ، لِأَنَّ تِلْكَ لَمْ يُصَلِّهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ، بَلْ فِي
بَيْتِهِ لِمَا بِهِ مِنَ الضَّعْفِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالَ الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي "
صَحِيحِهِ ": حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَكَانَ تَبِعَ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَدَمَهُ وَصَحِبَهُ،أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ
يُصَلِّي لَهُمْ فِي
وَجَعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ
الِاثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ فَكَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الْحُجْرَةِ يَنْظُرُ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ
وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، تَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ
مِنَ الْفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجٌ إِلَى الصَّلَاةِ،
فَأَشَارَ إِلَيْنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتِمُّوا
صَلَاتَكُمْ، وَأَرْخَى السِّتْرَ، فَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ وَمَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، ثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:لَمْ يَخْرُجِ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا، فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَذَهَبَ
أَبُو بَكْرٍ يَتَقَدَّمُ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ: " عَلَيْكُمْ
بِالْحِجَابِ " فَرَفَعَهُ فَلَمَّا وَضَحَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَظَرْنَا مَنْظَرًا كَانَ أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْ وَجْهِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَضَحَ لَنَا، فَأَوْمَأَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ
يَتَقَدَّمَ، وَأَرْخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِجَابَ،
فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ
أَبِيهِ بِهِ. فَهَذَا أَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، لَمْ يُصَلِّ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ صَلَاةَ الصُّبْحِ مَعَ النَّاسِ،
وَأَنَّهُ كَانَ قَدِ انْقَطَعَ عَنْهُمْ ; لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ ثَلَاثًا.
قُلْنَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ آخِرُ
صَلَاةٍ صَلَّاهَا مَعَهُمُ الظَّهْرَ، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لَا يَوْمَ
السَّبْتِ، وَلَا يَوْمَ الْأَحَدِ كَمَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ "
مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ "، وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ
خُطْبَتِهِ بَعْدَهَا، وَلِأَنَّهُ انْقَطَعَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةَ،
وَالسَّبْتِ، وَالْأَحَدِ، وَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَوَامِلُ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، أَنَّ أَبَا
بَكْرٍ صَلَّى بِهِمْ سَبْعَ عَشْرَةَ صَلَاةً. وَقَالَ غَيْرُهُ: عِشْرِينَ
صَلَاةً. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ بَدَا لَهُمْ وَجْهُهُ الْكَرِيمُ صَبِيحَةَ
يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَوَدَّعَهُمْ بِنَظْرَةٍ كَادُوا يَفْتَتِنُونَ بِهَا، ثُمَّ
كَانَ ذَلِكَ آخِرَ عَهْدِ جُمْهُورِهِمْ بِهِ، وَلِسَانُ حَالِهِمْ يَقُولُ،
كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:
وَكُنْتُ أَرَى كَالْمَوْتِ مِنْ بَيْنِ سَاعَةٍ فَكَيْفَ بِبَيْنٍ كَانَ
مَوْعِدَهُ الْحَشْرُ
وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَافِظَ الْبَيْهَقِيَّ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ
هَاتَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ، ثُمَّ قَالَ مَا حَاصِلُهُ: فَلَعَلَّهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، احْتَجَبَ عَنْهُمْ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ، ثُمَّ خَرَجَ
فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، فَصَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، كَمَا قَالَ
عُرْوَةُ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَخَفِيَ ذَلِكَ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَوْ
أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَ الْخَبَرِ وَسَكَتَ عَنْ آخِرِهِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ
أَيْضًا بَعِيدٌ جِدًّا ; لِأَنَّ أَنَسًا قَالَ: فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتَّى
مَاتَ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ. وَقَوْلُ
الصَّحَابِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِ التَّابِعِيِّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّمَ
أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ إِمَامًا لِلصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ فِي
الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَكْبَرُ
أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْعَمَلِيَّةِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ: وَتَقْدِيمُهُ لَهُ أَمْرٌ
مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ. قَالَ: وَتَقْدِيمُهُ لَهُ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَعْلَمُ الصَّحَابَةِ وَأَقْرَؤُهُمْ ; لِمَا ثَبَتَ فِي
الْخَبَرِ الْمُتَّفِقِ عَلَى صِحَّتِهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَؤُمُّ الْقَوْمَ
أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً
فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً
فَأَكْبُرُهُمْ سِنًّا، فَإِنْ كَانُوا فِي السِّنِّ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ
سِلْمًا " قُلْتُ: وَهَذَا مِنْ كَلَامِ الْأَشْعَرِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ،
مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ بِمَاءِ الذَّهَبِ، ثُمَّ قَدِ اجْتَمَعَتْ هَذِهِ
الصِّفَاتُ كُلُّهَا فِي الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ،
وَصَلَاةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ فِي بَعْضِ
الصَّلَوَاتِ، كَمَا قَدَّمْنَا بِذَلِكَ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ، لَا
يُنَافِي مَا رُوِيَ فِي " الصَّحِيحِ " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ائْتَمَّ
بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى،
كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ، رَحِمَهُمُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
فَائِدَةٌ: اسْتَدَلَّ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ،
وَمِنْهُمُ الْبُخَارِيُّ، بِصَلَاتِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،
قَاعِدًا، وَأَبُو بَكْرٍ مُقْتَدِيًا بِهِ قَائِمًا، وَالنَّاسُ بِأَبِي بَكْرٍ،
عَلَى نَسْخِ قَوْلِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فِي الْحَدِيثِ
الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ حِينَ صَلَّى
بِبَعْضِ أَصْحَابِهِ قَاعِدًا، وَقَدْ وَقَعَ عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ
فَصَلَّوْا وَرَاءَهُ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا
انْصَرَفَ قَالَ: " كَذَلِكَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ تَفْعَلُونَ
كَفِعْلِ فَارِسَ وَالرُّومِ ; يَقُومُونَ عَلَى عُظَمَائِهِمْ وَهُمْ جُلُوسٌ.
وَقَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ
فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا
سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ
" قَالُوا: ثُمَّ إِنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَمَّهُمْ
قَاعِدًا، وَهُمْ قِيَامٌ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، فَدَلَّ عَلَى نَسْخِ مَا
تَقَدَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَنَوَّعَتْ مَسَالِكُ النَّاسِ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ
عَلَى وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، مَوْضِعُ ذِكْرِهَا كِتَابُ " الْأَحْكَامِ
الْكَبِيرِ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.
وَمُلَخَّصُ ذَلِكَ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الصَّحَابَةَ جَلَسُوا
لِأَمْرِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِنَّمَا اسْتَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ قَائِمًا لِأَجْلِ
التَّبْلِيغِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
قَالَ: بَلْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ الْإِمَامُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا
صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لِشِدَّةِ
أَدَبِهِ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُبَادِرُهُ بَلْ
يَقْتَدِي بِهِ، فَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، صَارَ إِمَامَ
الْإِمَامِ، فَلِهَذَا لَمْ يَجْلِسُوا لِاقْتِدَائِهِمْ بِأَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ
قَائِمٌ وَلَمْ يَجْلِسِ الصِّدِّيقُ لِأَجْلِ أَنَّهُ إِمَامٌ، وَلِأَنَّهُ
يُبَلِّغُهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرَكَاتِ
وَالسَّكَنَاتِ وَالِانْتِقَالَاتِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
قَالَ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَبْتَدِئَ
الصَّلَاةَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي حَالِ الْقِيَامِ فَيَسْتَمِرَّ فِيهَا قَائِمًا وَإِنْ طَرَأَ جُلُوسُ الْإِمَامِ فِي أَثْنَائِهَا كَمَا فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَبَيْنَ أَنْ يَبْتَدِئَ الصَّلَاةَ خَلْفَ إِمَامٍ جَالِسٍ فَيَجِبُ الْجُلُوسُ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: هَذَا الصَّنِيعُ وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ وَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَائِغٌ جَائِزٌ ; الْجُلُوسُ لِمَا تَقَدَّمَ وَالْقِيَامُ لِلْفِعْلِ الْمُتَأَخِّرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ احْتِضَارِهِ
وَوَفَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ،
هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ، فَمَسَسْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ
لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا ! قَالَ: " أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ
الرَّجُلَانِ مِنْكُمْ " قُلْتُ: إِنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ ؟ قَالَ: "
نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يُصِيبُهُ
أَذًى مِنْ مَرَضٍ، فَمَا سِوَاهُ إِلَّا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ بِهِ خَطَايَاهُ،
كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا " وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ
الْأَعْمَشِ بِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، فِي " مُسْنَدِهِ ":
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا
مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: وَضَعْتُ
يَدِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ
مَا أُطِيقُ أَنْ أَضَعَ يَدِي عَلَيْكَ مِنْ شِدَّةِ حُمَّاكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ
يُضَاعَفُ لَنَا الْبَلَاءُ كَمَا يُضَاعَفُ لَنَا الْأَجْرُ، إِنْ كَانَ
النَّبِيُّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَيُبْتَلَى بِالْقُمَّلِ حَتَّى يَقْتُلَهُ،
وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُبْتَلَى بِالْعُرْيِ حَتَّى يَأْخُذَ الْعَبَاءَةَ،
فَيُجَوِّبُهَا، وَإِنْ كَانُوا لَيَفْرَحُونِ بِالْبَلَاءِ كَمَا تَفْرَحُونَ
بِالرَّخَاءِ ". فِيهِ رَجُلٌ مُبْهَمٌ، لَا يُعْرَفُ بِالْكُلِّيَّةِ.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، زَادَ مُسْلِمٌ: وَجَرِيرٍ، ثَلَاثَتُهُمْ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ
عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ الْوَجَعَ عَلَى أَحَدِ أَشَدَّ مِنْهُ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ حَاقِنَتِي
وَذَاقِنَتِي، فَلَا أَكْرَهُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لِأَحَدٍ أَبَدًا بَعْدَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي رَوَاهُ، فِي " صَحِيحِهِ " قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً
الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ،
يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ، فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ
شُدِّدَ عَلَيْهِ، فِي الْبَلَاءِ..
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، ثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ
قَالَ:لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَبَطْتُ
وَهَبَطَ النَّاسُ مَعِي إِلَى الْمَدِينَةِ فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَصْمَتَ، فَلَا يَتَكَلَّمُ، فَجَعَلَ
يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ يَصُبُّهَا عَلَيَّ، أَعْرِفُ أَنَّهُ
يَدْعُو لِي. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ
بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ، فِي " مُوَطَّئِهِ " عَنْ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ: كَانَ
مِنْ آخِرِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ قَالَ: " قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ; اتَّخَذُوا
قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ
" هَكَذَا رَوَاهُ مُرْسَلًا، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَا: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ،
فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: "
لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ; اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ
مَسَاجِدَ " يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ
الْأَدِيبُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ
أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ:
" أَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللَّهِ ".
وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ،
عَنْ أَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ
إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ تَعَالَى " وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى " أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي
خَيْرًا ".
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا الْحَاكِمُ، حَدَّثَنَا الْأَصَمُّ، ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، ثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ
حَرْبٍ، ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: " الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ " حَتَّى جَعَلَ يُغَرْغِرُ بِهَا فِي صَدْرِهِ، وَمَا
يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا
التَّيْمِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَتْ عَامَّةُ
وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَهُ
الْمَوْتُ: " الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " حَتَّى جَعَلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغَرْغِرُ بِهَا صَدْرُهُ،
وَمَا يَكَادُ يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ. وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ
مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ طَرْخَانَ، وَهُوَ التَّيْمِيُّ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ بِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنْ أَنَسٍ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا بَكْرُ بْنُ عِيسَى الرَّاسِبِيُّ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ
الْفَضْلِ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ:
أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ آتِيَهُ
بِطَبَقٍ يَكْتُبُ فِيهِ مَا لَا تَضِلُّ أُمَّتُهُ مِنْ بَعْدِهِ. قَالَ:
فَخَشِيتُ أَنْ تَفُوتَنِي نَفْسُهُ. قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي أَحْفَظُ وَأَعِي.
قَالَ: " أُوصِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
" تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ
الْفَضْلِ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَفِينَةَ، عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ عَامَّةُ وَصِيَّةِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ: " الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، وَمَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " حَتَّى جَعَلَ يُلَجْلِجُهَا فِي صَدْرِهِ، وَمَا
يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ. وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ
مَسْعَدَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ
قَتَادَةَ أَنَّ سَفِينَةَ حَدَّثَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِهِ. قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ عَفَّانُ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ سَفِينَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِهِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ
بْنِ هَارُونَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ،
عَنْ سَفِينَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا يُونُسُ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ،
عَنْ مُوسَى بْنِ سَرْجِسَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَمُوتُ، وَعِنْدَهُ
قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ، فَيُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ
بِالْمَاءِ، ثُمَّ يَقُولُ " اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ
" وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ
اللَّيْثِ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ
طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: " إِنَّهُ لَيُهَوِّنُ عَلَيَّ أَنِّي رَأَيْتُ بَيَاضَ كَفِّ
عَائِشَةَ، فِي الْجَنَّةِ " تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ لَا
بَأْسَ بِهِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى شِدَّةِ مَحَبَّتِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، لِعَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. وَقَدْ ذَكَرَ النَّاسُ مَعَانِيَ
كَثِيرَةً فِي كَثْرَةِ الْمَحَبَّةِ، وَلَمْ يَبْلُغْ أَحَدُهُمْ هَذَا
الْمَبْلَغَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُمْ يُبَالِغُونَ كَلَامًا لَا حَقِيقَةَ
لَهُ، وَهَذَا كَلَامٌ حَقٌّ لَا مَحَالَةَ وَلَا شَكَّ فِيهِ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ:
قَالَتْ عَائِشَةُ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فِي بَيْتِي، وَتُوُفِّيَ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَكَانَ جِبْرِيلُ
يُعَوِّذُهُ بِدُعَاءٍ إِذَا مَرِضَ، فَذَهَبْتُ أَدْعُو بِهِ، فَرَفَعَ بَصَرَهُ
إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: " فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، فِي الرَّفِيقِ
الْأَعْلَى " وَدَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَبِيَدِهِ
جَرِيدَةٌ رَطْبَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُ بِهَا حَاجَةً.
قَالَتْ، فَأَخَذْتُهَا فَنَفَضْتُهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ، فَاسْتَنَّ بِهَا
أَحْسَنَ مَا كَانَ مُسْتَنًّا، ثُمَّ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا، فَسَقَطَتْ مِنْ
يَدِهِ. قَالَتْ: فَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنَ
الدُّنْيَا وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الْآخِرَةِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي
أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ
الْفَقِيهُ بِبُخَارَى، ثَنَا صَالِحُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ الْبَغْدَادِيُّ، ثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
زُهَيْرٍ الضَّبِّيُّ، ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي حُسَيْنٍ، أَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَبَا عَمْرٍو ذَكْوَانَ
مَوْلَى عَائِشَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ مِنْ
نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ فِي يَوْمِي، وَفِي بَيْتِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي،
وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ. قَالَتْ دَخَلَ
عَلَيَّ أَخِي بِسِوَاكٍ مَعَهُ وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَدْرِي فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَقَدْ
عَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ وَيَأْلَفُهُ، فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ ؟
فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ ; أَيْ نَعَمْ. فَلَيَّنْتُهُ لَهُ، فَأَمَرَّهُ عَلَى
فِيهِ. قَالَتْ: وَبَيْنَ يَدَيْهِ رِكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ
يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْمَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهَا وَجْهَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: "
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ لَسَكَرَاتٌ " ثُمَّ نَصَبَ
أُصْبُعَهُ الْيُسْرَى، وَجَعَلَ يَقُولُ: " فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، فِي
الرَّفِيقِ الْأَعْلَى " حَتَّى قُبِضَ، وَمَالَتْ يَدُهُ فِي الْمَاءِ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ، سَمِعْتُ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّا
نُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمُوتُ حَتَّى
يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ مَرَضُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَرَضَتْ
لَهُ بُحَّةٌ. فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:
" مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيَّيْنِ
وَالصِّدِّيقَيْنِ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا
" قَالَتْ عَائِشَةُ: فَظَنَنَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَيَّرُ. وَأَخْرَجَاهُ
مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ
الزُّبَيْرِ فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ:
" إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ،
ثُمَّ يُخَيَّرُ " قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ
سَاعَةً، ثُمَّ أَفَاقَ، فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ، وَقَالَ
" اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى " فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ
الَّذِي كَانَ حَدَّثَنَاهُ وَهُوَ صَحِيحٌ: " إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ
قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرُ " قَالَتْ
عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: إِذًا لَا تَخْتَارُنَا. قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَتْ تِلْكَ
الْكَلِمَةُ آخَرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرَّفِيقَ الْأَعْلَى ". أَخْرَجَاهُ مِنْ
غَيْرِ وَجْهٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ، هُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ،
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُغْمِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي حِجْرِي، فَجَعَلْتُ أَمْسَحُ
وَجْهَهُ، وَأَدْعُو لَهُ بِالشِّفَاءِ، فَقَالَ: " لَا، بَلْ أَسْأَلُ
اللَّهَ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى الْأَسْعَدَ مَعَ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ
وَإِسْرَافِيلَ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
بِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ،
قَالُوا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
الْأَصَمُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، ثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ
بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ
عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْغَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ مُسْنِدٌ
إِلَى صَدْرِهَا يَقُولُ " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي،
وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ " أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: مَاتَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي
وَفِي دَوْلَتِي، وَلَمْ أَظْلِمْ فِيهِ أَحَدًا، فَمِنْ سَفَهِي وَحَدَاثَةِ
سِنِّي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ وَهُوَ
فِي حِجْرِي، ثُمَّ وَضَعْتُ رَأْسَهُ عَلَى وِسَادَةٍ وَقُمْتُ أَلْتَدِمُ مَعَ
النِّسَاءِ، وَأَضْرِبُ وَجْهِي.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الزُّبَيْرِ، ثَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا تُقْبَضُ نَفْسُهُ، ثُمَّ
يَرَى الثَّوَابَ، ثُمَّ تَرُدُّ إِلَيْهِ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ تُرَدَّ
إِلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يَلْحَقَ " فَكُنْتُ قَدْ حَفِظْتُ ذَلِكَ مِنْهُ،
فَإِنِّي لَمُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ حِينَ مَالَتْ
عُنُقُهُ، فَقُلْتُ: قَدْ قَضَى، فَعَرَفْتُ الَّذِي قَالَ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ
حِينَ ارْتَفَعَ فَنَظَرَ. قَالَتْ:
قُلْتُ: إِذًا وَاللَّهِ لَا يَخْتَارُنَا، فَقَالَ: " مَعَ الرَّفِيقِ
الْأَعْلَى، فِي الْجَنَّةِ " مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
مِنَ النَّبِيِّينِ وَالصِّدِّيقِينِ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ
أُولَئِكَ رَفِيقًا " تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ،
أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُبِضَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَسُهُ بَيْنَ سَحْرِي
وَنَحْرِي. قَالَتْ: فَلَمَّا خَرَجَتْ نَفْسُهُ لَمْ أَجِدْ رِيحًا قَطُّ
أَطْيَبَ مِنْهَا. وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ وَلَمْ
يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ. وَرَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَنْبَلِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَفَّانَ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ثَنَا
يُونُسُ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ أَبِي عُرْوَةَ،
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: وَضَعْتُ يَدِي عَلَى صَدْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ، فَمَرَّتْ بِي جُمَعٌ آكُلُ
وَأَتَوَضَّأُ، وَمَا يَذْهَبُ رِيحُ الْمِسْكِ مِنْ يَدِي.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ وَبَهْزٌ، قَالَا: ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ
الْمُغِيرَةِ، ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: دَخَلْتُ
عَلَى عَائِشَةَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا إِزَارًا غَلِيظًا
مِمَّا صُنِعَ بِالْيَمَنِ، وَكِسَاءً
مِنَ الَّتِي يَدْعُونَ الْمُلَبَّدَةَ، فَقَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ فِي هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ. وَقَدْ رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ بِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
أَنْبَأَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ بَابَنُوسَ قَالَ:
ذَهَبْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي إِلَى عَائِشَةَ، فَاسْتَأْذَنَّا عَلَيْهَا،
فَأَلْقَتْ لَنَا وِسَادَةً، وَجَذَبَتْ إِلَيْهَا الْحِجَابَ، فَقَالَ صَاحِبِي:
يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، مَا تَقُولِينَ فِي الْعِرَاكِ ؟ قَالَتْ: وَمَا
الْعِرَاكُ ؟ فَضَرَبْتُ مَنْكِبَ صَاحِبِي، فَقَالَتْ: مَهْ آذَيْتَ أَخَاكَ.
ثُمَّ قَالَتْ: مَا الْعِرَاكُ ! الْمَحِيضُ، قُولُوا: مَا قَالَ اللَّهُ، عَزَّ
وَجَلَّ الْمَحِيضُ. ثُمَّ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَشَّحُنِي وَيَنَالُ مِنْ رَأْسِي، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ
ثَوْبٌ وَأَنَا حَائِضٌ. ثُمَّ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرَّ بِبَابِي مِمَّا يُلْقِي الْكَلِمَةَ يَنْفَعُنِي
اللَّهُ بِهَا، فَمَرَّ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ مَرَّ فَلَمْ
يَقِلْ شَيْئًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقُلْتُ: يَا جَارِيَةُ، ضَعِي لِي
وِسَادَةً عَلَى الْبَابِ، وَعَصَبْتُ رَأْسِي فَمَرَّ بِي، فَقَالَ: " يَا
عَائِشَةُ مَا شَأْنُكِ ؟ " فَقُلْتُ: أَشْتَكِي رَأْسِي، فَقَالَ "
أَنَا، وَارَأْسَاهْ ! " فَذَهَبَ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى
جِيءَ بِهِ مَحْمُولًا فِي كِسَاءٍ، فَدَخَلَ عَلَيَّ، وَبَعَثَ إِلَى النِّسَاءِ،
فَقَالَ " إِنِّي قَدِ اشْتَكَيْتُ،
وَإِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدُورَ بَيْنَكُنَّ، فَأْذَنَّ لِي، فَلْأَكُنْ عِنْدَ عَائِشَةَ " فَكُنْتُ أُمَرِّضُهُ، وَلَمْ أُمَرِّضْ أَحَدًا قَبْلَهُ، فَبَيْنَمَا رَأْسُهُ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى مَنْكِبِي إِذْ مَالَ رَأْسُهُ نَحْوَ رَأْسِي، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيدُ مِنْ رَأْسِي حَاجَةً، فَخَرَجَتْ مِنْ فِيهِ نُقْطَةٌ بَارِدَةٌ، فَوَقَعَتْ عَلَى ثَغْرَةِ نَحْرِي، فَاقْشَعَرَّ لَهَا جِلْدِي، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَسَجِيَّتُهُ ثَوْبًا، فَجَاءَ عُمَرُ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَاسْتَأْذَنَا، فَأَذِنْتُ لَهُمَا وَجَذَبْتُ إِلَيَّ الْحِجَابَ، فَنَظَرَ عُمَرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَاغَشْيَاهْ ! مَا أَشَدَّ غَشْيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَامَا، فَلَمَّا دَنَوَا مِنَ الْبَابِ قَالَ الْمُغِيرَةُ: يَا عُمَرُ، مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: كَذَبْتَ بَلْ أَنْتَ رَجُلٌ تَحُوسُكَ فِتْنَةٌ ; إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمُوتُ حَتَّى يُفْنِيَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ. قَالَتْ: ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَرَفَعْتُ الْحِجَابَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فَحَدَرَ فَاهُ، فَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ ثُمَّ قَالَ: وَانَبِيَّاهْ ! ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ حَدَرَ فَاهُ، وَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَاصَفِيَّاهْ ! ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَحَدَرَ فَاهُ وَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ، وَقَالَ: وَاخَلِيلَاهْ ! مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَعُمَرُ يَخْطُبُ النَّاسَ، وَيَتَكَلَّمُ وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمُوتُ حَتَّى يُفْنِيَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ. فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [ الزُّمَرِ: 30 ]. حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ. وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [ آلِ عِمْرَانَ: 144 ]. حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ، ثُمَّ قَالَ:
فَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، عَزَّ
وَجَلَّ، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ
مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، فَقَالَ عُمَرُ: وَإِنَّهَا لَفِي كِتَابِ اللَّهِ ؟ ! مَا
شَعَرْتُ أَنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: يَا أَيُّهَا
النَّاسُ، هَذَا أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ ذُو شَيْبَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَبَايِعُوهُ،
فَبَايَعُوهُ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، فِي "
الشَّمَائِلِ " مِنْ حَدِيثِ مَرْحُومِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَطَّارِ،
عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ بِهِ بِبَعْضِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ مِلْحَانَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ،
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ
عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ مِنْ مَسْكَنِهِ
بِالسُّنْحِ، حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ
حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَيَمَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ،
ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ بَكَى، ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ
وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ
مَوْتَتَيْنِ أَبَدًا، أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ
مُتَّهَا.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَحَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا
بَكْرٍ خَرَجَ وَعُمَرُ
يُكَلِّمُ النَّاسَ. فَقَالَ: اجْلِسْ
يَا عُمَرُ. فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ، فَقَالَ: اجْلِسْ يَا عُمَرُ، فَأَبَى
عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ، فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ،
فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا
قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ
الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ
الْآيَةَ. قَالَ: فَوَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ، حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ، فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ
النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَمَا سُمِعَ بَشَرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا يَتْلُوهَا.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ:
وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا، فَعَرَفْتُ
أَنَّهُ الْحَقُّ، فَعَقِرْتُ حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلَايَ، وَحَتَّى هَوَيْتُ
إِلَى الْأَرْضِ، وَعَرَفْتُ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلَاهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ
يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ بِهِ.
وَرَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، ثَنَا أَبُو
الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي ذِكْرِ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
يَخْطُبُ النَّاسَ وَيَتَوَعَّدُ مَنْ قَالَ: مَاتَ. بِالْقَتْلِ وَالْقَطْعِ،
وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
غَشْيَتِهِ لَوْ قَدْ قَامَ قَتَلَ وَقَطَعَ. وَعَمْرُو بْنُ قَيْسِ بْنِ
زَائِدَةَ بْنِ الْأَصَمِّ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ
يَقْرَأُ: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ
الْآيَةَ.
وَالنَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ يَبْكُونَ، وَيَمُوجُونَ لَا يَسْمَعُونَ، فَخَرَجَ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَنْ عَهْدٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي وَفَاتِهِ فَلْيُحَدِّثْنَا ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: هَلْ عِنْدَكَ يَا عُمَرُ مِنْ عِلْمٍ ؟ قَالَ: لَا. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَشْهَدُ أَيُّهَا النَّاسُ، أَنَّ أَحَدًا لَا يَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَهْدٍ عَهِدَهُ إِلَيْهِ فِي وَفَاتِهِ، وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدْ ذَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَوْتَ. قَالَ: وَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنَ السُّنْحِ عَلَى دَابَّتِهِ حَتَّى نَزَلَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، وَأَقْبَلَ مَكْرُوبًا حَزِينًا، فَاسْتَأْذَنَ فِي بَيْتِ ابْنَتِهِ عَائِشَةَ، فَأَذِنَتْ لَهُ فَدَخَلَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تُوُفِّيَ عَلَى الْفِرَاشِ وَالنِّسْوَةُ حَوْلَهُ، فَخَمَّرْنَ وُجُوهَهُنَّ، وَاسْتَتَرْنَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَائِشَةَ، فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَنَى عَلَيْهِ يُقَبِّلُهُ، وَيَبْكِي وَيَقُولُ: لَيْسَ مَا يَقُولُهُ ابْنُ الْخَطَّابِ شَيْئًا، تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَطْيَبَكَ حَيًّا وَمَيِّتًا. ثُمَّ غَشَّاهُ بِالثَّوْبِ، ثُمَّ خَرَجَ سَرِيعًا إِلَى الْمَسْجِدِ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، حَتَّى أَتَى الْمِنْبَرَ، وَجَلَسَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَبَا بَكْرٍ مُقْبِلًا إِلَيْهِ، وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى جَانِبِ الْمِنْبَرِ، وَنَادَى النَّاسَ فَجَلَسُوا وَأَنْصَتُوا، فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ بِمَا عَلِمَهُ مِنَ التَّشَهُّدِ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، نَعَى نَبِيَّهُ إِلَى نَفْسِهِ وَهُوَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، وَنَعَاكُمْ إِلَى أَنْفُسِكُمْ، وَهُوَ الْمَوْتُ حَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ تَعَالَى وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ الْآيَةَ. فَقَالَ عُمَرُ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْقُرْآنِ ؟ ! وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ قَبْلَ الْيَوْمِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ
مَيِّتُونَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ
الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [ الْقَصَصِ: 88 ] وَقَالَ تَعَالَى كُلُّ مَنْ
عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [
الرَّحْمَنِ: 27، 26 ] وَقَالَ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا
تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [ آلِ عِمْرَانَ: 185 ] ثُمَّ قَالَ:
إِنَّ اللَّهَ عَمَّرَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبْقَاهُ
حَتَّى أَقَامَ دِينَ اللَّهِ، وَأَظْهَرَ أَمْرَ اللَّهِ، وَبَلَّغَ رِسَالَةَ
اللَّهِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ،
وَقَدْ تَرَكَكُمْ عَلَى الطَّرِيقَةِ، فَلَنْ يَهْلِكَ هَالِكٌ إِلَّا مِنْ
بَعْدِ الْبَيِّنَةِ وَالشِّفَاءِ، فَمَنْ كَانَ اللَّهُ رَبَّهُ، فَإِنَّ اللَّهَ
حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا وَيُنَزِّلُهُ إِلَهًا فَقَدْ
هَلَكَ إِلَهُهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ، وَاعْتَصِمُوا
بِدِينِكُمْ، وَتَوَكَّلُوا عَلَى رَبِّكُمْ، فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ قَائِمٌ،
وَإِنَّ كَلِمَةَ اللَّهِ تَامَّةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرٌ مَنْ نَصَرَهُ،
وَمُعِزٌّ دِينَهُ، وَإِنَّ كِتَابَ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَهُوَ النُّورُ
وَالشِّفَاءُ، وَبِهِ هَدَى اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَفِيهِ حَلَالُ اللَّهِ وَحَرَامُهُ، وَاللَّهِ لَا نُبَالِي مَنْ
أَجْلَبَ عَلَيْنَا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، إِنَّ سُيُوفَ اللَّهِ لَمَسْلُولَةٌ مَا
وَضَعْنَاهَا بَعْدُ، وَلَنُجَاهِدَنَّ مَنْ خَالَفَنَا كَمَا جَاهَدْنَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يُبْقِيَنَّ أَحَدٌ
إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ. ثُمَّ انْصَرَفَ، وَانْصَرَفَ مَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
فِي غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَدَفْنِهِ.
قُلْتُ: كَمَا سَنَذْكُرُهُ مُفَصَّلًا بِدَلَائِلِهِ وَشَوَاهِدِهِ. إِنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى.
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ، قَالُوا: وَلَمَّا شُكَّ فِي مَوْتِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ
بَعْضُهُمْ: مَاتَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَمُتْ. وَضَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ يَدَهَا بَيْنَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: قَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رُفِعَ الْخَاتَمُ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ. فَكَانَ هَذَا الَّذِي قَدْ عُرِفَ بِهِ مَوْتُهُ. هَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ " دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ " مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَشُيُوخُهُ لَمْ يُسَمَّوْا، ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَمُخَالِفٌ لِمَا صَحَّ، وَفِيهِ غَرَابَةٌ شَدِيدَةٌ، وَهُوَ رَفْعُ الْخَاتَمِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْوَفَاةِ أَخْبَارًا كَثِيرَةً فِيهَا نَكَارَاتٌ وَغَرَابَةٌ شَدِيدَةٌ، أَضْرَبْنَا عَنْ أَكْثَرِهَا صَفْحًا ; لِضَعْفِ أَسَانِيدِهَا وَنَكَارَةِ مُتُونِهَا، وَلَا سِيَّمَا مَا يُورِدُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْقُصَّاصِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرُهُمْ، فَكَثِيرٌ مِنْهُ مَوْضُوعٌ لَا مَحَالَةَ، وَفِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْحَسَنَةِ وَالْمَرْوِيَّةِ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ غُنْيَةٌ عَنِ الْأَكَاذِيبِ وَمَا لَا يُعْرَفُ سَنَدُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أُمُورٍ مُهِمَّةٍ
وَقَعَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَقَبْلَ دَفْنِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
وَمِنْ أَعْظَمِهَا وَأَجَلِّهَا وَأَيْمَنِهَا بَرَكَةً عَلَى الْإِسْلَامِ
وَأَهْلِهِ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ
لِأَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَمَّا مَاتَ كَانَ الصِّدِّيقُ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَدْ صَلَّى بِالْمُسْلِمِينَ صَلَاةَ الصُّبْحِ، وَكَانَ
إِذْ ذَاكَ قَدْ أَفَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِفَاقَةً مِنْ غَمْرَةِ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْوَجَعِ، وَكَشَفَ سِتْرَ
الْحُجْرَةِ، وَنَظَرَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ
أَبِي بَكْرٍ، فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ وَتَبَسَّمَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ
عَلَيْهِ، حَتَّى هَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَتْرُكُوا مَا هُمْ فِيهِ مِنَ
الصَّلَاةِ ; لِفَرَحِهِمْ بِهِ، وَحَتَّى أَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ
; لِيَصِلَ الصَّفَّ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ يَمْكُثُوا كَمَا هُمْ، وَأَرْخَى
السِّتَارَةَ، وَكَانَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،
فَلَمَّا انْصَرَفَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنَ الصَّلَاةِ دَخَلَ
عَلَيْهِ، وَقَالَ لِعَائِشَةَ: مَا أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَدْ أَقْلَعَ عَنْهُ مِنَ الْوَجَعِ، وَهَذَا يَوْمُ
بِنْتِ خَارِجَةَ. يَعْنِي إِحْدَى زَوْجَتَيْهِ، وَكَانَتْ سَاكِنَةً بِالسُّنْحِ
شَرْقِيِّ الْمَدِينَةِ فَرَكِبَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ وَذَهَبَ إِلَى مَنْزِلِهِ،
وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اشْتَدَّ
الضُّحَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَقِيلَ: عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ
فَلَمَّا مَاتَ وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَمِنْ قَائِلٍ
يَقُولُ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمِنْ
قَائِلٍ: لَمْ يَمُتْ. فَذَهَبَ سَالِمُ بْنُ عُبَيْدٍ وَرَاءَ الصِّدِّيقِ إِلَى
السُّنْحِ،
فَأَعْلَمَهُ بِمَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ الصِّدِّيقُ مِنْ مَنْزِلِهِ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ، فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلَهُ وَكَشَفَ الْغِطَاءَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَبَّلَهُ، وَتَحَقَّقَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَخَطَبَهُمْ إِلَى جَانِبِ الْمِنْبَرِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ وَفَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَدَّمْنَا، وَأَزَاحَ الْجِدَالَ، وَأَزَالَ الْإِشْكَالَ، وَرَجَعَ النَّاسُ كُلُّهُمْ إِلَيْهِ، وَبَايَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَوَقَعَتْ شُبْهَةٌ لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ، وَقَامَ فِي أَذْهَانِ بَعْضِهِمْ جَوَازُ اسْتِخْلَافِ خَلِيفَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَتَوَسَّطَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَمِيرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَأَمِيرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، حَتَّى بَيَّنَ لَهُمُ الصِّدِّيقُ أَنَّ الْخِلَافَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي قُرَيْشٍ، فَرَجَعُوا إِلَيْهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ.
قِصَّةُ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاعُ، ثَنَا
مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ
أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَجَعَ إِلَى رَحْلِهِ - قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: وَكُنْتُ أُقْرِئُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَوَجَدَنِي وَأَنَا
أَنْتَظِرُهُ - وَذَلِكَ بِمِنًى فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ
بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إِنَّ فُلَانًا يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ
بَايَعْتُ فُلَانًا. فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي قَائِمٌ الْعَشِيَّةَ، إِنْ شَاءَ
اللَّهُ، فِي النَّاسِ، فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ
أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أَمْرَهُمْ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ، لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رِعَاعَ النَّاسِ
وَغَوْغَاءَهُمْ، وَإِنَّهُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى مَجْلِسِكَ إِذَا
قُمْتَ فِي النَّاسِ، فَأَخْشَى أَنْ تَقُولَ مَقَالَةً يَطِيرُ بِهَا أُولَئِكَ
فَلَا يَعُوهَا، وَلَا يَضَعُوهَا مَوَاضِعَهَا، وَلَكِنْ حَتَّى تَقْدَمَ
الْمَدِينَةَ ; فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، وَتَخْلُصُ
بِعُلَمَاءِ النَّاسِ وَأَشْرَافِهِمْ، فَتَقُولُ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا،
فَيَعُونَ مَقَالَتَكَ وَيَضَعُونَهَا مَوَاضِعَهَا. قَالَ عُمَرُ: لَئِنْ
قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ سَالِمًا صَالِحًا لَأُكَلِّمَنَّ بِهَا النَّاسَ فِي
أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ. فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي عَقِبِ ذِي
الْحِجَّةِ، وَكَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ عَجَّلْتُ الرَّوَاحَ صَكَّةَ الْأَعْمَى
- قُلْتُ لِمَالِكٍ: وَمَا صَكَّةُ الْأَعْمَى ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَا يُبَالِي
أَيَّ سَاعَةً
خَرَجَ، لَا يَعْرِفُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ. أَوْ نَحْوَ هَذَا - فَوَجَدْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ عِنْدَ رُكْنِ الْمِنْبَرِ الْأَيْمَنِ قَدْ سَبَقَنِي، فَجَلَسْتُ حِذَاءَهُ تَحُكُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ طَلَعَ عُمَرُ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قُلْتُ: لَيَقُولَنَّ الْعَشِيَّةَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ مَقَالَةً مَا قَالَهَا عَلَيْهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ. قَالَ: فَأَنْكَرَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ ذَلِكَ وَقَالَ: مَا عَسَيْتَ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يُقِلْ أَحَدٌ ؟ فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنِّي قَائِلٌ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا، لَا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي، فَمَنْ وَعَاهَا وَعَقَلَهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَمَنْ لَمْ يَعِهَا فَلَا أُحِلُّ لَهُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ، إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا، وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: لَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ. فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ قَدْ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصَنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ; إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوِ الِاعْتِرَافُ، أَلَا وَإِنَّا قَدْ كُنَّا نَقْرَأُ: لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، فَإِنَّ كُفْرًا بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ. أَلَا وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ " وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا مِنْكُمْ يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلَانًا. فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً. أَلَا وَإِنَّهَا كَانَتْ كَذَلِكَ، أَلَا إِنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ فِيكُمُ الْيَوْمَ مَنْ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الْأَعْنَاقُ مِثْلَأَبِي بَكْرٍ، وَإِنَّهُ
كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا تَخَلَّفُوا فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَخَلَّفَتْ عَنَّا الْأَنْصَارُ بِأَجْمَعِهَا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الْأَنْصَارِ. فَانْطَلَقْنَا نَؤُمُّهُمْ حَتَّى لَقِيَنَا رَجُلَانِ صَالِحَانِ، فَذَكَرَا لَنَا الَّذِي صَنَعَ الْقَوْمُ فَقَالَا: أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ؟ فَقُلْتُ: نُرِيدُ إِخْوَانَنَا هَؤُلَاءِ مِنَ الْأَنْصَارِ. فَقَالَا: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَقْرَبُوهُمْ، وَاقْضُوا أَمْرَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَّنَهُمْ. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى جِئْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَإِذَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ رَجُلٌ مُزَّمَّلٌ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقُلْتُ: مَا لَهُ ؟ قَالُوا: وَجِعٌ. فَلَمَّا جَلَسْنَا قَامَ خَطِيبُهُمْ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَكَتِيبَةُ الْإِسْلَامِ، وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ مِنَّا، وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا وَيَحْضُنُونَا مِنَ الْأَمْرِ. فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَكُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أَرَدْتُ أَنْ أَقُولَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَقَدْ كُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ، وَهُوَ كَانَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ،
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ. فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ، وَاللَّهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلَّا قَالَهَا فِي بَدِيهَتِهِ وَأَفْضَلَ حَتَّى سَكَتَ. فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ أَهْلُهُ، وَلَمْ تَعْرِفِ الْعَرَبُ هَذَا الْأَمْرَ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ ; هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ أَيَّهُمَا شِئْتُمْ. وَأَخَذَ بِيَدِي وَيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، وَكَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ إِلَى إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، إِلَّا أَنْ تَغَيَّرَ نَفْسِي عِنْدَ الْمَوْتِ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: مَا يَعْنِي أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ ؟ قَالَ: كَأَنَّهُ يَقُولُ: أَنَا دَاهِيَتُهَا - قَالَ: فَكَثُرَ اللَّغَطُ وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ حَتَّى خَشِيتُ الِاخْتِلَافَ. فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ. فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعْتُهُ وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ، ثُمَّ بَايَعَهُ الْأَنْصَارُ، وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدًا. فَقُلْتُ: قَتَلَ اللَّهُ سَعْدًا. قَالَ عُمَرُ: أَمَا وَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا أَمْرًا هُوَ أَوْفَقُ مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُحْدِثُوا بَعْدَنَا بَيْعَةً، فَإِمَّا أَنْ نُبَايِعَهُمْ عَلَى مَا لَا نَرْضَى، وَإِمَّا أَنْ نُخَالِفَهُمْ فَيَكُونَ فِيهِ فَسَادٌ، فَمَنْ بَايَعَ أَمِيرًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا بَيْعَةَ لَهُ، وَلَا بَيْعَةَ لِلَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةَ أَنْ يُقْتَلَا. قَالَ مَالِكٌ: فَأَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ الرَّجُلَيْنِ
اللَّذَيْنِ لَقِيَاهُمَا: عُوَيْمُ
بْنُ سَاعِدَةَ وَمَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ الَّذِي قَالَ: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ
وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ. هُوَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَقَدْ أَخْرَجَ
هَذَا الْحَدِيثَ الْجَمَاعَةُ فِي كُتُبِهِمْ، مِنْ طُرُقٍ عَنْ مَالِكٍ
وَغَيْرِهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، ثَنَا
زَائِدَةُ، ثَنَا عَاصِمٌ، ( ح ) وَحَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ
زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ
- قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَتِ الْأَنْصَارُ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَأَتَاهُمْ عُمَرُ
فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّ
النَّاسَ ؟ فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ ؟
فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: نَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ نَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَهَنَّادِ بْنِ
السَّرِيِّ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ، عَنْ زَائِدَةَ بِهِ.
وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَقَالَ:
صَحِيحٌ لَا أَحْفَظُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمٍ. وَقَدْ
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنْ
نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ نُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ
عُبَيْدٍ، عَنْ عُمَرَ مِثْلَهُ. وَقَدْ
رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
نَحْوُهُ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ.
وَجَاءَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
بَكْرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا مَعْشَرَ
الْمُسْلِمِينَ، إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِأَمْرِ نَبِيِّ اللَّهِ ثَانِيَ
اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ; أَبُو بَكْرٍ السَّبَّاقُ الْمُبِينُ. ثُمَّ
أَخَذْتُ بِيَدِهِ، وَبِدَرَنِي رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَضَرَبَ عَلَى يَدِهِ
قَبْلَ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِهِ، ثُمَّ ضَرَبْتُ عَلَى يَدِهِ وَتَتَابَعَ
النَّاسُ.
وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَارِمِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ حَمَّادِ
بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ،
فَذَكَرَ نَحْوًا مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَسَمَّى هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي بَايَعَ
الصِّدِّيقَ قَبْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: هُوَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ
وَالِدُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ
ذِكْرُ اعْتِرَافِ سَعْدِ بْنِ
عُبَادَةَ بِصِحَّةِ مَا قَالَهُ الصِّدِّيقُ يَوْمَ السَّقِيفَةِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ،
عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ. قَالَ:
فَجَاءَ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ فَقَبَّلَهُ وَقَالَ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي،
مَا أَطْيَبَكَ حَيًّا وَمَيِّتًا، مَاتَ مُحَمَّدٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ. قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَتَقَاوَدَانِ حَتَّى
أَتَوْهُمْ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا أُنْزِلَ فِي
الْأَنْصَارِ وَلَا ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ شَأْنِهِمْ إِلَّا ذَكَرَهُ، وَقَالَ: لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَوْ سَلَكَ النَّاسُ
وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ وَادِيًا، سَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ
" وَلَقِدْ عَلِمْتَ يَا سَعْدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَأَنْتَ قَاعِدٌ: " قُرَيْشٌ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ،
فَبَرُّ النَّاسِ تَبَعٌ لِبَرِّهِمْ، وَفَاجِرُهُمْ تَبَعٌ لِفَاجِرِهِمْ "
فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: صَدَقْتَ نَحْنُ الْوُزَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْأُمَرَاءُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، ثَنَا الْوَلِيدُ
بْنُ مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ ذِي عَصْوَانَ
الْعَبْسِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
عُمَيْرٍ اللَّخْمِيِّ، عَنْ رَافِعٍ
الطَّائِيِّ رَفِيقِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ
قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَمَّا قِيلَ فِي بَيْعَتِهِمْ، فَقَالَ وَهُوَ يُحَدِّثُهُ
عَمَّا تَقَاوَلَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ، وَمَا كَلَّمَهُمْ بِهِ، وَمَا كَلَّمَ
بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْأَنْصَارَ، وَمَا ذَكَّرَهُمْ بِهِ مِنْ
إِمَامَتِي إِيَّاهُمْ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ، فَبَايَعُونِي لِذَلِكَ وَقَبِلْتُهَا مِنْهُمْ،
وَتَخَوَّفْتُ أَنْ تَكُونَ فِتْنَةٌ بَعْدَهَا رِدَّةٌ، وَهَذَا إِسْنَادٌ
جَيِّدٌ قَوِيٌّ. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا قَبِلَ
الْإِمَامَةَ ; تَخَوُّفًا أَنْ تَقَعَ فِتْنَةٌ أَرْبَى مِنْ تَرْكِهِ قَبُولَهَا
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
قُلْتُ: كَانَ هَذَا فِي بَقِيَّةِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ
صَبِيحَةَ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ فَتُمِّمَتِ
الْبَيْعَةُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ قَاطِبَةً، وَكَانَ ذَلِكَ
قَبْلَ تَجْهِيزِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا
كَثِيرًا.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى ثَنَا هِشَامٌ، عَنْ
مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ
خُطْبَةَ عُمَرَ الْأَخِيرَةَ حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَذَلِكَ الْغَدُ
مِنْ يَوْمِ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو
بَكْرٍ صَامِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ. قَالَ: كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَدْبُرَنَا - يُرِيدُ بِذَلِكَ
أَنْ يَكُونَ آخِرَهُمْ - فَإِنْ يَكُ مُحَمَّدٌ قَدْ مَاتَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ
جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نُورًا تَهْتَدُونَ بِهِ، بِهِ هَدَى اللَّهُ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَانِيَ اثْنَيْنِ،
وَإِنَّهُ أَوْلَى النَّاسِ بِأُمُورِكُمْ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ. وَكَانَتْ
طَائِفَةٌ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ
فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ،
وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ لِأَبِي بَكْرٍ: اصْعَدِ
الْمِنْبَرَ. فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَبَايَعَهُ النَّاسُ
عَامَّةً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي أَنَسُ
بْنُ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ فِي السَّقِيفَةِ، وَكَانَ
الْغَدُ جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَقَامَ عُمَرُ فَتَكَلَّمَ
قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ فَحَمِدَ اللَّهِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ
ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ كُنْتُ قُلْتُ لَكُمْ بِالْأَمْسِ
مَقَالَةً مَا كَانَتْ مِمَّا وَجَدْتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا كَانَتْ
عَهْدًا عَهِدَهُ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنِّي
كُنْتُ أَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ سَيَدْبُرُ أَمْرَنَا - يَقُولُ: يَكُونُ
آخِرَنَا - وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْقَى فِيكُمْ كِتَابَهُ الَّذِي بِهِ هَدَى
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ
هَدَاكُمُ اللَّهُ لِمَا كَانَ هَدَاهُ لَهُ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَمَعَ
أَمْرَكُمْ عَلَى خَيْرِكُمْ ; صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ.
فَبَايَعَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ بَيْعَةَ الْعَامَّةِ بَعْدَ بَيْعَةِ
السَّقِيفَةِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ
بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنِّي قَدْ
وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي،
وَإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُونِي، الصِّدْقُ أَمَانَةٌ وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ،
وَالضَّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيٌّ عِنْدِي حَتَّى أُرِيحَ عَلَيْهِ حَقَّهُ، إِنْ
شَاءَ اللَّهُ، وَالْقَوِيُّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ، إِنْ
شَاءَ اللَّهُ، لَا يَدْعُ قَوْمٌ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا
ضَرَبَهُمُ اللَّهُ بِالذُّلِّ، وَلَا تَشِيعُ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ
إِلَّا عَمَّهُمُ اللَّهُ بِالْبَلَاءِ، أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ، فَإِذَا عَصَيْتُ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَلَا طَاعَةَ لِي
عَلَيْكُمْ، قُومُوا إِلَى صَلَاتِكُمْ يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ. وَهَذَا إِسْنَادٌ
صَحِيحٌ فَقَوْلُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلِيتُكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ.
مِنْ بَابِ الْهَضْمِ وَالتَّوَاضُعِ، فَإِنَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ
أَفْضَلُهُمْ وَخَيْرُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَافِظُ الْإِسْفَرَايِينِيُّ، حَدَّثَنَا
أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ،
قَالَا: حَدَّثَنَا بُنْدَارُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ
الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قُبِضَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ فِي
دَارِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. قَالَ: فَقَامَ
خَطِيبُ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَخَلِيفَتُهُ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ، وَنَحْنُ كُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ أَنْصَارُ خَلِيفَتِهِ كَمَا كُنَّا أَنْصَارَهُ.
قَالَ: فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: صَدَقَ قَائِلُكُمْ. أَمَا لَوْ
قُلْتُمْ غَيْرَ هَذَا لَمْ نُتَابِعْكُمْ. وَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ وَقَالَ:
هَذَا صَاحِبُكُمْ فَبَايِعُوهُ. فَبَايَعَهُ عُمَرُ، وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ
وَالْأَنْصَارُ. قَالَ: فَصَعِدَ أَبُو بَكْرٍ الْمِنْبَرَ، فَنَظَرَ فِي وُجُوهِ
الْقَوْمِ فَلَمْ يَرَ الزُّبَيْرَ. قَالَ: فَدَعَا بِالزُّبَيْرِ فَجَاءَ،
فَقَالَ: قُلْتُ: ابْنُ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَحَوَارِيُّهُ، أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ ؟ !
فَقَالَ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ
اللَّهِ. فَقَامَ فَبَايَعَهُ ثُمَّ
نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَلَمْ يَرَ عَلِيًّا فَدَعَا بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ فَجَاءَ. فَقَالَ: قُلْتُ: ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَتَنُهُ عَلَى ابْنَتِهِ أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا
الْمُسْلِمِينَ ؟ ! قَالَ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ.
فَبَايَعَهُ. هَذَا أَوْ مَعْنَاهُ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ: سَمِعْتُ
مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ يَقُولُ: جَاءَنِي مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَّاجِ، فَسَأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَكَتَبْتُهُ لَهُ فِي رُقْعَةٍ،
وَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ يَسْوَى بَدَنَةً، فَقُلْتُ:
يَسْوَى بَدَنَةً ؟ ! بَلْ يَسْوَى بَدْرَةً.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ وَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي
حَامِدٍ الْمُقْرِئِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ
الْأَصَمِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، عَنْ عَفَّانَ بْنِ
سَلْمٍ، عَنْ وُهَيْبٍ بِهِ. وَلَكَنْ ذَكَرَ أَنَّ الصِّدِّيقَ هُوَ الْقَائِلُ
لِخَطِيبِ الْأَنْصَارِ بَدَلَ عُمَرَ. وَفِيهِ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخَذَ
بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: هَذَا صَاحِبُكُمْ فَبَايِعُوهُ، ثُمَّ انْطَلَقُوا.
فَلَمَّا قَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ
فَلَمْ يَرَ عَلِيًّا، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَامَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ
فَأَتَوْا بِهِ. فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ الزُّبَيْرِ
بَعْدِ عَلِيٍّ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنِ الثِّقَةِ، عَنْ وُهَيْبٍ، مُخْتَصَرًا.
وَقَدْ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَذَكَرَ
نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ الْمُنْذِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ قِطْعَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ الْخُدْرِيِّ، وَفِيهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ وَهِيَ مُبَايَعَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِمَّا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ أَوْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنَ الْوَفَاةِ. وَهَذَا حَقٌّ فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمْ يُفَارِقِ الصِّدِّيقَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ خَلْفَهُ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَخَرَجَ مَعَهُ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ، لَمَّا خَرَجَ الصِّدِّيقُ شَاهِرًا سَيْفَهُ يُرِيدُ قِتَالَ أَهْلِ الرِّدَّةِ كَمَا سَنُبِيِّنُهُ قَرِيبًا، وَلَكِنْ لَمَّا حَصَلَ مِنْ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَتْبٌ عَلَى الصِّدِّيقِ بِسَبَبِ مَا كَانَتْ مُتَوَهِّمَةً مِنْ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ مِيرَاثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تَعْلَمْ بِمَا أَخْبَرَهَا بِهِ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ " لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ " فَحَجَبَهَا وَغَيْرَهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ وَعَمَّهُ عَنِ الْمِيرَاثِ بِهَذَا النَّصِّ الصَّرِيحِ، كَمَا سَنُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ، فَسَأَلَتْهُ أَنْ يَنْظُرَ عَلِيٌّ زَوْجُهَا فِي صَدَقَةِ الْأَرْضِ الَّتِي بِخَيْبَرَ وَفَدَكَ، فَلَمْ يُجِبْهَا إِلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ فِي جَمِيعِ مَا كَانَ يَتَوَلَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ الرَّاشِدُ التَّابِعُ لِلْحَقِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَحَصَلَ لَهَا - وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنَ الْبَشَرِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةِ الْعِصْمَةِ - عَتْبٌ وَتَغَضُّبٌ، وَلَمْ تُكَلِّمِ الصِّدِّيقَ حَتَّى مَاتَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَاحْتَاجَ عَلِيٌّ أَنْ يُرَاعِيَ خَاطِرَهَا بَعْضَ الشَّيْءِ، فَلَمَّا مَاتَتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَفَاةِ أَبِيهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلِيٌّ أَنْ يُجَدِّدَ الْبَيْعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ " الصَّحِيحَيْنِ " وَغَيْرِهِمَا فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، مَعَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنَ الْبَيْعَةِ قَبْلَ دَفْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيَزِيدُ ذَلِكَ صِحَّةً قَوْلُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي " مَغَازِيهِ "،
عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ كَانَ مَعَ عُمَرَ، وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ كَسَرَ سَيْفَ الزُّبَيْرِ ثُمَّ خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ، وَاعْتَذَرَ إِلَى النَّاسِ وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى الْإِمَارَةِ يَوْمًا وَلَا لَيْلَةً، وَلَا سَأَلْتُهَا اللَّهَ فِي سِرٍّ وَلَا عَلَانِيَةٍ. فَقَبِلَ الْمُهَاجِرُونَ مَقَالَتَهُ، وَقَالَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ: مَا غَضِبْنَا إِلَّا لِأَنَّا أُخِّرْنَا عَنِ الْمَشُورَةِ، وَإِنَّا نَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا، إِنَّهُ لَصَاحِبُ الْغَارِ وَإِنَّا لَنَعْرِفُ شَرَفَهُ وَخَبَرَهُ، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ بِالنَّاسِ وَهُوَ حَيٌّ. إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
فَصْلٌ
وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا ذَكَرْنَاهُ ظَهَرَ لَهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ -
الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ وَالْأَنْصَارِ - عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ،
وَظَهَرَ بُرْهَانُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " يَأْبَى
اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ ". وَظَهَرَ لَهُ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى
الْخِلَافَةِ عَيْنًا لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، لَا لِأَبِي بَكْرٍ كَمَا قَدْ
زَعَمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَا لَعَلِّي كَمَا يَقُولُهُ طَائِفَةُ
الرَّافِضَةِ، وَلَكِنْ أَشَارَ إِشَارَةً قَوِيَّةً يَفْهَمُهَا كُلُّ ذِي لُبٍّ
وَعَقْلٍ إِلَى الصِّدِّيقِ، كَمَا قَدَّمْنَا وَكَمَا سَنَذْكُرُهُ. وَلِلَّهِ
الْحَمْدُ.
كَمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا
طُعِنَ قِيلَ لَهُ: أَلَا تَسْتَخْلِفُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ:
إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي - يَعْنِي أَبَا
بَكْرٍ - وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي. يَعْنِي رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَعَرَفْتُ حِينَ
ذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ
مُسْتَخْلِفٍ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
سُفْيَانَ قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ عَلِيٌّ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْجَمَلِ قَالَ:
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَمْ يَعْهَدْ إِلَيْنَا فِي هَذِهِ
الْإِمَارَةِ شَيْئًا، حَتَّى رَأَيْنَا مِنَ الرَّأْيِ أَنْ نَسْتَخْلِفَ أَبَا
بَكْرٍ، فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا
بَكْرٍ رَأَى مِنَ الرَّأْيِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عُمَرَ فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ
حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ. أَوْ قَالَ: حَتَّى ضَرَبَ الدِّينُ بِجِرَانِهِ إِلَى
آخِرِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا شَرِيكٌ عَنِ
الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ قَالَ: خَطَبَ رَجُلٌ يَوْمَ
الْبَصْرَةِ حِينَ ظَهَرَ عَلِيٌّ، فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذَا الْخَطِيبُ الشَّحْشَحُ
! سَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَّى أَبُو
بَكْرٍ، وَثَلَّثَ عُمَرُ، ثُمَّ خَبَطَتْنَا فِتْنَةٌ بَعْدَهُمْ يَصْنَعُ
اللَّهُ فِيهَا مَا يَشَاءُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُزَكِّي بِمَرْوَ ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ الْمَدَائِنِيُّ، ثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ ثَنَا
شُعَيْبُ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ
الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ:
أَلَا تَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا ؟ فَقَالَ: مَا اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْتَخْلِفَ، وَلَكِنْ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ
بِالنَّاسِ خَيْرًا فَسَيَجْمَعُهُمْ بَعْدِي عَلَى خَيْرِهِمْ، كَمَا جَمَعَهُمْ
بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عَلَى خَيْرِهِمْ. إِسْنَادٌ جَيِّدٌ وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ.
وَقَدْ
قَدَّمْنَا مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ
مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبَّاسًا وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، لَمَّا
خَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ
رَجُلٌ: كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟
فَقَالَ عَلِيٌّ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا. فَقَالَ الْعَبَّاسُ:
إِنَّكَ وَاللَّهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ عَبْدُ الْعَصَا، إِنِّي لَأَعْرِفُ فِي وُجُوهِ
بَنِي هَاشِمٍ الْمَوْتَ، وَإِنِّي لِأَرَى فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَوْتَ، فَاذْهَبْ بِنَا إِلَيْهِ فَنَسْأَلُهُ
فَيَمَنْ هَذَا الْأَمْرُ، فَإِنْ كَانَ فِينَا عَرَفْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ فِي
غَيْرِنَا أَمَرْنَاهُ فَوَصَّاهُ بِنَا. فَقَالَ عَلِيٌّ إِنِّي لَا أَسْأَلُهُ
ذَلِكَ، وَاللَّهِ إِنْ مَنَعَنَاهَا لَا يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ
أَبَدًا.
وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ، فَذَكَرَهُ.
وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ اشْتَدَّ الضُّحَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
قُلْتُ: فَهَذَا يَكُونُ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ يَوْمِ الْوَفَاةِ. فَدَلَّ
عَلَى أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، تُوُفِّيَ عَنْ غَيْرِ
وَصِيَّةٍ فِي الْإِمَارَةِ. وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ الْكِتَابَ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ طَلَبَ أَنْ
يَكْتُبَ لَهُمْ كِتَابًا لَنْ يَضِلُّوا بَعْدَهُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ
وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَهُ قَالَ " قُومُوا
عَنِّي فَمَا أَنَا فِيهِ خَيْرٌ
مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ " وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ
ذَلِكَ " يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ ".
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ:
إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ. فَقَالَتْ: بِمَ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ ؟ ! لَقَدْ دَعَا
بِطَسْتٍ لِيَبُولَ فِيهَا وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي، فَانْخَنَثَ،
فَمَاتَ وَمَا شَعَرْتُ ; فِيمَ يَقُولُ هَؤُلَاءِ إِنَّهُ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ
؟ !.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ
طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى: هَلْ
أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ:
فَلِمَ أُمِرْنَا بِالْوَصِيَّةِ ؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ، عَزَّ
وَجَلَّ. قَالَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: وَقَالَ هُزَيْلُ بْنُ شُرَحْبِيلَ:
أَبُو بَكْرٍ يَتَأَمَّرُ عَلَى وَصِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ؟ !
وَدَّ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ وَجَدَ
عَهْدًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَزَمَ
أَنْفَهُ بِخِزَامَةٍ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَنَا شَيْئًا
نَقْرَؤُهُ لَيْسَ كِتَابَ اللَّهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةَ - لِصَحِيفَةٍ
مُعَلَّقَةٍ فِي سَيْفِهِ فِيهَا أَسْنَانُ الْإِبِلِ وَأَشْيَاءُ مِنَ
الْجِرَاحَاتِ - فَقَدْ كَذَبَ. وَفِيهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ،
مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ
وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا، وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوِ
انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا
وَلَا عَدْلًا، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ،
فَمَنَّ أَخَفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا
وَلَا عَدْلًا ".
وَهَذَا الْحَدِيثُ الثَّابِتُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَغَيْرِهِمَا،
عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ، عَنْهُ يَرُدُّ عَلَى فِرْقَةِ الرَّافِضَةِ فِي
زَعْمِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى
إِلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا لَمَا رَدَّ
ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَطْوَعَ لِلَّهِ
وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ
وَفَاتِهِ مِنْ أَنْ يَفْتَاتُوا عَلَيْهِ، فَيُقَدِّمُوا غَيْرَ مَنْ
قَدَّمَهُ، وَيُؤَخِّرُوا مَنْ
قَدَّمَهُ بِنَصِّهِ، حَاشَا وَكَلَّا وَلَمَّا، وَمَنْ ظَنَّ بِالصَّحَابَةِ،
رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَقَدْ نَسَبَهُمْ بِأَجْمَعِهِمْ إِلَى
الْفُجُورِ وَالتَّوَاطِئِ عَلَى مُعَانَدَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمُضَادَّتِهِمْ فِي حُكْمِهِ وَنَصِّهِ، وَمَنْ وَصَلَ مِنَ النَّاسِ إِلَى
هَذَا الْمَقَامِ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ، وَكَفَرَ بِإِجْمَاعِ
الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ، وَكَانَ إِرَاقَةُ دَمِهِ أَحَلَّ مِنْ إِرَاقَةِ
الْمُدَامِ. ثُمَّ لَوْ كَانَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، نَصٌّ فَلِمَ لَا كَانَ يَحْتَجُّ بِهِ عَلَى الصَّحَابَةِ عَلَى
إِثْبَاتِ إِمَارَتِهِ عَلَيْهِمْ وَإِمَامَتِهِ لَهُمْ ؟ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ
عَلَى تَنْفِيذِ مَا مَعَهُ مِنَ النَّصِّ فَهُوَ عَاجِزٌ، وَالْعَاجِزُ لَا
يَصْلُحُ لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ فَهُوَ خَائِنٌ،
وَالْخَائِنُ الْفَاسِقُ مَسْلُوبٌ مَعْزُولٌ عَنِ الْإِمَارَةِ، وَإِنْ لَمْ
يَعْلَمْ بِوُجُودِ النَّصِّ فَهُوَ جَاهِلٌ، ثُمَّ وَقَدْ عَرَفَهُ وَعَلِمَهُ مَنْ
بَعْدَهُ فَهَذَا مُحَالٌ وَافْتِرَاءٌ وَجَهْلٌ وَضَلَالٌ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ
هَذَا فِي أَذْهَانِ الْجَهَلَةِ الطَّغَامِ وَالْمُغْتَرِّينَ مِنَ الْأَنَامِ،
يُزَيِّنُهُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ بِلَا دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ، بَلْ بِمُجَرَّدِ
التَّحَكُّمِ وَالْهَذَيَانِ وَالْإِفْكِ وَالْبُهْتَانِ عِيَاذًا بِاللَّهِ
مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ التَّخْلِيطِ وَالْخِذْلَانِ وَالتَّخْبِيطِ
وَالْكُفْرَانِ، وَمَلَاذًا بِاللَّهِ بِالتَّمَسُّكِ بِالسُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ،
وَالْوَفَاةِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ، وَالْمُوَافَاةِ عَلَى الثَّبَاتِ
وَالْإِيقَانِ وَتَثْقِيلِ الْمِيزَانِ، وَالنَّجَاةِ مِنَ النِّيرَانِ
وَالْفَوْزِ بِالْجِنَانِ، إِنَّهُ كَرِيمٌ مَنَّانٌ رَحِيمٌ رَحْمَنٌ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الثَّابِتِ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ عَلِيٍّ
الَّذِي قَدَّمْنَاهُ رَدٌّ عَلَى مُتَقَوِّلَةِ كَثِيرٍ مِنَ الطَّرْقِيَّةِ
وَالْقُصَّاصِ الْجَهَلَةِ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ يَسُوقُونَهَا
مُطَوَّلَةً: يَا عَلِيُّ افْعَلْ كَذَا، يَا عَلِيُّ لَا تَفْعَلْ كَذَا، يَا
عَلِيُّ، مَنْ فَعَلَ كَذَا كَانَ كَذَا وَكَذَا. بِأَلْفَاظٍ رَكِيكَةٍ،
وَمَعَانِيَ أَكْثَرُهَا سَخِيفَةٌ،
وَكَثِيرٌ مِنْهَا ضَعِيفَةٌ لَا
تُسَاوِي تَسْوِيدَ الصَّحِيفَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ أَوْرَدَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو
النَّصِيبِيِّ - وَهُوَ أَحَدُ الْكَذَّابِينَ الْوَضَّاعِينَ - عَنِ السَّرِيِّ
بْنِ خَلَّادٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ " يَا عَلِيُّ أُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظْهَا فَإِنَّكَ لَا
تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا حَفِظْتَهَا ; يَا عَلِيُّ إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ ثَلَاثَ
عَلَامَاتٍ ; الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالزَّكَاةَ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِي الرَّغَائِبِ وَالْآدَابِ وَهُوَ حَدِيثٌ
مَوْضُوعٌ، وَقَدْ شَرَطْتُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنْ لَا أُخَرِّجَ فِيهِ
حَدِيثًا أَعْلَمُهُ مَوْضُوعًا. ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو
هَذَا، عَنْ زَيْدِ بْنِ رَفِيعٍ، عَنْ مَكْحُولٍ الشَّامِيِّ قَالَ: هَذَا مَا
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ حِينَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، وَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ
النَّصْرِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِي الْفِتْنَةِ،
وَهُوَ أَيْضًا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ، وَفِي الْأَحَادِيثِ
الصَّحِيحَةِ كِفَايَةٌ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَلْنَذْكُرْ هَاهُنَا تَرْجَمَةَ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو أَبِي إِسْمَاعِيلَ
النَّصِيبِيِّ ; رَوَى عَنِ الْأَعْمَشِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ
مُوسَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ، وَمُوسَى بْنُ أَيُّوبَ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ
يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: هُوَ مِمَّنْ يَكْذِبُ وَيَضَعُ الْحَدِيثَ. وَقَالَ
عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ وَأَبُو حَاتِمٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، ضَعِيفٌ
جِدًّا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ
يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ: كَانَ
يَكْذِبُ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ:
وَاهِي الْحَدِيثِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ:
يَضَعُ الْحَدِيثَ وَضْعًا. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ حَدِيثِهِ مِمَّا لَا
يُتَابِعُهُ أَحَدٌ مِنَ الثِّقَاتِ عَلَيْهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ:
ضَعِيفٌ. وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَرْوِي عَنِ الثِّقَاتِ
أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً. وَهُوَ سَاقِطٌ بِمَرَّةٍ.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا حَمْزَةُ
بْنُ الْعَبَّاسِ الْعَقِبِيُّ بِبَغْدَادَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ
الْمَدَائِنِيُّ، ثَنَا سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَدَائِنِيُّ، ثَنَا
سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ الطَّوِيلُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيُّ، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ طَلِيقٍ، عَنْ
مُرَّةَ بْنِ شَرَاحِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:لَمَّا ثَقُلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَمَعْنَا فِي بَيْتِ
عَائِشَةَ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ لَنَا: " قَدْ دَنَا الْفِرَاقُ ".
وَنَعَى إِلَيْنَا نَفْسَهُ ثُمَّ قَالَ: " مَرْحَبًا بِكُمْ، حَيَّاكُمُ
اللَّهُ، هَدَاكُمُ اللَّهُ، نَصَرَكُمُ اللَّهُ، نَفَعَكُمُ اللَّهُ، وَفَّقَكُمُ
اللَّهُ، سَدَّدَكُمُ اللَّهُ، وَقَاكُمُ اللَّهُ، أَعَانَكُمُ اللَّهُ،
قَبِلَكُمُ اللَّهُ، أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأُوصِي اللَّهَ بِكُمْ، وَأَسْتَخْلِفُهُ
عَلَيْكُمْ، إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ
نَذِيرٌ مُبِينٌ، أَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ فِي عِبَادِهِ وَبِلَادِهِ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِي وَلَكُمْ: " تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ " [ الْقَصَصِ: 83 ] وَقَالَ: " أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ " [ الزُّمَرِ: 60 ] قُلْنَا: فَمَتَى أَجَلُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ قَدْ دَنَا الْأَجَلُ، وَالْمُنْقَلَبُ إِلَى اللَّهِ، وَالسِّدْرَةُ الْمُنْتَهَى، وَالْكَأْسُ الْأَوْفَى، وَالْفُرُشُ الْأَعْلَى. قُلْنَا: فَمَنْ يُغَسِّلُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِي الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى، مَعَ مَلَائِكَةٍ كَثِيرَةٍ يَرَوْنَكُمْ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ. قُلْنَا: فَفِيمَ نُكَفِّنُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ فِي ثِيَابِي هَذِهِ إِنْ شِئْتُمْ، أَوْ فِي يَمَنِيَّةٍ، أَوْ فِي بَيَاضِ مِصْرَ. قُلْنَا: فَمَنْ يُصَلِّي عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَبَكَى وَبَكَيْنَا. وَقَالَ: مَهْلًا، غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ، وَجَزَاكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ خَيْرًا، إِذَا غَسَّلْتُمُونِي وَحَنَّطْتُمُونِي وَكَفَّنْتُمُونِي، فَضَعُونِي عَلَى شَفِيرِ قَبْرِي، ثُمَّ اخْرُجُوا عَنِّي سَاعَةً، فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيَّ خَلِيلَايَ وَجَلِيسَايَ ; جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، ثُمَّ إِسْرَافِيلُ، ثُمَّ مَلَكُ الْمَوْتِ مَعَ جُنُودٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَلْيَبْدَأْ بِالصَّلَاةِ عَلَيَّ رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِي، ثُمَّ نِسَاؤُهُمْ، ثُمَّ ادْخُلُوا عَلَيَّ أَفْوَاجًا وَفُرَادَى، وَلَا تُؤْذُونِي بِبَاكِيَةٍ وَلَا بِرَنَّةِ وَلَا بِصَيْحَةٍ، وَمَنْ كَانَ غَائِبًا مِنْ أَصْحَابِي فَأَبْلِغُوهُ عَنِّي السَّلَامَ، وَأُشْهِدُكُمْ بِأَنِّي قَدْ سَلَّمْتُ عَلَى مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَابَعَنِي فِي دِينِي هَذَا، مُنْذُ الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قُلْنَا: فَمَنْ يُدْخِلُكَ قَبْرَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِي الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى مَعَ مَلَائِكَةٍ كَثِيرَةٍ يَرَوْنَكُمْ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ " ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَابَعَهُ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ عَنْ سَلَّامٍ الطَّوِيلِ وَتَفَرَّدَ بِهِ سَلَّامٌ الطَّوِيلُ.
قُلْتُ: وَهُوَ سَلَّامُ بْنُ سَلْمٍ.
وَيُقَالُ: ابْنُ سُلَيْمٍ. وَيُقَالُ ابْنُ سُلَيْمَانَ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ،
التَّمِيمِيُّ السَّعْدِيُّ الطَّوِيلُ. يُرْوَى عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ،
وَحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، وَزَيْدٍ الْعَمِّيِّ وَجَمَاعَةٍ، وَعَنْهُ جَمَاعَةٌ
أَيْضًا مِنْهُمْ ; أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، وَأَسَدُ بْنُ
مُوسَى، وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ،
وَقَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ. وَقَدْ ضَعَّفَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ،
وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَالْبُخَارِيُّ، وَأَبُو
حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَالْجُوزَجَانِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُ
وَاحِدٍ، وَكَذَّبَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ، وَتَرَكَهُ آخَرُونَ.
لَكِنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا السِّيَاقِ بِطُولِهِ الْحَافِظُ أَبُو
بَكْرٍ الْبَزَّارُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ سَلَّامٍ هَذَا، فَقَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنِ ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ
عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. ثُمَّ قَالَ
الْبَزَّارُ: وَقَدْ رَوَى هَذَا عَنْ مُرَّةَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ بِأَسَانِيدَ
مُتَقَارِبَةٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا
مِنْ مُرَّةَ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ مُرَّةَ، وَلَا أَعْلَمُ
أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ غَيْرَ مُرَّةَ.
فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الْوَقْتِ الَّذِي
تُوُفِّيَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَبْلَغِ
سِنِّهِ حَالَ وَفَاتِهِ، وَفِي كَيْفِيَّةِ غُسْلِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، وَتَكْفِينِهِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَدَفْنِهِ، وَمَوْضِعِ
قَبْرِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ
لَا خِلَافَ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، تُوُفِّيَ يَوْمَ
الِاثْنَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وُلِدَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَنُبِّئَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَرَجَ مِنْ
مَكَّةَ مُهَاجِرًا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ
الِاثْنَيْنِ، وَمَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
وَالْبَيْهَقِيُّ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ:أَيَّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قُلْتُ: يَوْمَ الِاثْنَيْنِ.
فَقَالَ: إِنِّي لَأَرْجُوَ أَنْ أَمُوتَ فِيهِ. فَمَاتَ فِيهِ. رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، ثَنَا هُرَيْمٌ،
حَدَّثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ
لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي " مَغَازِيهِ "، وَمُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ أَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ،
وَأَرْسَلَتْ حَفْصَةُ إِلَى عُمَرَ، وَأَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ إِلَى عَلِيٍّ،
فَلَمْ يَجْتَمِعُوا حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي صَدْرِ عَائِشَةَ وَفِي يَوْمِهَا يَوْمِ الِاثْنَيْنِ،
حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ لِهِلَالِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:آخِرُ نَظْرَةٍ نَظْرَتُهَا إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، كَشَفَ
السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَنَظَرْتُ إِلَى وَجْهِهِ،
كَأَنَّهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، فَأَرَادَ النَّاسُ أَنْ يَنْحَرِفُوا، فَأَشَارَ
إِلَيْهِمْ أَنِ امْكُثُوا، وَأَلْقَى السَّجْفَ، وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ
الْيَوْمِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي " الصَّحِيحِ "، وَهُوَ يَدُلُّ
عَلَى أَنَّ الْوَفَاةَ وَقَعَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَكَّارٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، وَعَنْ صَفْوَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ،
جَمِيعًا عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ:تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَنْتَصِفَ
النَّهَارُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ، ثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَزَّارُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ - وَهُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ
طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ فِي كِتَابِ " الْمَغَازِي " - قَالَ: إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرِضَ لِاثْنَتَيْنِ
وَعِشْرِينَ لَيْلَةً مِنْ صَفَرٍ، وَبَدَأَهُ وَجَعُهُ عِنْدَ وَلِيدَةٍ لَهُ
يُقَالُ لَهَا: رَيْحَانَةُ. كَانَتْ مِنْ سَبْيِ الْيَهُودِ، وَكَانَ أَوَّلَ
يَوْمٍ مَرِضَ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ
الْأَوَّلِ لِتَمَامِ عَشْرِ سِنِينَ مِنْ مَقْدَمِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، الْمَدِينَةَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ
قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
الْأَرْبِعَاءِ لِإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً بَقِيَتْ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ إِحْدَى
عَشْرَةَ فِي بَيْتِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، شَكْوَى شَدِيدَةً. فَاجْتَمَعَ
عِنْدَهُ نِسَاؤُهُ كُلُّهُنَّ، فَاشْتَكَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَتُوُفِّيَ
يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ
إِحْدَى عَشْرَةَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقَالُوا: بُدِئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ صَفَرٍ،
وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ
رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. وَهَكَذَا جَزَمَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَاتِبُهُ،
وَزَادَ: وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي
سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْأَبْيَضِ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدِئَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا أَبُو
مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَكَانَ إِذَا وَجَدَ
خِفَّةً صَلَّى، وَإِذَا ثَقُلَ صَلَّى أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ
الْأَوَّلِ، فِي الْيَوْمِ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا،
وَاسْتَكْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هِجْرَتِهِ
عَشْرَ سِنِينَ كَوَامِلَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَهُوَ الثَّبْتُ عِنْدَنَا.
وَجَزَمَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَاتِبُهُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ
أَنَّهُ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَةٍ خَلَتْ
مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى رَأْسِ عَشْرِ
سِنِينَ مِنْ مَقْدَمِهِ.
وَقَالَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ
رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، لِتَمَامِ عَشْرِ سِنِينَ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ
رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ مِثْلَهُ سَوَاءً. وَقَالَهُ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ
أَيْضًا.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ
دُكَيْنٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مُسْتَهَلَّ رَبِيعٍ
الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ. رَوَاهُ ابْنُ
عَسَاكِرَ أَيْضًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ عُرْوَةَ، وَمُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ وَالزُّهْرِيِّ، مِثْلَهُ فِيمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ "
مَغَازِيَيْهِمَا ". فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمَشْهُورُ قَوْلُ ابْنِ
إِسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيِّ.
وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، فَقَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَا: تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ
لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ،
عَنْ أَبِيهِ مِثْلَهُ، وَزَادَ: وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ.
وَرَوَى سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ،
عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَضَى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ ارْتَحَلَ، فَأَتَى
الْمَدِينَةَ فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمَ وَصَفَرًا،
وَمَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
وَرَوَى أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
عُرْوَةَ. وَفِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ،
إِلَّا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِي أَوَّلِهِ: لِأَيَّامٍ مَضَيْنَ
مِنْهُ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: بَعْدَ
مَا مَضَى أَيَّامٌ مِنْهُ.
فَائِدَةٌ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ فِي " الرَّوْضِ "
مَا مَضْمُونُهُ: لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ وَفَاتِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ
إِحْدَى عَشْرَةَ ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَقَفَ
فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَكَانَ أَوَّلَ ذِي
الْحِجَّةِ يَوْمُ الْخَمِيسِ، فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تُحْسَبَ الشُّهُورُ
تَامَّةً أَوْ نَاقِصَةً، أَوْ بَعْضُهَا تَامٌّ وَبَعْضُهَا نَاقِصٌ، لَا
يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
وَقَدِ اشْتُهِرَ هَذَا الْإِيرَادُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَقَدْ حَاوَلَ جَمَاعَةٌ
الْجَوَابَ عَنْهُ وَلَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ، إِلَّا بِمَسْلَكٍ وَاحِدٍ،
وَهُوَ اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ ; بِأَنْ يَكُونَ أَهْلُ مَكَّةَ رَأَوْا هِلَالَ
ذِي الْحِجَّةِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَلَمْ
يَرَوْهُ إِلَّا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ
وَغَيْرِهَا: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسٍ
بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ - يَعْنِي مِنَ الْمَدِينَةِ - إِلَى حَجَّةِ
الْوَدَاعِ. وَيَتَعَيَّنُ - كَمَا ذَكَرْنَا - أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ السَّبْتِ،
وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ ; لِأَنَّهُ
قَدْ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسٍ بِلَا شَكٍّ، وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ ; لِأَنَّ أَنَسًا قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ
بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ. فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ السَّبْتِ
لِخَمْسٍ بَقِينَ، فَعَلَى هَذَا إِنَّمَا رَأَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ
هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ لَيْلَةَ
الْجُمُعَةِ، وَإِذَا كَانَ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
الْجُمُعَةُ، وَحُسِبَتِ الشُّهُورُ بَعْدَهُ كَوَامِلُ، يَكُونُ أَوَّلَ رَبِيعٍ
الْأَوَّلِ يَوْمُ الْخَمِيسِ، فَيَكُونُ ثَانِيَ عَشْرِهِ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ
بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا
بِالْقَصِيرِ، وَلَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ وَلَا بِالْآدَمِ، وَلَا
بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبْطِ، بَعَثَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى
رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ
عَشْرَ سِنِينَ، وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي
رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ
وَهْبٍ، عَنْ قُرَّةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ قُرَّةَ، عَنْ
رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ، مِثْلَ ذَلِكَ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: حَدِيثُ قُرَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ غَرِيبٌ،
وَأَمَّا مِنْ رِوَايَةِ رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ، فَرَوَاهَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ
كَذَلِكَ. ثُمَّ أَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ الْبَرْبَرِيِّ وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ
رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ بِهِ. قَالَ: وَالْمَحْفُوظُ عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ:
سِتُّونَ.
ثُمَّ أَوْرَدَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ،
وَمِسْعَرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ
طَهْمَانَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، وَأَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيِّ،
وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَدَنِيِّ، كُلُّهُمْ عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ
ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، ثَنَا
أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، ثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا أَبُو
مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، ثَنَا أَبُو
غَالِبٍ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:بِسِنِّ أَيِّ
الرِّجَالِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذْ بُعِثَ ؟ قَالَ: كَانَ ابْنَ أَرْبَعِينَ
سَنَةً. قَالَ: ثُمَّ كَانَ مَاذَا ؟ قَالَ: كَانَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ،
وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، فَتَمَّتْ لَهُ سِتُّونَ سَنَةً يَوْمَ قَبَضَهُ
اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ كَأَشَدِّ الرِّجَالِ وَأَحْسَنِهِ وَأَجْمَلِهِ
وَأَلْحَمِهِ. وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ
الْوَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ بِهِ.
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الرَّازِيِّ
الْمُلَقَّبِ بِزُنَيْجٍ، عَنْ حَكَّامِ بْنِ سَلْمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ
زَائِدَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:قُبِضَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ،
وَقُبِضَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَقُبِضَ عُمَرُ وَهُوَ
ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ.
وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ
عَنْ أَنَسٍ ; لِأَنَّ الْعَرَبَ كَثِيرًا مَا تَحْذِفُ الْكَسْرَ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ،
عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ:تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيِّبِ مِثْلَهُ.
وَرَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَعُقَيْلٌ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، وَابْنُ
جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:تُوُفِّيَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ
وَسِتِّينَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ مِثْلَ
ذَلِكَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ
سِنِينَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا. لَمْ يُخَرِّجْهُ
مُسْلِمٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ ": ثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ:قُبِضَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَأَبُو
بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَعُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ
وَسِتِّينَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ،
وَهُوَ مِنْ
أَفْرَادِهِ دُونَ الْبُخَارِيِّ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ،
وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ جَرِيرٍ عَنْ
مُعَاوِيَةَ، وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَامِرِ بْنِ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيِّ،
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، فَذَكَرَهُ.
وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاضِي أَبِي يُوسُفَ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَتُوُفِّيَ
أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَتُوُفِّيَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ
ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ:تَذَاكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو
بَكْرٍ مِيلَادَهُمَا عِنْدِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَكْبَرَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَتُوُفِّيَ أَبُو
بَكْرٍ بَعْدَهُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ وَهُمْ بَنُو ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ.
وَقَالَ حَنْبَلٌ: حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ
عَشْرًا، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا. وَهَذَا غَرِيبٌ عَنْهُ، وَصَحِيحٌ إِلَيْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا هُشَيْمٍ، ثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ: نُبِّئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكَثَ ثَلَاثَ سِنِينَ، ثُمَّ بُعِثَ
إِلَيْهِ جِبْرِيلُ
بِالرِّسَالَةِ، ثُمَّ مَكَثَ بَعْدَ
ذَلِكَ عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقُبِضَ وَهُوَ ابْنُ
ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: الثَّبْتُ
عِنْدَنَا ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً.
قُلْتُ: وَهَكَذَا رَوَى مُجَاهِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَرَوِيَ مِنْ حَدِيثِ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْهُ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ
زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ بِمَكَّةَ
ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ
أَيْضًا، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:بُعِثَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَرْبَعِينَ سَنَةً،
فَمَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَهَاجَرَ
عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدِ،
وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ
هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
فَذَكَرَ مِثْلَهُ. ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ
ذَلِكَ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ
بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ يُوحَى
إِلَيْهِ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ
سَنَةً.
وَقَدْ أَسْنَدَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ سَلْمِ بْنِ جُنَادَةَ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ:تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ
ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَشْهَرُ،
وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ،
حَدَّثَنِي عَمَّارٌ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ
يَقُولُ:تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ
ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ خَالِدٍ
الْحَذَّاءِ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ
عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَقَامَ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ; ثَمَانِ
سِنِينَ أَوْ سَبْعًا يَرَى الضَّوْءَ وَيَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَثَمَانِيًا أَوْ
سَبْعًا يُوحَى إِلَيْهِ، وَأَقَامَ
بِالْمَدِينَةِ عَشْرًا. وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ،
ثَنَا يُونُسُ، عَنْ عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ قَالَ:سَأَلْتُ ابْنَ
عَبَّاسٍ: كَمْ أَتَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
مَاتَ ؟ قَالَ: مَا كُنْتُ أُرَى مِثْلَكَ فِي قَوْمِهِ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ !
قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي قَدْ سَأَلْتُ فَاخْتُلِفَ عَلَيَّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ
أَعْلَمَ قَوْلَكَ فِيهِ. قَالَ أَتَحْسُبُ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: أَمْسِكْ ;
أَرْبَعِينَ بُعِثَ لَهَا، وَخَمْسَ عَشْرَةَ أَقَامَ بِمَكَّةَ يَأْمَنُ
وَيَخَافُ، وَعَشْرًا مُهَاجَرُهُ بِالْمَدِينَةِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ
مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، كِلَاهُمَا عَنْ
يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، ثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ
صَالِحٍ، ثَنَا الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍأَنَّ
رَجُلًا أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرًا بِمَكَّةَ، وَعَشْرًا بِالْمَدِينَةِ ؟ فَقَالَ: مَنْ
يَقُولُ ذَلِكَ ؟ لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ،
وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا ; خَمْسًا وَسِتِّينَ وَأَكْثَرَ. وَهَذَا مِنْ
أَفْرَادِ أَحْمَدَ إِسْنَادًا وَمَتْنًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا هُشَيْمٌ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ
يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. تَفَرَّدَ
بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ " الشَّمَائِلِ "، وَأَبُو
يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ
مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنِ
الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ دَغْفَلِ بْنِ حَنْظَلَةَ الشَّيْبَانِيِّ
النَّسَّابَةِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ وَهُوَ
ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ. ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: دَغْفَلٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ
سَمَاعٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ فِي
زَمَانِهِ رَجُلًا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ عَمَّارٍ
وَمَنْ تَابَعَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: فِي ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. أَصَحُّ، فَهُمْ أَوْثَقُ وَأَكْثَرُ،
وَرِوَايَتُهُمْ تُوَافِقُ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَنَسٍ، وَالرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ
عَنْ مُعَاوِيَةَ، وَهِيَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَامِرٍ
الشَّعْبِيِّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
قُلْتُ: وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَالْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ.
وَمِنَ الْأَقْوَالِ الْغَرِيبَةِ مَا رَوَاهُ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ عَنْ
مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ
سَنَةً. وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى،
عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ. وَرَوَاهُ
زَيْدٌ الْعَمِّيُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَنَسٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَائِذٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ
حُمَيْدٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ
الْمُنْذِرِ الْغَسَّانِيِّ، عَنْ
مَكْحُولٍ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً وَأَشْهَرٍ.
وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَكَّارٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ مَكْحُولٍ
قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ
اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً وَنِصْفٍ.
وَأَغْرَبُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ رَوْحٍ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: نَزَلَ
الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِي
سِنِينَ بِمَكَّةَ، وَعَشْرًا بَعْدَ مَا هَاجَرَ. فَإِنْ كَانَ الْحَسَنُ مِمَّنْ
يَقُولُ بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَهُوَ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،
أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَعُمُرُهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً، فَقَدْ ذَهَبَ إِلَى
أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، عَاشَ ثَمَانِيًا وَخَمْسِينَ سَنَةً.
وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا.
لَكِنْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ
الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً.
وَقَالَ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ
الْحَسَنِ قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
ابْنُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرًا، وَبِالْمَدِينَةِ
ثَمَانِيًا، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. وَهَذَا بِهَذِهِ
الصِّفَةِ غَرِيبٌ جِدًّا.
صِفَةُ غَسْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ
قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، اشْتَغَلُوا بِبَيْعَةِ
الصِّدِّيقِ بَقِيَّةَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَبَعْضَ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ،
فَلَمَّا تَمَهَّدَتْ وَتَوَطَّدَتْ وَتَمَّتْ، شَرَعُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي
تَجْهِيزِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُقْتَدِينَ فِي
كُلِّ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ بِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ أَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى
جِهَازِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَدُفِنَ لَيْلَةَ
الْأَرْبِعَاءِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا
أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:لَمَّا أَخَذُوا فِي غَسْلِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ الدَّاخِلِ أَنْ لَا
تُجَرِّدُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ،
وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ يَزِيدَ التَّمِيمِيُّ، كُوفِيٌّ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ:لَمَّا
أَرَادُوا غَسْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: مَا
نَدْرِي أَنُجَرِّدُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا، أَمْ نُغَسِّلُهُ،
وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ ؟ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمُ
النَّوْمَ، حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا وَذَقَنُهُ فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ
كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لَا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ، أَنْ
غَسِّلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ
ثِيَابُهُ. فَقَامُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَغَسَّلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ، يَصُبُّونَ الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ
فَيُدَلِّكُونَهُ بِالْقَمِيصِ دُونَ أَيْدِيهِمْ، فَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ:
لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا نِسَاؤُهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، ثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: اجْتَمَعَ الْقَوْمُ لِغَسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ إِلَّا أَهْلُهُ ; عَمُّهُ الْعَبَّاسُ
بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلُ بْنُ
عَبَّاسٍ، وَقُثَمُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ،
وَصَالِحٌ مَوْلَاهُ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا لِغَسْلِهِ نَادَى مِنْ وَرَاءِ
الْبَابِ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ، أَحَدُ بَنِي عَوْفِ بْنِ
الْخَزْرَجِ، وَكَانَ بَدْرِيًّا، عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا
عَلِيُّ، نَشَدْتُكَ اللَّهَ وَحَظَّنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: ادْخُلْ. فَدَخَلَ، فَحَضَرَ غَسْلَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَلِ مِنْ غَسْلِهِ شَيْئًا،
فَأَسْنَدَهُ عَلِيٌّ إِلَى صَدْرِهِ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ
وَفَضْلٌ وَقُثَمُ يُقَلِّبُونَهُ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ
وَصَالِحٌ مَوْلَاهُمَا يَصُبَّانِ الْمَاءَ، وَجَعَلَ عَلِيٌّ يَغْسِلُهُ، وَلَمْ
يَرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
شَيْئًا مِمَّا يَرَاهُ مِنَ الْمَيِّتِ وَهُوَ يَقُولُ: بِأَبِي وَأُمِّي، مَا
أَطْيَبَكَ حَيًّا وَمَيِّتًا. حَتَّى إِذَا فَرَغُوا مِنْ غَسْلِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يُغَسَّلُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ،
جَفَّفُوهُ ثُمَّ صُنِعَ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِالْمَيِّتِ، ثُمَّ أُدْرِجَ فِي ثَلَاثَةِ
أَثْوَابٍ ; ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ، وَبُرَدِ حِبَرَةٍ. قَالَ: ثُمَّ دَعَا
الْعَبَّاسُ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ: لِيَذْهَبْ أَحَدُكُمَا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ
بْنِ الْجَرَّاحِ - وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَضْرُحُ لِأَهْلِ مَكَّةَ -
وَلْيَذْهَبِ الْآخَرُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيِّ. وَكَانَ
أَبُو طَلْحَةَ يَلْحَدُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ الْعَبَّاسُ
حِينَ سَرَّحَهُمَا: اللَّهُمَّ خِرْ لِرَسُولِكَ. قَالَ: فَذَهَبَا فَلَمْ يَجِدْ
صَاحِبُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَبَا عُبَيْدَةَ، وَوَجَدَ صَاحِبُ أَبِي طَلْحَةَ
أَبَا طَلْحَةَ فَجَاءَ بِهِ، فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنِ
الْعِلْبَاءِ بْنِ أَحْمَرَ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ يُغَسِّلَانِ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنُودِيَ عَلِيٌّ: ارْفَعْ
طَرْفَكَ إِلَى السَّمَاءِ. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى بَعْضُ أَهْلِ السُّنَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: " يَا
عَلِيُّ، لَا تَبِدْ فَخِذَكَ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ
" وَهَذَا فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَمْرِهِ لَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
يَعْقُوبَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ،
ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ
عَلِيٌّ:غَسَّلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَهَبْتُ
أَنْظُرُ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَيِّتِ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَكَانَ طَيِّبًا
حَيًّا وَمَيِّتًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ فِي " الْمَرَاسِيلِ " وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ
بِهِ. زَادَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ
وَقَدْ وَلِيَ دَفْنُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَرْبَعَةٌ عَلِيٌّ،
وَالْعَبَّاسُ، وَالْفَضْلُ، وَصَالِحٌ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَحَدَوَا لَهُ لَحْدًا، وَنَصَبُوا عَلَيْهِ اللَّبِنَ
نَصْبًا.
وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعَيْنِ، مِنْهُمْ ;
عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ،
وَغَيْرُهُمْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ يَطُولُ بَسْطُهَا هَاهُنَا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَى أَبُو عَمْرٍو كَيْسَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ
بِلَالٍ، سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ:أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُغَسِّلَهُ أَحَدٌ غَيْرِي فَإِنَّهُ لَا يَرَى
أَحَدٌ عَوْرَتِي إِلَّا طُمِسَتْ عَيْنَاهُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَكَانَ الْعَبَّاسُ
وَأُسَامَةُ يُنَاوِلَانِي الْمَاءَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَمَا
تَنَاوَلْتُ عُضْوًا إِلَّا كَأَنَّهُ يُقَلِّبُهُ مَعِي ثَلَاثُونَ رَجُلًا،
حَتَّى فَرَغْتُ مِنْ غَسْلِهِ.
وَقَدْ أَسْنَدَ هَذَا الْحَدِيثَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي "
مُسْنَدِهِ "، فَقَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ،
ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ النُّعْمَانِ، ثَنَا كَيْسَانُ أَبُو عَمْرٍو، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ بِلَالٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ:أَوْصَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُغَسِّلَهُ أَحَدٌ غَيْرِي ; " فَإِنَّهُ لَا
يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتِي إِلَّا طُمِسَتْ عَيْنَاهُ ". قَالَ عَلِيٌّ: فَكَانَ
الْعَبَّاسُ وَأُسَامَةُ يُنَاوِلَانِي الْمَاءَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ. قُلْتُ:
هَذَا غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، ثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، ثَنَا أَسِيدُ بْنُ عَاصِمٍ، ثَنَا الْحُسَيْنُ
بْنُ حَفْصٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ، سَمِعْتُ
مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ أَبَا جَعْفَرٍ قَالَ:غُسِّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسِّدْرِ ثَلَاثًا، وَغُسِّلَ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ،
وَغُسِّلَ مِنْ بِئْرٍ كَانَ يُقَالُ لَهُ: الْغَرْسُ. بِقُبَاءٍ كَانَتْ لِسَعْدِ
بْنِ خَيْثَمَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَشْرَبُ مِنْهَا، وَوَلِيَ غَسْلُهُ عَلِيٌّ، وَالْفَضْلُ مُحْتَضِنُهُ،
وَالْعَبَّاسُ يَصُبُّ الْمَاءَ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَقُولُ: أَرِحْنِي قَطَعْتَ
وَتِينِي، إِنِّي لِأَجِدُ شَيْئًا يَتَرَطَّلُ عَلَيَّ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَكَمِيُّ، عَنْ
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نِعْمَ الْبِئْرُ بِئْرُ غَرْسٍ هِيَ مِنْ عُيُونِ
الْجَنَّةِ، وَمَاؤُهَا أَطْيَبُ الْمِيَاهِ " وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ
يُسْتَعْذَبُ لَهُ مِنْهَا، وَغُسِّلَ مِنْ بِئْرِ غَرْسٍ.
وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: لَمَّا فُرِغَ مِنَ الْقَبْرِ
وَصَلَّى النَّاسُ الظُّهْرَ، أَخَذَ الْعَبَّاسُ فِي غَسْلِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ كِلَّةً مِنْ ثِيَابٍ
يَمَانِيَةٍ صِفَاقٍ فِي جَوْفِ الْبَيْتِ، فَدَخَلَ الْكِلَّةَ، وَدَعَا عَلِيًّا
وَالْفَضْلَ، فَكَانَ إِذَا ذَهَبَ إِلَى الْمَاءِ لِيُعَاطِيَهُمَا دَعَا أَبَا
سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ فَأَدْخَلَهُ، وَرِجَالٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ
وَرَاءِ الْكِلَّةِ وَمَنْ أُدْخِلَ مِنَ الْأَنْصَارِ حَيْثُ نَاشَدُوا أَبِي
وَسَأَلُوهُ، مِنْهُمْ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
أَجْمَعِينَ.
ثُمَّ قَالَ سَيْفٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ يَرْبُوعٍ الْحَنَفِيِّ، عَنْ مَاهَانَ
الْحَنَفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ ضَرَبَ الْكِلَّةِ، وَأَنَّ
الْعَبَّاسَ أَدْخَلَ فِيهَا عَلِيًّا وَالْفَضْلَ وَأَبَا سُفْيَانَ وَأُسَامَةَ،
وَرِجَالٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ وَرَاءِ الْكِلَّةِ فِي الْبَيْتِ، فَذَكَرَ
أَنَّهُمْ أُلْقِيَ عَلَيْهِمُ النُّعَاسُ، فَسَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ: لَا
تُغَسِّلُوا رَسُولَ اللَّهِ ; فَإِنَّهُ كَانَ طَاهِرًا. فَقَالَ الْعَبَّاسُ:
أَلَا بَلَى. وَقَالَ أَهْلُ الْبَيْتِ: صَدَقَ، فَلَا تُغَسِّلُوهُ. فَقَالَ
الْعَبَّاسُ: لَا نَدَعُ سُنَّتَهُ لِصَوْتٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ. وَغَشِيَهُمُ
النُّعَاسُ ثَانِيَةً فَنَادَاهُمْ أَنْ غَسِّلُوهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ. فَقَالَ
أَهْلُ الْبَيْتِ: أَلَا لَا. وَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَلَا نَعَمْ. فَشَرَعُوا فِي
غَسْلِهِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ وَمِجْوَلٌ مَفْتُوحٌ، فَغَسَّلُوهُ بِالْمَاءِ
الْقَرَاحِ، وَطَيَّبُوهُ بِالْكَافُورِ فِي مَوَاضِعِ سُجُودِهِ وَمَفَاصِلِهِ،
وَاعْتُصِرَ قَمِيصُهُ وَمِجْوَلُهُ، ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ،
وَجَمَّرُوهُ عُودًا وَنَدًّا، ثُمَّ احْتَمَلُوهُ حَتَّى وَضَعُوهُ عَلَى
سَرِيرِهِ، وَسَجَّوْهُ. وَهَذَا السِّيَاقُ فِيهِ غَرَابَةٌ جِدًّا.
فَصْلٌ فِي صِفَةِ كَفَنِهِ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا
الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ:أُدْرِجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبِ
حِبَرَةٍ ثُمَّ أُخِذَ عَنْهُ. قَالَ الْقَاسِمُ: إِنَّ بَقَايَا ذَلِكَ الثَّوْبِ
لِعِنْدِنَا بَعْدُ. وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَإِنَّمَا
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالنَّسَائِيِّ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، وَمُجَاهِدِ بْنِ مُوسَى، فَرَّقَهُمَا، كُلُّهُمْ عَنِ
الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ:
ثَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ:كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ
أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ، وَلَا عِمَامَةٌ. وَكَذَا
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِكٍ
بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ:كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ بَيْضٍ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، كِلَاهُمَا
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا قُتَيْبَةُ، ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ
يَمَانِيَةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ. قَالَ:
فَذُكِرَ لِعَائِشَةَ قَوْلُهُمْ: فِي ثَوْبَيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ. فَقَالَتْ:
قَدْ أُتِيَ بِالْبُرْدِ، وَلَكِنَّهُمْ رَدُّوهُ وَلَمْ يُكَفِّنُوهُ فِيهِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حَفْصِ
بْنِ غِيَاثٍ بِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،
أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
سَلَمَةَ، ثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ
بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ
مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ، فَأَمَّا الْحُلَّةُ فَإِنَّمَا
شُبِّهَ عَلَى النَّاسِ فِيهَا، إِنَّمَا اشْتُرِيَتْ لَهُ حُلَّةٌ، لِيُكَفَّنَ
فِيهَا، فَتُرِكَتْ، فَأَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ:
لَأَحْبِسَنَّهَا لِنَفْسِي ; حَتَّى أُكَفَّنَ فِيهَا. ثُمَّ قَالَ: لَوْ
رَضِيَهَا
اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَفَّنَهُ فِيهَا. فَبَاعَهَا وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي " الصَّحِيحِ "، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى،
وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ.
ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ
بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي بُرْدِ حِبَرَةٍ كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ،
وَلُفَّ فِيهَا، ثُمَّ نُزِعَتْ عَنْهُ، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
قَدْ أَمْسَكَ تِلْكَ الْحُلَّةَ لِنَفْسِهِ ; حَتَّى يُكَفَّنَ فِيهَا إِذَا
مَاتَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ أَمْسَكَهَا: مَا كُنْتُ أُمْسِكُ لِنَفْسِي
شَيْئًا مَنَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
يُكَفَّنَ فِيهِ. فَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا عَبْدُ اللَّهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا
مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:كُفِّنَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ
سَحُولِيَّةٍ بَيْضٍ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ،
عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مِسْكِينُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ،
يَعْنِي ابْنَ
عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: قَالَ
مَكْحُولٌ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةٍ رِيَاطٍ يَمَانِيَةٍ. انْفَرَدَ
بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: ثَنَا سَهْلُ بْنُ حَبِيبٍ الْأَنْصَارِيُّ،
ثَنَا عَاصِمُ بْنُ هِلَالٍ إِمَامُ مَسْجِدِ أَيُّوبَ، ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ.
وَقَالَ سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي
ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ. وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: ثَوْبَيْنِ
صُحَارِيَّيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، ثَنَا يَزِيدُ، عَنْ
مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ ; فِي قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ،
وَحُلَّةٍ نَجْرَانِيَّةٍ، الْحُلَّةُ ثَوْبَانِ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي
شَيْبَةَ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي
زِيَادٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ. وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا
سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ:كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ، وَبُرْدٍ أَحْمَرَ. انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، ثَنَا
حُمَيْدُ بْنُ الرَّبِيعِ، ثَنَا بَكْرٌ، يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثَنَا
عِيسَى، يَعْنِي ابْنَ الْمُخْتَارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
هُوَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ
بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ، وَبُرْدٍ أَحْمَرَ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُونِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ
أَبِي الْهَيْثَمِ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ قَالَ:كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ سَحُولِيَّيْنِ. زَادَ فِيهِ مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: وَبُرْدٍ أَحْمَرَ.
وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ
أَبِي إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ قَالَ:كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ. وَفِي رِوَايَةٍ:
سَحُولِيَّيْنِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي طَاهِرٍ الْمُخَلِّصِ،
ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْبُهْلُولِ، ثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ،
ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ:وَقَعْتُ عَلَى مَجْلِسِ بَنِي عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ، فَقُلْتُ لَهُمْ: فِي كَمْ كُفِّنَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالُوا: فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ
لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا قَبَاءٌ وَلَا عِمَامَةٌ. قُلْتُ: كَمْ أُسِرَ
مِنْكُمْ يَوْمَ بَدْرٍ ؟ قَالُوا: الْعَبَّاسُ وَنَوْفَلٌ وَعَقِيلٌ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
الْحُسَيْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ أَنَّهُ قَالَ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ ; أَحَدُهَا بُرْدُ حِبَرَةٍ.
وَقَدْ سَاقَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقٍ فِي صِحَّتِهَا نَظَرٌ،
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كَفَّنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبَيْنِ سَحُولِيَّيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ
الْأَعْرَابِيِّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْوَلِيدِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
كَثِيرٍ، ثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي رَيْطَتَيْنِ وَبُرْدٍ نَجْرَانِيٍّ. وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ هِشَامٍ، وَعِمْرَانَ الْقَطَّانِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى، ثَنَا
نَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ثَنَا ابْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي
ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ، أَحَدُهَا بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَفِيمَا رُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ بَيَانُ سَبَبِ
الِاشْتِبَاهِ عَلَى النَّاسِ ; وَأَنَّ الْحِبَرَةَ أُخِّرَتْ عَنْهُ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
ثُمَّ رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ
بْنِ خُزَيْمَةَ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ
حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ، عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ
هَارُونَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ مِسْكٌ، فَأَوْصَى أَنْ
يُحَنَّطَ بِهِ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ فَضْلِ حَنُوطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى،
عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ حَسَنٍ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَهُ.
فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ
عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ
الْأَشْعَثِ بْنِ طَلِيقٍ، وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ،
كِلَاهُمَا عَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍفِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغَسِّلَهُ رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَأَنَّهُ
قَالَ: كَفِّنُونِي فِي ثِيَابِي هَذِهِ، أَوْ فِي يَمَنِيَّةٍ أَوْ بَيَاضِ
مِصْرَ وَأَنَّهُ إِذَا كَفَّنُوهُ يَضَعُونَهُ عَلَى شَفِيرِ قَبْرِهِ، ثُمَّ
يَخْرُجُونَ عَنْهُ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ، ثُمَّ يَدْخُلُ
عَلَيْهِ رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ النَّاسُ
بَعْدَهُمْ فُرَادَى. الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ، وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ كَمَا قَدَّمْنَا.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ:لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُدْخِلَ الرِّجَالُ،
فَصَلَّوْا عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِمَامٍ أَرْسَالًا حَتَّى فَرَغُوا، ثُمَّ أُدْخِلَ
النِّسَاءُ فَصَلَّيْنَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُدْخِلَ الصِّبْيَانُ فَصَلَّوْا
عَلَيْهِ، ثُمَّ أُدْخِلَ الْعَبِيدُ فَصَلَّوْا عَلَيْهِ أَرْسَالًا، لَمْ
يَؤُمَّهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ
سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ قَالَ: لَمَّا أُدْرِجَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَكْفَانِهِ وُضِعَ عَلَى
سَرِيرِهِ، ثُمَّ وُضِعَ عَلَى شَفِيرِ حُفْرَتِهِ، ثُمَّ كَانَ النَّاسُ
يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ رُفَقَاءَ رُفَقَاءَ لَا يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:
وَجَدْتُ كِتَابًا بِخَطِّ أَبِي فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَمَعَهُمَا نَفَرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ الْبَيْتُ فَقَالَا: السَّلَامُ عَلَيْكَ
أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرُونَ
وَالْأَنْصَارُ كَمَا سَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، ثُمَّ صُفُّوا صُفُوفًا لَا
يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَهُمَا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ
حِيَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ إِنَّا
نَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ، وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ،
وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أَعَزَّ اللَّهُ تَعَالَى دِينَهُ وَتَمَّتْ
كَلِمَتُهُ، وَأُومِنَ بِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَاجْعَلْنَا إِلَهَنَا
مِمَّنْ يَتَّبِعُ الْقَوْلَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ، وَاجْمَعْ بَيْنَنَا
وَبَيْنَهُ حَتَّى تُعَرِّفَهُ بِنَا وَتُعَرِّفَنَا بِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ
بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفًا رَحِيمًا، لَا نَبْتَغِي بِالْإِيمَانِ بَدَلًا وَلَا
نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا أَبَدًا. فَيَقُولُ النَّاسُ: آمِينَ آمِينَ.
وَيَخْرُجُونَ وَيَدْخُلُ آخَرُونَ حَتَّى صَلَّى الرِّجَالُ، ثُمَّ النِّسَاءُ،
ثُمَّ الصِّبْيَانُ.
وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُمْ صَلَّوْا عَلَيْهِ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ يَوْمَ
الِاثْنَيْنِ إِلَى مِثْلِهِ مِنْ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ
مَكَثُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ. كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ
قَرِيبًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا الصَّنِيعُ، وَهُوَ
صَلَاتُهُمْ عَلَيْهِ فُرَادَى لَمْ يَؤُمَّهُمْ أَحَدٌ عَلَيْهِ، أَمْرٌ مُجْمَعٌ
عَلَيْهِ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِهِ ; فَلَوْ صَحَّ
الْحَدِيثُ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَكَانَ نَصًّا فِي
ذَلِكَ، وَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّعَبُّدِ الَّذِي يَعْسُرُ تَعَقُّلِ مَعْنَاهُ،
وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّهُمْ إِنَّمَا صَلَّوْا عَلَيْهِ كَذَلِكَ ;
لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِمَامٌ. لِأَنَّا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُمْ
إِنَّمَا شَرَعُوا فِي تَجْهِيزِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بَعْدَ
تَمَامِ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَقَدْ قَالَ
بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّمَا لَمْ يَؤُمَّهُمْ أَحَدٌ ; لِيُبَاشِرَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَلِتُكَرَّرَ
صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، مِنْ كُلِّ فَرْدٍ
فَرْدٍ مِنْ آحَادِ الصَّحَابَةِ، رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ
حَتَّى الْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ.
وَأَمَّا السُّهَيْلِيُّ فَقَالَ مَا حَاصِلُهُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَخْبَرَ
أَنَّهُ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ ; فَوَجَبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ
يُبَاشِرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ بَعْدَ
مَوْتِهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. قَالَ: وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَنَا
فِي ذَلِكَ أَئِمَّةٌ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي
مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى قَبْرِهِ لِغَيْرِ الصَّحَابَةِ ; فَقِيلَ:
نَعَمْ ; لِأَنَّ جَسَدَهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ طَرِيٌّ فِي
قَبْرِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ
الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا وَرَدَ
بِذَلِكَ الْحَدِيثُ فِي السُّنَنِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ كَالْمَيِّتِ الْيَوْمَ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَفْعَلُ ; لِأَنَّ السَّلَفَ مِمَّنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَفْعَلُوهُ، وَلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَبَادَرُوا إِلَيْهِ وَلَثَابَرُوا عَلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ فِي صِفَةِ دَفْنِهِ، عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَأَيْنَ دُفِنَ، وَذِكْرِ الْخِلَافِ فِي دَفْنِهِ
لَيْلًا كَانَ أَمْ نَهَارًا
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ،
أَخْبَرَنِي أَبِي - وَهُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جُرَيْجٍ - أَنَّ أَصْحَابَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَدْرُوا أَيْنَ يَقْبُرُونَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَمْ
يُقْبَرْ نَبِيٌّ إِلَّا حَيْثُ يَمُوتُ " فَأَخَّرُوا فِرَاشَهُ، وَحَفَرُوا
لَهُ تَحْتَ فِرَاشِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذَا فِيهِ
انْقِطَاعٌ بَيْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ وَبَيْنَ الصِّدِّيقِ،
فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ.
لَكِنْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَعَائِشَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَقَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الْهَرَوِيُّ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ:اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حِينَ قُبِضَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يُقْبَضُ النَّبِيُّ إِلَّا فِي أَحَبِّ
الْأَمْكِنَةِ إِلَيْهِ " فَقَالَ: ادْفِنُوهُ حَيْثُ قُبِضَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ،
عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
بَكْرٍ الْمُلَيْكِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي
دَفْنِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مَا نَسِيتُهُ. قَالَ: " مَا قَبَضَ اللَّهُ
نَبِيًّا إِلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ "
ادْفِنُوهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ. ثُمَّ إِنَّ التِّرْمِذِيَّ ضَعَّفَ
الْمُلَيْكِيَّ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا
الْوَجْهِ، رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْأُمَوِيُّ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّهُ لَمْ يُدْفَنْ نَبِيٌّ قَطُّ إِلَّا
حَيْثُ قُبِضَ ".
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ
التَّمِيمِيُّ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ:كَانَ بِالْمَدِينَةِ حَفَّارَانِ، فَلَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: أَيْنَ نَدْفِنُهُ ؟ فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي الْمَكَانِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ. وَكَانَ
أَحَدُهُمَا يُلْحِدُ وَالْآخِرُ يَشُقُّ، فَجَاءَ الَّذِي يُلْحِدُ فَلَحَدَ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكُ بْنُ
أَنَسٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ مُنْقَطِعًا.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مِهْرَانَ ثَنَا عَبْدُ
الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَرَادُوا
أَنْ يَحْفِرُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ يَضْرَحُ
كَحَفْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ هُوَ الَّذِي
كَانَ يَحْفِرُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ يُلْحِدُ، فَدَعَا الْعَبَّاسُ
رَجُلَيْنِ، فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا: اذْهَبْ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ. وَلِلْآخَرِ:
اذْهَبْ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ. اللَّهُمَّ خِرْ لِرَسُولِكَ. قَالَ: فَوَجَدَ
صَاحِبُ أَبِي طَلْحَةَ أَبَا طَلْحَةَ، فَجَاءَ بِهِ، فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ جَهَازِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ
فِي بَيْتِهِ، وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ ; فَقَالَ قَائِلٌ:
نَدْفِنُهُ فِي مَسْجِدِهِ. وَقَالَ قَائِلٌ: نَدْفِنُهُ مَعَ أَصْحَابِهِ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ " مَا قُبِضَ نَبِيٌّ إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ قُبِضَ "
فَرُفِعَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي
تُوُفِّيَ فِيهِ فَحَفَرُوا لَهُ تَحْتَهُ، ثُمَّ أُدْخِلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ أَرْسَالًا ;
الرِّجَالُ حَتَّى إِذَا فُرِغَ مِنْهُمْ أُدْخِلَ النِّسَاءُ، حَتَّى إِذَا
فَرَغَ النِّسَاءُ أُدْخِلَ الصِّبْيَانُ، وَلَمْ يَؤُمَّ النَّاسَ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ فَدُفِنَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَوْسَطِ اللَّيْلِ لَيْلَةِ
الْأَرْبِعَاءِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ، عَنْ
وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فَذَكَرَ
بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. وَزَادَ فِي آخِرِهِ:وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ عَلِيُّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ ابْنَا الْعَبَّاسِ، وَشُقْرَانُ
مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَوْسُ بْنُ
خَوْلِيٍّ، وَهُوَ أَبُو لَيْلَى لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ:
أَنْشُدُكَ اللَّهَ وَحَظَّنَا مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: انْزِلْ.
وَكَانَ شُقْرَانُ مَوْلَاهُ أَخَذَ قَطِيفَةً كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا فَدَفَنَهَا فِي الْقَبْرِ، وَقَالَ:
وَاللَّهِ لَا يَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَكَ. فَدُفِنَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ
حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ
مُخْتَصَرًا. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ بِهِ.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ
الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا
قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ قُبِضَ ".
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُصَيْنِ
أَوْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ، فَقَالُوا:
كَيْفَ نَدْفِنُهُ ; مَعَ النَّاسِ أَوْ فِي بُيُوتِهِ ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:
إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
" مَا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ قُبِضَ " فَدُفِنَ
حَيْثُ كَانَ فِرَاشُهُ، رُفِعَ الْفِرَاشُ وَحُفِرَ تَحْتَهُ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَخْنَسِيِّ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ، يَعْنِي ابْنَ يَرْبُوعٍ، قَالَ: لَمَّا
تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ
قَبْرِهِ ; فَقَالَ قَائِلٌ: فِي الْبَقِيعِ فَقَدْ كَانَ يُكْثِرُ الِاسْتِغْفَارَ
لَهُمْ. وَقَالَ قَائِلٌ: عِنْدَ مِنْبَرِهِ. وَقَالَ قَائِلٌ: فِي مُصَلَّاهُ.
فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا خَبَرًا وَعِلْمًا ;
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا
قُبِضَ نَبِيٌّ إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ تُوُفِّيَ " قَالَ الْحَافِظُ
الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ
مُحَمَّدٍ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِيهِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي
بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُرْسَلًا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطِ
بْنِ شَرِيطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ
الصُّفَّةِ، قَالَ:دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ ثُمَّ خَرَجَ، فَقِيلَ لَهُ: تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَعَمْ. فَعَلِمُوا أَنَّهُ
كَمَا قَالَ، وَقِيلَ لَهُ: أَنُصَلِّي عَلَيْهِ ؟ وَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْهِ ؟
قَالَ تَجِيئُونَ عُصَبًا عُصَبًا فَتُصَلُّونَ. فَعَلِمُوا أَنَّهُ كَمَا قَالَ،
قَالُوا: هَلْ يُدْفَنُ ؟ وَأَيْنَ ؟ قَالَ: حَيْثُ قَبَضَ اللَّهُ رُوحَهُ،
فَإِنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ رُوحَهُ إِلَّا فِي مَكَانٍ طَيِّبٍ. فَعَلِمُوا أَنَّهُ
كَمَا قَالَ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:عَرَضَتْ
عَائِشَةُ عَلَى أَبِيهَا رُؤْيَا، وَكَانَ
مِنْ أَعْبَرِ النَّاسِ، قَالَتْ:
رَأَيْتُ ثَلَاثَةَ أَقْمَارٍ وَقَعْنَ فِي حِجْرِي فَقَالَ لَهَا: إِنْ صَدَقَتْ
رُؤْيَاكِ دُفِنَ فِي بَيْتِكِ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ ثَلَاثَةٌ. فَلَمَّا
قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا عَائِشَةُ
هَذَا خَيْرُ أَقْمَارِكِ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ
عَائِشَةَ مُنْقَطِعًا.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ:تُوُفِّيَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي،
وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ فِي آخِرِ
سَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا وَأَوَّلِ سَاعَةٍ مِنَ الْآخِرَةِ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ
هِلَالٍ الْوَزَّانِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ
يَقُولُ: " لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ; اتَّخَذُوا قُبُورَ
أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ " قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ
قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، ثَنَا هَاشِمُ بْنُ
الْقَاسِمِ، ثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلٌ يُلْحِدُ وَآخَرُ يَضْرَحُ،
فَقَالُوا: نَسْتَخِيرُ رَبَّنَا، وَنَبْعَثُ إِلَيْهِمَا، فَأَيُّهُمَا سُبِقَ
تَرَكْنَاهُ. فَأُرْسِلَ إِلَيْهِمَا فَسَبَقَ صَاحِبُ اللَّحْدِ،
فَلَحَدُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ بْنِ عُبَيْدَةَ
بْنِ زَيْدٍ، ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ طُفَيْلٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي
مُلَيْكَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:لَمَّا
مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي
اللَّحْدِ وَالشَّقِّ، حَتَّى تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ، وَارْتَفَعَتْ
أَصْوَاتُهُمْ فَقَالَ عُمَرُ: لَا تَصْخَبُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا. أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا،
فَأَرْسَلُوا إِلَى الشَّقَّاقِ وَاللَّاحِدِ جَمِيعًا، فَجَاءَ اللَّاحِدُ،
فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دُفِنَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا الْعُمَرِيُّ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أُلْحِدَ لَهُ لَحْدٌ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ، وَابْنِ
جَعْفَرٍ، ثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ:جُعِلَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطِيفَةٌ
حَمْرَاءُ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ شُعْبَةَ بِهِ. وَقَدْ
رَوَاهُ وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ. وَقَالَ وَكِيعٌ: كَانَ هَذَا خَاصًّا بِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْأَنْصَارِيُّ، ثَنَا أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيُّ عَنِ
الْحَسَنِ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُسِطَ
تَحْتَهُ سَمَلُ قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ كَانَ يَلْبَسُهَا قَالَ: وَكَانَتْ أَرْضًا
نِدِّيَّةً.
وَقَالَ هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: جُعِلَ فِي قَبْرِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ، كَانَ
أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ. قَالَ الْحَسَنُ: جَعَلَهَا لِأَنَّ الْمَدِينَةَ
أَرْضٌ سَبِخَةٌ. قَالَ: فَفُرِشَتْ تَحْتَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ، عَنْ
عُقْبَةَ بْنِ أَبِي الصَّهْبَاءِ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " افْرِشُوا لِي قَطِيفَتِي
فِي لَحْدِي ; فَإِنَّ الْأَرْضَ لَمْ
تُسَلَّطْ عَلَى أَجْسَادِ الْأَنْبِيَاءِ ".
وَرَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُسَدَّدٍ، ثَنَا عَبْدُ
الْوَاحِدِ، ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ
قَالَ:قَالَ عَلِيٌّ: غَسَّلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ إِلَى مَا يَكُونُ مِنَ الْمَيِّتِ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا،
وَكَانَ طَيِّبًا حَيًّا وَمَيِّتًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ:
وَوَلِيَ دَفْنَهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَإِجْنَانَهُ دُونَ
النَّاسِ أَرْبَعَةٌ ; عَلِيٌّ، وَالْعَبَّاسُ، وَالْفَضْلُ، وَصَالِحٌ مَوْلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلُحِدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْدٌ، وَنُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصْبًا.
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ نُصِبَ عَلَى لَحْدِهِ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تِسْعُ لَبِنَاتٍ.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْضُوعًا عَلَى سَرِيرِهِ مِنْ حِينِ
زَاغَتِ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ إِلَى أَنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ
الثُّلَاثَاءِ، يُصَلِّي النَّاسُ عَلَيْهِ وَسَرِيرُهُ عَلَى شَفِيرِ قَبْرِهِ،
فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَقْبُرُوهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَحَّوُا
السَّرِيرَ قِبَلَ رِجْلَيْهِ، فَأُدْخِلَ مِنْ هُنَاكَ، وَدَخَلَ فِي حُفْرَتِهِ
الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ وَقُثَمُ وَالْفَضْلُ وَشُقْرَانُ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ:دَخَلَ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ وَالْفَضْلُ، وَسَوَّى
لَحْدَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَهُوَ الَّذِي سَوَّى لُحُودَ قُبُورِ
الشُّهَدَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: صَوَابُهُ يَوْمَ أُحُدٍ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ رِوَايَةُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،
عَنْ عِكْرِمَةَ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الَّذِينَ نَزَلُوا فِي قَبْرِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ
وَشُقْرَانُ. وَذَكَرَ الْخَامِسَ، وَهُوَ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ، وَذَكَرَ
قِصَّةَ الْقَطِيفَةِ الَّتِي وَضَعَهَا فِي الْقَبْرِ شُقْرَانُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَنَا
أَبُو طَاهِرٍ الْمُحَمَّدَابَاذِيُّ، ثَنَا أَبُو قِلَابَةَ، ثَنَا أَبُو
عَاصِمٍ، ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مَرْحَبٍ قَالَ:
كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ ; أَحَدُهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَهَكَذَا
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ بِهِ. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ،
عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، حَدَّثَنِي مَرْحَبٌ أَوْ
أَبُو مَرْحَبٍ، أَنَّهُمْ أَدْخَلُوا مَعَهُمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ،
فَلَمَّا فَرَغَ
عَلِيٌّ قَالَ: إِنَّمَا يَلِي
الرَّجُلَ أَهْلُهُ. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ
قَوِيٌّ، وَلَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي " اسْتِيعَابِهِ "
أَبُو مَرْحَبٍ اسْمُهُ سُوَيْدُ بْنُ قَيْسٍ. وَذَكَرَ أَبَا مَرْحَبٍ آخَرَ،
وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ خَبَرَهُ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " الْغَابَةِ
": فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدَهُمَا أَوْ
ثَالِثًا غَيْرَهُمَا. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
ذِكْرُ مَنْ كَانَ آخَرَ النَّاسِ بِهِ عَهْدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَعْقُوبُ، ثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ
حَدَّثَنِي أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مِقْسَمٍ أَبِي الْقَاسِمِ مَوْلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ مَوْلَاهُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: اعْتَمَرْتُ مَعَ عَلِيٍّ فِي زَمَانِ عُمَرَ أَوْ زَمَانِ
عُثْمَانَ، فَنَزَلَ عَلَى أُخْتِهِ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمَّا
فَرَغَ مَنْ عُمْرَتِهِ رَجَعَ، فَسُكِبَ لَهُ غُسْلٌ فَاغْتَسَلَ، فَلَمَّا
فَرَغَ مَنْ غُسْلِهِ دَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالُوا:
يَا
أَبَا حَسَنٍ، جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ
عَنْ أَمْرٍ نُحِبُّ أَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ. قَالَ: أَظُنُّ الْمُغِيرَةَ بْنَ
شُعْبَةَ يُحَدِّثُكُمْ أَنَّهُ كَانَ أَحْدَثَ النَّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالُوا: أَجَلْ، عَنْ ذَلِكَ
جِئْنَا نَسْأَلُكَ. قَالَ:أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُثَمُ بْنُ عَبَّاسٍ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ
هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ بِهِ مِثْلَهُ سَوَاءً ; إِلَّا أَنَّهُ قَالَ قَبْلَهُ: عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ قَالَ:كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يَقُولُ: أَخَذْتُ خَاتَمِي
فَأَلْقَيْتُهُ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَقُلْتُ حِينَ خَرَجَ الْقَوْمُ: إِنَّ خَاتَمِي قَدْ سَقَطَ فِي الْقَبْرِ،
وَإِنَّمَا طَرَحْتُهُ عَمْدًا ; لِأَمَسَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكُونَ آخِرَ النَّاسِ عَهْدًا بِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَحَدَّثَنِي وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ
مِقْسَمٍ، عَنْ مَوْلَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: اعْتَمَرْتُ
مَعَ عَلِيٍّ. فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ عَنِ الْمُغِيرَةِ
بْنِ شُعْبَةَ، لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ مَا أَمَّلَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ
يَكُونُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنَ النُّزُولِ فِي
الْقَبْرِ بَلْ أَمَرَ غَيْرَهَ فَنَاوَلَهُ إِيَّاهُ، وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ يَكُونُ
الَّذِي أَمَرَهُ بِمُنَاوَلَتِهِ لَهُ قُثَمَ بْنَ عَبَّاسٍ.
وَقَدْ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي
الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُتْبَةَ قَالَ:أَلْقَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ خَاتَمَهُ فِي قَبْرِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّمَا
أَلْقَيْتُهُ لِتَقُولَ: نَزَلْتُ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. فَنَزَلَ فَأَعْطَاهُ،
أَوْ أَمَرَ رَجُلًا فَأَعْطَاهُ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ وَأَبُو كَامِلٍ قَالَا:
ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَبِي
عَسِيبٍ أَوْ أَبِي عَسِيمٍ، قَالَ بَهْزٌ:إِنَّهُ شَهِدَ الصَّلَاةَ عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالُوا: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْهِ
؟ قَالَ: ادْخُلُوا أَرْسَالًا أَرْسَالًا. فَكَانُوا يَدْخُلُونَ مِنْ هَذَا
الْبَابِ، فَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنَ الْبَابِ الْآخَرِ.
قَالَ: فَلَمَّا وُضِعَ فِي لَحْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
الْمُغِيرَةُ: قَدْ بَقِيَ مِنْ رِجْلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يُصْلِحُوهُ. قَالُوا:
فَادْخُلْ فَأَصْلِحْهُ. فَدَخَلَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَّ قَدَمَيْهِ، عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَقَالَ: أَهِيلُوا عَلَيَّ التُّرَابَ. فَأَهَالُوا
عَلَيْهِ حَتَّى بَلَغَ أَنْصَافَ سَاقَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَكَانَ يَقُولُ:
أَنَا أَحْدَثُكُمْ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
مَتَى وَقَعَ دَفْنُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ
امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ - وَأَدْخَلَنِي عَلَيْهَا، قَالَ:
حَتَّى تَسْمَعَهُ مِنْهَا - عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ:مَا
عَلِمْنَا بِدَفْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى
سَمِعْنَا صَوْتَ الْمَسَاحِي فِي جَوْفِ لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنِ الْحُلَيْسِ بْنِ
هَاشِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: بَيْنَا
نَحْنُ مُجْتَمِعُونَ نَبْكِي لَمْ نَنَمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بُيُوتِنَا، وَنَحْنُ نَتَسَلَّى بِرُؤْيَتِهِ عَلَى
السَّرِيرِ، إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ الْكَرَازِينِ فِي السَّحَرِ. قَالَتْ أُمُّ
سَلَمَةَ: فَصِحْنَا وَصَاحَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، فَارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ صَيْحَةً
وَاحِدَةً، وَأَذَّنَ بِلَالٌ بِالْفَجْرِ، فَلَمَّا ذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى فَانْتَحَبَ، فَزَادَنَا حُزْنًا، وَعَالَجَ
النَّاسُ الدُّخُولَ إِلَى قَبْرِهِ، فَغُلِقَ دُونَهُمْ، فَيَا لَهَا مِنْ
مُصِيبَةٍ ! مَا أُصِبْنَا بَعْدَهَا بِمُصِيبَةٍ إِلَّا هَانَتْ إِذَا ذَكَرْنَا
مُصِيبَتَنَا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّرَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ،
وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي غَيْرِ مَا
حَدِيثٍ، وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ سَلَفًا
وَخَلَفًا، مِنْهُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ، وَجَعْفَرُ بْنُ
مُحَمَّدٍ
الصَّادِقُ، وَابْنُ إِسْحَاقَ،
وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَغَيْرُهُمْ.
وَقَدْ رَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَكَّارٍ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: تُوُفِّيَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ قَبْلَ
أَنْ يَنْتَصِفَ النَّهَارُ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ.
وَهَكَذَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ
جُرَيْجٍ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَاتَ فِي الضُّحَى يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ مِنَ الْغَدِ فِي
الضُّحَى.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ يَوْمَ
الثُّلَاثَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنَا
سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ
كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ
سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ:
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً
خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا: ثَنَا الْحَسَنُ
بْنُ إِسْرَائِيلَ أَبُو مُحَمَّدٍ النَّهْرُتِيرِيُّ، ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ،
عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي
أَوْفَى يَقُولُ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
الِاثْنَيْنِ، فَلَمْ يُدْفَنْ إِلَّا يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ. وَهَكَذَا قَالَ
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو
جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ:
ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ،
عَنْ أَبِيهِ، وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. فَلَبِثَ
ذَلِكَ الْيَوْمَ وَتِلْكَ اللَّيْلَةَ وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ إِلَى آخِرِ
النَّهَارِ. فَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ، وَالْمَشْهُورُ عَنِ الْجُمْهُورِ مَا
أَسْلَفْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، تُوُفِّيَ يَوْمَ
الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ.
وَمِنَ الْأَقْوَالِ الْغَرِيبَةِ فِي هَذَا أَيْضًا مَا رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ
سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَكَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ،
عَنِ النُّعْمَانِ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَأُوحِيَ إِلَيْهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ،
وَهَاجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْنِ
وَسِتِّينَ سَنَةً وَنِصْفٍ، وَمَكَثَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يُدْفَنُ، يَدْخُلُ
عَلَيْهِ النَّاسُ أَرْسَالًا أَرْسَالًا يُصَلُّونَ لَا يُصَفُّونَ، وَلَا
يَؤُمُّهُمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ. فَقَوْلُهُ: إِنَّهُ مَكَثَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا
يُدْفَنُ. غَرِيبٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَكَثَ بَقِيَّةَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ
وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ بِكَمَالِهِ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ كَمَا
قَدَّمْنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَضِدُّهُ مَا رَوَاهُ سَيْفٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تُوُفِّيَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
الِاثْنَيْنِ، وَغُسِّلَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ،
وَدُفِنَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ. قَالَ سَيْفٌ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ مَرَّةً بِجَمِيعِهِ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ، وَهَذَا
غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ
أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أَبِي عَتِيقٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:رُشَّ
عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَاءُ رَشًّا،
وَكَانَ الَّذِي رَشَّهُ بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ بِقِرْبَةٍ، بَدَأَ مِنْ قِبَلِ
رَأْسِهِ مِنْ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى رِجْلَيْهِ، ثُمَّ
ضَرَبَ بِالْمَاءِ إِلَى الْجِدَارِ ; لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَدُورَ مِنَ
الْجِدَارِ.
فَصْلٌ فِي صِفَةِ قَبْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَدْ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، دُفِنَ
فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ الَّتِي كَانَتْ تَخْتَصُّ بِهَا شَرْقِيَّ مَسْجِدِهِ فِي
الزَّاوِيَةِ الْغَرْبِيَّةِ الْقِبْلِيَّةِ مِنَ الْحُجْرَةِ، ثُمَّ دُفِنَ
بَعْدَهُ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ ثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ، أَنَّهُ
حَدَّثَهُ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُسَنَّمًا. تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ
بْنِ هَانِئٍ، عَنِ الْقَاسِمِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، وَقُلْتُ لَهَا
يَا أُمَّهْ، اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ، فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ لَا مُشْرِفَةٍ
وَلَا لَاطِئَةٍ، مَبْطُوحَةٌ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ.
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ قَالَ: فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ،
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مُقَدَّمًا وَأَبُو بَكْرٍ رَأْسُهُ بَيْنَ
كَتِفَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعُمَرُ رَأْسُهُ عِنْدَ
رَجُلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قُبُورَهُمْ مُسَطَّحَةٌ ; لِأَنَّ
الْحَصْبَاءَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا عَلَى الْمُسَطَّحِ. وَهَذَا عَجِيبٌ مِنَ
الْبَيْهَقِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ ; فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الرِّوَايَةِ ذِكْرُ
الْحَصْبَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَبِتَقْدِيرِ ذَلِكَ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ
مُسَنَّمًا، وَعَلَيْهِ الْحَصْبَاءُ مَغْرُوزَةً بِالطِّينِ وَنَحْوِهُ.
وَقَدْ رَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنِ
الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جُعِلَ
قَبْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَطَّحًا.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، ثَنَا عَلِيُّ
بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا سَقَطَ
عَلَيْهِمُ الْحَائِطُ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَخَذُوا فِي
بِنَائِهِ، فَبَدَتْ لَهُمْ قَدَمٌ فَفَزِعُوا فَظَنُّوا أَنَّهُ قَدَمُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا وُجِدَ وَاحِدٌ يَعْلَمُ
ذَلِكَ، حَتَّى قَالَ لَهُمْ عُرْوَةُ: لَا وَاللَّهِ مَا هِيَ قَدَمُ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هِيَ إِلَّا قَدَمُ عُمَرَ.
وَعَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا أَوْصَتْ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ الزُّبَيْرِ لَا تَدْفِنِّي مَعَهُمْ، وَادْفِنِّي مَعَ صَوَاحِبِي
بِالْبَقِيعِ، لَا أُزَكَّى بِهِ أَبَدًا.
قُلْتُ: كَانَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حِينَ وَلِيَ الْإِمَارَةَ فِي
سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِينَ، قَدْ شَرَعَ فِي بِنَاءِ جَامِعِ دِمَشْقَ، وَكَتَبَ
إِلَى نَائِبِهِ بِالْمَدِينَةِ، ابْنِ عَمِّهِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ،
أَنْ يُوَسِّعَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَوَسَّعَهُ حَتَّى مِنْ نَاحِيَةِ
الشَّرْقِ، فَدَخَلَتِ الْحُجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ فِيهِ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ بِسَنَدِهِ، عَنْ زَاذَانَ مَوْلَى
الْفُرَافِصَةِ، وَهُوَ الَّذِي بَنَى الْمَسْجِدَ النَّبَوِيَّ أَيَّامَ
وِلَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الْمَدِينَةِ فَذَكَرَ عَنْ
سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نَحْوَ
مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَحَكَى صِفَةَ الْقُبُورِ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ.
ذِكْرُ مَا أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُصِيبَةِ الْعَظِيمَةِ بِوَفَاتِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ،
ثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ الْكَرْبُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ:
وَاكَرْبَ أَبَتَاهْ. فَقَالَ لَهَا: " لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ
الْيَوْمِ " فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهْ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهْ،
يَا أَبَتَاهْ، مِنْ جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ، يَا أَبَتَاهُ، إِلَى
جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ. فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا أَنَسُ، أَطَابَتْ
أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ التُّرَابَ ؟ ! تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ،
ثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا دَفَنَّا النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ
أَنْ دَفَنْتُمْ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التُّرَابِ وَرَجَعْتُمْ ؟ ! وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ مُخْتَصَرًا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ. وَعِنْدَهُ: قَالَ
حَمَّادٌ: فَكَانَ ثَابِتٌ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَكَى حَتَّى
تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ. وَهَذَا لَا يُعَدُّ نِيَاحَةً بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ
ذِكْرِ فَضَائِلِهِ الْحَقِّ، عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ،
وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ النِّيَاحَةِ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ،
سَمِعْتُ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ مُطَرِّفًا يُحَدِّثُ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ قَيْسِ
بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ - فِيمَا أَوْصَى بِهِ إِلَى بَنِيهِ - أَنَّهُ قَالَ:
وَلَا تَنُوحُوا عَلَيَّ ; فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمْ يُنَحْ عَلَيْهِ. وَقَدْ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ
الْقَاضِي فِي " النَّوَادِرِ "، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ
شُعْبَةَ بِهِ. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ
بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الصَّعْقِ بْنِ حَزْنٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُطَيَّبٍ، عَنِ
الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ بِهِ قَالَ: لَا تَنُوحُوا
عَلَيَّ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنَحْ
عَلَيْهِ، وَقَدْ سَمِعْتُهُ يَنْهَى عَنِ النِّيَاحَةِ. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ
عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنِ الصَّعْقِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ
يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَاصِمٍ بِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا عُقْبَةُ بْنُ سِنَانٍ، ثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ عُثْمَانَ، ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمْ يُنَحْ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ،
ثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا
كُلُّ شَيْءٍ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا
كُلُّ شَيْءٍ. قَالَ: وَمَا نَفَضْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَيْدِيَ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا. وَهَكَذَا رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ جَمِيعًا، عَنْ بِشْرِ بْنِ هِلَالٍ الصَّوَّافِ،
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا
حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
قُلْتُ، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ "، وَمَحْفُوظٌ
مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ الْجَمَاعَةُ،
رَوَاهُ النَّاسُ عَنْهُ كَذَلِكَ.
وَقَدْ أَغْرَبَ الْكُدَيْمِيُّ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، رَحِمَهُ
اللَّهُ، فِي رِوَايَتِهِ لَهُ حَيْثُ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّيَالِسِيُّ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ،
عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَظْلَمَتِ الْمَدِينَةُ حَتَّى لَمْ يَنْظُرْ بَعْضُنَا إِلَى
بَعْضٍ، وَكَانَ أَحَدُنَا يَبْسُطُ يَدَهُ فَلَا يَرَاهَا أَوْ لَا يُبْصِرُهَا،
وَمَا فَرَغْنَا مِنْ دَفْنِهِ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا. رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ كَذَلِكَ، وَقَدْ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ
مِنَ الْحُفَّاظِ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ، كَمَا قَدَّمْنَا،
وَهُوَ الْمَحْفُوظُ، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ الْكَبِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ
أَبِي حَفْصِ بْنِ شَاهِينَ، ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِسْطَامَ
بِالْأُبُلَّةِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرُّوَاسِيُّ، ثَنَا مَسْلَمَةُ
بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، فَلَمَّا كَانَ
الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ
بْنُ عَطَاءٍ الْعِجْلِيُّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ
كَعْبٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَإِنَّمَا وَجْهُنَا وَاحِدٌ، فَلَمَّا قُبِضَ نَظَرْنَا هَكَذَا وَهَكَذَا.
وَقَالَ أَيْضًا: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، ثَنَا
خَالِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ أَبِي
وَدَاعَةَ السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ الْمُصَلِّي يُصَلِّي لَمْ يَعُدْ
بَصَرُ أَحَدِهِمْ مَوْضِعَ
قَدَمَيْهِ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَكَانَ النَّاسُ إِذَا قَامَ أَحَدُهُمْ يُصَلِّي لَمْ يَعُدْ بَصَرُ أَحَدِهِمْ
مَوْضِعَ جَبِينِهِ، فَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ عُمَرُ، فَكَانَ النَّاسُ
إِذَا قَامَ أَحَدُهُمْ يُصَلِّي لَمْ يَعُدْ بَصَرُ أَحَدِهِمْ مَوْضِعَ
الْقِبْلَةِ، فَتُوُفِّيَ عُمَرُ وَكَانَ عُثْمَانُ، وَكَانَتِ الْفِتْنَةُ،
فَتَلَفَّتَ النَّاسُ يَمِينًا وَشِمَالًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ
ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أُمَّ أَيْمَنَ بَكَتْ لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَمُوتُ، وَلَكِنِّي
إِنَّمَا أَبْكِي عَلَى الْوَحْيِ الَّذِي رُفِعَ عَنَّا. هَكَذَا رَوَاهُ
مُخْتَصَرًا.
وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،
أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
نُعَيْمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ الْجَارُودِيُّ قَالَا: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلَابِيُّ، ثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:ذَهَبَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ زَائِرًا،
وَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ شَرَابًا، فَإِمَّا كَانَ صَائِمًا
وَإِمَّا كَانَ لَا يُرِيدُهُ، فَرَدَّهُ، فَأَقْبَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُضَاحِكُهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ
وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ انْطَلِقْ بِنَا
إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا. فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ،
فَقَالَا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ ؟ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَبْكِي أَنْ لَا أَكُونَ
أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ.
فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ فَجَعَلَا
يَبْكِيَانِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ
مُنْفَرِدًا بِهِ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ بِهِ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي قِصَّةِ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخُطْبَةِ أَبِي بَكْرٍ فِيهَا، قَالَ: وَرَجَعَ النَّاسُ
حِينَ فَرَغَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ الْخُطْبَةِ، وَأُمُّ أَيْمَنَ قَاعِدَةٌ تَبْكِي،
فَقِيلَ لَهَا مَا يُبْكِيكِ ؟ قَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ، وَأَرَاحَهُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا.
فَقَالَتْ: إِنَّمَا أَبْكِي عَلَى خَبَرِ السَّمَاءِ، كَانَ يَأْتِينَا غَضًّا
جَدِيدًا، كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَقَدِ انْقَطَعَ وَرُفِعَ، فَعَلَيْهِ
أَبْكِي. فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ قَوْلِهَا.
وَقَدْ قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي " صَحِيحِهِ ":
وَحُدِّثْتُ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، وَمِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ إِبْرَاهِيمُ
بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِي بُرَيْدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ رَحْمَةَ
أُمَّةٍ مِنْ عِبَادِهِ قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا، فَجَعْلَهُ لَهَا فَرَطًا
وَسَلَفًا يَشْهَدُ لَهَا، وَإِذَا أَرَادَ هِلْكَةَ أُمَّةٍ عَذَّبَهَا
وَنَبِيُّهَا حَيٌّ، فَأَهْلَكَهَا وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَأَقَرَّ عَيْنَهُ
بِهَلَكَتِهَا حِينَ كَذَّبُوهُ وَعَصَوْا أَمْرَهُ " تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِمٌ
إِسْنَادًا وَمَتْنًا.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ
مُوسَى، ثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ،
عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ
زَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، هُوَ
ابْنُ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ، يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي
السَّلَامَ " قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُحَدِّثُونَ، وَيُحَدَّثُ لَكُمْ،
وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالَكُمْ فَمَا رَأَيْتُ مِنْ
خَيْرٍ حَمِدْتُ اللَّهَ عَلَيْهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ
اللَّهَ لَكُمْ " ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْرِفُ آخِرَهُ يُرْوَى
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. قُلْتُ: وَأَمَّا أَوَّلُهُ،
وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " إِنَّ لِلَّهِ
مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ " فَقَدْ
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،
وَعَنِ الْأَعْمَشِ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، بِهِ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ
الْجُعْفِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ
الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ
الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ
الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ
مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تُعْرَضُ
صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ ؟ يَعْنِي قَدْ
بَلِيتَ. قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ
قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ
السَّلَامُ " وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ، وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ
مَنْصُورٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ بِهِ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ،
عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ
جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، فَذَكَرَهُ. قَالَ
شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ: وَذَلِكَ وَهْمٌ مِنَ ابْنِ مَاجَهْ،
وَالصَّحِيحُ أَوْسُ بْنُ أَوْسٍ، وَهُوَ الثَّقَفِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قُلْتُ: وَهُوَ عِنْدِي فِي نُسْخَةٍ جَيِّدَةٍ مَشْهُورَةٍ عَلَى الصَّوَابِ
كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ: عَنْ أَوْسِ بْنِ
أَوْسٍ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْمِصْرِيُّ، ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي هِلَالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ
أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ مَشْهُودٌ
تَشْهَدُهُ الْمَلَائِكَةُ، وَإِنَّ أَحَدًا لَنْ يُصَلِّيَ عَلَيَّ إِلَّا
عُرِضَتْ عَلَيَّ صَلَاتُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا "قَالَ: قُلْتُ:
وَبَعْدَ الْمَوْتِ ؟ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ
تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَنَبِيُّ اللَّهِ
حَيٌّ يُرْزَقُ " وَهَذَا مِنْ أَفْرَادِ ابْنِ مَاجَهْ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَدْ عَقَدَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ هَاهُنَا بَابًا فِي إِيرَادِ
الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي زِيَارَةِ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ، صَلَوَاتُ
اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَمَوْضِعُ
اسْتِقْصَاءِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ " الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ " إِنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ مَا وَرَدَ مِنَ التَّعْزِيَةِ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السُّكَيْنِ، ثَنَا
أَبُو هَمَّامٍ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ الْأَهْوَازِيُّ، ثَنَا
مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، ثَنَا مُصْعَبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَابًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، أَوْ كَشَفَ
سِتْرًا، فَإِذَا النَّاسُ يُصَلُّونَ وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ
عَلَى مَا رَأَى مِنْ حُسْنِ حَالِهِمْ ; رَجَاءَ أَنْ يَخْلُفَهُ اللَّهُ فِيهِمْ
بِالَّذِي رَآهُمْ، فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا
النَّاسُ، أَيُّمَا أَحَدٍ مِنَ
النَّاسِ أَوْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ، فَلْيَتَعَزَّ
بِمُصِيبَتِهِ بِي عَنِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي تُصِيبُهُ بِغَيْرِي، فَإِنَّ
أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ
مُصِيبَتِي " تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، ثَنَا شَافِعُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا أَبُو جَعْفَرِ
بْنُ سَلَامَةَ الطَّحَاوِيُّ، ثَنَا الْمُزَنِيُّ، ثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ
مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ دَخَلُوا عَلَى أَبِيهِ
عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، فَقَالَ أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالُوا: بَلَى. فَحَدَّثَنَا عَنْ أَبِي
الْقَاسِمِ، قَالَ:لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ ;
تَكْرِيمًا لَكَ وَتَشْرِيفًا لَكَ، وَخَاصَّةً لَكَ أَسْأَلُكَ عَمَّا هُوَ
أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ، يَقُولُ: كَيْفَ تَجِدُكَ ؟ قَالَ: " أَجِدُنِي يَا
جِبْرِيلُ مَغْمُومًا، وَأَجَدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَكْرُوبًا " ثُمَّ جَاءَهُ
الْيَوْمَ الثَّانِيَ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَدَّ أَوَّلَ يَوْمٍ، ثُمَّ جَاءَهُ الْيَوْمَ
الثَّالِثَ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ يَوْمٍ، وَرَدَّ عَلَيْهِ كَمَا
رَدَّ، وَجَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ يُقَالُ لَهُ: إِسْمَاعِيلُ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ
مَلَكٍ، كُلُّ مَلَكٍ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ مَلَكٍ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ،
فَسَأَلَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ جِبْرِيلُ: هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ يَسْتَأْذِنُ
عَلَيْكَ، مَا اسْتَأْذَنَ عَلَى آدَمِيٍّ قَبْلَكَ، وَلَا يَسْتَأْذِنُ عَلَى
آدَمِيٍّ بَعْدَكَ. فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " ائْذَنْ
لَهُ " فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا
مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ، فَإِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَقْبِضَ
رُوحَكَ قَبَضْتُهُ، وَإِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَتْرُكَهُ تَرَكْتُهُ. فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوَتَفْعَلُ يَا
مَلَكَ الْمَوْتِ ؟ " قَالَ: نَعَمْ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَأُمِرْتُ أَنْ
أُطِيعَكَ. قَالَ:
فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ،
إِنَّ اللَّهَ قَدِ اشْتَاقَ إِلَى لِقَائِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَلَكِ الْمَوْتِ: " امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ
" فَقَبَضَ رُوحَهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَجَاءَتِ التَّعْزِيَةُ سَمِعُوا صَوْتًا مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ:
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، إِنَّ فِي
اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مَنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرَكًا
مَنْ كُلِّ فَائِتٍ، فَبِاللَّهِ فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا، فَإِنَّمَا
الْمُصَابُ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ. فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا ؟ هَذَا الْخَضِرُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ بِحَالِ الْقَاسِمِ
الْعُمَرِيِّ هَذَا، فَإِنَّهُ قَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ،
وَتَرَكَهُ بِالْكُلِّيَّةِ آخَرُونَ. وَقَدْ رَوَاهُ الرَّبِيعُ، عَنِ
الشَّافِعِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ،
فَذَكَرَ مِنْهُ قِصَّةَ التَّعْزِيَةِ فَقَطْ، مَوْصُولًا، وَفِي الْإِسْنَادِ
الْعُمَرِيُّ الْمَذْكُورُ، قَدْ نَبَّهْنَا عَلَى أَمْرِهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ
بِهِ.
عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنْ
أَبِي جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ أَوْ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُرْتَعِدِ الصَّنْعَانِيُّ، ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ
الْمَخْزُومِيُّ، ثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ،
يَسْمَعُونَ الْحِسَّ وَلَا يَرَوْنَ الشَّخْصَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ
أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، إِنَّ فِي اللَّهِ
عَزَاءً مَنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ،
وَخَلَفًا مَنْ كُلِّ فَائِتٍ، وَدَرَكًا مَنْ كُلِّ هَالِكٍ، فَبِاللَّهِ
فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا، فَإِنَّمَا الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ،
وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. ثُمَّ قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: هَذَانَ الْإِسْنَادَانِ وَإِنْ كَانَا ضَعِيفَيْنِ،
فَأَحَدُهُمَا يَتَأَكَّدُ بِالْآخَرِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَصْلًا مِنْ
حَدِيثِ جَعْفَرٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ بَالُوَيْهِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ
بْنِ مَطَرٍ، ثَنَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ: ثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَقَ بِهِ أَصْحَابُهُ فَبَكَوْا حَوْلَهُ وَاجْتَمَعُوا،
فَدَخَلَ رَجُلٌ أَشْهَبُ اللِّحْيَةِ جَسِيمٌ صَبِيحٌ، فَتَخَطَّى رِقَابَهُمْ
فَبَكَى، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مَنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ،
وَعِوَضًا مَنْ كُلِّ فَائِتٍ، وَخَلَفًا مَنْ كُلِّ هَالِكٍ، فَإِلَى اللَّهِ
فَأَنِيبُوا، وَإِلَيْهِ فَارْغُبُوا، وَنَظَرُهُ إِلَيْكُمْ فِي الْبَلَايَا،
فَانْظُرُوا، فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ لَمْ يَجْبُرْهُ. فَانْصَرَفَ، فَقَالَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعْرِفُونَ الرَّجُلَ ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ:
نَعَمْ، هَذَا أَخُو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْخَضِرُ. ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ ضَعِيفٌ،
وَهَذَا مُنْكَرٌ بِمَرَّةٍ.
وَقَدْ رَوَى الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ
أَنْبَأَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ أَبِي
حَازِمٍ الْمَدَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حِينَ قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، دَخَلَ الْمُهَاجِرُونَ فَوْجًا فَوْجًا
يُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَيَخْرُجُونَ، ثُمَّ دَخَلَتِ
الْأَنْصَارُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، ثُمَّ دَخَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَتَّى إِذَا فَرَغَتِ الرِّجَالُ دَخَلَتِ النِّسَاءُ، فَكَانَ مِنْهُنَّ صَوْتٌ وَجَزَعٌ كَبَعْضِ مَا يَكُونُ مِنْهُنَّ، فَسَمِعْنَ هَدَّةً فِي الْبَيْتِ فَفَرِقْنَ فَسَكَتْنَ، فَإِذَا قَائِلٌ يَقُولُ: إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مَنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَعِوَضًا مَنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مَنْ كُلِّ فَائِتٍ، وَالْمَجْبُورُ مَنْ جَبَرَهُ الثَّوَابُ، وَالْمُصَابُ مَنْ لَمْ يَجْبُرْهُ الثَّوَابُ.
فَصْلٌ فِيمَا رُوِيَ مِنْ مَعْرِفَةِ
أَهْلِ الْكِتَابِ بِيَوْمِ وَفَاتِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي
حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: كُنْتُ
بِالْيَمَنِ، فَلَقِيتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ; ذَا كَلَاعٍ وَذَا
عَمْرٍو، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. قَالَ: فَقَالَا لِي: إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَقَدْ مَضَى
صَاحِبُكَ عَلَى أَجَلِهِ مُنْذُ ثَلَاثٍ. قَالَ: فَأَقْبَلْتُ وَأَقْبَلَا مَعِي
حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ رُفِعَ لَنَا رَكْبٌ مِنْ قِبَلِ
الْمَدِينَةِ، فَسَأَلْنَاهُمْ فَقَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، وَالنَّاسُ صَالِحُونَ. قَالَ:
فَقَالَا لِي: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ أَنَّا قَدْ جِئْنَا، وَلَعَلَّنَا سَنَعُودُ،
إِنْ شَاءَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: وَرَجَعَا إِلَى الْيَمَنِ، فَلَمَّا
أَتَيْتُ أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرٍ بِحَدِيثِهِمْ، قَالَ: أَفَلَا جِئْتَ بِهِمْ.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالَ: لِي ذُو عَمْرٍو: يَا جَرِيرُ، إِنَّ بِكَ عَلَيَّ
كَرَامَةً، وَإِنِّي مُخْبِرُكَ خَبَرًا، إِنَّكُمْ، مَعْشَرَ الْعَرَبِ، لَنْ
تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا كُنْتُمْ إِذَا هَلَكَ أَمِيرٌ تَأَمَّرْتُمُ فِي آخَرَ،
وَإِذَا كَانَتْ
بِالسَّيْفِ كُنْتُمْ مُلُوكًا
تَغْضَبُونَ غَضَبَ الْمُلُوكِ، وَتَرْضَوْنَ رِضَا الْمُلُوكِ. هَكَذَا رَوَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
جَعْفَرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْهُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا الْحَاكِمُ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ
الْمُؤَمَّلِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ
الْحَضْرَمِيُّ، ثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنْ جَرِيرٍ
قَالَ: لَقِيَنِي حَبْرٌ بِالْيَمَنِ، وَقَالَ لِي: إِنْ كَانَ صَاحِبُكُمْ
نَبِيًّا فَقَدْ مَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. هَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، ثَنَا زَائِدَةُ،
ثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ لِي حَبْرٌ بِالْيَمَنِ:
إِنْ كَانَ صَاحِبُكُمْ نَبِيًّا فَقَدْ مَاتَ الْيَوْمَ. قَالَ جَرِيرٌ فَمَاتَ
يَوْمَ الِاثْنَيْنِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْمُعَدَّلُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَدِيٍّ التَّنُوخِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ نَاعِمِ بْنِ أُجَيْلٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: أَقْبَلْتُ فِي وَفْدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَيْرَةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَرَضَ عَلَيْنَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمْنَا، ثُمَّ انْصَرَفْنَا إِلَى الْحِيرَةِ فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ جَاءَتْنَا وَفَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَارْتَابَ أَصْحَابِي، وَقَالُوا: لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ يَمُتْ. فَقُلْتُ: قَدْ مَاتَ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ. وَثَبَتُّ عَلَى إِسْلَامِي، ثُمَّ خَرَجْتُ أُرِيدُ الْمَدِينَةَ فَمَرَرْتُ بِرَاهِبٍ كُنَّا لَا نُقْطَعُ أَمْرًا دُونَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَمْرٍ أَرَدْتُهُ لَقِحَ فِي صَدْرِي مِنْهُ شَيْءٌ. فَقَالَ: ائْتِ بِاسْمٍ مِنَ الْأَسْمَاءِ. فَأَتَيْتُهُ بِكَعْبٍ، فَقَالَ: أَلْقِهِ فِي هَذَا السِّفْرِ. لِسِفْرٍ أَخْرَجَهُ، فَأَلْقَيْتُ الْكَعْبَ فِيهِ فَصَفَحَ فِيهِ، فَإِذَا بِصِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَأَيْتُهُ، وَإِذَا هُوَ يَمُوتُ فِي الْحِينِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، قَالَ: فَاشْتَدَّتْ بَصِيرَتِي فِي إِيمَانِي، وَقَدِمْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَعْلَمْتُهُ وَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَّهَنِي إِلَى الْمُقَوْقِسِ فَرَجَعْتُ، وَوَجَّهَنِي أَيْضًا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ بِكِتَابِهِ، فَأَتَيْتُهُ وَقْعَةَ الْيَرْمُوكِ وَلَمْ أَعْلَمْ بِهَا، فَقَالَ
لِي: أَعَلِمْتَ أَنَّ الرُّومَ
قَتَلَتِ الْعَرَبَ وَهَزَمَتْهُمْ ؟ فَقُلْتُ: كَلَّا. قَالَ: وَلِمَ ؟ قُلْتُ:
إِنَّ اللَّهَ وَعَدَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
يُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَيْسَ بِمُخْلِفٍ الْمِيعَادَ. قَالَ
فَإِنَّ نَبِيَّكُمْ قَدْ صَدَقَكُمْ ; قُتِلَتِ الرُّومُ وَاللَّهِ قَتْلَ عَادٍ.
قَالَ: ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ وُجُوهِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَهْدَى إِلَى عُمَرَ وَإِلَيْهِمْ. وَكَانَ
مِمَّنْ أَهْدَى إِلَيْهِ عَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرُ.
وَأَحْسَبُهُ ذَكَرَ الْعَبَّاسَ، قَالَ كَعْبٌ: وَكُنْتُ شَرِيكًا لِعُمَرَ فِي
الْبَزِّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا أَنْ فَرَضَ الدِّيوَانَ فَرَضَ لِي فِي
بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ. وَهَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ، وَفِيهِ نَبَأٌ عَجِيبٌ
وَهُوَ صَحِيحٌ.
فَصْلٌ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَظُمَتْ بِهِ مُصِيبَةُ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَتْ
عَائِشَةُ، فِيمَا بَلَغَنِي، تَقُولُ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، وَاشْرَأَبَّتِ الْيَهُودِيَّةُ
وَالنَّصْرَانِيَّةُ، وَنَجَمَ النِّفَاقُ، وَصَارَ الْمُسْلِمُونَ كَالْغَنَمِ
الْمَطِيرَةِ فِي اللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ ; لِفَقْدِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى جَمَعَهُمُ اللَّهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ مَكَّةَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمُّوا بِالرُّجُوعِ عَنِ الْإِسْلَامِ
وَأَرَادُوا ذَلِكَ، حَتَّى خَافَهُمْ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، فَتَوَارَى، فَقَامَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ وَفَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ إِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَزِدِ الْإِسْلَامَ
إِلَّا قُوَّةً فَمَنْ رَابَنَا ضَرَبْنَا عُنُقَهُ. فَتَرَاجَعَ النَّاسُ
وَكَفُّوا
عَمَّا هَمُّوا بِهِ، فَظَهَرَ
عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ فَهَذَا الْمَقَامُ الَّذِي أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - يَعْنِي
حِينَ أَشَارَ بِقَلْعِ ثَنِيَّتِهِ حِينَ وَقَعَ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ -
" إِنَّهُ عَسَى أَنْ يَقُومَ مَقَامًا لَا تَذُمُّهُ ".
قُلْتُ: وَسَيَأْتِي عَمَّا قَرِيبٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ذِكْرُ مَا وَقَعَ بَعْدَ
وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرِّدَّةِ فِي
أَحْيَاءٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْعَرَبِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ مُسَيْلِمَةَ بْنِ
حَبِيبٍ الْمُتَنَبِّئِ بِالْيَمَامَةِ، وَالْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ بِالْيَمَنِ،
وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ حَتَّى فَاءُوا وَرَجَعُوا إِلَى اللَّهِ
تَائِبِينَ نَازِعِينَ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِمْ مِنَ
السَّفَاهَةِ وَالْجَهْلِ الْعَظِيمِ الَّذِي اسْتَفَزَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِهِ،
حَتَّى نَصَرَهُمُ اللَّهُ وَثَبَّتَهُمْ، وَرَدَّهُمْ إِلَى دِينِهِ الْحَقِّ
عَلَى يَدَيِ الْخَلِيفَةِ الصِّدِّيقِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَأَرْضَاهُ، كَمَا سَيَأْتِي مَبْسُوطًا مُبَيَّنًا مَشْرُوحًا، إِنْ شَاءَ
اللَّهُ.
فَصْلٌ
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ قَصَائِدَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَمِنْ أَجَلِّ ذَلِكَ وَأَفْصَحِهِ وَأَعْظَمِهِ، مَا رَوَاهُ عَبْدُ
الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ
أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ يَبْكِي رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
بَطَيْبَةَ رَسْمٌ لِلرَّسُولِ وَمَعْهَدُ مُنِيرٌ وَقَدْ تَعْفُو الرُّسُومُ
وَتَهْمُدُ
وَلَا تَمْتَحِي الْآيَاتُ مِنْ دَارِ
حُرْمَةٍ بِهَا مِنْبَرُ الْهَادِي الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ
وَوَاضِحُ آيَاتٍ وَبَاقِي مَعَالِمٍ وَرَبْعٌ لَهُ فِيهِ مُصَلًّى وَمَسْجِدُ
بِهَا حُجُرَاتٌ كَانَ يَنْزِلُ وَسْطَهَا مِنَ اللَّهِ نُورٌ يُسْتَضَاءُ
وَيُوقَدُ مَعَارِفُ لَمْ تُطْمَسْ عَلَى الْعَهْدِ آيُهَا
أَتَاهَا الْبِلَى فَالْآيُ مِنْهَا تَجَدَّدُ عَرَفْتُ بِهَا رَسْمَ الرَّسُولِ
وَعَهْدَهُ وَقَبْرًا بِهَا وَارَاهُ فِي التُّرْبِ مَلْحَدُ
ظَلِلْتُ بِهَا أَبْكِي الرَّسُولَ فَأَسْعَدَتْ عُيُونٌ وَمِثْلَاهَا مِنَ
الْجَفْنِ تُسْعِدُ
يُذَكِّرْنَ آلَاءَ الرَّسُولِ وَلَا أَرَى لَهَا مُحْصِيًا نَفْسِي فَنَفْسِي
تَبَلَّدُ مُفَجَّعَةٌ قَدْ شَفَّهَا فَقْدُ أَحْمَدٍ
فَظَلَّتْ لِآلَاءِ الرَّسُولِ تَعَدَّدُ وَمَا بَلَغَتْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ
عَشِيرَهُ وَلَكِنْ لِنَفْسِي بَعْدُ مَا قَدْ تَوَجَّدُ
أَطَالَتْ وُقُوفًا تَذْرِفُ الْعَيْنُ جُهْدَهَا عَلَى طَلَلِ الْقَبْرِ الَّذِي
فِيهِ أَحْمَدُ
فَبُورِكْتَ يَا قَبْرَ الرَّسُولِ وَبُورِكَتْ بِلَادٌ ثَوَى فِيهَا الرَّشِيدُ
الْمُسَدَّدُ
وَبُورِكَ لَحْدٌ مِنْكَ ضُمِّنَ
طَيِّبًا
عَلَيْهِ بِنَاءٌ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضَّدُ تُهِيلُ عَلَيْهِ التُّرْبَ أَيْدٍ
وَأَعْيُنٌ عَلَيْهِ وَقَدْ غَارَتْ بِذَلِكَ أَسْعُدُ
لَقَدْ غَيَّبُوا حِلْمًا وَعِلْمًا وَرَحْمَةً عَشِيَّةَ عَلَّوْهُ الثَّرَى لَا
يُوَسَّدُ
وَرَاحُوا بِحُزْنٍ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيُّهُمْ وَقَدْ وَهَنَتْ مِنْهُمْ ظُهُورٌ
وَأَعْضُدُ يُبَكُّونَ مَنْ تَبْكِي السَّمَاوَاتُ يَوْمَهُ
وَمَنْ قَدْ بَكَتْهُ الْأَرْضُ فَالنَّاسُ أَكْمَدُ وَهَلْ عَدَلَتْ يَوْمًا
رَزِيَّةُ هَالِكٍ رَزِيَّةَ يَوْمٍ مَاتَ فِيهِ مُحَمَّدُ
تَقَطَّعَ فِيهِ مُنْزَلُ الْوَحْيِ عَنْهُمُ وَقَدْ كَانَ ذَا نُورٍ يَغُورُ
وَيُنْجِدُ
يَدَلُّ عَلَى الرَّحْمَنِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ وَيُنْقِذُ مِنْ هَوْلِ
الْخَزَايَا وَيُرْشِدُ
إِمَامٌ لَهُمْ يَهْدِيهِمُ الْحَقَّ جَاهِدًا مُعَلِّمُ صِدْقٍ إِنْ يُطِيعُوهُ
يَسْعَدُوا
عَفُوٌّ عَنِ الزَّلَّاتِ يَقْبَلُ عُذْرَهُمْ وَإِنْ يُحْسِنُوا فَاللَّهُ بِالْخَيْرِ
أَجْوَدُ
وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ لَمْ يَقُومُوا بِحَمْلِهِ فَمِنْ عِنْدِهِ تَيْسِيرُ مَا
يَتَشَدَّدُ
فَبَيْنَا هُمُ فِي نِعْمَةِ اللَّهِ بَيْنَهُمْ دَلِيلٌ بِهِ نَهْجُ الطَّرِيقَةِ
يُقْصَدُ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجُورُوا عَنِ الْهُدَى حَرِيصٌ عَلَى أَنْ يَسْتَقِيمُوا
وَيَهْتَدُوا
عَطُوفٌ عَلَيْهِمْ لَا يُثَنِّي جَنَاحَهُ إِلَى كَنَفٍ يَحْنُو عَلَيْهِمْ
وَيَمْهَدُ
فَبَيْنَاهُمُ فِي ذَلِكَ النُّورِ
إِذْ غَدَا إِلَى نُورِهِمْ سَهْمٌ مِنَ الْمَوْتِ مُقْصِدُ
فَأَصْبَحَ مَحْمُودًا إِلَى اللَّهِ رَاجِعًا يُبَكِّيهِ حَقُّ الْمُرْسَلَاتِ
وَيَحْمَدُ
وَأَمْسَتْ بِلَادُ الْحُرْمِ وَحْشًا بِقَاعُهَا لِغَيْبَةِ مَا كَانَتْ مِنَ
الْوَحْيِ تَعْهَدُ
قِفَارًا سِوَى مَعْمُورَةِ اللَّحْدِ ضَافَهَا فَقِيدٌ يُبَكِّيهِ بَلَاطٌ
وَغَرْقَدُ
وَمَسْجِدُهُ فَالْمُوحِشَاتُ لِفَقْدِهِ خَلَاءٌ لَهُ فِيهِ مَقَامٌ وَمَقْعَدُ
وَبِالْجَمْرَةِ الْكُبْرَى لَهُ ثَمَّ أَوْحَشَتْ دِيَارٌ وَعَرْصَاتٌ وَرَبْعٌ
وَمَوْلِدُ
فَبَكِّي رَسُولَ اللَّهِ يَا عَيْنُ عَبْرَةً وَلَا أَعْرِفَنْكِ الدَّهْرَ
دَمْعُكِ يَجْمُدُ
وَمَالَكِ لَا تَبْكِينِ ذَا النِّعْمَةِ الَّتِي عَلَى النَّاسِ مِنْهَا سَابِغٌ
يَتَغَمَّدُ
فَجُودِي عَلَيْهِ بِالدُّمُوعِ وَأَعْوِلِي لِفَقْدِ الَّذِي لَا مِثْلُهُ
الدَّهْرَ يُوجَدُ
وَمَا فَقَدَ الْمَاضُونَ مِثْلَ مُحَمَّدٍ وَلَا مِثْلُهُ حَتَّى الْقِيَامَةِ
يُفْقَدُ
أَعَفَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً بَعْدَ ذِمَّةٍ وَأَقْرَبَ مِنْهُ نَائِلًا لَا
يُنَكَّدُ
وَأَبْذَلَ مِنْهُ لِلطَّرِيفِ وَتَالِدٍ إِذَا ضَنَّ مِعْطَاءٌ بِمَا كَانَ
يَتْلَدُ
وَأَكْرَمَ صِيتًا فِي الْبُيُوتِ إِذَا انْتَمَى وَأَكْرَمَ جَدًّا أَبْطَحِيًّا
يُسَوَّدُ
وَأَمْنَعَ ذِرْوَاتٍ وَأَثْبَتَ فِي
الْعُلَا دَعَائِمَ عِزٍّ شَاهِقَاتٍ تُشَيَّدُ
وَأَثْبَتَ فَرْعًا فِي الْفُرُوعِ وَمَنْبِتًا وَعُودًا غَذَاهُ الْمُزْنُ
فَالْعُودُ أَغْيَدُ
رَبَاهُ وَلِيدًا فَاسْتَتَمَّ تَمَامُهُ عَلَى أَكْرَمِ الْخَيْرَاتِ رَبٌّ
مُمَجَّدُ
تَنَاهَتْ وَصَاةُ الْمُسْلِمِينَ بِكَفِّهِ فَلَا الْعِلْمُ مَحْبُوسٌ وَلَا
الرَّأْيُ يُفْنَدُ
أَقُولُ وَلَا يُلْفَى لِمَا قُلْتُ عَائِبٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا عَازِبُ
الْقَوْلِ مُبْعَدُ
وَلَيْسَ هَوَايَ نَازِعًا عَنْ ثَنَائِهِ لَعَلِّي بِهِ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ
أَخْلُدُ
مَعَ الْمُصْطَفَى أَرْجُو بِذَاكَ جِوَارَهُ وَفِي نَيْلِ ذَاكَ الْيَوْمِ
أَسْعَى وَأَجْهَدُ
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِهِ "
الرَّوْضِ ": وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ يَبْكِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَرِقْتُ فَبَاتَ لَيْلِيَ لَا يَزُولُ وَلَيْلُ أَخِي الْمُصِيبَةِ فِيهِ طُولُ
وَأَسْعَدَنِي الْبُكَاءُ وَذَاكَ فِيمَا أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ قَلِيلُ
لَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَتُنَا وَجَلَّتْ
عَشِيَّةَ قِيلَ قَدْ قُبِضَ الرَّسُولُ وَأَضْحَتْ أَرْضُنَا مِمَّا عَرَاهَا
تَكَادُ بِنَا جَوَانِبُهَا تَمِيلُ
فَقَدْنَا الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ فِينَا يَرُوحُ بِهِ وَيَغْدُوُ جِبْرَئِيلُ
وَذَاكَ أَحَقُّ مَا سَالَتْ عَلَيْهِ
نُفُوسُ النَّاسِ أَوْ كَرَبَتْ تَسِيلُ نَبِيٌّ كَانَ يَجْلُو الشَّكَّ عَنَّا
بِمَا يُوحَى إِلَيْهِ وَمَا يَقُولُ وَيَهْدِينَا
فَلَا نَخْشَى ضَلَالًا عَلَيْنَا وَالرَّسُولُ لَنَا دَلِيلُ أَفَاطِمُ إِنْ
جَزِعْتِ فَذَاكَ عُذْرٌ
وَإِنْ لَمْ تَجْزَعِي ذَاكَ السَّبِيلُ فَقَبْرُ أَبِيكِ سَيِّدُ كُلِّ قَبْرٍ
وَفِيهِ سَيِّدُ النَّاسِ الرَّسُولُ
بَابُ بَيَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكْ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا
عَبْدًا وَلَا أَمَةً، وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا، وَلَا شَيْئًا يُورَثُ عَنْهُ،
بَلْ أَرْضًا جَعَلَهَا كُلَّهَا صَدَقَةً لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ
الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا كَانَتْ أَحْقَرَ عِنْدَهُ - كَمَا هِيَ عِنْدَ
اللَّهِ - مِنْ أَنْ يَسْعَى لَهَا أَوْ يَتْرُكَهَا بَعْدَهُ مِيرَاثًا،
صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى إِخْوَانِهِ مِنَ النَّبِيِّينَ
وَالْمُرْسَلِينَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ:مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا عَبْدًا وَلَا
أَمَةً، إِلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ الَّتِي كَانَ يَرْكَبُهَا، وَسِلَاحَهُ،
وَأَرْضًا جَعَلَهَا لِابْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً. انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ
دُونَ مُسْلِمٍ، فَرَوَاهُ فِي أَمَاكِنَ مِنْ " صَحِيحِهِ " مِنْ
طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، وَسُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ،
وَزُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ
إِسْرَائِيلَ، وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ،
كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّبِيعِيِّ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُصْطَلِقِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ - أَخِي
جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا الْأَعْمَشُ -
وَابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ
الْأَعْمَشِ - عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ
مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا وَلَا
أَوْصَى بِشَيْءٍ. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُنْفَرِدًا بِهِ عَنِ
الْبُخَارِيِّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ
مُتَعَدِّدَةٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقِ بْنِ
سَلَمَةَ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ، عَنْ أُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةِ بِنْتِ الصِّدِّيقِ حَبِيبَةِ حَبِيبِ
اللَّهِ، الْمُبَرَّأَةِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
وَأَرْضَاهَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ
عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:مَا تَرَكَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا،
وَلَا أَمَةٍ وَلَا عَبْدًا وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ عَنْ
عَائِشَةَ:مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا قَالَ سُفْيَانُ:
وَأَكْبَرُ عِلْمِي وَأَشُكُّ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ " عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ بِهِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ عَاصِمِ
بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرٍّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:مَا تَرَكَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا
عَبْدًا
وَلَا أَمَةً وَلَا شَاةً وَلَا
بَعِيرًا. هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي،
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْوَهَّابِ، أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَنْبَأَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ
عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ:تَسْأَلُونِي عَنْ مِيرَاثِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ ! مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا عَبْدًا وَلَا
وَلِيدَةً. قَالَ مِسْعَرٌ: أُرَاهُ قَالَ: وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا.
قَالَ: وَأَنْبَأَنَا مِسْعَرٌ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ
الْحُسَيْنِ قَالَ:مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا وَلَا وَلِيدَةً.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ
وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ.
وَفِي لَفْظِ لِلْبُخَارِيِّ رَوَاهُ عَنْ قَبِيصَةَ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ
الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، قَالَتْ:تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنِ الثَّوْرِيِّ
عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْهَا قَالَتْ:تُوُفِّيَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ
بِثَلَاثِينَ
صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. ثُمَّ قَالَ:
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ،
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ، ثَنَا
جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيُّ، ثَنَا آدَمُ، ثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:لَقَدْ دُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ. قَالَ أَنَسٌ:
وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
" وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَصْبَحَ عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ
صَاعُ بُرٍّ وَلَا صَاعُ تَمْرٍ " وَإِنَّ لَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعَ نِسْوَةٍ،
وَلَقَدْ رَهَنَ دِرْعًا لَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِالْمَدِينَةِ، وَأَخَذَ مِنْهُ
طَعَامًا، فَمَا وَجَدَ مَا يَفْتَكُّهَا بِهِ حَتَّى مَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بَعْضَهُ مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّحْوِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، ثَنَا ثَابِتٌ، ثَنَا
هِلَالٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ إِلَى أُحُدٍ فَقَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أُحُدًا لِآلِ مُحَمَّدٍ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ، أَمُوتُ يَوْمَ أَمُوتُ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارَانِ إِلَّا أَنْ
أُرْصِدَهُمَا لِدَيْنٍ " قَالَ: فَمَاتَ فَمَا تَرَكَ دِينَارًا وَلَا
دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا وَلَا
وَلِيدَةً، وَتَرَكَ دِرْعَهُ رَهْنًا عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ
شَعِيرٍ. وَقَدْ رَوَى آخِرَهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ
الْجُمَحِيِّ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ
الْعَبْدِيِّ الْكُوفِيِّ بِهِ. وَلِأَوَّلِهِ شَاهَدٌ فِي " الصَّحِيحِ
" مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ وَأَبُو سَعِيدٍ
وَعَفَّانُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ، ثَنَا هِلَالٌ،
هُوَ ابْنُ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ
قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْتَ
فِرَاشًا أَوْثَرَ مِنْ هَذَا. فَقَالَ: " مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا
مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ
فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا
" تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ، فِي الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ
تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِصَّةِ
الْإِيلَاءِ. وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ مَعَ غَيْرِهِ مِمَّا شَاكَلَهُ فِي بَيَانِ
زُهْدِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَتَرْكِهِ الدُّنْيَا،
وَإِعْرَاضِهِ عَنْهَا، وَاطِّرَاحِهِ لَهَا، وَهُوَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا
قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ تَكُنِ الدُّنْيَا
عِنْدَهُ بِبَالٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
رُفَيْعٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ،
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَّا مَا بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّوْحَيْنِ. قَالَ: وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ
بْنِ عَلِيٍّ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ
قُتَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ
عَنْ طَلْحَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَىأَأَوْصَى
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ: لَا. فَقُلْتُ: كَيْفَ
كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةُ أَوْ أُمِرُوا بِهَا ؟ قَالَ أَوْصَى
بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا
وَمُسْلِمٌ، وَأَهْلُ السُّنَنِ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ مَالِكِ
بْنِ مِغْوَلٍ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، لَا
نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ سَنُورِدُهَا قَرِيبًا بَعْدَ
هَذَا الْفَصْلِ فِي ذِكْرِ أَشْيَاءَ كَانَ يَخْتَصُّ بِهَا، صَلَوَاتُ اللَّهِ
وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، فِي حَيَاتِهِ ; مِنْ دُورٍ وَمَسَاكِنِ نِسَائِهِ
وَإِمَاءٍ وَعَبِيدٍ وَخُيُولٍ وَإِبِلٍ وَغَنَمٍ وَسِلَاحٍ وَبَغْلَةٍ وَحِمَارٍ
وَثِيَابٍ وَأَثَاثٍ وَخَاتَمٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَنُوَضِّحُهُ بِطُرُقِهِ
وَدَلَائِلِهِ، فَلَعَلَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَصَدَّقَ بِكَثِيرٍ
مِنْهَا فِي حَيَاتِهِ مُنْجِزًا، وَأَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقَ مِنْ إِمَائِهِ
وَعَبِيدِهِ وَأَرْصَدَ مَا أَرْصَدَهُ مِنْ أَمْتِعَتِهِ مَعَ مَا خَصَّهُ
اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأَرَضِينَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ وَخَيْبَرَ وَفَدَكَ، فِي
مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِلَّا
أَنَّهُ لَمْ يُخَلِّفْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا يُورَثُ عَنْهُ قَطْعًا ; لِمَا
سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
بَابُ بَيَانِ أَنَّهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: " لَا نُورَثُ "
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ
الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ، وَقَالَ مَرَّةً قَالَ: قَالَ:
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَقْتَسِمُ
وَرَثَتِي دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي
وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ " وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي
الزِّنَادِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ
الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا
تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ "
لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ
مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَزْوَاجَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ إِلَى
أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَيْسَ قَدْ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا نُورَثُ، مَا
تَرَكْنَا صَدَقَةٌ ؟ " وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ
يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ،
كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. فَهَذِهِ
إِحْدَى النِّسَاءِ الْوَارِثَاتِ - إِنْ لَوْ قُدِّرَ مِيرَاثٌ - قَدِ
اعْتَرَفَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ مَا
تَرَكَهُ صَدَقَةً لَا مِيرَاثًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَقِيَّةَ أُمَّهَاتِ
الْمُؤْمِنِينَ وَافَقْنَهَا عَلَى مَا رَوَتْ، وَتَذَكَّرْنَ مَا قَالَتْ لَهُنَّ
مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ عِبَارَتَهَا تُؤْذِنُ بِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ مُقَرَّرٌ
عِنْدَهُنَّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا
نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ ".
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: بَابُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ " حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا هِشَامٌ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ وَالْعَبَّاسَ أَتَيَا أَبَا
بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطْلُبَانِ أَرْضَهُ مِنْ
فَدَكَ وَسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرَ. فَقَالَ لَهُمَا أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا نُورَثُ، مَا
تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ "
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَا أَدَعُ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ فِيهِ إِلَّا صَنَعْتُهُ. قَالَ:
فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى مَاتَتْ. وَهَكَذَا رَوَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ.
ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ
يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتْ أَبَا
بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِيرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا أَبُو
بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "
لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ " فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ، وَهَجَرَتْ
أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ. قَالَ: وَعَاشَتْ
فَاطِمَةُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سِتَّةَ أَشْهُرٍ. وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ. هَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي مِنْ "
صَحِيحِهِ " عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَزَادَ:
فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا عَلِيٌّ لَيْلًا وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا
بَكْرٍ، وَصَلَّى عَلَيْهَا، وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وَجْهٌ حَيَاةَ
فَاطِمَةَ. فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ،
فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ بَايَعَ
تِلْكَ الْأَشْهُرَ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ: ائْتِنَا وَلَا يَأْتِنَا
مَعَكَ أَحَدٌ. وَكَرِهَ أَنْ يَأْتِيَهُ عُمَرُ لِمَا عَلِمَ مِنْ شِدَّةِ
عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ، وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ. قَالَ أَبُو
بَكْرٍ: وَمَا عَسَى أَنْ يَصْنَعُوا بِي ؟ وَاللَّهِ لَآتِيَنَّهُمْ. فَانْطَلَقَ
أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ وَقَالَ: إِنَّا قَدْ
عَرَفْنَا فَضْلَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ، وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ
خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ،
وَلَكِنَّكُمُ اسْتَبْدَدْتُمْ بِالْأَمْرِ، وَكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لَنَا فِي هَذَا
الْأَمْرِ نَصِيبًا. فَلَمْ يَزَلْ عَلِيٌّ يَذْكُرُ حَتَّى بَكَى أَبُو بَكْرٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ
قَرَابَتِي، وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فِي هَذِهِ
الْأَمْوَالِ فَإِنِّي لَمْ آلُ فِيهَا عَنِ الْخَيْرِ، وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا
صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا صَنَعْتُهُ.
فَقَالَ عَلِيٌّ: مَوْعِدُكَ لِلْبَيْعَةِ عَشِيَّةً. فَلَمَّا صَلَّى أَبُو
بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الظُّهْرَ رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَشَهَّدَ،
وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنِ الْبَيْعَةِ، وَعُذْرَهُ بِالَّذِي
اعْتَذَرَ بِهِ، وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَظَّمَ حَقَّ
أَبِي بَكْرٍ، وَذَكَرَ فَضِيلَتَهُ وَسَابِقَتَهُ، وَحَدَّثَ أَنَّهُ لَمْ
يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ قَامَ إِلَى
أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَبَايَعَهُ فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى
عَلِيٍّ فَقَالُوا: أَحْسَنْتَ. وَكَانَ النَّاسُ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ
رَاجَعَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنَحْوِهِ.
فَهَذِهِ الْبَيْعَةُ الَّتِي وَقَعَتْ مِنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَعْدَ وَفَاةِ فَاطِمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، بَيْعَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِلصُّلْحِ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَهُمَا، وَهِيَ
ثَانِيَةٌ لِلْبَيْعَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَوَّلًا يَوْمَ السَّقِيفَةِ، كَمَا
رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، وَلَمْ يَكُنْ
عَلِيٌّ مُجَانِبًا لِأَبِي بَكْرٍ هَذِهِ السِّتَّةَ الْأَشْهُرِ، بَلْ
كَانَ يُصَلِّي وَرَاءَهُ وَيَحْضُرُ عِنْدَهُ
لِلْمَشُورَةِ، وَرَكِبَ مَعَهُ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ، كَمَا سَيَأْتِي.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ صَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِلَيَالٍ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ الْحَسَنَ بْنَ
عَلِيٍّ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَاحْتَمَلَهُ عَلَى كَاهِلِهِ، وَجَعَلَ
يَقُولُ: بِأَبِي شَبِيهُ النَّبِيِّ، لَيْسَ شَبِيهًا بَعَلِيٍّ، وَعَلِيٌّ
يَضْحَكُ. وَلَكِنْ لَمَّا وَقَعَتْ هَذِهِ الْبَيْعَةُ الثَّانِيَةُ اعْتَقَدَ
بَعْضُ الرُّوَاةِ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُبَايِعْ قَبْلَهَا، فَنَفَى ذَلِكَ،
وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، كَمَا تَقَدَّمَ وَكَمَا تَقَرَّرَ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا تَغَضُّبُ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
وَأَرْضَاهَا - عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، فَمَا
أَدْرِي مَا وَجْهُهُ، فَإِنْ كَانَ لِمَنْعِهِ إِيَّاهَا مَا سَأَلَتْهُ مِنَ
الْمِيرَاثِ، فَقَدِ اعْتَذَرَ إِلَيْهَا بِعُذْرٍ يَجِبُ قَبُولُهُ، وَهُوَ مَا
رَوَاهُ عَنْ أَبِيهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ: " لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ " وَهِيَ مِمَّنْ
تَنْقَادُ لِنَصِّ الشَّارِعِ الَّذِي خَفِيَ عَلَيْهَا قَبْلَ سُؤَالِهَا
الْمِيرَاثَ، كَمَا خَفِيَ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَتَّى أَخْبَرَتْهُنَّ عَائِشَةُ بِذَلِكَ، وَوَافَقْنَهَا عَلَيْهِ،
وَلَيْسَ يُظَنُّ بِفَاطِمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا اتَّهَمَتِ
الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِيمَا أَخْبَرَهَا بِهِ حَاشَاهَا وَحَاشَاهُ
مِنْ ذَلِكَ، كَيْفَ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ،
وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ،
وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَسَعْدُ بْنُ
أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةُ ؟ ! رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
أَجْمَعِينَ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ قَرِيبًا، وَلَوْ تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ
الصِّدِّيقُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَوَجَبَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ قَبُولُ رِوَايَتِهِ، وَالِانْقِيَادُ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ غَضَبُهَا لِأَجْلِ مَا سَأَلَتِ الصِّدِّيقَ - إِذْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَرَاضِي صَدَقَةً لَا مِيرَاثًا - أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا يَنْظُرُ فِيهَا، فَقَدِ اعْتَذَرَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ يَرَى أَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا كَانَ يَعْمَلُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَلِي مَا كَانَ يَلِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِهَذَا قَالَ: وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَدَعُ أَمْرًا كَانَ يَصْنَعُهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا صَنَعْتُهُ. قَالَ: فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى مَاتَتْ. وَهَذَا الْهِجْرَانُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَتَحَ عَلَى فِرْقَةِ الرَّافِضَةِ شَرًّا عَرِيضًا، وَجَهْلًا طَوِيلًا، وَأَدْخَلُوا أَنْفُسَهُمْ بِسَبَبِهِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِمْ، وَلَوْ تَفَهَّمُوا الْأُمُورَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ لَعَرَفُوا لِلصِّدِّيقِ فَضْلَهُ، وَقَبِلُوا مِنْهُ عُذْرَهُ الَّذِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ قَبُولُهُ، وَلَكِنَّهُمْ طَائِفَةٌ مَخْذُولَةٌ، وَفِرْقَةٌ مَرْذُولَةٌ، يَتَمَسَّكُونَ بِالْمُتَشَابِهِ، وَيَتْرُكُونَ الْأُمُورَ الْمُحْكَمَةَ الْمُقَرَّرَةَ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ أَجْمَعِينَ.
بَيَانُ رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ لِمَا
رَوَاهُ الصِّدِّيقُ وَمُوَافَقَتِهِمْ عَلَى ذَلِكَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ
عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ
الْحَدَثَانِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا
مِنْ حَدِيثِهِ ذَلِكَ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَسَأَلْتُهُ،
فَقَالَ: انْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ فَأَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا،
فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ،
وَالزُّبَيْرِ، وَسَعْدٍ ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَذِنَ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ
لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا. قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ
الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ، هَلْ تَعْمَلُونَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا نُورَثُ،
مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ " يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَفْسَهُ ؟ قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. فَأَقْبَلَ عَلَى
عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ ؟ قَالَا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. قَالَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ ; إِنَّ
اللَّهَ كَانَ قَدْ خَصَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ ; قَالَ: وَمَا
أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ إِلَى قَوْلِهِ قَدِيرٌ [ الْحَشْرِ: 6 ]
فَكَانَتْ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَاللَّهِ مَا
احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلَا
اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ، حَتَّى
بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ هَذَا الْمَالِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ ثُمَّ
يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، فَعَمِلَ بِذَلِكَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيَاتَهُ، أَنْشُدُكُمْ
بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ ؟ قَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ لَعَلِيٍّ
وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ ؟ قَالَا: نَعَمْ.
فَتَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَبَضَهَا، فَعَمِلَ بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ،
فَقُلْتُ: أَنَا وَلِيُّ وَلِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ، أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي
وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ
مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَجَاءَنِي هَذَا لِيَسْأَلَنِي نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ
أَبِيهَا، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ،
فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ ؟ ! فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ
تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَا أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى
تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ فَأَنَا
أَكْفِيكُمَاهَا. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ
" صَحِيحِهِ "، وَمُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ بِهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": فَقَالَ عُمَرُ: فَوَلِيَهَا
أَبُو بَكْرٍ، فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا
عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ
لِلْحَقِّ، ثُمَّ وَلِيتُهَا فَعَمِلْتُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي
صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي فَدَفَعْتُهَا
إِلَيْكُمَا لِتَعْمَلَا فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمِلْتُ فِيهَا أَنَا، أَنْشُدُكُمْ
بِاللَّهِ أَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ ؟ قَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ
لَهُمَا: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ ؟
قَالَا: نَعَمْ. قَالَ: أَفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ ؟ ! لَا
وَالَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لِعَبْدِ
الرَّحْمَنِ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي
تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ، أَعَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا
صَدَقَةٌ " قَالُوا: نَعَمْ. عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ ".
قُلْتُ: وَكَانَ الَّذِي سَأَلَاهُ بَعْدَ تَفْوِيضِ النَّظَرِ إِلَيْهِمَا،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ، هُوَ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمَا النَّظَرَ، فَيَجْعَلَ
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَظَرَ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِالْإِرْثِ لَوْ
قُدِّرَ أَنَّهُ كَانَ وَارِثًا، وَكَأَنَّهُمَا قَدَّمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمَا
جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ ; عُثْمَانُ وَابْنُ عَوْفٍ وَطَلْحَةُ
وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ، وَكَانَ قَدْ وَقَعَ بَيْنَهُمَا خُصُومَةٌ شَدِيدَةٌ
بِسَبَبِ إِشَاعَةِ النَّظَرِ بَيْنَهُمَا، فَقَالَتِ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ
قَدَّمَاهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنَهُمَا
وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الْآخَرِ. فَكَأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
تَحَرَّجَ مِنْ قِسْمَةِ النَّظَرِ بَيْنَهُمَا بِمَا يُشْبِهُ قِسْمَةَ
الْمِيرَاثِ، وَلَوْ فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ ; مُحَافَظَةً عَلَى امْتِثَالِ
قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا
صَدَقَةٌ " فَامْتَنَعَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ وَأَبَى مِنْ
ذَلِكَ أَشَدَّ الْإِبَاءِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلِيًّا وَالْعَبَّاسَ اسْتَمَرَّا
عَلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ، يَنْظُرَانِ فِيهَا جَمِيعًا إِلَى زَمَانِ عُثْمَانَ
بْنِ عَفَّانَ، فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا عَلِيٌّ، وَتَرَكَهَا لَهُ الْعَبَّاسُ
بِإِشَارَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بَيْنَ يَدَيْ
عُثْمَانَ، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ ". فَاسْتَمَرَّتْ
فِي أَيْدِي الْعَلَوِيِّينَ. وَقَدْ تَقَصَّيْتُ طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ
وَأَلْفَاظَهُ فِي مُسْنَدَيِ الشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا، فَإِنَّى، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، جَمَعْتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مُجَلَّدًا ضَخْمًا مِمَّا رَوَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَرَآهُ مِنَ الْفِقْهِ النَّافِعِ الصَّحِيحِ، وَرَتَّبْتُهُ عَلَى
أَبْوَابِ الْفِقْهِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا الْيَوْمَ. وَقَدْ رُوِّينَا أَنَّ
فَاطِمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، احْتَجَّتْ أَوَّلًا بِالْقِيَاسِ، وَبِالْعُمُومِ
فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَأَجَابَهَا الصِّدِّيقُ بِالنَّصِّ عَلَى الْخُصُوصِ
بِالْمَنْعِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهَا
سَلَّمَتْ لَهُ مَا قَالَ. وَهَذَا هُوَ الْمَظْنُونُ بِهَا، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا.
فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ قَالَتْ
لِأَبِي بَكْرٍ: مَنْ يَرِثُكَ إِذَا مُتَّ ؟ قَالَ: وَلَدِي وَأَهْلِي. قَالَتْ:
فَمَا لَنَا لَا نَرِثُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ !
فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
" إِنَّ النَّبِيَّ لَا يُورَثُ " وَلَكِنِّي أَعُولُ مَنْ كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُولُ، وَأُنْفِقُ عَلَى
مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ. وَقَدْ
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي " جَامِعِهِ "، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُثَنَّى، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ فَوَصَلَ
الْحَدِيثَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ:
حَسَنٌ غَرِيبٌ.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ
الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ إِلَى أَبِي
بَكْرٍ: أَأَنْتَ وَرِثْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَمْ أَهْلُهُ ؟ فَقَالَ: لَا، بَلْ أَهْلُهُ. قَالَتْ، فَأَيْنَ سَهْمُ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " إِنَّ
اللَّهَ إِذَا أَطْعَمَ نَبِيًّا طُعْمَةً ثُمَّ قَبَضَهُ جَعَلَهُ لِلَّذِي
يَقُومُ مِنْ بَعْدِهِ " فَرَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
قَالَتْ: فَأَنْتَ وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ بِهِ. فَفِي لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ غَرَابَةٌ
وَنَكَارَةٌ، وَلَعَلَّهُ رُوِيَ بِمَعْنَى مَا فَهِمَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ،
وَمِنْهُمْ مَنْ فِيهِ تَشَيُّعٌ، فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ. وَأَحْسَنُ مَا فِيهِ
قَوْلُهَا: أَنْتَ وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وَهَذَا هُوَ الْمَظْنُونُ بِهَا، وَاللَّائِقُ بِأَمْرِهَا
وَسِيَادَتِهَا وَعِلْمِهَا وَدِينِهَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَكَأَنَّهَا
سَأَلَتْهُ بَعْدَ هَذَا أَنْ يَجْعَلَ زَوْجَهَا نَاظِرًا عَلَى هَذِهِ
الصَّدَقَةِ فَلَمْ يُجِبْهَا إِلَى ذَلِكَ ; لِمَا قَدَّمْنَاهُ، فَتَعَتَّبَتْ
عَلَيْهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، تَأْسَفُ كَمَا
يَأْسَفُونَ، وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةِ الْعِصْمَةِ مَعَ وُجُودِ نَصِّ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُخَالَفَةِ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَبِي
بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ تَرَضَّى فَاطِمَةَ وَتَلَايَنَهَا
قَبْلَ مَوْتِهَا، فَرَضِيَتْ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، ثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ
الْعَتَكِيُّ بِنَيْسَابُورَ، أَنْبَأَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا مَرِضَتْ فَاطِمَةُ أَتَاهَا
أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا
فَاطِمَةُ، هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكِ. فَقَالَتْ: أَتُحِبُّ أَنْ
آذَنَ لَهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَذِنَتْ لَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَتَرَضَّاهَا
فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ الدَّارَ وَالْمَالَ وَالْأَهْلَ وَالْعَشِيرَةَ
إِلَّا ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ، وَمَرْضَاةِ رَسُولِهِ، وَمَرْضَاتِكُمْ أَهْلَ
الْبَيْتِ. ثُمَّ تَرَضَّاهَا حَتَّى رَضِيَتْ. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ
قَوِيٌّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَامِرًا الشَّعْبِيَّ سَمِعَهُ مِنْ عَلِيٍّ، أَوْ
مِمَّنْ سَمِعَهُ مِنْ عَلِيٍّ.
وَقَدِ اعْتَرَفَ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْبَيْتِ بِصِحَّةِ مَا حَكَمَ بِهِ أَبُو
بَكْرٍ فِي ذَلِكَ ; قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، ثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، ثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا ابْنُ
دَاوُدَ، عَنْ فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ
الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ: أَمَّا أَنَا فَلَوْ كُنْتُ مَكَانَ أَبِي بَكْرٍ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَحَكَمْتُ بِمَا حَكَمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، فِي فَدَكَ.
فَصْلٌ
وَقَدْ تَكَلَّمَتِ الرَّافِضَةُ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِجَهْلٍ، وَتَكَلَّفُوا
مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ، وَكَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ
وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ، وَأَدْخَلُوا أَنْفُسَهُمْ فِيمَا لَا
يَعْنِيهِمْ، وَحَاوَلَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَرُدَّ خَبَرَ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، فِيمَا ذَكَرْنَاهُ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ حَيْثُ
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ الْآيَةَ. [ النَّمْلِ:
16 ]. وَحَيْثُ قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا، عَنْ زَكَرِيَّا أَنَّهُ قَالَ: فَهَبْ
لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ
رَبِّ رَضِيًّا [ مَرْيَمَ: 6، 5 ] وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِهَذَا بَاطِلٌ مِنْ
وُجُوهٍ ; أَحَدُهَا أَنَّ قَوْلَهُ: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ إِنَّمَا
يَعْنِي بِذَلِكَ فِي الْمُلْكِ وَالنُّبُوَّةِ ; أَيْ جَعَلْنَاهُ قَائِمًا
بَعْدَهُ فِيمَا كَانَ يَلِيهِ مِنَ الْمُلْكِ وَتَدْبِيرِ الرَّعَايَا،
وَالْحُكْمِ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَجَعَلْنَاهُ نَبِيًّا كَرِيمًا
كَأَبِيهِ، فَكَمَا جُمِعَ لِأَبِيهِ الْمُلْكُ وَالنُّبُوَّةُ كَذَلِكَ جُعِلَ
وَلَدُهُ بَعْدَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذَا وِرَاثَةَ الْمَالِ ; لِأَنَّ
دَاوُدَ كَمَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ
كَثِيرُونَ يُقَالُ: مِائَةُ وَلَدٍ. فَلِمَ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ سُلَيْمَانَ
مِنْ بَيْنِهِمْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ وِرَاثَةَ الْمَالِ ؟ إِنَّمَا الْمُرَادُ
وِرَاثَةُ الْقِيَامِ بَعْدَهُ فِي النُّبُوَّةِ وَالْمُلْكِ، وَلِهَذَا قَالَ:
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ
الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ
وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْآيَاتِ. وَقَدْ أَشْبَعْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا فِي
كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ " بِمَا فِيهِ
كِفَايَةٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
وَالْمِنَّةُ كَثِيرًا.
وَأَمَّا قِصَّةُ زَكَرِيَّا فَإِنَّهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنَ الْأَنْبِيَاءِ
الْكِرَامِ، وَالدُّنْيَا كَانَتْ عِنْدَهُ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ
وَلَدًا لِيَرِثَهُ فِي مَالِهِ، كَيْفَ وَإِنَّمَا كَانَ نَجَّارًا يَأْكُلُ مَنْ
كَسْبِ يَدِهِ ؟ ! كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَدَّخِرَ
مِنْهَا فَوْقَ قُوتِهِ حَتَّى يَسْأَلَ وَلَدًا يَرِثُ عَنْهُ مَالَهُ - إِنْ
لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ - وَإِنَّمَا سَأَلَ وَلَدًا صَالِحًا يَرِثُهُ فِي
النُّبُوَّةِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَحَمْلِهِمْ عَلَى
السَّدَادِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: كهيعص ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ
زَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ
الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ
شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي
عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ
يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا [ مَرْيَمَ: 1 - 6 ] الْقِصَّةَ
بِتَمَامِهَا. فَقَالَ: وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ يَعْنِي
النُّبُوَّةَ كَمَا قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي " التَّفْسِيرِ " وَلِلَّهِ
الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " النَّبِيُّ لَا يُورَثُ " وَهَذَا اسْمُ
جِنْسٍ يَعُمُّ كُلَّ الْأَنْبِيَاءِ. وَقَدْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَفِي
الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " نَحْنُ مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ ".
الْوَجْهُ الثَّانِي، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَدْ خُصَّ مِنْ بَيْنِ الْأَنْبِيَاءِ بِأَحْكَامٍ لَا يُشَارِكُونَهُ فِيهَا،
كَمَا سَنَعْقِدُ لَهُ بَابًا مُفْرَدًا فِي آخِرِ السِّيرَةِ، إِنْ شَاءَ
اللَّهُ، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ غَيْرَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يُورَثُونَ -
وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ - لَكَانَ مَا رَوَاهُ مَنْ ذَكَرْنَاهُ مِنَ
الصَّحَابَةِ الَّذِينَ مِنْهُمُ
الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ ; أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ،
مُبَيِّنًا لِتَخْصِيصِهِ بِهَذَا الْحُكْمِ دُونَ مَا سِوَاهُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ، أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَالْحُكْمُ
بِمُقْتَضَاهُ، كَمَا حَكَمَ بِهِ الْخُلَفَاءُ، وَاعْتَرَفَ بِصِحَّتِهِ
الْعُلَمَاءُ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ أَمْ لَا، فَإِنَّهُ قَالَ: "
لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ " إِذْ يَحْتَمِلُ مِنْ حَيْثُ
اللَّفْظُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " مَا
تَرَكْنَا صَدَقَةٌ " أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِ
سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ مَعَهُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ،
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِنْشَاءَ وَصِيَّةٍ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا نُورَثُ ;
لِأَنَّ جَمِيعَ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ. وَيَكُونُ تَخْصِيصُهُ مِنْ حَيْثُ
جَوَازُ جَعْلِهِ مَالَهُ كُلَّهُ صَدَقَةً، وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ،
وَهُوَ الَّذِي سَلَكَهُ الْجُمْهُورُ. وَقَدْ يَقْوَى الْمَعْنَى الثَّانِي بِمَا
تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ
الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا
تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ "
وَهَذَا اللَّفْظُ مُخَرَّجٌ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، وَهُوَ يَرَدُّ
تَحْرِيفَ مَنْ قَالَ مِنَ الْجَهَلَةِ مِنْ طَائِفَةِ الشِّيعَةِ فِي رِوَايَةِ
هَذَا الْحَدِيثِ " مَا تَرَكْنَا صَدَقَةً ". بِالنَّصْبِ ; جَعَلَ
" مَا " نَافِيَةً فَكَيْفَ يَصْنَعُ بِأَوَّلِ الْحَدِيثِ وَهُوَ
قَوْلُهُ " لَا نُورَثُ " ؟ ! وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ: " مَا
تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ " ؟
! وَمَا شَأْنُ هَذَا إِلَّا كَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ
قَرَأَ عَلَى شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا
بِنَصْبِ الْجَلَالَةِ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: وَيْحَكَ ! كَيْفَ تَصْنَعُ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ. [
الْأَعْرَافِ: 143 ]
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ " عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى، فَإِنَّهُ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ آيَةِ الْمِيرَاثِ، وَمُخْرِجٌ لَهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مِنْهَا إِمَّا وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ إِخْوَانِهِ الْأَنْبِيَاءِ، عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
بَابُ ذِكْرِ زَوْجَاتِهِ صَلَوَاتُ
اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَرَضِيَ عَنْهُنَّ، وَأَوْلَادِهِ عَلَيْهِمُ
السَّلَامُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ
النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي
فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا
تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ
الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا
يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
لَطِيفًا خَبِيرًا [ الْأَحْزَابِ: 32 - 34 ]. لَا خِلَافَ أَنَّهُ، عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، تُوُفِّيَ عَنْ تِسْعٍ وَهُنَّ ; عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي
بَكْرٍ الصِّدِّيقِ التَّيْمِيَّةُ، وَحَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
الْعَدَوِيَّةُ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ
حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ الْأُمَوِيَّةُ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّةُ،
وَأُمُّ سَلَمَةَ هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيَّةُ، وَمَيْمُونَةُ
بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ الْعَامِرِيَّةُ،
وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ الْمُصْطَلِقِيَّةُ،
وَصَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ النَّضْرِيَّةُ الْإِسْرَائِيلِيَّةُ
الْهَارُونِيَّةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ وَأَرْضَاهُنَّ. وَكَانَتْ لَهُ
سُرِّيَّتَانِ ; وَهُمَا مَارِيَةُ بِنْتُ شَمْعُونَ الْقِبْطِيَّةُ
الْمِصْرِيَّةُ مِنْ كُورَةِ أَنْصِنَا، وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ
إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ،
وَرَيْحَانَةُ بِنْتُ شَمْعُونَ الْقُرَظِيَّةُ، أَسْلَمَتْ ثُمَّ أَعْتَقَهَا،
فَلَحِقَتْ بِأَهْلِهَا، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهَا حُجِبَتْ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مُفَصَّلًا وَمُرَتَّبًا مِنْ حَيْثُ مَا وَقَعَ
أَوَّلًا فَأَوَّلًا مَجْمُوعًا مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ،
فَنَقُولُ وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ: رَوَى الْحَافِظُ الْكَبِيرُ أَبُو بَكْرٍ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ
تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَ عَشْرَةَ
امْرَأَةً، دَخَلَ مِنْهُنَّ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ إِحْدَى
عَشْرَةَ، وَمَاتَ عَنْ تِسْعٍ. ثُمَّ ذَكَرَ هَؤُلَاءِ التِّسْعَ اللَّاتِي
ذَكَرْنَاهُنَّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ. وَرَوَاهُ بَحْرُ بْنُ كَنِيزٍ عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَرَوَاهُ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ
التَّمِيمِيُّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ
مِثْلَهُ. وَرَوَى سَيْفٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ ; قَالَتْ: فَالْمَرْأَتَانِ
اللَّتَانِ لَمَّ يَدْخُلْ بِهِمَا فَهُمَا ; عَمْرَةُ بِنْتُ يَزِيدَ
الْغِفَارِيَّةُ، وَالشَّنْبَاءُ ; فَأَمَّا عَمْرَةُ فَإِنَّهُ خَلَا بِهَا
وَجَرَّدَهَا فَرَأَى بِهَا وَضَحًا، فَرَدَّهَا وَأَوْجَبَ لَهَا الصَّدَاقَ،
وَحُرِّمَتْ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا
الشَّنْبَاءُ فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ لَمْ تَكُنْ يَسِيرَةً، فَتَرَكَهَا
يَنْتَظِرُ بِهَا الْيُسْرَ، فَلَمَّا مَاتَ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمَ عَلَى تَفِئَةِ
ذَلِكَ، قَالَتْ: لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ يَمُتِ ابْنُهُ. فَطَلَّقَهَا
وَأَوْجَبَ لَهَا الصَّدَاقَ، وَحُرِّمَتْ عَلَى غَيْرِهِ. قَالَتْ: فَاللَّاتِي
اجْتَمَعْنَ عِنْدَهُ ; عَائِشَةُ، وَسَوْدَةُ، وَحَفْصَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ،
وَأُمُّ حَبِيبَةَ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ،
وَجُوَيْرِيَةُ، وَصَفِيَّةُ، وَمَيْمُونَةُ، وَأُمُّ شَرِيكٍ.
قُلْتُ: وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنْ أَنَسٍأَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ وَهُنَّ
إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ أُمَّ شَرِيكٍ لَمْ يَدْخُلْ
بِهَا، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِالْإِحْدَى عِشْرَةَ
اللَّاتِي كَانَ يَطُوفُ عَلَيْهِنَّ التِّسْعُ الْمَذْكُورَاتُ وَالْجَارِيَتَانِ
مَارِيَةُ وَرَيْحَانَةُ.
وَرَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَبِي
مَنِيعٍ، عَنْ جَدِّهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ الرُّصَافِيِّ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ - وَقَدْ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ
فِي " صَحِيحِهِ " عَنِ
الْحَجَّاجِ هَذَا، وَأَوْرَدَ لَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ طُرُقًا عَنْهُ -
أَنَّ أَوَّلَ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ
قُصَيٍّ، زَوَّجَهُ إِيَّاهَا أَبُوهَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ - وَفِي رِوَايَةٍ
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ عُمُرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ تَزَوَّجَ خَدِيجَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَقِيلَ:
خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً. زَمَانَ بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ. وَقَالَهُ
الْوَاقِدِيُّ، وَزَادَ: وَلَهَا خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً. وَقَالَ آخَرُونَ
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: كَانَ عُمُرُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،
يَوْمَئِذٍ ثَلَاثِينَ سَنَةً. وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: كَانَ عُمُرُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ تَزَوَّجَ خَدِيجَةَ
خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَعُمُرُهَا أَرْبَعُونَ سَنَةً. وَعَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: كَانَ عُمُرُهَا ثَمَانِيًا وَعِشْرِينَ سَنَةً. رَوَاهُمَا ابْنُ
عَسَاكِرَ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ابْنَ
سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً - فَوَلَدَتْ لَهُ الْقَاسِمَ، وَبِهِ كَانَ يُكَنَّى،
وَالطَّيِّبَ، وَالطَّاهِرَ، وَزَيْنَبَ، وَرُقَيَّةَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ،
وَفَاطِمَةَ.
قُلْتُ: وَهِيَ أُمُّ أَوْلَادِهِ كُلِّهِمْ سِوَى إِبْرَاهِيمَ فَمِنْ مَارِيَةَ،
كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى كُلِّ بِنْتٍ مِنْ بَنَاتِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ تَزَوَّجَهَا،
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ زَيْنَبَ تَزَوَّجَهَا أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ
عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ
عَبْدِ مَنَافٍ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ خَدِيجَةَ، أُمُّهُ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا اسْمُهُ عَلِيٌّ، وَبِنْتًا اسْمُهَا أُمَامَةُ بِنْتُ زَيْنَبَ، وَقَدْ تَزَوَّجَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ وَفَاةِ فَاطِمَةَ، وَمَاتَ وَهِيَ عِنْدَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ بِالْمُغِيرَةِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَأَمَّا رُقَيَّةُ فَتَزَوَّجَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ وَبِهِ كَانَ يُكَنَّى أَوَّلًا، ثُمَّ اكْتَنَى بِابْنِهِ عَمْرٍو، وَمَاتَتْ رُقَيَّةُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ، وَلَمَّا قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِالْبِشَارَةِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَاوَوُا التُّرَابَ عَلَيْهَا، وَكَانَ عُثْمَانُ قَدْ أَقَامَ عِنْدَهَا يُمَرِّضُهَا، فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، ثُمَّ زَوَّجَهُ بِأُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُومٍ، وَلِهَذَا كَانَ يُقَالُ لَهُ: ذُو النُّورَيْنِ. فَتُوُفِّيَتْ عِنْدَهُ أَيْضًا فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا فَاطِمَةُ فَتَزَوَّجَهَا ابْنُ عَمِّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَدَخَلَ بِهَا بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ كَمَا قَدَّمْنَا، فَوَلَدَتْ لَهُ حَسَنًا، وَبِهِ كَانَ يُكَنَّى، وَحُسَيْنًا، وَهُوَ الْمَقْتُولُ شَهِيدًا بِأَرْضِ الْعِرَاقِ. قُلْتُ: وَيُقَالُ: وَمُحَسِّنًا. قَالَ: وَزَيْنَبَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ، وَقَدْ تَزَوَّجَ زَيْنَبَ هَذِهِ ابْنُ عَمِّهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَلِيًّا وَعَوْنًا، وَمَاتَتْ عِنْدَهُ، وَأَمَّا أُمُّ كُلْثُومٍ فَتَزَوَّجَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَوَلَدَتْ لَهُ زَيْدًا وَمَاتَ عَنْهَا، فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ بِبَنِي عَمِّهَا جَعْفَرٍ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ; تَزَوَّجَتْ بِعَوْنِ بْنِ جَعْفَرٍ فَمَاتَ عَنْهَا، فَخَلَفَ عَلَيْهَا أَخُوهُ مُحَمَّدٌ فَمَاتَ عَنْهَا، فَخَلَفَ عَلَيْهَا أَخُوهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، فَمَاتَتْ عِنْدَهُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَدْ كَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلَيْنِ ; الْأَوَّلُ مِنْهُمَا عَتِيقُ بْنُ عَائِذِ بْنِ مَخْزُومٍ، فَوَلَدَتْ مِنْهُ جَارِيَةً وَهِيَ أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ
صَيْفِيٍّ، وَالثَّانِي أَبُو هَالَةَ
التَّمِيمِيُّ فَوَلَدَتْ لَهُ هِنْدَ ابْنَ هِنْدٍ، وَقَدْ سَمَّاهُ ابْنُ
إِسْحَاقَ، فَقَالَ: ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا بَعْدَ هَلَاكِ عَتِيقِ بْنِ عَائِذٍ
أَبُو هَالَةَ النَّبَّاشُ بْنُ زُرَارَةَ، أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ،
حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، فَوَلَدَتْ لَهُ رَجُلًا وَامْرَأَةً، ثُمَّ
هَلَكَ عَنْهَا، فَخَلَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَوَلَدَتْ لَهُ بَنَاتِهِ الْأَرْبَعَ ثُمَّ بَعْدَهُنَّ الْقَاسِمَ
وَالطَّيِّبَ وَالطَّاهِرَ، فَذَهَبَ الْغِلْمَةُ جَمِيعًا وَهُمْ يُرْضَعُونَ.
قُلْتُ: وَلَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مُدَّةَ حَيَاتِهَا امْرَأَةً، كَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا
قَالَتْ ذَلِكَ. وَقَدْ قَدَّمْنَا تَزْوِيجَهَا فِي مَوْضِعِهِ وَذَكَرْنَا
شَيْئًا مِنْ فَضَائِلِهَا بِدَلَائِلِهَا.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: ثُمَّ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَعْدَ خَدِيجَةَ بِعَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي قُحَافَةَ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ
بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا.
قُلْتُ: وَلَمْ يُولَدْ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، وَقِيلَ: بَلْ أَسْقَطَتْ مِنْهُ
وَلَدًا سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ
اللَّهِ، وَلِهَذَا كَانَتْ تُكَنَّى بِأُمِّ عَبْدِ اللَّهِ. وَقِيلَ إِنَّمَا
كَانَتْ تُكَنَّى بِعَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أُخْتِهَا أَسْمَاءَ مِنَ الزُّبَيْرِ
بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
قُلْتُ: وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ
سَوْدَةَ قَبْلَ عَائِشَةَ. قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ كَمَا قَدَّمْنَا
ذِكْرَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَدَّمْنَا صِفَةَ
تَزْوِيجِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، بِهِمَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَتَأَخُّرَ دُخُولِهِ بِعَائِشَةَ
إِلَى مَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ.
قَالَ: وَتَزَوَّجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ
بْنِ عَدِيِّ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ
بْنِ لُؤَيٍّ مَاتَ عَنْهَا مُؤْمِنًا.
قَالَ: وَتَزَوَّجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ هِنْدَ
بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
مَخْزُومٍ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ ابْنِ عَمِّهَا أَبِي سَلَمَةَ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
مَخْزُومٍ.
قَالَ: وَتَزَوَّجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ
بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
حَسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ السَّكْرَانِ بْنِ
عَمْرٍو أَخِي سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، مَاتَ عَنْهَا مُسْلِمًا
بَعْدَ رُجُوعِهِ وَإِيَّاهَا مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى مَكَّةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا.
قَالَ: وَتَزَوَّجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ حَبِيبَةَ رَمْلَةَ
بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ
عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، مَاتَ بِأَرْضِ
الْحَبَشَةِ نَصْرَانِيًّا، بَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ
فَخَطَبَهَا عَلَيْهِ، فَزَوَّجَهَا مِنْهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ كَذَا قَالَ،
وَالصَّوَابُ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ،
وَأَصْدَقَهَا عَنْهُ النَّجَاشِيُّ
أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، وَبَعَثَ بِهَا مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ، وَقَدْ
قَدَّمْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ مُطَوَّلًا. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ
قَالَ: وَتَزَوَّجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشِ
بْنِ رِئَابِ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَأُمُّهَا أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَكَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَوْلَاهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، وَهِيَ أَوَّلُ نِسَائِهِ لُحُوقًا بِهِ، وَأَوَّلُ مَنْ عُمِلَ
عَلَيْهَا النَّعْشُ، صَنَعَتْهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ عَلَيْهَا كَمَا
رَأَتْ ذَلِكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. قَالَ: وَتَزَوَّجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ خُزَيْمَةَ، وَهِيَ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافِ بْنِ
هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَيُقَالُ لَهَا: أُمُّ الْمَسَاكِينِ.
وَكَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ قُتِلَ يَوْمَ
أُحُدٍ فَلَمْ تَلْبَثْ عِنْدَهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، إِلَّا
يَسِيرًا حَتَّى تُوُفِّيَتْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
وَقَالَ يُونُسُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: كَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ
الْحُصَيْنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، أَوْ
عِنْدَ أَخِيهِ الطُّفَيْلِ بْنِ الْحَارِثِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنِ بْنِ بُجَيْرِ بْنِ
الْهُزَمِ بْنِ رُوَيْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ
صَعْصَعَةَ قَالَ: وَهِيَ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا.
قُلْتُ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَهَا، وَكَانَ
السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا أَبُو رَافِعٍ مَوْلَاهُ، كَمَا بَسَطْنَا ذَلِكَ فِي
عُمْرَةِ الْقَضَاءِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَدْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَهُ
رَجُلَيْنِ، أَوَّلُهُمَا
ابْنُ عَبْدِ يَالِيلَ - وَقَالَ
سَيْفُ بْنُ عُمَرَ فِي رِوَايَتِهِ: كَانَتْ تَحْتَ عُمَيْرِ بْنِ عَمْرٍو أَحَدِ
بَنِي عُقْدَةَ مِنْ ثَقِيفِ بْنِ عَمْرٍو الثَّقَفِيِّ، مَاتَ عَنْهَا - ثُمَّ
خَلَفَ عَلَيْهَا أَبُو رُهْمِ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ
عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ.
قَالَ: وَسَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُوَيْرِيَةَ
بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَائِذِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، يَوْمَ الْمُرَيْسِيعِ فَأَعْتَقَهَا
وَتَزَوَّجَهَا. وَيُقَالُ: بَلْ قَدِمَ أَبُوهَا الْحَارِثُ، وَكَانَ مَلِكَ
خُزَاعَةَ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ ابْنِ عَمِّهَا صَفْوَانَ بْنِ أَبِي
الشُّفْرِ. قَالَهُ قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيِّ،
وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا: وَكَانَ هَذَا الْبَطْنُ مِنْ
خُزَاعَةَ حُلَفَاءَ لِأَبِي سُفْيَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; وَلِهَذَا يَقُولُ حَسَّانُ:
وَحِلْفُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ وَحِلْفُ قُرَيْظَةٍ فِيكُمْ سَوَاءُ
وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ فِي رِوَايَتِهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،
عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: وَكَانَتْ جُوَيْرِيَةُ
تَحْتَ ابْنِ عَمِّهَا مَالِكِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ
تَوْلَبٍ ذِي الشُّفْرِ بْنِ أَبِي
السَّرْحِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْمُصْطَلِقِ.
قَالَ: وَسَبَى صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ
يَوْمَ خَيْبَرَ وَهِيَ عَرُوسٌ بِكِنَانَةَ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ. وَقَدْ
زَعَمَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ كِنَانَةَ
عِنْدَ سَلَّامِ بْنِ مِشْكَمٍ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَهَذِهِ إِحْدَى
عَشْرَةَ امْرَأَةً دَخَلَ بِهِنَّ. قَالَ: وَقَدْ قَسَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
فِي خِلَافَتِهِ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَأَعْطَى جُوَيْرِيَةَ وَصَفِيَّةَ
سِتَّةَ آلَافٍ، سِتَّةَ آلَافٍ، بِسَبَبِ أَنَّهُمَا سُبِيَتَا. قَالَ
الزُّهْرِيُّ: وَقَدْ حَجَبَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَقَسَمَ لَهُمَا.
قُلْتُ: وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي تَزْوِيجِهِ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ النِّسْوَةِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُنَّ فِي مَوْضِعِهِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَدْ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْعَالِيَةَ بِنْتَ ظَبْيَانَ بْنِ عَمْرِو مِنْ بَنِي أَبِي بَكْرِ
بْنِ كِلَابٍ، وَدَخَلَ بِهَا، وَطَلَّقَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: كَذَا فِي كِتَابِي. وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ: وَلَمْ
يَدْخُلْ بِهَا فَطَلَّقَهَا.
وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ
الْكَلْبِيِّ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَبِي بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ الْعَالِيَةَ بِنْتَ
ظَبْيَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ
بْنِ كِلَابٍ، فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ دَهْرًا ثُمَّ طَلَّقَهَا.
وَقَدْ رَوَى يَعْقُوبُ بْنُ
سُفْيَانَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي مَنِيعٍ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ سُفْيَانَ الْكِلَابِيَّ
هُوَ الَّذِي دَلَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا،
وَأَنَا أَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لَكَ
فِي أُخْتِ أُمِّ شَبِيبٍ ؟ وَأُمُّ شَبِيبٍ امْرَأَةُ الضَّحَّاكِ. وَبِهِ قَالَ
الزُّهْرِيُّ: وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ كِلَابٍ، فَأُنْبِئَ أَنَّ بِهَا بَيَاضًا،
فَطَلَّقَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا. قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ هِيَ
الَّتِي قَبْلَهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: وَتَزَوَّجَ أُخْتَ بَنِي الْجَوْنِ الْكِنْدِيِّ، وَهُمْ حُلَفَاءُ بَنِي
فَزَارَةَ، فَاسْتَعَاذَتْ مِنْهُ، فَقَالَ: " لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ،
الْحَقِي بِأَهْلِكِ " فَطَلَّقَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا. قَالَ: وَكَانَتْ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُرِّيَّةً يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ.
فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا اسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ، فَتُوُفِّيَ وَقَدْ مَلَأَ
الْمَهْدَ. وَكَانَتْ لَهُ وَلِيدَةٌ يُقَالُ لَهَا: رَيْحَانَةُ بِنْتُ
شَمْعُونَ، مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ خُنَافَةَ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ بَنِي
قُرَيْظَةَ، أَعْتَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا قَدِ احْتَجَبَتْ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ بِسَنَدِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُجَاهِدٍ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ خَوْلَةَ
بِنْتَ الْهُذَيْلِ بْنِ هُبَيْرَةَ التَّغْلِبِيِّ، وَأُمُّهَا خِرْنِقُ بِنْتُ
خَلِيفَةَ، أُخْتُ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ، فَحُمِلَتْ إِلَيْهِ مِنَ الشَّامِ
فَمَاتَتْ فِي الطَّرِيقِ، فَتَزَوَّجَ خَالَتَهَا شَرَافَ بِنْتَ فَضَالَةَ بْنِ
خَلِيفَةَ، فَحُمِلَتْ إِلَيْهِ مِنَ الشَّامِ فَمَاتَتْ فِي الطَّرِيقِ أَيْضًا.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تَزَوَّجَ أَسْمَاءَ بِنْتَ كَعْبٍ
الْجَوْنِيَّةَ، فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى طَلَّقَهَا، وَتَزَوَّجَ عَمْرَةَ
بِنْتَ يَزِيدَ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي كِلَابٍ ثُمَّ مِنْ بَنِي الْوَحِيدِ،
وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،
فَطَلَّقَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَهَاتَانِ هُمَا
اللَّتَانِ ذَكَرَهُمَا الزُّهْرِيُّ، وَلَمْ يُسَمِّهِمَا، إِلَّا أَنَّ ابْنَ
إِسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرِ الْعَالِيَةَ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا الْحَاكِمُ، أَنْبَأَنَا الْأَصَمُّ،
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ
زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ،عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: وَهَبْنَ لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ أَنْفُسَهُنَّ، فَدَخَلَ
بِبَعْضِهِنَّ، وَأَرْجَى بَعْضَهُنَّ، فَلَمْ يَقْرَبْهُنَّ حَتَّى تُوُفِّيَ،
وَلَمْ يُنْكَحْنَ بَعْدَهُ، مِنْهُنَّ أُمُّ شَرِيكٍ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى
تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ
ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ [ الْأَحْزَابِ: 51 ] قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: كَانَتْ خَوْلَةُ - يَعْنِي بِنْتَ حَكِيمٍ - مِمَّنْ وَهَبْنَ
أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي
قِصَّةِ الْجَوْنِيَّةِ الَّتِي اسْتَعَاذَتْ فَأَلْحَقَهَا بِأَهْلِهَا، أَنَّ
اسْمَهَا أُمَيْمَةُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ. كَذَا قَالَ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الزُّبَيْرِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ،عَنْ حَمْزَةَ بْنِ
أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ، وَعَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ،
قَالَا: مَرَّ بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابٌ لَهُ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى
انْطَلَقْنَا إِلَى حَائِطٍ يُقَالُ لَهُ: الشَّوْطُ. حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى
حَائِطَيْنِ فَجَلَسْنَا بَيْنَهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اجْلِسُوا ". وَدَخَلَ هُوَ وَقَدْ أُتِيَ
بِالْجَوْنِيَّةِ، فَعُزِلَتْ فِي بَيْتِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ النُّعْمَانِ بْنِ
شَرَاحِيلَ، وَمَعَهَا دَايَةٌ لَهَا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " هَبِي لِي نَفْسَكِ "
قَالَتْ: وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ ؟ ! وَقَالَتْ: إِنِّي
أُعَوِّذُ بِاللَّهِ مِنْكَ. قَالَ: " لَقَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ " ثُمَّ
خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: " يَا أَبَا أُسَيْدٍ اكْسُهَا رَازِقِيَّتَيْنِ،
وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا " وَقَالَ غَيْرُ أَبِي أَحْمَدَ: امْرَأَةٌ مِنْ
بَنِي الْجَوْنِ يُقَالُ لَهَا أُمَيْنَةُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
الْغَسِيلِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ،عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى
انْطَلَقْنَا إِلَى حَائِطٍ يُقَالُ لَهُ: الشَّوْطُ. حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى
حَائِطَيْنِ جَلَسْنَا بَيْنَهُمَا، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" اجْلِسُوا هَاهُنَا ". فَدَخَلَ وَقَدْ أُتِيَ بِالْجَوْنِيَّةِ،
فَأُنْزِلَتْ فِي بَيْتٍ فِي نَخْلٍ فِي بَيْتِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ النُّعْمَانِ
بْنِ شَرَاحِيلَ، وَمَعَهَا دَايَتُهَا حَاضِنَةٌ لَهَا، فَلَمَّا دَخَلَ
عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " هَبِي
نَفْسَكِ لِي " قَالَتْ: وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ ؟
! قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ، فَقَالَتْ:
" أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ". فَقَالَ: قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ ثُمَّ
خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: " يَا أَبَا أُسَيْدٍ
اكْسُهَا رَازِقِيَّتَيْنِ،
وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا ".
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الْغَسِيلِ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ
أَبِيهِ وَأَبِي أُسَيْدٍ، قَالَا:تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أُمَيْمَةَ بِنْتَ شَرَاحِيلَ، فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ بَسَطَ
يَدَهُ إِلَيْهَا، فَكَأَنَّهَا كَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ أَنْ
يُجَهِّزَهَا وَيَكْسُوَهَا ثَوْبَيْنِ رَازِقِيَّيْنِ. ثُمَّ قَالَ
الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
وَعَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ بِهَذَا. انْفَرَدَ
الْبُخَارِيُّ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، ثَنَا الْوَلِيدُ، ثَنَا
الْأَوْزَاعِيُّ، سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ: أَيُّ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي
عُرْوَةُ،عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ.
فَقَالَ " لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الْحَقِي بِأَهْلِكَ " وَقَالَ:
وَرَوَاهُ حَجَّاجُ بْنُ أَبِي مَنِيعٍ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ
عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ... انْفَرَدَ بِهِ دُونَ مُسْلِمٍ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَأَيْتُ فِي كِتَابِ " الْمَعْرِفَةِ "
لِابْنِ مَنْدَهْ، أَنَّ اسْمَ الَّتِي اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ أُمَيْمَةُ بِنْتُ
النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ، وَيُقَالُ: فَاطِمَةُ بِنْتُ الضَّحَّاكِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا أُمَيْمَةُ،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَزَعَمُوا أَنَّ الْكِلَابِيَّةَ اسْمُهَا عَمْرَةُ، وَهِيَ
الَّتِي وَصَفَهَا أَبُوهَا بِأَنَّهَا لَمْ تَمْرَضْ قَطُّ، فَرَغِبَ عَنْهَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ: هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ،
اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ فَطَلَّقَهَا، فَكَانَتْ تَلْقُطُ الْبَعْرَ وَتَقُولُ: أَنَا
الشَّقِيَّةُ. قَالَ: وَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَمَاتَتْ سَنَةَ سِتِّينَ.
وَذَكَرَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فِيمَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، أَسْمَاءَ بِنْتَ كَعْبٍ الْجَوْنَيَّةَ،
وَعَمْرَةَ بِنْتَ يَزِيدَ الْكِلَابِيَّةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ:
أَسْمَاءُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي الْجَوْنِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا مُغْضَبًا،
فَقَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ: لَا يَسُؤْكَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَعِنْدِي
أَجْمَلُ مِنْهَا. فَزَوَّجَهُ أُخْتَهُ قُتَيْلَةُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ
ذَلِكَ فِي رَبِيعٍ سَنَةَ تِسْعٍ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً. فَذَكَرَ مِنْهُنَّ
أُمَّ شَرِيكٍ الْأَنْصَارِيَّةَ النَّجَّارِيَّةَ، قَالَ: وَقَدْ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ
أَتَزَوَّجَ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ غَيْرَتَهُنَّ " وَلَمْ
يَدْخُلْ بِهَا. قَالَ: وَتَزَوَّجَ أَسْمَاءَ بِنْتَ الصَّلْتِ مِنْ بَنِي
حَرَامٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي
سُلَيْمٍ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا،
وَخَطَبَ جَمْرَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّةَ.
وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ: وَقَالَ أَبُو
عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ امْرَأَةً. فَذَكَرَ مِنْهُنَّ قُتَيْلَةَ
بِنْتَ قَيْسٍ أُخْتَ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ
تَزَوَّجَهَا قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرَيْنِ، وَزَعَمَ آخَرُونَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا
فِي مَرَضِهِ. قَالَ: وَلَمْ تَكُنْ قَدِمَتْ عَلَيْهِ وَلَا رَآهَا وَلَا دَخَلَ
بِهَا. قَالَ: وَزَعَمَ آخَرُونَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
أَوْصَى أَنْ تُخَيَّرَ قُتَيْلَةُ، فَإِنْ شَاءَتْ يَضْرِبُ عَلَيْهَا
الْحِجَابَ، وَتُحَرَّمُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ شَاءَتْ، فَلْتَنْكِحْ مَنْ
شَاءَتْ، فَاخْتَارَتِ النِّكَاحَ، فَتَزَوَّجَهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ
بِحَضْرَمَوْتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ
أُحَرِّقَ عَلَيْهِمَا. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَا هِيَ مِنْ
أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا دَخَلَ بِهَا، وَلَا ضَرَبَ عَلَيْهَا
الْحِجَابَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوصِ فِيهَا بِشَيْءٍ، وَأَنَّهَا
ارْتَدَّتْ بَعْدَهُ، فَاحْتَجَّ عُمَرُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بِارْتِدَادِهَا ;
أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ. وَذَكَرَ ابْنُ مَنْدَهْ أَنَّ
الَّتِي ارْتَدَّتْ هِيَ الْبَرْصَاءُ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ
ذُبْيَانَ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي
هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ قُتَيْلَةَ أُخْتَ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ،
فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُخَيِّرَهَا، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ.
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ، أَنَّ عِكْرِمَةَ
بْنَ أَبِي جَهْلٍ لَمَّا تَزَوَّجَ
قُتَيْلَةَ أَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَرَاجَعَهُ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَإِنَّهَا ارْتَدَّتْ مَعَ أَخِيهَا، فَبَرِئَتْ مِنَ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمْ يَزَلْ بِهِ
حَتَّى كَفَّ عَنْهُ.
قَالَ الْحَاكِمُ: وَزَادَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْعَدَدِ فَاطِمَةَ بِنْتَ
شُرَيْحٍ، وَسَنَا بِنْتَ أَسْمَاءَ بْنِ الصَّلْتِ السُّلَمِيَّةُ. هَكَذَا رَوَى
ذَلِكَ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَنْدَهْ بِسَنَدِهِ، عَنْ قَتَادَةَ،
فَذَكَرَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ مِثْلَ
ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَهِيَ سَبَا.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَيُقَالُ سَنَا بِنْتُ الصَّلْتِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ
حَارِثَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ حَرَامِ بْنِ سِمَاكِ بْنِ عَوْفٍ السُّلَمِيِّ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ
الْكَلْبِيُّ، حَدَّثَنِي الْعَرْزَمِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
كَانَ فِي نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَا
بِنْتُ سُفْيَانَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَعَثَ أَبَا أُسَيْدٍ يَخْطُبُ عَلَيْهِ امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ يُقَالُ
لَهَا: عَمْرَةُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ كِلَابٍ، فَتَزَوَّجَهَا،
فَبَلَغَهُ أَنَّ بِهَا بَيَاضًا فَطَلَّقَهَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ
الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو مَعْشَرٍ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُلَيْكَةَ بِنْتِ كَعْبٍ، وَكَانَتْ تُذْكَرُ
بِجَمَالٍ بَارِعٍ. فَدَخَلَتْ عَلَيْهَا عَائِشَةُ، فَقَالَتْ: أَلَا تَسْتَحِينَ
أَنْ تَنْكِحِي قَاتِلَ أَبِيكِ ؟ فَاسْتَعَاذَتْ مِنْهُ فَطَلَّقَهَا، فَجَاءَ
قَوْمُهَا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا صَغِيرَةٌ وَلَا رَأْيَ
لَهَا، وَإِنَّهَا خُدِعَتْ، فَارْتَجِعْهَا، فَأَبَى، فَاسْتَأْذَنُوهُ أَنْ
يُزَوِّجُوهَا بِقَرِيبٍ لَهَا مِنْ بَنِي عُذْرَةَ، فَأَذِنَ لَهُمْ. قَالَ:
وَكَانَ أَبُوهَا قَدْ قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَوْمَ الْفَتْحِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ الْجُنْدَعِيُّ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: دَخَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَمَاتَتْ عِنْدَهُ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَأَصْحَابُنَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: أَنْبَأَنَا أَبُو
الْفَتْحِ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَاهَانِيُّ، أَنْبَأَنَا شُجَاعُ
بْنُ عَلِيِّ بْنِ شُجَاعٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ،
أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثَنَا أَبُو
الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُوَجِّهِ الْفَزَارِيُّ،
أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ، أَنْبَأَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ
قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَدِيجَةَ بِنْتَ
خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ بِمَكَّةَ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ عَتِيقِ بْنِ
عَائِذٍ الْمَخْزُومِيِّ، ثُمَّ تَزَوَّجَ بِمَكَّةَ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي
بَكْرٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَ بِالْمَدِينَةِ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، وَكَانَتْ
قَبْلَهُ تَحْتَ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، ثُمَّ تَزَوَّجَ سَوْدَةَ
بِنْتَ زَمْعَةَ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ
السَّكْرَانِ بْنِ عَمْرٍو، أَخِي
بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي
سُفْيَانَ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ الْأَسَدِيِّ،
أَحَدِ بَنِي خُزَيْمَةَ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ،
وَكَانَ اسْمُهَا هِنْدَ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ أَبِي سَلَمَةَ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ثُمَّ تَزَوَّجَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ خُزَيْمَةَ الْهِلَالِيَّةَ،
وَتَزَوَّجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَالِيَةَ بِنْتَ ظَبْيَانَ،
مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كِلَابٍ، وَتَزَوَّجَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي الْجَوْنِ مِنْ كِنْدَةَ، وَسَبَى
جُوَيْرِيَةَ - فِي الْغَزْوَةِ الَّتِي هَدَمَ فِيهَا مَنَاةَ غَزْوَةِ
الْمُرَيْسِيعِ - ابْنَةَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ
مِنْ خُزَاعَةَ، وَسَبَى صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ،
وَكَانَتَا مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَسَمَ لَهُمَا، وَاسْتَسَرَّ
مَارِيَةَ جَارِيَتَهُ الْقِبْطِيَّةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ إِبْرَاهِيمَ،
وَاسْتَسَرَّ رَيْحَانَةَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَلَحِقَتْ
بِأَهْلِهَا، وَاحْتَجَبَتْ وَهِيَ عِنْدَ أَهْلِهَا، وَطَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَالِيَةَ بِنْتَ ظَبْيَانَ، وَفَارَقَ
أُخْتَ بَنِي عَمْرِو بْنِ كِلَابٍ، وَفَارَقَ أُخْتَ بَنِي الْجَوْنِ
الْكِنْدِيَّةَ مِنْ أَجْلِ بَيَاضٍ كَانَ بِهَا، وَتُوُفِّيَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ
خُزَيْمَةَ الْهِلَالِيَّةُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَيٌّ، وَبَلَغَنَا أَنَّ الْعَالِيَةَ بِنْتَ ظَبْيَانَ الَّتِي طُلِّقَتْ
تَزَوَّجَتْ قَبْلَ أَنْ يُحَرِّمَ اللَّهُ النِّسَاءَ، فَنَكَحَتِ ابْنَ عَمٍّ
لَهَا مِنْ قَوْمِهَا، وَوَلَدَتْ فِيهِمْ. سُقْنَاهُ بِالسَّنَدِ لِغَرَابَةِ مَا
فِيهِ مِنْ ذِكْرِهِ تَزْوِيجَ سَوْدَةَ بِالْمَدِينَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ
كَانَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: فَمَاتَتْ
خَدِيجَةُ بِنْتُ
خُوَيْلِدٍ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثِ سِنِينَ، لَمْ
يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا امْرَأَةً حَتَّى مَاتَتْ هِيَ وَأَبُو طَالِبٍ فِي سَنَةِ،
فَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ خَدِيجَةَ
سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ، ثُمَّ تَزَوَّجَ بَعْدَ سَوْدَةَ عَائِشَةَ بِنْتَ
أَبِي بَكْرٍ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا، وَلَمْ يُصِبْ مِنْهَا وَلَدًا
حَتَّى مَاتَ ثُمَّ تَزَوَّجَ بَعْدَ عَائِشَةَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، ثُمَّ
تَزَوَّجَ بَعْدَ حَفْصَةَ زَيْنَبَ بِنْتَ خُزَيْمَةَ الْهِلَالِيَّةَ أُمَّ
الْمَسَاكِينِ، ثُمَّ تَزَوَّجَ بَعْدَهَا أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي
سُفْيَانَ، ثُمَّ تَزَوَّجَ بَعْدَهَا أُمَّ سَلَمَةَ هِنْدَ بِنْتَ أَبِي
أُمَيَّةَ، ثُمَّ تَزَوَّجَ بَعْدَهَا زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَ
بَعْدَهَا جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ. قَالَ: ثُمَّ
تَزَوَّجَ بَعْدَ جُوَيْرِيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، ثُمَّ
تَزَوَّجَ بَعْدَهَا مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةَ. فَهَذَا
التَّرْتِيبُ أَحْسَنُ وَأَقْرَبُ مِمَّا رَتَّبَهُ الزُّهْرِيُّ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ جَمِيلِ بْنِ زَيْدٍ
الطَّائِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:تَزَوَّجَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي غِفَارٍ،
فَدَخَلَ بِهَا، فَأَمَرَهَا فَنَزَعَتْ ثَوْبَهَا، فَرَأَى بِهَا بَيَاضًا مِنْ
بَرَصٍ عِنْدَ ثَدْيَيْهَا، فَانْمَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَقَالَ " خُذِي ثَوْبَكِ ". وَأَصْبَحَ فَقَالَ لَهَا:
" الْحَقِي بِأَهْلِكِ ". فَأَكْمَلَ لَهَا صَدَاقَهَا.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ، مِنْ حَدِيثِ جَمِيلِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَهْلِ
بْنِ زَيْدٍ
الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ مِمَّنْ
رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ غِفَارٍ، فَذَكَرَ
مِثْلَهُ.
قُلْتُ: وَمِمَّنْ تَزَوَّجَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ
يَدْخُلْ بِهَا أُمُّ شَرِيكٍ الْأَزْدِيَّةُ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَالْمُثْبَتُ
أَنَّهَا دَوْسِيَّةٌ. وَقِيلَ الْأَنْصَارِيَّةُ. وَيُقَالُ عَامِرِيَّةٌ،
وَأَنَّهَا خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ السُّلَمِيُّ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ:
اسْمُهَا غَزِيَّةُ بِنْتُ جَابِرِ بْنِ حَكِيمٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ جَمِيعُ مَا تَزَوَّجَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً،
مِنْهُنَّ أُمُّ شَرِيكٍ الْأَنْصَارِيَّةُ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ: وَتَزَوَّجَ أُمَّ شَرِيكٍ
الْأَنْصَارِيَّةَ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، وَقَالَ: " إِنِّي أُحِبُّ أَنْ
أَتَزَوَّجَ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ غَيْرَتَهُنَّ " وَلَمْ
يَدْخُلْ بِهَا.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ حَكِيمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: تَزَوَّجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَى بِنْتَ
الْخَطِيمِ الْأَنْصَارِيَّةَ، وَكَانَتْ غَيُورًا فَخَافَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ،
فَاسْتَقَالَتْهُ فَأَقَالَهَا.
فَصْلٌ فِيمَنْ خَطَبَهَا عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا
قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ
فَاخِتَةَ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَطَبَهَا، فَذَكَرَتْ أَنَّ لَهَا صِبْيَةً صِغَارًا فَتَرَكَهَا،
وَقَالَ: " خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ ;
أَحْنَاهُ عَلَى طِفْلٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ
".
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ وَلِي عِيَالٌ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ،عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَتْ: خَطَبَنِي رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَذَرْتُ إِلَيْهِ فَعَذَرَنِي.
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ
أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ
عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي
هَاجَرْنَ مَعَكَ [ الْأَحْزَابِ: 50 ] الْآيَةَ.
قَالَتْ: فَلَمْ أَكُنْ أَحِلُّ لَهُ ;
لِأَنِّي لَمْ أُهَاجِرْ، كُنْتُ مِنَ الطُّلَقَاءِ. ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ
حَسَنٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ السُّدِّيِّ. فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ
مَنْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ لَا تَحِلُّ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وَقَدْ نَقَلَ هَذَا الْمَذْهَبَ مُطْلَقًا الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ
فِي " تَفْسِيرِهِ " عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ
بِقَوْلِهِ: اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ أَيْ ; مِنَ الْقِرَابَاتِ
الْمَذْكُورَاتِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ ; أَيْ
أَسْلَمْنَ مَعَكَ. فَعَلَى هَذَا لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إِلَّا نِسَاءُ
الْكُفَّارِ وَتَحِلُّ لَهُ جَمِيعُ الْمُسْلِمَاتِ، فَلَا يُنَافِي تَزْوِيجَهُ
مِنْ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَمْ يَدْخُلْ
بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَصْلًا. وَأَمَّا حِكَايَةُ الْمَاوَرْدِيِّ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ خُزَيْمَةَ أَمَّ الْمَسَاكِينِ أَنْصَارِيَّةٌ،
فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ ; فَإِنَّهَا هِلَالِيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا تَقَدَّمَ
بَيَانُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقْبَلَتْ لَيْلَى بِنْتُ
الْخَطِيمِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ
مُوَلٍّ ظَهْرَهُ إِلَى الشَّمْسِ، فَضَرَبَتْ مَنْكِبَهُ فَقَالَ: " مَنْ
هَذَا ؟ أَكَلَهُ الْأَسْوَدُ " وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَقُولُهَا فَقَالَتْ:
أَنَا بِنْتُ مُطْعِمِ الطَّيْرِ، وَمُبَارِي الرِّيحِ، أَنَا لَيْلَى بِنْتُ
الْخَطِيمِ،
جِئْتُكَ لِأَعْرِضَ عَلَيْكَ نَفْسِي،
تَزَوَّجْنِي. قَالَ: " قَدْ فَعَلْتُ ". فَرَجَعَتْ إِلَى قَوْمِهَا
فَقَالَتْ: قَدْ تَزَوَّجْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالُوا: بِئْسَ مَا صَنَعْتِ، أَنْتِ امْرَأَةٌ غَيْرَى، وَرَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاحِبُ نِسَاءٍ، تَغَارِينَ عَلَيْهِ،
فَيَدْعُو اللَّهَ عَلَيْكِ، فَاسْتَقِيلِيهِ. فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: أَقِلْنِي
يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَقَالَهَا، فَتَزَوَّجَهَا مَسْعُودُ بْنُ أَوْسِ بْنِ
سَوَادِ بْنِ ظَفَرٍ فَوَلَدَتْ لَهُ، فَبَيْنَمَا هِيَ يَوْمًا تَغْتَسِلُ فِي
بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ إِذْ وَثَبَ عَلَيْهَا ذِئْبٌ أَسْوَدُ فَأَكَلَ
بَعْضَهَا، فَمَاتَتْ.
وَبِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ عَامِرِ بْنِ قُرْطٍ، كَانَتْ
تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ فَطَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ
هِشَامُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فَوَلَدَتْ لَهُ سَلَمَةَ، وَكَانَتِ امْرَأَةً
ضَخْمَةً جَمِيلَةً لَهَا شَعْرٌ غَزِيرٌ يُجَلِّلُ جِسْمَهَا، فَخَطَبَهَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِ ابْنِهَا سَلَمَةَ، فَقَالَ:
حَتَّى أَسْتَأْمِرَهَا. وَقِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنَّهَا قَدْ كَبِرَتْ. فَأَتَاهَا ابْنُهَا فَاسْتَأْذَنَهَا فَقَالَتْ: يَا
بُنَيَّ، أَفِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْتَأْذِنُ ؟
فَرَجَعَ ابْنُهَا فَسَكَتَ وَلَمْ يَرُدَّ جَوَابًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّهَا قَدْ طَعَنَتْ فِي
السِّنِّ، وَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا.
وَبِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ بِنْتَ بَشَامَةَ بْنِ نَضْلَةَ الْعَنْبَرِيِّ،
وَكَانَ أَصَابَهَا سِبَاءٌ فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ:
إِنْ شِئْتِ أَنَا، وَإِنْ شِئْتِ
زَوْجَكِ فَقَالَتْ: بَلْ زَوْجِي. فَأَرْسَلَهَا، فَلَعَنَتْهَا بَنُو تَمِيمٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا الْوَاقِدِيُّ، ثَنَا مُوسَى بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ أُمُّ
شَرِيكٍ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، فَوَهَبَتْ نَفْسَهَا
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقْبَلْهَا، فَلَمْ
تَتَزَوَّجْ حَتَّى مَاتَتْ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَأَنْبَأَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ جَابِرٍ،
عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ أُمَّ شَرِيكٍ الدَّوْسِيَّةَ. قَالَ
الْوَاقِدِيُّ: الثَّبْتُ عِنْدَنَا أَنَّهَا مِنْ دَوْسٍ مِنَ الْأَزْدِ. قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَاسْمُهَا غَزِيَّةُ بِنْتُ جَابِرِ بْنِ حَكِيمٍ.
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ أُمَّ شَرِيكٍ كَانَتْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتِ امْرَأَةً صَالِحَةً.
وَمِمَّنْ خَطَبَهَا وَلَمْ يَعْقِدْ
عَلَيْهَا جَمْرَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ
الْمُزَنِيِّ، فَقَالَ أَبُوهَا: إِنَّ بِهَا سُوءًا. وَلَمْ يَكُنْ بِهَا،
فَرَجَعَ إِلَيْهَا وَقَدْ تَبَرَّصَتْ، وَهِيَ أُمُّ شَبِيبِ بْنِ الْبَرْصَاءِ
الشَّاعِرِ. هَكَذَا ذَكَرَهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ.
قَالَ: وَخَطَبَ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
فَوَجَدَ أَبَاهَا أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ أَرْضَعَتْهُمَا ثُوَيْبَةُ
مَوْلَاةُ أَبِي لَهَبٍ.
فَهَؤُلَاءِ نِسَاؤُهُ، وَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ ; صِنْفٌ دَخَلَ بِهِنَّ
وَمَاتَ عَنْهُنَّ، وَهُنَّ التِّسْعُ الْمُبْدَأُ بِذِكْرِهِنَّ، وَهُنَّ حَرَامٌ
عَلَى النَّاسِ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْإِجْمَاعِ
الْمُحَقِّقِ الْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ ضَرُورَةً، وَعِدَّتُهُنَّ بِانْقِضَاءِ
أَعْمَارِهِنَّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا
رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ
ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا [ الْأَحْزَابِ: 53 ]. وَصِنْفٌ دَخَلَ
بِهِنَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَطَلَّقَهُنَّ فِي حَيَاتِهِ، فَهَلْ
يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَزَوَّجَهُنَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ مِنْهُ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ ; أَحَدُهُمَا،
لَا ; لِعُمُومِ الْآيَةِ
الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. وَالثَّانِي،
نَعَمْ ; بِدَلِيلِ آيَةِ التَّخْيِيرِ وَهِيَ قَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا
فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ
كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ
أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا قَالُوا: فَلَوْلَا أَنَّهَا
تَحِلُّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ فِرَاقِهِ إِيَّاهَا لَمْ يَكُنْ
فِي تَخْيِيرِهَا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَائِدَةٌ، إِذْ لَوْ كَانَ
فِرَاقُهُ لَهَا لَا يُبِيحُهَا لِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ لَهَا،
وَهَذَا قَوِيٌّ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَمَّا الصِّنْفُ الثَّالِثُ
وَهِيَ مَنْ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَهَذِهِ
يَحِلُّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْقِسْمِ
نِزَاعًا. وَأَمَّا مَنْ خَطَبَهَا وَلَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا فَأَوْلَى لَهَا
أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَأَوْلَى. وَسَيَجِيءُ فَصْلٌ فِي كِتَابِ الْخَصَائِصِ
يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَقَامِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ فِي ذِكْرِ سَرَارِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سُرِّيَّتَانِ إِحْدَاهُمَا،
مَارِيَةُ بِنْتُ شَمْعُونَ الْقِبْطِيَّةُ، أَهْدَاهَا لَهُ صَاحِبُ
إِسْكَنْدَرِيَّةَ، وَاسْمُهُ جُرَيْجُ بْنُ مِينَا، وَأَهْدَى مَعَهَا أُخْتَهَا
سِيرِينَ - وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ أَنَّهُ أَهْدَاهَا فِي أَرْبَعِ جَوَارٍ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ -
وَغُلَامًا خَصِيًّا اسْمُهُ
مَأْبُورٌ، وَبَغْلَةً يُقَالُ لَهَا: الدُّلْدُلُ. فَقَبِلَ هَدِيَّتِهِ
وَاخْتَارَ لِنَفْسِهِ مَارِيَةَ، وَكَانَتْ مِنْ قَرْيَةٍ بِبِلَادِ مِصْرَ
يُقَالُ لَهَا: حَفْنٌ. مِنْ كُورَةِ أَنْصِنَا، وَقَدْ وَضَعَ عَنْ أَهْلِ هَذِهِ
الْبَلْدَةِ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي أَيَّامِ إِمَارَتِهِ
الْخَرَاجَ ; إِكْرَامًا لَهَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا حَمَلَتْ مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَلَدٍ ذَكَرٍ، وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ. قَالُوا: وَكَانَتْ مَارِيَةُ جَمِيلَةً بَيْضَاءَ أُعْجِبَ
بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَحَبَّهَا
وَحَظِيَتْ عِنْدَهُ، وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ مَا وَضَعَتْ إِبْرَاهِيمَ وَلَدَهُ.
وَأَمَّا أُخْتُهَا سِيرِينُ فَوَهَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
بْنَ حَسَّانَ، وَأَمَّا الْغُلَامُ الْخَصِيُّ، وَهُوَ مَأْبُورٌ، فَقَدْ كَانَ
يَدْخُلُ عَلَى مَارِيَةَ وَسِيرِينِ بِلَا إِذْنٍ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُ
بِمِصْرَ، فَتَكَلَّمَ بَعْضُ النَّاسِ فِيهَا بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَشْعُرُوا
أَنَّهُ خَصِيٌّ حَتَّى انْكَشَفَ الْحَالُ، عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ قَرِيبًا،
إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا الْبَغْلَةُ فَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ يَرْكَبُهَا، وَالظَّاهِرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّهَا الَّتِي
كَانَ رَاكِبَهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ. وَقَدْ تَأَخَّرَتْ هَذِهِ الْبَغْلَةُ،
وَطَالَتْ مُدَّتُهَا حَتَّى كَانَتْ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي
أَيَّامِ إِمَارَتِهِ، وَمَاتَ، فَصَارَتْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَبِرَتْ حَتَّى كَانَ يُجَشُّ لَهَا الشَّعِيرُ
لِتَأْكُلَهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ
عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ
الْمُهَاجِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ، عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: أَهْدَى أَمِيرُ الْقِبْطِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَارِيَتَيْنِ أُخْتَيْنِ، وَبَغْلَةً فَكَانَ يَرْكَبُ
الْبَغْلَةَ بِالْمَدِينَةِ،
وَاتَّخَذَ إِحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ، فَوَلَدَتْ لَهُ إِبْرَاهِيمَ ابْنَهُ،
وَوَهَبَ الْأُخْرَى.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي
صَعْصَعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ
قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجَبُ
بِمَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ، وَكَانَتْ بَيْضَاءَ جَعْدَةً جَمِيلَةً
فَأَنْزَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُخْتَهَا
عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَدَخَلَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَ عَلَيْهِمَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَتَا
هُنَاكَ، فَوَطِئَ مَارِيَةَ بِالْمِلْكِ، وَحَوَّلَهَا إِلَى مَالٍ لَهُ
بِالْعَالِيَةِ كَانَ مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ، فَكَانَتْ فِيهِ فِي
الصَّيْفِ، وَفِي خُرَافَةِ النَّخْلِ، فَكَانَ يَأْتِيهَا هُنَاكَ، وَكَانَتْ
حَسَنَةَ الدِّينِ، وَوَهَبَ أُخْتَهَا سِيرِينَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ
فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَوَلَدَتْ مَارِيَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا سَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَقَّ
عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ يَوْمَ
سَابِعِهِ، وَحَلَقَ رَأَسَهُ، وَتَصَدَّقَ بِزِنَةِ شِعْرِهِ فِضَّةً عَلَى
الْمَسَاكِينِ، وَأَمَرَ بِشِعْرِهِ فَدُفِنَ فِي الْأَرْضِ، وَسَمَّاهُ
إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَتْ قَابِلَتُهَا سَلْمَى مَوْلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَتْ إِلَى زَوْجِهَا أَبِي رَافِعٍ
فَأَخْبَرَتْهُ بِأَنَّهَا قَدْ وَلَدَتْ غُلَامًا، فَجَاءَ أَبُو رَافِعٍ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَشَّرَهُ، فَوَهَبَ لَهُ
عَبْدًا، وَغَارَ نِسَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَاشْتَدَّ عَلَيْهِنَّ حِينَ رُزِقَ مِنْهَا الْوَلَدَ.
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ
الْقَاسِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ،
عَنْ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ زَكَرِيَّا الْمَدَائِنِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَارَّةَ، عَنِ ابْنِ
أَبِي الْحُسَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا وَلَدَتْ
مَارِيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَعْتَقَهَا
وَلَدُهَا " ثُمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ زِيَادُ بْنُ
أَيُّوبَ وَهُوَ ثِقَةٌ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ بِمِثْلِهِ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. وَقَدْ أَفْرَدَنَا
لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهِيَ بَيْعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، مُصَنَّفًا
مُفْرَدًا عَلَى حِدَتِهِ، وَحَكَيْنَا فِيهِ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ بِمَا
حَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى ثَمَانِيَةِ أَقْوَالٍ، وَذَكَرْنَا مُسْتَنَدَ كُلِّ
قَوْلٍ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: أَكْثَرُوا عَلَى مَارِيَةَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ
فِي قِبْطِيٍّ ابْنِ عَمٍّ لَهَا يَزُورُهَا وَيَخْتَلِفُ إِلَيْهَا فَقَالَ:
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خُذْ هَذَا السَّيْفَ
فَانْطَلِقْ فَإِنْ وَجَدْتَهُ عِنْدَهَا فَاقْتُلْهُ " قَالَ: قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَكُونُ فِي أَمْرِكَ إِذَا أَرْسَلْتَنِي كَالشِّكَّةِ
الْمُحَمَّاةِ لَا يُثْنِينِي شَيْءٌ حَتَّى أَمْضِيَ لِمَا أَمَرْتَنِي بِهِ،
أَمِ الشَّاهِدُ يَرَى مَا لَا يَرَى الْغَائِبُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بَلِ الشَّاهِدُ يَرَى مَا لَا يَرَى
الْغَائِبُ " فَأَقْبَلْتُ مُتَوَشِّحًا السَّيْفَ، فَوَجَدْتُهُ
عِنْدَهَا، فَاخْتَرَطْتُ السَّيْفَ
فَلَمَّا رَآنِي عَرَفَ أَنِّي أُرِيدُهُ، فَأَتَى نَخْلَةً فَرَقِيَ فِيهَا،
ثُمَّ رَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى قَفَاهُ، ثُمَّ شَالَ رِجْلَيْهِ، فَإِذَا بِهِ
أَجَبُّ أَمْسَحُ مَا لَهُ مِمَّا لِلرِّجَالِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، فَأَتَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ "
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَرَفَ عَنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا سُفْيَانُ،
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ عَلِيٍّ
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا بَعَثْتَنِي أَكُونُ كَالسِّكَّةِ
الْمُحَمَّاةِ، أَمِ الشَّاهِدُ يَرَى مَا لَا يَرَى الْغَائِبُ ؟ قَالَ "
الشَّاهِدُ يَرَى مَا لَا يَرَى الْغَائِبُ " هَكَذَا رَوَاهُ مُخْتَصَرًا.
وَهُوَ أَصْلُ الْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ، وَإِسْنَادُهُ رِجَالٌ ثِقَاتٌ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ
الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ
أَبِي حَبِيبٍ، وَعُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:لَمَّا وَلَدَتْ
مَارِيَةُ إِبْرَاهِيمَ، كَادَ أَنْ يَقَعَ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ،
فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا إِبْرَاهِيمَ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى
الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ،
عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:أَهْدَى مَلِكٌ مِنْ
بَطَارِقَةِ الرُّومِ يُقَالُ لَهُ: الْمُقَوْقِسُ جَارِيَةً قِبْطِيَّةً مِنْ
بَنَاتِ الْمُلُوكِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَهْدَى مَعَهَا ابْنَ عَمٍّ لَهَا شَابًّا، فَدَخَلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا ذَاتَ يَوْمٍ مَدْخَلَ
خَلْوَةٍ فَأَصَابَهَا فَحَمَلَتْ بِإِبْرَاهِيمَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا
اسْتَبَانَ حَمْلُهَا جَزِعَتْ مِنْ ذَلِكَ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ، فَاشْتَرَى لَهَا
ضَأْنَةً لَبَوْنًا تُغَذِّي مِنْهَا الصَّبِيَّ، فَصَلُحَ عَلَيْهِ جِسْمُهُ
وَحَسُنَ لَوْنُهُ، وَصَفَا لَوْنُهُ، فَجَاءَ بِهِ ذَاتَ يَوْمٍ يَحْمِلُهُ عَلَى
عُنُقِهِ فَقَالَ: " يَا عَائِشَةُ كَيْفَ تَرَيْنَ الشَّبَهَ ؟ "
فَقُلْتُ وَأَنَا غَيْرَى: مَا أَرَى شَبَهًا. فَقَالَ: " وَلَا اللَّحْمُ "
فَقُلْتُ: لَعَمْرِي، مَنْ تَغَذَّى بِأَلْبَانِ الضَّأْنِ لَيَحْسُنُ لَحْمُهُ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَاتَتْ مَارِيَةُ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ،
فَصَلَّى عَلَيْهَا
عُمَرُ، وَدَفَنَهَا فِي الْبَقِيعِ.
وَكَذَا قَالَ الْمُفَضَّلُ بْنُ غَسَّانَ الْغَلَّابِيُّ. وَقَالَ خَلِيفَةُ
وَأَبُو عُبَيْدٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: مَاتَتْ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ
رَحِمَهَا اللَّهُ.
وَمِنْهُنَّ رَيْحَانَةُ بِنْتُ زَيْدٍ، مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، وَيُقَالُ: مِنْ
بَنِي قُرَيْظَةَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَتْ رَيْحَانَةُ بِنْتُ زَيْدٍ مِنْ
بَنِي النَّضِيرِ، وَكَانَتْ مُزَوَّجَةً فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ صَفِيًّا،
وَكَانَتْ جَمِيلَةً فَعَرَضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ تُسْلِمَ، فَأَبَتْ إِلَّا الْيَهُودِيَّةَ، فَعَزَلَهَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ، فَأَرْسَلَ
إِلَى ابْنِ سَعْيَةَ، فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ سَعْيَةَ: فِدَاكَ
أَبِي وَأُمِّي، هِيَ تُسْلِمُ. فَخَرَجَ حَتَّى جَاءَهَا فَجَعَلَ يَقُولُ لَهَا:
لَا تَتَّبِعِي قَوْمَكِ، فَقَدْ رَأَيْتِ مَا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ حُيَيُّ بْنُ
أَخْطَبَ، فَأَسْلِمِي يَصْطَفِيكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ. فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ إِذْ سَمِعَ وَقْعَ نَعْلَيْنِ فَقَالَ: " إِنَّ
هَاتَيْنِ لَنَعْلَا ابْنِ سَعْيَةَ يُبَشِّرُنِي بِإِسْلَامِ رَيْحَانَةَ "
فَجَاءَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَسْلَمَتْ
رَيْحَانَةُ. فَسُّرَ بِذَلِكَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ ابْنُ إِسْحَاقَ لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْظَةَ اصْطَفَى لِنَفْسِهِ رَيْحَانَةَ بِنْتَ عَمْرِو
بْنِ خُنَافَةَ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى تُوَفِّيَ عَنْهَا وَهِيَ فِي
مِلْكِهِ، وَكَانَ عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ وَيَتَزَوَّجُهَا، فَأَبَتْ
إِلَّا الْيَهُودِيَّةَ. ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ إِسْلَامِهَا مَا تَقَدَّمَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ
أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بَشِيرٍ
الْمُعَاوِيِّ قَالَ: فَأَرْسَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى بَيْتِ سَلْمَى
بِنْتِ قَيْسٍ أَمِّ الْمُنْذِرِ، فَكَانَتْ عِنْدَهَا حَتَّى حَاضَتْ حَيْضَةً،
ثُمَّ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا، فَجَاءَتْ أُمُّ الْمُنْذِرِ فَأَخْبَرَتْ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهَا فِي مَنْزِلِ أُمِّ
الْمُنْذِرِ، فَقَالَ لَهَا: " إِنْ أَحْبَبْتِ أَنْ أُعْتِقَكِ،
وَأَتَزَوَّجَكِ فَعَلْتُ، وَإِنْ أَحْبَبْتِ أَنْ تَكُونِي فِي مِلْكِي أَطَؤُكِ
بِالْمِلْكِ فَعَلْتُ " فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ أَخَفُّ
عَلَيْكَ وَعَلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِلْكِكَ. فَكَانَتْ فِي مِلْكِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطَؤُهَا حَتَّى مَاتَتْ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ: سَأَلْتُ
الزُّهْرِيَّ عَنْ رَيْحَانَةَ فَقَالَ: كَانَتْ أَمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَكَانَتْ تَحْتَجِبُ
فِي أَهْلِهَا، وَتَقُولُ: لَا يَرَانِي أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَهَذَا أَثْبَتُ الْحَدِيثَيْنِ
عِنْدَنَا، وَكَانَ زَوْجُهَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
الْحَكَمَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثَنَا عَاصِمُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: أَعْتَقَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَيْحَانَةَ بِنْتَ زَيْدِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ خُنَافَةَ، وَكَانَتْ عِنْدَ زَوْجٍ لَهَا، وَكَانَ مُحِبًّا
لَهَا مُكْرِمًا فَقَالَتْ: لَا أَسْتَخْلِفُ بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَدًا. وَكَانَتْ
ذَاتَ جَمَالٍ فَلَمَّا سُبِيَتْبَنُو قُرَيْظَةَ عُرِضَ السَّبْيُ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: فَكُنْتُ فِيمَنْ عُرِضَ
عَلَيْهِ، فَأَمَرَ بِي فَعُزِلْتُ، وَكَانَ يَكُونُ لَهُ صَفِيٌّ فِي كُلِّ
غَنِيمَةٍ، فَلَمَّا عُزِلْتُ خَارَ اللَّهَ لِي، فَأَرْسَلَ بِي إِلَى مَنْزِلِ
أُمِّ الْمُنْذِرِ بِنْتِ قَيْسٍ أَيَّامًا حَتَّى قَتَلَ الْأَسْرَى وَفَرَّقَ
السَّبْيَ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَتَحَيَّيْتُ مِنْهُ حَيَاءً، فَدَعَانِي فَأَجْلَسَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ،
فَقَالَ: " إِنِ اخْتَرْتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اخْتَارَكِ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ " فَقَلْتُ إِنِّي أَخْتَارُ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَلَمَّا أَسْلَمْتُ أَعْتَقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَزَوَّجَنِي، وَأَصْدَقَنِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ
أُوقِيَّةً وَنَشًّا، كَمَا كَانَ يُصْدِقُ نِسَاءَهُ، وَأَعْرَسَ بِي فِي بَيْتِ
أُمِّ الْمُنْذِرِ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِي كَمَا يَقْسِمُ لِنِسَائِهِ، وَضَرَبَ
عَلَيَّ الْحِجَابَ. قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مُعْجَبًا بِهَا، وَكَانَتْ لَا تَسْأَلُهُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهَا
فَقِيلَ لَهَا: لَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَنِي قُرَيْظَةَ لَأَعْتَقَهُمْ. وَكَانَتْ تَقُولُ: لَمْ يَخْلُ بِي
حَتَّى فَرَّقَ السَّبْيَ. وَلَقَدْ كَانَ يَخْلُو بِهَا وَيَسْتَكْثِرُ مِنْهَا،
فَلَمْ تَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَتْ مَرْجِعَهُ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ،
فَدَفَنَهَا بِالْبَقِيعِ، وَكَانَ تَزْوِيجُهُ إِيَّاهَا فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ
سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ
قَالَ:وَاسْتَسَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَيْحَانَةَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَلَحِقَتْ بِأَهْلِهَا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ
بْنُ الْمُثَنَّى: كَانَتْ رَيْحَانَةُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ شَمْعُونَ مِنْ بَنِي
النَّضِيرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَتْ تَكُونُ فِي
نَخْلٍ مِنْ نَخْلِ الصَّدَقَةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُقِيلُ عِنْدَهَا أَحْيَانًا، وَكَانَ سَبَاهَا فِي شَوَّالٍ سَنَةَ
أَرْبَعٍ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: ثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ الْمِقْدَامِ،
ثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِيدَتَانِ مَارِيَةُ الْقِبْطِيَّةُ،
وَرُبَيْحَةُ أَوْ رَيْحَانَةُ بِنْتُ شَمْعُونَ بْنِ زَيْدِ بْنِ خُنَافَةَ مِنْ
بَنِي عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ، كَانَتْ عِنْدَ ابْنِ عَمٍّ لَهَا يُقَالُ لَهُ:
عَبْدُ الْحَكَمِ فِيمَا بَلَغَنِي، وَمَاتَتْ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى: كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ وَلَائِدَ ; مَارِيَةُ
الْقِبْطِيَّةُ، وَرَيْحَانَةُ الْقُرَظِيَّةُ، وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ أُخْرَى
جَمِيلَةٌ فَكَادَهَا نِسَاؤُهُ وَخِفْنَ أَنْ تَغْلِبَهُنَّ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ
لَهُ جَارِيَةٌ نَفِيسَةٌ وَهِبَتْهَا لَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَكَانَ
هَجَرَهَا فِي شَأْنِ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ ذَا الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ
وَصَفَرًا، فَلَمَّا كَانَ شَهْرُ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، رَضِيَ عَنْ زَيْنَبَ وَدَخَلَ عَلَيْهَا،
فَقَالَتْ: مَا أَدْرِي مَا أَجْزِيكَ ؟ فَوَهَبَتْهَا لَهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ رَوَى سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ
أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، كَانَ يَقْسِمُ لِمَارِيَةَ وَرَيْحَانَةَ مَرَّةً، وَيَتْرُكُهُمَا
مَرَّةً.
فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَوْلَادِهُ
عَلَيْهُ وَعَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامً
لَا خِلَافَ أَنَّ جَمِيعَ أَوْلَادِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، سِوَى إِبْرَاهِيمَ فَمِنْ
مَارِيَةَ بِنْتِ شَمْعُونَ الْقِبْطِيَّةِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ:
أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ أَكْبَرُ وَلَدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَاسِمَ، ثُمَّ زَيْنَبَ،
ثُمَّ عَبْدَ اللَّهِ، ثُمَّ أُمَّ كُلْثُومٍ، ثُمَّ فَاطِمَةَ، ثُمَّ رُقَيَّةَ،
رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، فَمَاتَ الْقَاسِمُ - وَهُوَ أَوَّلُ
مَيِّتٍ مِنْ وَلَدِهِ - بِمَكَّةَ، ثُمَّ مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ الْعَاصُ
بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ: قَدِ انْقَطَعَ نَسْلُهُ فَهُوَ أَبْتَرُ. فَأَنْزَلَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [ سُورَةِ الْكَوْثَرِ ] قَالَ: ثُمَّ
وَلَدَتْ لَهُ مَارِيَةُ بِالْمَدِينَةِ إِبْرَاهِيمَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، سَنَةَ
ثَمَانٍ
مِنَ الْهِجْرَةِ، فَمَاتَ ابْنَ
ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا.
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا الْجَرِيرِيُّ: ثَنَا عَبْدُ
الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا، ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ
بَكَّارٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ وَالْفُرَاتُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ
مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
وَلَدَتْ خَدِيجَةُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ أَبْطَأَ عَلَيْهِ الْوَلَدُ مِنْ بَعْدِهِ، فَبَيْنَا
رَسُولُ اللَّهِ يُكَلِّمُ رَجُلًا وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ
إِذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَنْ هَذَا ؟ قَالَ لَهُ: هَذَا الْأَبْتَرُ. وَكَانَتْ
قُرَيْشٌ إِذَا وُلِدَ لِلرَّجُلِ وَلَدٌ، ثُمَّ أَبْطَأَ عَلَيْهِ الْوَلَدُ مِنْ
بَعْدِهِ قَالُوا: هَذَا الْأَبْتَرُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ، تَبَارَكَ تَعَالَى:
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ أَيْ ; مُبْغِضُكَ هُوَ الْأَبْتَرُ مِنْ كُلِّ
خَيْرٍ. قَالَ: ثُمَّ وَلَدَتْ لَهُ زَيْنَبَ، ثُمَّ وَلَدَتْ لَهُ رُقَيَّةَ،
ثُمَّ وَلَدَتْ لَهُ الْقَاسِمَ، ثُمَّ وَلَدَتِ الطَّاهِرَ، ثُمَّ وَلَدَتِ
الْمُطَهَّرَ، ثُمَّ وَلَدَتِ الطَّيِّبَ، ثُمَّ وَلَدَتِ الْمُطَيَّبَ، ثُمَّ
وَلَدَتْ أُمَّ كُلْثُومٍ، ثُمَّ وَلَدَتْ فَاطِمَةَ، وَكَانَتْ أَصْغَرَهُمْ،
وَكَانَتْ خَدِيجَةُ إِذَا وَلَدَتْ وَلَدًا دَفَعَتْهُ إِلَى مَنْ تُرْضِعُهُ،
فَلَمَّا وَلَدَتْ فَاطِمَةَ لَمْ يُرْضِعْهَا أَحَدٌ غَيْرُهَا.
وَقَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَانِ ; طَاهِرٌ وَالطَّيِّبُ. وَكَانَ
يُسَمِّي أَحَدَهُمَا عَبْدَ شَمْسٍ وَالْآخَرَ عَبْدَ الْعُزَّى. وَهَذَا فِيهِ
نَكَارَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَائِذٍ: أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّ خَدِيجَةَ وَلَدَتِ الْقَاسِمَ
وَالطَّيِّبَ وَالطَّاهِرَ وَمُطَهَّرًا وَزَيْنَبَ وَرُقَيَّةَ وَفَاطِمَةَ
وَأُمَّ كُلْثُومٍ.
وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ أَخْبَرَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: وَلَدَتْ خَدِيجَةُ الْقَاسِمَ وَالطَّاهِرَ - وَكَانَ يُقَالُ
لَهُ: الطَّيِّبُ. وَوُلِدَ الطَّاهِرُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ، وَمَاتَ صَغِيرًا،
وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ - وَفَاطِمَةَ وَزَيْنَبَ وَرُقَيَّةَ وَأُمَّ
كُلْثُومٍ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
قَالَ الزُّبَيْرُ، وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ
وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ أَنَّ خَدِيجَةَ وَلَدَتِ
الْقَاسِمَ وَالطَّاهِرَ وَالطَّيِّبَ وَعَبْدَ اللَّهِ وَزَيْنَبَ وَرُقَيَّةَ
وَفَاطِمَةَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ بَعْضِ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ
الْمَشْيَخَةِ قَالَ: وَلَدَتْ خَدِيجَةُ الْقَاسِمَ وَعَبْدَ اللَّهِ، فَأَمَّا
الْقَاسِمُ، فَعَاشَ حَتَّى مَشَى، وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ، فَمَاتَ،
وَهُوَ صَغِيرٌ.
وَقَالَ الزُّبَيْرُ: كَانَتْ خَدِيجَةُ تُدْعَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ الطَّاهِرَةَ
بِنْتَ خُوَيْلِدٍ، وَقَدْ وَلَدَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْقَاسِمَ، وَهُوَ أَكْبَرُ وَلَدِهِ وَبِهِ كَانَ يُكَنَّى، ثُمَّ
زَيْنَبَ، ثُمَّ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الطَّيِّبُ. وَيُقَالُ
لَهُ الطَّاهِرُ. وُلِدَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ، وَمَاتَ صَغِيرًا، ثُمَّ أُمَّ
كُلْثُومٍ، ثُمَّ فَاطِمَةَ، ثُمَّ رُقَيَّةَ. هُمْ هَكَذَا الْأَوَّلَ
فَالْأَوَّلَ، ثُمَّ مَاتَ الْقَاسِمُ بِمَكَّةَ - وَهُوَ أَوَّلُ مَيِّتٍ مِنْ
وَلَدِهِ - ثُمَّ مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ ثُمَّ وَلَدَتْ لَهُ مَارِيَةُ بِنْتُ
شَمْعُونَ إِبْرَاهِيمَ، وَهِيَ الْقِبْطِيَّةُ الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ
الْمُقَوْقِسُ صَاحِبُ إِسْكَنْدَرِيَّةَ، وَأَهْدَى مَعَهَا أُخْتَهَا سِيرِينَ،
وَخَصِيًّا يُقَالُ لَهُ مَأْبُورٌ. فَوَهَبَ سِيرِينَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ،
فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَقَدِ انْقَرَضَ نَسْلُ حَسَّانَ
بْنِ ثَابِتٍ
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْبَرْقِيِّ: يُقَالُ إِنَّ الطَّاهِرَ هُوَ
الطَّيِّبُ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ. وَيُقَالُ: إِنَّ الطَّيِّبَ وَالْمُطَيَّبَ
وُلِدَا فِي بَطْنٍ، وَالطَّاهِرَ وَالْمُطَهَّرَ وُلِدَا فِي بَطْنٍ.
وَقَالَ الْمُفَضَّلُ بْنُ غَسَّانَ، أَنَا أَبِي، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ:، ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ
قَالَ:مَكَثَ الْقَاسِمُ بْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سَبْعَ
لَيَالٍ، ثُمَّ مَاتَ. قَالَ
الْمُفَضَّلُ: وَهَذَا خَطَأٌ ; وَالصَّوَابُ أَنَّهُ عَاشَ سَبْعَةَ عَشَرَ
شَهْرًا.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ: مَاتَ الْقَاسِمُ وَلَهُ
سَبْعَةُ أَيَّامٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: وَهُوَ ابْنُ سَنَتَيْنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: عَاشَ حَتَّى مَشَى.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: وَضَعَ أَهْلُ الْعِرَاقِ ذِكْرَ الطَّيِّبِ
وَالطَّاهِرِ. فَأَمَّا مَشَايِخُنَا فَقَالُوا: عَبْدُ الْعُزَّى وَعَبْدُ
مَنَافٍ وَالْقَاسِمُ، وَمِنَ النِّسَاءِ رُقَيَّةُ وَأُمُّ كُلْثُومٍ
وَفَاطِمَةُ. هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَهُوَ مُنْكَرٌ، وَالَّذِي
أَنْكَرَهُ هُوَ الْمَعْرُوفُ. وَسَقَطَ ذِكْرُ زَيْنَبَ وَلَا بُدَّ مِنْهَا.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَأَمَّا زَيْنَبُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ لِي غَيْرُ
وَاحِدٍ: كَانَتْ زَيْنَبُ أَكْبَرَ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ فَاطِمَةُ أَصْغَرَهُنَّ وَأَحَبَّهُنَّ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَتَزَوَّجَ زَيْنَبَ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ، فَوَلَدَتْ مِنْهُ عَلِيًّا
وَأُمَامَةَ، وَهِيَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَحْمِلُهَا فِي الصَّلَاةِ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ
حَمَلَهَا. وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهَا سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ
الْهِجْرَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ وَقَتَادَةُ
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ
بْنِ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمْ، وَكَأَنَّهَا كَانَتْ طِفْلَةً صَغِيرَةً. فَاللَّهُ
أَعْلَمُ. وَقَدْ تَزَوَّجَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
بَعْدَ مَوْتِ فَاطِمَةَ، عَلَى مَا سَيَأْتِي، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَانَتْ
وَفَاةُ زَيْنَبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ. قَالَهُ قَتَادَةُ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، وَخَلِيفَةَ بْنِ خَيَّاطٍ،
وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنِ
ابْنِ حَزْمٍ: فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ.
وَذَكَرَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
أَنَّهَا لَمَّا هَاجَرَتْ دَفَعَهَا رَجُلٌ فَوَقَعَتْ عَلَى صَخْرَةٍ
فَأَسْقَطَتْ حَمْلَهَا، ثُمَّ لَمْ تَزَلْ وَجِعَةً حَتَّى مَاتَتْ، فَكَانُوا
يَرَوْنَهَا مَاتَتْ شَهِيدَةً.
وَأَمَّا رُقَيَّةُ فَكَانَ قَدْ تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا ابْنُ عَمِّهَا عُتْبَةُ
بْنُ أَبِي لَهَبٍ، كَمَا تَزَوَّجَ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ أَخُوهُ عُتَيْبَةُ
بْنُ أَبِي لَهَبٍ، ثُمَّ طَلَّقَاهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهِمَا ; بِغْضَةً فِي
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا
كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي
جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [ سُورَةِ الْمَسَدِ ] فَتَزَوَّجَ عُثْمَانُ بْنُ
عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رُقَيَّةَ، وَهَاجَرَتْ مَعَهُ إِلَى أَرْضِ
الْحَبَشَةِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهَا. ثُمَّ رَجَعَا
إِلَى مَكَّةَ كَمَا قَدَّمْنَا، وَهَاجَرَا إِلَى الْمَدِينَةِ وَوَلَدَتْ لَهُ
ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ، فَبَلَغَ سِتَّ سِنِينَ، فَنَقَرَهُ دِيكٌ، فِي
عَيْنَيْهِ فَمَاتَ،
وَبِهِ كَانَ يُكَنَّى أَوَّلًا، ثُمَّ
اكْتَنَى بِابْنِهِ عَمْرٍو، وَتُوُفِّيَتْ وَقَدِ انْتَصَرَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى
الْجَمْعَانِ، وَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ بِالنَّصْرِ إِلَى الْمَدِينَةِ -
وَهُوَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ - وَجَدَهُمْ قَدْ سَاوَوْا عَلَى قَبْرِهَا
التُّرَابَ، وَكَانَ عُثْمَانُ قَدْ أَقَامَ عَلَيْهَا يُمَرِّضُهَا بِأَمْرِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ
وَأَجْرِهِ، وَلَمَّا رَجَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَهُ
بِأُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُومٍ أَيْضًا، وَلِهَذَا كَانَ يُقَالُ لَهُ ذُو
النُّورَيْنِ، ثُمَّ مَاتَتْ عِنْدَهُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ، وَلَمْ تَلِدْ
لَهُ شَيْئًا، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" لَوْ كَانَتْ عِنْدِي ثَالِثَةٌ لَزَوَّجَتُهَا عُثْمَانَ " وَفِي
رِوَايَةٍ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ
كُنَّ عَشْرًا لَزَوَّجْتُهُنَّ عُثْمَانَ ".
وَأَمَّا فَاطِمَةُ فَتَزَوَّجَهَا ابْنُ عَمِّهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي
صَفَرٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، فَوَلَدَتْ لَهُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَيُقَالُ:
وَمُحَسِّنًا. وَوَلَدَتْ لَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ وَزَيْنَبَ، رِضْوَانُ اللَّهِ
عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَقَدْ تَزَوَّجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، فِي أَيَّامِ وِلَايَتِهِ بِأُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،
وَأَكْرَمَهَا إِكْرَامًا زَائِدًا ; أَصْدَقَهَا أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ
لِأَجْلِ نَسَبِهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَوَلَدَتْ لَهُ زَيْدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَلَمَّا قُتِلَ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ ابْنُ عَمِّهَا
عَوْنُ بْنُ جَعْفَرٍ، فَمَاتَ عَنْهَا، فَخَلَفَ عَلَيْهَا أَخُوهُ مُحَمَّدٌ،
فَمَاتَ عَنْهَا، فَتَزَوَّجَهَا أَخُوهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ،
فَمَاتَتْ
عِنْدَهُ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ جَعْفَرٍ تَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيٍّ مِنْ فَاطِمَةَ،
وَمَاتَتْ عِنْدَهُ أَيْضًا، وَقَدْ تُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ عَلَى أَشْهَرِ
الْأَقْوَالِ، وَهُوَ الثَّابِتُ عَنْ عَائِشَةَ فِي " الصَّحِيحِ "،
وَقَالَهُ الزُّهْرِيُّ أَيْضًا وَأَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ. وَعَنِ
الزُّهْرِيِّ: بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ. وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ بِشَهْرَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو بُرَيْدَةَ: عَاشَتْ بَعْدَهُ سَبْعِينَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ
وَلَيْلَةٍ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ مَكَثَتْ بَعْدَهُ ثَمَانِيَةَ
أَشْهُرٍ. وَكَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ. وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ.
وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَمِنْ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَكَانَ
مِيلَادُهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَغَيْرِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
زِيَادٍ قَالَ: لَمَّا حُبِلَ بِإِبْرَاهِيمَ أَتَى جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ
السَّلَامُ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا إِبْرَاهِيمَ، إِنَّ اللَّهَ
قَدْ وَهَبَ لَكَ غُلَامًا مِنْ أُمِّ وَلَدِكَ مَارِيَةَ، وَأَمَرَكَ أَنْ
تُسَمِّيَهُ إِبْرَاهِيمَ، فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهِ، وَجَعَلَهُ قُرَّةَ عَيْنٍ
لَكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ
الْبَزَّارُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِسْكِينٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ
ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عُقَيْلٍ وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:لَمَّا وُلِدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ، وَقَعَ فِي نَفْسِهِ مِنْهُ
شَيْءٌ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ
يَا أَبَا إِبْرَاهِيمَ.
وَقَالَ أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ; قُلْتُ: كَمْ بَلَغَ
إِبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعُمُرِ
؟ قَالَ: قَدْ كَانَ مَلَأَ مَهْدَهُ، وَلَوْ بَقِيَ لَكَانَ نَبِيًّا، وَلَكِنْ
لَمْ يَكُنْ لِيَبْقَى ; لِأَنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ،
ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:لَوْ عَاشَ
إِبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَانَ
صِدِّيقًا نَبِيًّا.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ
وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَبْسِيُّ،
ثَنَا مِنْجَابٌ، ثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْأَسَدِيُّ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ
السُّدِّيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ادْفِنُوهُ فِي
الْبَقِيعِ، فَإِنَّ لَهُ مُرْضِعًا تُتِمُّ رَضَاعَهُ فِي الْجَنَّةِ ".
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا أَبُو
خَيْثَمَةَ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرِو
بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; كَانَ إِبْرَاهِيمُ
مُسْتَرْضِعًا فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ فَكَانَ يَنْطَلِقُ وَنَحْنُ مَعَهُ،
فَيَدْخُلُ إِلَى الْبَيْتِ وَإِنَّهُ لَيَدْخُنُ ; وَكَانَ ظِئْرُهُ قَيْنًا،
فَيَأْخُذُهُ فَيُقَبِّلُهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ. قَالَ عَمْرٌو: فَلَمَّا تُوُفِّيَ
إِبْرَاهِيمُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِي، وَإِنَّهُ مَاتَ فِي الثَّدْيِ، وَإِنَّ لَهُ
لَظِئْرَيْنِ تُكْمِلَانِ رَضَاعَهُ فِي الْجَنَّةِ ".
وَقَدْ رَوَى جَرِيرٌ وَأَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ
صُبَيْحٍ أَبِي الضُّحَى، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا،
فَقَالَ: " ادْفِنُوهُ فِي الْبَقِيعِ، فَإِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي
الْجَنَّةِ " وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ
الْبَرَاءِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ بِمِثْلِهِ. وَكَذَا رَوَاهُ
الثَّوْرِيُّ أَيْضًا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ.
وَأَوْرَدَ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ
طَرِيقِ عَتَّابِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
أَوْفَى قَالَ: تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
يَرْضَعُ بَقِيَّةَ رَضَاعِهِ فِي الْجَنَّةِ ".
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى
الْوَاسِطِيُّ، ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:سَأَلْتُ ابْنَ أَبِي
أَوْفَى - أَوْ سَمِعْتُهُ يُسْأَلُ - عَنْ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَاتَ وَهُوَ صَغِيرٌ، وَلَوْ قُضِيَ أَنْ
يَكُونَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيٌّ لَعَاشَ.
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ
الْحَافِظِ، ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْجُعْفِيُّ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْفَرَّاءُ، ثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي
حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ عَاشَ إِبْرَاهِيمُ لَكَانَ نَبِيًّا ".
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ،
عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ الْحَسَنِ الْأَسَدِيِّ، عَنْ
أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُدْرِجُوهُ فِي
أَكْفَانِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ " فَجَاءَ فَانْكَبَّ عَلَيْهِ وَبَكَى
حَتَّى اضْطَرَبَ لِحْيَاهُ وَجَنْبَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْتُ: أَبُو شَيْبَةَ هَذَا لَا يُتَعَامَلُ بِرِوَايَتِهِ، ثُمَّ رَوَى مِنْ
حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ شَهْرِ
بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ قَالَتْ: لَمَّا
تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ بَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ مَنْ عَلِمَ لِلَّهِ حَقَّهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَدْمَعُ
الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ، وَلَوْلَا
أَنَّهُ وَعْدٌ صَادِقٌ، وَمَوْعُودٌ جَامِعٌ، وَأَنَّ الْآخِرَ مِنَّا يَتْبَعُ
الْأَوَّلَ، لَوَجَدْنَا عَلَيْكَ يَا إِبْرَاهِيمُ وَجْدًا أَشَدَّ مِمَّا
وَجَدْنَا، وَإِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ،
عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ، وَمَاتَ وَهُوَ
ابْنُ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقَالَ: " إِنَّ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مَنْ
يُتِمُّ رَضَاعَهُ، وَهُوَ
صِدِّيقٌ " وَقَدْ رُوِيَ مِنْ
حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا الْقَوَارِيرِيُّ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ بْنُ
الْقَاسِمِ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى
قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنِهِ،
وَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا.
وَقَدْ رَوَى يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ قَالَ:مَاتَ إِبْرَاهِيمُ
ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَةَ
عَشَرَ شَهْرًا، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ.
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيِّ،
عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ إِلَى أُمِّهِ مَارِيَةَ
الْقِبْطِيَّةِ،
وَهِيَ فِي مَشْرُبَةٍ، فَحَمَلَهُ
عَلِيٌّ فِي سَفَطٍ، وَجَعَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الْفَرَسِ، ثُمَّ جَاءَ
بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَغَسَّلَهُ
وَكَفَّنَهُ وَخَرَجَ بِهِ، وَخَرَجَ النَّاسُ مَعَهُ، فَدَفَنَهُ فِي الزُّقَاقِ
الَّذِي يَلِي دَارَ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، فَدَخَلَ عَلِيٌّ فِي قَبْرِهِ حَتَّى
سَوَّى عَلَيْهِ التُّرَابَ وَدَفَنَهُ، ثُمَّ خَرَجَ وَرَشَّ عَلَى قَبْرِهِ،
وَأَدْخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي
قَبْرِهِ، فَقَالَ: " أَمَا وَاللَّهِ إِنَّهُ لِنَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ
" وَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَكَى
الْمُسْلِمُونَ حَوْلَهُ حَتَّى ارْتَفَعَ الصَّوْتُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ
الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ مَا يُغْضِبُ الرَّبَّ، وَإِنَّا عَلَيْكَ يَا
إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ ".
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِعَشْرِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ
رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ عَشْرٍ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا، فِي
بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ فِي دَارِ أُمِّ بُرْدَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ،
وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ.
قُلْتُ: وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ يَوْمَ مَوْتِهِ، فَقَالَ
النَّاسُ: كَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَخَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ:: " إِنَّ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لَا يَنْكَسِفَانِ
لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ ".
قَالَ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ أَبُو
الْقَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ:
بَابُ ذِكْرِ عَبِيدِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَإِمَائِهِ، وَذِكْرِ
خَدَمِهِ وَكُتَّابِهِ وَأُمَنَائِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ الْحُرُوفِ فِي
أَسْمَائِهِمْ، وَذِكْرِ بَعْضِ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنْبَائِهِمْ.
وَلْنَذْكُرْ مَا أَوْرَدَهُ مَعَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَبِاللَّهِ
الْمُسْتَعَانُ.
فَمِنْهُمْ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَبُو زَيْدٍ الْكَلْبِيُّ.
وَيُقَالُ أَبُو يَزِيدَ. وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ. مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنُ مَوْلَاهُ، وَحِبُّهُ وَابْنُ حِبِّهِ،
وَأُمُّهُ أُمُّ أَيْمَنَ، وَاسْمُهَا بَرَكَةُ، كَانَتْ حَاضِنَةَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِغَرِهِ، وَمِمَّنْ آمَنَ بِهِ
قَدِيمًا بَعْدَ بِعْثَتِهِ، وَقَدْ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ أَيَّامِ حَيَاتِهِ، وَكَانَ عُمُرُهُ إِذْ ذَاكَ
ثَمَانِيَ عَشْرَةَ أَوْ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى جَيْشٍ كَثِيفٍ، مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ، وَيُقَالُ: وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ. وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ ;
لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَبَهُ
لِلْإِمَامَةِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
وَجَيْشُ أُسَامَةَ مُخَيَّمٌ
بِالْجُرْفِ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ، اسْتَطْلَقَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ أُسَامَةَ عُمَرَ
بْنَ الْخَطَّابِ فِي الْإِقَامَةِ عِنْدَهُ ; لِيَسْتَضِيءَ بِرَأْيِهِ،
فَأَطْلَقَهُ لَهُ، وَأَنْفَذَ أَبُو بَكْرٍ جَيْشَ أُسَامَةَ بَعْدَ مُرَاجَعَةٍ
كَثِيرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى عَلَيْهِمْ
وَيَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَحُلُّ رَايَةً عَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَسَارُوا حَتَّى بَلَغُوا تُخُومَ الْبَلْقَاءِ مِنْ
أَرْضِ الشَّامِ حَيْثُ قُتِلَ أَبُوهُ زَيْدٌ، وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ،
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَأَغَارَ عَلَى تِلْكَ
الْبِلَادِ، وَغَنِمَ وَسَبَى، وَكَرَّ رَاجِعًا سَالِمًا مُؤَيَّدًا، كَمَا
سَيَأْتِي. فَلِهَذَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَا
يَلْقَى أُسَامَةَ إِلَّا قَالَ لَهُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ.
وَلَمَّا عَقَدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَايَةَ
الْإِمْرَةِ، طَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ فَخَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فِيهَا: " إِنْ تَطْعَنُوا فِي
إِمَارَتِهِ فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ
اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ
الْخَلْقِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ الْخَلْقِ إِلَيَّ بَعْدَهُ
" وَهُوَ فِي " الصَّحِيحِ " مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ
عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ.
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنْ أُسَامَةَ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَأْخُذُنِي وَالْحَسَنَ، فَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا
فَأَحِبَّهُمَا ".
وَرَوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ أَحَبَّ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلْيُحِبَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ " وَلِهَذَا لَمَّا
فَرَضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلنَّاسِ فِي الدِّيوَانِ فَرَضَ لِأُسَامَةَ فِي
خَمْسَةِ آلَافٍ، وَأَعْطَى ابْنَهُ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فِي
أَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ أَحَبَّ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكَ، وَأَبُوهُ كَانَ
أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبِيكَ.
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
عُرْوَةَ،عَنْ أُسَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَرْدَفَهُ خَلْفَهُ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ، حِينَ ذَهَبَ
يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ.
قُلْتُ: وَهَكَذَا أَرْدَفَهُ وَرَاءَهُ عَلَى نَاقَتِهِ حِينَ دَفَعَ مِنْ
عَرَفَاتٍ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، كَمَا قَدَّمْنَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمْ يَشْهَدْ مَعَ
عَلِيٍّ شَيْئًا مِنْ مَشَاهِدِهِ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ بِمَا قَالَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَتَلَ ذَلِكَ الرَّجُلَ، وَقَدْ
قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ: " مَنْ لَكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ ! أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ ؟ ! مَنْ لَكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟
! " الْحَدِيثَ. وَذِكْرُ فَضَائِلِهِ كَثِيرَةٌ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
وَقَدْ كَانَ أَسْوَدَ كَاللَّيْلِ، أَفْطَسَ حُلْوًا حَسَنًا كَبِيرًا فَصِيحًا
عَالِمًا رَبَّانِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ كَانَ أَبُوهُ كَذَلِكَ
إِلَّا أَنَّهُ كَانَ أَبْيَضَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ، وَلِهَذَا طَعَنَ بَعْضُ مَنْ
لَا يَعْلَمُ فِي نَسَبِهِ مِنْهُ، وَلَمَّا مَرَّ مُجَزِّزٌ الْمُدْلِجِيُّ
عَلَيْهِمَا وَهُمَا نَائِمَانِ فِي قَطِيفَةٍ، وَقَدْ بَدَتْ أَقْدَامُهُمَا ;
أُسَامَةُ بِسَوَادِهِ، وَأَبُوهُ زَيْدٌ بِبَيَاضِهِ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ
إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأَقْدَامِ لَمِنْ بَعْضٍ. أُعْجِبَ بِذَلِكَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ مَسْرُورًا
تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَالَ: " أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا
نَظَرَ آنِفًا إِلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ،
فَقَالَ: إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ
الْأَقْدَامِ لَمِنْ بَعْضٍ " وَلِهَذَا أَخَذَ فُقَهَاءُ الْحَدِيثِ
كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، مِنْ حَيْثُ التَّقْرِيرُ
عَلَيْهِ وَالِاسْتِبْشَارُ بِهِ، الْعَمَلَ بِقَوْلِ الْقَافَةِ فِي اخْتِلَاطِ
الْأَنْسَابِ وَاشْتِبَاهِهَا، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ
فِيمَا صَحَّحَهُ أَبُو عُمَرَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: سَنَةَ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ
وَخَمْسِينَ. وَقِيلَ: مَاتَ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى لَهُ الْجَمَاعَةُ فِي كُتُبِهِمُ السِّتَّةِ.
وَمِنْهُمْ أَسْلَمُ. وَقِيلَ: إِبْرَاهِيمُ. وَقِيلَ: ثَابِتٌ. وَقِيلَ:
هُرْمُزُ. أَبُو رَافِعٍ الْقِبْطِيُّ. أَسْلَمَ قَبْلَ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْهَا
; لِأَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ مَعَ سَادَتِهِ آلِ الْعَبَّاسِ، وَكَانَ يَنْحِتُ
الْقِدَاحَ، وَقِصَّتُهُ مَعَ الْخَبِيثِ أَبِي لَهَبٍ حِينَ جَاءَ خَبَرُ وَقْعَةِ
بَدْرٍ تَقَدَّمَتْ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. ثُمَّ هَاجَرَ وَشَهِدَ أُحُدًا وَمَا
بَعْدَهَا، وَكَانَ كَاتِبًا، وَقَدْ كَتَبَ بَيْنَ يَدَيْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ بِالْكُوفَةِ. قَالَهُ الْمُفَضَّلُ بْنُ غَسَّانَ الْغَلَّابِيُّ.
وَشَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ فِي أَيَّامِ عُمَرَ، وَقَدْ كَانَ أَوَّلًا لِلْعَبَّاسِ
بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَوَهَبَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَعْتَقَهُ، وَزَوَّجَهُ مَوْلَاتَهُ سَلْمَى، فَوَلَدَتْ لَهُ
أَوْلَادًا، وَكَانَ يَكُونُ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَبَهْزٌ، قَالَا:
ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ
الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ،
عَنْ أَبِي رَافِعٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ:
اصْحَبْنِي كَيْمَا تُصِيبَ مِنْهَا. فَقَالَ: لَا، حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ. فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: " الصَّدَقَةُ لَا تَحِلُّ
لَنَا، وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ " وَقَدْ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ بِهِ.
وَرَوَى أَبُو يَعْلَى فِي " مُسْنَدِهِ " عَنْهُ، أَنَّهُ أَصَابَهُمْ
بَرْدٌ شَدِيدٌ وَهُمْ بِخَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ لَهُ لِحَافٌ فَلْيُلْحِفْ مَنْ لَا
لِحَافَ لَهُ " قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَلَمْ أَجِدْ مِنْ يُلْحِفُنِي مَعَهُ،
فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْقَى عَلَيَّ
مِنْ لِحَافِهِ، فَنِمْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا، فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ حَيَّةً فَقَالَ: " يَا أَبَا
رَافِعٍ اقْتُلْهَا اقْتُلْهَا " وَرَوَى لَهُ الْجَمَاعَةُ فِي كُتُبِهِمْ،
وَمَاتَ فِي أَيَّامِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَمِنْهُمْ أَنَسَةُ بْنُ بَادَةَ أَبُو مِسْرَحٍ. وَيُقَالُ: أَبُو مَسْرُوحٍ.
مِنْ مُوَلَّدِي السَّرَاةِ، مُهَاجِرِيٌّ، شَهِدَ بَدْرًا فِيمَا ذَكَرَهُ
عُرْوَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ
وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. قَالُوا: وَكَانَ مِمَّنْ يَأْذَنُ عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ.
وَذَكَرَ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ فِي كِتَابِهِ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ
مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ
الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
قَالَ: اسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ أَنَسَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَلَيْسَ هَذَا بِثَبْتٍ
عِنْدَنَا، وَرَأَيْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يُثْبِتُونَ أَنَّهُ شَهِدَ أُحُدًا
أَيْضًا وَبَقِيَ زَمَانًا. وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي حَيَاةِ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، أَيَّامَ خِلَافَتِهِ. لَا رِوَايَةَ لَهُ.
وَمِنْهُمْ أَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدٍ الْحَبَشِيُّ. وَنَسَبَهُ ابْنُ
مَنْدَهْ إِلَى عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَهُوَ ابْنُ أُمِّ
أَيْمَنَ بَرَكَةُ، أَخُو أُسَامَةَ لِأُمِّهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَكَانَ عَلَى مَطْهَرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مِمَّنْ ثَبَتَ يَوْمَ
حُنَيْنٍ. وَيُقَالُ: إِنَّ فِيهِ
وَفِي أَصْحَابِهِ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ
فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [
الْكَهْفِ: 110 ] قَالَ الشَّافِعِيُّ: قُتِلَ أَيْمَنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ. قَالَ: فَرِوَايَةُ مُجَاهِدٍ عَنْهُ
مُنْقَطِعَةٌ.
يَعْنِي بِذَلِكَ مَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ
عَطَاءٍ، عَنْ أَيْمَنَ الْحَبَشِيِّ قَالَ:لَمْ يَقْطَعِ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّارِقَ إِلَّا فِي الْمِجَنِّ، وَكَانَ ثَمَنُ
الْمِجَنِّ يَوْمَئِذٍ دِينَارًا. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ
فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَسْوَدَ
بْنِ عَامِرٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ
مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ، عَنْ أَيْمَنَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ. وَهَذَا يَقْتَضِي تَأَخُّرَ مَوْتِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْحَدِيثُ مُدَلَّسًا عَنْهُ،
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ غَيْرُهُ، وَالْجُمْهُورُ كَابْنِ إِسْحَاقَ
وَغَيْرِهِ ذَكَرُوهُ فِيمَنْ قُتِلَ مِنَ الصَّحَابَةِ يَوْمَ حُنَيْنٍ.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلِابْنِهِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَيْمَنَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ قِصَّةٌ.
وَمِنْهُمْ بَاذَامُ. وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي تَرْجَمَةِ طَهْمَانَ
وَمِنْهُمْ ثَوْبَانُ بْنُ بُجْدُدٍ. وَيُقَالُ ابْنُ جَحْدَرٍ. أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ. وَيُقَالُ: أَبُو
عَبْدِ الْكَرِيمِ. وَيُقَالُ: أَبُو
عَبْدِ الرَّحْمَنِ. أَصْلُهُ مِنْ أَهْلِ السَّرَاةِ، مَكَانٌ بَيْنَ مَكَّةَ
وَالْيَمَنِ، وَقِيلَ: مِنْ حِمْيَرَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ. وَقِيلَ: مَنْ
أَلْهَانَ. وَقِيلَ: مِنَ الْحَكَمِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ مِنْ مَذْحِجٍ،
أَصَابَهُ سِبَاءٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَاشْتَرَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَهُ وَخَيَّرَهُ إِنْ شَاءَ أَنْ يَرْجِعَ
إِلَى قَوْمِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَثْبُتَ، فَإِنَّهُ مِنْهُمْ أَهْلَ
الْبَيْتِ، فَأَقَامَ عَلَى وَلَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُفَارِقْهُ حَضَرًا وَلَا سَفَرًا حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ أَيَّامَ
عُمَرَ، وَنَزَلَ حِمْصَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَابْتَنَى بِهَا دَارًا، وَأَقَامَ بِهَا
إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَأَرْبَعِينَ. وَهُوَ خَطَأٌ. وَقِيلَ: إِنَّهُ مَاتَ بِمِصْرَ. وَالصَّحِيحُ
بِحِمْصَ، كَمَا قَدَّمْنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي
كِتَابِ " الْأَدَبِ " وَمُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ "،
وَأَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ.
وَمِنْهُمْ حُنَيْنٌ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَهُوَ جَدُّ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ وَرُوِّينَا أَنَّهُ
كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُوَضِّئُهُ،
فَإِذَا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ بِفَضْلَةِ
الْوَضُوءِ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَشْرَبُ مِنْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ
يَتَمَسَّحُ بِهِ، فَاحْتَبَسَهُ حُنَيْنٌ فَخَبَّأَهُ عِنْدَهُ فِي جَرَّةٍ
حَتَّى شَكَوْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ
لَهُ: " مَا تَصَنَعُ بِهِ ؟ " فَقَالَ: أَدَّخِرُهُ عِنْدِي أَشْرَبُهُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " هَلْ
رَأَيْتُمْ غُلَامًا أَحْصَى مَا أَحْصَى هَذَا ؟ " ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَبَهُ لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ،
فَأَعْتَقَهُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَمِنْهُمْ ذَكْوَانُ. يَأْتِي ذِكْرُهُ فِي تَرْجَمَةِ طَهْمَانَ.
وَمِنْهُمْ رَافِعٌ أَوْ أَبُو رَافِعٍ. وَيُقَالُ لَهُ: أَبُو الْبَهِيِّ. قَالَ
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: كَانَ لِأَبِي أُحَيْحَةَ سَعِيدِ بْنِ
الْعَاصِ الْأَكْبَرِ، فَوَرِثَهُ بَنُوهُ، وَأَعْتَقَ ثَلَاثَةٌ
مِنْهُمْ أَنْصِبَاءَهُمْ، وَشَهِدَ
مَعَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَقُتِلُوا ثَلَاثَتُهُمْ، ثُمَّ اشْتَرَى أَبُو رَافِعٍ
بَقِيَّةَ أَنْصِبَاءِ بَنِي سَعِيدٍ مَوْلَاهُ، إِلَّا نَصِيبَ خَالِدِ بْنِ
سَعِيدٍ، فَوَهَبَ خَالِدٌ نَصِيبَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَبِلَهُ وَأَعْتَقَهُ، فَكَانَ يَقُولُ: أَنَا مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ كَانَ بَنُوهُ يَقُولُونَ مِنْ
بَعْدِهِ.
وَمِنْهُمْ رَبَاحٌ الْأَسْوَدُ، وَكَانَ يَأْذَنُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الَّذِي أَخَذَ الْإِذْنَ لِعُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ حَتَّى دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْمَشْرُبَةِ يَوْمَ آلَى مِنْ نِسَائِهِ، وَاعْتَزَلَهُنَّ
فِي تِلْكَ الْمَشْرُبَةِ وَحْدَهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. هَكَذَا
جَاءَ مُصَرَّحًا بِاسْمِهِ فِي حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي
زُمَيْلٍ سِمَاكِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ
إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:كَانَ لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامٌ يُسَمَّى رَبَاحًا.
وَمِنْهُمْ رُوَيْفِعٌ مَوْلَاهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. هَكَذَا
عَدَّهُ فِي الْمَوَالِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ وَأَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَا: وَقَدْ وَفَدَ ابْنُهُ عَلَى عُمَرَ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي أَيَّامِ خِلَافَتِهِ فَفَرَضَ لَهُ. قَالَا: وَلَا عَقِبَ
لَهُ.
قُلْتُ: كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، شَدِيدَ
الِاعْتِنَاءِ بِمَوَالِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
يُحِبُّ أَنْ يَعْرِفَهُمْ وَيُحْسِنَ إِلَيْهِمْ. وَقَدْ كَتَبَ فِي أَيَّامِ
خِلَافَتِهِ إِلَى أَبِي
بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَالَمِ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ فِي زَمَانِهِ، أَنْ يَفْحَصَ لَهُ عَنْ مَوَالِي رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَخُدَّامِهِ.
رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ. وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ مُخْتَصَرًا وَقَالَ: لَا
أَعْلَمُ لَهُ رِوَايَةً. حَكَاهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " الْغَابَةِ ".
وَمِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْكَلْبِيُّ. وَقَدْ قَدَّمْنَا طَرَفًا مِنْ
ذِكْرِهِ عِنْدَ ذِكْرِ مَقْتَلِهِ بِغَزْوَةِ مُؤْتَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
وَذَلِكَ فِي جُمَادَى مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ قَبْلَ الْفَتْحِ بِأَشْهُرٍ، وَقَدْ
كَانَ هُوَ الْأَمِيرُ الْمُقَدَّمُ، ثُمَّ بَعْدَهُ جَعْفَرٌ ثُمَّ بَعْدَهُمَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ:مَا بَعَثَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِي سَرِيَّةٍ
إِلَّا أَمَّرَهُ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ بَقِيَ بَعْدَهُ لَاسْتَخْلَفَهُ. رَوَاهُ
أَحْمَدُ.
وَمِنْهُمْ زَيْدٌ أَبُو يَسَارٍ. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ فِي "
مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ ": سَكَنَ الْمَدِينَةَ رَوَى حَدِيثًا وَاحِدًا لَا
أَعْلَمُ لَهُ غَيْرَهُ ; حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُوزَجَانِيُّ،
ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ - هُوَ التَّبُوذَكِيُّ - ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ
الطَّائِيُّ، ثَنَا أَبِي عُمَرُ بْنُ مُرَّةَ: سَمِعْتُ بِلَالَ بْنَ يَسَارِ
بْنِ زَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُ
أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ جَدِّي، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ
الْقَيُّومَ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. غُفِرَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ
". وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ
التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ لَا
نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَمِنْهُمْ سَفِينَةُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَيُقَالُ: أَبُو الْبَخْتَرِيِّ.
كَانَ اسْمُهُ مِهْرَانَ وَقِيلَ: عَبْسٌ. وَقِيلَ: أَحْمَرُ. وَقِيلَ: رُومَانُ.
فَلَقَّبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفِينَةُ
لِسَبَبٍ سَنَذْكُرُهُ، فَغَلَبَ عَلَيْهِ، وَكَانَ مَوْلًى لِأُمِّ سَلَمَةَ،
فَأَعْتَقَتْهُ وَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْدُمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَمُوتَ، فَقَبِلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَوْ لَمْ
تَشْتَرِطِي عَلَيَّ مَا فَارَقْتُهُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي " السُّنَنِ ".
وَهُوَ مِنْ مَوَلَّدِي الْعَرَبِ، وَأَصْلُهُ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ وَهُوَ
سَفِينَةُ بْنُ مَارَفَنَّةَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو النَّضْرِ، ثَنَا حَشْرَجُ بْنُ
نُبَاتَةَ الْعَبْسِيُّ كُوفِيٌّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ، حَدَّثَنِي
سَفِينَةُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" الْخِلَافَةُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ مُلْكًا بَعْدَ ذَلِكَ
" ثُمَّ قَالَ لِي سَفِينَةُ: أَمْسِكْ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ، وَخِلَافَةَ
عُمَرَ، وَخِلَافَةَ عُثْمَانَ، وَأَمْسِكْ خِلَافَةَ عَلِيٍّ، ثُمَّ قَالَ:
فَوَجَدْنَاهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً، ثُمَّ نَظَرْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْخُلَفَاءِ
فَلَمْ أَجِدْهُ يَتَّفِقُ لَهُمْ ثَلَاثُونَ. قُلْتُ
لِسَعِيدٍ: أَيْنَ لَقِيتَ سَفِينَةَ ؟
قَالَ: بِبَطْنِ نَخْلَةَ فِي زَمَنِ الْحَجَّاجِ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ ثَلَاثَ
لَيَالٍ أَسْأَلُهُ عَنْ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قُلْتُ لَهُ: مَا اسْمُكَ ؟ قَالَ: مَا أَنَا بِمُخْبِرِكَ، سَمَّانِي
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفِينَةَ. قُلْتُ: وَلِمَ سَمَّاكَ
سَفِينَةَ ؟ قَالَ:خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ، فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ مَتَاعُهُمْ فَقَالَ لِي: ابْسُطْ
كِسَاءَكَ فَبَسَطْتُهُ، فَجَعَلُوا فِيهِ مَتَاعَهُمْ، ثُمَّ حَمَلُوهُ عَلَيَّ،
فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْمِلْ،
فَإِنَّمَا أَنْتِ سَفِينَةُ " فَلَوْ حَمَلْتُ يَوْمَئِذٍ وِقْرَ بَعِيرٍ
أَوْ بَعِيرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ أَوْ
سَبْعَةٍ مَا ثَقُلَ عَلَيَّ إِلَّا أَنْ يَجْفُوا. وَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ
أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ. وَلَفَظُهُ عِنْدَهُمْ:
خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا بَهْزٌ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ، فَكَانَ
كُلَّمَا أَعْيَا رَجُلٌ أَلْقَى عَلَيَّ ثِيَابَهُ ; تُرْسًا أَوْ سَيْفًا،
حَتَّى حَمَلْتُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَثِيرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنْتَ سَفِينَةُ " هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي
تَسْمِيَتِهِ سَفِينَةَ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ ثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ
بْنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَرْكَانِيُّ،
قَالَا: ثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ، عَنْ عِمْرَانَ
الْبَجَلِيِّ، عَنْ مَوْلًى لِأُمِّ
سَلَمَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَمَرَرْنَا بِوَادٍ أَوْ نَهَرٍ، فَكُنْتُ أُعَبِّرُ النَّاسَ، فَقَالَ لِي
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا كُنْتَ مُنْذُ
الْيَوْمِ إِلَّا سَفِينَةَ " وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ
أَسْوَدَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ شَرِيكٍ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ،
ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُنْكَدِرِ، عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: رَكِبْتُ الْبَحْرَ فِي سَفِينَةٍ
فَكُسِرَتْ بِنَا، فَرَكِبْتُ لَوْحًا مِنْهَا فَطَرَحَنِي فِي جَزِيرَةٍ فِيهَا
أَسَدٌ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا بِهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْحَارِثِ، أَنَا
مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَجَعَلَ يَغْمِزُنِي
بِمَنْكِبِهِ حَتَّى أَقَامَنِي عَلَى الطَّرِيقِ، ثُمَّ هَمْهَمَ فَظَنَنْتُ
أَنَّهُ السَّلَامُ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْهُ. وَرَوَاهُ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْرَمِيِّ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُنْكَدِرِ، عَنْ سَفِينَةَ. فَذَكَرَهُ.
وَرَوَاهُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ
عَاصِمٍ، حَدَّثَنِي أَبُو رَيْحَانَةَ، عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَقِيَنِي الْأَسَدُ، فَقُلْتُ: أَنَا
سَفِينَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ:
فَضَرَبَ بِذَنَبِهِ الْأَرْضَ وَقَعَدَ. وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَأَهْلُ
السُّنَنِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي
الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنَّهُ كَانَ يَسْكُنُ بَطْنَ
نَخْلَةَ، وَأَنَّهُ تَأَخَّرَ إِلَى أَيَّامِ الْحَجَّاجِ.
وَمِنْهُمْ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى الْإِسْلَامِ.
أَصْلُهُ مِنْ فَارِسَ وَتَنَقَّلَتْ بِهِ الْأَحْوَالُ إِلَى أَنْ صَارَ لِرَجُلٍ
مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَسْلَمَ سَلْمَانُ، وَأَمَرَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَاتَبَ سَيِّدَهُ الْيَهُودِيَّ،
وَأَعَانَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَدَاءِ مَا
عَلَيْهِ فَنُسِبَ إِلَيْهِ، وَقَالَ: " سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ
" وَقَدْ قَدَّمْنَا صِفَةَ هِجْرَتِهِ مِنْ بَلَدِهِ، وَصُحْبَتَهُ
لِأُولَئِكَ الرُّهْبَانِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، حَتَّى آلَ بِهِ الْحَالُ
إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَذِكْرَ صِفَةِ إِسْلَامِهِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَتْ
وَفَاتُهُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فِي آخِرِ أَيَّامِ عُثْمَانَ، أَوْ فِي
أَوَّلِ سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي أَيَّامِ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ.
قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ يَزِيدَ الْبَحْرَانِيُّ: وَكَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ لَا
يَشُكُّونَ أَنَّهُ عَاشَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا
زَادَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ. وَقَدِ ادَّعَى بَعْضُ
الْحُفَّاظِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزِ الْمِائَةَ. فَاللَّهُ
أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
وَمِنْهُمْ شُقْرَانُ الْحَبَشِيُّ. وَاسْمُهُ صَالِحُ بْنُ عَدِيٍّ، وَرِثَهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ أَبِيهِ. وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ
وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَوَهَبَهُ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى،
عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ أَنَّهُ ذَكَرَهُ
فِيمَنْ شَهِدَ بَدْرًا، قَالَ: وَلَمْ يَقْسِمْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِيمَنْ
شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ مَمْلُوكٌ، فَلِهَذَا لَمْ يُسْهِمْ لَهُ، بَلِ
اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْأَسْرَى، فَجَزَاهُ كُلُّ رَجُلٍ لَهُ أَسِيرٌ شَيْئًا،
فَحَصَلَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ نَصِيبٍ كَامِلٍ. قَالَ: وَقَدْ كَانَ بِبَدْرٍ
ثَلَاثَةُ غِلْمَانٍ غَيْرُهُ ; غُلَامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ،
وَغُلَامٌ لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَغُلَامٌ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ،
فَرَضَخَ لَهُمْ وَلَمْ يَقْسِمْ. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، وَلَيْسَ
لَهُ ذِكْرٌ فِيمَنْ شَهِدَ بَدْرًا فِي كِتَابِ الزُّهْرِيِّ، وَلَا فِي كِتَابِ
ابْنِ إِسْحَاقَ
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
سَبْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَهْمٍ قَالَ:
اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ شُقْرَانَ مَوْلَاهُ عَلَى جَمِيعِ مَا وُجِدَ فِي
رِحَالِ أَهْلِ الْمُرَيْسِيعِ مِنْ رِثَّةِ الْمَتَاعِ وَالسِّلَاحِ وَالنَّعَمِ
وَالشَّاءِ، وَجَمْعِ الذُّرِّيَّةِ نَاحِيَةً.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ
خَالِدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُقْرَانَ
مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:رَأَيْتُهُ -
يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَجِّهًا إِلَى
خَيْبَرَ عَلَى حِمَارٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ، يُومِئُ إِيمَاءً. وَفِي هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ شَوَاهِدُ أَنَّهُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، شَهِدَ هَذِهِ
الْمَشَاهِدَ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، عَنْ زَيْدِ
بْنِ أَخْزَمَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ فَرَقَدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ،
أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: سَمِعْتُ شُقْرَانَ يَقُولُ: أَنَا
وَاللَّهِ طَرَحْتُ الْقَطِيفَةَ تَحْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْقَبْرِ. وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
الَّذِي أَلْحَدَ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو
طَلْحَةَ، وَالَّذِي أَلْقَى الْقَطِيفَةَ تَحْتَهُ شُقْرَانُ. ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ:
حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ شَهِدَ غُسْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَزَلَ فِي قَبْرِهِ، وَأَنَّهُ وَضَعَ تَحْتَهُ
الْقَطِيفَةَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُصَلِّي عَلَيْهَا وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَكَ. وَذَكَرَ
الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْأَثِيرِ فِي " الْغَابَةِ " أَنَّهُ
انْقَرَضَ نَسْلُهُ، فَكَانَ آخِرُهُمْ مَوْتًا بِالْمَدِينَةِ فِي أَيَّامِ
الرَّشِيدِ.
وَمِنْهُمْ ضُمَيْرَةُ بْنُ أَبِي ضُمَيْرَةَ الْحَمْيَرِيُّ. أَصَابَهُ سِبَاءٌ
فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَاشْتَرَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَعْتَقَهُ. ذَكَرَهُ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: وَكَانَتْ لَهُ دَارٌ
بِالْبَقِيعِ، وَوَلَدٌ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ ضُمَيْرَةَ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِأُمِّ ضُمَيْرَةَ
وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ لَهَا:مَا يُبْكِيكِ أَجَائِعَةٌ أَنْتِ ؟ أَعَارِيَةٌ
أَنْتِ ؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، فُرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ
ابْنِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا
يُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَالِدَةِ، وَوَلَدِهَا " ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى الَّذِي
عِنْدَهُ ضُمَيْرَةُ، فَدَعَاهُ فَابْتَاعَهُ مِنْهُ بِبَكْرٍ. قَالَ ابْنُ أَبِي
ذِئْبٍ ثُمَّ أَقْرَأَنِي كِتَابًا عِنْدَهُ: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِأَبِي ضُمَيْرَةَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَهُمْ، وَأَنَّهُمْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ
الْعَرَبِ، إِنْ أَحَبُّوا أَقَامُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ أَحَبُّوا رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَلَا يُعْرَضُ
لَهُمْ إِلَّا بِحَقٍّ، وَمَنْ لَقِيَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَسْتَوْصِ
بِهِمْ خَيْرًا. " وَكَتَبَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ
وَمِنْهُمْ طَهْمَانُ. وَيُقَالُ: ذَكْوَانُ. وَيُقَالُ: مِهْرَانُ. وَيُقَالُ:
مَيْمُونٌ. وَقِيلَ: كَيْسَانُ. وَقِيلَ: بَاذَامُ. رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِي
وَلَا لِأَهْلِ بَيْتِي، وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ "
رَوَاهُ الْبَغْوِيُّ، عَنْ مِنْجَابِ بْنِ الْحَارِثِ وَغَيْرِهِ، عَنْ شَرِيكٍ،
عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ إِحْدَى بَنَاتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،
وَهِيَ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيٍّ قَالَتْ: حَدَّثَنِي مَوْلًى لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ: طَهْمَانُ أَوْ ذَكْوَانُ.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَهُ.
وَمِنْهُمْ عُبَيْدٌ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ
أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ،
عَنْ شَيْخٍ، عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: قُلْتُ:هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ
بِصَلَاةٍ سِوَى الْمَكْتُوبَةِ ؟ قَالَ: صَلَاةٍ بَيْنَ الْمَغْرِبِ
وَالْعَشَاءِ. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ لَا أَعْلَمُ رَوَى غَيْرَهُ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. ثُمَّ
سَاقَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يَعْلَى
الْمَوْصِلِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا صَائِمَتَيْنِ،
وَكَانَتَا تَغْتَابَانِ النَّاسَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ، فَقَالَ لَهُمَا: " قِيئَا ". فَقَاءَتَا
قَيْحًا وَدَمًا وَلَحْمًا عَبِيطًا، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ هَاتَيْنِ صَامَتَا
عَنِ الْحَلَالِ، وَأَفْطَرَتَا عَلَى الْحَرَامِ " وَقَدْ رَوَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ
سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُمْ فِي مَجْلِسِ أَبِي عُثْمَانَ،
عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ
غِيَاثٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي عُثْمَانَ، فَقَالَ رَجُلٌ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ
أَوْ عُبَيْدٌ - عُثْمَانُ يَشُكُّ - مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. فَذَكَرَهُ.
وَمِنْهُمْ فَضَالَةُ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنِي عُتْبَةُ
بْنُ جَبِيرَةَ الْأَشْهَلِيُّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى
أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنِ افْحَصْ لِي عَنْ أَسْمَاءِ
خَدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرِّجَالِ
وَالنِّسَاءِ وَمَوَالِيهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ قَالَ: وَكَانَ فَضَالَةُ مَوْلًى
لَهُ يَمَانِيًا نَزَلَ الشَّامَ بَعْدُ، وَكَانَ أَبُو مُوَيْهِبَةَ مُوَلَّدًا
مِنْ مُوَلَّدِي مُزَيْنَةَ فَأَعْتَقَهُ. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: لَمْ أَجِدْ
لِفَضَالَةَ ذِكْرًا فِي الْمَوَالِي إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَمِنْهُمْ قَفِيزٌ. أَوَّلُهُ قَافٌ
وَآخِرُهُ زَايٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ: أَنْبَأَنَا سَهْلُ
بْنُ السَّرِيِّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَرَّانِيِّ، عَنْ
زُهَيْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ،
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
غُلَامٌ يُقَالُ لَهُ: قَفِيزٌ. تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ.
وَمِنْهُمْ كِرْكِرَةُ. كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَزْمٍ
فِيمَا كَتَبَ بِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَالِمِ بْنِ
أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كَانَ عَلَى ثَقَلِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: كِرْكِرَةُ
فَمَاتَ، فَقَالَ: " هُوَ فِي النَّارِ " فَنَظَرُوا فَإِذَا عَلَيْهِ
عَبَاءَةٌ قَدْ غَلَّهَا، أَوْ كِسَاءٌ قَدْ غَلَّهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ. قُلْتُ: وَقِصَّتُهُ شَبِيهَةٌ
بِقِصَّةِ مِدْعَمٍ الَّذِي أَهْدَاهُ رِفَاعَةُ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ كَمَا
سَيَأْتِي.
وَمِنْهُمْ كَيْسَانُ. قَالَ الْبَغْوِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ، ثَنَا ابْنُ
فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ
السَّائِبِ قَالَ:أَتَيْتُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ فَقَالَتْ: حَدَّثَنِي
مَوْلًى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ: كَيْسَانُ.
قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ
الصَّدَقَةِ: " إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ نُهِينَا أَنْ نَأْكُلَ الصَّدَقَةَ،
وَإِنَّ مَوْلَانَا مِنْ أَنْفُسِنَا، فَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ".
وَمِنْهُمْ مَأْبُورٌ الْقِبْطِيُّ الْخَصِيُّ. أَهْدَاهُ لَهُ صَاحِبُ
إِسْكَنْدَرِيَّةَ مَعَ مَارِيَةَ وَسِيرِينَ وَالْبَغْلَةِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا
مِنْ خَبَرِهِ فِي تَرْجَمَةِ مَارِيَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، مَا فِيهِ
كِفَايَةٌ.
وَمِنْهُمْ مِدْعَمٌ. وَكَانَ أَسْوَدَ مِنْ مُوَلَّدِي حِسْمَى، أَهْدَاهُ
رَفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِيُّ، قُتِلَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ مَرْجِعَهُمْ مِنْ خَيْبَرَ فَلَمَّا
وَصَلُوا إِلَى وَادِي الْقُرَى، فَبَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ عَنْ نَاقَةِ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْلَهَا، إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ
عَائِرٌ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ. فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَلَّا وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ لَمْ
تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا " فَلَمَّا سَمِعُوا
ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ
نَارٍ " أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ
أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَمِنْهُمْ مِهْرَانُ. وَيُقَالُ: طَهْمَانُ. وَهُوَ الَّذِي رَوَتْ عَنْهُ أُمُّ
كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيٍّ فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ
وَمَوَالِيهِمْ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْهُمْ مَيْمُونٌ. وَهُوَ الَّذِي
قَبْلَهُ.
وَمِنْهُمْ نَافِعٌ مَوْلَاهُ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: أَنْبَأَنَا
أَبُو الْفَتْحِ الْمَاهَانِيُّ، أَنْبَأَنَا شُجَاعٌ الصُّوفِيُّ، أَنْبَأَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ
هَارُونَ، أَنْبَأَنَا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ
مَيْمُونٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ شَيْخٌ زَانٍ، وَلَا مِسْكِينٌ
مُسْتَكْبِرٌ، وَلَا مَنَّانٌ بِعَمَلِهِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ".
وَمِنْهُمْ نُفَيْعٌ. وَيُقَالُ: مَسْرُوحٌ. وَيُقَالُ نَافِعُ بْنُ مَسْرُوحٍ.
وَالصَّحِيحُ نَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِلَاجِ
بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ غِيرَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ قَسِيٍّ،
وَهُوَ ثَقِيفٌ أَبُو بَكْرَةَ الثَّقَفِيُّ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ أُمُّ زِيَادٍ،
تَدَلَّى هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعَبِيدِ مِنْ سُورِ الطَّائِفِ فَأَعْتَقَهُمْ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ نُزُولُهُ فِي
بَكْرَةٍ، فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَأَبَا
بَكْرَةَ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، آخَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي بَرْزَةَ
الْأَسْلَمِيِّ.
قُلْتُ: وَهُوَ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ بِوَصِيَّتِهِ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَشْهَدْ
أَبُو بَكَرَةَ وَقْعَةَ الْجَمَلِ، وَلَا أَيَّامَ صِفِّينِ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ
فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ
وَخَمْسِينَ.
وَمِنْهُمْ وَاقِدٌ، أَوْ أَبُو وَاقِدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، ثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ غَسَّانَ، عَنْ
رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ زَاذَانَ، عَنْ وَاقِدٍ
مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فَقَدْ
ذَكَرَ اللَّهَ وَإِنْ قَلَّتْ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ وَتِلَاوَتُهُ الْقُرْآنَ،
وَمَنْ عَصَى اللَّهَ فَلَمْ يَذْكُرْهُ، وَإِنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ
وَتِلَاوَتُهُ الْقُرْآنَ ".
وَمِنْهُمْ هُرْمُزُ أَبُو كَيْسَانُ. وَيُقَالُ: هُرْمُزُ أَوْ كَيْسَانُ. وَهُوَ
الَّذِي يُقَالُ فِيهِ: طَهْمَانُ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ
ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَابِسٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ
عَلِيٍّ أَوْ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عَلِيٍّ قَالَتْ: سَمِعْتُ مَوْلًى لَنَا
يُقَالُ لَهُ: هُرْمُزُ. يُكَنَّى أَبَا كَيْسَانَ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ
لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ، وَإِنَّ مَوَالِيَنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، فَلَا
تَأْكُلُوا الصَّدَقَةَ " وَقَدْ رَوَاهُ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ
أَسَدِ بْنِ مُوسَى، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: دَخَلْتُ
عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ، فَقَالَتْ: إِنَّ هُرْمُزَ أَوْ كَيْسَانَ حَدَّثَنَا
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّا
لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ".
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ
ثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، ثَنَا أَبُو حَفْصٍ الْأَبَّارُ، عَنِ
ابْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: شَهِدَ بَدْرًا عِشْرُونَ
مَمْلُوكًا، مِنْهُمْ مَمْلُوكٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُقَالُ لَهُ: هُرْمُزُ. فَأَعْتَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْتَقَكَ، وَإِنَّ مَوْلَى
الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ
فَلَا تَأْكُلْهَا ".
وَمِنْهُمْ هِشَامٌ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ
الرَّقِّيُّ. أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّقِّيُّ، عَنْ سُفْيَانَ،
عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ هِشَامٍ مَوْلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ امْرَأَتِي لَا تَدْفَعُ يَدَ لَامِسٍ. قَالَ: "
طَلِّقْهَا ". قَالَ: إِنَّهَا تُعْجِبُنِي. قَالَ: " فَتَمَتَّعْ بِهَا
". قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ، عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ مَوْلَى بَنِي
هَاشِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَسَمِّهْ -
وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ.
وَمِنْهُمْ يَسَارٌ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ الَّذِي قَتَلَهُ الْعُرَنِيُّونَ
وَمَثَّلُوا بِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ
عُتْبَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهُ
يَوْمَ قَرْقَرَةِ الْكُدْرِ مَعَ نَعَمِ بَنِي غَطَفَانَ، وَسُلَيْمٍ، فَوَهَبَهُ
النَّاسُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَبِلَهُ
مِنْهُمْ لِأَنَّهُ رَآهُ يُحْسِنُ الصَّلَاةَ فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ قَسَمَ فِي
النَّاسِ النَّعَمَ، فَأَصَابَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ
سَبْعَةُ أَبْعِرَةٍ، وَكَانُوا
مِائَتَيْنِ.
وَمِنْهُمْ أَبُو الْحَمْرَاءِ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَخَادِمُهُ. وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ: إِنَّ اسْمَهُ هِلَالُ بْنُ
الْحَارِثِ. وَقِيلَ: ابْنُ ظَفَرٍ. وَقِيلَ هِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ظَفَرٍ
السُّلَمِيُّ. أَصَابَهُ سِبَاءٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ: ثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ حَازِمٍ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى وَالْفَضْلُ بْنُ
دُكَيْنٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْقَاصِّ، عَنْ
أَبِي الْحَمْرَاءِ قَالَ: رَابَطْتُ الْمَدِينَةَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ كَيَوْمٍ،
فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي بَابَ عَلِيٍّ
وَفَاطِمَةَ كُلَّ غَدَاةٍ فَيَقُولُ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ " إِنَّمَا
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيرًا " [ الْأَحْزَابِ: 33 ].
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ: وَأَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى
وَالْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَاللَّفْظُ لَهُ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ،
عَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ أَبِي الْحَمْرَاءِ قَالَ:مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ عِنْدَهُ طَعَامٌ فِي وِعَاءٍ، فَأَدْخَلَهُ
يَدَهُ فَقَالَ: " غَشَشْتَهُ، مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا " وَقَدْ
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي
نُعَيْمٍ بِهِ. وَلَيْسَ عِنْدَهُ سِوَاهُ. وَأَبُو دَاوُدَ هَذَا هُوَ نُفَيْعُ
بْنُ الْحَارِثِ الْأَعْمَى، أَحَدُ الْمَتْرُوكِينَ الضُّعَفَاءُ. قَالَ عَبَّاسٌ
الدُّورِيُّ عَنِ ابْنِ مَعِينٍ: أَبُو الْحَمْرَاءِ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اسْمُهُ هِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ، كَانَ يَكُونُ بِحِمْصَ، وَقَدْ رَأَيْتُ بِهَا
غُلَامًا مِنْ وَلَدِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ مَنْزِلُهُ خَارِجَ بَابِ
حِمْصَ. وَقَالَ أَبُو الْوَازِعِ عَنْ سَمُرَةَ: كَانَ أَبُو الْحَمْرَاءِ مِنَ
الْمَوَالِي.
وَمِنْهُمْ أَبُو سَلْمَى رَاعِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَيُقَالُ أَبُو سَلَّامٍ. وَاسْمُهُ حُرَيْثٌ.
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ ثَنَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ، ثَنَا عَبَّادُ
بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلْمَى رَاعِي النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ لَقِيَ اللَّهَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَآمَنَ بِالْبَعْثِ،
وَالْحِسَابِ دَخَلَ الْجَنَّةَ " قُلْنَا: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَأَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي
أُذُنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا سَمِعْتُ هَذَا مِنْهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَا مَرَّتَيْنِ،
وَلَا ثَلَاثٍ، وَلَا أَرْبَعٍ. لَمْ يُورِدْ لَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ سِوَى هَذَا
الْحَدِيثِ. وَقَدْ رَوَى لَهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ آخَرَ،
وَأَخْرَجَ لَهُ ابْنُ مَاجَهْ ثَالِثًا.
وَمِنْهُمْ أَبُو صَفِيَّةَ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
الْمِقْدَامِ، ثَنَا مُعْتَمِرٌ، ثَنَا أَبُو كَعْبٍ، عَنْ جَدِّهِ بَقِيَّةَ،
عَنْ أَبِي صَفِيَّةَ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
أَنَّهُ كَانَ يُوضَعُ لَهُ نِطْعٌ وَيُجَاءُ بِزَبِيلٍ فِيهِ حَصًى فَيُسَبِّحُ
بِهِ إِلَى نِصْفِ
النَّهَارِ، ثُمَّ يُرْفَعُ فَإِذَا
صَلَّى الْأُولَى سَبَّحَ حَتَّى يُمْسِيَ.
وَمِنْهُمْ أَبُو ضُمَيْرَةَ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَالِدُ ضُمَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمُ، وَزَوْجُ أُمِّ ضُمَيْرَةَ. وَقَدْ
تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِهِ طَرَفٌ مِنْ ذَكَرِهِمْ وَخَبِرِهِمْ فِي
كِتَابِهِمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي " الطَّبَقَاتِ ": أَنْبَأَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ الْمَدَنِيُّ، حَدَّثَنِي
حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ضُمَيْرَةَ، أَنَّ الْكِتَابَ الَّذِي
كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي
ضُمَيْرَةَ:بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ
رَسُولِ اللَّهِ لِأَبِي ضُمَيْرَةَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، إِنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ
بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ، وَكَانُوا مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ
فَأَعْتَقَهُمْ ثُمَّ خَيَّرَ أَبَا ضُمَيْرَةَ ; إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَلْحَقَ
بِقَوْمِهِ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْكُثَ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُوا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ،
فَاخْتَارَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ، فَلَا يَعْرِضْ لَهُمْ
أَحَدٌ إِلَّا بِخَيْرٍ، وَمَنْ لَقِيَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَسْتَوْصِ
بِهِمْ خَيْرًا " وَكَتَبَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ
أَبِي أُوَيْسٍ: فَهُوَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَحَدُ حَمْيَرَ، وَخَرَجَ قَوْمٌ مِنْهُمْ فِي سَفَرٍ،
وَمَعَهُمْ هَذَا الْكِتَابُ، فَعَرَضَ لَهُمُ اللُّصُوصُ، فَأَخَذُوا مَا
مَعَهُمْ، فَأَخْرَجُوا هَذَا الْكِتَابَ إِلَيْهِمْ وَأَعْلَمُوهُمْ بِمَا فِيهِ،
فَقَرَأُوهُ فَرَدُّوا عَلَيْهِمْ مَا أَخَذُوا مِنْهُمْ، وَلَمْ يَعْرِضُوا
لَهُمْ.
قَالَ: وَوَفَدَ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ضُمَيْرَةَ إِلَى
الْمِهْدِيِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَاءَ مَعَهُ بِكِتَابِهِمْ هَذَا
فَأَخَذَهُ الْمَهْدِيُّ، فَوَضَعَهُ عَلَى بَصَرِهِ، وَأَعْطَى حُسَيْنًا
ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ.
وَمِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَاهُ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا
عَفَّانُ، ثَنَا أَبَانُ الْعَطَّارُ، ثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ شَهْرِ بْنِ
حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ،أَنَّهُ طَبَخَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قِدْرًا فِيهَا لَحْمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَاوَلَنِي ذِرَاعَهَا " فَنَاوَلْتُهُ، فَقَالَ
" نَاوَلَنِي ذِرَاعَهَا " فَنَاوَلْتُهُ فَقَالَ: " نَاوَلَنِي
ذِرَاعَهَا " فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كَمْ لِلشَّاةِ مِنْ ذِرَاعٍ ؟
قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ سَكَتَّ لَأَعْطَيْتَنِي
ذِرَاعَهَا مَا دَعَوْتُ بِهِ " وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ،
عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ يَزِيدَ
الْعَطَّارِ بِهِ.
وَمِنْهُمْ أَبُو عَسِيبٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أَبُو عَسِيمٍ. وَالصَّحِيحُ
الْأَوَّلُ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ
شَهِدَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَضَرَ
دَفَنَهُ، وَرَوَى قِصَّةَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثَنَا
مُسْلِمُ بْنُ عُبَيْدٍ أَبُو نُصَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَسِيبٍ مَوْلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَتَانِي جِبْرِيلُ بِالْحُمَّى
وَالطَّاعُونِ، فَأَمْسَكْتُ الْحُمَّى بِالْمَدِينَةِ، وَأَرْسَلْتُ الطَّاعُونَ
إِلَى الشَّامِ، فَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِأُمَّتِي، وَرَحْمَةٌ لَهُمْ، وَرِجْسٌ
عَلَى الْكَافِرِ " وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ
هَارُونَ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ
مَنْدَهْ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
الصَّاغَانِيُّ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا حَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ،
حَدَّثَنِي أَبُو نُصَيْرَةَ الْبَصْرِيُّ، عَنْ أَبِي عَسِيبٍ مَوْلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا، فَمَرَّ بِي فَدَعَانِي فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ،
ثُمَّ مَرَّ بِأَبِي بَكْرٍ فَدَعَاهُ فَخَرَجَ إِلَيْهِ، ثُمَّ مَرَّ بِعُمَرَ
فَدَعَاهُ فَخَرَجَ إِلَيْهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي حَتَّى دَخَلَ حَائِطًا
لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ: " أَطْعِمْنَا بُسْرًا " فَجَاءَ بِهِ
فَوَضَعَهُ، فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَأَكَلُوا جَمِيعًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: "
إِنَّ هَذَا النَّعِيمُ، لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ هَذَا "
فَأَخَذَ عُمَرُ الْعِذْقَ، فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ حَتَّى تَنَاثَرَ الْبُسْرُ، ثُمَّ
قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّا لَمَسْئُولُونَ عَنْ هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
؟ قَالَ: " نَعَمْ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ ; خِرْقَةٍ يَسْتُرُ بِهَا
الرَّجُلُ عَوْرَتَهُ، أَوْ كِسْرَةٍ يَسُدُّ بِهَا جَوْعَتَهُ، أَوْ جُحْرٍ
يَدْخُلُ فِيهِ " يَعْنِي مِنَ الْحَرِّ وَالْقَرِّ. وَرَوَاهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ، عَنْ سُرَيْجٍ، عَنْ حَشْرَجٍ.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي " الطَّبَقَاتِ " عَنْ مُوسَى بْنِ
إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَتْنَا مَسْلَمَةُ بِنْتُ أَبَانَ الْقُرَيْعِيَّةُ قَالَتْ:
سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ بِنْتَ أَبِي عَسِيبٍ قَالَتْ: كَانَ أَبُو عَسِيبٍ
يُوَاصِلُ بَيْنَ ثَلَاثٍ فِي الصِّيَامِ، وَكَانَ يُصَلِّي الضُّحَى قَائِمًا،
فَعَجَزَ، وَكَانَ يَصُومُ الْبِيضَ.
قَالَتْ، وَكَانَ فِي سَرِيرِهِ جُلْجُلٌ، فَيَعْجِزُ صَوْتُهُ حَتَّى
يُنَادِيَهَا بِهِ، فَإِذَا حَرَّكَهُ جَاءَتْ.
وَمِنْهُمْ أَبُو كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيُّ. مِنْ أَنْمَارِ مَذْحِجٍ عَلَى
الْمَشْهُورِ، مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي اسْمِهِ
أَقْوَالٌ، أَشْهَرُهَا أَنَّ اسْمَهُ سُلَيْمٌ، وَقِيلَ عَمْرُو بْنُ سَعْدٍ.
وَقِيلَ عَكْسُهُ. وَأَصْلُهُ مِنْ مُوَلَّدِي أَرْضِ دَوْسٍ، وَكَانَ مِمَّنْ
شَهِدَ بَدْرًا. قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَذَكَرَهُ
ابْنُ إِسْحَاقَ وَالْبُخَارِيُّ وَالْوَاقِدِيُّ وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ
وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ. زَادَ الْوَاقِدِيُّ: وَشَهِدَ أُحُدًا
وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْمَشَاهِدِ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى
الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ. وَقَالَ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ
وَفِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ تُوُفِّيَ أَبُو كَبْشَةَ مَوْلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَرَّ فِي
ذَهَابِهِ إِلَى تَبُوكَ بِالْحِجْرِ جَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَ بُيُوتَهُمْ،
فَنُودِيَ أَنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا يُدْخِلُكُمْ عَلَى
هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ؟ " فَقَالَ
رَجُلٌ: نَعْجَبُ مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ ؟
رَجُلٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كَانَ قَبْلَكُمْ، وَمَا يَكُونُ
بَعْدَكُمْ " الْحَدِيثَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ،
عَنْ أَزْهَرَ بْنِ سَعِيدٍ الْحَرَّازِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا كَبْشَةَ
الْأَنْمَارِيَّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
جَالِسًا فِي أَصْحَابِهِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ وَقَدِ اغْتَسَلَ، فَقُلْنَا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ كَانَ شَيْءٌ ؟ قَالَ: " أَجَلْ مَرَّتْ بِي
فُلَانَةُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي شَهْوَةُ النِّسَاءِ، فَأَتَيْتُ بَعْضَ
أَزْوَاجِي فَأَصَبْتُهَا، فَكَذَلِكَ فَافْعَلُوا، فَإِنَّهُ مِنْ أَمَاثِلِ
أَعْمَالِكُمْ إِتْيَانُ الْحَلَالِ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي
الْجَعْدِ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَثَلُ
أَرْبَعَةِ نَفَرٍ ; رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَعْمَلُ
بِهِ فِي مَالِهِ، وَيُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عَلِمَا
وَلَمْ يُؤْتَهُ مَالًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ مَالِ هَذَا
عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ، وَرَجُلٌ
آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِيهِ يُنْفِقُهُ
فِي غَيْرِ حَقِّهِ، وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا، فَهُوَ
يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ مَالِ هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي
يَعْمَلُ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ " وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ
أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ كِلَاهُمَا عَنْ
وَكِيعٍ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ حَدِيثِ
مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ،
عَنْ أَبِيهِ. وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي كَبْشَةَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
حَرْبٍ، ثَنَا الزُّبَيْدِيُّ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ
الْهَوْزَنِيِّ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ، أَنَّهُ أَتَاهُ فَقَالَ:
أَطْرِقْنِي مِنْ فَرَسِكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ أَطْرَقَ مُسْلِمًا فَعَقَبَ لَهُ الْفُرْسُ
كَانَ لَهُ كَأَجْرِ سَبْعِينَ فَرَسًا حُمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي
نُعَيْمٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ
سَعِيدٍ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو كَبْشَةَ أَنَّهُ
سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "
ثَلَاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ ; مَا
نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَمَا ظُلِمَ عَبْدٌ بِمَظْلِمَةٍ فَصَبَرَ
عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ بِهَا عِزًّا، وَلَا يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ
مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ " الْحَدِيثَ.
وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ،
عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْهُ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ
مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ يَحْتَجِمُ عَلَى هَامَتِهِ، وَبَيْنَ كَتِفَيْهِ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ حُمْرَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيَّ يَقُولُ: كَانَتْ كِمَامُ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُطْحًا.
وَمِنْهُمْ أَبُو مُوَيْهِبَةَ مَوْلَاهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَكَانَ مِنْ مُوَلَّدِي مُزَيْنَةَ، اشْتَرَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَهُ، وَلَا يُعْرَفُ اسْمَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ شَهِدَ أَبُو مُوَيْهِبَةَ الْمُرَيْسِيعَ وَهُوَ
الَّذِي كَانَ يَقُودُ لِعَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، بَعِيرَهَا. وَقَدْ
تَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدِهِ عَنْهُ فِي ذَهَابِهِ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلِ إِلَى
الْبَقِيعِ فَوَقَفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَدَعَا لَهُمْ،
وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: " لِيَهْنِكُمْ مَا أَنْتُمْ فِيهِ
مِمَّا فِيهِ النَّاسُ. أَتَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يَرْكَبُ
بَعْضُهَا بَعْضًا، الْآخِرَةُ أَشَدُّ مِنَ الْأُولَى، فَلْيَهْنِكُمْ مَا
أَنْتُمْ فِيهِ " ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ " يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ،
إِنِّي خُيِّرْتُ مَفَاتِيحَ مَا يُفْتَحُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ
بَعْدِي وَالْجَنَّةَ أَوْ لِقَاءَ
رَبِّي، فَاخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي " قَالَ: فَمَا لَبِثَ بَعْدَ ذَلِكَ
إِلَّا سَبْعًا أَوْ ثَمَانِيًا حَتَّى قُبِضَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَهَؤُلَاءِ عَبِيدُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَأَمَّا إِمَاؤُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
فَمِنْهُنَّ أَمَةُ اللَّهِ بِنْتُ رَزِينَةَ. الصَّحِيحُ أَنَّ الصُّحْبَةَ
لِأُمِّهَا رَزِينَةَ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي
عَاصِمٍ حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى،
حَدَّثَتْنَا عُلَيْلَةُ بِنْتُ الْكُمَيْتِ الْعَتَكِيَّةُ قَالَتْ حَدَّثَتْنِي
أُمِّي، عَنْ أَمَةِ اللَّهِ خَادِمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَى
صَفِيَّةَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، فَأَعْتَقَهَا وَأَمْهَرَهَا رَزِينَةَ
أُمَّ أَمَةِ اللَّهِ. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
وَمِنْهُنَّ أُمَيْمَةُ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَهِيَ مَوْلَاةُ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَوَى حَدِيثَهَا أَهْلُ الشَّامِ.
رَوَى عَنْهَا جُبَيْرُ بْنُ نَفِيرٍأَنَّهَا كَانَتْ تُوَضِّئُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ:
أَوْصِنِي. فَقَالَ: " لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُطِّعْتَ أَوْ
حُرِّقْتَ بِالنَّارِ، وَلَا تَدَعْ صَلَاةً مُتَعَمِّدًا، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ
بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، وَلَا تَشْرَبَنَّ
مُسْكِرًا ; فَإِنَّهُ رَأَسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ، وَلَا تَعْصِيَنَّ وَالِدَيْكَ
وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْتَلِيَ مِنْ
أَهْلِكَ وَدُنْيَاكَ ".
وَمِنْهُنَّ بَرَكَةُ أُمُّ أَيْمَنَ، وَأُمُّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ
حَارِثَةَ. وَهِيَ بَرَكَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُصَيْنِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ النُّعْمَانِ الْحَبَشِيَّةُ، غَلَبَ
عَلَيْهَا كُنْيَتُهَا أُمُّ أَيْمَنَ، وَهُوَ ابْنُهَا مِنْ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ
عُبَيْدِ بْنِ زَيْدٍ الْحَبَشِيِّ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ زَيْدُ بْنُ
حَارِثَةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَتُعْرَفُ بِأُمِّ
الظِّبَاءِ، وَقَدْ هَاجَرَتِ الْهِجْرَتَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَهِيَ
حَاضِنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أُمِّهِ
آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ. وَقَدْ كَانَتْ مِمَّنْ وَرِثَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبِيهِ، قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ. وَقَالَ
غَيْرُهُ: بَلْ وَرِثَهَا مِنْ أُمِّهِ. وَقِيلَ: بَلْ كَانَتْ لِأُخْتِ خَدِيجَةَ
فَوَهَبَتْهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَآمَنَتْ
قَدِيمًا وَهَاجَرَتْ، وَتَأَخَّرَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَتَقَدَّمَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ زِيَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، إِيَّاهَا بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهَا بَكَتْ، فَقَالَا لَهَا: أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ
مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟
فَقَالَتْ: بَلَى، وَلَكِنْ أَبْكِي لِأَنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ
السَّمَاءِ. فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ مَعَهَا.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ ": وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ
قَالَ: كَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ تَحْضُنُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَتَّى كَبِرَ، فَأَعْتَقَهَا، ثُمَّ زَوَّجَهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ،
وَتُوُفِّيَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَةِ
أَشْهُرٍ،
وَقِيلَ: إِنَّهَا بَقِيَتْ بَعْدَ
قَتْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ،
عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، وَحَرْمَلَةَ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ
يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ الْحَبَشِيَّةُ.
فَذَكَرَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ: تُوُفِّيَتْ أُمُّ أَيْمَنَ
فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَأَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ
شَيْخٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأُمِّ أَيْمَنَ " يَا أُمَّهْ ". وَكَانَ
إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا قَالَ: " هَذِهِ بَقِيَّةُ أَهْلِ بَيْتِي ".
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي
شَيْخٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
" أُمُّ أَيْمَنَ أُمِّي بَعْدَ أُمِّي ".
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ عَنْ أَصْحَابِهِ الْمَدَنِيِّينَ قَالُوا: نَظَرَتْ أُمُّ
أَيْمَنَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَشْرَبُ،
فَقَالَتِ: اسْقِنِي. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا أُمَّ أَيْمَنَ، أَتَقُولِينَ
هَذَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ ! فَقَالَتْ: مَا
خَدَمْتُهُ أَطْوَلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" صَدَقَتْ ". فَجَاءَ بِالْمَاءِ فَسَقَاهَا.
وَقَالَ الْمُفَضَّلُ بْنُ غَسَّانَ:
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ
الْقَاسِمِ قَالَ: لَمَّا هَاجَرَتْ أُمُّ أَيْمَنَ أَمْسَتْ بِالْمُنْصَرَفِ
دُونَ الرَّوْحَاءِ وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَأَصَابَهَا عَطَشٌ شَدِيدٌ حَتَّى
جَهَدَهَا. قَالَ، فَدُلِّيَ عَلَيْهَا دَلْوٌ مِنَ السَّمَاءِ بِرِشَاءٍ أَبْيَضَ
فِيهِ مَاءٌ. قَالَتْ: فَشَرِبْتُ فَمَا أَصَابَنِي عَطَشٌ بَعْدُ، وَقَدْ
تَعَرَّضْتُ لِلْعَطَشِ بِالصَّوْمِ وَفِي الْهَوَاجِرِ، فَمَا عَطِشْتُ بَعْدُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
الْمُقَدَّمِيُّ، ثَنَا سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ حُرَيْثٍ،
عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ
أَيْمَنَ قَالَتْ:كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَخَّارَةٌ يَبُولُ فِيهَا، فَكَانَ إِذَا أَصْبَحَ يَقُولُ: " يَا أُمَّ
أَيْمَنَ، صُبِّي مَا فِي الْفَخَّارَةِ " فَقُمْتُ لَيْلَةً وَأَنَا عَطْشَى
فَغَلِطْتُ فَشَرِبْتُ مَا فِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " يَا أُمَّ أَيْمَنَ، صُبِّي مَا فِي الْفَخَّارَةِ "
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُمْتُ وَأَنَا
عَطْشَى، فَشَرِبْتُ مَا فِيهَا. فَقَالَ: " إِنَّكَ لَنْ تَشْتَكِي بَطْنَكِ
بَعْدَ يَوْمِكِ هَذَا أَبَدًا ".
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " الْغَابَةِ ": وَرَوَى حَجَّاجُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ حَكِيمَةَ بِنْتِ أُمَيْمَةَ، عَنْ أُمِّهَا
أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ قَالَتْ:كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَدَحٌ مِنْ عِيدَانٍ يَبُولُ فِيهِ، يَضَعُهُ تَحْتَ السَّرِيرِ،
فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ اسْمُهَا بَرَكَةُ فَشَرِبَتْهُ،
فَطَلَبَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَقِيلَ:
شَرِبَتْهُ بَرَكَةُ. فَقَالَ: " لَقَدِ احْتَظَرَتْ مِنَ النَّارِ بِحِظَارٍ
" قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْأَثِيرِ: وَقِيلَ إِنَّ الَّتِي
شَرِبَتْ بَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، إِنَّمَا هِيَ بَرَكَةُ
الْحَبَشِيَّةُ الَّتِي قَدِمَتْ مَعَ أُمِّ حَبِيبَةَ مِنَ الْحَبَشَةِ.
وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ: فَأَمَّا بَرِيرَةُ فَإِنَّهَا كَانَتْ لِآلِ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ،
فَكَاتَبُوهَا فَاشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِنْهُمْ
فَأَعْتَقَتْهَا فَثَبَتَ وَلَاؤُهَا لَهَا، كَمَا وَرَدَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ فِي
" الصَّحِيحَيْنِ "، وَلَمْ يَذْكُرْهَا ابْنُ عَسَاكِرَ.
وَمِنْهُنَّ خَضِرَةُ. ذَكَرَهَا ابْنُ مَنْدَهْ فَقَالَ: رَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ
هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:كَانَ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَادِمٌ يُقَالُ لَهَا: خَضِرَةُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، ثَنَا فَائِدٌ مَوْلَى
عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ
جَدَّتِهِ سَلْمَى قَالَتْ: كَانَ خَدَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَا وَخَضِرَةُ وَرَضْوَى وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ سَعْدٍ، أَعْتَقَهُنَّ
رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كُلَّهُنَّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ.
وَمِنْهُنَّ خُلَيْسَةُ مَوْلَاةُ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ، فِي " الْغَابَةِ ":
رَوَتْ حَدِيثَهَا عُلَيْلَةُ بِنْتُ الْكُمَيْتِ، عَنْ جَدَّتِهَا، عَنْ
خُلَيْسَةَ مَوْلَاةِ حَفْصَةَ، فِي قِصَّةِ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ مَعَ سَوْدَةَ
بِنْتِ زَمْعَةَ، وَمَزْحِهِمَا مَعَهَا بِأَنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ،
فَاخْتَبَأَتْ فِي بَيْتٍ كَانُوا يُوقِدُونَ فِيهِ، وَاسْتَضْحَكَتَا، وَجَاءَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَا
شَأْنُكُمَا ؟ ". فَأَخْبَرَتَاهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ سَوْدَةَ،
فَذَهَبَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْرَجَ الدَّجَّالُ ؟ فَقَالَ:
" لَا ". وَكَانَ قَدْ خَرَجَ فَخَرَجَتْ، وَجَعَلَتْ تَنْفُضُ عَنْهَا
بَيْضَ الْعَنْكَبُوتِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ خُلَيْسَةُ مَوْلَاةُ سَلْمَانَ
الْفَارِسِيِّ، وَقَالَ: لَهَا ذِكْرٌ فِي إِسْلَامِ سَلْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا، وَإِعْتَاقِهَا إِيَّاهُ، وَتَعْوِيضِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ لَهَا بِأَنْ غَرَسَ لَهَا ثَلَاثَمِائَةِ فَسِيلَةٍ. ذَكَرْتُهَا
تَمْيِيزًا.
وَمِنْهُنَّ خَوْلَةُ خَادِمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كَذَا قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ، وَقَدْ رَوَى حَدِيثَهَا الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ
مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّهَا
خَوْلَةَ، وَكَانَتْ خَادِمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَذَكَرَ حَدِيثًا فِي تَأَخُّرِ الْوَحْيِ بِسَبَبِ جَرْوِ كَلْبٍ مَاتَ تَحْتَ
سَرِيرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَمْ يَشْعُرُوا بِهِ، فَلَمَّا
أَخْرَجَهُ جَاءَ الْوَحْيُ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ
إِذَا سَجَى وَهَذَا غَرِيبٌ،
وَالْمَشْهُورُ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا
غَيْرُ ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْهُنَّ رَزِينَةُ. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا كَانَتْ
لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ. وَكَانَتْ تَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةِ ابْنَتِهَا أَمَةِ اللَّهِ أَنَّهُ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمْهَرَ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ أُمَّهَا
رَزِينَةَ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَصْلُهَا لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْجُشَمِيُّ،
حَدَّثَتْنَا عُلَيْلَةُ بِنْتُ الْكُمَيْتِ قَالَتْ: سَمِعْتُ أُمِّي أُمَيْنَةُ
قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي أَمَةُ اللَّهِ بِنْتُ رَزِينَةَ، عَنْ أُمِّهَا رَزِينَةَ
مَوْلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَى صَفِيَّةَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ
وَالنَّضِيرِ حِينَ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَجَاءَ بِهَا يَقُودُهَا سَبِيَّةً،
فَلَمَّا رَأَتِ النِّسَاءُ قَالَتْ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،
وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَأَرْسَلَهَا وَكَانَ ذِرَاعُهَا فِي يَدِهِ،
فَأَعْتَقَهَا، ثُمَّ خَطَبَهَا وَتَزَوَّجَهَا، وَأَمْهَرَهَا رَزِينَةَ. هَكَذَا
وَقَعَ فِي هَذَا السِّيَاقِ، وَهُوَ أَجْوَدُ مِمَّا سَبَقَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ
أَبِي عَاصِمٍ، وَلَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
اصْطَفَى صَفِيَّةَ مِنْ غَنَائِمِ خَيْبَرَ وَأَنَّهُ أَعْتَقَهَا وَجَعَلَ
عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. وَمَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَوْمَ قُرَيْظَةَ
وَالنَّضِيرِ تَخْبِيطٌ ; فَإِنَّهُمَا يَوْمَانِ، بَيْنَهُمَا سَنَتَانِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ ":
أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدَانَ أَنْبَأَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ،
ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ السُّكَّرِيُّ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ
الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَتْنَا عُلَيْلَةُ بِنْتُ الْكُمَيْتِ الْعَتَكِيَّةُ، عَنْ
أُمِّهَا أُمَيْنَةَ قَالَتْ:قُلْتُ لِأَمَةِ اللَّهِ بِنْتِ رَزِينَةَ مَوْلَاةِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَمَةَ اللَّهِ،
أَسَمِعْتِ أُمَّكِ تَذْكُرُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ صَوْمَ عَاشُورَاءَ ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ
يُعَظِّمُهُ وَيَدْعُو بِرُضَعَائِهِ وَرُضَعَاءِ ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ، فَيَتْفُلُ
فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَيَقُولُ لِأُمَّهَاتِهِمْ: " لَا تُرْضِعِيهِمْ إِلَى
اللَّيْلِ " لَهُ شَاهِدٌ فِي الصَّحِيحِ
وَمِنْهُنَّ رَضْوَى. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: رَوَى سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ رَضْوَى بِنْتِ كَعْبٍ، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحَائِضِ تَخْتَضِبُ، فَقَالَ: " مَا
بِذَلِكَ بَأْسٌ " رَوَاهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ.
وَمِنْهُنَّ رَيْحَانَةُ بِنْتُ شَمْعُونَ الْقُرَظِيَّةُ. وَقِيلَ:
النَّضْرِيَّةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا بَعْدَ أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ.
وَمِنْهُنَّ زَرِينَةُ. بِتَقَدِيمِ الزَّايِ. وَالصَّحِيحُ رَزِينَةُ كَمَا
تَقَدَّمَ.
وَمِنْهُنَّ سَائِبَةُ مَوْلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. رَوَتْ عَنْهُ حَدِيثًا فِي اللُّقَطَةِ، وَعَنْهَا طَارِقُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، رَوَى حَدِيثَهَا أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ. هَكَذَا ذَكَرَ
ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " الْغَابَةِ ".
وَمِنْهُنَّ سَدِيسَةُ
الْأَنْصَارِيَّةُ. وَقِيلَ: مَوْلَاةُ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ، رَوَتْ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:إِنَّ الشَّيْطَانَ
لَمْ يَلْقَ عُمَرَ مُنْذُ أَسْلَمَ إِلَّا خَرَّ لِوَجْهِهِ قَالَ ابْنُ
الْأَثِيرِ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ الْمُوَفَّقِ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ سَدِيسَةَ،
وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنِ الْفَضْلِ، فَقَالَ: عَنْ سَدِيسَةَ، عَنْ
حَفْصَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَهُ.
رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَابْنُ مَنْدَهْ.
وَمِنْهُنَّ سَلَامَةُ حَاضِنَةُ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَتْ عَنْهُ حَدِيثًا فِي فَضْلِ الْحَمْلِ
وَالطَّلْقِ وَالرَّضَاعِ وَالسَّهَرِ، فِيهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ مِنْ جِهَةِ
إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ، رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ، وَابْنُ مَنْدَهْ مِنْ حَدِيثِ
هِشَامِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ نُصَيْرٍ خَطِيبِ دِمَشْقَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو
بْنِ سَعِيدٍ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ عَنْهَا. ذَكَرَهَا ابْنُ الْأَثِيرِ.
وَمِنْهُنَّ سَلْمَى. وَهِيَ أُمُّ رَافِعٍ امْرَأَةُ أَبِي رَافِعٍ، كَمَا
رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَخَضِرَةُ وَرَضْوَى
وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ سَعْدٍ، فَأَعْتَقَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّنَا.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى
بَنِي هَاشِمٍ، ثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي،
عَنْ فَائِدٍ مَوْلَى ابْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ جَدَّتِهِ سَلْمَى خَادِمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: مَا سَمِعْتُ أَحَدًا قَطُّ يَشْكُو إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا فِي رَأْسِهِ إِلَّا قَالَ:
" احْتَجِمْ ". وَلَا وَجَعًا فِي رِجْلَيْهِ إِلَّا قَالَ: "
اخْضِبْهُمَا بِالْحِنَّاءِ " وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ أَبِي الْمَوَالِي، وَالتِّرْمِذِيَّ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ
بْنِ الْحُبَابِ، كِلَاهُمَا عَنْ فَائِدٍ، عَنْ مَوْلَاهُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ جَدَّتِهِ سَلْمَى بِهِ. وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ فَائِدٍ. وَقَدْ رَوَتْ
عِدَّةَ أَحَادِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُولُ
ذِكْرُهَا وَاسْتِقْصَاؤُهَا. قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ وَقَدْ شَهِدَتْ
سَلْمَى وَقْعَةَ خَيْبَرَ.
قُلْتُ: وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهَا كَانَتْ تَطْبُخُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرِيرَةَ فَتُعْجِبُهُ. وَقَدْ تَأَخَّرَتْ إِلَى بَعْدِ
مَوْتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَشَهِدَتْ وَفَاةَ فَاطِمَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا، وَقَدْ كَانَتْ أَوَّلًا لِصَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
عَمَّتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ثُمَّ
صَارَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ قَابِلَةَ أَوْلَادِ فَاطِمَةَ، وَهِيَ
الَّتِي قَبِلَتْ إِبْرَاهِيمَ ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَقَدْ شَهِدَتْ غُسْلَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،
وَغَسَّلَتْهَا مَعَ زَوْجِهَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَسْمَاءِ بِنْتِ
عُمَيْسٍ امْرَأَةِ الصِّدِّيقِ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، ثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَلْمَى قَالَتْ: اشْتَكَتْ
فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ، شَكْوَاهَا الَّذِي قُبِضَتْ فِيهِ، فَكُنْتُ
أُمَرِّضُهَا، فَأَصْبَحَتْ يَوْمًا كَأَمْثَلِ مَا رَأَيْتُهَا فِي شَكْوَاهَا
تِلْكَ. قَالَتْ: وَخَرَجَ عَلِيٌّ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، فَقَالَتْ: يَا أُمَّهْ،
اسْكُبِي لِي غُسْلًا. فَسَكَبْتُ لَهَا غُسْلًا، فَاغْتَسَلَتْ كَأَحْسَنِ مَا
رَأَيْتُهَا تَغْتَسِلُ، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أُمَّهْ، أَعْطِنِي ثِيَابِي
الْجُدَدَ. فَأَعْطَيْتُهَا فَلَبِسَتْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أُمَّهْ، قَدِّمِي
لِي فِرَاشِي وَسْطَ الْبَيْتِ. فَفَعَلْتُ، وَاضْطَجَعَتْ، فَاسْتَقْبَلَتِ
الْقِبْلَةَ وَجَعَلَتْ يَدَهَا تَحْتَ خَدِّهَا، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أُمَّهْ،
إِنِّي مَقْبُوضَةٌ الْآنَ، وَقَدْ تَطَهَّرْتُ فَلَا يَكْشِفْنِي أَحَدٌ.
فَقُبِضَتْ مَكَانَهَا. قَالَتْ، فَجَاءَ عَلِيٌّ فَأَخْبَرْتُهُ. وَهُوَ غَرِيبٌ
جِدًّا.
وَمِنْهُنَّ سِيرِينُ - وَيُقَالُ: شِيرِينُ - أُخْتُ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ،
خَالَةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُقَوْقِسَ
صَاحِبَ إِسْكَنْدَرِيَّةَ، وَاسْمُهُ
جُرَيْجُ بْنُ مِينَا، أَهْدَاهُمَا
مَعَ غُلَامٍ اسْمُهُ مَأْبُورٌ، وَبَغْلَةٍ يُقَالُ لَهَا: الدُّلْدُلُ.
فَوَهَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ بْنِ
ثَابِتٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَسَّانَ.
وَمِنْهُنَّ عُنْقُودَةُ أُمُّ صُبَيْحٍ الْحَبَشِيَّةُ جَارِيَةُ عَائِشَةَ.
كَانَ اسْمُهَا عِنَبَةَ، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عُنْقُودَةَ. رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ. وَيُقَالُ: اسْمُهَا غُفَيْرَةُ.
فَرْوَةُ ظِئْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي
مُرْضِعَهُ - قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " إِذَا أَوَيْتِ إِلَى فِرَاشِكِ فَاقْرَئِي " قُلْ يَا
أَيُّهَا الْكَافِرُونَ " فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ "
ذَكَرَهَا أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ. قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي "
الْغَابَةِ ".
فَأَمَّا فِضَّةُ النَّوْبِيَّةُ. فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي "
الْغَابَةِ " أَنَّهَا كَانَتْ مَوْلَاةً لِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَوْرَدَ بِإِسْنَادٍ مُظْلِمٍ، عَنْ
مَحْبُوبِ بْنِ حُمَيْدٍ الْبَصَرِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ بَهْرَامَ، عَنْ
لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [
الْإِنْسَانِ: 8 ]. ثُمَّ
ذَكَرَ مَا مَضْمُونُهُ، أَنَّ
الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ مَرِضَا فَعَادَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَادَهُمَا عَامَّةُ الْعَرَبِ، فَقَالُوا لَعَلِيٍّ: لَوْ
نَذَرْتَ ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنْ بَرِئَا مِمَّا بِهِمَا صُمْتُ لِلَّهِ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَقَالَتْ: فَاطِمَةُ كَذَلِكَ، وَقَالَتْ فِضَّةُ كَذَلِكَ.
فَأَلْبَسُهُمَا اللَّهُ الْعَافِيَةَ فَصَامُوا. وَذَهَبَ عَلِيٌّ، فَاسْتَقْرَضَ
مِنْ شَمْعُونَ الْخَيْبَرِيِّ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ شَعِيرٍ، فَهَيَّئُوا مِنْهُ
تِلْكَ اللَّيْلَةَ صَاعًا، فَلَمَّا وَضَعُوهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لِلْعَشَاءِ،
وَقَفَ عَلَى الْبَابِ سَائِلٌ فَقَالَ: أَطْعِمُوا الْمِسْكِينَ، أَطْعَمَكُمُ
اللَّهُ عَلَى مَوَائِدِ الْجَنَّةِ. فَأَمَرَهُمْ عَلِيٌّ فَأَعْطَوْهُ ذَلِكَ
الطَّعَامَ وَطَوَوْا، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ صَنَعُوا لَهُمُ
الصَّاعَ الْآخَرَ، فَلَمَّا وَضَعُوهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَقَفَ سَائِلٌ
فَقَالَ: أَطْعِمُوا الْيَتِيمَ. فَأَعْطَوْهُ ذَلِكَ وَطَوَوْا. فَلَمَّا كَانَتِ
اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ قَالَ: أَطْعِمُوا الْأَسِيرَ. فَأَعْطَوْهُ وَطَوَوْا
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَثَلَاثَ لَيَالٍ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي حَقِّهِمْ هَلْ
أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ [ الْإِنْسَانِ: 1 ] إِلَى قَوْلِهِ: لَا نُرِيدُ
مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [ الْإِنْسَانِ: 9 ] وَهَذَا الْحَدِيثُ
مُنْكَرٌ، وَمِنَ الْأَئِمَّةِ مَنْ يَجْعَلُهُ مَوْضُوعًا، وَيُسْنِدُ ذَلِكَ
إِلَى رِكَّةِ أَلْفَاظِهِ، وَأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، وَالْحَسَنُ
وَالْحُسَيْنُ إِنَّمَا وُلِدَا بِالْمَدِينَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
لَيْلَى مَوْلَاةُ عَائِشَةَ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تَخْرُجُ
مِنَ الْخَلَاءِ فَأَدْخُلُ فِي أَثَرِكَ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، إِلَّا أَنِّي
أَجِدُ رِيحَ الْمِسْكِ. فَقَالَ: " إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ تَنْبُتُ
أَجْسَادُنَا عَلَى أَرْوَاحِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَمَا خَرَجَ مِنَّا مِنْ نَتْنٍ
ابْتَلَعَتْهُ الْأَرْضُ "
رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ - وَهُوَ أَحَدُ الْمَجَاهِيلِ - عَنْهَا.
مَارِيَةُ الْقِبْطِيَّةُ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. تَقَدَّمَ
ذِكْرُهَا مَعَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَدْ فَرَّقَ ابْنُ الْأَثِيرِ
بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَارِيَةَ أُمِّ الرَّبَابِ، قَالَ وَهِيَ جَارِيَةٌ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا. حَدِيثُهَا عِنْدَ أَهْلِ
الْبَصْرَةِ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ أُمِّ سُلَيْمَانَ، عَنْ
أُمِّهَا،عَنْ جَدَّتِهَا مَارِيَةَ قَالَتْ: تَطَأْطَأْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ حَائِطًا لَيْلَةَ فَرَّ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ. ثُمَّ قَالَ: وَمَارِيَةُ خَادِمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ
صَالِحٍ، عَنْ جَدَّتِهِ مَارِيَةَ - وَكَانَتْ خَادِمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ:مَا مَسِسْتُ بِيَدِي شَيْئًا قَطُّ
أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ
أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي " الِاسْتِيعَابِ ": لَا أَدْرِي
أَهِيَ الَّتِي قَبْلَهَا أَمْ لَا ؟
وَمِنْهُنَّ مَيْمُونَةُ بِنْتُ سَعْدٍ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ، ثَنَا عِيسَى، هُوَ ابْنُ يُونُسَ، ثَنَا ثَوْرٌ، هُوَ ابْنُ
يَزِيدَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي سَوْدَةَ، عَنْ أَخِيهِ، أَنَّ مَيْمُونَةَ
مَوْلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ. قَالَ: " أَرْضُ الْمَنْشَرِ
وَالْمَحْشَرِ، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ
فِيمَا سِوَاهُ " قَالَتْ: أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ
إِلَيْهِ أَوْ يَأْتِيَهُ ؟ قَالَ:
" فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا
يُسْرَجُ فِيهِ، فَإِنَّهُ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيهِ "
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الرَّقِّيِّ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ زِيَادٍ، عَنْ أَخِيهِ
عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سَوْدَةَ، عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنِ النُّفَيْلِيِّ،
عَنْ مِسْكِينِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ
زِيَادٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ، لَمْ يَذْكُرْ أَخَاهُ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ وَأَبُو نُعَيْمٍ، قَالَا: ثَنَا
إِسْرَائِيلُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ الضَّبِّيِّ، عَنْ
مَيْمُونَةَ بِنْتِ سَعْدٍ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
وَلَدِ الزِّنَا، قَالَ: " لَا خَيْرَ فِيهِ، نَعْلَانِ أُجَاهِدُ بِهِمَا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ وَلَدَ الزِّنَا "
وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ
الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ بِهِ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ:
ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، ثَنَا مُوسَى
بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ - وَكَانَتْ
تَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرَّافِلَةُ فِي الزِّينَةِ،
فِي غَيْرِ أَهْلِهَا كَالظُّلْمَةِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا نُورَ لَهَا " وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ
حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ. وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ،
وَهُوَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْهُ فَلَمْ
يَرْفَعْهُ.
وَمِنْهُنَّ مَيْمُونَةُ بِنْتُ أَبِي عَنْبَسَةَ أَوْ بِنْتُ عَنْبَسَةَ. قَالَهُ
أَبُو عُمَرَ وَابْنُ مَنْدَهْ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَهُوَ تَصْحِيفٌ،
وَالصَّوَابُ مَيْمُونَةُ بِنْتُ أَبِي عَسِيبٍ، كَذَلِكَ رَوَى حَدِيثَهَا
الْمُنْتَجَعُ بْنُ مُصْعَبٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْدِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ
بِنْتِ يَزِيدَ، وَكَانَتْ تَنْزِلُ فِي بَنِي قُرَيْعٍ، عَنْ مُنَبِّهٍ، عَنْ
مَيْمُونَةَ بِنْتِ أَبِي عَسِيبٍ - وَقِيلَ: بِنْتُ أَبِي عَنْبَسَةَ - مَوْلَاةِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُرَشٍ أَتَتِ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا عَائِشَةُ،
أَغِيثِينِي بِدَعْوَةٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تُسَكِّنِينِي بِهَا، وَتُطَمِّنِينِي بِهَا. وَأَنَّهُ قَالَ لَهَا: " ضَعِي
يَدَكِ الْيُمْنَى عَلَى فُؤَادِكِ فَامْسَحِيهِ، وَقُولِي: بِسْمِ اللَّهِ،
اللَّهُمَّ دَاوِنِي بِدَوَائِكِ، وَاشْفِنِي بِشِفَائِكِ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكِ
عَمَّنْ سِوَاكَ " قَالَتْ رَبِيعَةُ: فَدَعَوْتُ بِهِ فَوَجَدْتُهُ
جَيِّدًا.
وَمِنْهُنَّ أُمُّ ضُمَيْرَةَ زَوْجُ
أَبِي ضُمَيْرَةَ. قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَمِنْهُنَّ أُمُّ عَيَّاشٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. بَعَثَهَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ ابْنَتِهِ تَخْدُمُهَا حِينَ زَوَّجَهَا
بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ
الْبَغَوِيُّ حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ صَفْوَانَ،
حَدَّثَنِي أَبِي صَفْوَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ عَيَّاشٍ -
وَكَانَتْ خَادِمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ بِهَا
مَعَ ابْنَتِهِ إِلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَالَتْ: كُنْتُ
أَمْغَثُ لِعُثْمَانَ التَّمْرَ غُدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً، وَأَنْبِذُهُ
عَشِيَّةً فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً، فَسَأَلَنِي ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: "
تَخْلِطِينَ فِيهِ شَيْئًا ؟ " فَقُلْتُ: أَجَلْ. قَالَ: " فَلَا
تَعُودِي ".
فَهَؤُلَاءِ إِمَاؤُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ
الْفَضْلِ، حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ حَزْنٍ قَالَ:سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ
النَّبِيذِ، فَقَالَتْ: هَذِهِ خَادِمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَسَلْهَا. لِجَارِيَةٍ حَبَشِيَّةٍ، فَقَالَتْ: كُنْتُ أَنْبِذُ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِقَاءٍ عَشَاءً
فَأُوكِيهِ، فَإِذَا أَصْبَحَ شَرِبَ مِنْهُ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ بِهِ. هَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ
الْأَطْرَافِ فِي مُسْنَدِ عَائِشَةَ،
وَالْأَلْيَقُ ذِكْرُهُ فِي مُسْنَدِ جَارِيَةٍ حَبَشِيَّةٍ كَانَتْ تَخْدِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً مِمَّنْ قَدَّمَنَا ذِكْرُهُنَّ، أَوْ زَائِدَةً عَلَيْهِنَّ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
فَصْلٌ وَأَمَّا خُدَّامُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ الَّذِينَ خَدَمُوهُ مِنْ
أَصْحَابِهِ غَيْرِ مَوَالِيهِ
فَمِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ ضَمْضَمَ بْنِ زَيْدِ بْنِ
حَرَامِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَاصِمٍ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ
الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ أَبُو حَمْزَةَ الْمَدَنِيُّ، نَزِيلُ
الْبَصْرَةِ. خَدَمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّةَ
مُقَامِهِ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا عَاتَبَهُ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا،
وَلَا قَالَ لِشَيْءٍ فَعَلَهُ: لِمَ فَعَلْتَهُ. وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ يَفْعَلْهُ:
أَلَا فَعَلْتَهُ ؟ وَأُمُّهُ أُمُّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ
زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ، هِيَ الَّتِي أَعْطَتْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَهُ، وَسَأَلَتْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ، فَقَالَ:
اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ
قَالَ أَنَسٌ فَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَتَيْنِ، وَأَنَا أَنْتَظِرُ الثَّالِثَةَ،
وَاللَّهِ إِنَّ مَالِي لِكَثِيرٌ، وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي
لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوٍ مَنْ مِائَةٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَإِنَّ كَرْمِي
لَيُحْمَلُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، وَإِنَّ وَلَدِي لِصُلْبِي مِائَةٌ
وَسِتَّةُ أَوْلَادٍ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي شُهُودِهِ بَدْرًا، وَقَدْ رَوَى
الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ثُمَامَةَ قَالَ: قِيلَ لِأَنَسٍ: أَشَهِدْتَ
بَدْرًا ؟ فَقَالَ: وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْ بَدْرٍ لَا أُمَّ لَكَ ؟ وَالْمَشْهُورُ
أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا لِصِغَرِهِ، وَلَمْ يَشْهَدْ أُحُدًا أَيْضًا
لِذَلِكَ. وَشَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَخَيْبَرَ، وَعُمْرَةَ
الْقَضَاءِ، وَالْفَتْحَ، وَحُنَيْنًا،
وَالطَّائِفَ، وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا
أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ ابْنِ
أُمِّ سُلَيْمٍ. يَعْنِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ كَانَ
أَحْسَنَ النَّاسِ صَلَاةً فِي سَفَرِهِ وَحَضَرِهِ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ
بِالْبَصْرَةِ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ فِيهَا مِنَ الصَّحَابَةِ
فِيمَا قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعِينَ،
وَقِيلَ: إِحْدَى. وَقِيلَ: اثْنَتَيْنِ. وَقِيلَ: ثَلَاثًا وَتِسْعِينَ. وَهُوَ
الْأَشْهَرُ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَأَمَّا عُمْرُهُ يَوْمَ مَاتَ فَقَدْ
رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ ": حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ
بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ، أَنَّ أَنَسًا عَمَّرَ مِائَةَ سَنَةٍ غَيْرَ
سَنَةٍ. وَأَقَلُّ مَا قِيلَ سِتٌّ وَتِسْعُونَ. وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ مِائَةٌ
وَسَبْعُ سِنِينَ. وَقِيلَ: سِتٌّ. وَقِيلَ: مِائَةٌ وَثَلَاثُ سِنِينَ. فَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْأَسْلَعُ بْنُ شَرِيكِ بْنِ عَوْفٍ
الْأَعْرَجِيُّ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَ اسْمُهُ مَيْمُونَ بْنَ
سِنْبَاذَ، قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ الْأَعْرَجِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ،عَنِ الْأَسْلَعِ قَالَ: كُنْتُ أَخْدِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَرْحَلُ لَهُ، فَقَالَ ذَاتَ لَيْلَةٍ: يَا أَسْلَعُ، قُمْ
فَارْحَلْ قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ
يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَسَكَتَ
سَاعَةً، وَأَتَاهُ جِبْرِيلُ بِآيَةِ الصَّعِيدِ. قَالَ: فَتَمَسَّحْتُ
وَصَلَّيْتُ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى الْمَاءِ قَالَ: يَا أَسْلَعُ قُمْ
فَاغْتَسِلْ فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ
إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهُمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ
يَدَيْهِ الْأَرْضَ، ثُمَّ نَفَضَهُمَا فَمَسَحَ بِهِمَا ذِرَاعَيْهِ ;
بِالْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَبِالْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى، ظَاهِرَهُمَا
وَبَاطِنَهُمَا. قَالَ الرَّبِيعُ: وَأَرَانِي أَبِي كَمَا أَرَاهُ أَبُوهُ كَمَا
أَرَاهُ الْأَسْلَعُ كَمَا أَرَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. قَالَ الرَّبِيعُ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَوْفَ بْنَ أَبِي
جَمِيلَةَ فَقَالَ: هَكَذَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ الْحَسَنَ يَصْنَعُ. رَوَاهُ ابْنُ
مَنْدَهْ وَالْبَغَوِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا " مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ "
مِنْ حَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ بَدْرٍ هَذَا، قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَلَا أَعْلَمُهُ
رَوَى غَيْرَهُ. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَقَدْ رَوَى - يَعْنِي هَذَا الْحَدِيثَ
- الْهَيْثَمُ بْنُ رُزَيْقٍ الْمَالِكِيُّ الْمُدْلِجِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ
الْأَسْلَعِ بْنِ شَرِيكٍ.
وَمِنْهُمْ ; رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَسْمَاءُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ سَعِيدِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غِيَاثِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَفْصَى الْأَسْلَمِيُّ. وَكَانَ مِنْ أَهْلِ
الصُّفَّةِ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ. وَهُوَ أَخُو هِنْدِ بْنِ حَارِثَةَ،
وَكَانَا
يَخْدِمَانِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا وُهَيْبٌ، ثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ هِنْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَكَانَ
هِنْدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَ أَخُوهُ الَّذِي بَعَثَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ قَوْمَهُ بِالصِّيَامِ يَوْمَ
عَاشُورَاءَ، وَهُوَ أَسْمَاءُ بْنُ حَارِثَةَ. فَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ هِنْدٍ،
عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ حَارِثَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَعَثَهُ فَقَالَ: مُرْ قَوْمَكَ بِصِيَامِ هَذَا الْيَوْمِ قَالَ:
أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدْتُهُمْ قَدْ طَعِمُوا ؟ قَالَ فَلْيُتِمُّوا آخِرَ
يَوْمِهِمْ وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ
هِنْدِ بْنِ أَسْمَاءَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ هِنْدٍ قَالَ: بَعَثَنِي
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ
فَقَالَ: مُرْ قَوْمَكَ فَلْيَصُومُوا هَذَا الْيَوْمَ، وَمَنْ وَجَدْتَ مِنْهُمْ
أَكَلَ فِي أَوَّلِ يَوْمِهِ فَلْيَصُمْ آخِرَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ هِنْدًا وَأَسْمَاءَ ابْنَيْ
حَارِثَةَ إِلَّا مَمْلُوكَيْنِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَا يَخْدِمَانِهِ لَا يَبْرَحَانِ بَابَهُ
هُمَا وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَقَدْ تُوُفِّيَ
أَسْمَاءُ بْنُ حَارِثَةَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّينَ بِالْبَصْرَةِ عَنْ
ثَمَانِينَ سَنَةً.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ الْحَبَشِيُّ. وُلِدَ
بِمَكَّةَ، وَكَانَ مَوْلًى
لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَاشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِمَالٍ جَزِيلٍ ; لِأَنَّهُ كَانَ أُمَيَّةُ يُعَذِّبُهُ عَذَابًا شَدِيدًا لِيَرْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَيَأْبَى إِلَّا الْإِسْلَامَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمَّا اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ أَعْتَقَهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، وَهَاجَرَ حِينَ هَاجَرَ النَّاسُ، وَشَهِدَ بَدْرًا، وَأُحُدًا وَمَا بَعْدَهُمَا مِنَ الْمَشَاهِدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَكَانَ يُعْرَفُ بِبِلَالِ بْنِ حَمَامَةَ، وَهِيَ أُمُّهُ، وَكَانَ مِنْ أَفْصَحِ النَّاسِ لَا كَمَا يَعْتَقِدُهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ سِينَهُ كَانَتْ شِينًا، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَرْوِي حَدِيثًا فِي ذَلِكَ لَا أَصْلَ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ سِينَ بِلَالٍ عِنْدَ اللَّهِ شِينٌ. وَهُوَ أَحَدُ الْمُؤَذِّنِينَ الْأَرْبَعَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ كَمَا قَدَّمْنَا. وَكَانَ يَلِي أَمْرَ النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ، وَمَعَهُ حَاصِلُ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَالِ. وَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِيمَنْ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ لِلْغَزْوِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ أَقَامَ يُؤَذِّنُ لِأَبِي بَكْرٍ أَيَّامَ خِلَافَتِهِ. وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَاتَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَلَهُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ سَنَةً. وَقَالَ الْفَلَّاسُ: قَبْرُهُ بِدِمَشْقَ، وَيُقَالُ: بِدَارَيَّا. وَقِيلَ: إِنَّهُ مَاتَ بِحَلَبَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الَّذِي مَاتَ بِحَلَبَ أَخُوهُ خَالِدٌ. قَالَ مَكْحُولٌ: حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى بِلَالًا قَالَ: كَانَ شَدِيدَ الْأُدْمَةِ نَحِيفًا أَجْنَأَ، لَهُ شَعْرٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ لَا يُغَيِّرُ شَيْبَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ،
بُكَيْرُ بْنُ الشَّدَّاخِ اللَّيْثِيُّ. ذَكَرَ ابْنُ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ
أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى
اللَّيْثِيِّ،أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ شَدَّاخٍ اللَّيْثِيَّ كَانَ يَخْدُمُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاحْتَلَمَ، فَأَعْلَمَ بِذَلِكَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ
أَدْخُلُ عَلَى أَهْلِكَ، وَقَدِ احْتَلَمْتُ الْآنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَدِّقْ قَوْلَهُ، وَلَقِّهِ الظَّفَرَ. فَلَمَّا كَانَ فِي
زَمَانِ عُمْرَ قُتِلَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَامَ عُمْرُ خَطِيبًا فَقَالَ:
أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمٌ ؟ فَقَامَ بُكَيْرٌ
فَقَالَ: أَنَا قَتَلْتُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ عُمْرُ: بُؤْتَ
بِدَمِهِ، فَأَيْنَ الْمَخْرَجُ ؟ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ
رَجُلًا مِنَ الْغُزَاةِ اسْتَخْلَفَنِي عَلَى أَهْلِهِ، فَجِئْتُ فَإِذَا هَذَا
الْيَهُودِيُّ عِنْدَ امْرَأَتِهِ، وَهُوَ يَقُولُ:
وَأَشْعَثَ غَرَّهُ الْإِسْلَامُ مِنِّي خَلَوْتُ بِعُرْسِهِ لَيْلَ التَّمَامِ
أَبِيتُ عَلَى تَرَائِبِهَا وَيُمْسِي عَلَى قَوْدِ الْأَعِنَّةِ وَالْحِزَامِ
كَأَنَّ مَجَامِعَ الرَّبَلَاتِ مِنْهَا فِئَامٌ يَنْهَضُونَ إِلَى فِئَامِ
قَالَ: فَصَدَّقَ عُمْرُ قَوْلَهُ، وَأَبْطَلَ دَمَ الْيَهُودِيِّ بِدُعَاءِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبُكَيْرٍ، بِمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، حَبَّةُ وَسَوَاءُ ابْنَا خَالِدٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ.
قَالَ: وَثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ
حَبَّةَ وَسَوَاءَ ابْنَىْ خَالِدٍ قَالَا: دَخَلْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصْلِحُ شَيْئًا
فَأَعَنَّاهُ فَقَالَ: لَا تَيْئَسَا
مِنَ الرِّزْقِ مَا تَهَزْهَزَتْ رُءُوسِكُمَا، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ تَلِدُهُ
أُمُّهُ أَحْمَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ قِشْرَةٌ ثُمَّ يَرْزُقُهُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، ذُو مِخْمَرٍ. وَيُقَالُ ذُو مِخْبَرٍ.
وَهُوَ ابْنُ أَخِي النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ، وَيُقَالُ ابْنُ أُخْتِهِ.
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. كَانَ بَعَثَهُ لِيَخْدِمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِيَابَةً عَنْهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ ثَنَا حَرِيزٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ صُلَيْحٍ، عَنْ ذِي
مِخْمَرٍ، وَكَانَ رَجُلًا مَنَ الْحَبَشَةِ يَخْدِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كُنَّا مَعَهُ فِي سَفَرٍ فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى
انْصَرَفَ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِقِلَّةِ الزَّادِ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدِ انْقَطَعَ النَّاسُ. قَالَ: فَحُبِسَ، وَحُبِسَ
النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى تَكَامَلُوا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ: هَلْ لَكَمَ أَنْ
نَهْجَعَ هَجْعَةً ؟ أَوْ قَالَ لَهُ قَائِلٌ، فَنَزَلَ وَنَزَلُوا، فَقَالَ: مَنْ
يَكْلَؤُنَا اللَّيْلَةَ ؟ فَقُلْتُ: أَنَا، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.
فَأَعْطَانِي خِطَامَ نَاقَتِهِ، فَقَالَ: هَاكَ، لَا تَكُونَنَّ لُكَعًا قَالَ:
فَأَخَذْتُ بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَخِطَامِ نَاقَتِي فَتَنَحَّيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُمَا
تَرْعَيَانِ، فَإِنِّي فِي ذَلِكَ أَنْظُرُ إِلَيْهِمَا حَتَّى أَخَذَنِي
النَّوْمُ، فَلَمْ أَشْعُرْ بِشَيْءٍ
حَتَّى وَجَدْتُ حَرَّ الشَّمْسِ عَلَى
وَجْهِي، فَاسْتَيْقَظْتُ فَنَظَرْتُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَإِذَا أَنَا
بِالرَّاحِلَتَيْنِ مِنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ، فَأَخَذْتُ بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِخِطَامِ نَاقَتِي، فَأَتَيْتُ
أَدْنَى الْقَوْمِ فَأَيْقَظْتُهُ، فَقُلْتُ: أَصَلَّيْتَ ؟ قَالَ: لَا.
فَأَيْقَظَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا بِلَالُ هَلْ فِي الْمِيضَأَةِ
مَاءٌ ؟ يَعْنِي الْإِدَاوَةَ، فَقَالَ: نَعَمْ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.
فَأَتَاهُ بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا لَمْ يُلَتَّ مِنْهُ التُّرَابُ،
فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ وَهُوَ غَيْرُ عَجِلٍ، ثُمَّ
أَمَرَهُ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى وَهُوَ غَيْرُ عَجَلٍ، فَقَالَ لَهُ
قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْرَطْنَا ؟ قَالَ: لَا، قَبَضَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ، أَرْوَاحنَا وَرَدَّهَا إِلَيْنَا، وَقَدْ صَلَّيْنَا.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ،
أَبُو فِرَاسٍ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ،
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآتِيهِ بِوَضُوئِهِ
وَحَاجَتِهِ، فَكَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي
وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ رَبِّ الْعَالَمِينَ،
سُبْحَانَ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْهَوِيَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لَكَ حَاجَةٌ ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
مُرَافَقَتُكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ
بِكَثْرَةِ السُّجُودِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا
أَبِي، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
عَطَاءٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ مُجْمِرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كُنْتُ
أَخْدِمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْوَمُ لَهُ فِي
حَوَائِجِهِ نَهَارِي أَجْمَعَ، حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ،
فَأَجْلِسُ بِبَابِهِ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهْ أَقُولُ: لَعَلَّهَا أَنْ تَحْدُثَ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَةٌ، فَمَا أَزَالُ
أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سُبْحَانَ
اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ. حَتَّى أَمَلَّ فَأَرْجِعَ، أَوْ
تَغْلِبَنِي عَيْنَايَ فَأَرْقُدَ. قَالَ: فَقَالَ لِي يَوْمًا لِمَا يَرَى مِنْ
خِفَّتِي لَهُ، وَخِدْمَتِي إِيَّاهُ: يَا رَبِيعَةُ بْنَ كَعْبٍ، سَلْنِي
أُعْطِكَ قَالَ: فَقُلْتُ: أَنْظُرُ فِي أَمْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ
أُعْلِمُكَ ذَلِكَ. قَالَ: فَفَكَّرْتُ فِي نَفْسِي، فَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيَا
مُنْقَطِعَةٌ وَزَائِلَةٌ، وَأَنَّ لِي فِيهَا رِزْقًا سَيَكْفِينِي وَيَأْتِينِي.
قَالَ: فَقُلْتُ: أَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِآخِرَتِي ; فَإِنَّهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْمَنْزِلِ الَّذِي هُوَ
بِهِ. قَالَ: فَجِئْتُهُ فَقَالَ: مَا فَعَلْتَ يَا رَبِيعَةُ ؟ قَالَ: فَقُلْتُ:
نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَشْفَعَ لِي إِلَى رَبِّكَ
فَيُعْتِقَنِي مِنَ النَّارِ. قَالَ: فَقَالَ: مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا يَا
رَبِيعَةَ ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ الَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا
أَمَرَنِي بِهِ أُحُدٌ، وَلَكِنَّكَ لَمَّا قُلْتَ: " سَلْنِي أُعْطِكَ
". وَكُنْتَ مِنَ اللَّهِ بِالْمَنْزِلِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ، نَظَرْتُ فِي
أَمْرِي فَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ وَزَائِلَةٌ، وَأَنَّ لِي
فِيهَا رِزْقًا سَيَأْتِينِي،
فَقُلْتُ: أَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِآخِرَتِي. قَالَ: فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ لِي: إِنِّي فَاعِلٌ، فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ
السُّجُودِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، أَنْبَأَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، ثَنَا أَبُو عِمْرَانَ
الْجَوْنِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ الْأَسْلَمِيِّ، وَكَانَ يَخْدِمُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَقَالَ لِي ذَاتَ يَوْمٍ: يَا رَبِيعَةَ،
أَلَّا تَزَوَّجُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أُحِبُّ أَنْ
يَشْغَلَنِي عَنْ خِدْمَتِكَ شَيْءٌ. قَالَ: فَسَكَتَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ
قَالَ لِي: يَارَبِيعَةُ، أَلَّا تَزَوَّجُ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا
أُحِبُّ أَنْ يَشْغَلَنِي عَنْ خِدْمَتِكَ شَيْءٌ، وَمَا عِنْدِي مَا أُعْطِي
الْمَرْأَةَ. قَالَ: فَقُلْتُ بَعْدَ ذَلِكَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ بِمَا عِنْدِي حَتَّى يَدْعُوَنِي إِلَى
التَّزْوِيجِ، لَئِنْ دَعَانِي هَذِهِ الْمَرَّةَ لِأُجِيبَنَّهُ. قَالَ: فَقَالَ
لِي: يَا رَبِيعَةُ، أَلَّا تَزَوَّجُ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ
يُزَوِّجُنِي؟ مَا عِنْدِي مَا أُعْطِي الْمَرْأَةَ. قَالَ: فَقَالَ لِي:
انْطَلِقْ إِلَى بَنِي فُلَانٍ فَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَأْمُرُكُمْ
أَنْ تُزَوِّجُونِي فَتَاتَكُمْ فُلَانَةً. قَالَ: فَأَتَيْتُهُمْ فَقُلْتُ: إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ
لِتُزَوِّجُونِي فَتَاتَكُمْ فُلَانَةً. قَالُوا: فُلَانَةً؟! قَالَ: نَعَمْ.
قَالُوا: مَرْحَبًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَمَرْحَبًا بِرَسُولِهِ. فَزَوَّجُونِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَيْتُكَ مَنْ
خَيْرِ أَهْلِ بَيْتٍ، صَدَّقُونِي وَزَوَّجُونِي، فَمِنْ أَيْنَ لِي مَا أُعْطِي
صَدَاقِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِبُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ: اجْمَعُوا لِرَبِيعَةَ فِي صَدَاقِهِ فِي وَزْنِ
نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ: فَجَمَعُوهَا فَأَعْطَوْنِي، فَأَتَيْتُهُمْ
فَقَبِلُوهَا، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ قَبِلُوا، فَمِنْ أَيْنَ لِي مَا أُولِمُ؟
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبُرَيْدَةَ: اجْمَعُوا لِرَبِيعَةَ فِي ثَمَنِ
كَبْشٍ قَالَ: فَجَمَعُوا، وَقَالَ لِي: انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ، فَقُلْ لَهَا
فَلْتَدْفَعْ إِلَيْكَ مَا عِنْدَهَا مِنَ الشَّعِيرِ قَالَ: فَأَتَيْتُهَا فَدَفَعَتْ
إِلَيَّ، فَانْطَلَقْتُ بِالْكَبْشِ وَالشَّعِيرِ، فَقَالُوا: أَمَّا الشَّعِيرُ
فَنَحْنُ نَكْفِيكَ، وَأَمَّا الْكَبْشُ فَمُرْ أَصْحَابَكَ فَلْيَذْبَحُوهُ.
وَعَمِلُوا الشَّعِيرَ، فَأَصْبَحَ وَاللَّهِ عِنْدَنَا خُبْزٌ وَلَحْمٌ، ثُمَّ
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ أَبَا بَكْرٍ
أَرْضًا لَهُ، فَاخْتَلَفْنَا فِي عِذْقٍ، فَقُلْتُ: هُوَ فِي أَرْضِي. وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ: هُوَ فِي أَرْضِي. فَتَنَازَعْنَا، فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ
كَلِمَةً كَرِهْتُهَا، فَنَدِمَ فَأَخْبَرَنِي فَقَالَ لِي: قُلْ لِي كَمَا قُلْتُ
لَكَ. قَالَ: فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَا أَقُولُ لَكَ كَمَا قُلْتَ لِي. قَالَ:
إِذًا آتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَأَتَى
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبِعْتُهُ، فَجَاءَنِي
قَوْمِي يَتْبَعُونَنِي، فَقَالُوا: هُوَ الَّذِي قَالَ لَكَ وَهُوَ يَأْتِي
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْكُو؟! قَالَ:
فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِمْ فَقُلْتُ: تَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟! هَذَا الصِّدِّيقُ
وَذُو شَيْبَةِ الْمُسْلِمِينَ، ارْجِعُوا لَا يَلْتَفِتْ فَيَرَاكُمْ فَيَظُنَّ
أَنَّكُمْ إِنَّمَا جِئْتُمْ لِتُعِينُونِي عَلَيْهِ فَيَغْضَبْ، فَيَأْتِي
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُخْبِرْهُ فَيَهْلِكْ
رَبِيعَةُ. قَالَ: فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ لِرَبِيعَةَ كَلِمَةً كَرِهَهَا، فَقُلْتُ لَهُ يَقُولُ
لِي مِثْلَ مَا قُلْتُ لَهُ فَأَبَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يَا رَبِيعَةَ، وَمَا لَكَ وَلِلصِّدِّيقِ؟ قَالَ: فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا وَاللَّهِ لَا أَقُولُ لَهُ كَمَا قَالَ لِي. فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُلْ لَهُ كَمَا قَالَ
لَكَ، وَلَكِنْ قُلْ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ سَعْدٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَيُقَالُ: مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا أَبُو
عَامِرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدٍ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ -
وَكَانَ سَعْدٌ مَمْلُوكًا لِأَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُعْجِبُهُ خِدْمَتُهُ -: أَعْتِقْ سَعْدًا فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا خَادِمٌ هَاهُنَا غَيْرُهُ. فَقَالَ: أَعْتِقْ
سَعْدًا أَتَتْكَ الرِّجَالُ أَتَتْكَ الرِّجَالُ وَهَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ
أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَنِ
الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ:قَرَّبْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمْرًا، فَجَعَلُوا يَقْرِنُونَ، فَنَهَى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقِرَانِ. وَرَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ بِهِ.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ دَخَلَ يَوْمَ
عُمْرَةِ الْقَضَاءِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُودُ بِنَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ:
خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى
تَأْوِيلِهِ
كَمَا ضَرَبْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ
وَيُشْغِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ
كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ بِطُولِهِ. وَقَدْ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ
بَعْدَ هَذَا بِأَشْهُرٍ فِي يَوْمِ
مُؤْتَةَ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ غَافِلِ
بْنِ حَبِيبِ بْنِ شَمْخٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهُذَلِيُّ. أُحُدُ
أَئِمَّةِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، هَاجَرَ
الْهِجْرَتَيْنِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا، كَانَ يَلِي حَمْلَ نَعْلَيِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَلِي طَهُورَهُ، وَيُرَحِّلُ
دَابَّتَهُ إِذَا أَرَادَ الرُّكُوبَ، وَكَانَتْ لَهُ الْيَدُ الطُّولَى فِي
تَفْسِيرِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَهُ الْعِلْمُ الْجَمُّ وَالْفَضْلُ
وَالْحِلْمُ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ، وَقَدْ جَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْ دِقَّةِ
سَاقَيْهِ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ
مِنْ أُحُدٍ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي ابْنِ مَسْعُودٍ: هُوَ كُنَيْفٌ
مُلِئَ عِلْمًا. وَذَكَرُوا أَنَّهُ نَحِيفُ الْخَلْقِ حَسَنُ الْخُلُقِ، يُقَالُ:
إِنَّهُ كَانَ إِذَا مَشَى يُسَامِتُ الْجَالِسَ وَكَانَ يُشَبَّهُ بِالنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَدْيِهِ وَدَلِّهِ وَسَمْتِهِ، يَعْنِي
أَنَّهُ يُشَبَّهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ وَكَلَامِهِ، وَيَتَشَبَّهُ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ
عَبَّادَتِهِ. تُوُفِّيَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي أَيَّامِ عُثْمَانَ بْنِ
عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ
بِالْمَدِينَةِ عَنْ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَقِيلَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ
بِالْكُوفَةِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، عَنِ
الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ
قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَقُودُ
بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَقْبٍ مِنْ تِلْكَ
النِّقَابِ، إِذْ قَالَ لِي: يَا عُقْبَةُ أَلَا تَرْكَبُ؟ قَالَ: فَأَجْلَلْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَرْكَبَ مَرْكَبَهُ،
ثُمَّ قَالَ: يَا عُقَيْبُ، أَلَا تَرْكَبُ؟ قَالَ: فَأَشْفَقْتُ أَنْ تَكُونَ
مَعْصِيَةٌ. قَالَ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَكِبْتُ هُنَيْهَةً، ثُمَّ رَكِبَ، ثُمَّ قَالَ: يَا عُقْبَةُ أَلَا
أُعْلِّمُكَ سُورَتَيْنِ مَنْ خَيْرِ سُورَتَيْنِ قَرَأَ بِهِمَا النَّاسُ؟
قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَقْرَأَنِي: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ
الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ،
فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ بِهِمَا،
ثُمَّ مَرَّ بِي فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَ يَا عُقَيْبُ؟ اقْرَأْ بِهِمَا كُلَّمَا
نِمْتَ وَكُلَّمَا قُمْتَ وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ
الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ
جَابِرٍ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ
الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُقْبَةَ بِهِ.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ
الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ. رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ
قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرَطِ مِنَ الْأَمِيرِ. وَقَدْ كَانَ قَيْسٌ
هَذَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَطْوَلِ الرِّجَالِ، وَكَانَ كَوْسَجًا،
وَيُقَالُ: إِنَّ سَرَاوِيلَهُ كَانَ يَضَعُهُ عَلَى أَنْفِهِ مَنْ
يَكُونُ مِنْ أَطْوَلِ الرِّجَالِ،
فَتَصِلُ رِجْلَاهُ الْأَرْضَ، وَقَدْ بَعَثَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ
سَرَاوِيلَهُ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ يَقُولُ لَهُ: هَلْ عِنْدَكُمْ رَجُلٌ تَجِيءُ
سَرَاوِيلُهُ عَلَى طُولِهِ؟ فَعَجِبَ مَلِكُ الرُّومِ مِنْ ذَلِكَ. وَذَكَرُوا
أَنَّهُ كَانَ كَرِيمًا مُمَدَّحًا ذَا رَأْيٍ وَدَهَاءٍ، وَكَانَ مَعَ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَيَّامَ صِفِّينِ. وَقَالَ مِسْعَرٌ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ
خَالِدٍ: كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ لَا يَزَالُ رَافِعًا أُصْبُعَهُ الْمِسْبَحَةَ
يَدْعُو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وَخَلِيفَةُ
بْنُ خَيَّاطٍ وَغَيْرُهُمَا: تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ فِي آخِرِ أَيَّامِ
مُعَاوِيَةَ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
السِّجِسْتَانِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ الْحَنَفِيُّ، ثَنَا سَعْدُ بْنُ
الصَّلْتِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ
عِشْرُونَ شَابًّا مِنَ الْأَنْصَارِ يَلْزَمُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَوَائِجِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَمْرًا بَعْثَهُمْ فِيهِ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الثَّقَفِيُّ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. كَانَ بِمَنْزِلَةِ السِّلَحْدَارِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَاكَانَ رَافِعًا السَّيْفَ فِي
يَدِهِ،
وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَيْمَةِ يَوْمَ
الْحُدَيْبِيَةِ فَجَعَلَ كُلَّمَا أَهْوَى عَمُّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ
الثَّقَفِيُّ حِينَ قَدِمَ فِي الرَّسِيلَةِ إِلَى لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي
مُخَاطَبَاتِهَا - يَقْرَعُ يَدَهُ بِقَائِمَةِ السَّيْفِ، وَيَقُولُ: أَخِّرْ
يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ
أَنْ لَا تَصِلَ إِلَيْكَ. الْحَدِيثَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ: شَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَلَّاهُ مَعَ أَبِي
سُفْيَانَ الْإِمْرَةَ حِينَ ذَهَبَا فَخَرَّبَا طَاغُوتَ أَهْلِ الطَّائِفِ
وَهِيَ الْمَدْعُوَّةُ بِالرَّبَّةِ، وَهِيَ اللَّاتُ، وَكَانَ دَاهِيَةً مِنْ
دُهَاةِ الْعَرَبِ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا غَلَبَنِي أُحُدٌ
قَطُّ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: سَمِعْتُ قَبِيصَةَ بْنَ جَابِرٍ يَقُولُ: صَحِبْتُ
الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، فَلَوْ أَنَّ مَدِينَةً لَهَا ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ
لَا يُخْرَجُ مِنْ بَابٍ مِنْهَا إِلَّا بِمَكْرٍ لَخَرَجَ مِنْ أَبْوَابِهَا.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: الْقُضَاةُ أَرْبَعَةٌ; عَلِيٌّ وَعُمْرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ
وَأَبُو مُوسَى، وَالدُّهَاةُ أَرْبَعَةٌ; مُعَاوِيَةُ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ
وَالْمُغِيرَةُ وَزِيَادٌ. وَقَالَ الْزُّهْرِيُّ: الدُّهَاةُ خَمْسَةٌ;
مُعَاوِيَةُ وَعَمْرٌو وَالْمُغِيرَةُ وَاثْنَانِ مَعَ عَلِيٍّ، وَهُمَا قَيْسُ
بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رَجُلًا نَكَّاحًا
لِلنِّسَاءِ، وَكَانَ يَقُولُ: صَاحِبُ الْوَاحِدَةِ إِنْ حَاضَتْ حَاضَ مَعَهَا،
وَإِنْ مَرِضَتْ مَرِضَ مَعَهَا،
وَصَاحِبُ الثِّنْتَيْنِ بَيْنَ
نَارَيْنِ تَشْتَعِلَانِ. قَالَ: فَكَانَ يَنْكِحُ أَرْبَعًا جَمِيعًا
وَيُطَلِّقُهُنَّ جَمِيعًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: تَزَوَّجَ ثَمَانِينَ امْرَأَةً.
وَقِيلَ: ثَلَاثَمِائَةِ امْرَأَةٍ. وَقِيلَ: أَحْصَنَ أَلْفَ امْرَأَةٍ. وَقَدِ
اخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ عَلَى أَقْوَالٍ أَشْهَرُهَا وَأَصَحُّهَا، وَهُوَ
الَّذِي حَكَى عَلَيْهِ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ الْإِجْمَاعَ، أَنَّهُ
تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسِينَ.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ أَبُو مَعْبَدٍ
الْكِنْدِيُّ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا
عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: قَدِمْتُ
الْمَدِينَةَ أَنَا وَصَاحِبَانِ لِي فَتَعَرَّضْنَا لِلنَّاسِ فَلَمْ يُضِفْنَا
أَحَدٌ، فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَا
لَهُ، فَذَهَبَ بِنَا إِلَى مَنْزِلِهِ، وَعِنْدَهُ أَرْبَعُ أَعْنُزٍ، فَقَالَ:
احْلُبْهُنَّ يَا مِقْدَادُ، وَجَزِّئْهِنَّ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ، وَأَعْطِ كُلَّ
إِنْسَانٍ جُزْءًا فَكُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ، فَرَفَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُزْأَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَاحْتَبَسَ وَاضْطَجَعْتُ
عَلَى فِرَاشِي، فَقَالَتْ لِي نَفْسِي: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَدْ أَتَى أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَلَوْ قُمْتَ فَشَرِبْتَ
هَذِهِ الشَّرْبَةَ. فَلَمْ تَزَلْ بِي حَتَّى قُمْتُ فَشَرِبْتُ جُزْأَهُ،
فَلَمَّا دَخَلَ فِي بَطْنِي وَتَقَارَّ أَخَذَنِي مَا قَدُمَ وَمَا حَدَثَ،
فَقُلْتُ: يَجِيءُ الْآنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَائِعًا
ظَمْآنَ، فَلَا يَرَى فِي الْقَدَحِ شَيْئًا، فَسَجَيَّتُ ثَوْبًا عَلَى وَجْهِي،
وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ تَسْلِيمًا
يُسْمِعُ الْيَقْظَانَ وَلَا
يُوقِظُ النَّائِمَ، فَكَشَفَ عَنْهُ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِ مَنْ سَقَانِي، وَأَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي فَاغْتَنَمْتُ دَعْوَتَهُ، وَقُمْتُ فَأَخَذْتُ الشَّفْرَةَ، فَدَنَوْتُ إِلَى الْأَعْنُزِ فَجَعَلْتُ أَجِسُّهُنَّ أَيَّتُهُنَّ أَسْمَنُ لِأَذْبَحَهَا، فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى ضَرْعِ إِحْدَاهُنَّ، فَإِذَا هِيَ حَافِلٌ، وَنَظَرْتُ إِلَى الْأُخْرَى فَإِذَا هِيَ حَافِلٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُنَّ كُلُّهُنَّ حَفْلٌ، فَحَلَبْتُ فِي الْإِنَاءِ فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَقُلْتُ: اشْرَبْ. فَقَالَ: مَا الْخَبَرُ يَا مِقْدَادُ؟ فَقُلْتُ: اشْرَبْ ثُمَّ الْخَبَرُ. فَقَالَ: بَعْضُ سَوْآتِكَ يَا مِقْدَادُ فَشَرِبَ ثُمَّ قَالَ: " اشْرَبْ ". فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ، ثُمَّ أَخَذْتُهُ فَشَرِبْتُهُ، ثُمَّ أَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هِيهِ ". فَقُلْتُ: كَانَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذِهِ بَرَكَةٌ مُنَزَّلَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، أَفَلَا أَخْبَرْتَنِي حَتَّى أَسْقِيَ صَاحِبَيْكَ فَقُلْتُ: إِذَا شَرِبْتُ الْبَرَكَةَ أَنَا وَأَنْتَ فَلَا أُبَالِي مَنْ أَخْطَأَتْ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِقْدَادِ. فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ أَنَّهُ حَلَبَ فِي الْإِنَاءِ الَّذِي كَانُوا لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَحْلِبُوا فِيهِ، فَحَلَبَ حَتَّى عَلَتْهُ الرَّغْوَةُ، وَلَمَّا جَاءَ بِهِ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا شَرِبْتُمْ شَرَابَكُمُ اللَّيْلَةَ يَا مِقْدَادُ؟ فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي، فَأَخَذْتُ مَا بَقِيَ ثُمَّ شَرِبْتُ، فَلَمَّا عَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَوَى فَأَصَابَتْنِي دَعْوَتُهُ، ضَحِكْتُ حَتَّى أُلْقِيتُ إِلَى الْأَرْضِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِحْدَى سَوْآتِكَ يَا مِقْدَادُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ
مِنْ أَمْرِي كَذَا، صَنَعْتُ كَذَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا كَانَتْ هَذِهِ
إِلَّا رَحْمَةَ اللَّهِ، أَلَا كُنْتَ آذَنْتَنِي تُوقِظُ صَاحِبَيْكَ هَذَيْنِ
فَيُصِيبَانِ مِنْهَا قَالَ: قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُبَالِي
إِذَا أَصَبْتَهَا وَأَصَبْتُهَا مَعَكَ مَنْ أَصَابَهَا مِنَ النَّاسِ. وَقَدْ
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ
الْمُغِيرَةِ بِهِ.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مُهَاجِرٌ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ. قَالَ
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، ثَنَا
يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، سَمِعْتُ بُكَيْرًا يَقُولُ:سَمِعْتُ مُهَاجِرًا مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ
يَقُولُ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِنِينَ، فَلَمْ
يَقُلْ لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَهُ؟ وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ:
لِمَ تَرَكْتَهُ؟ وَفِي رِوَايَةٍ: خَدَمْتُهُ عَشْرَ سِنِينَ أَوْ خَمْسَ
سِنِينَ.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَبُو السَّمْحِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ: ثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنِي
مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو السَّمْحِ قَالَ: كُنْتُ أَخْدِمُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،. قَالَ: كَانَ إِذَا أَرَادَ
أَنْ يَغْتَسِلَ قَالَ: نَاوِلْنِي إِدَاوَتِي قَالَ: فَأُنَاوِلُهُ وَأَسْتُرُهُ،
فَأُتِيَ بِحَسَنٍ أَوْ حُسَيْنٍ فَبَالَ عَلَى صَدْرِهِ، فَجِئْتُ لِأَغْسِلَهُ
فَقَالَ: يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ، وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُجَاهِدِ
بْنِ مُوسَى.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَفْضَلُ الصَّحَابَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. تَوَلَّى خِدْمَتَهُ بِنَفْسِهِ فِي سَفْرَةِ الْهِجْرَةِ، لَا سِيَّمَا فِي الْغَارِ وَبَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْهُ، حَتَّى وَصَلُوا إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ مَبْسُوطًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
فَصْلٌ أَمَّا كُتَّابُ الْوَحْيِ
وَغَيْرِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَرَضِيَ
عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ
فَمِنْهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ،
وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَسَيَأْتِي تَرْجَمَةُ
كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي أَيَّامِ خِلَافَتِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَبِهِ الثِّقَةُ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ
أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ الْأُمَوِيُّ.
أَسْلَمَ بَعْدَ أَخَوَيْهِ خَالِدٍ وَعَمْرٍو، وَكَانَ إِسْلَامُهُ بَعْدَ
الْحُدَيْبِيَةِ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَجَارَ عُثْمَانَ حِينَ بَعَثَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةِ يَوْمَ
الْحُدَيْبِيَةِ وَقِيلَ: أَسْلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ زَمَنَ خَيْبَرَ; لِأَنَّ لَهُ
ذِكْرًا فِي " الصَّحِيحِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِسْمَةِ
غَنَائِمِ خَيْبَرَ وَكَانَ سَبَبُ إِسْلَامِهِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِرَاهِبٍ
وَهُوَ فِي تِجَارَةٍ بِالشَّامِ، فَذَكَرَ لَهُ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: مَا اسْمُهُ؟ قَالَ:
مُحَمَّدٌ. قَالَ: فَأَنَا أَنْعَتُهُ لَكَ. فَوَصَفَهُ بِصِفَتِهِ سَوَاءً،
وَقَالَ: إِذَا رَجَعْتَ إِلَى أَهْلِكَ فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ. فَأَسْلَمَ
بَعْدَ مَرْجِعِهِ، وَهُوَ أَخُو
عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الْأَشْدَقِ
الَّذِي قَتَلَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ كَتَبَ الْوَحْيَ
بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَيُّ بْنُ
كَعْبٍ، فَإِذَا لَمْ يَحْضُرْ كَتَبَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَكَتَبَ لَهُ
عُثْمَانُ وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ. هَكَذَا قَالَ،
وَكَأَنَّهُ يَعْنِي بِالْمَدِينَةِ، وَإِلَّا فَالسُّوَرُ الْمَكِّيَّةُ لَمْ
يَكُنْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ حَالَ نُزُولِهَا، وَقَدْ كَتَبَهَا الصَّحَابَةُ
بِمَكَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَفَاةِ أَبَانِ بْنِ
سَعِيدٍ هَذَا، فَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَمُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ
وَالزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَأَكْثَرُ أَهْلِ النَّسَبِ: قُتِلَ يَوْمَ
أَجْنَادِينَ. يَعْنِي فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ. وَقَالَ
آخَرُونَ: قُتِلَ يَوْمَ مَرَجِ الصُّفَّرِ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: قُتِلَ هُوَ وَأَخُوهُ عَمْرٌو يَوْمَ
الْيَرْمُوكِ لِخَمْسٍ مَضَيْنَ
مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ.
وَقِيلَ أَنَّهُ تَأَخَّرَ إِلَى أَيَّامِ عُثْمَانَ، وَأَنَّهُ أَمَرَهُ
عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنْ يُمِلَّ الْمُصْحَفَ عَلَى زَيْدِ بْنِ
ثَابِتٍ، ثُمَّ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أُبَيُّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسِ بْنِ
عُبَيْدٍ الْخَزْرَجِيُّ الْأَنْصَارِيُّ أَبُو الْمُنْذِرِ، وَيُقَالُ: أَبُو
الطُّفَيْلِ. سَيِّدُ الْقُرَّاءِ، شَهِدَ الْعَقَبَةَ الثَّانِيَةَ وَبَدْرًا
وَمَا بَعْدَهَا. وَكَانَ رَبْعَةً نَحِيفًا، أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ،
لَا يُغَيِّرُ شَيْبَهُ. قَالَ أَنَسٌ: جَمَعَ الْقُرْآنَ أَرْبَعَةٌ - يَعْنِي
مِنَ الْأَنْصَارِ - أُبَيُّ بْنُ كَعْبٌ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ
ثَابِتٍ، وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو زَيْدٍ. أَخْرَجَاهُ
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأُبَيٍّ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ
أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ قَالَ: وَسَمَّانِي لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟!
قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ: فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ وَمَعْنَى " أَنْ
أَقْرَأَ عَلَيْكَ " ; قِرَاءَةَ إِبْلَاغٍ وَإِسْمَاعٍ لَا قِرَاءَةَ
تَعَلُّمٍ مِنْهُ، هَذَا لَا يَفْهَمُهُ أُحُدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا
نَبَّهْنَا عَلَى هَذَا لِئَلَّا يُعْتَقَدَ خِلَافُهُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي
مَوْضِعٍ آخَرَ سَبَبَ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ عَلَيْهِ سُورَةَ: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ
الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ
قَيِّمَةٌ وَذَلِكَأَنَّ أُبَيَّ بْنَ
كَعْبٍ كَانَ قَدْ أَنْكَرَ عَلَى
رَجُلٍ قِرَاءَةَ سُورَةٍ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ يَقْرَأُ أُبَيٌّ، فَرَفَعَهُ
أُبَيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "
اقْرَأْ يَا أُبَيُّ ". فَقَرَأَ، فَقَالَ: " هَكَذَا أُنْزِلَتْ
". ثُمَّ قَالَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ: " اقْرَأْ ". فَقَرَأَ
فَقَالَ: " هَكَذَا أُنْزِلَتْ ". قَالَ أُبَيٌّ: فَأَخَذَنِي مِنَ
الشَّكِّ وَلَا إِذْ كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِي فَفِضْتُ عَرَقًا، وَكَأَنَّمَا
أَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ فَرَقًا. فَبَعْدَ ذَلِكَ تَلَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذِهِ السُّورَةَ كَالتَّثْبِيتِ لَهُ
وَالْبَيَانِ لَهُ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَقٌّ وَصِدْقٌ، وَإِنَّهُ أُنْزِلَ
عَلَى أَحْرُفٍ كَثِيرَةٍ; رَحْمَةً وَلُطْفًا بِالْعَبَّادِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ الْوَحْيَ بَيْنَ
يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي
بِالْمَدَينَةِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ،
فَقِيلَ: فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ. وَقِيلَ: سَنَةَ عِشْرِينَ. وَقِيلَ:
ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ. وَقِيلَ: قَبْلَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ بِجُمْعَةٍ. فَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ، وَاسْمُهُ
عَبْدُ مَنَافِ بْنُ أَسَدِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
مَخْزُومٍ الْمَخْزُومِيُّ. أَسْلَمَ قَدِيمًا، وَهُوَ الَّذِي
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْفِيًا فِي دَارِهِ عِنْدَ الصَّفَا، وَتُعْرَفُ تِلْكَ
الدَّارُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْخَيْزُرَانِ، وَهَاجَرَ وَشَهِدَ بَدْرًا وَمَا
بَعْدَهَا، وَقَدْ آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، وَهُوَ الَّذِي كَتَبَ أَقْطَاعَ
عُظَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيِّ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَخٍّ وَغَيْرِهِ; وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ
الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ عَتِيقِ بْنِ يَعْقُوبَ الزُّبَيْرِيِّ،
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. وَقَدْ تُوُفِّيَ
فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ - وَقِيلَ: خَمْسٍ - وَخَمْسِينَ. وَلَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ
سَنَةً.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَهُ حَدِيثَيْنِ; الْأَوَّلَ: قَالَ أَحْمَدُ
وَالْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، وَاللَّفْظُ لِأَحْمَدَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ
عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ،
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ، عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ
مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الَّذِي يَتَخَطَّى
رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةَ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ
خُرُوجِ الْإِمَامِ كَالْجَارِّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ وَالثَّانِيَ: قَالَ
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ،
ثَنَا يَحْيَى بْنُ
عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُثْمَانَ بْنِ الْأَرْقَمِ، عَنْ جَدِّهِ الْأَرْقَمِ، أَنَّهُ جَاءَ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟
قَالَ: أَرَدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاهُنَا. وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى حَيِّزِ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ: مَا يُخْرِجُكَ إِلَيْهِ؟ أَتِجَارَةٌ؟ قَالَ: لَا،
وَلَكِنْ أَرَدْتُ الصَّلَاةَ فِيهِ. قَالَ: الصَّلَاةُ هَاهُنَا - وَأَوْمَأَ
بِيَدِهِ إِلَى مَكَّةَ - خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى
الشَّامِ تَفَرَّدَ بِهِمَا أَحْمَدُ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ
الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيُقَالُ: أَبُو
مُحَمَّدٍ. الْمَدَنِيُّ خَطِيبُ الْأَنْصَارِ، وَيُقَالُ لَهُ: خَطِيبُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ:
أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَايِنِيُّ بِأَسَانِيدِهِ عَنْ
شُيُوخِهِ فِي وُفُودِ الْعَرَبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالُوا: قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلَسٍ الثُّمَالِيُّ، وَمُسْلِيَةُ
بْنَ هِرَّانَ الْحُدَّانِيُّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ مِنْ قَوْمِهِمَا بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ فَأَسْلَمُوا
وَبَايَعُوا عَلَى قَوْمِهِمْ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا بِمَا فُرِضَ عَلَيْهِمْ
مِنَ الصَّدَقَةِ فِي أَمْوَالِهِمْ; كَتَبَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ،
وَشَهِدَ فِيهِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ. وَهَذَا الرَّجُلُ مِمَّنْ ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ "
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي " جَامِعِهِ " بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ
مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ
عُمَرُ، نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجِرَاحِ، نِعْمَ الرَّجُلُ
أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ،
نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ.
وَقَدْ قُتِلَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، شَهِيدًا يَوْمَ الْيَمَامَةِ سَنَةَ
اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، وَلَهُ قِصَّةٌ سَنُورِدُهَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، إِذَا
انْتَهَيْنَا إِلَى ذَلِكَ، بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ وَعَوْنِهِ
وَمَعُونَتِهِ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، حَنْظَلَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ صَيْفِيِّ
بْنِ رَبَاحِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُخَاشِنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ شُرَيْفِ بْنِ
جِرْوَةَ بْنِ أُسَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ التَّمِيمِيُّ الْأُسَيْدِيُّ
الْكَاتِبُ. وَأَخُوهُ رَبَاحٌ صَحَابِيٌّ أَيْضًا، وَعَمُّهُ أَكْثَمُ بْنُ
صَيْفِيٍّ كَانَ حَكِيمَ الْعَرَبِ.
قَالَ: الْوَاقِدِيُّ: كَتَبَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كِتَابًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ الطَّائِفِ فِي الصُّلْحِ. وَشَهِدَ مَعَ خَالِدٍ
حُرُوبَهُ بِالْعِرَاقِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ أَدْرَكَ أَيَّامَ عَلَيٍّ،
وَتَخَلَّفَ، عَنِ الْقِتَالِ مَعَهُ فِي الْجَمَلِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ انْتَقَلَ
عَنِ الْكُوفَةِ لَمَّا شُتِمَ بِهَا عُثْمَانُ، وَمَاتَ بَعْدَ أَيَّامِ عَلَيٍّ،
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " الْغَابَةِ " أَنَّ امْرَأَتَهُ
لَمَّا مَاتَ جَزِعَتْ عَلَيْهِ فَلَامَهَا جَارَاتُهَا فِي ذَلِكَ فَقَالَتْ:
تَعَجَّبَتْ دَعْدٌ لِمَحْزُونَةٍ تَبْكِي عَلَى ذِي شَيْبةٍ شَاحِبِ
إِنْ تَسْأَلِينِي الْيَوْمَ مَا
شَفَّنِي
أُخْبِرْكِ قَوْلًا لَيْسَ بِالْكَاذِبِ إِنَّ سَوَادَ الْعَيْنِ أَوْدَى بِهِ
حُزْنٌ عَلَى حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْبَرْقِيِّ: كَانَ مُعْتَزِلًا
لِلْفِتْنَةِ حَتَّى مَاتَ بَعْدَ عَلِيٍّ، جَاءَ عَنْهُ حَدِيثَانِ. قُلْتُ: بَلْ
ثَلَاثَةٌ; قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، وَعَفَّانُ،
قَالَا: ثَنَا هَمَّامُ، ثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ
حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ; رُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ
وَوُضُوئِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ وَعَلِمَ أَنَّهُنَّ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ،
دَخَلَ الْجَنَّةَ أَوْ قَالَ: وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ،
وَهُوَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ قَتَادَةَ وَحَنْظَلَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ
مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ،
عَنْ حَنْظَلَةَ: لَوْ تَدُومُونَ كَمَا تَكُونُونَ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ
الْمَلَائِكَةُ فِي مَجَالِسِكُمْ، وَفِي طُرُقِكُمْ، وَعَلَى فُرُشِكُمْ،
وَلَكِنْ سَاعَةً، وَسَاعَةًوَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ أَيْضًا
مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ دَاوُدَ الْقَطَّانِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يَزِيدَ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ حَنْظَلَةَ. وَالثَّالِثُ رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،
عَنْ أَبِي
الزِّنَادِ، عَنِ الْمُرَقِّعِ بْنِ
صَيْفِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ جَدِّهِ، فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ
فِي الْحَرْبِ. لَكِنْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ،
عَنِ ابْنِ جُرَيْجٌ قَالَ: أُخْبِرْتُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ مُرَقِّعِ
بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ رَبَاحِ بْنِ رَبِيعٍ، عَنْ جَدِّهِ رَبَاحِ بْنِ رَبِيعٍ
أَخِي حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ. فَذَكَرَهُ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا
عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْعَبَّاسِ، كِلَاهُمَا
عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ
وَأَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ، كِلَاهُمَا عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ مُرَقِّعٍ، عَنْ جَدِّهِ رَبَاحٍ،
وَمِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ كَذَلِكَ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ مُرَقِّعٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ جَدِّهِ رَبَاحِ، فَذَكَرَهُ. فَالْحَدِيثُ عَنْ رَبَاحٍ لَا عَنْ
حَنْظَلَةَ، وَلِذَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: كَانَ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ يُخْطِئُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
قُلْتُ: وَصَحَّ قَوْلُ ابْنِ الْبَرْقِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ سِوَى
حَدِيثَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ
أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، أَبُو سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ،
أَسْلَمَ قَدِيمًا. يُقَالُ بَعْدَ الصِّدِّيقِ بِثَلَاثَةٍ أَوْ
أَرْبَعَةٍ. وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ
خَمْسَةٌ. وَذَكَرُوا أَنَّ سَبَبَ إِسْلَامِهِ أَنَّهُ رَأَى فِي النَّوْمِ
كَأَنَّهُ وَاقِفٌ عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ. فَذَكَرَ مِنْ سِعَتِهَا مَا اللَّهُ
بِهِ عَلِيمٌ. قَالَ: وَكَأَنَّ أَبَاهُ يَدْفَعُهُ فِيهَا، وَكَأَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِذٌ بِيَدِهِ لِيَمْنَعَهُ مِنَ
الْوُقُوعِ فِيهَا. فَقَصَّ هَذِهِ الرُّؤْيَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ أُرِيدَ بِكَ خَيْرٌ، هَذَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّبِعْهُ تَنْجُ مِمَّا خِفْتَهُ.
فَجَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ، فَلَمَّا
بَلَغَ أَبَاهُ إِسْلَامُهُ غَضِبَ عَلَيْهِ، وَضَرَبَهُ بِعَصًا فِي يَدِهِ
حَتَّى كَسَرَهَا عَلَى رَأْسِهِ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ مَنْزِلِهِ، وَمَنَعَهُ
الْقُوتَ، وَنَهَى بَقِيَّةَ إِخْوَتِهِ أَنْ يُكَلِّمُوهُ، فَلَزِمَ خَالِدٌ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا وَنَهَارًا، ثُمَّ
أَسْلَمَ أَخُوهُ عَمْرٌو، فَلَمَّا هَاجَرَ النَّاسُ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ
هَاجَرَا مَعَهُمْ، ثُمَّ كَانَ هُوَ الَّذِي وَلِيَ الْعَقْدَ فِي تَزْوِيجِ
أُمِّ حَبِيبَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا
قَدَّمْنَا، ثُمَّ هَاجَرَا مِنْ أَرْضَ الْحَبَشَةِ صُحْبَةَ جَعْفَرٍ، فَقَدِمَا
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ وَقَدِ
افْتَتَحَهَا، فَأَسْهَمَ لَهُمَا عَنْ مَشُورَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَجَاءَ
أَخُوهُمَا أَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ، فَشَهِدَ فَتْحَ خَيْبَرَ كَمَا قَدَّمْنَا،
ثُمَّ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَلِّيهِمُ
الْأَعْمَالَ، فَلَمَّا كَانَتْ خِلَافَةُ الصِّدِّيقِ خَرَجُوا إِلَى الشَّامِ
لِلْغَزْوِ، فَقُتِلَ خَالِدٌ بِأَجْنَادِينَ، وَيُقَالُ: بِمَرْجِ الصُّفَّرِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ يَعْنِي أَنَّ خَالِدَ بْنَ
سَعِيدٍ كَتَبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَعْطَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ
رَاشِدَ بْنَ عَبْدِ رَبٍّ السُّلَمِيَّ أَعْطَاهُ غَلْوَتَيْنِ بِسَهْمٍ
وَغَلْوَةً بِحَجَرٍ بِرُهَاطٍ، فَمَنْ حَاقَّهُ فَلَا
حَقَّ لَهُ، وَحَقُّهُ حَقٌّ وَكَتَبَ
خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: أَقَامَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ بَعْدَ أَنْ قَدِمَ
مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الَّذِي كَتَبَ كِتَابَ أَهْلِ
الطَّائِفِ لِوَفْدِ ثَقِيفٍ، وَسَعَى فِي الصُّلْحِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ أَبُو سُلَيْمَانَ
الْمَخْزُومِيُّ. وَهُوَ أَمِيرُ الْجُيُوشِ الْمَنْصُورَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ،
وَالْعَسَاكِرِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَالْمَوَاقِفِ الْمَشْهُودَةِ، وَالْأَيَّامِ
الْمَحْمُودَةِ، ذُو الرَّأْيِ السَّدِيدِ، وَالْبَأْسِ الشَّدِيدِ، وَالطَّرِيقِ
الْحَمِيدِ، أَبُو سُلَيْمَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي جَيْشٍ فَكُسِرَ، لَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا
إِسْلَامٍ. قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ كَانَتْ إِلَيْهِ فِي قُرَيْشٍ
الْقُبَّةُ وَأَعِنَّةُ الْخَيْلِ. أَسْلَمَ هُوَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ
وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ وَقِيلَ:
خَيْبَرَ. وَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَبْعَثُهُ فِيمَا يَبْعَثُهُ أَمِيرًا، ثُمَّ كَانَ الْمُقَدَّمَ عَلَى
الْعَسَاكِرِ كُلِّهَا فِي أَيَّامِ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمَّا
وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَزَلَهُ وَوَلَّى أَبَا
عُبَيْدَةَ أَمِينَ الْأُمَّةِ، عَلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ رَأْيِ أَبِي
سُلَيْمَانَ، ثُمَّ مَاتَ خَالِدٌ فِي أَيَّامِ عُمَرَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ
إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَقِيلَ: اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، بِقَرْيَةٍ
عَلَى مِيلٍ مِنْ حِمْصَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: سَأَلْتُ عَنْهَا، فَقِيلَ لِي: دَثَرَتْ. وَقَالَ دُحَيْمٌ:
مَاتَ بِالْمَدِينَةِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَقَدْ رَوَى أَحَادِيثَ كَثِيرَةً
يَطُولُ ذِكْرُهَا.
قَالَ عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، أَنَّ هَذِهِ قَطَايِعُ
أَقْطَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ
أَنْ عِضَاهَ وَجٍّ لَا يُعْضَدُ، وَصَيْدَهُ لَا يُقْتَلُ، فَمَنْ وُجِدَ
يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَإِنَّهُ يُجْلَدُ وَتُنْزَعُ ثِيَابُهُ، وَإِنْ
تَعَدَّى ذَلِكَ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ فَيُبْلَغُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ هَذَا مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَكَتَبَ
خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَلَا يَتَعَدَّاهُ أَحَدٌ فَيَظْلِمَ نَفْسَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ ابْنُ خُوَيْلِدِ
بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَصَّيٍّ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْأَسَدِيُّ. أَحَدُ الْعَشْرَةِ، وَأَحَدُ السِّتَّةِ أَصْحَابِ الشُّورَى
الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ
عَنْهُمْ رَاضٍ، وَحَوَارِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَابْنُ عَمَّتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمَطَّلِبِ، وَزَوْجِ أَسْمَاءَ
بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
رَوَى عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ
بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدِّمِ، أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، هُوَ الَّذِي كَتَبَ لِبَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ جَرْوَلٍ الْكِتَابَ
الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
يَكْتُبَهُ لَهُمْ. رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَتِيقٍ بِهِ.
أَسْلَمَ الزُّبَيْرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَدِيمًا وَهُوَ ابْنُ سِتَّ
عَشْرَةَ سَنَةً، وَيُقَالُ: ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ. وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ،
وَشَهِدَ الْمُشَاهِدَ كُلَّهَا، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سَلَّ سَيْفًا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ، وَقَدْ جَمَعَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَبَوَيْهِ، وَقَالَ: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حِوَارِيًّا،
وَحِوَارِيَّ الزُّبَيْرُ وَقَدْ شَهِدَ الْيَرْمُوكَ وَكَانَ أَفْضَلَ مَنْ
شَهِدَهَا، وَاخْتَرَقَ يَوْمَئِذٍ صُفُوفَ الرُّومِ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى
آخِرِهِمْ مَرَّتَيْنِ، وَيَخْرُجُ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ سَالِمًا، لَكِنْ
جُرِحَ فِي قَفَاهِ بِضَرْبَتَيْنِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَهُ فَضَائِلُ
وَمَنَاقِبُ كَثِيرَةٌ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الْجَمَلِ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ
كَرَّ رَاجِعًا عَنِ الْقِتَالِ، فَلَحِقَهُ عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ وَفَضَالَةُ
بْنُ حَابِسٍ، وَرَجُلٌ ثَالِثٌ يُقَالُ لَهُ: نُفَيْعٌ. التَّمِيمِيُّونَ،
بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: وَادِي السِّبَاعِ. فَبَدَرَ إِلَيْهِ عَمْرُو بْنُ
جُرْمُوزٍ، وَهُوَ نَائِمٌ فَقَتَلَهُ، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ لِعَشْرٍ
خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، وَلَهُ مِنَ
الْعُمُرِ يَوْمئَذٍ سَبْعٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَقَدْ خَلَّفَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، بَعْدَهُ تَرِكَةً عَظِيمَةً، فَأَوْصَى مِنْ ذَلِكَ بِالثُّلْثِ بَعْدَ
إِخْرَاجِ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ دَيْنًا كَانَتْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا
قُضِيَ دَيْنُهُ وَأُخْرِجَ ثُلُثُ مَالِهِ قُسِمَ الْبَاقِي عَلَى وَرَثَتِهِ،
فَنَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ
نِسَائِهِ - وَكُنَّ أَرْبَعًا -
أَلْفَ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ، فَمَجْمُوعُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِمَّا تَرَكَهُ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، تِسْعَةٌ وَخَمْسُونَ أَلْفَ أَلْفٍ وَثَمَانُ مِائَةِ
أَلْفٍ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ وُجُوهِ حِلٍّ نَالَهَا فِي حَيَاتِهِ مِمَّا كَانَ
يُصِيبُهُ مِنَ الْفَيْءِ وَالْمَغَانِمِ، وَوُجُوهِ مَتَاجِرِ الْحَلَالِ،
وَذَلِكَ كُلُّهُ بَعْدَ إِخْرَاجِ الزَّكَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا، وَالصِّلَاتِ
الْبَارِعَةِ الْكَثِيرَةِ لِأَرْبَابِهَا فِي أَوْقَاتِ حَاجَاتِهَا، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَجَعَلَ جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ مَثْوَاهُ، وَقَدْ فَعَلَ
; فَإِنَّهُ قَدْ شَهِدَ لَهُ سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ، وَرَسُولُ
رَبِّ الْعَالَمِينَ بِالْجَنَّةِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَذَكَرَ
ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " الْغَابَةِ " أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَلْفُ
مَمْلُوكٍ يُؤَدُّونَ إِلَيْهِ الْخَرَاجَ، وَأَنَّهُ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِذَلِكَ
كُلِّهِ، وَقَالَ فِيهِ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَمْدَحُهُ وَيُفَضِّلُهُ بِذَلِكَ:
أَقَامَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ وَهَدْيِهِ حَوَارِيُّهُ وَالْقَوْلُ بِالْفِعْلِ
يُعْدَلُ
أَقَامَ عَلَى مِنْهَاجِهِ وَطَرِيقِهِ يُوَالِي وَلِيَّ الْحَقِّ وَالْحَقُّ
أَعْدَلُ
هُوَ الْفَارِسُ الْمَشْهُورُ وَالْبَطَلُ الَّذِي يَصُولُ إِذَا مَا كَانَ يَوْمٌ
مُحَجَّلُ
وَإِنَّ امْرَأً كَانَتْ صَفِيَّةُ أُمُّهُ وَمِنْ أَسَدٍ فِي بَيْتِهِ
لَمُرَفَّلُ
لَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ قُرْبَى قَرِيبَةٌ وَمِنْ نُصْرَةِ الْإِسْلَامِ مَجْدٌ
مُؤَثَّلُ
فَكَمْ كُرْبَةٍ ذَبَّ الزُّبَيْرُ بِسَيْفِهِ عَنِ الْمُصْطَفَى وَاللَّهُ
يُعْطِي وَيُجْزِلُ
إِذَا كَشَفَتْ عَنْ سَاقِهَا
الْحَرْبُ حَشَّهَا بِأَبْيَضَ سَبَّاقٍ إِلَى الْمَوْتِ يُرْقِلُ
فَمَا مِثْلُهُ فِيهِمْ وَلَا كَانَ قَبْلَهُ وَلَيْسَ يَكُونُ الدَّهْرَ مَا
دَامَ يَذْبُلُ
وَقَدْ تَقَدَّمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ التَّمِيمِيُّ بِوَادِي
السِّبَاعِ وَهُوَ نَائِمٌ، وَيُقَالُ: بَلْ قَامَ مِنْ آثَارِ النَّوْمِ وَهُوَ
دَهِشٌ، فَرَكِبَ وَبَارَزَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ، فَلَمَّا صَمَّمَ عَلَيْهِ
الزُّبَيْرُ أَنْجَدَهُ صَاحِبَاهُ فَضَالَةُ وَنُفَيْعٌ، فَقَتَلُوهُ، وَأَخَذَ
عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ رَأْسَهُ وَسَيْفَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ بِهِمَا عَلَى
عَلِيٍّ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمَّا رَأَى سَيْفَ الزُّبَيْرِ:
إِنَّ هَذَا السَّيْفَ طَالَمَا فَرَّجَ الْكَرْبَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ عَلِيٌّ فِيمَا قَالَ: بَشِّرْ
قَاتَلَ ابْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ. فَيُقَالُ: إِنَّ عَمْرَو بْنَ جُرْمُوزٍ
لَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ قَتَلَ نَفْسَهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عُمِّرَ بَعْدَ
عَلِيٍّ حَتَّى كَانَتْ أَيَّامُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَاسْتَنَابَ أَخَاهُ
مُصْعَبًا عَلَى الْعِرَاقِ، فَاخْتَفَى عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ خَوْفًا مِنْ
سَطْوَتِهِ أَنْ يَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ، فَقَالَ مُصْعَبٌ: أَبْلِغُوهُ أَنَّهُ
آمِنٌ، أَيَحْسَبُ أَنِّي أَقْتُلُهُ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ؟ كَلَّا وَاللَّهِ
لَيْسَا سَوَاءٌ. وَهَذَا مِنْ حِلْمِ مُصَعَبٍ وَعِلْمِهِ وَرِيَاسَتِهِ.
وَقَدْ رَوَى الزُّبَيْرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَحَادِيثَ كَثِيرَةً يَطُولُ ذِكْرُهَا، وَلَمَّا قُتِلَ الزُّبَيْرُ بْنُ
الْعَوَّامِ بِوَادِي السِّبَاعِ، كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَتِ امْرَأَتُهُ عَاتِكَةُ
بِنْتُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ تَرْثِيهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
وَعَنْهُ:
غَدَرَ ابْنُ جُرْمُوزٍ بِفَارِسِ
بُهْمَةٍ يَوْمَ اللِّقَاءِ وَكَانَ غَيْرَ مُعَرِّدِ
يَا عَمْرُو لَوْ نَبَّهْتَهُ لَوَجَدْتَهْ لَا طَائِشًا رَعِشَ الْجَنَانِ وَلَا
الْيَدِ
كَمْ غَمْرَةٍ قَدْ خَاضَهَا لَمْ يَثْنِهِ عَنْهَا طِرَادُكَ يَا ابْنَ فَقْعِ
الْقَرْدَدِ
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إِنْ ظَفِرْتَ بِمِثْلِهِ فِيمَنْ مَضَى مِمَّنْ يَرَوْحُ
وَيَغْتَدِي
وَاللَّهِ رَبِّكَ إِنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِمًا حَلَّتْ عَلَيْكَ عُقُوبَةُ
الْمُتَعَمِّدِ
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، زَيْدُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ بْنِ
زَيْدِ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَنْمِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ، أَبُو سَعِيدٍ.
وَيُقَالُ أَبُو خَارِجَةَ. وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ. الْمَدَنِيُّ،
قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهُوَ
ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً ; فَلِهَذَا لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا لِصِغَرِهِ،
قِيلَ: وَلَا أُحُدًا. وَأَوَّلُ مَشَاهِدِهِ الْخَنْدَقُ، ثُمَّ شَهِدَ مَا
بَعْدَهَا، وَكَانَ حَافِظًا لَبِيبًا عَالِمًا عَاقِلًا، ثَبَتَ عَنْهُ فِي "
صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَمَرَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَ يَهُودَ لِيَقْرَأَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ، فَتَعَلَّمَهُ فِي خَمْسَةَ
عَشَرَ يَوْمًا.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، ثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي
الزِّنَادِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ أَبَاهُ زَيْدًا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ قَالَ زَيْدٌ: ذَهَبَ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُعْجِبَ بِي، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا غُلَامٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، مَعَهُ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ بِضْعَ عَشْرَةَ سُورَةً. فَأَعْجَبَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: يَا زَيْدُ تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ يَهُودَ ; فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي. قَالَ زَيْدٌ: فَتَعَلَّمْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ، مَا مَرَّتْ بِي خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى حَذَقْتُهُ، وَكُنْتُ أَقْرَأُ لَهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ، وَأُجِيبُ عَنْهُ إِذَا كَتَبَ. ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ سُرَيْجِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَارِجَةَ، عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَقَدْ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَحْكَامِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ، فَقَالَ: وَقَالَ: خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ فَذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَارِجَةَ، عَنْ أَبِيهِ بِهِ نَحْوَهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهَذَا ذَكَاءٌ مُفْرِطٌ جِدًّا، وَقَدْ كَانَ مِمَّنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقُرَّاءِ، كَمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَنَسٍ. وَرَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهَا فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ،
وَأَصْدَقُهَا حَيَاءً عُثْمَانُ،
وَأَقْضَاهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ
وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْفَرَائِضِ زَيْدُ بْنُ
ثَابِتٍ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو
عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَمِنَ الْحُفَّاظِ مَنْ يَجْعَلُهُ مُرْسَلًا إِلَّا
مَا يَتَعَلَّقُ بِأَبِي عُبَيْدَةَ فَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَدْ كَتَبَ الْوَحْيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ مَا مَوْطِنٍ، وَمِنْ أَوْضَحِ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي "
الصَّحِيحِ " عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى لَا
يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ
وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [ النِّسَاءِ: 95 ] الْآيَةُ. دَعَانِي
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اكْتُبْ: لَا
يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَجَعَلَ يَشْكُوَ ضَرَارَتَهُ، فَنَزَلَ
الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَقُلَتْ
فَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي حَتَّى كَادَتْ تَرُضُّهَا، فَنَزَلَ: غَيْرُ أُولِي
الضَّرَرِ فَأَمَرَنِي فَأَلْحَقْتُهَا، فَقَالَ زَيْدٌ: فَإِنِّي لَأَعْرِفُ
مَوْضِعَ مُلْحَقِهَا عِنْدَ صَدْعٍ فِي ذَلِكَ اللَّوْحِ. يَعْنِي مِنْ عِظَامٍ.
الْحَدِيثَ.
وَقَدْ شَهِدَ زَيْدٌ الْيَمَامَةَ وَأَصَابَهُ سَهْمٌ فَلَمْ يَضُرُّهُ، وَهُوَ
الَّذِي أَمَرَهُ الصِّدِّيقُ بَعْدَ هَذَا بِأَنْ يَتَتَبَّعَ الْقُرْآنَ
فَيَجْمَعَهُ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ
كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. فَفَعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ الصِّدِّيقُ،
فَكَانَ فِي ذَلِكَ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَقَدِ
اسْتَنَابَهُ عُمْرُ مَرَّتَيْنِ
فِي حَجَّتَيْنِ عَلَى الْمَدِينَةِ
وَاسْتَنَابَهُ لَمَّا خَرَجَ إِلَى الشَّامِ وَكَذَلِكَ كَانَ عُثْمَانُ
يَسْتَنِيبُهُ عَلَى الْمَدِينَةِ أَيْضًا، وَكَانَ عَلِيٌّ يُحِبُّهُ، وَكَانَ
يُعَظِّمُ عَلِيًّا وَيَعْرِفُ لَهُ قَدْرَهُ، وَلَمْ يَشْهَدْ مَعَهُ شَيْئًا
مِنْ حُرُوبِهِ، وَتَأَخَّرَ بَعْدَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ
وَأَرْبَعِينَ، وَقِيلَ سَنَةَ إِحْدَى - وَقِيلَ: خَمْسٍ - وَخَمْسِينَ. وَهُوَ
مِمَّنْ كَانَ يَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ الْأَئِمَّةَ الَّتِي نَفَذَ بِهَا عُثْمَانُ
بْنُ عَفَّانَ إِلَى سَائِرِ الْآفَاقِ، اللَّائِي وَقَعَ عَلَى التِّلَاوَةِ
طِبْقَ رَسْمِهِنَّ الْإِجْمَاعُ وَالِاتِّفَاقُ، كَمَا قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي
كِتَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ الَّذِي كَتَبْنَاهُ مُقَدِّمَةً فِي أَوَّلِ
كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ ". وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، السِّجِلُّ. كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ
الْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - إِنْ صَحَّ - وَفِيهِ نَظَرٌ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا نُوحُ بْنُ
قَيْسٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي
الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:السِّجِلُّ
كَاتِبٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ
النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ بِهِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ
فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ
) [ الْأَنْبِيَاءِ: 104 ] قَالَ: السِّجِلُّ: الرَّجُلُ. هَذَا لَفَظُهُ. وَكَذَا
رَوَاهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ فِي " تَفْسِيرِهِ " عِنْدَ
قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ.
عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ
نُوحِ بْنِ قَيْسٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ مِنْ
رِجَالِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ. وَأَمَّا
شَيْخُهُ يَزِيدُ بْنُ كَعْبٍ الْعَوْذِيُّ الْبَصْرِيُّ فَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ
سِوَى نُوحِ بْنِ قَيْسٍ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مَعَ ذَلِكَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "
الثِّقَاتِ ". وَقَدْ عَرَضْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ
الْكَبِيرِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ فَأَنْكَرَهُ جِدًّا، وَأَخْبَرَتْهُ
أَنَّ شَيْخَنَا الْعَلَّامَةَ أَبَا الْعَبَّاسِ ابْنَ تَيْمِيَةَ كَانَ يَقُولُ:
هُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَإِنْ كَانَ فِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ ".
فَقَالَ شَيْخُنَا الْمِزِّيُّ: وَأَنَا أَقُولُهُ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي " كَامِلِهِ "
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُلَقَّبِ بِبُومَةَ، عَنْ يَحْيَى
بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ النُّكْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِبٌ يُقَالُ لَهُ: السِّجِلُّ. وَهُوَ
قَوْلُهُ تَعَالَى: " يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ
لِلْكِتَابِ " قَالَ: كَمَا يَطْوِي السِّجِلُّ الْكِتَابَ كَذَلِكَ نَطْوِي
السَّمَاءَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبِي نَصْرِ بْنِ قَتَادَةَ،
عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الرَّفَّاءِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ
مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ بِهِ. وَيَحْيَى
هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا فَلَا يَصْلُحُ لِلْمُتَابَعَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَغْرَبُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا
رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ وَابْنُ مَنْدَهْ مِنْ حَدِيثِ
أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الْبَغْدَادِيِّ الْمَعْرُوفِ بِحَمْدَانَ، عَنِ ابْنِ
نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِبٌ يُقَالُ لَهُ: سَجِلٌّ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ " يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ
لِلْكِتَابِ ". قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: غَرِيبٌ، تَفَرَّدَ بِهِ حَمْدَانُ.
وَقَالَ الْبَرْقَانِيُّ: قَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ
ابْنُ نُمَيْرٍ، إِنْ صَحَّ.
قُلْتُ: وَهَذَا أَيْضًا مُنْكَرٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا هُوَ مُنْكَرٌ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ خِلَافُ
ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَى الْوَالِبِيُّ وَالْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ
قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: قَالَ: كَطَيِّ الصَّحِيفَةِ عَلَى الْكِتَابِ.
وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي
اللُّغَةِ أَنَّ السِّجِلَّ هُوَ الصَّحِيفَةُ. قَالَ: وَلَا يُعْرَفُ فِي
الصَّحَابَةِ أَحَدٌ اسْمُهُ السِّجِلُّ. وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ السِّجِلُّ
اسْمُ مَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ كَمَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ
يَمَانٍ، ثَنَا أَبُو الْوَفَاءِ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
فِي قَوْلِهِ " يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ
". قَالَ: السِّجِلُّ مَلَكٌ، فَإِذَا صَعِدَ بِالِاسْتِغْفَارِ قَالَ
اللَّهُ:
اكْتُبْهَا نُورًا، وَحَدَّثَنَا
بُنْدَارٌ، عَنْ مُؤَمَّلٍ، عَنْ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ السُّدِّيَّ يَقُولُ.
فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
وَهَكَذَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ، عَنِ
ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا
جَعْفَرٍ يَقُولُ: السِّجِلُّ الْمَلَكُ. وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ ابْنُ
جَرِيرٍ مِنْ كَوْنِ السِّجِلِّ اسْمَ صَحَابِيٍّ أَوْ مَلَكٍ قَوِيٍّ جِدًّا،
وَالْحَدِيثُ فِي ذَلِكَ مُنْكَرٌ جِدًّا. وَمَنْ ذَكَرَهُ فِي أَسْمَاءِ
الصَّحَابَةِ كَابْنٍ مَنْدَهْ وَأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ وَابْنِ
الْأَثِيرِ فِي " الْغَابَةِ "، إِنَّمَا ذَكَرَهُ إِحْسَانًا لِلظَّنِّ
بِهَذَا الْحَدِيثِ، أَوْ تَعْلِيقًا عَلَى صِحَّتِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، سَعْدُ بْنُ أَبِي سَرْحٍ. فِيمَا قَالَهُ
خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ وَقَدْ وَهِمَ إِنَّمَا هُوَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، مَوْلَى أَبِي
بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: قَالَ الْزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ - وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ - أَنَّ
أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُسَمِعَ سُرَاقَةَ يَقُولُ، فَذَكَرَ خَبَرَ هِجْرَةِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ فِيهِ: فَقُلْتُ
لَهُ: إِنْ قَوْمَكَ جَعَلُوا فِيكَ
الدِّيَةَ. وَأَخْبَرَتْهُمْ مِنْ أَخْبَارِ سَفَرِهِمْ وَمَا يُرِيدُ النَّاسُ
بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَءُونِي مِنْهُ
شَيْئًا، وَلَمْ يَسْأَلُونِي إِلَّا أَنْ أَخْفِ عَنَّا، فَسَأَلْتُهُ أَنْ
يَكْتُبَ لِي كِتَابَ مُوَادَعَةٍ آمَنُ بِهِ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ،
فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ، ثُمَّ مَضَى.
قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ فِي الْهِجْرَةِ. وَقَدْ رُوِيَ
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الَّذِي كَتَبَ لِسُرَاقَةَ هَذَا الْكِتَابَ. فَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَدْ كَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ - وَيُكَنَّى أَبَا عَمْرٍو - مِنْ
مُوَلَّدِي الْأَزْدِ، أَسْوَدَ اللَّوْنِ، وَكَانَ أَوَّلًا مَوْلًى لِلطُّفَيْلِ
بْنِ الْحَارِثِ أَخِي عَائِشَةَ لِأُمِّهَا أُمِّ رُومَانَ، فَأَسْلَمَ قَدِيمًا
قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ
الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ - الَّتِي عِنْدَ الصَّفَا - مُسْتَخْفِيًا، فَكَانَ
عَامِرٌ يُعَذَّبُ مَعَ جُمْلَةِ الْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ لِيَرْجِعَ عَنْ
دِينِهِ فَيَأْبَى، فَاشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَأَعْتَقَهُ، فَكَانَ
يَرْعَى لَهُ غَنَمًا بِظَاهِرِ مَكَّةَ وَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، كَانَ مَعَهُمَا رَدِيفًا
لِأَبِي بَكْرٍ، وَمَعَهُمُ الدَّلِيلُ الدُّئَلِيُّ فَقَطْ، كَمَا تَقَدَّمَ
مَبْسُوطًا، وَلَمَّا وَرَدُوا الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ عَلَى
سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْسِ بْنِ
مُعَاذٍ، وَشَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا، وَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ كَمَا
تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَكَانَ عُمْرُهُ إِذْ
ذَاكَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرَ عُرْوَةُ وَابْنُ
إِسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، أَنَّ عَامِرًا قَتَلَهُ يَوْمَ
بِئْرِ مَعُونَةَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: جَبَّارُ بْنُ سُلْمَى مِنْ بَنِي كِلَابٍ.
فَلَمَّا
طَعَنَهُ بِالرُّمْحِ قَالَ: فُزْتُ
وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. وَرُفِعَ عَامِرٌ حَتَّى غَابَ عَنِ الْأَبْصَارِ حَتَّى
قَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ لَقَدْ رُفِعَ حَتَّى رَأَيْتُ السَّمَاءَ
دُونَهُ. وَسَأَلَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ عَنْهُ فَقَالَ: كَانَ مَنْ أَفْضَلِنَا
وَمِنْ أَوَّلِ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ
جَبَّارٌ: فَسَأَلْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ سُفْيَانَ عَمَّا قَالَ، مَا يَعْنِي بِهِ؟
فَقَالَ: يَعْنِي الْجَنَّةَ. وَدَعَانِي الضَّحَّاكُ إِلَى الْإِسْلَامِ
فَأَسْلَمْتُ ; لِمَا رَأَيْتُ مِنْ قَتْلِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ، فَكَتَبَ
الضَّحَّاكُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ يُخْبِرُهُ بِإِسْلَامِي وَمَا كَانَ مِنْ
أَمْرِ عَامِرٍ، فَقَالَ: وَارَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَأُنْزِلَ عِلِّيِّينَ وَفِي
" الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: قَرَأْنَا فِيهِمْ
قُرْآنًا أَنْ: ( بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا، أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ
عَنَّا وَأَرْضَانَا ). وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ بِتَمَامِهِ فِي مَوْضِعِهِ
عِنْدَ غَزْوَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ أَنَّ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ كَانَ يَقُولُ: مَنْ رَجُلٌ مِنْكُمْ
لَمَّا قُتِلَ رَأَيْتُهُ رُفِعَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى رَأَيْتُ
السَّمَاءَ دُونَهُ ؟ قَالُوا: عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ
الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رُفِعَ عَامِرُ بْنُ
فُهَيْرَةَ إِلَى السَّمَاءِ فَلَمْ تُوجَدْ جُثَّتُهُ، يَرَوْنَ أَنَّ
الْمَلَائِكَةَ وَارَتْهُ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَمَ بْنِ أَبِي
الْأَرْقَمِ الْمَخْزُومِيُّ. أَسْلَمَ
عَامَ الْفَتْحِ، وَكَتَبَ لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: وَكَانَ يُنَفِّذُ
مَا يَفْعَلُهُ وَيَشْكُرُهُ وَيَسْتَجِيدُهُ. وَقَالَ سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْتَبَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْأَرْقَمِ بْنِ عَبْدِ
يَغُوثَ، وَكَانَ يُجِيبُ عَنْهُ الْمُلُوكَ، وَبَلَغَ مِنْ أَمَانَتِهِ أَنَّهُ
كَانَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى بَعْضِ الْمُلُوكِ فَيَكْتُبَ، وَيَخْتِمَ
عَلَى مَا يَقْرَؤُهُ ; لِأَمَانَتِهِ عِنْدَهُ، وَكَتَبَ لِأَبِي بَكْرٍ،
وَجَعَلَ إِلَيْهِ بَيْتَ الْمَالِ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِمَا عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ عَزَلَهُ عَنْهُمَا. قُلْتُ: وَذَلِكَ
بَعْدَ مَا اسْتَعْفَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَمَ، وَيُقَالُ: إِنَّ
عُثْمَانَ عَرَضَ عَلَيْهِ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ عَنْ أُجْرَةِ
عِمَالَتِهِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا وَقَالَ: إِنَّمَا عَمِلْتُ لِلَّهِ
فَأَجْرِي عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَكَتَبَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَإِذَا لَمْ يَحْضُرِ ابْنُ الْأَرْقَمِ وَزَيْدُ
بْنُ ثَابِتٍ كَتَبَ مَنْ حَضَرَ مِنَ النَّاسِ، وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ وَعَلِيُّ
وَزَيْدٌ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَمُعَاوِيَةُ وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ
بْنِ الْعَاصِ، وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ سُمِّيَ مِنَ الْعَرَبِ. وَقَالَ الْأَعْمَشُ
قُلْتُ لِشَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ: مَنْ كَانَ كَاتِبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ، وَقَدْ جَاءَنَا
كِتَابُ عُمْرَ بِالْقَادِسِيَّةِ وَفِي أَسْفَلِهِ: وَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْأَرْقَمِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ،
حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْبَيْهَقِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ، عَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ:أَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ رَجُلٍ، فَقَالَ لِعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ: أَجِبْ عَنِّي فَكَتَبَ جَوَابَهُ، ثُمَّ قَرَأَهُ
عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ قَالَ: فَلَمَّا
وَلِيَ عُمَرُ كَانَ يُشَاوِرُهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَخْشَى لِلَّهِ مِنْهُ. يَعْنِي فِي الْعُمَّالِ.
أُضِرَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبْلَ وَفَاتِهِ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ
الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ. صَاحِبُ الْأَذَانِ، أَسْلَمَ قَدِيمًا، فَشَهِدَ
عَقَبَةَ السَّبْعِينَ، وَحَضَرَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا، وَمِنْ أَكْبَرِ
مَنَاقِبِهِ رُؤْيَتُهُ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ فِي النَّوْمِ، وَعَرْضُهُ
ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَقْرِيرُهُ
عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ لَهُ: إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٍّ فَأَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ ;
فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتَا مِنْكَ وَقَدْ قَدَّمْنَا الْحَدِيثَ بِذَلِكَ فِي
مَوْضِعِهِ. وَقَدْ رَوَى الْوَاقِدِيُّ بِأَسَانِيدِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّهُ كَتَبَ كِتَابًا لِمَنْ أَسْلَمَ مِنْ جُرَشَ، فِيهِ الْأَمْرُ لَهُمْ
بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَإِعْطَاءِ خُمُسِ الْمَغْنَمِ.
وَقَدْ تُوُفِّيَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، عَنْ
أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي
سَرْحٍ الْقُرَشِيُّ
الْعَامِرِيُّ. أَخُو عُثْمَانَ بْنِ
عَفَّانَ مِنَ الرَّضَاعَةِ ; أَرْضَعَتْ أُمُّهُ عُثْمَانَ، وَكَتَبَ الْوَحْيَ،
ثُمَّ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا
فَتَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ قَدْ
أَهْدَرَ دَمَهُ فِيمَنْ أَهْدَرَ مِنَ الدِّمَاءِ - فَجَاءَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ
عَفَّانَ، فَاسْتَأْمَنَ لَهُ، فَأَمَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَدَّمْنَا فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، ثُمَّ حَسُنَ
إِسْلَامُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ جِدًّا بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثَنَا
عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ،
عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ
بْنِ أَبِي سَرْحٍ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ فَلَحِقَ بِالْكَفَّارِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْتَلَ، فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَانُ
بْنُ عَفَّانَ، فَأَجَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ
بِهِ.
قُلْتُ: وَكَانَ عَلَى مَيْمَنَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حِينَ افْتَتَحَ عَمْرٌو
مِصْرَ سَنَةَ عِشْرِينَ فِي الدَّوْلَةِ الْعُمَرِيَّةِ، فَاسْتَنَابَ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ عَمْرًا عَلَيْهَا، فَلَمَّا صَارَتِ الْخِلَافَةُ إِلَى
عُثْمَانَ عَزَلَ عَنْهَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَوَلَّى عَلَيْهَا عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَأَمَرَهُ بِغَزْوِ بِلَادِ
إِفْرِيقِيَّةَ فَغَزَاهَا، فَفَتَحَهَا وَحَصَلَ لِلْجَيْشِ مِنْهَا مَالٌ
عَظِيمٌ، كَانَ قِسْمُ الْغَنِيمَةِ لِكُلِّ فَارِسٍ مِنَ الْجَيْشِ ثَلَاثَةَ
آلَافِ مِثْقَالٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَلِلرَّاجِلِ أَلْفَ مِثْقَالٍ، وَكَانَ مَعَهُ
فِي جَيْشِهِ هَذَا ثَلَاثَةٌ مِنَ الْعَبَادِلَةِ ; عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ،
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، ثُمَّ غَزَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ بَعْدَ إِفْرِيقِيَّةَ الْأَسَاوِدَ مِنْ أَرْضِ النُّوبَةِ
فَهَادَنَهُمْ فَهِيَ إِلَى الْيَوْمِ،
وَذَلِكَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ،
ثُمَّ غَزَا غَزْوَةَ الصَّوَارِي فِي الْبَحْرِ إِلَى الرُّومِ، وَهِيَ غَزْوَةٌ
عَظِيمَةٌ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي مَوْضِعِهَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى، فَلَمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ عَلَى عُثْمَانَ خَرَجَ مِنْ مِصْرَ،
وَاسْتَنَابَ عَلَيْهَا لِيَذْهَبَ إِلَى عُثْمَانَ لِيَنْصُرَهُ، فَلَمَّا قُتِلَ
عُثْمَانِ أَقَامَ بِعَسْقَلَانَ، وَقِيلَ: بِالرَّمْلَةِ، وَدَعَا اللَّهَ أَنْ
يَقْبِضَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَصَلَّى يَوْمًا الْفَجْرَ، وَقَرَأَ فِي الْأُولَى
مِنْهَا " بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ "، وَ " الْعَادِيَّاتِ "،
وَفِي الثَّانِيَةِ " بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ "، وَسُورَةٍ، وَلَمَّا
فَرَغَ مِنَ التَّشَهُّدِ سَلَّمَ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ
يُسَلِّمَ الثَّانِيَةَ فَمَاتَ بَيْنَهُمَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ فِي
سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ. وَقِيلَ: سَنَةَ سَبْعٍ. وَقِيلَ إِنَّهُ تَأَخَّرَ
إِلَى سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. قُلْتُ: وَلَمْ يَقَعْ
لَهُ رِوَايَةٌ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَلَا فِي " الْمُسْنَدِ "
لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ أَبُو بَكْرٍ
الصِّدِّيقُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِأَنَّ تَرْجَمَتَهُ سَتَأْتِي فِي
أَيَّامِ خِلَافَتِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِهِ الثِّقَةُ، وَقَدْ
جَمَعْتُ مُجَلَّدًا فِي سِيرَتِهِ، وَمَا رَوَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَمَا
رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الْآثَارِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى كِتَابَتِهِ مَا ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ
الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، عَنْ
أَبِيهِ،عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ فِي حَدِيثِهِ حِينَ اتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ مِنَ
الْغَارِ فَمَرُّوا عَلَى أَرْضِهِمْ، فَلَمَّا غَشِيَهُمْ - وَكَانَ مِنْ أَمْرِ
فَرَسِهِ مَا كَانَ - سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابَ أَمَانٍ، فَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَكَتَبَ لَهُ
كِتَابًا، ثُمَّ أَلْقَاهُ إِلَيْهِ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ الْزُّهْرِيِّ بِهَذَا السَّنَدِ
أَنَّ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ
كَتَبَهُ. فَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَبَا
بَكْرٍ كَتَبَ بَعْضَهُ، ثُمَّ أَمَرَ مَوْلَاهُ عَامِرًا فَكَتَبَ بَاقِيَهُ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَمِيرُ
الْمُؤْمِنِينَ. وَسَتَأْتِي تَرْجَمَتُهُ فِي أَيَّامِ خِلَافَتِهِ.
وَكِتَابَتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَشْهُورَةٌ.
وَقَدْ رَوَى الْوَاقِدِيُّ بِأَسَانِيدِهِ أَنَّ نَهْشَلَ بْنَ مَالِكٍ
الْوَائِلِيَّ لَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ
بْنَ عَفَّانَ فَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا فِيهِ شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُ
الْمُؤْمِنِينَ. وَسَتَأْتِي تَرْجَمَتُهُ فِي خِلَافَتِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ
أَنَّهُ كَتَبَ الصُّلْحَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَبَيْنَ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ; أَنْ يَأْمَنَ النَّاسُ،
وَأَنَّهُ لَا إِسْلَالَ، وَلَا إِغْلَالَ، وَعَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ
سِنِينَ، وَقَدْ كَتَبَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْكُتُبِ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا مَا يَدَّعِيهِ طَائِفَةٌ مِنْ يَهُودَ
خَيْبَرَ أَنَّ بِأَيْدِيهِمْ كِتَابًا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِوَضْعِ الْجِزْيَةِ عَنْهُمْ، وَفِي آخِرِهِ: وَكَتَبَ عَلِيُّ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ وَفِيهِ شَهَادَةُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ سَعْدُ
بْنُ مُعَاذٍ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، فَهُوَ كَذِبٌ مُفْتَعَلٌ،
وَبُهْتَانٌ مُخْتَلَقٌ مَوْضُوعٌ مَصْنُوعٌ، وَقَدْ بَيَّنَ جَمَاعَةٌ مِنَ
الْعُلَمَّاءِ بُطْلَانَهُ، وَاغْتَرَّ بِهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ
فَقَالُوا بِوَضْعِ الْجِزْيَةِ عَنْهُمْ، وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا، وَقَدْ
جَمَعْتُ فِي ذَلِكَ جُزْءًا مُفْرَدًا بَيَّنْتُ فِيهِ بُطْلَانَهُ، وَأَنَّهُ
مَوْضُوعٌ، اخْتَلَقُوهُ وَوَضَعُوهُ، وَهُمْ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَبَيَّنْتُهُ،
وَجَمَعْتُ مُتَفَرِّقَ كَلَامِ
الْأَئِمَّةِ فِيهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمِيرُ
الْمُؤْمِنِينَ، وَسَتَأْتِي تَرْجَمَتُهُ فِي مَوْضِعِهَا، وَقَدْ أَفْرَدْتُ
لَهُ مُجَلَّدًا عَلَى حِدَةٍ، وَمُجَلَّدًا ضَخْمًا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي
رَوَاهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْآثَارِ
وَالْأَحْكَامِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ
بَيَانُ كِتَابَتِهِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ.
وَمِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ وَاسْمُ
الْحَضْرَمِيِّ عَبَّادٌ، وَيُقَالُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادِ بْنِ أَكْبَرَ
بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عُوَيْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ إِيَادِ بْنِ
الصَّدِفِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُقْنِعِ بْنِ حَضْرَمَوْتَ بْنِ قَحْطَانَ. وَقِيلَ
غَيْرُ ذَلِكَ فِي نَسَبِهِ، وَهُوَ مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ. وَقَدْ
تَقَدَّمَ بَيَانُ كِتَابَتِهِ فِي تَرْجَمَةِ أَبَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ
الْعَاصِ، وَكَانَ لَهُ مِنَ الْإِخْوَةِ عِشَرَةٌ غَيْرُهُ، فَمِنْهُمْ عَمْرُو
بْنُ الْحَضْرَمِيِّ أَوَّلُ قَتِيلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَهُ الْمُسْلِمُونَ
فِي سَرِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَهِيَ أَوَّلُ سَرِيَّةٍ، كَمَا
تَقَدَّمَ، وَمِنْهُمْ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ الَّذِي أَمَرَهُ أَبُو
جَهْلٍ، لَعَنَهُ اللَّهُ، فَكَشَفَ عَنْ عَوْرَتِهِ وَنَادَاهُ: وَاعَمْرَاهُ.
حِينَ اصْطَفَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ فَهَاجَتِ
الْحَرْبُ، وَقَامَتْ عَلَى سَاقٍ، وَكَانَ مَا كَانَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ
مَبْسُوطًا فِي مَوْضِعِهِ، وَمِنْهُمْ شُرَيْحُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ، وَكَانَ
مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ. قَالَ فِيهِ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ رَجُلٌ لَا يَتَوَسَّدُ الْقُرْآنَ يَعْنِي لَا يَنَامُ
وَيَتْرُكُهُ، بَلْ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلَهُمْ كُلُّهُمْ
أُخْتٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الصَّعْبَةُ بِنْتُ الْحَضْرَمِيِّ أُمُّ طَلْحَةَ بْنِ
عُبَيْدِ اللَّهِ، وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَيْهِ وَسَلَّمَ
الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى مَلِكِ
الْبَحْرَيْنِ ثُمَّ وَلَّاهُ عَلَيْهَا أَمِيرًا حِينَ افْتَتَحَهَا، وَأَقَرَّهُ
عَلَيْهَا الصِّدِّيقُ، ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَلَمْ يَزَلْ بِهَا
حَتَّى عَزَلَهُ عَنْهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَوَلَّاهُ الْبَصْرَةَ فَلَمَّا
كَانَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ تُوُفِّيَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ إِحْدَى
وَعِشْرِينَ. وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ كَرَامَاتٍ كَثِيرَةً
مِنْهَا ; أَنَّهُ سَارَ بِجَيْشِهِ عَلَى وَجْهِ الْبَحْرِ مَا يَصِلُ إِلَى
رُكَبِ خُيُولِهِمْ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مَا بَلَّ أَسَافِلَ نِعَالِ خُيُولِهِمْ. وَأَمَرَهُمْ
كُلَّهُمْ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا حَلِيمُ يَا عَظِيمُ. وَأَنَّهُ كَانَ فِي
جَيْشِهِ، فَاحْتَاجُوا إِلَى مَاءٍ، فَدَعَا اللَّهَ فَأَمْطَرَهُمْ قَدْرَ
كِفَايَتِهِمْ. وَأَنَّهُ لَمَّا دُفِنَ لَمْ يُرَ لَهُ أَثَرٌ بِالْكُلِّيَّةِ،
وَكَانَ قَدْ سَأَلَ اللَّهَ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي هَذَا فِي كِتَابِ دَلَائِلِ
النُّبُوَّةِ قَرِيبًا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثَلَاثَةُ
أَحَادِيثَ ; الْأَوَّلُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ عَوْفٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَمْكُثُ
الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ
مِنْ حَدِيثِهِ.
وَالثَّانِي: قَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، ثَنَا مَنْصُورٌ، عَنِ ابْنِ
سِيرِينَ،عَنِ ابْنِ
الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، أَنَّ
أَبَاهُ كَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَدَأَ
بِنَفْسِهِ. وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.
وَالْحَدِيثُ الثَّالِثِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ
بْنِ زَيْدٍ، عَنْ حِبَّانَ الْأَعْرَجِ عَنْهُ، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ الْبَحْرَيْنِ فِي الْحَائِطِ -
يَعْنِي الْبُسْتَانَ - يَكُونُ بَيْنَ الْإِخْوَةِ فَيُسْلِمُ أُحُدُهُمْ،
فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعُشْرَ مِمَّنْ أَسْلَمَ، وَالْخَرَاجَ. يَعْنِي
مِمَّنْ لَمْ يُسْلِمْ.
وَمِنْهُمُ الْعَلَاءُ بْنُ عُقْبَةَ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَانَ
كَاتِبًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا
ذَكَرَهُ إِلَّا فِيمَا أَخْبَرَنَا... ثُمَّ ذَكَرَ إِسْنَادَهُ إِلَى عَتِيقِ
بْنِ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ:
إِنَّ هَذِهِ قَطَائِعُ أَقْطَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ. فَذَكَرَهَا، وَذَكَرَ فِيهَا: " بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَعْطَى النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ عَبَّاسَ
بْنَ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيَّ، أَعْطَاهُ مَدْفُورًا، فَمَنْ حَاقَهُ فِيهَا فَلَا
حَقَّ لَهُ، وَحَقُّهُ حَقٌّ ". وَكَتَبَ الْعَلَاءُ بْنُ عُقْبَةَ وَشَهِدَ،
ثُمَّ قَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَعْطَى
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَوْسَجَةَ بْنَ حَرْمَلَةَ الْجُهَنِيَّ، مِنْ ذِي
الْمَرْوَةِ وَمَا بَيْنَ بِلْكَثَةَ إِلَى
الظَّبْيَةِ إِلَى الْجَعَلَاتِ إِلَى
جَبَلِ الْقَبَلِيَّةِ فَمِنْ حَاقَهُ فَلَا حَقَّ لَهُ، وَحَقُّهُ حَقٌّ ".
وَكَتَبَهُ الْعَلَاءُ بْنُ عُقْبَةَ. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ بِأَسَانِيدِهِ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ لِبَنِي شَنْخٍ مِنْ
جُهَيْنَةَ، وَكَتَبَ كِتَابَهُمْ بِذَلِكَ الْعَلَاءُ بْنُ عُقْبَةَ وَشَهِدَ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " الْغَابَةِ " هَذَا الرَّجُلَ
مُخْتَصَرًا فَقَالَ: الْعَلَاءُ بْنُ عُقْبَةَ كَتَبَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَكَرَهُ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، ذَكَرَهُ جَعْفَرٌ.
أَخْرَجَهُ أَبُو مُوسَى. يَعْنِي الْمَدِينِيَّ فِي كِتَابِهِ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلِمَةَ بْنِ سَلَمَةَ
بْنِ حَرِيشِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ الْأَنْصَارِيُّ الْحَارِثِيُّ الْخَزْرَجِيُّ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ، وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَيُقَالُ: أَبُو سَعِيدٍ
الْمَدَنِيُّ، حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ. أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ مُصْعَبِ
بْنِ عُمَيْرٍ، وَقِيلَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَأُسِيدِ بْنِ حُضَيْرٍ. وَآخَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَشَهِدَ بَدْرًا
وَالْمَشَاهِدَ بَعْدَهَا، وَاسْتَخْلَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى الْمَدِينَةِ عَامَ تَبُوكَ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي
" الِاسْتِيعَابِ " كَانَ شَدِيدَ السُّمْرَةِ طَوِيلًا أَصْلَعَ ذَا
جُثَّةٍ، وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ مِمَّنْ اعْتَزَلَ
الْفِتْنَةَ، وَاتَّخَذَ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ. وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ
ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ
مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَقَدْ رَوَى حَدِيثًا كَثِيرًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ
مُحَمَّدٍ الْمُدَايِنِيِّ بِأَسَانِيدِهِ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ هُوَ
الَّذِي كَتَبَ لِوَفْدِ مُهْرَةَ كِتَابًا عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ
حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ الْأُمَوِيُّ، وَسَتَأْتِي تَرْجَمَتُهُ فِي أَيَّامِ
إِمَارَتِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَّاجِ فِي كِتَابِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَقَدْ رَوَى
مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ،
عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ سِمَاكِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ أَبَا
سُفْيَانَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَلَاثٌ أَعْطِنِيهِنَّ. قَالَ: "
نَعَمْ " قَالَ: تُؤَمِّرُنِي حَتَّى أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ كَمَا كُنْتُ أُقَاتِلُ
الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: " نَعَمْ " قَالَ: وَمُعَاوِيَةُ تَجْعَلُهُ
كَاتِبًا بَيْنَ يَدَيْكَ. قَالَ: " نَعَمْ ". الْحَدِيثَ. وَقَدْ
أَفْرَدْتُ لِهَذَا الْحَدِيثِ جُزْءًا عَلَى حِدَةٍ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ فِيهِ
مِنْ ذِكْرِ طَلَبِهِ تَزْوِيجَ أُمِّ حَبِيبَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ فِيهِ مِنَ الْمَحْفُوظِ تَأْمِيرُ أَبِي
سُفْيَانَ وَتَوْلِيَتُهُ مُعَاوِيَةَ مَنْصِبَ الْكِتَابَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ،
صَلَوَاتُ
اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا
قَدْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ النَّاسِ قَاطِبَةً.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي "
تَارِيخِهِ " فِي تَرْجَمَةِ مُعَاوِيَةَ هَا هُنَا: أَخْبَرَنَا أَبُو
غَالِبِ بْنُ الْبَنَّا، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَنْبَأَنَا
أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الْعَطَشِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبُورَانِيُّ، ثَنَا
السَّرِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ
بَهْرَامَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَشَارَ جِبْرِيلَ فِي اسْتِكْتَابِ مُعَاوِيَةَ،
فَقَالَ: اسْتَكْتِبْهُ فَإِنَّهُ أَمِينٍ. فَإِنَّهُ حَدِيثٌ غَرِيبٌ بَلْ
مُنْكَرٌ، وَالسَّرِيُّ بْنُ عَاصِمٍ هَذَا هُوَ أَبُو عَاصِمٍ الْهَمَذَانِيُّ،
وَكَانَ يُؤَدِّبُ الْمُعْتَزَّ بِاللَّهِ، كَذَّبَهُ فِي الْحَدِيثِ ابْنُ
خِرَاشٍ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ عَدِيٍّ: كَانَ يَسْرِقُ الْحَدِيثَ.
زَادَ ابْنُ حِبَّانَ: وَيَرْفَعُ الْمَوْقُوفَاتِ، لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ
بِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ ضَعِيفَالْحَدِيثِ. وَشَيْخُهُ
الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ ; إِنْ كَانَ اللُّؤْلُؤِيَّ فَقَدْ تَرَكَهُ غَيْرُ
وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَصَرَّحَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِكَذِبِهِ، وَإِنْ كَانَ
غَيْرَهَ فَهُوَ مَجْهُولُ الْعَيْنِ وَالْحَالِ. وَأَمَّاالْقَاسِمُ بْنُ
بَهْرَامَ فَاثْنَانِ ; أُحُدُهُمَا يُقَالُ لَهُ: الْقَاسِمُ بْنُ بَهْرَامَ
الْأَسَدِيُّ الْوَاسِطِيُّ الْأَعْرَجُ. أَصْلُهُ مِنْ أَصْبَهَانَ رَوَى لَهُ
النَّسَائِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثَ
الْفُتُونِ بِطُولِهِ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو
دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ. وَالثَّانِي الْقَاسِمُ بْنُ بَهْرَامٍ أَبُو
هَمْدَانَ، قَاضِي هِيتَ. قَالَ: ابْنُ مَعِينٍ:
كَانَ كَذَّابًا. وَبِالْجُمْلَةِ
فَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَلَا يُغْتَرُّ بِهِ،
وَالْعَجَبُ مِنَ الْحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ مَعَ جَلَالَةِ قَدْرِهِ
وَاطِّلَاعِهِ عَلَى صِنَاعَةِ الْحَدِيثِ أَكْثَرَ مَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَبْنَاءِ
عَصْرِهِ - بَلْ وَمَنْ تَقَدَّمَهُ بِدَهْرٍ - كَيْفَ يُورِدُ فِي " تَارِيخِهِ
" هَذَا وَأَحَادِيثَ كَثِيرَةً مِنْ هَذَا النَّمَطِ، ثُمَّ لَا يُبَيِّنُ
حَالَهَا، وَلَا يُشِيرُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِشَارَةً لَا ظَاهِرَةً، وَلَا
خَفِيَّةً ! وَمِثْلُ هَذَا الصَّنِيعِ فِيهِ نَظَرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الثَّقَفِيُّ،
وَقَدْ تَقَدَّمَتْ تَرْجَمَتُهُ فِيمَنْ كَانَ يَخْدِمُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ غَيْرِ مَوَالِيهِ، وَأَنَّهُ كَانَ
سَيَّافًا عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ بِسَنَدِهِ، عَنْ عَتِيقِ بْنِ يَعْقُوبَ
بِإِسْنَادِهِ الْمُتَقَدِّمِ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ
هُوَ الَّذِي كَتَبَ إِقْطَاعَ حَصِينِ بْنِ نَضْلَةَ الْأَسَدِيِّ الَّذِي
أَقْطَعُهُ إِيَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِأَمْرِهِ.
فَهَؤُلَاءِ كُتَّابُهُ الَّذِينَ كَانُوا يَكْتُبُونَ بِأَمْرِهِ بَيْنَ
يَدَيْهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
فَصْلٌ
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ أُمَنَائِهِ أَبَا عُبَيْدَةَ عَامِرَ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ الْقُرَشِيَّ الْفِهْرِيَّ أَحَدَ الْعَشَرَةِ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ الْزُّهْرِيَّ.
قُلْتُ: أَمَّا أَبُو عُبَيْدَةَ فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: لِكُلِّ أَمَةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ
بْنُ الْجَرَّاحِ وَفِي لَفْظٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ لِوَفْدٍ نَجْرَانَ لَأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ أَمِينًا حَقَّ
أَمِينٍ فَبَعَثَ مَعَهُمْ أَبَا عُبَيْدَةَ.
قَالَ: وَمِنْهُمْ مُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ الدَّوْسِيُّ مَوْلَى بَنِي
عَبْدِ شَمْسٍ، كَانَ عَلَى خَاتَمِهِ، وَيُقَالُ: كَانَ خَازِنَهُ. وَقَالَ
غَيْرُهُ: أَسْلَمَ قَدِيمًا، وَهَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ فِي الثَّانِيَةِ،
ثُمَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا، وَكَانَ عَلَى
الْخَاتَمِ، وَاسْتَعْمَلَهُ الشَّيْخَانِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ. قَالُوا:
وَكَانَ قَدْ أَصَابَهُ الْجُذَامُ، فَأَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَدُووِيَ
بِالْحَنْظَلِ فَتَوَقَّفَ الْمَرَضُ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي خِلَافَةِ
عُثْمَانَ،
وَقِيلَ: سَنَةَ أَرْبَعِينَ.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، ثَنَا شَيْبَانُ،
عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، حَدَّثَنِي مُعَيْقِبُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الرَّجُلِ
يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ، قَالَ: إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا
فَوَاحِدَةً وَأَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ
النَّحْوِيِّ، زَادَ مُسْلِمٌ: وَهُشَامِ الدَّسْتُوَائِيِّ. زَادَ التِّرْمِذِيُّ
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ: وَالْأَوْزَاعِيُّ. ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ يَحْيَى
بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ
عُتْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ مُعَيْقِبٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيْلٌ
لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَتَّابٍ سَهْلِ
بْنِ حَمَّادٍ الدَّلَّالِ، عَنْ أَبِي مَكِينٍ نُوحِ بْنِ رَبِيعَةَ،عَنْ إِيَاسِ
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُعَيْقِبِ، عَنْ جَدِّهِ - وَكَانَ عَلَى خَاتَمِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيٍّ عَلَيْهِ فِضَّةٌ.
قَالَ فَرُبَّمَا كَانَ فِي يَدِي.
قُلْتُ: أَمَّا خَاتَمُ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ فِضَّةٍ،
فَصُّهُ مِنْهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، وَكَانَ قَدِ
اتَّخَذَ قَبْلَهُ خَاتَمَ ذَهَبٍ، فَلَبِسَهُ حِينًا، ثُمَّ رَمَى بِهِ،
وَقَالَ:وَاللَّهِ لَا أَلْبَسُهُ. ثُمَّ اتَّخَذَ هَذَا الْخَاتَمَ مِنْ فِضَّةٍ،
فَصُّهُ مِنْهُ، وَنَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. " مُحَمَّدٌ "
سَطْرٌ، وَ " رَسُولٌ " سَطْرٌ، وَ " اللَّهُ " سَطْرٌ،
فَكَانَ فِي يَدِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي
بَكْرٍ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ فِي يَدِ عُمْرَ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ،
فَلَبِثَ فِي يَدِهِ سِتَّ سِنِينَ، ثُمَّ سَقَطَ مِنْهُ فِي بِئْرِ أَرِيسَ،
فَاجْتَهَدَ فِي تَحْصِيلِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ. وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو
دَاوُدَ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، كِتَابًا مُسْتَقِلًّا فِي " سُنَنِهِ
" فِي الْخَاتَمِ وَحْدَهُ، وَسَنُورِدُ مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَرِيبًا
مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ. وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ. وَأَمَّا لُبْسُ مُعَيْقِبٍ
لِهَذَا الْخَاتَمِ فَيَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ مَا نُقِلَ أَنَّهُ أَصَابَهُ
الْجُذَامُ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ، لَكِنَّهُ
مَشْهُورٌ، فَلَعَلَّهُ أَصَابَهُ ذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ كَانَ بِهِ وَكَانَ مِمَّا لَا يُعْدَى مِنْهُ، أَوْ
كَانَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ;
لِقُوَّةِ تَوَكُّلِهُ، كَمَا قَالَ لِذَلِكَ الْمَجْذُومِ - وَوَضَعَ يَدَهُ فِي
الْقَصْعَةِ - كُلْ ثِقَةً بِاللَّهِ، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ
الْأَسَدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا أُمَرَاؤُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُمْ
عِنْدَ بَعْثِ
السَّرَايَا مَنْصُوصًا عَلَى
أَسْمَائِهِمْ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَالْمِنَّةُ.
وَأَمَّا جُمْلَةُ الصَّحَابَةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي عِدَّتِهِمْ،
فَنُقِلَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَبْلُغُونَ مِائَةَ أَلْفٍ
وَعِشْرِينَ أَلْفًا. وَعَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّهُ قَالَ:
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُسْلِمُونَ
مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ وَرَآهُ زُهَاءَ سِتِّينَ أَلْفًا. وَقَالَ الْحَاكِمُ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يُرْوَى الْحَدِيثُ عَنْ قَرِيبٍ مِنْ خَمْسَةِ آلَافِ
صَحَابِيٍّ.
قُلْتُ: وَالَّذِي رَوَى عَنْهُمُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، مَعَ كَثْرَةِ رِوَايَتِهِ
وَاطِّلَاعِهِ وَاتِّسَاعِ رِحْلَتِهِ وَإِمَامَتِهِ، مِنَ الصَّحَابَةِ
تِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَثَمَانُونَ نَفْسًا، وَوَقَعَ فِي الْكُتُبِ
السِّتَّةِ مِنَ الزِّيَادَاتِ عَلَى ذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ
صَحَابِيٍّ أَيْضًا، وَقَدِ اعْتَنَى جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ، رَحِمَهُمُ
اللَّهُ، بِضَبْطِ أَسْمَائِهِمْ، وَذِكْرِ أَيَّامِهِمْ، وَوَفَيَاتِهِمْ، مِنْ
أَجَلِّهِمُ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ فِي
كِتَابِهِ " الِاسْتِيعَابِ "، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ بْنِ مَنْدَهْ، وَأَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ، ثُمَّ نَظَمَ جَمِيعَ
ذَلِكَ الْحَافِظُ عِزُّ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْأَثِيرِ، صَنَّفَ
كِتَابَهُ " الْغَابَةَ " فِي ذَلِكَ، فَأَجَادَ وَأَفَادَ، وَجَمَعَ
وَحَصَّلَ، وَنَالَ مَا رَامَ وَأَمَّلَ، فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَأَثَابَهُ،
وَجَمَعَهُ وَالصَّحَابَةَ آمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
بَابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ آثَارِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كَانَ يَخْتَصُّ بِهَا فِي
حَيَاتِهِ مِنْ ثِيَابٍ وَسِلَاحٍ وَمَرَاكِبَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَجْرِي فِي
مَجْرَاهُ وَيَنْتَظِمُ فِي مَعْنَاهُ
ذِكْرُ الْخَاتَمِ الَّذِي كَانَ يَلْبَسُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ مِنَ الْأَجْسَامِ
وَقَدْ أَفْرَدَ لَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِهِ " السُّنَنِ "
كِتَابًا عَلَى حِدَةٍ، وَلْنَذْكُرْ عُيُونَ مَا ذَكَرَهُ فِي ذَلِكَ مَعَ مَا
نُضِيفُهُ إِلَيْهِ، وَالْمُعَوَّلَ فِي أَصْلِ مَا نَذْكُرُهُ عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُطَرِّفٍ الرُّؤَاسِيُّ،
حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ:أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ
إِلَى بَعْضِ الْأَعَاجِمِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَا يَقْرَؤُنَ كِتَابًا
إِلَّا بِخَاتَمٍ. فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ
رَسُولُ اللَّهِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ
حَمَّادٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ
قَتَادَةَ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا
وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ،
بِمَعْنَى حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، زَادَ: فَكَانَ فِي يَدِهِ حَتَّى قُبِضَ،
وَفِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ، وَفِي يَدِ عُمَرَ حَتَّى قُبِضَ، وَفِي
يَدِ عُثْمَانَ، فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَ بِئْرٍ إِذْ سَقَطَ فِي الْبِئْرِ،
فَأَمَرَ بِهَا فَنُزِحَتْ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ. تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو
دَاوُدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ
وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَا: أَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ قَالَ:حَدَّثَنِي أَنَسٌ قَالَ: كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرِقٍ، فَصُّهُ حَبَشِيٌّ. وَقَدْ رَوَى هَذَا
الْحَدِيثَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
وَهْبٍ، وَطَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ،
زَادَ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ: وَعُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، خَمْسَتُهُمْ عَنْ
يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ
غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا زُهَيْرٌ،
ثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:كَانَ خَاتَمُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ كُلُّهِ، فَصُّهُ
مِنْهُ. وَقَدْ رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ
حَدِيثِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيِّ أَبِي خَيْثَمَةَ الْكُوفِيِّ
بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، ثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: اصْطَنَعَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا، فَقَالَ: إِنَّا
اتَّخَذْنَا خَاتَمًا، وَنَقَشْنَا فِيهِ نَقْشًا، فَلَا يَنْقُشُ عَلَيْهِ أَحَدٌ
قَالَ: فَإِنِّي أَرَى بَرِيقَهُ فِي خِنْصَرِهِ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا نُصَيْرُ بْنُ الْفَرَجِ، ثَنَا أَبُو
أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: اتَّخَذَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، وَجَعَلَ
فَصَّهُ مِمَّا يَلِي بَطْنَ كَفِّهِ، وَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ،
فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِمَ الذَّهَبِ، فَلَمَّا رَآهُمْ قَدِ اتَّخَذُوهَا
رَمَى بِهِ، وَقَالَ: لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا ثُمَّ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ
فِضَّةٍ نَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ لَبِسَ الْخَاتَمَ
بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ لَبِسَهُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ عُمَرُ، ثُمَّ
لَبِسَهُ بَعْدَهُ عُثْمَانُ حَتَّى وَقَعَ فِي بِئْرِ أَرِيسَ. وَقَدْ رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ. عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ
أُسَامَةَ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ فِي هَذَا الْخَبَرِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَنَقَشَ
فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.
وَقَالَ لَا يَنْقُشُ أَحَدٌ عَلَى خَاتَمِي هَذَا وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَقَدْ
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ بِهِ نَحْوَهُ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ ثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
فِي هَذَا الْخَبَرِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَاتَّخَذَ عُثْمَانُ خَاتَمًا، وَنَقَشَ فِيهِ:
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: فَكَانَ يَخْتِمُ بِهِ أَوْ يَتَخَتَّمُ بِهِ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ
الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ النَّبِيلِ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: بَابٌ فِي تَرْكِ الْخَاتَمِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُرَأَى فِي يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ يَوْمًا وَاحِدًا، فَصَنَعَ النَّاسُ
فَلَبِسُوا، وَطَرَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَرَحَ
النَّاسُ. ثُمَّ قَالَ: رَوَاهُ عَنِ الْزُّهْرِيِّ زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ وَشُعَيْبٌ
وَابْنُ مُسَافِرٍ، كُلُّهُمْ قَالَ: مِنْ وَرِقٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ،
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُرَأَى فِي يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ يَوْمًا وَاحِدًا، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ
اصْطَنَعُوا الْخَوَاتِيمَ مِنْ وَرِقٍ وَلَبِسُوهَا، فَطَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَهُ، فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ.
ثُمَّ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ الْزُّهْرِيِّ
الْمَدَنِيِّ، وَشُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَزِيَادِ بْنِ سَعْدٍ
الْخُرَاسَانِيِّ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِهِ، وَانْفَرَدَ أَبُو
دَاوُدَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ، كُلُّهُمْ عَنِ
الْزُّهْرِيِّ، كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ: خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ الَّذِي لَبِسَهُ يَوْمًا وَاحِدًا، ثُمَّ رَمَى بِهِ إِنَّمَا
هُوَ خَاتَمُ الذَّهَبِ لَا خَاتَمَ الْوَرِقِ; لِمَا ثَبَتَ فِي "
الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَنَبَذَهُ وَقَالَ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا
فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. وَقَدْ كَانَ خَاتَمُ الْفِضَّةِ يَلْبَسُهُ
كَثِيرًا، وَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ صَلَوَاتُ اللَّهِ
وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ فَصُّهُ مِنْهُ، يَعْنِي لَيْسَ فِيهِ فَصٌّ
يَنْفَصِلُ عَنْهُ، وَمَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ فِيهِ صُورَةُ شَخْصٍ فَقَدْ
أَبْعَدَ وَأَخْطَأَ، بَلْ كَانَ فِضَّةً كُلُّهُ، وَفَصُّهُ مِنْهُ وَنَقْشُهُ:
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ثَلَاثَةُ أَسْطُرٍ " مُحَمَّدٌ " سَطْرٌ
" رَسُولُ " سَطْرٌ " اللَّهِ " سَطْرٌ. وَكَأَنَّهُ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَانَ مَنْقُوشًا وَكِتَابَتُهُ مَقْلُوبَةٌ لِيَطْبَعَ عَلَى
الِاسْتِقَامَةِ، كَمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِهَذَا، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ
كِتَابَتَهُ كَانَتْ مُسْتَقِيمَةً. وَتُطْبَعُ كَذَلِكَ. وَفِي صِحَّةِ هَذَا
نَظَرٌ، وَلَسْتُ أَعْرِفُ لِذَلِكَ إِسْنَادًا لَا صَحِيحًا وَلَا ضَعِيفًا.=
ج14. البداية
والنهاية
تأليف: عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (774 هـ).
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ لَهُ خَاتَمٌ مِنْ فِضَّةٍ، تَرُدُّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فِي سُنَنَيْ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَتَّابٍ سَهْلِ بْنِ حَمَّادٍ الدَّلَّالِ، عَنْ أَبِي مَكِينٍ نُوحِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُعَيْقِبِ بْنِ أَبِي فَاطِمَةَ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيٍّ، عَلَيْهِ فِضَّةٌ. وَمِمَّا يَزِيدُهُ ضَعْفًا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طِيبَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ السُّلَمِيِّ الْمَرْوَزِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ شَبَهٍ، فَقَالَ: مَالِي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الْأَصْنَامِ؟ فَطَرَحَهُ، ثُمَّ جَاءَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ " مَالِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ؟ " فَطَرَحَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ؟ قَالَ: " اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ، وَلَا تُتِمَّهُ مِثْقَالًا ". وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَلْبَسُهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى. كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ "، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ الْقَاضِي، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ شَرِيكٌ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ. وَرَوَى: فِي الْيُسْرَى; رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ، وَكَانَ فَصُّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ. قَالَ أَبُو
دَاوُدَ: رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ نَافِعٍ: فِي
يَمِينِهِ.
وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ، عَنْ عَبْدَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ،
أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمَهُ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى.
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا
يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ:رَأَيْتُ عَلَى
الصَّلْتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَاتَمًا
فِي خِنْصَرِهِ الْيُمْنَى، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ
عَبَّاسٍ يَلْبَسُ خَاتَمَهُ هَكَذَا، وَجَعَلَ فَصَّهُ عَلَى ظَهْرِهَا. قَالَ:
وَلَا يُخَالُ ابْنَ عَبَّاسٍ إِلَّا قَدْ كَانَ يَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمَهُ كَذَلِكَ. وَهَكَذَا
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: حَدِيثُ ابْنِ إِسْحَاقَ
عَنِ الصَّلْتِ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ "، عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ
جَابِرٍ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي الْيَمِينِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، ثَنَا أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا اسْتُخْلِفَ كَتَبَ لَهُ،
وَكَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ; " مُحَمَّدٌ " سَطْرٌ وَ
" رَسُولُ " سَطْرٌ وَ " اللَّهِ " سَطْرٌ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَزَادَنِي أَحْمَدُ: ثَنَا الْأَنْصَارِيُّ،
حَدَّثَنِي أَبِي، ثَنَا ثُمَامَةُ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَدِهِ، وَفِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَهُ،
وَفِي يَدِ عُمَرَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ جَلَسَ
عَلَى بِئْرِ أَرِيسَ، فَأَخْرَجَ الْخَاتَمَ فَجَعَلَ يَعْبَثُ بِهِ فَسَقَطَ.
قَالَ: فَاخْتَلَفْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَعَ عُثْمَانَ، فَنَزَحَ الْبِئْرَ
فَلَمْ نَجِدْهُ.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ
" ; حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ،
عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، فَكَانَ يَخْتِمُ بِهِ وَلَا
يَلْبَسُهُ. فَإِنَّهُ حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا. وَفِي " السُّنَنِ "
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ
نَزَعَ خَاتَمَهُ.
ذِكْرُ سَيْفِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا سُرَيْجٌ، ثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ
بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَنَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ الَّذِي
رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ: رَأَيْتُ فِي سَيْفِي ذِي الْفَقَارِ
فَلًّا، فَأَوَّلْتُهُ فَلًّا يَكُونُ فِيكُمْ، وَرَأَيْتُ أَنِّي مُرْدِفٌ
كَبْشًا فَأَوَّلْتُهُ كَبْشَ الْكَتِيبَةِ، وَرَأَيْتُ أَنِّي فِي دِرْعٍ
حَصِينَةٍ، فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ، وَرَأَيْتُ بَقَرًا تُذْبَحُ، فَبَقَرٌ
وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَبَقَرٌ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَكَانَ الَّذِي قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ
أَبِيهِ بِهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ السُّنَنِ أَنَّهُ سُمِعَ قَائِلٌ يَقُولُ: لَا سَيْفَ
إِلَّا ذُو الْفَقَارِ، وَلَا فَتًى إِلَّا عَلِيٌّ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ هُودِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ
جَدِّهِ مَزِيدَةَ بْنِ جَابِرٍ الْعَبْدِيِّ الْعَصْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ:دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ
وَعَلَى سَيْفِهِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ. الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ
غَرِيبٌ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "
الشَّمَائِلِ ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا مُعَاذُ بْنُ
هِشَامٍ:، ثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ
قَالَ:كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ.
وَرَوَى أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ:
صَنَعْتُ سَيْفِي عَلَى سَيْفِ سَمُرَةَ، وَزَعَمَ سَمُرَةُ أَنَّهُ صَنَعَ
سَيْفَهُ عَلَى سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَكَانَ حَنَفِيًّا.
وَقَدْ صَارَ إِلَى آلِ عَلِيٍّ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، بِكَرْبَلَاءَ عِنْدَ الطَّفِّ كَانَ مَعَهُ، فَأَخَذَهُ
عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ زَيْنُ الْعَابِدِينَ، فَقَدِمَ مَعَهُ دِمَشْقَ حِينَ
دَخَلَ عَلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ رَجَعَ مَعَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ
فَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ،
أَنَّهُ تَلَقَّاهُ إِلَى الطَّرِيقِ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ إِلَيَّ مِنْ حَاجَةٍ
تَأْمُرُنِي بِهَا؟ قَالَ: فَقَالَ: لَا. فَقَالَ: هَلْ أَنْتَ مُعْطِيَّ سَيْفَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ
يَغْلِبَكَ عَلَيْهِ الْقَوْمُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ أَعْطَيْتَنِيهِ لَا
يَخْلُصُ إِلَيْهِ أَحَدٌ حَتَّى يَبْلُغَ نَفْسِي.
وَقَدْ ذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ
السِّلَاحِ، مِنْ ذَلِكَ الدُّرُوعُ، كَمَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ،
السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ،أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَاهَرَ
يَوْمَ أُحُدٍ بَيْنَ دِرْعَيْنِ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ أَنَسٍأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخْلَ
يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ قِيلَ لَهُ:
هَذَا ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فَقَالَ: اقْتُلُوهُ.
وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍأَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَعَلَيْهِ
عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
وَقَالَ وَكِيعٌ، عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
وَقَالَ وَكِيعٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ الْغَسِيلِ أَبِي سَلْمَانَ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ دَسْمَاءُ. ذَكَرَهُمَا
التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ ".
وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِذَا اعْتَمَّ سَدَلَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ
الْبَزَّارُ فِي " مُسْنَدِهِ ": حَدَّثَنَا أَبُو شَيْبَةَ
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، ثَنَا مُخَوَّلُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ كَانَتْ عِنْدَهُ عُصَيَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَاتَ فَدُفِنَتْ مَعَهُ بَيْنَ جَنْبِهِ وَبَيْنَ
قَمِيصِهِ. ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ إِلَّا مُخَوَّلُ بْنُ
رَاشِدٍ، وَهُوَ صَدُوقٌ فِيهِ شِيعِيَّةٌ، وَاحْتُمِلَ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ
الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ رِوَايَتِهِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ
مُخَوَّلٍ هَذَا، قَالَ: وَهُوَ مِنَ الشِّيعَةِ يَأْتِي بِأَفْرَادٍ عَنْ
إِسْرَائِيلَ لَا يَأْتِي بِهَا غَيْرُهُ، وَالضَّعْفُ عَلَى رِوَايَاتِهِ بَيِّنٌ
ظَاهِرٌ.
ذِكْرُ نَعْلِهِ الَّتِي كَانَ يَمْشِي فِيهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ "، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السَّبْتِيَّةَ،
وَهِيَ الَّتِي لَا شَعْرَ عَلَيْهَا.
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ،
هُوَ ابْنُ مُقَاتِلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ،
أَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ قَالَ:أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
نَعْلَيْنِ لَهُمَا قِبَالَانِ. فَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ: هَذِهِ نَعْلُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ رَوَاهُ فِي كِتَابِ الْخُمُسِ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ، عَنْ
عِيسَى بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَنَسٌ نَعْلَيْنِ
جَرْدَاوَيْنِ لَهُمَا قِبَالَانِ، فَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ بَعْدُ
عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمَا نَعْلَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ " عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
مَنِيعٍ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ بِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ ": حَدَّثَنَا أَبُو
كُرَيْبٍ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ لِنَعْلِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَالَانِ مُثَنًّى شِرَاكُهُمَا.
وَقَالَ أَيْضًا: ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ
مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ،عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ لِنَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قِبَالَانِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ،
ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ قَيْسٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا هِشَامٌ، عَنْ
مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:كَانَ لِنَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَالَانِ، وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَوَّلُ مَنْ
عَقَدَ عَقْدًا وَاحِدًا عُثْمَانُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، ثَنَا
أَبُو أَحْمَدَ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ،
حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ
يَقُولُ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي
نَعْلَيْنِ مَخْصُوفَيْنِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قِبَالُ النَّعْلِ بِالْكَسْرِ:
الزِّمَامُ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ الْأُصْبُعِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا.
قُلْتُ: وَاشْتُهِرَ فِي حُدُودِ سَنَةِ سِتِّمِائَةٍ وَمَا بَعْدَهَا عِنْدَ
رَجُلٍ مِنَ التُّجَّارِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ أَبِي الْحَدْرَدِ. نَعْلٌ
مُفْرَدَةٌ ذَكَرَ أَنَّهَا نَعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَسَامَهَا الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ مُوسَى بْنُ الْمَلِكِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ
بْنِ أَيُّوبَ مِنْهُ بِمَالٍ جَزِيلٍ فَأَبَى أَنْ يَبِيعَهَا، فَاتَّفَقَ
مَوْتُهُ بَعْدَ حِينٍ، فَصَارَتْ إِلَى الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ الْمَذْكُورِ،
فَأَخَذَهَا إِلَيْهِ وَعَظَّمَهَا، ثُمَّ لَمَّا بَنَى دَارَ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةَ
إِلَى جَانِبِ الْقَلْعَةِ، جَعَلَهَا فِي خِزَانَةٍ مِنْهَا، وَجَعَلَ لَهَا
خَادِمًا، وَقَرَّرَ لَهُ مِنَ الْمَعْلُومِ كُلَّ شَهْرٍ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا،
وَهِيَ مَوْجُودَةٌ إِلَى الْآنَ فِي الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ ": ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
رَافِعٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، ثَنَا
شَيْبَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ
أَبِيهِ قَالَ:كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سُكَّةٌ يَتَطَيَّبُ مِنْهَا.
صِفَةُ قَدَحِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ
عَاصِمٍ قَالَ: رَأَيْتُ عِنْدَ أَنَسٍقَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِيهِ ضَبَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّسَوِيُّ، ثَنَا
حَمَّادُ بْنُ شَاكِرٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ - هُوَ الْبُخَارِيُّ -
ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، أَنَا أَبُو
عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ: رَأَيْتُ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ قَدِ انْصَدَعَ فَسَلْسَلَهُ
بِفِضَّةٍ. قَالَ: وَهُوَ قَدَحٌ جَيِّدٌ عَرِيضٌ، مِنْ نُضَارٍ. قَالَ أَنَسٌ:
لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا
الْقَدَحِ أَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِنَّهُ
كَانَ فِيهِ حَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَأَرَادَ أَنَسٌ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا
حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ: لَا
تُغَيِّرَنَّ شَيْئًا صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. فَتَرَكَهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثَنَا حَجَّاجُ
بْنُ حَسَّانٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَنَسٍ فَدَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ ثَلَاثُ
ضَبَّاتِ حَدِيدٍ وَحَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَأُخْرِجَ مِنْ غِلَافٍ أَسْوَدَ،
وَهُوَ دُونَ الرُّبُعِ وَفَوْقَ نِصْفِ الرُّبُعِ، وَأَمَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
فَجُعِلَ
لَنَا فِيهِ مَاءٌ فَأُتِينَا بِهِ،
فَشَرِبْنَا وَصَبَبْنَا عَلَى رُءُوسِنَا وَوُجُوهِنَا، وَصَلَّيْنَا عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ.
ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي الْمُكْحُلَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ يَكْتَحِلُ مِنْهَا
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَزِيدُ أَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ مِنْهَا عِنْدَ النَّوْمِ ثَلَاثًا فِي
كُلِّ عَيْنٍ. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ
يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ
سَعِيدٍ يَقُولُ: قُلْتُ لِعَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ: سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ
مِنْ عِكْرِمَةَ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنِيهِ ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ دَاوُدَ بْنِ
الْحُصَيْنِ عَنْهُ.
قُلْتُ: وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مَزَارًا فِيهِ
أَشْيَاءٌ كَثِيرَةٌ مِنْ آثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
اعْتَنَى بِجَمْعِهَا بَعْضُ الْوُزَرَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَمِنْ ذَلِكَ
مُكْحُلَةٌ، وَمِيلٌ، وَمُشْطٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْبُرْدَةُ
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَمَّا الْبُرْدُ الَّذِي عِنْدَ الْخُلَفَاءِ
فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ فِي قِصَّةِ تَبُوكَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى أَهْلَ أَيْلَةَ
بُرْدَهُ مَعَ كِتَابِهِ الَّذِي كَتَبَ لَهُمْ أَمَانًا لَهُمْ، فَاشْتَرَاهُ
أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ.
يَعْنِي بِذَلِكَ أَوَّلَ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ وَهُوَ السَّفَّاحُ،
رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ تَوَارَثَ بَنُو الْعَبَّاسِ هَذِهِ الْبُرْدَةَ خَلَفًا
عَنْ سَلَفٍ، كَانَ الْخَلِيفَةُ يَلْبَسُهَا يَوْمَ الْعِيدِ عَلَى كَتِفَيْهِ
وَيَأْخُذُ الْقَضِيبَ الْمَنْسُوبَ إِلَيْهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ
عَلَيْهِ، فِي إِحْدَى يَدَيْهِ، فَيَخْرُجُ وَعَلَيْهِ مِنَ السَّكِينَةِ
وَالْوَقَارِ مَا يَصْدَعُ بِهِ الْقُلُوبَ، وَيَبْهَرُ بِهِ الْأَبْصَارَ،
وَيَلْبَسُونَ السَّوَادَ فِي أَيَّامِ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ، وَذَلِكَ
اقْتِدَاءً مِنْهُمْ بِسَيِّدِ أَهْلِ الْبَدْوِ وَالْحَضَرِ، مِمَّنْ سَكَنَ
الْوَبَرَ وَالْمَدَرَ; لِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إِمَامَا
أَهْلِ الْأَثَرِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍأَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَى
رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، وَفِي
رِوَايَةٍ: قَدْ أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ. صَلَوَاتُ اللَّهِ
وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ثَنَا
أَيُّوبُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا
عَائِشَةُ كِسَاءً وَإِزَارًا غَلِيظًا، فَقَالَتْ: قُبِضَ رُوحُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي هَذَيْنِ.
وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ، عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَا: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى
وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ:
لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى; اتَّخَذُوا قُبُورَ
أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. قُلْتُ: وَهَذِهِ الْأَثْوَابُ
الثَّلَاثَةُ لَا يُدْرَى مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهَا بَعْدَ هَذَا، وَقَدْ
تَقَدَّمَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ طُرِحَتْ تَحْتَهُ فِي
قَبْرِهِ الْكَرِيمِ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهَا، وَلَوْ
تَقَصَّيْنَا مَا كَانَ يَلْبَسُهُ فِي أَيَّامِ حَيَاتِهِ لَطَالَ الْفَصْلُ،
وَمَوْضِعُهُ كِتَابُ اللِّبَاسِ مِنْ كِتَابِ " الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ
" إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.
ذِكْرُ أَفَرَاسِهِ وَمَرَاكِيبِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ
قَالَ:كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسٌ يُقَالُ لَهُ:
الْمُرْتَجِزُ. وَحِمَارٌ يُقَالُ
لَهُ: عُفَيْرٌ. وَبَغْلَةٌ يُقَالُ لَهَا: دُلْدُلُ. وَسَيْفُهُ ذُو الْفَقَارِ،
وَدِرْعُهُ ذُو الْفُضُولِ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ،
عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
وَرَوَيْنَا فِي كِتَابِ " السُّنَنِ " أَسْمَاءَ أَفَرَاسِهِ الَّتِي كَانَتْ
عِنْدَ السَّاعِدِيَّيْنِ; لِزَازًا وَاللُّحَيْفَ، وَقِيلَ: اللُّخَيْفُ.
وَالظَّرِبَ. وَالَّذِي رَكِبَهُ لِأَبِي طَلْحَةَ يُقَالُ لَهُ: الْمَنْدُوبُ.
وَنَاقَتُهُ الْقَصْوَاءُ وَالْعَضْبَاءُ وَالْجَدْعَاءُ، وَبَغْلَتُهُ
الشَّهْبَاءُ وَالْبَيْضَاءُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ
الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ مَاتَ عَنْهُنَّ إِلَّا مَا رَوَيْنَا فِي بَغْلَتِهِ
الْبَيْضَاءِ وَسِلَاحِهِ، وَأَرْضٍ جَعَلَهَا صَدَقَةً، وَمِنْ ثِيَابِهِ،
وَنَعْلَيْهِ، وَخَاتَمِهِ، وَمَا رَوَيْنَا فِي هَذَا الْبَابِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي
حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَهُ جُبَّةُ صُوفٍ فِي الْحِيَاكَةِ. وَهَذَا إِسْنَادٌ
جَيِّدٌ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى فِي " مُسْنَدِهِ ": حَدَّثَنَا
مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، ثَنَا غَالِبٌ الْجَزَرِيُّ،
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لِقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَإِنَّهُ لَيُنْسَجُ لَهُ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ. وَهَذَا شَاهِدٌ لِمَا
قَبْلَهُ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ: حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ،
ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ
كَثِيرٍ، عَنْ حَسَنِ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ وَلَهُ بُرْدَانِ فِي
الْجُفِّ يُعْمَلَانِ. وَهَذَا مُرْسَلٌ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ
التُّسْتَرِيُّ، ثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ الْحَرَّانِيُّ،
ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سَيْفٌ قَائِمَتُهُ مِنْ فِضَّةٍ وَقَبِيعَتُهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَكَانَ
يُسَمَّى ذَا الْفَقَارِ، وَكَانَ لَهُ قَوْسٌ تُسَمَّى السَّدَادَ، وَكَانَتْ
لَهُ كِنَانَةٌ تُسَمَّى الْجَمْعَ، وَكَانَتْ لَهُ دِرْعٌ مُوَشَّحَةٌ
بِالنُّحَاسِ تُسَمَّى ذَاتَ الْفُضُولِ، وَكَانَتْ لَهُ حَرْبَةٌ تُسَمَّى
النَّبْعَاءَ، وَكَانَ لَهُ مِجَنٌّ يُسَمَّى الذَّقَنَ، وَكَانَ لَهُ تُرْسٌ
أَبْيَضُ يُسَمَّى الْمُوجِزَ، وَكَانَ لَهُ فَرَسٌ أَدْهَمُ يُسَمَّى السَّكْبَ،
وَكَانَ لَهُ سَرْجٌ يُسَمَّى الدَّاجَ، وَكَانَ لَهُ بَغْلَةٌ شَهْبَاءُ يُقَالُ
لَهَا: دُلْدُلُ. وَكَانَتْ لَهُ نَاقَةٌ تُسَمَّى الْقَصْوَاءَ، وَكَانَ لَهُ
حِمَارٌ يُقَالُ لَهُ: يَعْفُورٌ. وَكَانَ لَهُ بِسَاطٌ يُسَمَّى الْكَرَّ،
وَكَانَتْ لَهُ عَنَزَةٌ تُسَمَّى النَّمِرَ، وَكَانَتْ لَهُ رَكْوَةٌ تُسَمَّى
الصَّادِرَ، وَكَانَتْ لَهُ مِرْآةٌ تُسَمَّى الْمِرْآةَ، وَكَانَ لَهُ مِقْرَاضٌ
يُسَمَّى الْجَامِعَ، وَكَانَ لَهُ
قَضِيبُ شَوْحَطٍ يُسَمَّى الْمَمْشُوقَ. وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا.
قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ،أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكْ دِينَارًا، وَلَا
دِرْهَمًا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا أَمَةً، سِوَى بَغْلَةٍ، وَأَرْضٍ جَعَلَهَا
صَدَقَةً، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، نَجَزَ
الْعِتْقَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ،
وَالصَّدَقَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنَ السِّلَاحِ وَالْحَيَوَانَاتِ
وَالْأَثَاثِ وَالْمَتَاعِ مِمَّا أَوْرَدْنَاهُ وَمَا لَمْ نُورِدْهُ، فَأَمَّا
بَغْلَتُهُ فَهِيَ الشَّهْبَاءُ، وَهِيَ الْبَيْضَاءُ أَيْضًا. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ. وَهِيَ الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ صَاحِبُ
الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ - وَاسْمُهُ جُرَيْجُ بْنُ مِينَا - فِيمَا أَهْدَى مِنَ
التُّحَفِ، وَهِيَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَاكِبَهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ وَهُوَ فِي نُحُورِ الْعَدُوِّ يُنَوِّهُ
بِاسْمِهِ الْكَرِيمِ شَجَاعَةً وَتَوَكُّلًا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَدْ
قِيلَ: إِنَّهَا عُمِّرَتْ بَعْدَهُ حَتَّى كَانَتْ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ فِي أَيَّامِ خِلَافَتِهِ، وَتَأَخَّرَتْ أَيَّامُهَا حَتَّى كَانَتْ
بَعْدَ عَلِيٍّ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَكَانَ يَجُشُّ لَهَا
الشَّعِيرَ حَتَّى تَأْكُلَهُ مِنْ ضَعْفِهَا بَعْدَ ذَلِكَ. وَأَمَّا حِمَارُهُ
يَعْفُورٌ، وَيُصَغَّرُ فَيُقَالُ: عُفَيْرٌ. فَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ يَرْكَبُهُ فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ.
وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ
أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُ حِمَارًا يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ. وَرَوَاهُ أَبُو
يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَدْ
وَرَدَ فِي أَحَادِيثَ عِدَّةٍأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَكِبَ
الْحِمَارَ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مَرَّ
وَهُوَ رَاكِبٌ حِمَارًا بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ
سَلُولَ، وَأَخْلَاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ عَبْدَةِ
الْأَوْثَانِ، وَالْيَهُودِ، فَنَزَلَ وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،
وَذَلِكَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ وَكَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى عِيَادَةِ سَعْدِ بْنِ
عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: لَا أُحْسِنُ مِمَّا تَقُولُ أَيُّهَا
الْمَرْءُ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَلَا تَغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا. وَذَلِكَ
قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ الْإِسْلَامُ، وَيُقَالَ: إِنَّهُ خَمَّرَ أَنْفَهُ لَمَّا
غَشِيَتْهُمْ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ، وَقَالَ: لَا تُؤْذِنَا بِنَتْنِ حِمَارِكَ.
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَاللَّهِ لَرِيحِ حِمَارِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِكَ. وَقَالَ عَبْدُ
اللَّهِ: بَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، اغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا، فَإِنَّا
نُحِبُ ذَلِكَ. فَتَثَاوَرَ الْحَيَّانِ، وَهَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا،
فَسَكَّنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَهَبَ
إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَشَكَى إِلَيْهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ،
فَقَالَ: ارْفُقْ بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَالَّذِي أَكْرَمَكَ بِالْحَقِّ
لَقَدْ بَعَثَكَ اللَّهُ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَنَنْظِمُ لَهُ الْخَرَزَ ;
لِنُتَوِّجَهُ عَلَيْنَا، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ الَّذِي بَعَثَكَ
بِهِ شَرَقَ بِرِيقِهِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ رَكِبَ الْحِمَارَ فِي بَعْضِ أَيَّامِ خَيْبَرَ
وَجَاءَ أَنَّهُ أَرْدَفَ مُعَاذًا عَلَى حِمَارٍ، وَلَوْ أَوْرَدْنَاهَا
بِأَلْفَاظِهَا وَأَسَانِيدِهَا لَطَالَ الْفَصْلُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي
عِيَاضُ بْنُ مُوسَى السَّبْتِيُّ فِي كِتَابِهِ " الشِّفَا "،
وَذَكَرَهُ قَبِلُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ فِي أُصُولِ
الدِّينِ وَغَيْرُهُمَا، أَنَّهُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِمَارٌ يُسَمَّى زِيَادَ بْنَ شِهَابٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُهُ ; لِيَطْلُبَ لَهُ بَعْضَ
أَصْحَابِهِ فَيَجِيءُ إِلَى بَابِ أَحَدِهِمْ فَيُقَعْقِعَهُ، فَيَعْلَمَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطْلُبُهُ، وَأَنَّهُ ذُكِرَ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُلَالَةُ سَبْعِينَ
حِمَارًا، كُلٌّ مِنْهَا رَكِبَهُ نَبِيٌّ، وَأَنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ فَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَمَاتَ.
فَهُوَ حَدِيثٌ لَا يُعَرَفُ لَهُ إِسْنَادٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ
غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ، مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ
وَأَبُوهُ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَدْ سَمِعْتُ شَيْخَنَا الْحَافِظَ أَبَا
الْحَجَّاجِ الْمِزِّيَّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، يُنْكِرُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ إِنْكَارًا
شَدِيدًا.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ
": ثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْعَنْبَرِيُّ،
ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ
الْجُذُوعِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُذَيْنَةَ الطَّائِيُّ، عَنْ
ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ
قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِخَيْبَرَ
حِمَارٌ أَسْوَدُ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ " مَنْ أَنْتَ ؟ "
قَالَ: أَنَا عَمْرُو بْنُ فَلَانٍ، كُنَّا سَبْعَةَ إِخْوَةٍ كُلُّنَا رَكِبَنَا
الْأَنْبِيَاءُ وَأَنَا أَصْغَرُهُمْ، وَكُنْتُ لَكَ، فَمَلَكَنِي رَجُلٌ مِنَ
الْيَهُودِ، فَكُنْتُ إِذَا ذَكَرْتُكَ كَبَوْتُ بِهِ فَيُوجِعُنِي ضَرْبًا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأَنْتَ
يَعْفُورٌ ". هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
فَصْلٌ
وَهَذَا أَوَانُ إِيرَادِ مَا بَقِيَ عَلَيْنَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ السِّيرَةِ
الشَّرِيفَةِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ كُتُبٍ ; الْأَوَّلُ فِي الشَّمَائِلِ،
وَالثَّانِي فِي الدَّلَائِلِ، وَالثَّالِثُ فِي الْفَضَائِلِ، وَالرَّابِعُ فِي
الْخَصَائِصِ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، وَلَا حَوْلَ
وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.
كِتَابُ الشَّمَائِلِ
شَمَائِلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَانُ خَلْقِهِ
الظَّاهِرِ وَخُلُقِهِ الطَّاهِرِ
قَدْ صَنَّفَ النَّاسُ فِي هَذَا، قَدِيمًا وَحَدِيثًا، كُتُبًا كَثِيرَةً مُفْرَدَةً
وَغَيْرَ مُفْرَدَةٍ، وَمِنْ أَحْسَنِ مَنْ جَمَعَ فِي ذَلِكَ فَأَجَادَ وَأَفَادَ
الْإِمَامُ أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ التِّرْمِذِيُّ،
رَحِمَهُ اللَّهُ، أَفْرَدَ فِي هَذَا الْمَعْنَى كِتَابَهُ الْمَشْهُورَ "
بِالشَّمَائِلِ "، وَلَنَا بِهِ سَمَاعٌ مُتَّصِلٌ إِلَيْهِ، وَنَحْنُ
نُورِدُ عُيُونَ مَا أَوْرَدَهُ فِيهِ، وَنَزِيدُ عَلَيْهِ أَشْيَاءَ مُهِمَّةً
لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا الْمُحَدِّثُ وَالْفَقِيهُ، وَلْنَذْكُرْ أَوَّلًا
بَيَانَ حُسْنِهِ الْبَاهِرِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَجَمَالِهِ
الْجَمِيلِ، ثُمَّ نَشْرَعُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي إِيرَادِ الْجُمَلِ
وَالتَّفَاصِيلِ، فَنَقُولُ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ:
بَابُ مَا وَرَدَ فِي حُسْنِهِ الْبَاهِرِ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَسَبِهِ
الطَّاهِرِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ
يَقُولُ:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا،
لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ
عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ بِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَهُ
شَعْرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ، رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، لَمْ
أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ. قَالَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ
أَبِيهِ: إِلَى مَنْكِبَيْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ:مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لَمَّةٍ أَحْسَنَ فِي
حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَهُ
شَعْرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ، بِعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَيْسَ
بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ،
أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، ( ح ) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ،
حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ
يَقُولُ:مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ
خَلْقِ اللَّهِ أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ جُمَّتَهُ لَتَضْرِبُ إِلَى مَنْكِبَيْهِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي بُكَيْرٍ: لَتَضْرِبُ قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْهِ. قَالَ - يَعْنِي
أَبَا إِسْحَاقَ -: وَقَدْ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ بِهِ مِرَارًا مَا حَدَّثَ بِهِ
قَطُّ إِلَّا ضَحِكَ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي اللِّبَاسِ،
وَالتِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ "، وَالنَّسَائِيُّ فِي الزِّينَةِ
مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ بِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ قَالَ: سُئِلَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍأَكَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ السَّيْفِ ؟ قَالَ: لَا، بَلْ مِثْلَ
الْقَمَرِ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ
الْجُعْفِيِّ الْكُوفِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، وَاسْمُهُ عَمْرُو
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ بِهِ، وَقَالَ:
حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ ":
أَخْبَرْنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتَوَيْهِ، ثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ
بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ،
عَنْ سِمَاكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ:أَكَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجْهُهُ مِثْلَ السَّيْفِ ؟
قَالَ جَابِرٌ:
لَا، بَلْ مِثْلَ الشَّمْسِ
وَالْقَمَرِ مُسْتَدِيرًا. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ
أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى بِهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مُطَوَّلًا، فَقَالَ: ثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، أَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ
سَمُرَةَ يَقُولُ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ
شَمِطَ مُقَدَّمُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، فَإِذَا ادَّهَنَ وَمَشَّطَهُنَّ لَمْ
يَتَبَيَّنْ، وَإِذَا شَعِثَ رَأْسُهُ تَبَيَّنَ، وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعْرِ
وَاللِّحْيَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَجْهُهُ مِثْلُ السَّيْفِ ؟ قَالَ: لَا، بَلْ
مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مُسْتَدِيرًا. قَالَ: وَرَأَيْتُ خَاتَمَهُ عِنْدَ
كَتِفِهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ يُشْبِهُ جَسَدَهُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَنَا أَبُو
حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، ثَنَا
الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ
سَمُرَةَ قَالَ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
لَيْلَةٍ إِضْحِيَانٍ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ
وَإِلَى الْقَمَرِ، فَلَهْوَ كَانَ فِي عَيْنِي أَحْسَنَ مِنَ الْقَمَرِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا، عَنْ هَنَّادِ بْنِ
السَّرِيِّ، عَنْ عَبْثَرِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ. قَالَ النَّسَائِيُّ:
وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَدْ أَخْطَأَ، وَالصَّوَابُ: أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ
حَدِيثِ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ -
يَعْنِي الْبُخَارِيَّ - قُلْتُ: حَدِيثُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ أَصَحُّ
أَمْ حَدِيثُهُ عَنْ جَابِرٍ ؟
فَرَأَى كِلَا الْحَدِيثَيْنِ
صَحِيحًا.
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي
حَدِيثِ التَّوْبَةِ قَالَ:وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي
يَعْفُورٍ الْعَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ امْرَأَةٍ
مِنْ هَمْدَانَ سَمَّاهَا، قَالَتْ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُهُ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ،
بِيَدِهِ مِحْجَنٌ، عَلَيْهِ بُرْدَانِ أَحْمَرَانِ يَكَادُ يَمَسُّ مَنْكِبَهُ،
إِذَا مَرَّ بِالْحَجَرِ اسْتَلَمَهُ بِالْمِحْجَنِ، ثُمَّ يَرْفَعُهُ إِلَيْهِ
فَيُقَبِّلُهُ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: فَقُلْتُ لَهَا: شَبِّهِيهِ. قَالَتْ:
كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ،
ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى التَّيْمِيُّ، ثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ،
عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: قُلْتُ
لِلرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ:صِفِي لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: يَا بُنَيَّ لَوْ رَأَيْتَهُ رَأَيْتَ الشَّمْسَ
طَالِعَةً. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدٍ
الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى التَّيْمِيِّ بِسَنَدِهِ، فَقَالَتْ:
لَوْ رَأَيْتَهُ لَقُلْتَ: الشَّمْسُ طَالِعَةٌ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ
عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ:دَخْلَ عَلَيَّ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ
وَجْهِهِ. الْحَدِيثَ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ فِي " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ ":
بَابُ مَنْ كَانَ يَتَبَرَّكُ بِوَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَنَسَبِهِ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْحَجَّاجِ، ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، ثَنَا عُتْبَةُ
بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنِي كُرَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ
عَمْرٍو السَّهْمِيُّ، أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَهُ قَالَ:أَتَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمِنًى أَوْ
بِعَرَفَاتٍ وَقَدْ أَطَافَ بِهِ النَّاسُ. قَالَ: وَتَجِيءُ الْأَعْرَابُ،
فَإِذَا رَأَوْا وَجْهَهُ قَالُوا: هَذَا وَجْهٌ مُبَارَكٌ.
صِفَةُ لَوْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ
خَالِدٍ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدٍ، يَعْنِي ابْنَ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ
رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ
مَالِكٍيَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ رَبْعَةً
مِنَ الْقَوْمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ ;
لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلَا بِآدَمَ، لَيْسَ بِجَعْدِ قَطَطٍ وَلَا سَبْطٍ
رَجِلٍ، أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ
سِنِينَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتُوُفِّيَ
وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ. قَالَ
رَبِيعَةُ: فَرَأَيْتُ شَعْرًا مِنْ شَعْرِهِ، فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ. فَسَأَلْتُ
فَقِيلَ: احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرْنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ رَبِيعَةَ
بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَلَيْسَ
بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ وَلَا بِالْآدَمِ، وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ
وَلَا بِالسَّبْطِ، بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ
بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، فَتَوَفَّاهُ اللَّهُ
وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ. وَكَذَا
رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ أَيْضًا
عَنْ قُتَيْبَةَ وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ ثَلَاثَتِهِمْ عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ خَالِدِ بْنِ
مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، ثَلَاثَتِهِمْ عَنْ رَبِيعَةَ بِهِ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا، عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ
بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ فَقَالَ:كَانَ
أَزْهَرَ اللَّوْنِ. قَالَ: وَرَوَاهُ حُمَيْدٌ كَمَا أَخْبَرْنَا. ثُمَّ سَاقَ
بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ
وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ
حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَرَ اللَّوْنِ.
وَهَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ،
عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،
عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ:لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَكَانَ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ، وَكَانَ
أَسْمَرَ اللَّوْنِ. ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ حُمَيْدٍ
إِلَّا خَالِدٌ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ
بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ،
ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، ثَنَا حُمَيْدٌ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ
يَقُولُ... فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ، بَيَاضُهُ إِلَى السُّمْرَةِ. قُلْتُ: وَهَذَا
السِّيَاقُ أَصَحُّ مِنَ الَّذِي قَبِلَهُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ السُّمْرَةَ
الَّتِي كَانَتْ تَعْلُو وَجْهَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ كَثْرَةِ
أَسْفَارِهِ وَبُرُوزِهِ لِلشَّمْسِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَقَدْ قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ أَيْضًا: حَدَّثَنِي عَمْرُو
بْنُ عَوْنٍ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَا: ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ:رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ رَآهُ غَيْرِي. فَقُلْنَا لَهُ:
صِفْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ
أَبْيَضَ مَلِيحَ الْوَجْهِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ
بِهِ. وَرَوَاهُ
أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ
سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ
وَاثِلَةَ اللَّيْثِيِّ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَبْيَضَ مَلِيحًا، إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ فِي صَبُوبٍ.
لَفَظُ أَبِي دَاوُدَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ،أَنْبَأَنَا
الْجُرَيْرِيُّ قَالَ: كُنْتُ أَطُوفُ مَعَ أَبِي الطُّفَيْلِ فَقَالَ: مَا بَقِيَ
أَحَدٌ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرِي. قُلْتُ:
وَرَأَيْتَهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ كَانَتْ صِفَتُهُ ؟ قَالَ:
كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مَقْصِدًا. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بُنْدَارٍ
وَسُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ، كِلَاهُمَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ أَوْ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، ثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الْأَسَدِيُّ،
ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي
جُحَيْفَةَ قَالَ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَبْيَضَ قَدْ شَابَ، وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُشْبِهُهُ. ثُمَّ قَالَ:
رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ وَاصِلِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ. وَأَصْلُ الْحَدِيثِ
كَمَا ذُكِرَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَلَكِنْ بِلَفْظٍ آخَرَ كَمَا
سَيَأْتِي.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ
جُعْشُمٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ
سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ، جَعَلْتُ أَنْظُرُ
إِلَى سَاقِهِ كَأَنَّهَا جُمَّارَةٌ. وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَوَاللَّهِ لِكَأَنِي أَنْظُرُ إِلَى سَاقِهِ فِي غَرْزِهِ كَأَنَّهَا
جُمَّارَةٌ. قُلْتُ: يَعْنِي مِنْ شِدَّةِ بَيَاضِهَا كَأَنَّهَا جُمَّارَةُ
طَلْعِ النَّخْلِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ مَوْلًى لَهُمْ مُزَاحِمِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ، عَنْ عَبْدِ
الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ
خُزَاعَةَ يُقَالُ لَهُ: مُحَرِّشٌ أَوْ مُخَرِّشٌ. لَمْ يَكُنْ سُفْيَانُ يَقِفُ
عَلَى اسْمِهِ، وَرُبَّمَا قَالَ: مُحَرِّشٌ. وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَنَا،أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ
لَيْلًا، فَاعْتَمَرَ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَصْبَحَ بِهَا كَبَائِتٍ، فَنَظَرْتُ إِلَى
ظَهْرِهِ كَأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَهَكَذَا
رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
الْعَلَاءِ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
سَالِمٍ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَيَصِفُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ. وَهَذَا إِسْنَادٌ
جَيِّدٌ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا
حَسَنٌ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، ثَنَا أَبُو يُونُسَ سُلَيْمُ بْنُ
جُبَيْرٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي
جَبْهَتِهِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ، إِنَّا
لَنَجْهَدُ أَنْفُسَنَا وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ بِهِ، وَقَالَ:كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي
فِي وَجْهِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ: غَرِيبٌ. وَرَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينَ
بْنِ سَعْدٍ الْمِصْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي يُونُسَ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ:كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي يُونُسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
فَذَكَرَهُ، وَقَالَ:كَأَنَّمَا الشَّمْسُ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
ثَنَا حَجَّاجٌ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
عَقِيلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، يَعْنِي ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ
أَبِيهِ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْهَرَ
اللَّوْنِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ هُرْمُزَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ،عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْرَبًا وَجْهُهُ
حُمْرَةً.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، ثَنَا شَرِيكٌ،
عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: وَصَفَ
لَنَا عَلِيٌّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ
أَبْيَضَ مُشْرَبَ الْحُمْرَةِ. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِنَحْوِهِ مِنْ
حَدِيثِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ وَقَالَ:
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ هَكَذَا عَنْ عَلِيٍّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.
قُلْتُ: رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ
جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَيُقَالُ: إِنَّ الْمُشْرَبَ
مِنْهُ حُمْرَةً مَا ضَحَا لِلشَّمْسِ وَالرِّيَاحِ، وَمَا تَحْتَ الثِّيَابِ
فَهُوَ الْأَبْيَضُ الْأَزْهَرُ.
صِفَةُ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذِكْرُ مَحَاسِنِهِ مِنْ فَرْقِهِ وَجَبِينِهِ
وَحَاجِبَيْهِ وَعَيْنَيْهِ، وَأَنْفِهِ وَفَمِهِ وَثَنَايَاهُ، وَمَا جَرَى
مَجْرَى ذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِ طَلْعَتِهِ وَمُحَيَّاهُ
قَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ أَبِي الطُّفَيْلِ:كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحَ الْوَجْهِ.
وَقَوْلُ أَنَسٍ:كَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ. وَقَوْلُ الْبَرَاءِ وَقَدْ قِيلَ
لَهُ: أَكَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ السَّيْفِ؟
يَعْنِي فِي صِقَالِهِ، فَقَالَ: لَا، بَلْ مِثْلَ الْقَمَرِ. وَقَوْلُ جَابِرِ
بْنِ سَمُرَةَ وَقَدْ قِيلَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا، بَلْ مِثْلَ
الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مُسْتَدِيرًا. وَقَوْلُ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ:
لَوْ رَأَيْتَهُ لَقُلْتَ: الشَّمْسُ طَالِعَةٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَرَأَيْتَ
الشَّمْسَ طَالِعَةً.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ حَجَّتْ
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهَا عَنْهُ،
فَقَالَتْ: كَانَ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا
بَعْدَهُ مِثْلَهُ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَكَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي
وَجْهِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: فِي جَبْهَتِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ وَحَسَنُ بْنُ مُوسَى، قَالَا:
ثَنَا حَمَّادٌ، وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
عَقِيلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الرَّأْسِ، عَظِيمَ الْعَيْنَيْنِ،
أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ مُشْرَبَ
الْعَيْنَيْنِ بِحُمْرَةٍ: كَثَّ
اللِّحْيَةِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، إِذَا
مَشَى كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صُعُدٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا.
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْوَاسِطِيُّ، ثَنَا
عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، ثَنَا الْحَجَّاجُ، عَنْ سَالِمٍ الْمَكِّيِّ، عَنِ
ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْصِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ لَا قَصِيرًا وَلَا طَوِيلًا، حَسَنَ
الشَّعْرِ رَجِلَهُ، مُشْرَبًا وَجْهُهُ حُمْرَةً ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، شَثْنَ
الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، عَظِيمَ الرَّأْسِ، طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ، لَمْ
أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ كَأَنَّمَا
يَنْزِلُ مِنْ صَبَبٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، فَإِنِّي لَأَخْطُبُ يَوْمًا عَلَى النَّاسِ، وَحَبْرٌ
مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ وَاقِفٌ فِي يَدِهِ سِفْرٌ يَنْظُرُ فِيهِ، فَلَمَّا
رَآنِي قَالَ: صِفْ لَنَا أَبَا الْقَاسِمِ. فَقَالَ عَلِيٌّ: رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلَا بِالطَّوِيلِ
الْبَائِنِ، وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبْطِ، هُوَ رَجِلُ
الشَّعْرِ أَسْوَدُهُ، ضَخْمُ الرَّأْسِ، مُشْرَبٌ لَوْنُهُ حُمْرَةً، عَظِيمُ
الْكَرَادِيسِ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، طَوِيلُ الْمَسْرُبَةِ،
وَهُوَ الشَّعْرُ الَّذِي يَكُونُ مِنَ النَّحْرِ إِلَى السُّرَّةِ، أَهْدَبُ
الْأَشْفَارِ، مَقْرُونُ الْحَاجِبَيْنِ، صَلْتُ الْجَبِينِ، بِعِيدُ مَا بَيْنَ
الْمَنْكِبَيْنِ، إِذَا
مَشَى تَكَفَّأَ كَأَنَّمَا يَنْزِلُ
مِنْ صَبَبٍ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ. قَالَ
عَلِيٌّ: ثُمَّ سَكَتَ، فَقَالَ لِيَ الْحَبْرُ: وَمَاذَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا
مَا يَحْضُرُنِي. قَالَ الْحَبْرُ: فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ، حَسَنُ اللِّحْيَةِ،
حَسَنُ الْفَمِ، تَامُّ الْأُذُنَيْنِ، يُقْبِلُ جَمِيعًا وَيُدْبِرُ جَمِيعًا.
فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ وَاللَّهِ صِفَتُهُ. قَالَ الْحَبْرُ: وَشَيْءٌ آخَرُ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ الْحَبْرُ: وَفِيهِ جَنَأٌ. قَالَ عَلِيٌّ: هُوَ
الَّذِي قُلْتُ لَكَ: كَأَنَّمَا يَنْزِلُ مِنْ صَبَبٍ. قَالَ الْحَبْرُ: فَإِنِّي
أَجِدُ هَذِهِ الصِّفَةَ فِي سِفْرِ آبَائِي، وَنَجِدُهُ يُبْعَثُ فِي حَرَمِ
اللَّهِ وَأَمْنِهِ وَمَوْضِعِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يُهَاجِرُ إِلَى حَرَمٍ
يُحَرِّمُهُ هُوَ، وَيَكُونُ لَهُ حُرْمَةٌ كَحُرْمَةِ الْحَرَمِ الَّذِي حَرَّمَ
اللَّهُ، وَنَجِدُ أَنْصَارَهُ الَّذِينَ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، قَوْمًا مِنْ وَلَدِ
عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ أَهْلَ نَخْلٍ، وَأَهْلَ الْأَرْضِ قِبَلَهُمْ يَهُودَ.
قَالَ عَلِيٌّ: هُوَ هُوَ، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. قَالَ الْحَبْرُ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَّهُ
رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، فَعَلَى ذَلِكَ أَحْيَا وَعَلَيْهِ
أَمُوتُ وَعَلَيْهِ أُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ: فَكَانَ يَأْتِي عَلِيًّا
فَيُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ وَيُخْبِرُهُ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ خَرَجَ
عَلِيٌّ وَالْحَبْرُ مِنْ هُنَالِكَ حَتَّى مَاتَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ
وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقٌ
بِهِ. وَهَذِهِ الصِّفَةُ قَدْ وَرَدَتْ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ سَيَأْتِي ذِكْرُهَا.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا
خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ
بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سُئِلَ أَوْ
قِيلَ لَعَلِيٍّ:انْعَتْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. فَقَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا بَيَاضُهُ حُمْرَةً، وَكَانَ
أَسْوَدَ الْحَدَقَةِ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ.
قَالَ يَعْقُوبُ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَا: ثَنَا عِيسَى بْنُ
يُونُسَ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى غُفْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّإِذَا نَعَتَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ فِي الْوَجْهِ تَدْوِيرٌ،
أَبْيَضَ، أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ:
الدَّعَجُ: شِدَّةُ سَوَادِ الْعَيْنَيْنِ مَعَ سَعَتِهَا.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى فَى كِتَابِهِ
" مَسَانِيدِ الشِّعْرِ "، مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ فِي "
التَّارِيخِ " أَنَّهُ قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّبِيعِيُّ،
ثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:كُنْتُ قَاعِدَةً أَغْزِلُ،
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ.
قَالَتْ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ جَبِينُهُ يَعْرَقُ، وَجَعَلَ عَرَقُهُ
يَتَوَلَّدُ نُورًا. قَالَتْ: فَبُهِتُّ. قَالَتْ: فَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ:
" مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ ؟ " قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
نَظَرْتُ إِلَيْكَ فَجَعَلَ جَبِينُكَ يَعْرَقُ، وَجَعَلَ عَرَقُكَ يَتَوَلَّدُ
نُورًا، وَلَوْ رَآكَ أَبُو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ لَعَلِمَ أَنَّكَ أَحَقُّ
بِشِعْرِهِ. قَالَ: " وَمَا يَقُولُ أَبُو كَبِيرٍ ؟ " فَقُلْتُ:
يَقُولُ:
وَمُبَرَّأً مِنْ كُلِّ غُبَّرِ حَيْضَةٍ وَفَسَادِ مُرْضِعَةٍ وَدَاءٍ مُغِيلِ
وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى أَسِرَّةِ
وَجْهِهِ
بَرَقَتْ كَبَرْقِ الْعَارِضِ الْمُتَهَلِّلِ
قَالَتْ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ
بِيَدِهِ، وَقَامَ إِلَيَّ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيَّ، وَقَالَ: " يَا
عَائِشَةُ، مَا سُرِرْتِ مِنِّي كَسُرُورِي مِنْكِ ".
أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ أَحَدُ
أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَالْأَدَبِ وَأَيَّامِ النَّاسِ. قَالَ الْجَاحِظُ كَانَ عَارِفًا
بِجَمِيعِ الْعُلُومِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ
الْمَدِينِيِّ يُثْنِي عَلَيْهِ وَيُصَحِّحُ رِوَايَتَهُ. وَقَالَ
الدَّارَقُطْنِيُّ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُتَّهَمًا بِرَأْيِ
الْخَوَارِجِ وَبِالْإِحْدَاثِ. وَتُوُفِّيَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَتَيْنِ وَقَدْ
قَارَبَ الْمِائَةَ أَوْ أَكْمَلَهَا. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَشَيْخُ
الْبُخَارِيِّ لَا يُعْرَفُ، وَإِسْنَادُ الْغَرَابَةِ إِلَيْهِ أَوْلَى مِنْ
إِسْنَادِهَا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي سِمَاكٌ
سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ يَقُولُ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْهَلَ الْعَيْنَيْنِ، مَنْهُوسَ الْعَقِبِ، ضَلِيعَ
الْفَمِ. هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ: أَشَهَلَ
الْعَيْنَيْنِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالشُّهْلَةُ حُمْرَةٌ فِي سَوَادِ
الْعَيْنِ، وَالشُّكْلَةُ حُمْرَةٌ فِي بَيَاضِ الْعَيْنِ. قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى
هَذَا الْحَدِيثَ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ "، عَنْ أَبِي مُوسَى
وَبُنْدَارٍ، كِلَاهُمَا
عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ بِهِ.
وَقَالَ: أَشْكَلَ الْعَيْنَيْنِ. وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، عَنْ أَبِي قَطَنٍ، عَنْ شُعْبَةَ
بِهِ، وَقَالَ: أَشْكَلَ الْعَيْنَيْنِ. وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَوَقَعَ فِي
" صَحِيحِ مُسْلِمٍ " تَفْسِيرُ الشُّكْلَةِ بِطُولِ أَشْفَارِ
الْعَيْنَيْنِ، وَهُوَ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ. وَقَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا
حُمْرَةٌ فِي بَيَاضِ الْعَيْنِ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى
الْقُوَّةِ وَالشَّجَاعَةِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي
عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ
الزُّبَيْدِيِّ، حَدَّثَنِي الْزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ،
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ مُفَاضَ الْجَبِينِ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا أَبُو غَسَّانَ، ثَنَا جُمَيْعُ بْنُ
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِمَكَّةَ، عَنِ
ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ التَّمِيمِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ خَالِهِ
قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسِعَ
الْجَبِينِ، أَزَجَّ الْحَوَاجِبِ سَوَابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ، بَيْنَهُمَا عِرْقٌ
يُدِرُّهُ الْغَضَبُ، أَقْنَى الْعِرْنِينِ، لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ، يَحْسَبُهُ
مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ، سَهْلَ الْخَدَّيْنِ، ضَلِيعَ الْفَمِ،
أَشْنَبَ، مُفَلَّجَ الْأَسْنَانِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ الْمُنْذِرِ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ الْزُّهْرِيُّ،
ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَلَجَ الثَّنِيَّتَيْنِ، وَكَانَ إِذَا تَكَلَّمَ
رُئِيَ كَالنُّورِ بَيْنَ ثَنَايَاهُ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ بِهِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا
عَبَّادُ بْنُ حَجَّاجٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:كُنْتُ
إِذَا نَظَرْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلْتُ:
أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ. وَلَيْسَ بِأَكْحَلَ، وَكَانَ فِي سَاقَيْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُمُوشَةٌ، وَكَانَ لَا يَضْحَكُ
إِلَّا تَبَسُّمًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنِي مُجَمِّعُ بْنُ يَحْيَى،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ
وَالْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ
نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلَا بِالطَّوِيلِ، ضَخْمَ الرَّأْسِ
وَاللِّحْيَةِ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَالْكَرَادِيسِ، مُشْرَبًا وَجْهُهُ
حُمْرَةً، طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفِّيًا، كَأَنَّمَا
يَتَقَلَّعُ مِنْ
صَخْرٍ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا
بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ
الْخُرَيْبِيُّ عَنْ مُجَمِّعٍ، فَأَدْخَلَ بَيْنَ ابْنِ عِمْرَانَ وَبَيْنَ
عَلِيٍّ رَجُلًا غَيْرَ مُسَمًّى. ثُمَّ أَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ
عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ، ثَنَا مُجَمِّعُ بْنُ
يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ
الْأَنْصَارِ قَالَ:سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ مُحْتَبٍ
بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ عَنْ نَعْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ أَبْيَضَ اللَّوْنِ مُشْرَبًا
حُمْرَةً، أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ، سَبْطَ الشَّعْرِ، دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ،
سَهْلَ الْخَدِّ، كَثَّ اللِّحْيَةِ، ذَا وَفْرَةٍ، كَأَنَّ عُنُقَهُ إِبْرِيقُ
فِضَّةٍ، لَهُ شَعْرٌ يَجْرِي مِنْ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ كَالْقَضِيبِ،
لَيْسَ فِي بَطْنِهِ وَلَا صَدْرِهِ شَعْرٌ غَيْرُهُ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ
وَالْقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَدِرُ مِنْ صَبَبٍ، وَإِذَا مَشَى
كَأَنَّمَا يَتَقَلَّعُ مِنْ صَخْرٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا،
لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَلَا الْعَاجِزِ وَلَا اللَّأْمِ،
كَأَنَّ عَرَقَهُ فِي وَجْهِهِ اللُّؤْلُؤُ، وَلَرِيحُ عَرَقِهِ أَطْيَبُ مِنَ
الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ، لَمْ أَرَ مَثَلَهُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا نُوحُ
بْنُ قَيْسٍ الْحُدَّانِيُّ، ثَنَا خَالِدُ بْنُ خَالِدٍ التَّمِيمِيُّ، عَنْ
يُوسُفَ بْنِ مَازِنٍ الْمَازِنِيِّ، أَنَّ رَجُلًا
قَالَ لَعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ،انْعَتْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا حُمْرَةً، ضَخْمَ الْهَامَةِ، أَغَرَّ، أَبْلَجَ،
أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ
ابْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ شَرِيكٌ: قُلْتُ لَهُ: عَمَّنْ يَا أَبَا عُمَيْرٍ، عَمَّنْ
حَدَّثَهُ ؟ قَالَ: عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ
قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ
الْهَامَةِ، مُشْرَبًا حُمْرَةً، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، ضَخْمَ
اللِّحْيَةِ طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، يَمْشِي فِي صَبَبٍ،
يَتَكَفَّأُ فِي الْمِشْيَةِ لَا قَصِيرٌ وَلَا طَوِيلٌ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ
مِثْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ. وَقَدْ رُوِيَ لِهَذَا شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ عَنْ
عَلِيٍّ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ نَحْوُهُ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ، عَنْ زِيَادٍ مَوْلَى
سَعْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: لَا، وَلَا هَمَّ بِهِ، كَانَ
شَيْبُهُ فِي عَنْفَقَتِهِ وَنَاصِيَتِهِ، لَوْ أَشَاءُ أَنْ أَعُدَّهَا
لَعَدَدْتُهَا. قُلْتُ: فَمَا صِفَتُهُ ؟ قَالَ: كَانَ رَجُلًا لَيْسَ
بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَلَا بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ وَلَا
بِالْآدَمِ، وَلَا بِالسَّبْطِ وَلَا بِالْقَطَطِ، وَكَانْتُ لِحْيَتُهُ حَسَنَةً،
وَجَبِينُهُ صَلْتًا، مُشْرَبًا بِحُمْرَةٍ، شَثْنَ الْأَصَابِعِ شَدِيدَ سَوَادِ
الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ: ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ
حَاتِمٍ الْعَسْكَرِيُّ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ مِهْرَانَ ثَنَا
شَرِيكٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ،
عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:إِنَّ أَوَّلَ
شَيْءٍ عَلِمْتُهُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؛ قَدِمْتُ مَكَّةَ فِي عُمُومَةٍ لِي، فَأَرْشَدُونَا إِلَى الْعَبَّاسِ
بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ إِلَى
زَمْزَمَ، فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ، فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ
مِنْ بَابِ الصَّفَا أَبْيَضُ، تَعْلُوهُ حُمْرَةٌ، لَهُ وَفْرَةٌ جَعْدَةٌ إِلَى
أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، بَرَّاقُ الثَّنَايَا، أَدْعَجُ
الْعَيْنَيْنِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، دَقِيقُ الْمَسْرُبَةِ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ
وَالْقَدَمَيْنِ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَبْيَضَانِ، كَأَنَّهُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ
الْبَدْرِ. وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ، وَطَوَافَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
بِالْبَيْتِ وَصَلَاتَهُ عِنْدَهُ هُوَ وَخَدِيجَةُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ،
وَأَنَّهُمْ سَأَلُوا الْعَبَّاسَ عَنْهُ، فَقَالَ: هَذَا هُوَ ابْنُ أَخِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ إِلَى
النَّاسِ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي
". فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَعْنِي بِعَيْنَيْ قَلْبِهِ. حَتَّى
فَسَّرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ تَعَالَى وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [
الشُّعَرَاءِ: 219 ] بِذَلِكَ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ ضَعِيفٌ. وَقَالَ آخَرُونَ:
بَلْ كَانَ هَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَنَّهُ
كَانَ يَنْظُرُ مِنْ وَرَائِهِ كَمَا يَنْظُرُ أَمَامَهُ. وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ
الْحَافِظُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ فَى كِتَابِهِ " دَلَائِلِ
النُّبُوَّةِ "، فَبَوَّبَ عَلَيْهِ وَأَوْرَدَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ
فَى ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ وَحُمَيْدٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ
وَقَتَادَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَهُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
الْجَعْدِ، ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي
لَأَنْظُرُ إِلَى مَا وَرَائِي كَمَا أَنْظُرُ إِلَى مَا بَيْنَ يَدَيَّ،
فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، وَأَحْسِنُوا رُكُوعَكُمْ وَسُجُودَكُمْ ".
وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، ثَنَا الْوَلِيدُ
بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَذَكَرَ
حَدِيثًا فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ:إِنِّي وَاللَّهِ لَأُبْصِرُ مِنْ وَرَائِي كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنِ
يَدَيَّ وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بِمَثَلِهِ. وَهُوَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ
" مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَاهُنَا ؟ فَوَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلِيَّ
خُشُوعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ وَلَا سُجُودُكُمْ؛ إِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ
ظَهْرِي.
ثُمَّ رَوَى عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ سَابُورَ
وَحُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: وَتَقَلُّبَكَ فِي
السَّاجِدِينَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَرَى مِنْ خَلْفِهِ فَى الصَّلَاةِ كَمَا يَرَى مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ.
ثُمَّ رَوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ
عُثْمَانَ الْحِمْصِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنْ بَقِيَّةَ، حَدَّثَنِي حَبِيبُ ابْنُ
أَبِي مُوسَى - وَهُوَ ابْنُ صَالِحٍ - قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَيْنَانِ فِي قَفَاهُ يُبْصِرُ بِهِمَا مِنْ
وَرَائِهِ. وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا عَوْفُ بْنُ
أَبِي جَمِيلَةَ، عَنْ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ فِي زَمَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ: وَكَانَ يَزِيدُ يَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ. قَالَ: فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ:
إِنَّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
النَّوْمِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَسْتَطِيعُ
أَنْ يَتَشَبَّهَ بِي، فَمَنْ رَآنِي فِي النَّوْمِ فَقَدْ رَآنِي " فَهَلْ
تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي رَأَيْتَ ؟ قَالَ:
قُلْتُ: نَعَمْ، رَأَيْتُ رَجُلًا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، جِسْمُهُ وَلَحْمُهُ
أَسْمَرُ إِلَى الْبَيَاضِ، حَسَنَ الْمَضْحَكِ، أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ، جَمِيلَ
دَوَائِرِ الْوَجْهِ، قَدْ مَلَأَتْ لِحْيَتُهُ مِنْ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ، حَتَّى
كَادَتْ تَمْلَأُ نَحْرَهُ. قَالَ عَوْفٌ: لَا أَدْرِي مَا كَانَ مَعَ هَذَا مِنَ
النَّعْتِ. قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ رَأَيْتَهُ فِي الْيَقَظَةِ مَا
اسْتَطَعْتَ أَنْ تَنْعَتَهُ فَوْقَ هَذَا.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ
": بَابُ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ رُئِيَ النُّورُ مِنْ بَيْنِ ثَنِيَّتَيْهِ. حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الْحِزَامِيُّ، ثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَخِي
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
تَكَلَّمَ رُئِيَ النُّورُ مِنْ ثَنِيَّتَيْهِ. إِسْنَادٌ جَيِّدٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهَلِيُّ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا
مَعْمَرٌ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ قَالَ سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ،عَنْ صِفَةِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَحْسَنُ الصِّفَةِ
وَأَجْمَلُهَا؛ كَانَ رَبْعَةً إِلَى الطُّولِ أَقْرَبَ مَا هُوَ، بَعِيدَ مَا
بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ أَسِيلَ الْخَدَّيْنِ شَدِيدَ سَوَادِ الشَّعْرِ أَكْحَلَ
الْعَيْنِ أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ إِذَا وَطِئَ بِقَدَمِهِ وَطِئَ بِكُلِّهَا،
لَيْسَ لَهَا أَخْمَصٌ، إِذَا وَضَعَ رِدَاءَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ فَكَأَنَّهُ
سَبِيكَةُ فِضَّةٍ، وَإِذَا ضَحِكَ كَادَ يَتَلَأْلَأُ فِي الْجُدُرِ لَمْ أَرَ
قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى مِنْ
وَجْهٍ آخَرَ مُتَّصِلٍ، فَقَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي
الزُّبَيْدِيَّ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
سَالِمٍ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.
وَرَوَاهُ الذُّهَلِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ
شُمَيْلٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ كَأَنَّمَا
صِيغَ مِنْ فِضَّةٍ، رَجِلَ الشَّعْرِ، مُفَاضَ الْبَطْنِ، عَظِيمَ مُشَاشِ
الْمَنْكِبَيْنِ، يَطَأُ بِقَدَمِهِ
جَمِيعًا، إِذَا أَقْبَلَ أَقْبَلَ جَمِيعًا، وَإِذَا أَدْبَرَ أَدْبَرَ جَمِيعًا.
وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَثْنَ الْقَدَمَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ، ضَخْمَ
السَّاقَيْنِ، عَظِيمَ السَّاعِدَيْنِ، ضَخْمَ الْعَضُدَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ،
بَعِيدَ مَا بَيْنَهُمَا، رَحْبَ الصَّدْرِ، رَجِلَ الرَّأْسِ، أَهْدَبَ
الْعَيْنَيْنِ، حَسَنَ الْفَمِ، حَسَنَ اللِّحْيَةِ، تَامَّ الْأُذُنَيْنِ،
رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَا طَوِيلًا وَلَا قَصِيرًا، أَحْسَنَ النَّاسِ
لَوْنًا، يُقْبِلُ مَعًا وَيُدْبِرُ مَعًا، لَمْ أَرَ مِثْلَهُ، وَلَمْ أَسْمَعَ
بِمِثْلِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
السُّلَمِيُّ، ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَحْمُودِيُّ الْمَرْوَزِيُّ، ثَنَا أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا حَرْبُ بْنُ سُرَيْجٍ صَاحِبُ
الْخُلْقَانِ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَلْعَدَوِيَّةِ، حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ:
انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ... فَذَكَرَ الْحَدِيثَفِي رُؤْيَةِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَإِذَا رَجُلٌ حَسَنُ
الْجِسْمِ، عَظِيمُ الْجُمَّةِ، دَقِيقُ الْأَنْفِ، دَقِيقُ الْحَاجِبَيْنِ،
وَإِذَا مِنْ لَدُنْ نَحْرِهِ إِلَى سُرَّتِهِ كَالْخَيْطِ الْمَمْدُودِ شَعْرُهُ،
وَرَأَيْتُهُ بَيْنَ طِمْرَيْنِ، فَدَنَا مِنِّي وَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ.
ذِكْرُ شَعْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ
قَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ
فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ
أَشْعَارَهُمْ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُؤُوسَهُمْ، فَسَدَلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا مَالِكٌ، ثَنَا
زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَسَدَلَ نَاصِيَتَهُ مَا شَاءَ أَنْ يَسْدِلَ،
ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ. تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ
الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:أَنَا فَرَقْتُ لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ؛ صَدَعْتُ فَرْقَهُ عَنْ
يَافُوخِهِ، وَأَرْسَلْتُ نَاصِيَتَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ
الزُّبَيْرِ، وَكَانَ فَقِيهًا مُسْلِمًا: مَا هِيَ إِلَّا سِيمَا مِنْ سِيمَا
الْأَنْبِيَاءِ، تَمَسَّكَتْ بِهَا النَّصَارَى مِنْ بَيْنِ النَّاسِ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ
" عَنِ الْبَرَاءِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ يَضْرِبُ شَعْرُهُ إِلَى مَنْكِبَيْهِ. وَجَاءَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ،
وَعَنْ غَيْرِهِ: إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ. وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ
الْحَالَيْنِ، فَإِنَّ الشَّعْرَ تَارَةً يُطَوَّلُ، وَتَارَةً يُقَصَّرُ مِنْهُ،
فَكَلٌّ حَكَى بِحَسَبِ مَا رَأَى.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا ابْنُ نُفَيْلٍ، ثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:كَانَ شَعْرُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْوَفْرَةِ وَدُونَ
الْجُمَّةِ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَلَقَ
جَمِيعَ رَأْسِهِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ. وَقَدْ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَحَدٍ
وَثَمَانِينَ يَوْمًا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى
يَوْمِ الدِّينِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ
وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَا: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي
نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ:قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَدْمَةً وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ. تَعْنِي
ضَفَائِرَ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ
" مِنْ حَدِيثِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ شَعْرَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:إِنَّهُ لَيْسَ بِالسَّبْطِ وَلَا
بِالْقَطَطِ. قَالَ: وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ
عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ
سِيرِينَ، أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ:أَخَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَرَ مِنَ الشَّيْبِ إِلَّا
قَلِيلًا. وَكَذَا رَوَى هُوَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ
ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ: قِيلَ لِأَنَسٍ:هَلْ كَانَ شَابَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ: مَا شَانَهُ
اللَّهُ بِالشَّيْبِ، مَا كَانَ فِي رَأْسِهِ إِلَّا سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ
ثَمَانِيَ عَشْرَةَ شَعْرَةً.
وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
أَنَسٍأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخْتَضِبْ،
إِنَّمَا كَانَ شَمَطٌ عِنْدَ الْعَنْفَقَةِ يَسِيرًا، وَفِي الصُّدْغَيْنِ
يَسِيرًا، وَفِي الرَّأْسِ يَسِيرًا.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ
قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا:هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا كَانَ شَيْءٌ فِي صُدْغَيْهِ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ عِصَامِ
بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
بُسْرٍ السُّلَمِيِّ:رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَكَانَ شَيْخًا ؟ قَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ. وَتَقَدَّمَ
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مِثْلُهُ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي
جُحَيْفَةَ قَالَ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هَذِهِ مِنْهُ بَيْضَاءُ. يَعْنِي عَنْفَقَتَهُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ
أَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ
الْقُرَشِيِّ قَالَ:دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا مِنْ
شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ
مَصْبُوغٌ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ
إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مُوهَبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
الصَّغَانِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ،عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: كَانَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ جُلْجُلٌ مِنْ
فِضَّةٍ ضَخْمٌ، فِيهِ مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَكَانَ إِذَا أَصَابَ إِنْسَانًا الْحُمَّى بَعَثَ إِلَيْهَا
فَخَضْخَضَتْهُ فِيهِ، ثُمَّ
يَنْضَحُهُ الرَّجُلُ عَلَى وَجْهِهِ. قَالَ فَبَعَثَنِي أَهْلِي إِلَيْهَا
فَأَخْرَجْتُهُ، فَإِذَا هُوَ هَكَذَا - وَأَشَارَ إِسْرَائِيلُ بِثَلَاثِ
أَصَابِعَ - وَكَانَ فِيهِ خَمْسُ شَعَرَاتٍ حُمْرٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ
مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ عُثْمَانَ بِهِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ
بْنُ إِيَادٍ، حَدَّثَنِي إِيَادٌ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ:انْطَلَقْتُ مَعَ
أَبِي نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا
رَأَيْتُهُ قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَنْ هَذَا ؟ قُلْتُ: لَا قَالَ: إِنَّ هَذَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَاقْشَعْرَرْتُ حِينَ قَالَ
ذَلِكَ، وَكُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ
لَا يُشْبِهُ النَّاسَ، فَإِذَا هُوَ بَشَرٌ ذُو وَفْرَةٍ بِهَا رَدْعٌ مِنْ
حِنَّاءٍ، وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ إِيَادِ
بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ، وَاسْمُهُ حَبِيبُ بْنُ
حَيَّانَ، وَيُقَالُ: رَفَاعَةُ بْنُ يَثْرِبِيٍّ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ
لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِيَادٍ. كَذَا قَالَ.
وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ بِهِ
بِبَعْضِهِ. وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ
أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ الْمُخَرِّمِيِّ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ الْحِمْيَرِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ
بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَامِعٍ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ عَنْ
أَبِي رِمْثَةَ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وَكَانَ شَعْرُهُ يَبْلُغُ كَتِفَيْهِ أَوْ
مَنْكِبَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُطَرِّفٍ أَبُو سُفْيَانَ،
ثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةِ. وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرْسِ
وَالزَّعْفَرَانِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَرَوَاهُ
النَّسَائِيُّ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْمَرْوَزِيِّ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيِّ بِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
ثَنَا
يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ( ح )
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
جَعْفَرٍ، أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ
بْنُ عُمَرَ بْنِ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ،
ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ قَالَ:كَانَ شَيْبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ شَعْرَةً. وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ: رَأَيْتُ شَيْبَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ
شَعْرَةً بَيْضَاءَ فِي مُقَدَّمِهِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، ثَنَا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ،
ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَيَّاشٍ الرَّقِّيُّ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ قَالَ:قَدِمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
الْمَدِينَةَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالٍ عَلَيْهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ
عُمَرُ، وَقَالَ لِلرَّسُولِ: سَلْهُ هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنِّي رَأَيْتُ شَعْرًا مَنْ شَعْرِهِ قَدْ لُوِّنَ ؟
فَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
قَدْ مُتِّعَ بِالسَّوَادِ، وَلَوْ عَدَدْتُ مَا أَقْبَلَ عَلِيَّ مِنْ شَيْبَةٍ
فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ مَا كُنْتُ أَزِيدُهُنَّ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ
شَيْبَةً، وَإِنَّمَا هَذَا الَّذِي لُوِّنَ مِنَ الطِّيبِ الَّذِي كَانَ
يُطَيَّبُ بِهِ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ
الَّذِي غَيَّرَ لَوْنَهُ.
قُلْتُ: وَنَفْيُ أَنَسٍ لِلْخِضَابِ مَعَارِضٌ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ غَيْرِهِ
مِنْ إِثْبَاتِهِ، وَالْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ أَنَّ الْإِثْبَاتَ مُقَدَّمٌ
عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الْمُثْبِتَ مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ لَيْسَتْ عِنْدَ
النَّافِي. وَهَكَذَا إِثْبَاتُ غَيْرِهِ لِأَزْيَدَ مِمَّا ذَكَرَ مِنَ الشَّيْبِ
مُقَدَّمٌ، لَا سِيَّمَا عَنْ
ابْنِ عُمَرَ الَّذِي الْمَظْنُونُ
أَنَّهُ تَلَقَّى ذَلِكَ عَنْ أُخْتِهِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةَ، فَإِنَّ
اطِّلَاعَهَا أَتَمُّ مِنَ اطِّلَاعِ أَنَسٍ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا أَنَّهَا
فَلَّتْ رَأْسَهُ الْكَرِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي مَنْكِبَيْهِ وَسَاعِدَيْهِ وَإِبِطَيْهِ وَقَدَمَيْهِ
وَكَعْبَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ تَقَدَّمَ مَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ،
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ
الْمَنْكِبَيْنِ. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ، عَنْ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ
الرَّأْسِ وَالْقَدَمَيْنِ، سَبْطَ الْكَفَّيْنِ. وَتَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ
أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ
وَالْقَدَمَيْنِ. وَفِي رِوَايَةٍ ضَخْمَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ:
ثَنَا آدَمُ وَعَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَا: ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، ثَنَا
صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَنْعَتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:كَانَ شَبْحَ الذِّرَاعَيْنِ
بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، أَهْدَبَ أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ. وَفِي
حَدِيثِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، ضَخْمَ
الْكَرَادِيسِ، طَوِيلِ الْمَسْرُبَةِ. وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ حَجَّاجٍ، عَنْ
سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:كَانَ فِي سَاقَيْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُمُوشَةٌ. أَيْ لَمْ يَكُونَا ضَخْمَيْنِ.
وَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ: فَنَظَرْتُ إِلَى سَاقَيْهِ -
وَفِي رِوَايَةٍ: قَدَمَيْهِ فِي الْغَرْزِ. يَعْنِي الرِّكَابَ - كَأَنَّهُمَا
جُمَّارَةٌ. أَيْ جُمَّارَةُ النَّخْلِ؛ مِنْ بَيَاضِهِمَا.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ:كَانَ ضَلِيعَ
الْفَمِ - وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُ عَظِيمُ الْفَمِ - أَشْكَلَ الْعَيْنَيْنِ -
وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُ طَوِيلُ شَقِّ الْعَيْنَيْنِ - مَنْهُوسَ الْعَقِبِ.
وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُ قَلِيلُ لَحْمِ الْعَقِبِ. وَهَذَا أَنْسَبُ وَأَحْسَنُ فِي
حَقِّ الرِّجَالِ.
وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ،
ثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:أَخَذَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ بِيَدِي مَقْدَمَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَقَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا أَنَسٌ غُلَامٌ كَاتِبٌ يَخْدِمُكَ. قَالَ: فَخَدَمْتُهُ
تِسْعَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُ: أَسَأْتَ. وَلَا: بِئْسَ مَا
صَنَعْتَ. وَلَا مَسِسْتُ شَيْئًا قَطُّ خَزًّا وَلَا حَرِيرًا
أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا شَمَمْتُ رَائِحَةً قَطُّ مِسْكًا وَلَا
عَنْبَرًا أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَعَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ
وَمَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ،
كُلُّهُمْ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، فِي لِينِ كَفِّهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، وَطِيبِ رَائِحَتِهِ، صَلَاةُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ. وَفِي
حَدِيثِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَكَانَ يَطَأُ بِقَدَمِهِ كُلِّهَا، لَيْسَ لَهَا أَخْمَصٌ. وَقَدْ جَاءَ
خِلَافُ هَذَا، كَمَا سَيَأْتِي.
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ
مِقْسَمٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي سَارَةُ بِنْتُ مِقْسَمٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ
بِنْتِ كَرْدَمٍ قَالَتْ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَهُوَ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ، وَأَنَا مَعَ أَبِي، وَبِيَدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرَّةٌ كَدِرَّةِ
الْكُتَّابِ، فَدَنَا مِنْهُ أَبِي، فَأَخَذَ بِقَدَمِهِ، فَأَقَرَّ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: فَمَا نَسِيتُ طُولَ
أُصْبُعِ قَدَمِهِ السَّبَّابَةِ عَلَى سَائِرِ أَصَابِعِهِ. وَرَوَاهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ مُطَوَّلًا. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ
حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِبَعْضِهِ، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ
خَالَتِهِ عَنْهَا، بِنَحْوِهِ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
عَنْهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا عَلِيُّ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَبُو بَكْرٍ، ثَنَا
سَلَمَةُ بْنُ حَفْصٍ السَّعْدِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ، ثَنَا
إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَتْ أُصْبُعُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ خِنْصَرُهُ مِنْ رِجْلَيْهِ
مُتَظَاهِرَةً. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
صِفَةُ قَوَامِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَطِيبِ رَائِحَتِهِ
فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبْعَةً مِنَ
الْقَوْمِ؛ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُمْ خَلْقًا، لَيْسَ
بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ. أَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ ".
وَقَالَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا
بِالْقَصِيرِ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ
وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَهُوَ إِلَى
الطُّولِ أَقْرَبُ، وَكَانَ عَرَقُهُ كَاللُّؤْلُؤِ. الْحَدِيثَ.
وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ نُوحِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ خَالِدِ
التَّمِيمِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَازِنٍ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ
قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ
بِالذَّاهِبِ طُولًا، وَفَوْقَ الرَّبْعَةِ، إِذَا جَاءَ مَعَ الْقَوْمِ
غَمَرَهُمْ، وَكَانَ عَرَقُهُ فِي وَجْهِهِ كَاللُّؤْلُؤِ. الْحَدِيثَ.
وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبْعَةً، وَهُوَ
إِلَى الطُّولِ أَقْرَبُ، وَكَانَ يُقْبِلُ جَمِيعًا، وَيُدْبِرُ جَمِيعًا، لَمْ
أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
وَثَبَتَ فِي " الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ،
عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:مَا مَسِسْتُ بِيَدِي دِيبَاجًا وَلَا حَرِيرًا
وَلَا شَيْئًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَلَا شَمَمْتُ رَائِحَةً أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ مِنْ
حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ
الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ بِهِ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ،
عَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَزْهَرَ اللَّوْنِ، كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ، وَمَا
مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلَا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا شَمَمْتُ مِسْكًا وَلَا عَنْبَرًا أَطْيَبَ
مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، ثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ:مَا مَسِسْتُ شَيْئًا قَطُّ خَزًّا وَلَا حَرِيرًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا شَمَمْتُ رَائِحَةً
أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذَا
إِسْنَادٌ ثُلَاثِيٌّ عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ "، وَلَمْ
يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: أَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ طَلْحَةَ
الْقَنَّادُ - وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ حَازِمِ
بْنِ أَبِي غَرَزَةَ عَنْهُ - قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنْ سِمَاكٍ،
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْأُولَى، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ، وَخَرَجْتُ
مَعَهُ فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا
وَاحِدًا. قَالَ: وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّي، فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ
بَرْدًا وَرِيحًا، كَأَنَّمَا
أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ
حَمَّادٍ بِهِ نَحْوَهُ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ،
ثَنَا أَبُو ثُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ
الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:كُنْتُ أُصَافِحُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يَمَسُّ جِلْدِي جِلْدَهُ، فَأَتَعَرَّفُهُ فِي
يَدِي بَعْدَمَا نَالَتْهُ أَطْيَبَ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا شُعْبَةُ،
وَحَجَّاجٌ، أَخْبَرَنِي شُعْبَةُ، عَنِ الْحِكَمِ سُمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ
قَالَ:خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَاجِرَةِ
إِلَى الْبَطْحَاءِ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ
يَدَيْهِ عَنَزَةٌ. زَادَ فِيهِ عَوْنٌ عَنْ أَبِيهِ: يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا
الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ.
قَالَ حَجَّاجٌ فِي الْحَدِيثِ: ثُمَّ قَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ
يَدَهُ فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ. قَالَ فَأَخَذْتُ يَدَهُ فَوَضَعْتُهَا
عَلَى وَجْهِي، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنَ
الْمِسْكِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ
حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ، عَنْ شُعْبَةَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً.
وَأَصْلُ الْحَدِيثِ فِي
" الصَّحِيحَيْنِ " أَيْضًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا هِشَامُ
بْنُ حَسَّانَ وَشُعْبَةُ وَشَرِيكٌ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ
بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ - يَعْنِي يَزِيدَ بْنَ الْأَسْوَدِ - قَالَ: صَلَّى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ بِمِنًى،
فَانْحَرَفَ فَرَأَى رَجُلَيْنِ مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ، فَدَعَا بِهِمَا فَجِيءَ
بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ: " مَا مَنَعَكُمَا أَنْ
تُصَلِّيَا مَعَ النَّاسِ ؟ " قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا
قَدْ صَلَّيْنَا فِي الرِّحَالِ. قَالَ " فَلَا تَفْعَلَا إِذَا صَلَّى
أَحَدُكُمْ فِي رَحْلِهِ، ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ
فَلْيُصَلِّهَا مَعَهُ، فَإِنَّهَا لَهُ نَافِلَةٌ " قَالَ: فَقَالَ
أُحُدُهُمَا: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، قَالَ:
وَنَهَضَ النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَنَهَضْتُ مَعَهُمْ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَشَبُّ الرِّجَالِ وَأَجْلَدُهُ. قَالَ:
فَمَا زِلْتُ أَزْحَمُ النَّاسَ حَتَّى وَصَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَوَضَعْتُهَا إِمَّا عَلَى
وَجْهِي أَوْ صَدْرِي، قَالَ: فَمَا وَجَدْتُ شَيْئًا أَطْيَبَ وَلَا أَبْرَدَ
مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَهُوَ
يَوْمَئِذٍ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ.
ثُمَّ رَوَاهُ أَيْضًا، عَنْ أَسْوَدَ بْنِ عَامِرٍ وَأَبِي النَّضْرِ، عَنْ
شُعْبَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ يَزِيدَ بْنِ
الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الصُّبْحَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ،
قَالَ:ثُمَّ ثَارَ النَّاسُ يَأْخُذُونَ بِيَدِهِ يَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ.
قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَمَسَحْتُ بِهَا وَجْهِي، فَوَجَدْتُهَا أَبْرَدَ
مِنَ الثَّلْجِ، وَأَطْيَبَ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ،
عَنْ يَعْلَى بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ
عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَهْلِي عَنْ
أَبِي قَالَ:أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلْوٍ
مِنْ مَاءٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ مَجَّ فِي الدَّلْوِ، ثُمَّ صَبَّ فِي
الْبِئْرِ، أَوْ شَرِبَ مِنَ الدَّلْوِ، ثُمَّ مَجَّ فِي الْبِئْرِ، فَفَاحَ
مِنْهَا مِثْلُ رِيحِ الْمِسْكِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ
يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَهُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ
بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا هَاشِمٌ، ثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَابِتٍ،
عَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ خَدَمُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِآنِيَتِهِمْ فِيهَا
الْمَاءُ، فَمَا يُؤْتَى بِإِنَاءٍ إِلَّا غَمَسَ يَدَهُ فِيهَا، فَرُبَّمَا
جَاؤُوهُ فِي الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ، فَغَمَسَ يَدَهُ فِيهَا. وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ، يَعْنِي ابْنَ أَبِي
سَلَمَةَ الْمَاجِشُونَ، عَنْ إِسْحَاقَ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ
فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا وَلَيْسَتْ فِيهِ. قَالَ: فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ
فَنَامَ عَلَى فِرَاشِهَا، فَأَتَتْ فَقِيلَ لَهَا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَائِمٌ فِي بَيْتِكِ عَلَى فِرَاشِكِ. قَالَ:
فَجَاءَتْ وَقَدْ عَرَقَ وَاسْتَنْقَعَ عَرَقُهُ عَلَى قِطْعَةِ أَدِيمٍ عَلَى
الْفِرَاشِ، فَفَتَحَتْ عَتِيدَتَهَا، فَجَعَلَتْ تُنَشِّفُ ذَلِكَ الْعَرَقَ
فَتَعْصِرُهُ فِي قَوَارِيرِهَا، فَفَزِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَا تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ؟ "
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا. قَالَ "
أَصَبْتِ " وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ حُجَيْنٍ
بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ
ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عِنْدَنَا فَعَرِقَ، وَجَاءَتْ أُمِّي بِقَارُورَةٍ،
فَجَعَلَتْ تَسْلُتُ الْعَرَقَ فِيهَا، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هَذَا الَّذِي
تَصْنَعِينَ ؟ " قَالَتْ: هَذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا، وَهُوَ
مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ
أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا إِسْحَاقُ
بْنُ مَنْصُورٍ، يَعْنِي السَّلُولِيَّ، ثَنَا عُمَارَةُ، يَعْنِي ابْنَ زَاذَانَ،
عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُقِيلُ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ، وَكَانَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ
عَرَقًا، فَاتَّخَذَتْ لَهُ نِطْعًا، وَكَانَ يُقِيلُ عَلَيْهِ، وَخَطَّتْ بَيْنَ
رِجْلَيْهِ خَطًّا، وَكَانَتْ تُنَشِّفُ الْعَرَقَ فَتَأْخُذُهُ، فَقَالَ: "
مَا هَذَا يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ؟ " قَالَتْ: عَرَقُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَجْعَلُهُ فِي طِيبِي. قَالَ: فَدَعَا لَهَا بِدُعَاءٍ حَسَنٍ تَفَرَّدَ بِهِ
أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ
أَنَسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي
بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا، وَلَيْسَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ فِي
بَيْتِهَا، فَتَأْتِي فَتَجِدُهُ نَائِمًا، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا نَامَ ذَفَّ عَرَقًا، فَتَأْخُذُ عَرَقَهُ بِقُطْنَةٍ فِي
قَارُورَةٍ فَتَجْعَلُهُ فِي مِسْكِهَا. وَهَذَا إِسْنَادٌ ثُلَاثِيٌّ عَلَى
شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ وَلَا أَحَدٌ مِنْهُمَا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،
أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرٍو الْمُقْرِئُ، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ - وَقَالَ مُسْلِمٌ: ثَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ -
ثَنَا عَفَّانَ، ثَنَا وُهَيْبٌ، ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ
أَنَسٍ، عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِيهَا، فَيُقِيلُ عِنْدَهَا فَتَبْسُطُ لَهُ نِطْعًا،
فَيُقِيلُ عَلَيْهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْعَرَقِ، فَكَانَتْ تَجْمَعُ عَرَقَهُ،
فَتَجْعَلُهُ فِي الطِّيبِ وَالْقَوَارِيرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا هَذَا ؟ "
فَقَالَتْ: عَرَقُكَ أَدُوفُ بِهِ طِيبِي. لَفْظُ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسْنَدِهِ: ثَنَا بِشْرٌ، ثَنَا
حَلْبَسُ بْنُ غَالِبٍ، ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ،
عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي
زَوَّجْتُ ابْنَتِي، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تُعِينَنِي بِشَيْءٍ. قَالَ: " مَا
عِنْدِي شَيْءٌ، وَلَكِنْ إِذَا كَانَ غَدٌ فَأْتِنِي بِقَارُورَةٍ وَاسِعَةِ
الرَّأْسِ وَعُودِ شَجَرَةٍ، وَآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَنْ تَدُقَّ نَاحِيَةَ
الْبَابِ ". قَالَ: فَأَتَاهُ بِقَارُورَةٍ وَاسِعَةِ الرَّأْسِ، وَعُودِ
شَجَرَةٍ. قَالَ: فَجَعَلَ يَسْلُتُ الْعَرَقَ مِنْ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى
امْتَلَأَتِ الْقَارُورَةُ. قَالَ: " فَخُذْهَا، وَمُرِ ابْنَتَكِ أَنْ
تَغْمِسَ هَذَا الْعُودَ فِي الْقَارُورَةِ، وَتَطَّيَّبَ بِهِ ". قَالَ:
فَكَانَتْ إِذَا تَطَيَّبَتْ بِهِ شَمَّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ رَائِحَةَ ذَلِكَ
الطِّيبِ فَسُمُّوا بُيُوتَ الْمُطَيَّبِينَ وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ
الْبَزَّارُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ، ثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
ثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرَّ فِي
طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ وَجَدُوا مِنْهُ رَائِحَةَ الطِّيبِ، وَقَالُوا:
مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الطَّرِيقِ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ فِي " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ
" مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ الْأَبَحِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا مَرَّ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ وُجِدَ مِنْ ذَلِكَ
الطَّرِيقِ رَائِحَةُ الْمِسْكِ، فَيَقُولُونَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الطَّرِيقِ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا
الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَيْضًا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
يُعْرَفُ بِرِيحِ الطِّيبِ. قُلْتُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَيِّبًا، وَرِيحُهُ طَيِّبٌ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ يُحِبُّ
الطِّيبَ أَيْضًا.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ، عَنْ سَلَّامٍ أَبِي
الْمُنْذِرِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ
قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ.
ثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، ثَنَا سَلَّامٌ أَبُو الْمُنْذِرِ
الْقَارِئُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ
أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا
النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ وَهَكَذَا
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عِيسَى
الْقُومَسِيِّ، عَنْ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ سُلَيْمَانَ
أَبِي الْمُنْذِرِ الْقَارِئِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَهُ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ: حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ
ثَلَاثٌ؛ الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ
وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ بِهَذَا، فَإِنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ مِنْ أُمُورِ
الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا هِيَ مَنْ أَهَمِّ شُئُونِ الْآخِرَةِ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
صِفَةُ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ
وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، ثَنَا حَاتِمٌ، عَنِ
الْجُعَيْدِ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ:ذَهَبَتْ بِي
خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَقِعٌ، فَمَسَحَ رَأْسِي، وَدَعَا لِي
بِالْبَرَكَةِ، وَتَوَضَّأَ
فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ
خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ
زِرِّ الْحَجَلَةِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ
عَبَّادٍ، كِلَاهُمَا عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: الْحُجْلَةُ مَنْ
حُجَلِ الْفَرَسِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ:
مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الرِّزُّ، الرَّاءُ قَبْلَ
الزَّايِ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ
يَقُولُ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَمِطَ
مُقَدَّمُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، وَكَانَ إِذَا ادَّهَنَ لَمْ يَتَبَيَّنْ، وَإِذَا
شَعِثَ رَأْسُهُ تَبَيَّنَ، وَكَانَ كَثِيرَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ. فَقَالَ رَجُلٌ:
وَجْهُهُ مِثْلُ السَّيْفِ ؟ قَالَ: لَا، بَلْ كَانَ مِثْلَ الشَّمْسِ
وَالْقَمَرِ، وَكَانَ مُسْتَدِيرًا،
وَرَأَيْتُ الْخَاتَمَ عِنْدَ كَتِفِهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ يُشْبِهُ
جَسَدَهُ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَّنَى، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:رَأَيْتُ خَاتَمًا
فِي ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ بَيْضَةُ
حَمَامٍ.
وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثَنَا حَسَنُ
بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سِمَاكٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ
عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ:تَرَوْنَ
هَذَا الشَّيْخَ ؟ يَعْنِي نَفْسَهُ، كَلَّمْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلْتُ مَعَهُ، وَرَأَيْتُ الْعَلَامَةَ الَّتِي بَيْنَ
كَتِفَيْهِ، وَهِيَ فِي طَرَفِ نُغْضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى، كَأَنَّهُ جُمْعٌ -
يَعْنِي الْكَفَّ الْمُجْتَمِعَ، وَقَالَ بِيَدِهِ فَقَبَضَهَا - عَلَيْهِ
خِيلَانٌ كَهَيْئَةِ الثَّآلِيلِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ وَأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ،
قَالَا: ثَنَا شَرِيكٌ،
عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
سَرْجِسَ قَالَ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَأَكَلْتُ مِنْ طَعَامِهِ، وَشَرِبْتُ مِنْ شَرَابِهِ،
وَرَأَيْتُ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ. قَالَ هَاشِمٌ: فِي نُغْضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى،
كَأَنَّهُ جُمْعٌ فِيهِ خِيلَانٌ سُودٌ، كَأَنَّهَا الثَّآلِيلُ. وَرَوَاهُ عَنْ
غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ،
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَشَكَّ شُعْبَةُ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ فِي نُغْضِ
الْكَتِفِ الْيُمْنَى أَوِ الْيُسْرَى.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَعَلِيِّ بْنِ
مُسْهِرٍ وَعَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلْتُ مَعَهُ خُبْزًا وَلَحْمًا. أَوْ قَالَ: ثَرِيدًا.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، غَفَرَ اللَّهُ لَكَ. قَالَ: " وَلَكَ
". فَقُلْتُ لَهُ: أَسْتَغْفِرُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكُمْ. ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: وَاسْتَغْفِرْ
لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [ مُحَمَّدٍ: 19 ]. قَالَ: ثُمَّ
دُرْتُ خَلْفَهُ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عِنْدَ
نُغْضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى جُمْعًا، عَلَيْهِ خِيلَانٌ كَأَمْثَالٍ الثَّآلِيلِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ:، ثَنَا
مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرِنِي الْخَاتَمَ.
فَقَالَ " أَدْخِلْ يَدَكَ ". فَأَدْخَلْتُ يَدِي فِي جُرُبَّانِهِ،
فَجَعَلْتُ أَلْمِسُ أُنَظُرُ إِلَى الْخَاتَمِ، فَإِذَا هُوَ عَلَى
نُغْضِ كَتِفِهِ مِثْلُ الْبَيْضَةِ،
فَمَا مَنَعَهُ ذَاكَ أَنْ جَعَلَ يَدْعُو لِي وَإِنَّ يَدِي لَفِي جُرُبَّانِهِ
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ
عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِيَادِ بْنِ
لَقِيطٍ السَّدُوسَيِّ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ التَّيْمِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ
أَبِي حَتَّى أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَرَأَيْتُ بِرَأْسِهِ رَدْعَ حِنَّاءٍ، وَرَأَيْتُ عَلَى كَتِفِهِ مِثْلَ
التُّفَّاحَةِ، فَقَالَ أَبِي: إِنِّي طَبِيبٌ أَلَا أَبُطُّهَا لَكَ ؟ قَالَ:
" طَبِيبُهَا الَّذِي خَلَقَهَا " قَالَ: وَقَالَ لِأَبِي: " هَذَا
ابْنُكَ ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " أَمَا إِنَّهُ لَا يَجْنِي
عَلَيْكَ، وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ ".
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ
بْنُ إِيَادٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ أَوْ رِمْثَةَ قَالَ:
انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَنَظَرَ إِلَى مِثْلِ السِّلْعَةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنِّي كَأَطَبِّ الرِّجَالِ أَفَأُعَالِجُهَا لَكَ ؟ قَالَ: " لَا،
طَبِيبُهَا الَّذِي خَلَقَهَا "..
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ: فَإِذَا خَلْفَ كَتِفِهِ مِثْلُ التُّفَّاحَةِ.
وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ: فَإِذَا فِي نُغْضِ
كَتِفِهِ مِثْلُ بَعْرَةِ الْبَعِيرِ
أَوْ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ.
ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سَلَامَةَ
الْعِجْلِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْقَى رِدَاءَهُ وَقَالَ " " يَا
سَلْمَانُ، انْظُرِ إِلَى مَا أُمِرْتَ بِهِ ". قَالَ: فَرَأَيْتُ الْخَاتَمَ
بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ.
وَرَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، عَنِ
التَّنُوخِيِّ الَّذِي بَعَثَهُ هِرَقْلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِتَبُوكَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ
فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَحَلَّ حَبْوَتَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، ثُمَّ
قَالَ:هَهُنَا امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ فَجُلْتُ فِي ظَهْرِهِ، فَإِذَا أَنَا
بِخَاتَمٍ فِي مَوْضِعِ غُضْرُوفِ الْكَتِفِ مِثْلَ الْمِحْجَمَةِ الضَّخْمَةِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْسَرَةَ، ثَنَا عَتَّابٌ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ:
الْخَاتَمُ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَحْمَةٌ نَاتِئَةٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا شُرَيْجٌ، ثَنَا أَبُو لَيْلَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْسَرَةَ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنْ غِيَاثٍ الْبِكْرِيِّ قَالَ:كُنَّا نُجَالِسُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ بِالْمَدِينَةِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَقَالَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ هَكَذَا: لَحْمٌ نَاشِزٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا رَوَاهُ أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " قَائِلًا: أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ الْفَتْحِ بْنِ سَالِمٍ الْمُرَبَّعِيُّ الْعَابِدُ بِسَمَرْقَنْدَ، ثَنَا رَجَاءُ بْنُ مُرَجَّى الْحَافِظُ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَاضِي سَمَرْقَنْدَ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ فِي ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ الْبُنْدُقَةِ مِنْ لَحْمٍ، عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. وَهَذَا حَدِيثٌ سَكَتَ عَلَيْهِ ابْنُ حِبَّانَ، وَقَدْ دَخَلَ عَلَى رَاوِيهِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ الْوَهْمُ، فَإِنَّ الْمَكْتُوبَ عَلَيْهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، هُوَ خَاتَمُهُ الَّذِي كَانَ يَلْبَسُهُ فِي خِنْصَرِهِ مِنَ الْفِضَّةِ، فَأَمَّا خَاتَمُ النُّبُوَّةِ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَلَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ. وَبِمِثْلِ هَذَا التَّفَرُّدِ لَا يُقْبَلُ مِنْ رِوَايَةِ ذَلِكَ حَتَّى يَرْوِيَهُ الثِّقَاتُ؛ إِذْ نَقْلُ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِ مِثْلِهِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ تَفَرُّدُ الرَّاوِي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو
الْخَطَّابِ بْنُ دِحْيَةَ الْمِصْرِيُّ فِي كِتَابِهِ " التَّنْوِيرِ فِي
مَوْلِدِ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ " عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ
عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بِشْرٍ الْمَعْرُوفِ بِالْحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ،
أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الْخَاتَمُ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ بَيْضَةُ حَمَامَةٍ مَكْتُوبٌ فِي
بَاطِنِهَا: اللَّهُ وَحْدَهُ. وَفِي ظَاهِرِهَا: تَوَجَّهْ حَيْثُ شِئْتَ
فَإِنَّكَ مَنْصُورٌ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا غَرِيبٌ. وَاسْتَنْكَرَهُ، قَالَ:
وَقِيلَ: كَانَ مِنْ نُورٍ. ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ
مَالِكِ بْنِ عَائِذٍ فِي كِتَابِهِ " تَنَقُّلِ الْأَنْوَارِ " وَحَكَى
أَقْوَالًا غَرِيبَةً غَيْرَ ذَلِكَ، وَمِنْ أَحْسَنِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ
دِحْيَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ قَبْلَهُ فِي
الْحِكْمَةِ فِي كَوْنِ الْخَاتَمِ كَانَ بَيْنَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَكَ
يَأْتِي مِنْ وَرَائِكَ. قَالَ: وَقِيلَ كَانَ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ. لِأَنَّهُ
يُقَالُ: هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَدْخُلُ الشَّيْطَانُ مِنْهُ إِلَى بَاطِنِ
الْإِنْسَانِ. فَكَانَ هَذَا عِصْمَةً لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ
الشَّيْطَانِ.
قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّهُ لَا نَبِيَّ
بَعْدَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَا رَسُولَ، عِنْدَ تَفْسِيرِ
قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ
رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
[ الْأَحْزَابِ: 40 ].
بَابٌ جَامِعٌ لِأَحَادِيثَ
مُتَفَرِّقَةٍ وَرَدَتْ فِي صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
قَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ
الْقَعْنَبِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى غُفْرَةَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ
مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ، قَالَ:كَانَ عَلِيٌّ إِذَا نَعَتَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ
وَلَا الْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ، وَكَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ
بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ، وَلَا بِالسَّبْطِ، كَانَ جَعْدًا رَجِلًا، وَلَمْ يَكُنْ
بِالْمُطَهَّمِ وَلَا الْمُكَلْثَمِ، وَكَانَ فِي الْوَجْهِ تَدْوِيرٌ، أَبْيَضَ
مُشْرَبًا، أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ، جَلِيلَ الْمُشَاشِ
وَالْكَتَدِ، أَجْرَدَ ذَا مَسْرُبَةٍ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ،
إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي
فِي صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، أَجْوَدَ النَّاسِ كَفًّا، وَأَرْحَبَ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقَ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَوْفَى النَّاسِ ذِمَّةً، وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً، وَأَلْزَمَهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْإِمَامُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ " الْغَرِيبِ "، ثُمَّ رَوَى عَنِ الْكِسَائِيِّ وَالْأَصْمَعِيِّ وَأَبِي عَمْرٍو تَفْسِيرَ غَرِيبِهِ، وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ مِمَّا فِيهِ غَرَابَةٌ أَنَّ الْمُطَهَّمَ هُوَ الْمُمْتَلِئُ الْجِسْمِ، وَالْمُكَلْثَمَ شَدِيدُ تَدْوِيرِ الْوَجْهِ، يَعْنِي لَمْ يَكُنْ بِالسَّمِينِ النَّاهِضِ، وَلَمْ يَكُنْ ضَعِيفًا، بَلْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ وَجْهُهُ فِي غَايَةِ التَّدْوِيرِ بَلْ فِيهِ سُهُولَةٌ، وَهِيَ أَحْلَى عِنْدَ الْعَرَبِ وَمَنْ يَعْرِفُ، وَكَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا حُمْرَةً، وَهِيَ أَحْسَنُ اللَّوْنِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ أَمْهَقَ اللَّوْنِ، وَالْأَدْعَجَ هُوَ شَدِيدُ سَوَادِ الْحَدَقَةِ، وَجَلِيلَ الْمُشَاشِ هُوَ عَظِيمُ رُؤُوسِ الْعِظَامِ مِثْلِ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ، وَالْكَتَدَ الْكَاهِلُ وَمَا يَلِيهِ مِنَ الْجَسَدِ. وَقَوْلُهُ: شَثْنَ الْكَفَّيْنِ. أَيْ: غَلِيظَهُمَا. وَتَقَلَّعَ فِي مِشْيَتِهِ، أَيْ شَدِيدَ الْمِشْيَةِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الشُّكْلَةِ وَالشُّهْلَةِ وَالْفَرْقِ
بَيْنَهُمَا، وَالْأَهْدَبَ طَوِيلُ
أَشْفَارِ الْعَيْنِ، وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ كَانَ شَبْحَ الذِّرَاعَيْنِ
يَعْنِي غَلِيظَهُمَا. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
حَدِيثُ أُمِّ مَعْبَدٍ فِي ذَلِكَ
قَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ فِي الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى
الْمَدِينَةِ حِينَ وَرَدَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَمَوْلَاهُ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ
وَدَلِيلُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطَ الدِّيلِيُّ، فَسَأَلُوهَا هَلْ
عِنْدَهَا لَبَنٌ أَوْ لَحْمٌ يَشْتَرُونَهُ مِنْهَا، فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَهَا
شَيْئًا، وَقَالَتْ: لَوْ كَانَ عِنْدَنَا شَيْءٌ مَا أَعْوَزَكُمُ الْقِرَى. وَكَانُوا
مُمْحِلِينَ، فَنَظَرَ إِلَى شَاةٍ فِي كَسْرِ خَيْمَتِهَا، فَقَالَ: مَا هَذِهِ
الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ ؟ " فَقَالَتْ: خَلَّفَهَا الْجَهْدُ. فَقَالَ:
" أَتَأْذَنِينَ أَنْ أَحْلِبَهَا ؟ " فَقَالَتْ: إِنْ كَانَ بِهَا
حَلَبٌ فَاحْلِبْهَا. فَدَعَا بِالشَّاةِ فَمَسَحَهَا وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ.
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي حَلْبِهِ مِنْهَا مَا كَفَاهُمْ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ
حَلَبَهَا وَتَرَكَ عِنْدَهَا إِنَاءَهَا مَلْأَى، وَكَانَ يُرْبِضُ الرَّهْطَ،
فَلِمَا جَاءَ بَعْلُهَا اسْتَنْكَرَ اللَّبَنَ وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا
يَا أُمَّ مَعْبَدٍ وَلَا حَلُوبَةَ فِي الْبَيْتِ، وَالشَّاءُ عَازِبٌ ؟!
فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ، إِلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ كَانَ
مِنْ حَدِيثِهِ كَيْتَ وَكَيْتَ. فَقَالَ: صِفِيهِ لِي، فَوَاللَّهِ إِنِّي
لَأَرَاهُ صَاحِبَ قُرَيْشٍ الَّذِي تَطْلُبُ. فَقَالَتْ:
رَأَيْتُ رَجُلًا ظَاهِرَ
الْوَضَّاءَةِ، حَسَنَ الْخَلْقِ، مَلِيحَ الْوَجْهِ، لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ،
وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ، قَسِيمٌ وَسِيمٌ، فِي عَيْنَيْهِ دُعْجٌ، وَفِي
أَشْفَارِهِ وَطَفٌ، وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ، أَحْوَرُ، أَكْحَلُ، أَزَجُّ،
أَقْرَنُ، فِي عُنُقِهِ سَطَعٌ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَافَةٌ، إِذَا صَمَتَ
فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ، وَإِذَا تَكَلَّمَ سَمَا، وَعَلَاهُ الْبَهَاءُ، حُلْوُ
الْمَنْطِقِ فَصْلٌ، لَا نَزْرٌ وَلَا هَذْرٌ، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ
يَنْحَدِرْنَ، أَبْهَى النَّاسِ وَأَجْمَلُهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْلَاهُ
وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ؛ رَبْعَةٌ لَا تَشْنَؤُهُ عَيْنٌ مِنْ طُولٍ، وَلَا
تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مَنْ قِصَرٍ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ فَهُوَ أَنْضَرُ
الثَّلَاثَةِ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُهُمْ قَدًّا، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ،
إِنْ قَالَ اسْتَمَعُوا لِقَوْلِهِ، وَإِنَّ أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ،
مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ، لَا عَابِسٌ وَلَا مُفَنَّدٌ. فَقَالَ بَعْلُهَا: هَذَا
وَاللَّهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي تَطْلُبُ، وَلَوْ صَادَفْتُهُ لَالْتَمَسْتُ
أَنْ أَصْحَبَهُ، وَلَأَجْهَدَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا. قَالَ:
وَأَصْبَحَ صَوْتٌ بِمَكَّةَ عَالٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ يَسْمَعُونَهُ،
وَلَا يَرَوْنَ مَنْ يَقُولُهُ وَهُوَ يَقُولُ:
جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ رَفِيقَيْنِ حَلَّا خَيْمَتَيْ
أُمِّ مَعْبَدِ هُمَا نَزَلَا بَالْبِرِّ وَارْتَحَلَا بِهِ
فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ فِيَالَ قُصَيٍّ مَا زَوَى اللَّهُ
عَنْكُمُ
بِهِ مِنْ فِعَالٍ لَا تُجَارَى وَسُؤْدُدِ
سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَاتِهَا
وَإِنَائِهَا
فَإِنَّكُمُ إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ
فَتَحَلَّبَتْ
لَهُ بِصَرِيحٍ ضَرَّةُ الشَّاةِ مُزْبِدِ فَغَادَرَهُ رَهْنًا لَدَيْهَا
لِحَالِبٍ
يَدُرُّ لَهَا فِي مَصْدَرٍ ثُمَّ مَوْرِدِ
وَقَدْ قَدَّمْنَا جَوَابَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ لِهَذَا الشِّعْرِ الْمُبَارَكِ
بِمِثْلِهِ فِي الْحُسْنِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْحَافِظَ الْبَيْهَقِيَّ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ
طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ وَهْبٍ الْمَذْحِجِيِّ قَالَ: ثَنَا الْحُرُّ بْنُ
الصَّيَّاحِ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيِّ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ
كَمَا قَدَّمْنَاهُ بِأَلْفَاظِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ يَعْقُوبُ بْنُ
سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ، وَالْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِهِ "
دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَبَلَغَنِي أَنَّ أَبَا
مَعْبَدٍ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَنَّ أُمَّ مَعْبَدٍ هَاجَرَتْ وَأَسْلَمَتْ.
ثُمَّ إِنَّ الْحَافِظَ الْبَيْهَقِيَّ أَتْبَعَ هَذَا الْحَدِيثَ بِذِكْرِ
غَرِيبِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَوَاشِي فِيمَا سَبَقَ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ
هَاهُنَا نُكَتًا مِنْ ذَلِكَ؛ فَقَوْلُهَا: ظَاهِرَ الْوَضَّاءَةِ. أَيْ ظَاهِرَ
الْجَمَالِ. أَبْلَجَ الْوَجْهِ: أَيْ مَشْرِقَ الْوَجْهِ مُضِيئَهُ. لَمْ
تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ كِبَرُ الْبَطْنِ. وَقَالَ
غَيْرُهُ: كِبَرُ الرَّأْسِ. وَرَدَّ أَبُو عُبَيْدٍ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى: لَمْ
تَعِبْهُ نُحْلَةٌ. يَعْنِي مِنَ النُّحُولِ، وَهُوَ الضَّعْفُ. قُلْتُ: وَهَذَا
هُوَ الَّذِي فَسَّرَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ
الْحَدِيثَ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَلَوْ قِيلَ: إِنَّهُ كِبَرُ الرَّأْسِ. لَكَانَ قَوِيًّا؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِهَا بَعْدَهُ: وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ. وَهُوَ صِغَرُ الرَّأْسِ بِلَا خِلَافٍ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِوَلَدِ النَّعَامَةِ: صَعْلٌ. لِصِغَرِ رَأْسِهِ، وَيُقَالُ لَهُ: الظَّلِيمُ. وَأَمَّا الْبَيْهَقِيُّ فَرَوَاهُ: لَمْ تَعِبْهُ نُحْلَةٌ. يَعْنِي مِنَ الضَّعْفِ كَمَا فَسَّرَهُ، وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صُقْلَةٌ: قَالَ: وَهُوَ الْخَاصِرَةُ، يُرِيدُ أَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ لَيْسَ بِمُنْتَفِخٍ وَلَا نَاحِلٍ. قَالَ: وَيُرْوَى: لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ. وَهُوَ كِبَرُ الْبَطْنِ. وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ. وَهُوَ صِغَرُ الرَّأْسِ. وَأَمَّا الْوَسِيمُ فَهُوَ حَسَنُ الْخَلْقِ، وَكَذَلِكَ الْقَسِيمُ أَيْضًا. وَالدَّعَجُ: شِدَّةُ سَوَادِ الْحَدَقَةِ. وَالْوَطَفُ: طُولُ أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ. وَرَوَاهُ الْقُتَيْبِيُّ: فِي أَشْفَارِهِ عَطَفٌ. وَتَبِعَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَلَا أَعْرِفُ مَا هَذَا. وَهُوَ مَعْذُورٌ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ غَلَطٌ، فَحَارَ فِي تَفْسِيرِهِ، وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ: وَهُوَ بُحَّةٌ يَسِيرَةٌ، وَهِيَ أَحْلَى فِي الصَّوْتِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَادًّا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَبِالصَّحَلِ تُوصَفُ الظِّبَاءُ. قَالَ: وَمَنْ رَوَى: فِي صَوْتِهِ صَهَلٌ. فَقَدْ غَلِطَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْخَيْلِ، وَلَا يَكُونُ فِي الْإِنْسَانِ. قُلْتُ: وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ؛ قَالَ: وَيُرْوَى: صَحَلٌ. وَالصَّوَابُ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا قَوْلُهَا: أَحْوَرُ. فَمُسْتَغْرَبٌ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَبَلٌ يَسِيرٌ فِي الْعَيْنَيْنِ يُزَيِّنُهَا وَلَا يَشِينُهَا كَالْحَوَلِ. وَقَوْلُهَا: أَكْحَلُ. قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ شَاهِدٌ. وَقَوْلُهَا: أَزُجُّ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ الْمُتَقَوِّسُ الْحَاجِبَيْنِ. قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهَا: أَقْرَنُ. فَهُوَ الْتِقَاءُ الْحَاجِبَيْنِ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ. قَالَ: وَلَا يُعْرَفُ هَذَا فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا فِي هَذَا
الْحَدِيثِ. قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ فِي
صِفَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ أَبْلَجُ الْحَاجِبَيْنِ. فِي
عُنُقِهِ سَطَعٌ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَيْ طُولٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: نُورٌ.
قُلْتُ: وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ بَلْ مُتَعَيِّنٌ. وَقَوْلُهَا: إِذَا صَمَتَ
فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ. أَيِ الْهَيْبَةُ عَلَيْهِ فِي حَالِ صَمْتِهِ
وَسُكُوتِهِ. وَإِذَا تَكَلَّمَ سَمَا: أَيْ عَلَا عَلَى النَّاسِ. وَعَلَاهُ
الْبَهَاءُ: أَيْ فِي حَالِ كَلَامِهِ. حُلْوُ الْمَنْطِقِ فَصْلٌ: أَيْ فَصِيحٌ
بَلِيغٌ يَفْصِلُ الْكَلَامَ وَيُبَيِّنُهُ. لَا نَزْرٌ وَلَا هَذْرٌ: أَيْ لَا
قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ. كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ: يَعْنِي الدُّرَّ
مِنْ حُسْنِهِ وَبَلَاغَتِهِ وَفَصَاحَتِهِ وَبَيَانِهِ وَحَلَاوَةِ لِسَانِهِ.
أَبْهَى النَّاسِ وَأَجْمَلُهُ مِنْ بَعِيدٍ وَأَحْلَاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ
قَرِيبٍ: أَيْ هُوَ مَلِيحٌ مِنْ بَعِيدٍ وَمِنْ قَرِيبٍ. وَذَكَرَتْ أَنَّهُ لَا
طَوِيلَ وَلَا قَصِيرَ، بَلْ هُوَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا وَمِنْ هَذَا. وَذَكَرَتْ
أَنَّ أَصْحَابَهُ يُعَظِّمُونَهُ وَيُكْرِّمُونَهُ وَيَخْدِمُونَهُ
وَيُبَادِرُونَ إِلَى طَاعَتِهِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِجَلَالَتِهِ عِنْدَهُمْ
وَعَظْمَتِهِ فِي نُفُوسِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ لَهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِعَابِسٍ:
أَيْ لَيْسَ يَعْبِسُ. وَلَا يُفَنِّدُ أَحَدًا: أَيْ يُهَجِّنُهُ وَيَسْتَقِلُّ
عَقْلَهُ؛ بَلْ جَمِيلُ الْمُعَاشَرَةِ، حَسَنُ الصُّحْبَةِ، صَاحِبُهُ كَرِيمٌ
عَلَيْهِ، وَهُوَ حَبِيبٌ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ فِي " الدَّلَائِلِ ": ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ،
ثَنَا يُوسُفُ - يَعْنِي ابْنَ صُهَيْبٍ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ أَحْسَنَ
الْبَشَرِ قَدَمًا. وَهَذَا مُرْسَلٌ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ أَيْضًا: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانٍ الْأَزْدِيُّ الْوَرَّاقُ، ثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَاذَانَ، عَنْ أُمِّ سَعِدٍ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ:قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَأْتِي الْخَلَاءَ فَلَا نَرَى مِنْكَ شَيْئًا مِنَ الْأَذَى ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوَ مَا عَلِمْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ الْأَرْضَ تَبْتَلِعُ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ ؟ " هَذَا الْحَدِيثُ يُعَدُّ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثُ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ فِي
ذَلِكَ
وَهِنْدٌ هَذَا هُوَ رَبِيبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أُمُّهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَأَبُوهُ أَبُو هَالَةَ، كَمَا قَدَّمْنَا
بَيَانَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ الْحَافِظُ، رَحِمَهُ اللَّهُ:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ الْمِصْرِيُّ وَأَبُو غَسَّانَ
مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ، قَالَا: ثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِجْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِمَكَّةَ، عَنِ ابْنٍ
لِأَبِي هَالَةَ التَّمِيمِيِّ،عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: سَأَلْتُ
خَالِيَ هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ - وَكَانَ وَصَّافًا - عَنْ حِلْيَةِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي
مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخْمًا مُفَخَّمًا، يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ
الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ وَأَقْصَرَ مِنَ
الْمُشَذَّبِ، عَظِيمَ الْهَامَةِ، رَجِلَ الشَّعْرِ، إِذَا تَفَرَّقَتْ
عَقِيصَتُهُ فَرَقَ، وَإِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِذَا
هُوَ وَفَّرَهُ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، وَاسِعَ الْجَبِينِ، أَزَجَّ الْحَوَاجِبِ
سَوَابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ، بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ، أَقْنَى
الْعِرْنِينِ، لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ يَحْسَبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ،
كَثَّ اللِّحْيَةِ، أَدْعَجَ، سَهَلَ الْخَدَّيْنِ، ضَلِيعَ الْفَمِ، أَشْنَبَ،
مُفَلَّجَ الْأَسْنَانِ، دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ،
كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ، مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ - فَهُوَ بَادِنٌ مُتَمَاسِكٌ، سَوَاءُ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ، عَرِيضُ الصَّدْرِ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ، أَنْوَرُ الْمُتَجَرَّدِ، مَوْصُولُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ، عَارِي الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ، أَشَعَرُ الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ، وَأَعَالِي الصَّدْرِ، طَوِيلُ الزَّنْدَيْنِ، رَحْبُ الرَّاحَةِ، سَبْطُ الْقَصَبِ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، سَابِلُ الْأَطْرَافِ، خَمْصَانُ الْأَخَمَصَيْنِ، مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ، إِذَا زَالَ زَالَ قَلْعًا، يَخْطُو تَكَفِّيًا، وَيَمْشِيَ هَوْنًا، ذَرِيعُ الْمِشْيَةِ؛ إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا، خَافِضُ الطَّرْفِ، نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ، يَسُوقُ أَصْحَابَهُ، يَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلَامِ. قُلْتُ: صِفْ لِي مَنْطِقَهُ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ، دَائِمَ الْفِكْرَةِ، لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ، لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَّةٍ، طَوِيلَ السُّكُوتِ يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ، وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ، وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، فَصْلٌ لَا فُضُولٌ وَلَا تَقْصِيرٌ، دَمِثٌ لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا الْمُهِينِ، يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ، لَا يَذُمُّ مِنْهَا شَيْئًا وَلَا يَمْدَحُهُ، وَلَا يَقُومُ لِغَضَبِهِ إِذَا تَعَرَّضَ لِلْحَقِّ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ - وَفِي رِوَايَةٍ: لَا تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا وَمَا كَانَ لَهَا، فَإِذَا تَعَرَّضَ لِلْحَقِّ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ
حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ - لَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا، إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا، وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ يَصِلُ بِهَا يَضْرِبُ بِرَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ إِبْهَامِهِ الْيُسْرَى، وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، وَإِذَا فَرِحَ غَضَّ طَرْفَهُ، جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ، وَيَفْتَرُّ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ. قَالَ الْحَسَنُ: فَكَتَمْتُهَا الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ زَمَانًا، ثُمَّ حَدَّثْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ، فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَمَجْلِسِهِ وَشَكْلِهِ، فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ الْحُسَيْنُ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ؛ جُزْءًا لِلَّهِ، وَجُزْءًا لِأَهْلِهِ، وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ، ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَرَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ لَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا، وَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِأَدَبِهِ، وَقَسْمِهِ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ، فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ وَيُشْغِلُهُمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ وَالْأُمَّةَ مِنْ مَسْأَلَتِهِ عَنْهُمْ وَإِخْبَارِهِمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي، وَيَقُولُ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغِي حَاجَتَهُ؛ فَإِنَّهُ مَنْ بَلَّغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا إِيَّاهُ ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَلِكَ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ زُوَّارًا - وَيُرْوَى: رُوَّادًا. أَيْ طَالِبِينَ مَا عِنْدَهُ - يَفْتَرِقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ - وَفِي رِوَايَةٍ: وَلَا يَتَفَرَّقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوْقٍ - وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً، يَعْنِي فُقَهَاءَ، قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَخْرَجِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَخْزُنُ لِسَانَهُ إِلَّا بِمَا يَعْنِيهِمْ، وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُنَفِّرُهُمْ، وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ، وَيَحْذَرُ النَّاسَ، وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِشْرَهُ وَلَا خُلُقَهُ، يَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ، وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوَهِّيهِ، مُعْتَدِلَ الْأَمْرِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ، لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَمِيلُوا، لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ، لَا يَقْصُرُ عَنِ الْحَقِّ وَلَا يَجُوزُهُ، الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ، أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً. قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ كَيْفَ كَانَ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجْلِسُ وَلَا يَقُومُ إِلَّا عَلَى ذِكْرٍ، وَلَا يُوطِنُ الْأَمَاكِنَ، وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ، يُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ نَصِيبَهُ، لَا يَحْسَبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ، مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ فِي حَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ، وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ، قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ، فَصَارَ لَهُمْ أَبًا، وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً، مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِكَمٍ وَحَيَاءٍ وَصَبْرٍ وَأَمَانَةٍ، لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ، وَلَا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرَمُ، وَلَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ، مُتَعَادِلِينَ يَتَفَاضَلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى، مُتَوَاضِعِينَ يُوَقِّرُونَ فِيهِ الْكَبِيرَ وَيَرْحَمُونَ الصَّغِيرَ، يُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ، وَيَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ. قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ سِيرَتِهِ فِي جُلَسَائِهِ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَائِمَ الْبِشْرِ، سَهْلَ الْخُلُقِ، لَيِّنَ الْجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ
وَلَا فَحَاشٍ وَلَا عَيَّابٍ، وَلَا مَزَّاحٍ، يَتَغَافَلُ عَمَّا لَا يَشْتَهِي، وَلَا يُؤْيِسُ مِنْهُ رَاجِيَهُ، وَلَا يُخَيِّبُ فِيهِ، قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ؛ الْمِرَاءِ، وَالْإِكْثَارِ، وَمَا لَا يَعْنِيهِ، وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلَاثٍ؛ كَانَ لَا يَذُمُّ أَحَدًا وَلَا يُعَيِّرُهُ، وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا يَرْجُو ثَوَابَهُ، إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُؤُوسِهِمُ الطَّيْرُ، فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا، وَلَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ، يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ، وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ يَسْتَحْلِبُونَهُ فِي الْمَنْطِقِ، وَيَقُولُ إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ حَاجَةٍ فَارْفِدُوهُ وَلَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مُكَافِئٍ، وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُوزَ فَيَقْطَعُهُ بِانْتِهَاءٍ أَوْ قِيَامٍ. قَالَ: فَسَأَلْتُهُ كَيْفَ كَانَ سُكُوتُهُ، قَالَ كَانَ سُكُوتُهُ عَلَى أَرْبَعٍ؛ الْحِلْمِ وَالْحَذَرِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّفَكُّرِ. فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَفِي تَسْوِيَتِهِ النَّظَرُ وَالِاسْتِمَاعُ بَيْنَ النَّاسِ، وَأَمَّا تَذَكُّرُهُ - أَوْ قَالَ: تَفَكُّرُهُ - فَفِيمَا يَبْقَى وَيَفْنَى، وَجُمِعَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِلْمُ وَالصَّبْرُ فَكَانَ لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ وَلَا يَسْتَفِزُّهُ، وَجُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعٍ؛ أَخْذِهِ بِالْحُسْنَى، وَالْقِيَامِ لَهُمْ فِيمَا جُمِعَ لَهُمْ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِطُولِهِ الْحَافِظُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ " شَمَائِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، عَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِجْلِيِّ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مَنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ زَوْجِ خَدِيجَةَ، يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سَمَّاهُ غَيْرُهُ يَزِيدَ بْنَ عُمَرَ، عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: سَأَلْتُ خَالِي. فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ حَدِيثُهُ عَنْ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ. وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ " عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ النَّيْسَابُورِيِّ، لَفْظًا وَقِرَاءَةً عَلَيْهِ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْعَقِيقِيُّ صَاحِبُ كِتَابِ " النَّسَبِ " بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَبُو مُحَمَّدٍ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: سَأَلْتُ خَالِيَ هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ. فَذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مُطَوَّلًا، ثُمَّ أَوْرَدَ غَرِيبَهُ. قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي كِتَابِهِ " الْأَطْرَافِ " بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ هَاتَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ: وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ صَالِحٍ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ يَعْقُوبَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ لِهِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ، وَكَانَ وَصَّافًا
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صِفْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَذَكَرَ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ
طَرِيقِ صُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفَرْغَانِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ
عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ
أَبِيهِ، وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ حَدِيثًا
مُطَوَّلًا فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرِيبًا
مِنْ حَدِيثِ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ، وَسَرَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِتَمَامِهِ،
وَفِي أَثْنَائِهِ تَفْسِيرُ مَا فِيهِ مِنَ الْغَرِيبِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ
غُنْيَةٌ عَنْهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الضَّحَّاكِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ
بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنَ الْحَارِثِ
قَالَ: صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الْعَصْرَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَيَالٍ، فَخَرَجَ هُوَ وَعَلِيٌّ يَمْشِيَانِ، فَإِذَا
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ. قَالَ: فَاحْتَمَلَهُ أَبُو
بَكْرٍ عَلَى كَاهِلِهِ وَجَعَلَ يَقُولُ: بِأَبِي شِبْهُ النَّبِيِّ، لَيْسَ
شَبِيهًا بِعَلِيٍّ. وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ مِنْهُمَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا زُهَيْرٌ، ثَنَا
إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُشْبِهُهُ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الرُّوذَبَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ شَوْذَبٍ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَيُّوبَ
الصَّرِيفِينِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى،
عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: الْحَسَنُ أَشْبَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إِلَى الرَّأْسِ، وَالْحُسَيْنُ أَشْبَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ.
بَابُ ذِكْرِ أَخْلَاقِهِ
وَشَمَائِلِهِ الطَّاهِرَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ قَدَّمْنَا طِيبَ أَصْلِهِ وَمَحْتِدِهِ، وَطَهَارَةَ نَسَبِهِ وَمَوْلِدِهِ،
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ [
الْأَنْعَامِ: 124 ].
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بُعِثْتُ مِنْ
خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا، حَتَّى كُنْتُ مِنَ الْقَرْنِ
الَّذِي كُنْتُ فِيهِ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى
قُرَيْشًا مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى بَنِي هَاشِمٍ مِنْ قُرَيْشٍ،
وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ..
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ
رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ وَإِنَّكَ لَعَلَى
خُلُقٍ عَظِيمٍ [ الْقَلَمِ: 1 - 4 ] قَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ أَيْ؛ وَإِنَّكَ لَعَلَى
دِينٍ عَظِيمٍ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ. وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ مَالِكٍ
وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.
وَقَالَ عَطِيَّةُ:
لَعَلَى أَدَبٍ عَظِيمٍ. وَقَدْ ثَبَتَ
فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ
أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ:سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقُلْتُ: أَخْبِرِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ ؟
قُلْتُ بَلَى. فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ
يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ:سُئِلَتْ عَائِشَةُ
عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: كَانَ
خُلُقُهُ الْقُرْآنَ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ،
وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِهِ، وَ ابْنِ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ،
كِلَاهُمَا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ
جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ:حَجَجْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ،
فَسَأَلْتُهَا، عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مَهْمَا أَمَرَهُ بِهِ الْقُرْآنُ امْتَثَلَهُ، وَمَهْمَا
نَهَاهُ عَنْهُ تَرَكَهُ، هَذَا مَعَ مَا جَبَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ
الْأَخْلَاقِ الْجِبِلِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ
أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ وَلَا يَكُونُ عَلَى أَكْمَلَ مِنْهَا، وَشَرَعَ لَهُ
الدِّينَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَمْ يَشْرَعْهُ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ، وَهُوَ مَعَ
ذَلِكَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، فَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ وَلَا نَبِيَّ، فَكَانَ
فِيهِ مِنَ الْحَيَاءِ وَالْكَرَمِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْحِلْمِ وَالصَّفْحِ
وَالرَّحْمَةِ وَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ الْكَامِلَةِ مَا لَا يُحَدُّ وَلَا
يُمْكِنُ وَصْفُهُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ:
ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، ثَنَا
زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ
الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ خُلُقِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ
الْقُرْآنَ؛ يَرْضَى لِرِضَاهُ وَيَسْخَطُ لِسُخْطِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَحْمَدُ
بْنُ سَهْلٍ الْفَقِيهُ بِبُخَارَى، أَنَا قَيْسُ بْنُ أُنَيْفٍ، ثَنَا قُتَيْبَةُ
بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ بَابَنُوسَ قَالَ:قُلْنَا لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ،
كَيْفَ كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟
قَالَتْ: كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْقُرْآنَ. ثُمَّ قَالَتْ: أَتُقْرَأُ سُورَةَ " الْمُؤْمِنِينَ " ؟
اقْرَأْ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى الْعَشْرِ. قَالَتْ: هَكَذَا كَانَ
خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ
النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ
بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [ الْأَعْرَافِ: 199 ] قَالَ: أُمِرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَ الْعَفْوَ مِنْ
أَخْلَاقِ النَّاسِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ تَفَرَّدَ بِهِ
أَحْمَدُ. وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَرَائِطِيُّ فِي كِتَابِهِ،
فَقَالَ:إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ.
وَتَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ
الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا.
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا: قَالَتْمَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ
يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا
انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ
لِلَّهِ بِهَا. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ:مَا ضَرَبَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ لَا عَبْدًا
وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،
وَلَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ
يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ
عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ خَادِمًا لَهُ قَطُّ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا ضَرَبَ
بِيَدِهِ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا خُيِّرَ
بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا كَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ أَيْسَرُهُمَا،
حَتَّى يَكُونَ إِثْمًا، فَإِذَا كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ
الْإِثْمِ، وَلَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ حَتَّى
تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ، فَيَكُونُ هُوَ يَنْتَقِمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيَّ يَقُولُ:سَمِعْتُ عَائِشَةَ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا، وَسَأَلْتُهَا عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا
سَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ
يَعْفُو وَيَصْفَحُ. أَوْ قَالَتْ: يَعْفُو وَيَغْفِرُ. شَكَّ أَبُو دَاوُدَ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا آدَمُ وَعَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَا:
ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، ثَنَا صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ قَالَ:كَانَ أَبُو
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْعَتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ يُقْبِلُ جَمِيعًا وَيُدْبِرُ جَمِيعًا، بِأَبِي
وَأُمِّي لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا، وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا سَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ.
زَادَ آدَمُ: وَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَبْلَهُ، وَلَنْ أَرَى بَعْدَهُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا
عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ
مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ:
إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
الْأَعْمَشِ بِهِ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلَالِ
بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
أَنَّهُ قَالَ:إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْصُوفٌ
فِي التَّوْرَاةِ بِمَا هُوَ مَوْصُوفٌ فِي الْقُرْآنِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ،
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَحِرْزًا
لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ
بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي
بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ
اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا،
وَقُلُوبًا غُلْفًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَكَعْبِ
الْأَحْبَارِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ
الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا يَحْيَى وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ، قَالَا: ثَنَا شُعْبَةُ مِثْلَهُ،وَإِذَا
كَرِهَ شَيْئًا عُرِفَ ذَلِكَ فِي
وَجْهِهِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، ثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلَالِ
بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا وَلَا لَعَّانًا وَلَا فَاحِشًا،
كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمُعَاتَبَةِ: مَا لَهُ تَرِبَتْ جَبِينُهُ ؟
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ فُلَيْحٍ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " - وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ - مِنْ حَدِيثِ
حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ،
وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُالْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ،
فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ
عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ، وَهُوَ يَقُولُ
لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا قَالَ: وَجَدْنَاهُ بَحْرًا أَوْ: إِنَّهُ
لَبَحْرٌ قَالَ: وَكَانَ فَرَسًا يُبَطَّأُ.
ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ
شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ
فَاسْتَعَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي
طَلْحَةَ يُقَالُ لَهُ: مَنْدُوبٌ. فَرَكِبَهُ فَقَالَ: مَا رَأَيْنَا مِنْ
فَزَعٍ، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
كُنَّا إِذَا اشْتَدَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ
السَّبِيعِيُّ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ اتَّقَيْنَا الْمُشْرِكِينَ بِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ بَأْسًا. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَتَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ هَوَازِنَأَنَّهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَمَّا فَرَّ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ يَوْمَئِذٍ ثَبَتَ
وَهُوَ رَاكِبٌ بَغْلَتَهُ، وَهُوَ يُنَوِّهُ بِاسْمِهِ الشَّرِيفِ يَقُولُ: أَنَا
النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ
يَرْكُضُهَا إِلَى نُحُورِ الْأَعْدَاءِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ مَا يَكُونُ مِنْ
الشَّجَاعَةِ الْعَظِيمَةِ وَالتَّوَكُّلِ التَّامِّ، صَلَوَاتُ اللَّهِ
وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ،
عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِي،
فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَنَسًا غُلَامٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ.
قَالَ: فَخَدَمْتُهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ
صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا ؟ وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ: لِمَ
لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا ؟
وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ،عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَدَمْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ سِنِينَ، فَمَا
أَعْلَمُهُ قَالَ لِي قَطُّ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا ؟ وَلَا عَابَ عَلَيَّ
شَيْئًا قَطُّ.
وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ
عَمَّارٍ، عَنْ إِسْحَاقَ، قَالَ أَنَسٌ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ
فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَذْهَبُ. وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي
بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجْتُ حَتَّى
أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي.
قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: يَا أُنَيْسُ، ذَهَبْتَ
حَيْثُ أَمَرْتُكَ ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ
أَنَسٌ: وَاللَّهِ لَقَدْ خَدَمْتُهُ تِسْعَ سِنِينَ، مَا عَلِمْتُهُ قَالَ
لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا ؟ أَوْ لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ:
هَلَّا فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، ثَنَا جَعْفَرٌ، ثَنَا
عِمْرَانُ الْقَصِيرُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا أَمَرَنِي بِأَمْرٍ
فَتَوَانَيْتُ عَنْهُ أَوْ ضَيَّعْتُهُ فَلَامَنِي، وَإِنْ لَامَنِي أَحَدٌ مِنْ
أَهْلِهِ إِلَّا قَالَ دَعُوهُ فَلَوْ قُدِّرَ - أَوْ قَالَ: قَضَى - أَنْ يَكُونَ
كَانَ ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ جَعْفَرٍ هُوَ
ابْنُ بُرْقَانَ، عَنْ عِمْرَانَ الْبَصَرِيِّ، وَهُوَ الْقَصِيرُ، عَنْ أَنَسٍ،
فَذَكَرَهُ، تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا أَبُو
الْتَّيَّاحِ، ثَنَا أَنَسٌ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو
عُمَيْرٍ. قَالَ: أَحْسَبُهُ قَالَ فَطِيمًا. قَالَ: فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُ قَالَ:
أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ
النُّغَيْرُ ؟ قَالَ: نُغَرٌ كَانَ يُلْعَبُ بِهِ. قَالَ فَرُبَّمَا تَحْضُرُ
الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ
فَيُكْنَسُ، ثُمَّ يُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَقُومُ خَلْفَهُ يُصَلِّي بِنَا. قَالَ: وَكَانَ
بِسَاطُهُمْ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا
دَاوُدَ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي الْتَّيَّاحِ يَزِيدَ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ
أَنَسٍ بِنَحْوِهِ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ
أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ فَيُدَارِسُهُ
الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ
بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ، ثَنَا سَلْمٌ الْعَلَوِيُّ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى رَجُلٍ صُفْرَةً - أَوْ
قَالَ: أَثَرَ صُفْرَةٍ - فَكَرِهَهَا. قَالَ: فَلَمَّا قَامَ قَالَ: لَوْ
أَمَرْتُمْ هَذَا أَنْ يَغْسِلَ عَنْهُ هَذِهِ الصُّفْرَةَ قَالَ: وَكَانَ لَا
يَكَادُ يُوَاجِهُ أَحَدًا فِي وَجْهِهِ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ. وَقَدْ رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ "، وَالنَّسَائِيُّ
فِي " الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ " مِنْ
حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ
سَلْمِ بْنِ قَيْسٍ الْعَلَوِيِّ الْبَصْرِيِّ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلَيْسَ
مِنْ وَلَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ يُبْصِرُ فِي النُّجُومِ، وَقَدْ
شَهِدَ عِنْدَ عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، فَلَمْ يُجِزْ
شَهَادَتَهُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا عَبْدُ
الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ،
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِذَا بَلَغَهُ عَنْ رَجُلٍ شَيْءٌ لَمْ يَقُلْ: مَا بَالُ فُلَانٍ يَقُولُ.
وَلَكِنْ يَقُولُ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا؛ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ
أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ.
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ،
فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ جَبْذًا شَدِيدًا، حَتَّى
نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَإِذَا قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ
جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي
عِنْدَكَ. قَالَ: فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ
لَهُ بِعَطَاءٍ. أَخْرَجَاهُ مِنْ
حَدِيثِ مَالِكٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، أَخْبَرَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ هِلَالٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
هُرَيْرَةَ يَقُولُ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا قَامَ قُمْنَا مَعَهُ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ
فَقَالَ: أَعْطِنِي يَا مُحَمَّدُ. فَقَالَ: " لَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ
". فَجَذَبَهُ بِحُجْزَتِهِ فَخَدَشَهُ. قَالَ: فَهَمُّوا بِهِ. فَقَالَ: "
دَعُوهُ ". قَالَ: ثُمَّ أَعْطَاهُ. قَالَ: وَكَانَتْ يَمِينُهُ: " لَا،
وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ". وَقَدْ رَوَى أَصْلَ هَذَا الْحَدِيثِ أَبُو
دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
هِلَالِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ الْمَدَنِيِّ مَوْلَى بَنِي كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ
شَيْبَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَرْقَمَ قَالَ:كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَدْخُلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَأْتَمِنُهُ، وَأَنَّهُ عَقَدَ لَهُ
عُقَدًا فَأَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ، فَصَرَعَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ مَلِكَانِ يَعُودَانِهِ، فَأَخْبَرَاهُ أَنَّ
فُلَانًا عَقَدَ لَهُ عُقَدًا، وَهِيَ فِي بِئْرِ بَنِي فُلَانٍ، وَلَقَدِ
اصْفَرَّ الْمَاءُ مِنْ شِدَّةِ عُقَدِهِ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَخْرَجَ
الْعُقَدَ، فَوَجَدَ الْمَاءَ قَدِ
اصْفَرَّ، فَحَلَّ الْعُقَدَ، وَنَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجُلَ بَعْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُهُ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ
طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنْ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ،
وَقَالَ: فَلَمْ يُعَاتِبْهُ. قُلْتُ: وَالْمَشْهُورُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ
لَبِيدَ بْنَ الْأَعْصَمِ الْيَهُودِيَّ هُوَ الَّذِي سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ فِي جُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ
تَحْتَ رَعُوفَةِ بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ، وَأَنَّ الْحَالَ اسْتَمَرَّ نَحْوًا مِنْ
سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ سُورَتَيِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ،
وَيُقَالُ إِنَّ آيَاتِهِمَا إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً، وَإِنَّ عُقَدَ ذَلِكَ
الَّذِي سُحِرَ فِيهِ كَانَ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً. وَقَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ
فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا عِمْرَانُ بْنُ
زَيْدٍ أَبُو يَحْيَى الْمُلَائِيُّ، ثَنَا زَيْدٌ الْعَمِّيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
صَافَحَ أَوْ صَافَحَهُ الرَّجُلُ لَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ
الرَّجُلُ يَنْزِعُ يَدَهُ، وَإِنِ اسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهٍ لَا يَصْرِفُهُ عَنْهُ
حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ يَنْصَرِفُ عَنْهُ، وَلَمْ يُرَ
مُقَدِّمًا رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ
جَلِيسٍ لَهُ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ
بْنِ زَيْدٍ التَّغْلِبِيِّ أَبِي يَحْيَى الطَّوِيلِ الْكُوفِيِّ، عَنْ زَيْدِ
بْنِ الْحِوَارِيِّ الْعَمِّيِّ، عَنْ أَنَسٍ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، ثَنَا أَبُو قَطَنٍ، ثَنَا
مُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ:مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ الْتَقَمَ أُذُنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُنَحِّي رَأْسَهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي
يُنَحِّي رَأْسَهُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ رَجُلٌ فَتَرَكَ يَدَهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ
الَّذِي يَدَعُ يَدَهُ. تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَحَجَّاجٌ
قَالَا: ثَنَا شُعْبَةُ - قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ فِي حَدِيثِهِ: قَالَ - سَمِعْتُ
عَلِيَّ بْنَ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍإِنْ كَانَتْ الْوَلِيدَةُ
مِنْ وَلَائِدِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَجِيءُ فَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهَا حَتَّى
تَذْهَبَ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا هُشَيْمٌ، ثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ قَالَ:إِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ فِي
حَاجَتِهَا.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي
كِتَابِ الْأَدَبِ مِنْ " صَحِيحِهِ " مُعَلَّقًا، فَقَالَ: وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى - هُوَ ابْنُ الطَّبَّاعِ -: ثَنَا هُشَيْمٌ. فَذَكَرَهُ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، ثَنَا يَحْيَى
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَابْلُتِّيُّ، ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ نُهَيْكٍ، سَمِعْتُ
عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ،سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتَى صَاحِبَ بَزٍّ، فَاشْتَرَى مِنْهُ قَمِيصًا
بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، فَخَرَجَ وَهُوَ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَجُلٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْسُنِي قَمِيصًا، كَسَاكَ اللَّهُ
مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ. فَنَزَعَ الْقَمِيصَ فَكَسَاهُ إِيَّاهُ ثُمَّ رَجَعَ
إِلَى صَاحِبِ الْحَانُوتِ، فَاشْتَرَى مِنْهُ قَمِيصًا بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ،
وَبَقِيَ مَعَهُ دِرْهَمَانِ فَإِذَا هُوَ بِجَارِيَةٍ فِي الطَّرِيقِ تَبْكِي
فَقَالَ: " مَا يُبْكِيكِ ؟ " فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَفَعَ
إِلَيَّ أَهْلِي دِرْهَمَيْنِ أَشْتَرِيَ بِهِمَا دَقِيقًا فَهَلَكَا. فَدَفَعَ
إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدِّرْهَمَيْنِ
الْبَاقِيَيْنِ، ثُمَّ انْقَلَبَتْ وَهِيَ تَبْكِي، فَدَعَاهَا فَقَالَ " مَا
يُبْكِيكِ وَقَدْ أَخَذْتِ الدِّرْهَمَيْنِ ؟ " فَقَالَتْ: أَخَافَ أَنْ يَضْرِبُونِي.
فَمَشَى مَعَهَا إِلَى أَهْلِهَا، فَسَلَّمَ، فَعَرَفُوا صَوْتَهُ، ثُمَّ عَادَ
فَسَلَّمَ، ثُمَّ عَادَ فَسَلَّمَ، ثُمَّ عَادَ فَثَلَّثَ فَرَدُّوا، فَقَالَ:
" أَسَمِعْتُمْ أَوَّلَ السَّلَامِ ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، وَلَكِنْ
أَحْبَبْنَا أَنْ تَزِيدَنَا مِنَ السَّلَامِ، فَمَا أَشْخَصَكَ بِأَبِينَا
وَأُمِّنَا ؟ فَقَالَ: " أَشْفَقَتْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ أَنْ تَضْرِبُوهَا
". فَقَالَ صَاحِبُهَا: فَهِيَ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ؛ لِمَمْشَاكَ
مَعَهَا. فَبَشَّرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْخَيْرِ وَالْجَنَّةِ، ثُمَّ قَالَ: " لَقَدْ بَارَكَ اللَّهُ فِي
الْعَشَرَةِ؛ كَسَا اللَّهُ نَبِيَّهُ قَمِيصًا، وَرَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ
قَمِيصًا،
وَأَعْتَقَ اللَّهُ مِنْهَا رَقَبَةً،
وَأَحْمَدُ اللَّهَ هُوَ الَّذِي رَزَقَنَا هَذَا بِقُدْرَتِهِ " هَكَذَا
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِي إِسْنَادِهِ أَيُّوبُ بْنُ نَهِيكَ الْحَلَبِيُّ،
وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: مَتْرُوكٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ
أَنَسٍ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّ لِي حَاجَةً. فَقَالَ: " يَا أَمَّ فَلَانٍ انْظُرِي أَيَّ
الطُّرُقِ شِئْتِ ؟ " فَقَامَ مَعَهَا يُنَاجِيهَا حَتَّى قَضَتْ حَاجَتَهَا
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي
حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:مَا عَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِلَّا تَرَكَهُ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ نُبَيْحٍ الْعَنْزِيِّ،
عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي مَنْزِلِنَا فَذَبَحْنَا لَهُ شَاةً فَقَالَ: كَأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّا
نُحِبُّ اللَّحْمَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عُمَرَ
بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، عَنْ
أَبِيهِ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
جَلَسَ
يَتَحَدَّثُ، كَثِيرًا مَا يَرْفَعُ
طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ
الْأَدَبِ مِنْ " سُنَنِهِ " مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ
بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ
رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
إِذَا جَلَسَ احْتَبَى بِيَدِهِ. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي " مَسْنَدِهِ
"، وَلَفْظِهِ: كَانَ إِذَا جَلَسَ نَصَبَ رُكْبَتَيْهِ وَاحْتَبَى
بِيَدَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ
قَالَا: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَّانَ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَتْنِي
جَدَّتَايَ صَفِيَّةُ وَدُحَيْبَةُ ابْنَتَا عُلَيْبَةَ - قَالَ مُوسَى: ابْنَةُ
حَرْمَلَةَ. وَكَانَتَا رَبِيبَتَيْ قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ، وَكَانَتْ
جَدَّةَ أَبِيهِمَا - أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُمَاأَنَّهَا رَأَتْ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَاعِدٌ الْقُرْفُصَاءَ. قَالَتْ:
فَلَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمُتَخَشِّعَ فِي الْجَلْسَةِ أُرْعِدْتُ مِنَ الْفَرَقِ. وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ "، وَفِي " الْجَامِعِ "،
عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ حَسَّانَ بِهِ. وَهُوَ قِطْعَةٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَدْ سَاقَهُ
الطَّبَرَانِيُّ بِتَمَامِهِ فِي " مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ ".
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ،
عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لَأَحْصَاهُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:أَلَا
أَعْجَبَكَ أَبُو فُلَانٍ، جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْمِعُنِي ذَلِكَ، وَكُنْتُ
أُسَبِّحُ، فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ
لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ. وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ إِسْحَاقَ، وَمُسْلِمٍ عَنْ حَرْمَلَةَ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ
يَزِيدَ بِهِ، وَفِي رِوَايَتِهِمْ: أَلَا أَعْجَبَكَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
أُسَامَةَ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:كَانَ
كَلَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصْلًا يَفْهَمُهُ كُلُّ
أَحَدٍ
لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُهُ سَرْدًا.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ،
ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مِسْعَرٍ، حَدَّثَنِي شَيْخٌ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ
بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - أَوِ ابْنَ عُمَرَ - يَقُولُ:كَانَ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْتِيلٌ أَوْ تَرْسِيلٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ رَدَّدَهَا
ثَلَاثًا، وَإِذَا أَتَى قَوْمًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ ثَلَاثًا.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، ثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى، سَمِعْتُ ثُمَامَةَ بْنَ أَنَسٍ يَذْكُرُأَنَّ أَنَسًا
كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ ثَلَاثًا، وَيَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ ثَلَاثًا، وَكَانَ
يَسْتَأْذِنُ ثَلَاثًا.
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعِيدُ الْكَلِمَةَ ثَلَاثًا؛
لِتُعْقَلَ عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ
صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
وَفِي " الصَّحِيحِ " أَنَّهُ قَالَ: أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ
وَاخْتُصِرَتْ لِيَ الْحِكَمُ اخْتِصَارًا.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، حَدَّثَنِي
عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ،
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ،
وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُوتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ
فِي يَدِي وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُوتِيتُ
جَوَامِعَ الْكَلَامِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُوتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ
الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ،
وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ
أُوتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ
فَتُلَّتْ فِي يَدِي. تَفَرَّدَ بِهِ
أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:مَا رَأَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى
مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثَنَا قُتَيْبَةُ:، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ
قَالَ:مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ
أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ قَالَ: مَا كَانَ
ضَحِكُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا تَبَسُّمَا.
ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، ثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ
سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ:أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَثِيرًا، كَانَ لَا
يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ
الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي
أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا شَرِيكٌ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ
سِمَاكِ بْنِ
حَرْبٍ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ
سَمُرَةَ:أَكُنْتَ تُجَالِسُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟
قَالَ: نَعَمْ، كَانَ كَثِيرَ الصَّمْتِ، قَلِيلَ الضَّحِكِ، فَكَانَ أَصْحَابُهُ
رُبَّمَا يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ عِنْدَهُ، وَرُبَّمَا قَالُوا الشَّيْءَ مِنْ
أُمُورِهِمْ فَيَضْحَكُونَ، وَرُبَّمَا تَبَسَّمَ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْحَافِظُ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنَا أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ
أَبِي الْوَلِيدِ، أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ خَارِجَةَ أَخْبَرَهُعَنْ خَارِجَةَ
بْنِ زَيْدٍ، يَعْنِي ابْنَ ثَابِتٍ، أَنَّ نَفَرًا دَخَلُوا عَلَى أَبِيهِ،
فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنْ بَعْضِ أَخْلَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: كُنْتُ جَارَهُ فَكَانَ إِذَا نَزَلَ الْوَحْيُ
بَعَثَ إِلَيَّ فَآتِيهِ فَأَكْتُبُ الْوَحْيَ، وَكُنَّا إِذَا ذَكَرْنَا
الدُّنْيَا ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الْآخِرَةَ ذَكَرَهَا مَعَنَا،
وَإِذَا ذَكَرْنَا الطَّعَامَ ذَكَرَهُ مَعَنَا، فَكُلُّ هَذَا نُحَدِّثُكُمْ
عَنْهُ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ " عَنْ عَبَّاسٍ
الدُّورِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ
الْمُقْرِئِ بِهِ نَحْوَهُ.
ذِكْرُ كَرَمِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تَقَدَّمَ مَا أَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ طَرِيقِ
الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ
النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ
جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.
وَهَذَا التَّشْبِيهُ فِي غَايَةِ مَا يَكُونُ مِنَ الْبَلَاغَةِ فِي تَشْبِيهِهِ
الْكَرَمَ بِالرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ فِي عُمُومِهَا وَتَوَاتُرِهَا وَعَدَمِ
انْقِطَاعِهَا.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ
الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ:مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ: لَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ،
عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسْأَلْ شَيْئًا عَلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا أَعْطَاهُ.
قَالَ: فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ فَأَمَرَ لَهُ بِشَاءٍ كَثِيرٍ بَيْنَ
جَبَلَيْنِ مِنْ شَاءِ الصَّدَقَةِ. قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا
قَوْمِ، أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً، مَا يَخْشَى الْفَاقَةَ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ النَّضْرِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ
حُمَيْدٍ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادٌ، ثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ، أَسْلِمُوا؛ فَوَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لَا يَخَافُ الْفَاقَةَ. فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَجِيءُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا. فَمَا يُمْسِي حَتَّى يَكُونَ دِينُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ أَوْ أَعَزَّ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ. وَهَذَا الْعَطَاءُ؛ لِيُؤَلِّفَ بِهِ قُلُوبَ ضَعِيفِي الْقُلُوبِ فِي الْإِسْلَامِ، وَيَتَأَلَّفَ آخَرِينَ لِيَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ، كَمَا فَعَلَ يَوْمَ حَنِينٍ حِينَ قَسَّمَ تِلْكَ الْأَمْوَالَ الْجَزِيلَةَ مِنَ الْإِبِلِ وَالشَّاءِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ وَجُمْهُورَ الْمُهَاجِرِينَ شَيْئًا، بَلْ أَنْفَقَ فِيمَنْ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَتَأَلَّفَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَتَرَكَ أُولَئِكَ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْغِنَى وَالْخَيْرِ، وَقَالَ مُسَلِّيًا لِمَنْ سَأَلَ عَنْ وَجْهِ الْحِكْمَةِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ؛ لِمَنْ عَتَبَ مِنْ جَمَاعَةِ الْأَنْصَارِ: أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاءِ وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ تَحُوزُونَهُ إِلَى رِحَالِكُمْ ؟ قَالُوا: رَضِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. وَهَكَذَا أَعْطَى عَمَّهُ الْعَبَّاسَ بَعْدَمَا أَسْلَمَ حِينَ جَاءَهُ ذَلِكَ الْمَالُ مِنِ الْبَحْرَيْنِ فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَجَاءَ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِنِي فَقَدَ فَادَيْتُ نَفْسِي يَوْمَ بَدْرٍ وَفَادَيْتُ عَقِيلًا. فَقَالَ: " خُذْ ". فَنَزَعَ ثَوْبَهُ عَنْهُ، وَجَعَلَ يَضَعُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ، ثُمَّ قَامَ لِيُقِلَّهُ، فَلَمْ يَقْدِرْ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ارْفَعْهُ عَلَيَّ قَالَ: " لَا أَفْعَلُ ". فَقَالَ: مُرْ بَعْضَهُمْ
لِيَرْفَعَهُ عَلَيَّ. فَقَالَ: " لَا " فَوَضَعَ مِنْهُ شَيْئًا. ثُمَّ
عَادَ، فَلَمْ يَقْدِرْ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَرْفَعَهُ أَوْ أَنْ يَأْمُرَ
بَعْضَهُمْ يَرْفَعُهُ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَوَضَعَ مِنْهُ، ثُمَّ احْتَمَلَ
الْبَاقِيَ، وَخَرَجَ بِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ. قُلْتُ: وَقَدْ
كَانَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلًا شَدِيدًا طَوِيلًا نَبِيلًا،
فَأَقَلُّ مَا احْتَمَلَ شَيْءٌ يُقَارِبُ أَرْبَعِينَ أَلْفًا. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " فِي مَوَاضِعَ
مُعَلِّقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ، وَهَذَا يُورَدُ فِي مَنَاقِبِ الْعَبَّاسِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ
الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا
مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [
الْأَنْفَالِ: 70 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ خَادِمِهِ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ. الْحَدِيثَ. وَكَيْفَ
لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمَجْبُولُ عَلَى أَكْمَلِ الصِّفَاتِ، الْوَاثِقُ بِمَا فِي يَدَيِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ، الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالِي عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ
كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْآيَةَ ؟! [ الْحَدِيدِ: 10 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ
خَيْرُ الرَّازِقِينَ [ سَبَأٍ: 39 ].
وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْقَائِلُ لِمُؤَذِّنِهِ بِلَالٍ،
وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ فِي
الْوَعْدِ وَالْمَقَالِ:أَنْفِقْ يَا
بِلَالُ، وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا.
وَهُوَ الْقَائِلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ
الْعَبَّادُ فِيهِ إِلَّا وَمَلَكَانِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ
مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ:لَا تُوعِي فَيُوعِيَ
اللَّهُ عَلَيْكِ، وَلَا تُوكِي فَيُوكِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَفِي "
الصَّحِيحِ " أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: يَقُولُ
اللَّهُ تَعَالَى: ابْنَ آدَمَ، أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْرَمَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَهُوَ
الْمُتَوَكِّلُ الَّذِي لَا أَعْظَمَ مِنْهُ فِي تَوَكُّلِهِ، الْوَاثِقُ بِرِزْقِ
اللَّهِ وَنَصْرِهِ الْمُسْتَعِينُ بِرَبِّهِ فِي جَمِيعِ أَمْرِهِ ؟! ثُمَّ قَدْ
كَانَ قَبْلَ بِعْثَتِهِ وَبَعْدَهَا وَقَبْلَ هِجْرَتِهِ، مَلْجَأَ الْفُقَرَاءِ
وَالْأَرَامِلِ، وَالْأَيْتَامِ وَالضُّعَفَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، كَمَا قَالَ
عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْقَصِيدَةِ الْمَشْهُورَةِ:
وَمَا تَرْكُ قَوْمٍ - لَا أَبَالَكَ -
سَيِّدًا يَحُوطُ الذِّمَارَ غَيْرَ ذَرْبِ مُوَاكِلِ وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ
بِوَجْهِهِ
ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ يَلُوذُ بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ
هَاشِمٍ
فَهُمْ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ
وَمِنْ تَوَاضُعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ
- زَادَ النَّسَائِيُّ: وَحُمَيْدٌ - عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا،
وَخَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا بِقَوْلِكُمْ، وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ
الشَّيْطَانُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ،
وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَا رَفَعَنِيَ اللَّهُ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ
النَّصَارَى عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ
اللَّهِ وَرَسُولُهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِي
الْحَكَمُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ قَالَ:قُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ ؟
قَالَتْ:
كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا
حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ.
وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ قَالَ:قُلْتُ لِعَائِشَةَ:
مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ إِذَا دَخَلَ
بَيْتَهُ ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتِ
الصَّلَاةُ خَرَجَ فَصَلَّى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ،
عَنْ رَجُلٍ قَالَ:سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ: كَانَ يُرَقِّعُ الثَّوْبَ،
وَيَخْصِفُ النَّعْلَ. أَوْ نَحْوَ هَذَا. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ. وَقَدْ قَالَ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ
الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ
قَالَ:سَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ
ثَوْبَهُ، وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ.
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فَاتَّصَلَ الْإِسْنَادُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ إِمْلَاءً، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا
أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ
بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ قَالَتْ:قُلْتُ
لِعَائِشَةَ: مَا كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ، يُفَلِّي ثَوْبَهُ، وَيَحْلِبُ شَاتَهُ،
وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ "
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ قَالَتْ:
قِيلَ لِعَائِشَةَ: مَا كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ ؟ الْحَدِيثَ.
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ
مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ قَالَتْ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: كَيْفَ
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِهِ ؟ قَالَتْ:
كَانَ أَلْيَنَ النَّاسِ، وَأَكْرَمَ النَّاسِ، وَكَانَ ضَحَّاكًا بَسَّامًا.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي مُسْلِمٌ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْوَرُ، سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ،
وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيَلْبَسُ الصُّوفَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ،
وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَلَى حِمَارٍ خِطَامُهُ مِنْ لِيفٍ. وَفِي
التِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ كَيْسَانَ
الْمُلَائِيِّ، عَنْ أَنَسٍ بَعْضُ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَا أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، ثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ
الْآدَمِيُّ الْقَارِئُ بِبَغْدَادَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ
الْخُزَاعِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقَدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ عُقَيْلٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي
أَوْفَى يَقُولُ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ، وَيُقَصِّرُ
الْخُطْبَةَ، وَلَا يَسْتَنْكِفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْعَبْدِ، وَلَا مَعَ
الْأَرْمَلَةِ، حَتَّى يَفْرُغَ لَهُمْ مِنْ حَاجَاتِهِمْ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ
مُوسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ الْخُزَاعِيِّ
الْبَصْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو
بَكْرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْفَقِيهُ بِالرَّيِّ،
ثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ الْأَزْرَقُ، ثَنَا هَاشِمُ بْنُ
الْقَاسِمِ، ثَنَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ،
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيَلْبَسُ الصُّوفَ،
وَيَعْتَقِلُ الشَّاةَ، وَيَأْتِي مُرَاعَاةَ الضَّيْفِ. وَهَذَا غَرِيبٌ مِنْ
هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ
الزَّمْعِيِّ، عَنْ سَهْلٍ مَوْلَى غُنَيْمَةَ، أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا مِنْ
أَهْلِ مَرِيسٍ، وَأَنَّهُ كَانَ فِي حِجْرِ عَمِّهِ، أَوْ أُمِّهِ قَالَ:
قَرَأْتُ يَوْمًا فِي مُصْحَفٍ لِعَمِّي فَإِذَا فِيهِ وَرَقَةٌ بِغَيْرِ
الْخَطِّ، وَإِذَا فِيهَا نَعْتُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛
لَا قَصِيرٌ، وَلَا طَوِيلٌ، أَبْيَضُ ذُو ضَفِيرَتَيْنِ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ
خَاتَمٌ، يُكْثِرُ الِاحْتِبَاءَ، وَلَا يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ، وَيَرْكَبُ
الْحِمَارَ وَالْبَعِيرَ، وَيَحْتَلِبُ الشَّاةَ، وَيَلْبَسُ قَمِيصًا مَرْقُوعًا،
وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الْكِبْرِ، وَهُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ
إِسْمَاعِيلَ، اسْمُهُ أَحْمَدُ. قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ عَمِّي وَرَآنِي قَدْ
قَرَأْتُهَا ضَرَبَنِي، وَقَالَ: مَا لَكَ وَفَتْحَ هَذِهِ ؟ فَقُلْتُ: إِنَّ
فِيهَا نَعْتَ أَحْمَدَ. فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عَمْرِو
بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ
أَنَسٍ قَالَ:مَا رَأَيْتُ أَحَدًا
كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ،
عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ بِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ ": ثَنَا مَحْمُودُ بْنُ
غَيْلَانَ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ
قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّتِي تُحَدِّثُ عَنْ عَمِّهَا قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي
بِالْمَدِينَةِ إِذَا إِنْسَانٌ خَلْفِي يَقُولُ " ارْفَعْ إِزَارَكَ
فَإِنَّهُ أَتْقَى وَأَبْقَى ". فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا هِيَ بُرْدَةٌ
مَلْحَاءُ. قَالَ: " أَمَا لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ ؟ " فَنَظَرْتُ، فَإِذَا
إِزَارُهُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ: ثَنَا سُوِيدُ بْنُ نَصْرٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ،
عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ
قَالَ:كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَأْتَزِرُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، قَالَ:
وَقَالَ: هَكَذَا كَانَتْ إِزْرَةُ صَاحِبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَيْضًا: ثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا الرَّبِيعُ
بْنُ صَبِيحٍ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ الْقِنَاعَ، كَأَنَّ
ثَوْبَهُ ثَوْبُ زَيَّاتٍ. وَهَذَا فِيهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ يَلْعَبُونَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ شُعْبَةَ.
ذِكْرُ مِزَاحِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ
قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَفْكَهِ النَّاسِ مَعَ صَبِيٍّ. وَقَدْ
تَقَدَّمَ حَدِيثُهُ فِي مُلَاعَبَتِهِ أَخَاهُ أَبَا عُمَيْرٍ، وَقَوْلُهُ: أَبَا
عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ؟ يُذَكِّرُهُ بِمَوْتِ نُغَرٍ كَانَ يَلْعَبُ
بِهِ؛ لِيُخْرِجَهُ بِذَلِكَ، كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ النَّاسِ مِنَ
الْمُدَاعَبَةِ مَعَ الْأَطْفَالِ الصِّغَارِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، ثَنَا خَالِدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ
رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَحْمَلَهُ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّا
حَامِلُوكَ عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا
أَصْنَعُ بِوَلَدِ نَاقَةٍ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " وَهَلْ تَلِدُ الْإِبِلَ إِلَّا النُّوقُ! ". وَرَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ عَنْ وَهْبِ بْنِ بَقِيَّةَ، وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ قُتَيْبَةَ،
كِلَاهُمَا عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيِّ الطَّحَّانِ بِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي هَذَا
الْبَابِ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا
يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْعَيْزَارِ بْنِ
حُرَيْثٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ
عَالِيًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا
دَخَلَ تَنَاوَلَهَا لِيَلْطِمَهَا، وَقَالَ: أَلَا أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَجَعَلَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْجِزُهُ، وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُغْضَبًا،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ أَبُو
بَكْرٍ: " كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ ؟ " فَمَكَثَ
أَبُو بَكْرٍ أَيَّامًا، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَهُمَا قَدِ اصْطَلَحَا، فَقَالَ لَهُمَا: أَدْخِلَانِي
فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَدْ فَعَلْنَا قَدْ فَعَلْنَا ".
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ، ثَنَا الْوَلِيدُ
بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ
اللَّهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ
الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مَنْ أَدَمٍ، فَسَلَّمْتُ
فَرَدَّ وَقَالَ: " ادْخُلْ ". فَقُلْتُ: أَكُلِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ
؟ فَقَالَ: " كُلُّكَ ". فَدَخَلْتُ..
وَحَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ،
ثَنَا الْوَلِيدُ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاتِكَةِ، إِنَّمَا قَالَ:
أَدْخُلُ كُلِّي ؟ مِنْ صِغَرِ الْقُبَّةِ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثَنَا شَرِيكٌ،
عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا ذَا الْأُذُنَيْنِ.
قُلْتُ: وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ:، ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ رَجُلًا مِنْ
أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ اسْمُهُ زَاهِرًا، وَكَانَ يُهْدِي لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدِيَّةَ مِنَ الْبَادِيَةِ، فَيُجَهِّزُهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ زَاهِرًا
بَادِيَتُنَا، وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ ". وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُ، وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا، فَأَتَاهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَهُوَ يَبِيعُ
مَتَاعَهُ فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ لَا يُبْصِرُهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ:
أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا ؟ فَالْتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ لَا يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ عَرَفَهُ، وَجَعَلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ يَشْتَرِي
الْعَبْدَ ؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَنْ وَاللَّهِ تَجِدُنِي
كَاسِدًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
لَكِنَّ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ " أَوْ قَالَ: " لَكِنَّ
عِنْدَ اللَّهِ أَنْتَ غَالٍ " وَهَذَا إِسْنَادٌ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ
ثِقَاتٌ عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ "، وَلَمْ يَرْوِهِ إِلَّا
التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ "، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ
مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ ".
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ أَنَّ
رَجُلًا كَانَ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ. وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ
يُضْحِكُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يُؤْتَى بِهِ فِي
الشَّرَابِ، فَجِيءَ بِهِ يَوْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ: لَعَنَهُ اللَّهُ، مَا
أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " " لَا تَلْعَنْهُ؛ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
".
وَمِنْ هَذَا مَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنِي
شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَسِيرٍ، وَكَانَ حَادٍ
يَحْدُو بِنِسَائِهِ أَوْ سَائِقٌ. قَالَ: فَكَانَ نِسَاؤُهُ يَتَقَدَّمْنَ بَيْنَ
يَدَيْهِ، فَقَالَ: " يَا أَنْجَشَةُ، وَيْحَكَ، ارْفُقْ بِالْقَوَارِيرِ
".
وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَادٍ يَحْدُو بِنِسَائِهِ يُقَالُ
لَهُ: أَنْجَشَةُ. فَحَدَا، فَأَعْنَقَتِ الْإِبِلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ، ارْفُقْ
بِالْقَوَارِيرِ " وَمَعْنَى الْقَوَارِيرِ: النِّسَاءُ، وَهِيَ كَلِمَةُ
دُعَابَةٍ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
وَمِنْ مَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ وَدُعَابَتِهِ وَحَسَنِ خُلُقِهِ، اسْتِمَاعُهُ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
حَدِيثَ أُمِّ زَرْعٍ مِنْ عَائِشَةَ
بِطُولِهِ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي قَصَّهُ عَلَى عَائِشَةَ.
وَمِنْ هَذَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، ثَنَا أَبُو النَّضْرِ، ثَنَا
أَبُو عَقِيلٍ - يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَقِيلٍ الثَّقَفِيَّ. ثِقَةٌ -
حَدَّثَنَا مَجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ
ذَاتَ لَيْلَةٍ حَدِيثًا، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
كَانَ الْحَدِيثُ حَدِيثَ خُرَافَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَدْرِينَ مَا خُرَافَةُ ؟ إِنَّ خُرَافَةَ كَانَ
رَجُلًا مِنْ عُذْرَةَ أَسَرْتُهُ الْجِنُّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَمَكَثَ فِيهِمْ
دَهْرًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَدُّوهُ إِلَى الْإِنْسِ، فَكَانَ يُحَدِّثُ النَّاسَ
بِمَا رَأَى فِيهِمْ مِنَ الْأَعَاجِيبِ، فَقَالَ النَّاسُ: حَدِيثُ خُرَافَةَ
" وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ " عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارِ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ
الْقَاسِمِ بِهِ. قُلْتُ: وَهُوَ مِنْ غَرَائِبِ الْأَحَادِيثِ، وَفِيهِ
نَكَارَةٌ، وَمَجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مُزَاحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ كِتَابِهِ " الشَّمَائِلِ ": ثَنَا
عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، ثَنَا مُصْعَبُ
بْنُ الْمِقْدَامِ، ثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:
أَتَتْ عَجُوزٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ. فَقَالَ: "
يَا أُمَّ فُلَانٍ، إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ ". قَالَ:
فَوَلَّتِ الْعَجُوزُ تَبْكِي، فَقَالَ: " أَخْبِرُوهَا أَنَّهَا لَا
تَدْخُلُهَا وَهِيَ عَجُوزٌ؛ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: " إِنَّا
أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عَرَّبًا أَتْرَابًا
" [ الْوَاقِعَةِ: 35 - 37 ] وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، ثَنَا
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ،
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا. قَالَ: " إِنِّي
لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا " تُدَاعِبُنَا يَعْنِي تُمَازِحُنَا. وَهَكَذَا
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي " جَامِعِهِ " فِي بَابِ الْبِرِّ، بِهَذَا
الْإِسْنَادِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
بَابُ زُهْدِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، وَإِعْرَاضِهِ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ وَإِقْبَالِهِ وَاجْتِهَادِهِ
وَعَمَلِهِ لِدَارِ الْقَرَارِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ
أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ
وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى [ طَهَ: 131 ] وَقَالَ تَعَالَى: وَاصْبِرْ
نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ
يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ
هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [ الْكَهْفِ: 28 ] وَقَالَ تَعَالَى: فَأَعْرَضْ
عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ [ النَّجْمِ: 30، 29 ] وَقَالَ تَعَالَى:
وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ لَا
تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا
تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [ الْحِجْرِ: 88، 87 ]
وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ.
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ؛ فَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي أَبُو
الْعَبَّاسِ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ أَنَا بَقِيَّةُ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ
الْزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ
عَبَّاسٍ يُحَدِّثُأَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَعَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ
الْمَلَكُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ
يُخَيِّرُكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَلَكًا
نَبِيًّا. فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
جِبْرِيلَ كَالْمُسْتَشِيرِ لَهُ، فَأَشَارَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَوَاضَعْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَلْ أَكُونُ عَبْدًا نَبِيًّا "
قَالَ: فَمَا أَكَلَ بَعْدَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ طَعَامًا مُتَّكِئًا حَتَّى لَقِيَ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ
" عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو
بْنِ عُثْمَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ بِهِ، وَأَصْلُ هَذَا
الْحَدِيثِ فِي " الصَّحِيحِ " بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ
عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ:جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ
هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ، قَبْلَ السَّاعَةِ. فَلَمَّا
نَزَلَ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ؛ أَفَمَلَكًا نَبِيًّا
يَجْعَلُكَ أَوْ عَبْدًا رَسُولًا. هَكَذَا وَجَدْتُهُ بِالنُّسْخَةِ الَّتِي
عِنْدِي " بِالْمُسْنَدِ " مُقْتَصِرًا، وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِهِ مِنْ
هَذَا الْوَجْهِ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي حَدِيثِإِيلَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَزْوَاجِهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا،
وَاعْتَزَلَ عَنْهُنَّ فِي عُلِّيَّةٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ فِي
تِلْكَ الْعُلِّيَّةِ، فَإِذَا لَيْسَ فِيهَا سِوَى صُبْرَةٍ مِنْ
قَرَظٍ، وَآهِبَةٍ مُعَلَّقَةٍ،
وَصُبْرَةٍ مِنْ شَعِيرٍ، وَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رُمَالِ حَصِيرٍ قَدْ
أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَهَمَلَتْ عَيْنَا عُمَرَ، فَقَالَ: " مَا لَكَ
". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْتَ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ،
وَكِسْرَى وَقَيْصَرُ فِيمَا هَمَا فِيهِ! فَجَلَسَ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ، فَقَالَ:
أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا بْنَ الْخَطَّابِ ؟ " ثُمَّ قَالَ: "
أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا
". وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ
الدُّنْيَا، وَلَنَا الْآخِرَةُ ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: " فَاحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ "، ثُمَّ لَمَّا انْقَضَى
الشَّهْرُ أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يُخَيِّرَ أَزْوَاجَهُ،
وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ
كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ
أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ
لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [ الْأَحْزَابِ: 28، 29 ]. وَقَدْ ذَكَرْنَا
هَذَا مَبْسُوطًا فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ " وَأَنَّهُ بَدَأَ
بِعَائِشَةَ، فَقَالَ لَهَا: إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلَا عَلَيْكِ أَنْ
لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ، وَتَلَا عَلَيْهَا هَذِهِ
الْآيَةَ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ ؟! فَإِنِّي
أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ. وَكَذَلِكَ قَالَ سَائِرُ
أَزْوَاجِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ.
وَقَالَ مُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:دَخَلْتُ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى سَرِيرٍ
مَرْمُولٍ بِالشَّرِيطِ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مَنْ أَدَمٍ، حَشْوُهَا
لِيفٌ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ،
وَنَاسٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَانْحَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ انْحِرَافَةً، فَرَأَى عُمَرُ أَثَرَ الشَّرِيطِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَى،
فَقَالَ لَهُ: " مَا يُبْكِيكَ يَا عُمَرُ ؟ " قَالَ: وَمَا لِي لَا
أَبْكِي، وَكِسْرَى وَقَيْصَرُ يَعِيشَانِ فِيمَا يَعِيشَانِ فِيهِ مِنَ الدُّنْيَا،
وَأَنْتَ عَلَى الْحَالِ الَّذِي أَرَى ؟ فَقَالَ: " يَا عُمَرُ، أَمَا
تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ ؟ " قَالَ:
بَلَى. قَالَ: " هُوَ كَذَلِكَ " هَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، ثَنَا مُبَارَكٌ، عَنِ
الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى سَرِيرٍ مُضْطَجِعٍ مُرْمَلٍ
بِشَرِيطٍ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ، حَشْوُهَا لِيفٌ، فَدَخَلَ
عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَدَخَلَ عُمَرُ فَانْحَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْحِرَافَةً، فَلَمْ يَرَ عُمَرُ بَيْنَ
جَنْبِهِ وَبَيْنَ الشَّرِيطِ ثَوْبًا، وَقَدْ أَثَّرَ الشَّرِيطُ بِجَنْبِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَكَى عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا يُبْكِيكَ يَا
عُمَرُ ؟ " قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَبْكِي إِلَّا أَكُونُ أَعْلَمُ أَنَّكَ
أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَهُمَا يَعِيشَانِ فِي الدُّنْيَا
فِيمَا يَعِيشَانِ فِيهِ، وَأَنْتَ يَا رَسُولُ اللَّهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي
أَرَى! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَا
تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا، وَلَنَا الْآخِرَةُ ؟ " قَالَ:
بَلَى. قَالَ: " فَإِنَّهُ كَذَلِكَ ".
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ:اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
حَصِيرٍ، فَأَثَّرَ الْحَصِيرُ بِجِلْدِهِ، فَجَعَلْتُ أَمْسَحُهُ، وَأَقُولُ:
بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا
آذَنْتَنَا فَنَبْسُطَ لَكَ شَيْئًا
يَقِيكَ مِنْهُ تَنَامُ عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ: " مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا
أَنَا وَالدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ
وَتَرَكَهَا " وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ
أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكِنْدِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، كِلَاهُمَا عَنِ
الْمَسْعُودِيِّ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ وَأَبُو سَعِيدٍ وَعَفَّانُ، قَالُوا: ثَنَا ثَابِتٌ،
ثَنَا هِلَالٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ
قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْتَ
فِرَاشًا أَوْثَرَ مِنْ هَذَا. فَقَالَ " مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا مَثَلِي
وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، فَاسْتَظَلَّ
تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا. تَفَرَّدَ بِهِ
أَحْمَدُ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَوْ أَنَّ لِي
مِثْلَ أَحَدٍ ذَهَبًا مَا سَرَّنِي أَنْ تَأْتِيَ عَلِيَّ ثَلَاثُ لَيَالٍ
وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا شَيْءٌ أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ ".
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ،
عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اللَّهُمَّ اجْعَلْ
رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا ".
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ
سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْمُبَارَكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اللَّهُمَّ
أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ
الْمَسَاكِينِ " فَإِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ
إِسْنَادِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ يَزِيدَ بْنَ سِنَانٍ أَبَا فَرْوَةَ الرُّهَاوِيَّ،
وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ الْكُوفِيُّ، ثَنَا ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَابِدُ
الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ النُّعْمَانِ اللَّيْثِيُّ، عَنْ أَنَسٍ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "
اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي
زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: " إِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ
أَغْنِيَائِهِمْ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا، يَا عَائِشَةُ، لَا تَرُدِّي
الْمِسْكِينَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، يَا عَائِشَةُ، حِبِّي الْمَسَاكِينَ
وَقَرِّبِيهِمْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُقَرِّبُكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ثُمَّ
قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. قُلْتُ: وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَفِي مَتْنِهِ
نَكَارَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ
أَبِي حَازِمٍ، عَنْ
سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّهُ قِيلَ
لَهُ:هَلْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيَّ
بِعَيْنِهِ، يَعْنِي الْحُوَّارَى ؟ فَقَالَ لَهُ: مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيَّ بِعَيْنِهِ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ. فَقِيلَ لَهُ: هَلْ كَانَتْ لَكُمْ مَنَاخِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ: مَا كَانَتْ لَنَا
مَنَاخِلُ. فَقِيلَ لَهُ: فَكَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِالشَّعِيرِ ؟ قَالَ:
نَنْفُخُهُ فَيَطِيرُ مِنْهُ مَا طَارَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ
حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِهِ. وَزَادَ:
ثُمَّ نُثَرِّيهِ، وَنَعْجِنُهُ. ثُمَّ قَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ
مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ. قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ أَبِي غَسَّانَ الْمَدَنِيِّ،
عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ بِهِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
أَيْضًا وَالْنَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْقَارِّيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ بِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، ثَنَا
يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، ثَنَا جَرِيرُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ
عَامِرٍ، سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ:مَا كَانَ يَفْضُلُ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُبْزُ الشَّعِيرِ. ثُمَّ
قَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ
غَرِيبٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ
كَيْسَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُشِيرُ
بِأُصْبُعِهِ مِرَارًا:وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ مَا شَبِعَ
نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْلُهُ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ تِبَاعًا مِنْ خُبْزِ حِنْطَةٍ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا. وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ،
عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:مَا
شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ قَدِمُوا
الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا مِنْ خُبْزِ بُرٍّ حَتَّى مَضَى
لِسَبِيلِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ،
عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ:مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ ثَلَاثًا مِنْ خُبْزِ بُرٍّ حَتَّى قُبِضَ،
وَمَا رُفِعَ مِنْ مَائِدَتِهِ كِسْرَةٌ قَطُّ حَتَّى قُبِضَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثَنَا مُطِيعٌ الْغَزَّالُ،
عَنْ كُرْدُوسٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:قَدْ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَبِيلِهِ، وَمَا شَبِعَ أَهْلُهُ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ مِنْ طَعَامِ بُرٍّ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا
حُسَيْنٌ، ثَنَا دُوَيْدٌ، عَنْ أَبِي سَهْلٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ رُومَانَ
مَوْلَى عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ:وَالَّذِي
بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ مَا رَأَى مُنْخُلًا، وَلَا أَكَلَ خَبْزًا
مَنْخُولًا مُنْذُ بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، إِلَى أَنَّ قُبِضَ. قُلْتُ:
كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ ؟ قَالَتْ: كُنَّا نَقُولُ: أُفُّ.
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ:إِنْ كُنَّا لَنُخْرِجُ الْكُرَاعَ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا
فَنَأْكُلُهُ. قُلْتُ: وَلِمَ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ ؟ فَضَحِكَتْ وَقَالَتْ: مَا
شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَبْزِ بُرٍّ
مَأْدُومٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا يَحْيَى، ثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ:كَانَ يَأْتِي عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الشَّهْرُ مَا يُوقِدُونَ فِيهِ نَارًا، لَيْسَ إِلَّا التَّمْرُ
وَالْمَاءُ إِلَّا أَنْ نُؤْتَى بِاللَّحْمِ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ "
مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا
قَالَتْ:إِنْ كُنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَيَمُرُّ بِنَا الْهِلَالُ مَا نُوقِدُ
نَارًا، إِنَّمَا هُوَ الْأَسْوَدَانِ؛ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ
كَانَ حَوْلَنَا أَهْلُ دُورٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يَبْعَثُونَ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَبَنِ مَنَائِحِهِمْ فَيَشْرَبُ
وَيَسْقِينَا مِنْ ذَلِكَ اللَّبَنِ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْهَا بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ وَحُسَيْنُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ: ثَنَا أَبُو حَازِمٍ،
قَالَ حُسَيْنٌ: عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:كَانَ
يَمُرُّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِلَالٌ وَهِلَالٌ
مَا يُوقَدُ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِ نَارٌ. قَالَ: قُلْتُ: يَا خَالَةُ عَلَى
أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعِيشُونَ ؟ قَالَتْ: عَلَى الْأَسْوَدَيْنِ؛ التَّمْرِ
وَالْمَاءِ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ:مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ. وَقَدْ رَوَاهُ
مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا
إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ
هِلَالٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ:بَعَثَ إِلَيْنَا آلُ أَبِي بَكْرٍ بِقَائِمَةِ
شَاةٍ لَيْلًا، فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَقَطَعْتُ، أَوْ أَمْسَكْتُ وَقَطَعَ. فَقَالَ الَّذِي تُحَدِّثُهُ: أَعْلَى
غَيْرِ مِصْبَاحٍ ؟ فَقَالَتْ: لَوْ كَانَ عِنْدَنَا مِصْبَاحٌ لَأْتَدَمْنَا
بِهِ، إِنْ كَانَ لِيَأْتِيَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الشَّهْرُ مَا يَخْتَبِزُونَ خُبْزًا وَلَا يَطْبُخُونَ قِدْرًا. وَقَدْ
رَوَاهُ أَيْضًا، عَنْ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ،
وَفِي رِوَايَةٍ: شَهْرَيْنِ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا خَلَفٌ، ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ،
هُوَ ابْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:كَانَ يَمُرُّ بِآلِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِلَالٌ ثُمَّ هِلَالٌ لَا
يُوقِدُونَ فِي بُيُوتِهِمُ النَّارَ لَا لِخُبْزٍ وَلَا لِطَبِيخٍ. قَالُوا:
بِأَيِّ شَيْءٍ كَانُوا يَعِيشُونَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ قَالَ: الْأَسْوَدَانِ؛
التَّمْرُ وَالْمَاءُ، وَكَانَ لَهُمْ جِيرَانٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، جَزَاهُمُ
اللَّهُ خَيْرًا، لَهُمْ مَنَائِحُ يُرْسِلُونَ إِلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْ لَبَنٍ.
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْحَجَبِّي، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ شَبِعَ النَّاسُ مِنَ الْأَسْوَدَيْنِ؛
التَّمْرِ وَالْمَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا
سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ
أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بِطَعَامٍ سُخْنٍ فَأَكَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ
قَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا دَخَلَ بَطْنِي طَعَامٌ سُخْنٌ مُنْذُ كَذَا
وَكَذَا ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، ثَنَا عَمَّارٌ أَبُو
هَاشِمٍ صَاحِبُ الزَّعْفَرَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ فَاطِمَةَ
نَاوَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِسْرَةً مِنْ
خُبْزِ شَعِيرٍ، فَقَالَ: " هَذَا أَوَّلُ طَعَامٍ أَكَلَهُ أَبُوكِ مُنْذُ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ " تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ
عَفَّانَ، وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُعَاوِيَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ
الْعَبْدِيِّ الْكُوفِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍأَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبِيتُ اللَّيَالِيَ
الْمُتَتَابِعَةَ طَاوِيًا، وَأَهْلُهُ لَا يَجِدُونَ عَشَاءً، وَكَانَ عَامَّةَ
خُبْزِهِمْ خُبْزُ الشَّعِيرِ. وَهَذَا لَفْظُ أَحْمَدَ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ ": ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ يَزِيدَ
بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الْأَعْوَرِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ
قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ
كِسْرَةً مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ، فَوَضَعَ عَلَيْهَا تَمْرَةً، وَقَالَ: "
هَذِهِ إِدَامُ هَذِهِ " وَأَكَلَ..
وَفِي " الصَّحِيحِ " مِنْ
حَدِيثِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:كَانَ أَحَبَّ
الشَّرَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُلْوُ
الْبَارِدُ.
وَقَالَ أَبُو عِصَامٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا وَيَقُولُ " هُوَ
أَرَوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَى ".
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا أَعْلَمُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَغِيفًا مُرَقَّقًا
حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ، وَلَا شَاةً سَمِيطًا بِعَيْنِهِ قَطُّ. وَفِي رِوَايَةٍ
لَهُ عَنْهُ أَيْضًا: مَا أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى خِوَانٍ، وَلَا فِي سُكُرُّجَةٍ، وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ.
فَقُلْتُ لِأَنَسٍ: فَعَلَى مَا كَانُوا يَأْكُلُونَ ؟ قَالَ: عَلَى السُّفَرِ.
وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ أَيْضًا، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ مَشَى إِلَى رَسُولِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ،
وَلَقَدْ رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، فَأَخَذَ لِأَهْلِهِ شَعِيرًا،
وَلِقَدٍّ سَمِعْتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ
يَقُولُ: " مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ صَاعُ تَمْرٍ وَلَا صَاعُ حَبٍّ
".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، ثَنَا
قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَلَمْ يَجْتَمِعْ لَهُ غَدَاءٌ وَلَا عَشَاءٌ مِنْ خُبْزٍ
وَلَحْمٍ إِلَّا عَلَى ضَفَفٍ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ
"، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ
عَفَّانَ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ
حَرْبٍ، سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ يَخْطُبُ، فَذَكَرَ مَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى النَّاسِ،
فَقَالَ:لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَلْتَوِي مِنَ الْجُوعِ، مَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلَأُ بَطْنَهُ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ.
وَفِي " الصَّحِيحِ " أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: يَا أُمَّ
سُلَيْمٍ،لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ. وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ فِي " دَلَائِلِ
النُّبُوَّةِ ".
وَفِي قِصَّةِ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ،أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ
خَرَجَا مِنَ الْجُوعِ،
فَبَيْنَمَا هُمَا كَذَلِكَ إِذْ
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَا
أَخْرَجَكُمَا ؟ " فَقَالَا: الْجُوعُ. فَقَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لَقَدْ أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا ". فَذَهَبُوا إِلَى
حَدِيقَةِ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ، فَأَطْعَمَهُمْ رُطَبًا،
وَذَبَحَ لَهُمْ شَاةً، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا الْمَاءَ الْبَارِدَ، وَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا مِنَ النَّعِيمِ
الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ ".
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، ثَنَا
سَيَّارٌ، ثَنَا سَهْلُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، عَنْ
أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ:شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُوعَ، وَرَفَعْنَا عَنْ بُطُونِنَا عَنْ حَجَرٍ
حَجَرٍ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ
حَجَرَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ،
عَنْ أَبِيهِ،عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كَانَ مَنْ أَدَمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: ثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ،
عَنْ مَجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ:دَخَلَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَرَأَتْ فِرَاشَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبَاءَةً مَثْنِيَّةً، فَانْطَلَقَتْ
فَبَعَثَتْ إِلَيَّ بِفِرَاشٍ حَشْوُهُ الصُّوفُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَا هَذَا يَا
عَائِشَةُ ؟ " قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فُلَانَةُ
الْأَنْصَارِيَّةُ دَخَلَتْ عَلَيَّ فَرَأَتْ فِرَاشَكَ فَذَهَبَتْ فَبَعَثَتْ
إِلَيَّ بِهَذَا. فَقَالَ: "
رُدِّيهِ ". قَالَتْ: فَلَمْ أَرُدَّهُ وَأَعْجَبَنِي أَنْ يَكُونَ فِي
بَيْتِي، حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. قَالَتْ: فَقَالَ: " رُدِّيهِ
يَا عَائِشَةُ، فَوَاللَّهِ لَوْ شِئْتُ لَأَجْرَى اللَّهُ مَعِي جِبَالَ
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ "
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ ": حَدَّثَنَا أَبُو
الْخَطَّابِ زِيَادُ بْنُ يَحْيَى الْبَصْرِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مَيْمُونٍ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:سُئِلَتْ
عَائِشَةُ: مَا كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي بَيْتِكِ ؟ قَالَتْ: مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ. وَسُئِلَتْ حَفْصَةُ: مَا
كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ:
مِسْحًا نَثْنِيهِ ثِنْيَتَيْنِ فَيَنَامُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ
لَيْلَةٍ قُلْتُ: لَوْ ثَنَيْتُهُ بِأَرْبَعِ ثِنْيَاتٍ كَانَ أَوْطَأَ لَهُ.
فَثَنَيْنَاهُ لَهُ بِأَرْبَعِ ثِنْيَاتٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: " مَا
فَرَشْتُمُونِي اللَّيْلَةَ ؟ " قَالَتْ: قُلْنَا: هُوَ فِرَاشُكَ، إِلَّا
أَنَّا ثَنَيْنَاهُ بِأَرْبَعِ ثِنْيَاتٍ. قُلْنَا: هُوَ أَوْطَأُ لَكَ. قَالَ:
" رَدُّوهُ لِحَالَتِهِ الْأُولَى؛ فَإِنَّهُ مَنَعَتْنِي وَطْأَتُهُ
صَلَاتِيَ اللَّيْلَةَ ".
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ الْأَصْبِهَانِيُّ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَادَةَ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا
ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ
حِزَامٍ قَالَ:
خَرَجْتُ إِلَى الْيَمَنِ فَابْتَعْتُ
حُلَّةَ ذِي يَزَنَ، فَأَهْدَيْتُهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ فَقَالَ:
" لَا أَقْبَلُ هَدِيَّةَ مُشْرِكٍ " فَرَدَّهَا، فَبِعْتُهَا
فَاشْتَرَاهَا، فَلَبِسَهَا ثُمَّ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَهِيَ عَلَيْهِ،
فَمَا رَأَيْتُ شَيْئًا فِي شَيْءٍ أَحْسَنَ مِنْهُ فِيهَا، فَمَا مَلَكْتُ أَنْ
قُلْتُ:
مَا يَنْظُرُ الْحُكَّامُ بِالْفَضْلِ بَعْدَمَا بَدَا وَاضِحٌ مِنْ غُرَّةٍ
وَحُجُولِ إِذَا قَايَسُوهُ الْمَجْدَ أَرْبَى عَلَيْهُمُ
كَمُسْتَفْرِغٍ مَاءَ الذِّنَابِ سَجِيلِ
فَسَمِعَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ
يَتَبَسَّمُ، ثُمَّ دَخَلَ فَكَسَاهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ
عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ،
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ سَاهِمُ الْوَجْهِ. قَالَتْ: فَحَسِبْتُ ذَلِكَ مِنْ
وَجَعٍ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَاكَ سَاهِمَ الْوَجْهِ، أَفَمِنْ
وَجَعٍ ؟ فَقَالَ: " لَا، وَلَكِنَّ الدَّنَانِيرَ السَّبْعَةَ الَّتِي
أُتِينَا بِهَا أَمْسِ، أَمْسَيْنَا وَلَمْ نُنْفِقْهَا، نُسِّيتُهَا فِي خُصْمِ
الْفِرَاشِ " تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا
أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: أَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرٍ، ثَنَا مُوسَى بْنُ جُبَيْرٍ،
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ
الزُّبَيْرِ يَوْمًا عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: لَوْ رَأَيْتُمَا نَبِيَّ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي مَرَضٍ مَرِضَهُ. قَالَتْ:
وَكَانَ لَهُ عِنْدِي سِتَّةُ دَنَانِيرَ. قَالَ مُوسَى أَوْ سَبْعَةٌ. قَالَتْ:
فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
أُفَرِّقَهَا. قَالَتْ: فَشَغَلَنِي وَجَعُ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عَافَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَتْ: ثُمَّ
سَأَلَنِي عَنْهَا فَقَالَ: " مَا فَعَلَتِ السِّتَّةُ ؟ " قَالَ: أَوِ
" السَّبْعَةُ " قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ شَغَلَنِي عَنْهَا
وَجَعُكَ. قَالَتْ: فَدَعَا بِهَا ثُمَّ صَفَّهَا فِي كَفِّهِ، فَقَالَ: "
مَا ظَنُّ نَبِيِّ اللَّهِ لَوْ لَقِيَ اللَّهَ وَهَذِهِ عِنْدَهُ ؟ "
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ قُتَيْبَةُ: ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدَّخِرُ
شَيْئًا لِغَدٍ. وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي " الصَّحِيحِ ".
وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ مِمَّا يُسْرِعُ
إِلَيْهِ الْفَسَادُ كَالْأَطْعِمَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِمَا ثَبَتَ فِي "
الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ:كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي
النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ،
فَكَانَ يَعْزِلُ نَفَقَةَ أَهْلِهِ سَنَةً، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي
الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَّرْنَاهُ
مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ:
أَخْبَرَنِي هِلَالُ بْنُ سُوَيْدٍ أَبُو مُعَلَّى قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ
مَالِكٍ وَهُوَ يَقُولُ: أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثَلَاثَةُ طَوَائِرَ، فَأَطْعَمَ خَادِمَهُ طَائِرًا، فَلَمَّا كَانَ
مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ بِهِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَلَمْ أَنْهَكِ أَنْ تَرْفَعِي شَيْئًا لِغَدٍ؛
فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأْتِي بِرِزْقِ كُلِّ غَدٍ ".
حَدِيثُ بِلَالٍ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: ثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ
بِشْرَانَ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ نُصَيْرٍ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ:، ثَنَا بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى بِلَالٍ، فَوَجَدَ
عِنْدَهُ صُبَرًا مِنْ تَمْرٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا بِلَالُ ؟ قَالَ: تَمْرٌ
أَدَّخِرُهُ. قَالَ: " وَيْحَكَ يَا بِلَالُ ! أَوَ مَا تَخَافُ أَنْ يَكُونَ
لَهُ بُخَارٌ فِي النَّارِ ؟ أَنْفِقْ بِلَالُ، وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ
إِقْلَالًا ".
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ وَأَبِي
حَاتِمٍ الرَّازِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي تَوْبَةَ الرَّبِيعِ بْنِ نَافِعٍ،
حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَامٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَامٍ، حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ الْهَوَزْنِيُّ قَالَ: لَقِيتُ بِلَالًا مُؤَذِّنَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَلَبَ، فَقُلْتُ: يَا بِلَالُ حَدِّثْنِي
كَيْفَ كَانَتْ نَفَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ:
مَا كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنَا الَّذِي كُنْتُ أَلِي ذَلِكَ
مِنْهُ مُنْذُ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ
الْإِنْسَانُ الْمُسْلِمُ فَرَآهُ عَارِيًا، يَأْمُرُنِي فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَقْرِضُ فَأَشْتَرِي الْبُرْدَةَ وَالشَّيْءَ فَأَكْسُوهُ وَأُطْعِمُهُ، حَتَّى اعْتَرَضَنِي رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: يَا بِلَالُ، إِنَّ عِنْدِي سِعَةً فَلَا تَسْتَقْرِضْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا مِنِّي. فَفَعَلْتُ فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ تَوَضَّأْتُ، ثُمَّ قُمْتُ لِأُؤَذِّنَ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا الْمُشْرِكُ فِي عِصَابَةٍ مِنَ التُّجَّارِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: يَا حَبَشِيُّ. قَالَ: قُلْتُ: يَا لَبَّيْهُ. فَتَجَهَّمَنِي، وَقَالَ قَوْلًا عَظِيمًا أَوْ غَلِيظًا، وَقَالَ: أَتَدْرِي كَمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الشَّهْرِ ؟ قُلْتُ: قَرِيبٌ. قَالَ إِنَّمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَرْبَعُ لَيَالٍ فَآخُذُكَ بِالَّذِي لِي عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَمْ أُعْطِكَ الَّذِي أَعْطَيْتُكَ مِنْ كَرَامَتِكَ، وَلَا مِنْ كَرَامَةِ صَاحِبِكَ، وَإِنَّمَا أَعْطَيْتُكَ لِتَجِبَ لِي عَبْدًا فَأَذَرَكَ تَرْعَى الْغَنَمَ، كَمَا كُنْتَ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ: فَأَخَذَ فِي نَفْسِي مَا يَأْخُذُ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ، فَانْطَلَقْتُ ثُمَّ أَذَّنْتُ بِالصَّلَاةِ، حَتَّى إِذَا صَلَّيْتُ الْعَتَمَةَ وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنَّ الْمُشْرِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ لَكَ أَنِّي كُنْتُ أَتَدَيَّنُ مِنْهُ قَدْ قَالَ كَذَا وَكَذَا، وَلَيْسَ عِنْدَكَ مَا يَقْضِي عَنِّي، وَلَا عِنْدِي، وَهُوَ فَاضِحِي، فَأْذَنْ لِي أَنْ آتِيَ بَعْضَ هَؤُلَاءِ الْأَحْيَاءِ الَّذِينَ قَدْ أَسْلَمُوا حَتَّى يَرْزُقَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَقْضِي عَنِّي. فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ مَنْزِلِي فَجَعَلْتُ سَيْفِي وَجِرَابِي وَرُمْحِي وَنَعْلِي عِنْدَ رَأْسِي، فَاسْتَقْبَلْتُ بِوَجْهِيَ الْأُفُقَ، فَكُلَّمَا نِمْتُ انْتَبَهْتُ، فَإِذَا رَأَيْتُ عَلَيَّ لَيْلًا نِمْتُ حَتَّى انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ الْأَوَّلِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْطَلِقَ، فَإِذَا إِنْسَانٌ يَسْعَى يَدْعُو: يَا بِلَالُ أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَانْطَلَقْتُ
حَتَّى أَتَيْتُهُ، فَإِذَا أَرْبَعُ رَكَائِبَ عَلَيْهِمْ أَحْمَالُهُنَّ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْشِرْ فَقَدْ جَاءَكَ اللَّهُ بِقَضَاءِ دَيْنِكَ فَحَمِدْتُ اللَّهَ وَقَالَ: أَلَمْ تَمُرَّ عَلَى الرَّكَائِبِ الْمُنَاخَاتِ الْأَرْبَعِ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ لَكَ رِقَابَهُنَّ وَمَا عَلَيْهِنَّ فَإِذَا عَلَيْهِنَّ كِسْوَةٌ وَطَعَامٌ أَهْدَاهُنَّ لَهُ عَظِيمُ فَدَكَ. فَاقْبِضْهُنَّ إِلَيْكَ، ثُمَّ اقْضِ دَيْنَكَ قَالَ: فَفَعَلْتُ فَحَطَطْتُ عَنْهُنَّ أَحْمَالَهُنَّ، ثُمَّ عَقَلْتُهُنَّ، ثُمَّ عَمَدْتُ إِلَى تَأْذِينِ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى إِذَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجْتُ إِلَى الْبَقِيعِ فَجَعَلْتُ أُصْبُعِي فِي أُذُنِي، فَنَادَيْتُ فَقُلْتُ: مَنْ كَانَ يَطْلُبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَيْنًا فَلْيَحْضُرْ. فَمَا زِلْتُ أَبِيعُ وَأَقْضِي، وَأَعْرِضُ وَأَقْضِي حَتَّى لَمْ يَبْقَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَيْنٌ فِي الْأَرْضِ حَتَّى فَضَلَ عِنْدِي أُوقِيَّتَانِ أَوْ أُوقِيَّةٌ وَنِصْفٌ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَقَدْ ذَهَبَ عَامَّةُ النَّهَارِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي مَا فَعَلَ مَا قِبَلَكَ ؟ قُلْتُ: قَدْ قَضَى اللَّهُ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ. قَالَ: فَضَلَ شَيْءٌ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ: دِينَارَانِ. قَالَ: انْظُرْ أَنْ تُرِيحَنِي مِنْهُمَا، فَلَسْتُ بِدَاخِلٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِي حَتَّى تُرِيحَنِي مِنْهُمَا قَالَ: فَلَمْ يَأْتِنَا أَحَدٌ فَبَاتَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أَصْبَحَ، وَظَلَّ فِي الْمَسْجِدِ الْيَوْمَ الثَّانِيَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ النَّهَارِ جَاءَ رَاكِبَانِ فَانْطَلَقْتُ بِهِمَا
فَكَسَوْتُهُمَا وَأَطْعَمْتُهُمَا،
حَتَّى إِذَا صَلَّى الْعَتَمَةَ دَعَانِي فَقَالَ: مَا فَعَلَ الَّذِي قِبَلَكَ ؟
قُلْتُ: قَدْ أَرَاحَكَ اللَّهُ مِنْهُ. فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللَّهَ شَفَقًا مِنْ
أَنْ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ وَعِنْدَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ اتَّبَعْتُهُ حَتَّى جَاءَ
أَزْوَاجَهُ، فَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ امْرَأَةٍ حَتَّى أَتَى مَبِيتَهُ فَهَذَا
الَّذِي سَأَلْتَنِي عَنْهُ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي " الشَّمَائِلِ ": حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ
مُوسَى بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ هِشَامِ بْنِ
سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،
أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ فَقَالَ: " مَا عِنْدِي مَا أُعْطِيكَ، وَلَكِنِ
ابْتَعْ عَلَيَّ، فَإِذَا جَاءَنِي شَيْءٌ قَضَيْتُهُ " فَقَالَ عُمَرُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَعْطَيْتَهُ فَمَا كَلَّفَكَ اللَّهُ مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ.
فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَ عُمَرَ، فَقَالَ
رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْفِقْ وَلَا تَخَفْ مِنْ ذِي
الْعَرْشِ إِقْلَالًا. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَعُرِفَ التَّبَسُّمُ فِي وَجْهِهِ؛ لِقَوْلِ الْأَنْصَارِيِّ،
وَقَالَ: بِهَذَا أُمِرْتُ وَفِي الْحَدِيثِ أَلَا إِنَّهُمْ لَيَسْأَلُونِي
وَيَأْبَى اللَّهُ لِيَ الْبُخْلَ وَقَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ سَأَلُوهُ قَسْمَ
الْغَنَائِمِ: وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ عِنْدِي عَدَدَ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا
لَقَسَمْتُهَا فِيكُمْ، ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا، وَلَا
كَذَّابًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثَنَا عَلِيُّ
بْنُ حُجْرٍ، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ،
عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ:أَتَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِنَاعٍ مِنْ رُطَبٍ، وَأَجْرٍ
زُغْبٍ، فَأَعْطَانِي مِلْءَ كَفِّهِ حُلِيًّا أَوْ ذَهَبًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ
عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " كَيْفَ أَنْعَمُ وَقَدِ الْتَقَمَ صَاحِبُ الْقَرْنِ
الْقَرْنَ، وَحَنَى جَبْهَتَهُ وَأَصْغَى سَمْعَهُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ "
قَالَ الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا نَقُولُ ؟ قَالَ: "
قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا
" وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، وَمِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ طَهْمَانَ، كِلَاهُمَا
عَنْ عَطِيَّةَ، وَهُوَ ابْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ الْجَدَلِيُّ أَبُو الْحَسَنِ
الْكُوفِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ.
قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ.
وَمِنْ تَوَاضُعِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
بْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
الْقَطَّانُ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ،
ثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ الْأَزْدِيِّ - وَكَانَ قَارِئَ الْأَزْدِ - عَنْ أَبِي الْكَنُودِ، عَنْ خَبَّابٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ إِلَى قَوْلِهِ: فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [ الْأَنْعَامِ: 52 ]. قَالَ:جَاءَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ، وعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ، فَوَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ صُهَيْبٍ وَبِلَالٍ وَعَمَّارٍ وَخَبَّابٍ قَاعِدًا فِي نَاسٍ مِنَ الضُّعَفَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقَرُوهُمْ، فَأَتَوْا فَخَلَوْا بِهِ وَقَالُوا: إِنَّا نُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَ لَنَا مِنْكَ مَجْلِسًا تَعْرِفُ لَنَا بِهِ الْعَرَبُ فَضْلَنَا، فَإِنَّ وُفُودَ الْعَرَبِ تَأْتِيكَ فَنَسْتَحِي أَنْ تَرَانَا الْعَرَبُ مَعَ هَذِهِ الْأَعْبُدِ، فَإِذَا نَحْنُ جِئْنَاكَ فَأَقِمْهُمْ عَنْكَ، فَإِذَا نَحْنُ فَرَغْنَا فَاقْعُدْ مَعَهُمْ إِنْ شِئْتَ. قَالَ: " نَعَمْ " قَالُوا: فَاكْتُبْ لَنَا عَلَيْكَ كِتَابًا. قَالَ فَدَعَا بِصَحِيفَةٍ، وَدَعَا عَلِيًّا لِيَكْتُبَ، وَنَحْنُ قُعُودٌ فِي نَاحِيَةٍ، فَنَزَلَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ فَقَالَ: وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [ الْأَنْعَامِ: 53 ]. ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [ الْأَنْعَامِ: 54 ]. قَالَ: فَدَنَوْنَا مِنْهُ حَتَّى، وَضَعْنَا رُكَبَنَا عَلَى رُكْبَتِهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ مَعَنَا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ قَامَ وَتَرَكَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ وَلَا تُجَالِسِ الْأَشْرَافَ تُرِيدُ زِينَةَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا
يَعْنِي عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعَ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [
الْكَهْفِ: 28 ]. قَالَ: هَلَاكًا. قَالَ: أَمْرُ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ. ثُمَّ
ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلَ الرَّجُلَيْنِ وَمَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. قَالَ
خَبَّابٌ: فَكُنَّا نَقْعُدُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَإِذَا بَلَغْنَا السَّاعَةَ الَّتِي يَقُومُ قُمْنَا وَتَرَكْنَاهُ
حَتَّى يَقُومَ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ، ثَنَا أَبُو
دَاوُدَ، ثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ:نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا سِتَّةٍ؛ فِيَّ وَفِي
ابْنِ مَسْعُودٍ وَصْهَيْبٍ وَعَمَّارٍ وَالْمِقْدَادِ وَبِلَالٍ. قَالَ: قَالَتْ
قُرَيْشٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَا نَرْضَى أَنْ نَكُونَ أَتْبَاعًا
لَهُمْ، فَاطْرُدْهُمْ عَنْكَ. قَالَ: فَدَخَلَ قَلْبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْخُلَ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ الْآيَةَ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
يُوسُفَ الْأَصْفَهَانِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، ثَنَا
أَبُو الْحُسَيْنِ خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ كُرْدُوسٌ،
ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثَنَا
جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، ثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ، يَعْنِي
عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ بَشِيرٍ الْمَازِنِيِّ، ثَنَا أَبُو الصِّدِّيقِ
النَّاجِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:كُنْتُ فِي عِصَابَةٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
جَالِسًا مَعَهُمْ، وَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَسْتَتِرُ بِبَعْضٍ مِنَ الْعُرْيِ،
وَقَارِئٌ لَنَا يَقْرَأُ عَلَيْنَا، فَكُنَّا نَسْمَعُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ مَعَهُمْ
نَفْسِي ". قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَسْطَنَا لِيَعْدِلَ بَيْنَنَا نَفْسَهُ فِينَا، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ
هَكَذَا. قَالَ: فَاسْتَدَارَتِ الْحَلْقَةُ وَبَرَزَتْ وُجُوهُهُمْ. قَالَ: فَمَا
عَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا مِنْهُمْ
غَيْرِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
أَبْشِرُوا مَعَاشِرَ صَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ، وَذَلِكَ
خَمْسُمِائَةِ عَامٍ ".
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ
إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ:
وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا؛ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ
لِذَلِكَ.
فَصْلٌ فِي عِبَادَتِهِ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَاجْتِهَادِهِ فِي ذَلِكَ
قَالَتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ. وَيُفْطِرُ حَتَّى
نَقُولَ: لَا يَصُومُ. وَكَانَ لَا تَشَاءُ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ قَائِمًا
إِلَّا رَأَيْتَهُ، وَلَا تَشَاءُ تَرَاهُ نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ. قَالَتْ:
وَمَا زَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ
وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا
تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا
تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ. قَالَتْ:
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ السُّورَةَ
فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا. قَالَتْ: وَلَقَدْ
كَانَ يَقُومُ حَتَّى أَرْثِيَ لَهُ؛ مِنْ شِدَّةِ قِيَامِهِ.
وَذَكَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى مَعَهُ لَيْلَةً فَقَرَأَ فِي
الرَّكْعَةِ الْأَوْلَى بِالْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ
وَآلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ رَكَعَ
قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَرَفَعَ نَحْوَهُ وَسَجَدَ نَحْوَهُ.
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ
فَإِنَّهُمْ عَبَّادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ [ الْمَائِدَةِ: 118 ]. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَكُلُّ هَذَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصِّحَاحِ،
وَمَوْضِعُ بَسْطِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي كِتَابِ " الْأَحْكَامِ
الْكَبِيرِ ".
وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَتْ
قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟! قَالَ: " أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا
".
وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ سَلَّامِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" حُبِّبَ إِلَيَّ الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ
" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ،أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنَّهُ قَدْ حُبِّبَ إِلَيْكَ الصَّلَاةُ فَخُذْ مِنْهَا مَا شِئْتَ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ
" عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَمَا فِينَا
صَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ،
عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ:سَأَلْتُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: هَلْ كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ
الْأَيَّامِ ؟ قَالَتْ: لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطِيعُ ؟ !
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوَاصِلُ، وَنَهَى
أَصْحَابَهُ عَنِ الْوِصَالِ وَقَالَ: " إِنِّي لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ، إِنِّي
أَبَيْتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي ".
وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الْإِطْعَامَ وَالسُّقْيَا مَعْنَوِيَّانِ، كَمَا وَرَدَ
فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُكْرِهُوا مَرْضَاكُمْ عَلَى الطَّعَامِ
وَالشَّرَابِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ وَمَا أَحْسَنَ مَا
قَالَ بَعْضُهُمْ:
لَهَا أَحَادِيثُ مِنْ ذِكْرَاكَ تَشْغَلُهَا عَنِ الشَّرَابِ وَتُلْهِيهَا عَنِ
الزَّادِ
وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ
وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ ".
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنِ الْفِرْيَابِيِّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ:قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
اقْرَأْ عَلَيَّ ". فَقُلْتُ: اقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟
فَقَالَ: " إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي ". قَالَ:
فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا
مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [
النِّسَاءِ: 41 ]. قَالَ: " حَسْبُكَ ". فَالْتَفَتُّ فَإِذَا عَيْنَاهُ
تَذْرِفَانِ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ يَجِدُ
التَّمْرَةَ عَلَى فِرَاشِهِ فَيَقُولُ: لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنَ
الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا: وَكِيعٌ، ثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ تَحْتَ جَنْبِهِ تَمْرَةً مِنَ
اللَّيْلِ فَأَكَلَهَا، فَلَمْ يَنَمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ بَعْضُ
نِسَائِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرِقْتَ اللَّيْلَةَ. قَالَ: " إِنِّي
وَجَدْتُ تَحْتَ جَنْبِي تَمْرَةً فَأَكَلْتُهَا، وَكَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ مِنْ
تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ مِنْهُ ". تَفَرَّدَ بِهِ
أَحْمَدُ. وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ هَذَا هُوَ اللَّيْثِيُّ؛ مِنْ
رِجَالِ مُسْلِمٍ. وَالَّذِي
نَعْتَقِدُ: أَنَّ هَذِهِ التَّمْرَةَ لَمْ تَكُنْ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ؛
لِعِصْمَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَكِنْ مِنْ كَمَالِ وَرَعِهِ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَرِقَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ.
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي
لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِمَا أَتَّقِي وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ
أَنَّهُ قَالَ: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي، وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ
الْمِرْجَلِ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الرَّحَى مِنَ
الْبُكَاءِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ
الْهَمْدَانِيِّ، ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، أَرَاكَ شِبْتَ. فَقَالَ: " شَيَّبَتْنِي هُودٌ
وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلَاتُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْسُ
كُوِّرَتْ ".
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَسْرَعَ إِلَيْكَ الشَّيْبُ. فَقَالَ: " شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا؛ الْوَاقِعَةُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ "
فَصْلٌ فِي شَجَاعَتِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذَكَرْتُ فِي " التَّفْسِيرِ " عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ
اسْتَنْبَطَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ
إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [ النِّسَاءِ: 84 ]. أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَأْمُورًا أَنْ لَا يَفِرَّ
مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا وَاجَهُوهُ، وَلَوْ كَانَ وَحْدَهُ، مِنْ قَوْلِهِ: لَا
تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
أَشْجَعِ النَّاسِ وَأَصْبَرِ النَّاسِ وَأَجْلِدِهِمْ، مَا فَرَّ قَطُّ مِنْ
مَصَافَّ وَلَوْ تَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ. قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: كُنَّا
إِذَا اشْتَدَّ الْحَرْبُ وَحَمِيَ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَفِي يَوْمِ بَدْرٍ رَمَى أَلْفَ مُشْرِكٍ بِقَبْضَةٍ
مِنْ حَصْبَاءَ، فَنَالَتْهُمْ أَجْمَعِينَ حِينَ قَالَ: ( شَاهَتِ الْوُجُوهُ
وَكَذَلِكَ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفَرَّ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ فِي
ثَانِي الْحَالِ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي مُقَامِهِ لَمْ يَبْرَحْ
مِنْهُ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ، قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ،
وَبَقِيَ الْخَمْسَةُ، وَفِي هَذَا الْوَقْتِ قُتِلَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ،
لَعَنَهُ اللَّهُ، فَعَجَّلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّارِ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ وَلَّى
النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَكَانُوا يَوْمَئِذٍ اثَّنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَثَبَتَ هُوَ
فِي نَحْوٍ مِنْ مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ رَاكِبٌ يَوْمَئِذٍ بَغْلَتَهُ،
وَهُوَ يَرْكُضُ بِهَا إِلَى نَحْوِ الْعَدُوِّ، وَهُوَ يُنَوِّهُ بِاسْمِهِ
الْكَرِيمِ وَيُعْلِنُ بِذَلِكَ
قَائِلًا: أَنَا النَّبِيُّ لَا
كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ حَتَّى جَعَلَ الْعَبَّاسُ وَعَلِيُّ
وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ يَتَعَلَّقُونَ فِي تِلْكَ الْبَغْلَةِ
لِيُبَطِّؤُوا سَيْرَهَا؛ خَوْفًا عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَصِلَ أَحَدٌ مِنَ
الْأَعْدَاءِ إِلَيْهِ، وَمَا زَالَ كَذَلِكَ حَتَّى نَصَرَهُ اللَّهُ وَأَيَّدَهُ
فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ، وَمَا تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَّا وَالْأُسَارَى مُكَبَّلَةٌ
بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ صُبْحٍ
الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا
سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:فُضِّلْتُ عَلَى النَّاسِ
بِشِدَّةِ الْبَطْشِ.
فَصْلٌ فِيمَا يُذْكَرُ مِنْ صِفَاتِهِ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْكُتُبِ الْمَأْثُورَةِ عَنِ
الْأَنْبِيَاءِ الْأَقْدَمِينَ
قَدْ أَسْلَفْنَا طَرَفًا صَالِحًا مِنْ ذَلِكَ فِي الْبِشَارَاتِ بِهِ قَبْلَ
مَوْلِدِهِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ هَاهُنَا غُرَرًا مِنْ ذَلِكَ.
فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، مِنْ حَدِيثِ
فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ
قَالَ:لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ. فَقَالَ:
أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي
الْقُرْآنِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا،
وَمُبَشِّرًا، وَنَذِيرًا، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي،
سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخِبٍ
بِالْأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو
وَيَغْفِرُ، وَلَنْ أَقْبِضَهُ حَتَّى أُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ؛ أَنْ
يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَفْتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا،
وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا. قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ ثُمَّ لَقِيتُ
كَعْبًا الْحَبْرَ، فَسَأَلْتُهُ، فَمَا اخْتَلَفَا فِي حَرْفٍ إِلَّا أَنَّ
كَعْبًا قَالَ: أَعْيُنًا عُمُومَى وَقُلُوبًا غُلُوفَى وَآذَانًا صُمُومَى.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ غَيْرَ مَنْسُوبٍ - قِيلَ: هُوَ ابْنُ رَجَاءٍ. وَقِيلَ: عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ. وَهُوَ الْأَرْجَحُ - عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي
سَلَمَةَ الْمَاجِشُونَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ بِهِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ:
وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ هِلَالٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ.
كَذَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا
أَبُو صَالِحٍ، هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي
اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ،
عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ سَلَامٍ
أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:إِنَّا لَنَجِدُ صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا،
وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُهُ
الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ، وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ،
وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَتَجَاوَزُ، وَلَنْ
أَقْبِضَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ، بِأَنْ يُشْهَدَ أَنَّ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، نَفْتَحُ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا
وَقُلُوبًا غُلْفًا. قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَأَخْبَرَنِي اللَّيْثِيُّ،
أَنَّهُ سَمِعَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ
يَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَ ابْنُ سَلَامٍ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ الطَّائِيُّ الْبَصْرِيُّ، ثَنَا
أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو مَوْدُودٍ
الْمَدَنِيُّ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الضَّحَّاكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: مَكْتُوبٌ
فِي التَّوْرَاةِ: صِفَةُ مُحَمَّدٍ، وَعِيسَى بْنُ مَرْيَمَ يُدْفَنُ مَعَهُ.
فَقَالَ أَبُو مَوْدُودٍ: وَقَدْ بَقِيَ فِي الْبَيْتِ مَوْضِعُ قَبْرٍ. ثُمَّ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. هَكَذَا قَالَ: عُثْمَانُ بْنُ
الضَّحَّاكِ. وَالْمَعْرُوفُ الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ الْمَدَنِيُّ، وَهَكَذَا
حَكَى شَيْخُنَا الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ فِي كِتَابِهِ " الْأَطْرَافِ "
عَنِ ابْنِ عَسَاكِرَ أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ، ثُمَّ قَالَ:
وَهُوَ شَيْخٌ آخَرُ أَقْدَمُ مِنَ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، ذَكَرَهُ ابْنُ
أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِيهِ فِيمَنِ اسْمُهُ عُثْمَانُ. فَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِمَّنْ
آمَنَ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَقَدْ كَانَ لَهُ
اطِّلَاعٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ
جِهَةِ زَامِلَتَيْنِ كَانَ
أَصَابَهُمَا يَوْمَ الْيَرْمُوكِ فَكَانَ يُحَدِّثُ مِنْهُمَا عَنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ، وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَاتِعٍ الْحَبْرِ وَكَانَ بَصِيرًا بِأَقْوَالِ
الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ خَلْطٍ وَغَلَطٍ، وَتَحْرِيفٍ
وَتَبْدِيلٍ، فَكَانَ يَقُولُهَا بِمَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ نَقْدٍ، وَرُبَّمَا
أَحْسَنَ بَعْضُ السَّلَفِ بِهَا الظَّنَّ فَنَقَلَهَا عَنْهُ مُسَلَّمَةً، وَفِي
ذَلِكَ مِنَ الْمُخَالَفَةِ لِبَعْضِ مَا بِأَيْدِينَا مِنَ الْحَقِّ جُمْلَةٌ
كَثِيرَةٌ، لَكِنْ لَا يَتَفَطَّنُ لَهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ لْيُعْلَمْ
أَنَّ كَثِيرًا مِنَ السَّلَفِ يُطْلِقُونَ التَّوْرَاةَ عَلَى كُتُبِ أَهْلِ
الْكِتَابِ، سَوَاءٌ كَانَتْ هَذَا الْكِتَابَ الْمَتْلُوَّ عِنْدَهُمْ، أَوْ
أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ يُطْلَقُ عَلَى كِتَابِنَا
خُصُوصًا، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ وَيُرَادُ بِهِ غَيْرُهُ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ:
" خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ الْقُرْآنُ، فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَوَابِّهِ
فَتُسْرَجُ، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ مِقْدَارَ مَا يَفْرُغُ ". وَقَدْ بُسِطَ
هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ،
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ
قَالَتْ: قُلْتُ لِكَعْبٍ الْحَبْرِ:كَيْفَ تَجِدُونَ صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ ؟ قَالَ: نَجِدُهُ: مُحَمَّدٌ
رَسُولُ اللَّهِ اسْمُهُ الْمُتَوَكِّلُ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا
سَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ، وَأُعْطِيَ الْمَفَاتِيحَ لِيُبَصِّرَ اللَّهُ بِهِ
أَعْيُنًا عُورًا، وَيُسْمِعَ بِهِ
آذَانًا وُقْرًا، وَيُقِيمَ بِهِ
أَلْسُنًا مُعْوَجَّةً، حَتَّى يُشْهَدَ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، يُعِينُ الْمَظْلُومَ وَيَمْنَعُهُ.
وَبِهِ عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الْعَيْزَارِ
بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَكْتُوبٌ فِي الْإِنْجِيلِ: لَا فَظٌّ، وَلَا غَلِيظٌ، وَلَا سَخَّابٌ
فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا، بَلْ يَعْفُو
وَيَصْفَحُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا فَيْضٌ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا
سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ، إِلَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ: جِدَّ فِي أَمْرِي وَلَا تَهْزُلْ،
وَاسْمَعْ وَأَطِعْ يَا بْنَ الطَّاهِرِ الْبِكْرِ الْبَتُولِ، إِنِّي خَلَقْتُكَ
مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ فَجَعَلْتُكَ آيَةً لِلْعَالَمِينَ، فَإِيَّايَ فَاعْبُدْ،
وَعَلَيَّ فَتَوَكَّلْ، فَبَيِّنْ لِأَهْلِ سُورَانَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، بَلِّغْ
مِنْ بَيْنِ يَدِكَ أَنِّي أَنَا الْحَقُّ الْقَائِمُ الَّذِي لَا أَزُولُ،
صَدِّقُوا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الْعَرَبِيِّ، صَاحِبِ الْجَمَلِ
وَالْمِدْرَعَةِ وَالْعِمَامَةِ وَالنَّعْلَيْنِ وَالْهِرَاوَةِ،
الْجَعْدِ الرَّأْسِ، الصَّلْتِ
الْجَبِينِ، الْمَقْرُونِ الْحَاجِبَيْنِ، الْأَنْجَلِ الْعَيْنَيْنِ، الْأَهْدَبِ
الْأَشْفَارِ الْأَدْعَجِ الْعَيْنَيْنِ، الْأَقْنَى الْأَنْفِ، الْوَاضِحِ
الْجَبِينِ الْكَثِّ اللِّحْيَةِ، عَرَقُهُ فِي وَجْهِهِ كَاللُّؤْلُؤِ، رِيحُهُ
الْمِسْكُ يَنْفَحُ مِنْهُ، كَأَنَّ عُنُقَهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ، وَكَأَنَّ
الذَّهَبَ يَجْرِي فِي تَرَاقِيهِ، لَهُ شَعَرَاتٌ مِنْ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ
تَجْرِي كَالْقَضِيبِ، لَيْسَ عَلَى صَدْرِهِ وَلَا بَطْنِهِ شِعْرٌ غَيْرُهُ،
شَثْنُ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ، إِذَا جَاءَ مَعَ النَّاسِ غَمَرَهُمْ، وَإِذَا
مَشَى كَأَنَّمَا يَتَقَلَّعُ مِنَ الصَّخْرِ وَيَنْحَدِرُ فِي صَبَبٍ، ذُو
النَّسْلِ الْقَلِيلِ.
وَرَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ
الْيَمَانِيِّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا قَرَّبَ مُوسَى
نَجِيًّا، قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أُجِدُّ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ،
وَيُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ
أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً هُمُ الْآخِرُونَ
مِنَ الْأُمَمِ، السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي.
قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ
أُمَّةً أَنَاجِيلُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ يَقْرَؤُونَهَا، وَكَانَ مَنْ قَبْلَهُمْ
يَقْرَؤُونَ كُتُبَهُمْ نَظَرًا وَلَا يَحْفَظُونَهَا، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي.
قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ
أُمَّةً يُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ، وَيُقَاتِلُونَ رُؤُوسَ
الضَّلَالَةِ حَتَّى يُقَاتِلُوا الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، فَاجْعَلْهُمْ
أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ،
إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ
أُمَّةً يَأْكُلُونَ صَدَقَاتِهِمْ فِي بُطُونِهِمْ، وَكَانَ مَنْ قَبْلَهُمْ
إِذَا أَخْرَجَ صَدَقَتَهُ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا نَارًا فَأَكَلَتْهَا، فَإِنْ
لَمْ تُقْبَلْ لَمْ تَقْرَبْهَا النَّارُ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ
أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً إِذَا
هَمَّ أَحَدُهُمْ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ
عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا هَمَّ أَحَدُهُمْ بِحَسَنَةٍ وَلَمْ
يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ
أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ: تِلْكَ
أُمَّةُ أَحْمَدَ. قَالَ: رَبِّ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أُمَّةً هُمُ
الْمُسْتَجِيبُونَ وَالْمُسْتَجَابُ لَهُمْ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي. قَالَ:
تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ.
قَالَ: وَذَكَرُ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ فِي قِصَّةِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ،
وَمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي الزَّبُورِ: يَا دَاوُدُ، إِنَّهُ سَيَأْتِي مِنْ
بَعْدِكَ نَبِيٌّ اسْمُهُ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ، صَادِقًا سَيِّدًا، لَا أَغْضَبُ
عَلَيْهِ أَبَدًا، وَلَا يُغْضِبُنِي أَبَدًا، وَقَدْ غَفَرْتُ لَهُ قَبْلَ أَنْ
يَعْصِيَنِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، أُمَّتُهُ مَرْحُومَةٌ،
أَعْطَيْتُهُمْ مِنَ النَّوَافِلِ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتُ الْأَنْبِيَاءَ،
وَافْتَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الْفَرَائِضَ الَّتِي افْتَرَضْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ
وَالرُّسُلِ، حَتَّى يَأْتُونِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنُورُهُمْ مِثْلُ نُورِ
الْأَنْبِيَاءِ، وَذَلِكَ أَنِّي افْتَرَضْتُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَطَهَّرُوا لِي
لِكُلِّ صَلَاةٍ كَمَا افْتَرَضْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُمْ،
وَأَمَرْتُهُمْ بِالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ كَمَا أَمَرْتُ الْأَنْبِيَاءَ
قَبْلَهُمْ، وَأَمَرْتُهُمْ بِالْحَجِّ كَمَا أَمَرْتُ الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُمْ،
وَأَمَرْتُهُمْ بِالْجِهَادِ كَمَا أَمَرْتُ الرُّسُلَ قَبْلَهُمْ، يَا دَاوُدُ،
إِنِّي فَضَّلْتُ مُحَمَّدًا وَأُمَّتَهُ عَلَى الْأُمَمِ كُلِّهَا،
أَعْطَيْتُهُمْ سِتَّ خِصَالٍ لَمْ
أُعْطِهَا غَيْرَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ؛ لَا أُؤَاخِذُهُمْ بِالْخَطَأِ
وَالنِّسْيَانِ، وَكُلُّ ذَنْبٍ رَكِبُوهُ عَلَى غَيْرِ عَمْدٍ إِنِ
اسْتَغْفَرُونِي مِنْهُ غَفَرْتُهُ لَهُمْ، وَمَا قَدَّمُوا لِآخِرَتِهِمْ مِنْ
شَيْءٍ طَيِّبَةً بِهِ أَنْفُسُهُمْ عَجَّلْتُهُ لَهُمْ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً،
وَلَهُمْ فِي الْمَدْخُورِ عِنْدِي أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ،
وَأَعْطَيْتُهُمْ عَلَى الْمَصَائِبِ فِي الْبَلَايَا إِذَا صَبَرُوا وَقَالُوا:
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. الصَّلَاةَ وَالرَّحْمَةَ
وَالْهُدَى إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ، فَإِنْ دَعَوْنِي اسْتَجَبْتُ لَهُمْ،
فَإِمَّا أَنْ يَرَوْهُ عَاجِلًا، وَإِمَّا أَنْ أَصْرِفَ عَنْهُمْ سُوءًا،
وَإِمَّا أَنْ أَدَّخِرَهُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، يَا دَاوُدُ، مَنْ لَقِيَنِي
مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي لَا
شَرِيكَ لِي صَادِقًا بِهَا، فَهُوَ مَعِي فِي جَنَّتِي وَكَرَامَتِي، وَمَنْ
لَقِيَنِي وَقَدْ كَذَّبَ مُحَمَّدًا وَكَذَّبَ بِمَا جَاءَ بِهِ وَاسْتَهْزَأَ
بِكِتَابِي، صَبَبْتُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ الْعَذَابَ صَبًّا، وَضَرَبَتِ
الْمَلَائِكَةُ وَجْهَهُ وَدُبُرَهُ عِنْدَ مَنْشَرِهِ مِنْ قَبْرِهِ، ثُمَّ
أُدْخِلُهُ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الْفَتْحِ
الْعُمَرِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ الْهَرَوِيُّ، ثَنَا
يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ أَبُو
سَعِيدٍ الرَّبَعِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
يَعْنِي ابْنَ
مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ
مُطْعِمٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ عُثْمَانَ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهَا، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي
جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ يَقُولُ: لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَظَهَرَ أَمْرُهُ بِمَكَّةَ، خَرَجْتُ إِلَى الشَّامِ
فَلَمَّا كُنْتُ بِبَصْرَى أَتَتْنِي جَمَاعَةٌ مِنَ النَّصَارَى فَقَالُوا لِي:
أَمِنَ الْحَرَمِ أَنْتَ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالُوا: فَتَعْرِفُ هَذَا الَّذِي
تَنَبَّأَ فِيكُمْ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَخَذُوا بِيَدِي، فَأَدْخَلُونِي
دَيْرًا لَهُمْ فِيهِ تَمَاثِيلُ وَصُوَرٌ، فَقَالُوا لِي: انْظُرْ، هَلْ تَرَى
صُورَةَ هَذَا النَّبِيِّ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ
صُورَتَهُ، قُلْتُ: لَا أَرَى صُورَتَهُ. فَأَدْخَلُونِي دَيْرًا أَكْبَرَ مِنْ
ذَلِكَ الدَّيْرِ، فَإِذَا فِيهِ تَمَاثِيلُ وَصُوَرٌ أَكْثَرَ مِمَّا فِي ذَلِكَ
الدَّيْرِ، فَقَالُوا لِي: انْظُرْ، هَلْ تَرَى صُورَتَهُ ؟ فَنَظَرْتُ فَإِذَا
أَنَا بِصِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصُورَتِهِ،
وَإِذَا أَنَا بِصِفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصُورَتِهِ وَهُوَ آخِذٌ بِعَقِبِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا لِي: هَلْ تَرَى صِفَتَهُ ؟
قُلْتُ: نَعَمْ. قَالُوا: أَهْوَ هَذَا ؟ وَأَشَارُوا إِلَى صِفَةِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، أَشْهَدُ
أَنَّهُ هُوَ. قَالُوا: أَتَعْرِفُ هَذَا الَّذِي هُوَ آخِذٌ بِعَقِبِهِ ؟ قُلْتُ:
نَعَمْ. قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا صَاحَبُكُمْ، وَأَنَّ هَذَا الْخَلِيفَةُ
مِنْ بَعْدِهِ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ " عَنْ مُحَمَّدٍ غَيْرَ
مَنْسُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ هَذَا بِإِسْنَادِهِ، فَذَكَرَهُ
مُخْتَصَرًا، وَعِنْدَهُ: فَقَالُوا: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا بَعْدَهُ
نَبِيٌّ إِلَّا هَذَا النَّبِيُّ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِنَا "
التَّفْسِيرِ " عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ:
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ
مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ الْآيَةَ [ الْأَعْرَافِ: 175 ].
ذَكَرْنَا مَا أَوْرَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُمَامَةَ
الْبَاهِلِيِّ،
عَنْ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ الْأُمَوِيِّ قَالَ: بُعِثْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى هِرَقْلَ صَاحِبِ الرُّومِ نَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ. فَذَكَرَ اجْتِمَاعَهُمْ بِهِ وَأَنَّ غُرْفَتَهُ تَنَفَّضَتْ حِينَ ذَكَرُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَنْزَلَهُمْ فِي دَارِ ضِيَافَتِهِ، ثُمَّ اسْتَدْعَاهُمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَدَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الرَّبْعَةِ الْعَظِيمَةِ، فِيهَا بُيُوتٌ صِغَارٌ، عَلَيْهَا أَبْوَابٌ، وَإِذَا فِيهَا صُوَرُ الْأَنْبِيَاءِ مُمَثَّلَةً فِي قِطَعٍ مِنْ حَرِيرٍ، مِنْ آدَمَ إِلَى مُحَمَّدٍ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، فَجَعَلَ يُخْرِجُ لَهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، وَيُخْبِرُهُمْ عَنْهُ، وَأَخْرَجَ لَهُمْ صُورَةَ آدَمَ ثُمَّ نُوحٍ ثُمَّ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ تَعَجَّلَ إِخْرَاجَ صُورَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، وَإِذَا وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَبَكَيْنَا. قَالَ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَامَ قَائِمًا، ثُمَّ جَلَسَ، وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَهُوَ ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، إِنَّهُ لَهُوَ كَمَا تَنْظُرُ إِلَيْهِ. فَأَمْسَكَ سَاعَةً يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ آخِرَ الْبُيُوتِ، وَلَكِنِّي عَجَّلْتُهُ لَكُمْ لِأَنْظُرَ مَا عِنْدَكُمْ. ثُمَّ ذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ فِي إِخْرَاجِهِ صُوَرَ بَقِيَّةِ صُوَرِ الْأَنْبِيَاءِ وَتَعْرِيفِهِ إِيَّاهُمَا بِهِمْ. وَقَالَ فِي آخِرِهِ: قُلْنَا لَهُ: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذِهِ الصُّوَرُ ؟ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهَا عَلَى مَا صُوِّرَتْ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ لِأَنَّا رَأَيْنَا صُورَةَ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مِثْلَهُ. فَقَالَ: إِنَّ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ الْأَنْبِيَاءَ مَنْ وَلَدِهِ، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ صُوَرَهُمْ، فَكَانَ فِي خِزَانَةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، عِنْدَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَاسْتَخْرَجَهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ مِنْ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَدَفَعَهَا إِلَى دَانْيَالَ. ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ نَفْسِي طَابَتْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مُلْكِي، وَأَنِّي كُنْتُ عَبْدًا لِأَشَرِّكُمْ مَلَكَةً حَتَّى أَمُوتَ. قَالَ: ثُمَّ أَجَازَنَا فَأَحْسَنَ جَائِزَتَنَا وَسَرَّحَنَا، فَلَمَّا أَتَيْنَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَدَّثْنَاهُ بِمَا رَأَيْنَا وَمَا قَالَ لَنَا وَمَا أَجَازَنَا. قَالَ: فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: مِسْكِينٌ لَوْ
أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا
لَفَعَلَ. ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ وَالْيَهُودُ يَجِدُونَ نَعْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُمْ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْحَكَمِيُّ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ
نُفَيْلٍ يَقُولُ: أَنَا أَنْتَظِرُ نَبِيًّا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، ثُمَّ
مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلَا أَرَانِي أُدْرِكُهُ، وَأَنَا أُومِنُ بِهِ
وَأُصَدِّقُهُ وَأَشْهَدُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ
فَرَأَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَسَأُخْبِرُكَ مَا نَعْتُهُ حَتَّى
لَا يَخْفَى عَلَيْكَ. قُلْتُ: هَلُمَّ. قَالَ هُوَ رَجُلٌ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ
وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَلَا بِكَثِيرِ الشَّعْرِ وَلَا بِقَلِيلِهِ، وَلَيْسَتْ
تُفَارِقُ عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ، وَخَاتَمُ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ،
وَاسْمُهُ أَحْمَدُ، وَهَذَا الْبَلَدُ مَوْلِدُهُ وَمَبْعَثُهُ، ثُمَّ يُخْرِجُهُ
قَوْمُهُ مِنْهَا، وَيَكْرَهُونَ مَا جَاءَ بِهِ حَتَّى يُهَاجِرَ إِلَى يَثْرِبَ
فَيَظْهَرَ أَمْرُهُ، فَإِيَّاكَ أَنْ تُخْدَعَ عَنْهُ، فَإِنِّي طُفْتُ الْبِلَادَ
كُلَّهَا أَطْلُبُ دِينَ إِبْرَاهِيمَ، فَكُلُّ مَنْ أَسْأَلُ مِنَ الْيَهُودِ
وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ يَقُولُونَ: هَذَا الدِّينُ وَرَاءَكَ.
وَيَنْعَتُونَهُ مِثْلَ مَا نَعَتُّهُ لَكَ، وَيَقُولُونَ: لَمْ يَبْقَ نَبِيٌّ
غَيْرُهُ. قَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ: فَلَمَّا أَسْلَمْتُ أَخْبَرْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
نُفَيْلٍ وَأَقْرَأْتُهُ مِنْهُ السَّلَامَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ،
وَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُهُ فِي الْجَنَّةِ يَسْحَبُ
ذُيُولًا.
كِتَابُ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ
وَهِيَ مَعْنَوِيَّةٌ وَحِسِّيَّةٌ؛ فَمِنَ الْمَعْنَوِيَّةِ إِنْزَالُ الْقُرْآنِ
الْعَظِيمِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ الْمُعْجِزَاتِ، وَأَبْهَرُ الْآيَاتِ،
وَأَبْيَنُ الْحُجَجِ الْوَاضِحَاتِ؛ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ التَّرْكِيبِ
الْمُعْجِزِ الَّذِي تَحَدَّى بِهِ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ
فَعَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ، مَعَ تَوَافُرِ دَوَاعِي أَعْدَائِهِ عَلَى مُعَارَضَتِهِ
وَفَصَاحَتِهِمْ وَبَلَاغَتِهِمْ. ثُمَّ تَحَدَّاهُمْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ
فَعَجَزُوا، ثُمَّ تَنَازَلَ إِلَى التَّحَدِّي بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ
فَعَجَزُوا عَنْهُ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ عَجْزَهُمْ وَتَقْصِيرَهُمْ عَنْ ذَلِكَ،
وَأَنَّ هَذَا مَا لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ إِلَيْهِ أَبَدًا، قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا
بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [ الْإِسْرَاءِ: 88 ]. وَهَذِهِ الْآيَةُ مَكِّيَّةٌ، وَقَالَ
فِي سُورَةِ " الطُّورِ " وَهِيَ مَكِّيَّةٌ: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ
بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ [
الطُّورِ: 33، 34 ]. أَيْ؛ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي أَنَّهُ قَالَهُ مِنْ
عِنْدِهِ فَهُوَ بَشَرٌ مَثَلُكُمْ، فَأَتَوْا بِمِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ
فَإِنَّكُمْ بَشَرٌ مِثْلُهُ. وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ " الْبَقَرَةِ
"، وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ مُعِيدًا لِلتَّحَدِّي: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ
مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا
شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ
تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [ الْبَقَرَةِ 23، 24 ].
وَقَالَ تَعَالَى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ هُودٍ: 13، 14 ] وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ [ يُونُسَ: 37 - 39 ] فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْخَلْقَ عَاجِزُونَ عَنْ مُعَارَضَةِ هَذَا الْقُرْآنِ، بَلْ عَنْ عَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ، بَلْ عَنْ سُورَةٍ مِنْهُ، وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ ذَلِكَ أَبَدًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا أَيْ؛ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فِي الْمَاضِي وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهَذَا تَحَدٍّ ثَانٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُعَارَضَتُهُ لَهُمْ لَا فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ، وَمِثْلُ هَذَا التَّحَدِّي إِنَّمَا يَصْدُرُ عَنْ وَاثِقٍ بِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ لَا يُمْكِنُ الْبَشَرَ مُعَارَضَتُهُ وَلَا الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ مُتَقَوِّلٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ لَخَافَ أَنْ يُعَارَضَ، فَيَفْتَضِحَ وَيَعُودَ عَلَيْهِ نَقِيضُ مَا قَصَدَهُ مِنْ مُتَابَعَةِ النَّاسِ لَهُ، وَمَعْلُومٌ لِكُلِّ ذِي لُبٍّ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَعْقَلِ خَلْقِ اللَّهِ، بَلْ أَعْقَلُهُمْ وَأَكْمَلُهُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَمَا كَانَ لِيُقْدِمَ عَلَى هَذَا إِلَّا وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُعَارَضَتُهُ، وَهَكَذَا وَقَعَ، فَإِنَّ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَى زَمَانِنَا هَذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ بِنَظِيرِهِ وَلَا نَظِيرِ سُورَةٍ مِنْهُ، وَهَذَا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ أَبَدًا، فَإِنَّهُ كَلَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ
خَلْقِهِ؛ لَا فِي ذَاتِهِ، وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، فَأَنَّى يُشْبِهُ كَلَامُ الْمَخْلُوقِينَ كَلَامَ الْخَالِقِ ؟! وَقَوْلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ الَّذِي حَكَاهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [ الْأَنْفَالِ: 31 ] كَذِبٌ مِنْهُمْ وَدَعْوَى بَاطِلَةٌ بِلَا دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ وَلَا حُجَّةٍ وَلَا بَيَانٍ، وَلَوْ كَانُوا صَادِقِينَ لَأَتَوْا بِمَا يُعَارِضُهُ، بَلْ هُمْ يَعْلَمُونَ كَذِبَ أَنْفُسِهِمْ، كَمَا يَعْلَمُونَ كَذِبَ أَنْفُسِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [ الْفَرْقَانِ: 5 ] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [ الْفَرْقَانِ: 6 ] أَيْ؛ أَنْزَلَهُ عَالِمُ الْخَفِيَّاتِ، وَرَبُّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، الَّذِي يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ، فَإِنَّهُ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي كَانَ لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ وَلَا يَدْرِيهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَا يَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ عِلْمِ الْأَوَائِلِ، وَأَخْبَارِ الْمَاضِينَ، فَقَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ خَبَرَ مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ عَلَى الْوَجْهِ الْوَاقِعِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ الَّذِي اخْتَلَفَتْ فِي إِيرَادِهِ جُمْلَةُ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [ هُودٍ: 49 ] وَقَالَ تَعَالَى: كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا [ طَهَ: 99 - 101 ] وَقَالَ تَعَالَى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ الْآيَةَ [ الْمَائِدَةِ: 48 ]
. وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [ الْعَنْكَبُوتِ: 48 - 52 ] فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ نَفْسَ إِنْزَالِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى عِلْمِ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَحَكَمِ مَا هُوَ كَائِنٌ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى مِثْلِ هَذَا النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَحْدَهُ كَافٍ فِي الدِّلَالَةِ عَلَى صِدْقِهِ، وَقَالَ تَعَالَى وَإِذْ تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ [ يُونُسَ: 15 - 17 ] يَقُولُ لَهُمْ: إِنِّي لَا أُطِيقُ تَبْدِيلَ هَذَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي، وَإِنَّمَا
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، هُوَ الَّذِي
يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ، وَأَنَا مُبَلِّغٌ عَنْهُ، وَأَنْتُمْ
تَعْلَمُونَ صِدْقِي فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ؛ لِأَنِّي نَشَأْتُ بَيْنَ
أَظْهُرِكُمْ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ نَسَبِي وَصِدْقِي، وَأَمَانَتِي، وَأَنِّي لَمْ
أَكْذِبْ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ، فَكَيْفَ يَسَعُنِي أَنْ
أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَالِكِ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ، الَّذِي
هُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَبِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ؟! وَأَيُّ ذَنْبٍ
عِنْدَهُ أَعْظَمُ مِنَ الْكَذِبِ عَلَيْهِ، وَنِسْبَةِ مَا لَيْسَ مِنْهُ
إِلَيْهِ ؟ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ
الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ
الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ [ الْحَاقَّةِ: 44 - 47
] أَيْ لَوْ كَذَبَ عَلَيْنَا لَانْتَقَمْنَا مِنْهُ أَشَدَّ الِانْتِقَامِ، وَمَا
اسْتَطَاعَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يَحْجِزَنَا عَنْهُ وَلَا
يَمْنَعَنَا مِنْهُ.
وَقَالَ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ
قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ
مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ
الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ
الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ
غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [ الْأَنْعَامِ: 93 ]
وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ
بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ
وَمَنْ بَلَغَ [ الْأَنْعَامِ: 19 ] وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ الْإِخْبَارُ
بِأَنَّ اللَّهَ شَهِيدٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ تَعَالَى أَعْظَمُ
الشُّهَدَاءِ، وَهُوَ مُطَّلِعٌ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ
عَنْهُ، وَتَتَضَمَّنُ قُوَّةُ الْكَلَامِ قَسَمًا بِهِ أَنَّهُ قَدْ أَرْسَلَنِي
إِلَى الْخَلْقِ لِأُنْذِرَهُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ، فَمَنْ بَلَغَهُ مِنْهُمْ
فَهُوَ نَذِيرٌ لَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ
الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ [ هُودٍ: 17 ]
فَفِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنَ الْأَخْبَارِ الصَّادِقَةِ عَنِ اللَّهِ
وَمَلَائِكَتِهِ وَعَرْشِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ الْعُلْوِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ، كَالسَّمَاوَاتِ،
وَالْأَرْضِينَ، وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا فِيهِنَّ، أُمُورٌ عَظِيمَةٌ كَثِيرَةٌ
مُبَرْهَنَةٌ بِالْأَدِلَّةِ
الْقَطْعِيَّةِ الْمُرْشِدَةِ إِلَى الْعِلْمِ بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ الصَّحِيحِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا [ الْإِسْرَاءِ: 89 ] وَقَالَ تَعَالَى: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [ الْعَنْكَبُوتِ: 43 ] وَقَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [ الزُّمَرِ: 27، 28 ] وَفِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الْإِخْبَارُ عَمَّا مَضَى عَلَى الْوَجْهِ الْحَقِّ، وَبُرْهَانُهُ مَا فِي كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ ذَلِكَ شَاهِدًا لَهُ، مَعَ كَوْنِهِ نَزَلَ عَلَى رَجُلٍ أُمِّيٍّ لَا يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَلَمْ يُعَانِ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ شَيْئًا مِنْ عُلُومِ الْأَوَائِلِ، وَلَا أَخْبَارِ الْمَاضِينَ، فَلَمْ يُفْجَأَ النَّاسُ إِلَّا بِوَحْيٍ إِلَيْهِ عَمَّا كَانَ مِنَ الْأَخْبَارِ النَّافِعَةِ، الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُذْكَرَ لِلِاعْتِبَارِ بِهَا مِنْ أَخْبَارِ الْأُمَمِ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَا كَانَ مِنْ أُمُورِهِمْ مَعَهُمْ، وَكَيْفَ نَجَّى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَهْلَكَ الْكَافِرِينَ، بِعِبَارَةٍ لَا يَسْتَطِيعُ بَشَرٌ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ، وَدَهْرَ الدَّاهِرِينِ فَفِي مَكَانٍ تُقَصُّ الْقِصَّةُ مُوجَزَةً فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْفَصَاحَةِ، وَتَارَةً تُبْسَطُ، فَلَا أَحْلَى وَلَا أَجْلَى وَلَا أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ السِّيَاقِ، حَتَّى كَأَنَّ التَّالِيَ وَالسَّامِعَ مُشَاهِدٌ لِمَا كَانَ، حَاضِرٌ لَهُ، مُعَايِنٌ لِلْخَبَرِ بِنَفْسِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [ الْقَصَصِ: 46 ] وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيْهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [ آلِ عِمْرَانَ: 44 ] وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُوسُفَ: ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ [ يُوسُفَ: 101 - 104 ]
إِلَى أَنْ قَالَ فِي آخِرِهَا لَقَدْ
كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا
يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ
وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ يُوسُفَ: 111 ] وَقَالَ تَعَالَى:
وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ
مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى [ طَهَ: 133 ] وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ
فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [ فُصِّلَتْ: 52، 53 ] وَعَدَ تَعَالَى أَنَّهُ
سَيُظْهِرُ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَصِدْقَهُ وَصِدْقَ مَنْ جَاءَ بِهِ بِمَا
يَخْلُقُهُ فِي الْآفَاقِ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ هَذَا
الْكِتَابِ، وَفِي نَفْسِ الْمُنْكِرِينَ لَهُ الْمُكَذِّبِينَ مَا فِيهِ حُجَّةٌ
عَلَيْهِمْ وَبُرْهَانٌ قَاطِعٌ لِشُبَهِهِمْ، حَتَّى يَسْتَيْقِنُوا أَنَّهُ
مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ الصَّادِقِ، ثُمَّ أَرْشَدَ إِلَى
دَلِيلٍ مُسْتَقِلٍّ بِقَوْلِهِ: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ شَهِيدٌ؛ أَيْ فِي الْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَى هَذَا
الْأَمْرِ كِفَايَةٌ فِي صِدْقِ هَذَا الْمُخْبِرِ عَنْهُ، إِذْ لَوْ كَانَ
مُفْتَرِيًا عَلَيْهِ لَعَاجَلَهُ بِالْعُقُوبَةِ الْبَلِيغَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ
بَيَانُ ذَلِكَ.
وَفِي هَذَا الْقُرْآنِ إِخْبَارٌ عَمَّا وَقَعَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ طِبْقَ مَا
وَقَعَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ حَسَبَ مَا قَرَّرْنَاهُ
فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ "، وَمَا سَنَذْكُرُهُ مِنَ الْمَلَاحِمِ
وَالْفِتَنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ
يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [ الْمُزَّمِّلِ: 20 ]
وَهَذِهِ السُّورَةُ مِنْ أَوَائِلِ
مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ "
اقْتَرَبَتْ " وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ
وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى
وَأَمَرُّ [ الْقَمَرِ: 45، 46 ] وَقَعَ مِصْدَاقُ هَذِهِ الْهَزِيمَةِ يَوْمَ
بَدْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ، إِلَى أَمْثَالِ هَذَا مِنَ الْأُمُورِ الْبَيِّنَةِ الْوَاضِحَةِ،
وَسَيَأْتِي فَصْلٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي وَقَعَتْ
بَعْدَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، طِبْقَ مَا أَخْبَرَ بِهِ.
وَفِي الْقُرْآنِ الْأَحْكَامُ الْعَادِلَةُ أَمْرًا وَنَهْيًا، الْمُشْتَمِلَةُ
عَلَى الْحِكَمِ الْبَالِغَةِ الَّتِي إِذَا تَأَمَّلَهَا ذُو الْفَهْمِ
وَالْعَقْلِ الصَّحِيحِ قَطَعَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ إِنَّمَا أَنْزَلَهَا
الْعَالِمُ بِالْخَفِيَّاتِ، الرَّحِيمُ بِعِبَادِهِ، الَّذِي يُعَامِلُهُمْ
بِلُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ، قَالَ تَعَالَى وَتَمَّتْ كَلِمَةُ
رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [ الْأَنْعَامِ: 115 ]؛ أَيْ صِدْقًا فِي الْأَخْبَارِ
وَعَدْلًا فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي. وَقَالَ تَعَالَى الر كِتَابٌ
أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [ هُودٍ: 1 ]
أَيْ؛ أُحْكِمَتْ أَلْفَاظُهُ وَفُصِّلَتْ مَعَانِيهِ. وَقَالَ تَعَالَى: هُوَ
الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ [ التَّوْبَةِ: 33 ] أَيِ
الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ:
هُوَ كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ
خَبَرُ مَا قَبْلَكُمْ، وَحُكْمُ مَا
بَيْنَكُمْ، وَنَبَأُ مَا بَعْدَكُمْ. وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا كُلَّهُ فِي
كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَلِلَّهِ
الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ
فَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ مُعْجِزٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ؛ مِنْ فَصَاحَتِهِ،
وَبَلَاغَتِهِ، وَنَظْمِهِ، وَتَرَاكِيبِهِ، وَأَسَالِيبِهِ، وَمَا تَضَمَّنَهُ
مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْغُيُوبِ الْمَاضِيَةِ وَالْمُسْتَقْبَلَةِ، وَمَا
اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمُحْكَمَةِ الْجَلِيَّةِ، فَالتَّحَدِّي
بِبَلَاغَةِ أَلْفَاظِهِ يَخُصُّ فُصَحَاءَ الْعَرَبِ، وَالتَّحَدِّي بِمَا
اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعَانِي الصَّحِيحَةِ الْكَامِلَةِ - وَهِيَ أَعْظَمُ
فِي التَّحَدِّي عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَّاءِ - يَعُمُّ جَمِيعَ أَهْلِ
الْأَرْضِ مِنَ الْمِلَّتَيْنِ؛ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ
عُقَلَاءِ الْيُونَانِ وَالْهِنْدِ وَالْفَرَسِ وَالْقِبْطِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ
أَصْنَافِ بَنِي آدَمَ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ وَالْأَعْصَارِ، وَأَمَّا مَنْ
زَعَمَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ الْإِعْجَازَ إِنَّمَا هُوَ مَنْ صَرْفِ
دَوَاعِي الْكَفَرَةِ عَنْ مُعَارَضَتِهِ مَعَ إِمْكَانِ ذَلِكَ، أَوْ هُوَ سَلْبُ
قُدَرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، فَقَوْلٌ بَاطِلٌ وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ
أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ، خَلَقَهُ اللَّهُ فِي بَعْضِ الْأَجْرَامِ، وَلَا
فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ مَخْلُوقٍ وَمَخْلُوقٍ، وَقَوْلُهُمْ هَذَا كُفْرٌ
وَبَاطِلٌ، وَلَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بَلِ الْقُرْآنُ
كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، تَكَلَّمَ بِهِ كَمَا شَاءَ تَعَالَى
وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا فَالْخَلْقُ
كُلُّهُمْ عَاجِزُونَ حَقِيقَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَنِ الْإِتْيَانِ
بِمِثْلِهِ وَلَوْ تَعَاضَدُوا وَتَظَاهَرُوا عَلَى ذَلِكَ، بَلْ لَا تَقْدِرُ
الرُّسُلُ الَّذِينَ هُمْ أَفْصَحُ الْخَلْقِ وَأَعْلَمُ الْخَلْقِ وَأَكْمَلُهُمْ
أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِمِثْلِ كَلَامِ اللَّهِ، وَهَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي
يُبَلِّغُهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
اللَّهِ كَلَامٌ لَهُ أُسْلُوبٌ لَا
يُشْبِهُ أَسَالِيبَ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَأَسَالِيبُ كَلَامِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْمَحْفُوظَةُ عَنْهُ
بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ إِلَيْهِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا
مَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمِثْلِ أَسَالِيبِهِ فِي فَصَاحَتِهِ
وَبَلَاغَتِهِ فِيمَا يَرُومُهُ مِنَ الْمَعَانِي بِأَلْفَاظِهِ الشَّرِيفَةِ،
بَلْ وَكَلَامُ الصَّحَابَةِ أُسْلُوبٌ أَعْلَى مِنْ أَسَالِيبِ كَلَامِ
التَّابِعِينَ، وَهَلُمَّ جَرًّا إِلَى زَمَانِنَا، وَعُلَمَاءُ السَّلَفِ
أَفْصَحُ وَأَعْلَمُ وَأَقَلُّ تَكَلُّفًا فِي أَدَاءِ مَا يُرِيدُونَهُ مِنَ
الْمَعَانِي بِأَلْفَاظِهِمْ، مِنْ عُلَمَاءِ الْخَلَفِ، وَهَذَا يَشْهَدُهُ مَنْ
لَهُ ذَوْقٌ بِكَلَامِ النَّاسِ، كَمَا يُدْرَكُ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ أَشْعَارِ
الْعَرَبِ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ وَبَيْنَ أَشْعَارِ الْمُوَلَّدِينَ
الَّذِينَ كَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ.
وَلِهَذَا جَاءَ الْحَدِيثُ الثَّابِتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ فِيمَا
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَائِلًا: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، ثَنَا لَيْثٌ،
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنَ
الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ
عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحَيًّا أَوْحَاهُ اللَّهُ
إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِهِ.
وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كُلٌّ
مِنْهُمْ قَدْ أُوتِيَ مِنَ الْحُجَجِ وَالدَّلَائِلِ عَلَى صِدْقِهِ وَصِحَّةِ
مَا جَاءَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَحُجَّةٌ لِقَوْمِهِ الَّذِينَ
بُعِثَ إِلَيْهِمْ، سَوَاءٌ آمَنُوا بِهِ فَفَازُوا بِثَوَابِ إِيمَانِهِمْ، أَوْ
جَحَدُوا
فَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ، وَقَوْلُهُ،
وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ أَيْ جُلُّهُ وَأَعْظَمُهُ الْوَحْيُ الَّذِي
أَوْحَاهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْحَجَّةُ الْمُسْتَمِرَّةُ الدَّائِمَةُ
الْقَائِمَةُ فِي زَمَانِهِ وَبَعْدَهُ، فَإِنَّ الْبَرَاهِينَ الَّتِي كَانَتْ
لِلْأَنْبِيَاءِ انْقَرَضَ زَمَانُهَا فِي حَيَاتِهِمْ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا
إِلَّا الْخَبَرُ عَنْهَا، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ حُجَّةٌ قَائِمَةٌ،
كَأَنَّمَا يَسْمَعُهُ السَّامِعُ مِنْ فَلْقٍ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحُجَّةُ اللَّهِ قَائِمَةٌ بِهِ فِي حَيَّاتِهِ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ فَأَرْجُو أَنْ
أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْ لِاسْتِمْرَارِ مَا
آتَانِيَ اللَّهُ مِنَ الْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ وَالْبَرَاهِينِ الدَّامِغَةِ،
فَلِهَذَا يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا.
فَصْلٌ
وَمِنَ الدَّلَائِلِ الْمَعْنَوِيَّةِ أَخْلَاقُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ الطَّاهِرَةُ وَخُلُقُهُ الْكَامِلُ، وَشَجَاعَتُهُ، وَحِلْمُهُ،
وَكَرَمُهُ، وَزُهْدُهُ، وَقَنَاعَتُهُ، وَإِيثَارُهُ، وَجَمِيلُ صُحْبَتِهِ،
وَصِدْقُهُ، وَأَمَانَتُهُ، وَتَقْوَاهُ، وَعِبَادَتُهُ، وَكَرِيمُ أَصْلِهِ،
وَطِيبُ مَوْلِدِهِ وَمَنْشَئِهِ وَمُرَبَّاهُ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ مَبْسُوطًا فِي
مَوَاضِعِهِ، وَمَا أَحْسَنَ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ أَبُو
الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي كِتَابِهِ الَّذِي رَدَّ
فِيهِ عَلَى فِرَقِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي آخِرِهِ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ،
وَسَلَكَ فِيهَا مَسَالِكَ حَسَنَةً صَحِيحَةً مُنْتَخَبَةً بِكَلَامٍ بَلِيغٍ
يَخْضَعُ لَهُ كُلُّ مَنْ تَأَمَّلَهُ وَفَهِمَهُ. قَالَ فِي أَوَاخِرِ هَذَا
الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ:
فَصْلٌ
وَسِيرَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْلَاقُهُ
وَأَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ مِنْ آيَاتِهِ - أَيْ مِنْ
دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ - قَالَ:
وَشَرِيعَتُهُ مِنْ آيَاتِهِ، وَأُمَّتُهُ مِنْ آيَاتِهِ، وَعِلْمُ أُمَّتِهِ مِنْ
آيَاتِهِ، وَدِينُهُمْ مِنْ آيَاتِهِ، وَكَرَامَاتُ صَالِحِي أُمَّتِهِ مِنْ
آيَاتِهِ، وَذَلِكَ يَظْهَرُ بِتَدَبُّرِ سِيرَتِهِ مِنْ حِينَ وُلِدَ إِلَى أَنْ
بُعِثَ، وَمِنْ حِينَ بُعِثَ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَتَدَبُّرِ نَسَبِهِ وَبَلَدِهِ
وَأَصْلِهِ وَفَصْلِهِ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَشْرَفِ أَهْلِ الْأَرْضِ نَسَبًا؛
مِنْ صَمِيمِ سُلَالَةِ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ فِي ذُرِّيَّتِهِ
النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ، فَلَمْ يَأْتِ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ نَبِيٌّ إِلَّا
مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، وَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ ابْنَيْنِ؛ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ،
وَذَكَرَ فِي التَّوْرَاةِ هَذَا وَهَذَا، وَبَشَّرَ فِي التَّوْرَاةِ بِمَا يَكُونُ
مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ مَنْ ظَهَرَ
فِيهِ مَا بَشَّرَتْ بِهِ النُّبُوَّاتُ غَيْرُهُ، وَدَعَا إِبْرَاهِيمُ
لِذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ بِأَنْ يَبْعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ، ثُمَّ
الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْشٍ صَفْوَةِ
إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ صَفْوَةِ قُرَيْشٍ، وَمِنْ مَكَّةَ أُمِّ
الْقُرَى وَبَلَدِ الْبَيْتِ الَّذِي بَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ وَدَعَا النَّاسَ إِلَى
حَجِّهِ، وَلَمْ يَزَلْ مَحْجُوجًا مِنْ عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ مَذْكُورًا فِي
كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ بِأَحْسَنِ وَصْفٍ.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَكْمَلِ
النَّاسِ تَرْبِيَةً وَنَشْأَةً، لَمْ يَزَلْ مَعْرُوفًا بِالصِّدْقِ، وَالْبِرِّ،
وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَالْعَدْلِ، وَتَرْكِ الْفَوَاحِشِ، وَالظُّلْمِ
وَكُلِّ وَصْفٍ مَذْمُومٍ، مَشْهُودًا لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ جَمِيعِ مَنْ
يَعْرِفُهُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَمَنْ آمَنَ بِهِ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ
النُّبُوَّةِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ شَيْءٌ يُعَابُ بِهِ؛ لَا فِي أَقْوَالِهِ،
وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، وَلَا فِي أَخْلَاقِهِ، وَلَا جَرَتْ عَلَيْهِ كِذْبَةٌ
قَطُّ، وَلَا ظُلْمٌ، وَلَا فَاحِشَةٌ.
وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَلْقُهُ وَصُورَتُهُ مِنْ أَحْسَنِ
الصُّوَرِ وَأَتَمِّهَا وَأَجْمَعِهَا لِلْمَحَاسِنِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِهِ،
وَكَانَ أُمِّيًّا مِنْ قَوْمٍ أُمِّيِّينَ لَا يَعْرِفُ لَا هُوَ
وَلَا هُمْ مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ
الْكِتَابِ؛ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَلَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا مِنْ عُلُومِ
النَّاسِ، وَلَا جَالَسَ أَهْلَهَا، وَلَمْ يَدَّعِ نُبُوَّةً إِلَى أَنْ أَكْمَلَ
اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَتَى بِأَمْرٍ هُوَ أَعْجَبُ الْأُمُورِ
وَأَعْظَمُهَا، وَبِكَلَامٍ لَمْ يَسْمَعِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ
بِنَظِيرِهِ، وَأَخْبَرَ بِأَمْرٍ لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِهِ وَقَوْمِهِ مَنْ
يَعْرِفُ مِثْلَهُ.
ثُمَّ اتَّبَعَهُ أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ، وَهُمْ ضُعَفَاءُ النَّاسِ،
وَكَذَّبَهُ أَهْلُ الرِّيَاسَةِ وَعَادَوْهُ، وَسَعَوْا فِي هَلَاكِهِ وَهَلَاكِ
مَنِ اتَّبَعَهُ بِكُلِّ طَرِيقٍ، كَمَا كَانَ الْكَفَّارُ يَفْعَلُونَ
بِالْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُ لَمْ يَتَّبِعُوهُ
لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ يُعْطِيهِمْ
وَلَا جِهَاتٌ يُوَلِّيهِمْ إِيَّاهَا، وَلَا كَانَ لَهُ سَيْفٌ، بَلْ كَانَ
السَّيْفُ وَالْمَالُ وَالْجَاهُ مَعَ أَعْدَائِهِ، وَقَدْ آذَوْا أَتْبَاعَهُ بِأَنْوَاعِ
الْأَذَى وَهُمْ صَابِرُونَ مُحْتَسِبُونَ لَا يَرْتَدُّونَ عَنْ دِينِهِمْ؛ لِمَا
خَالَطَ قُلُوبَهُمْ مِنْ حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ.
وَكَانَتْ مَكَّةُ يَحُجُّهَا الْعَرَبُ مِنْ عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ، فَيَجْتَمِعُ فِي الْمَوْسِمِ قَبَائِلُ الْعَرَبِ فَيَخْرُجُ
إِلَيْهِمْ يُبَلِّغُهُمُ الرِّسَالَةَ، وَيَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ صَابِرًا
عَلَى مَا يَلْقَاهُ مِنْ تَكْذِيبِ الْمُكَذِّبِ، وَجَفَاءِ الْجَافِي،
وَإِعْرَاضِ الْمُعْرِضِ، إِلَى أَنِ اجْتَمَعَ بِأَهْلِ يَثْرِبَ، وَكَانُوا
جِيرَانَ الْيَهُودِ، وَقَدْ سَمِعُوا أَخْبَارَهُ مِنْهُمْ وَعَرَفُوهُ، فَلَمَّا
دَعَاهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ النَّبِيُّ الْمُنْتَظَرُ الَّذِي يُخْبِرُهُمْ بِهِ
الْيَهُودُ، وَكَانُوا قَدْ سَمِعُوا مِنْ أَخْبَارِهِ أَيْضًا مَا عَرَفُوا بِهِ
مَكَانَتَهُ، فَإِنَّ أَمْرَهُ كَانَ قَدِ انْتَشَرَ وَظَهَرَ فِي بِضْعِ عَشْرَةَ
سَنَةً، فَآمَنُوا بِهِ وَبَايَعُوهُ عَلَى هِجْرَتِهِ، وَهِجْرَةِ أَصْحَابِهِ
إِلَى بَلَدِهِمْ، وَعَلَى الْجِهَادِ مَعَهُ، فَهَاجَرَ هُوَ وَمَنِ اتَّبَعَهُ
إِلَى الْمَدِينَةِ وَبِهَا الْمُهَاجِرُونَ
وَالْأَنْصَارُ، لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ آمَنَ بِرَغْبَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ وَلَا
بِرَهْبَةٍ إِلَّا قَلِيلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْلَمُوا فِي الظَّاهِرِ ثُمَّ
حَسُنَ إِسْلَامُ بَعْضِهِمْ.
ثُمَّ أُذِنَ لَهُ فِي الْجِهَادِ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ، وَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا
بِأَمْرِ اللَّهِ عَلَى أَكْمَلِ طَرِيقَةٍ وَأَتَمِّهَا مِنَ الصِّدْقِ
وَالْعَدْلِ وَالْوَفَاءِ، لَا يُحْفَظُ لَهُ كِذْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا ظُلْمٌ
لِأَحَدٍ، وَلَا غَدْرٌ بِأَحَدٍ، بَلْ كَانَ أَصْدَقَ النَّاسِ وَأَعْدَلَهُمْ
وَأَوْفَاهُمْ بِالْعَهْدِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ عَلَيْهِ مِنْ حَرْبٍ
وَسِلْمٍ، وَأَمْنٍ وَخَوْفٍ، وَغِنًى وَفَقْرٍ، وَقُدْرَةٍ وَعَجْزٍ، وَتَمَكُّنٍ
وَضَعْفٍ، وَقِلَّةٍ وَكَثْرَةٍ، وَظُهُورٍ عَلَى الْعَدُوِّ تَارَةً وَظُهُورِ
الْعَدُوِّ تَارَةً.
وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ لَازِمٌ لِأَكْمَلِ الطُّرُقِ وَأَتَمِّهَا، حَتَّى
ظَهَرَتِ الدَّعْوَةُ فِي جَمِيعِ أَرْضِ الْعَرَبِ الَّتِي كَانَتْ مَمْلُوءَةً
مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَمِنْ أَخْبَارِ الْكُهَّانِ، وَطَاعَةِ
الْمَخْلُوقِ فِي الْكُفْرِ بِالْخَالِقِ، وَسَفْكِ الدِّمَاءِ الْمُحَرَّمَةِ،
وَقَطِيعَةِ الْأَرْحَامِ، لَا يَعْرِفُونَ آخِرَةً وَلَا مَعَادًا، فَصَارُوا
أَعْلَمَ أَهْلِ الْأَرْضِ وَأَدْيَنَهُمْ وَأَعْدَلَهُمْ وَأَفْضَلَهُمْ، حَتَّى
إِنَّ النَّصَارَى لَمَّا رَأَوْهُمْ حِينَ قَدِمُوا الشَّامَ قَالُوا: مَا كَانَ
الَّذِينَ صَحِبُوا الْمَسِيحَ بِأَفْضَلَ مِنْ هَؤُلَاءِ. وَهَذِهِ آثَارُ
عِلْمِهِمْ وَعَمَلِهِمْ فِي الْأَرْضِ وَآثَارُ غَيْرِهِمْ، يَعْرِفُ
الْعُقَلَاءُ فَرْقَ مَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ.
وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ ظُهُورِ أَمْرِهِ، وَطَاعَةِ
الْخَلْقِ لَهُ، وَتَقْدِيمِهِمْ لَهُ عَلَى الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ، مَاتَ
وَلَمْ يَخْلُفْ دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا، وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا، إِلَّا
بَغْلَتَهُ وَسِلَاحَهُ، وَدِرْعَهُ مَرْهُونَةً عِنْدَ يَهُودِيٍّ عَلَى
ثَلَاثِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ ابْتَاعَهَا لِأَهْلِهِ، وَكَانَ بِيَدِهِ
عَقَارٌ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى أَهْلِهِ، وَالْبَاقِي يَصْرِفُهُ فِي مَصَالِحِ
الْمُسْلِمِينَ، فَحَكَمَ
بِأَنَّهُ لَا يُورَثُ، وَلَا يَأْخُذُ
وَرَثَتُهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
وَهُوَ فِي كُلِّ وَقْتٍ يُظْهِرُ مِنْ عَجَائِبِ الْآيَاتِ وَفُنُونِ
الْكَرَامَاتِ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ، وَيُخْبِرُهُمْ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ،
وَيَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُحِلُّ لَهُمُ
الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ، وَيَشْرَعُ الشَّرِيعَةَ
شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، حَتَّى أَكْمَلَ اللَّهُ دِينَهُ الَّذِي بَعَثَهُ بِهِ،
وَجَاءَتْ شَرِيعَتُهُ أَكْمَلَ شَرِيعَةٍ، لَمْ يَبْقَ مَعْرُوفٌ تَعْرِفُ
الْعُقُولُ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ إِلَّا أَمَرَ بِهِ، وَلَا مُنْكَرٌ تَعْرِفُ
الْعُقُولُ أَنَّهُ مُنْكَرٌ إِلَّا نَهَى عَنْهُ، لَمْ يَأْمُرْ بِشَيْءٍ
فَقِيلَ: لَيْتَهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ. وَلَا نَهَى عَنْ شَيْءٍ فَقِيلَ: لَيْتَهُ
لَمْ يَنْهَ عَنْهُ. وَأَحَلَّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا
مِنْهَا كَمَا حُرِّمَ فِي شَرْعِ غَيْرِهِ، وَحَّرَمَ الْخَبَائِثَ لَمْ يُحِلَّ
مِنْهَا شَيْئًا كَمَا اسْتَحَلَّهُ غَيْرُهُ، وَجَمَعَ مَحَاسِنَ مَا عَلَيْهِ
الْأُمَمُ، فَلَا يُذْكَرُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ نَوْعٌ
مِنَ الْخَبَرِ عَنِ اللَّهِ وَعَنِ الْمَلَائِكَةِ وَعَنِ الْيَوْمِ الْآخِرِ إِلَّا
وَقَدْ جَاءَ بِهِ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ، وَأَخْبَرَ بِأَشْيَاءَ لَيْسَتْ فِي
الْكُتُبِ، فَلَيْسَ فِي الْكُتُبِ إِيجَابٌ لِعَدْلٍ، وَقَضَاءٌ بِفَضْلٍ،
وَنَدْبٌ إِلَى الْفَضَائِلِ، وَتَرْغِيبٌ فِي الْحَسَنَاتِ إِلَّا وَقَدْ جَاءَ
بِهِ وَبِمَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ، وَإِذَا نَظَرَ اللَّبِيبُ فِي الْعَبَّادَاتِ
الَّتِي شَرَعَهَا وَعِبَادَاتِ غَيْرِهِ مِنَ الْأُمَمِ ظَهَرَ فَضْلُهَا
وَرُجْحَانُهَا، وَكَذَلِكَ فِي الْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ وَسَائِرِ
الشَّرَائِعِ.
وَأُمَّتُهُ أَكْمَلُ الْأُمَمِ فِي كُلِّ فَضِيلَةٍ، وَإِذَا قِيسَ عِلْمُهُمْ
بِعِلْمِ سَائِرِ الْأُمَمِ ظَهَرَ فَضْلُ عِلْمِهِمْ، وَإِنْ قِيسَ دِينُهُمْ
وَعِبَادَتُهُمْ وَطَاعَتُهُمْ لِلَّهِ بِغَيْرِهِمْ ظَهَرَ أَنَّهُمْ أَدْيَنُ
مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِذَا قِيسَ شَجَاعَتُهُمْ وَجِهَادُهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَصَبْرُهُمْ عَلَى الْمَكَارِهِ فِي ذَاتِ اللَّهِ ظَهَرَ أَنَّهُمْ أَعْظَمُ
جِهَادًا وَأَشْجَعُ قُلُوبًا، وَإِذَا قِيسَ
سَخَاؤُهُمْ وَبَذْلُهُمْ وَسَمَاحَةُ
أَنْفُسِهِمْ بِغَيْرِهِمْ ظَهَرَ أَنَّهُمْ أَسْخَى وَأَكْرَمُ مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَهَذِهِ الْفَضَائِلُ بِهِ نَالُوهَا، وَمِنْهُ تَعَلَّمُوهَا، وَهُوَ الَّذِي
أَمَرَهُمْ بِهَا، لَمْ يَكُونُوا قَبْلَهُ مُتَّبِعِينَ لِكِتَابٍ جَاءَ هُوَ
بِتَكْمِيلِهِ كَمَا جَاءَ الْمَسِيحُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِتَكْمِيلِ
شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ، فَكَانَتْ فَضَائِلُ أَتْبَاعِ الْمَسِيحِ وَعُلُومُهُمْ
بَعْضُهَا مِنَ التَّوْرَاةِ، وَبَعْضُهَا مِنَ الزَّبُورِ، وَبَعْضُهَا مِنَ
النُّبُوَّاتِ، وَبَعْضُهَا مِنَ الْمَسِيحِ، وَبَعْضُهَا مِمَّنْ بَعْدَهُ
كَالْحَوَارِيِّينَ وَمَنْ بَعْدَ الْحَوَارِيِّينَ، وَقَدِ اسْتَعَانُوا بِكَلَامِ
الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ حَتَّى أَدْخَلُوا - لَمَّا غَيَّرُوا دِينَ
الْمَسِيحِ - فِي دِينِ الْمَسِيحِ أُمُورًا مِنْ أُمُورِ الْكُفَّارِ
الْمُنَاقِضَةِ لِدِينِ الْمَسِيحِ.
وَأَمَّا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَكُونُوا
قَبْلَهُ يَقْرَؤُونَ كِتَابًا، بَلْ عَامَّتُهُمْ مَا آمَنُوا بِمُوسَى وَعِيسَى
وَدَاوُدَ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ،
وَهُوَ الَّذِي أَمَرَهُمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ، وَيُقِرُّوا
بِجَمِيعِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَنَهَاهُمْ أَنْ
يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنَ الرُّسُلِ، فَقَالَ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ
الَّذِي جَاءَ بِهِ: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا
أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ
وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ
رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فَإِنْ
آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا
فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ [ الْبَقَرَةِ: 136 - 137 ] وَقَالَ تَعَالَى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا
أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ
وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ
وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ لَا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا الْآيَةَ، [ الْبَقَرَةِ: 285 - 286 ]
وَأُمَّتُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، لَا يَسْتَحِلُّونَ أَنْ يَأْخُذُوا شَيْئًا مِنَ الدِّينِ غَيْرَ
مَا جَاءَ بِهِ، وَلَا يَبْتَدِعُونَ بِدَعَةً مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ
سُلْطَانٍ، وَلَا يَشْرَعُونَ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ،
لَكِنَّ مَا قَصَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ وَأُمَمِهِمُ
اعْتَبَرُوا بِهِ، وَمَا حَدَّثَهُمْ بِهِ أَهْلُ الْكِتَابِ مُوَافِقًا لِمَا
عِنْدَهُمْ صَدَّقُوهُ، وَمَا لَمْ يَعْلَمُوا صِدْقَهُ وَلَا كَذِبَهُ أَمْسَكُوا
عَنْهُ، وَمَا عَرَفُوا أَنَّهُ بَاطِلٌ كَذَّبُوهُ، وَمَنْ أَدْخَلَ فِي الدِّينِ
مَا لَيْسَ مِنْهُ مِنْ أَقْوَالِ مُتَفَلْسِفَةِ الْهِنْدِ أَوِ الْفُرْسِ
أَوِالْيُونَانِ أَوْ غَيْرِهِمْ، كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِلْحَادِ
وَالِابْتِدَاعِ، وَهَذَا هُوَ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعُونَ، وَهُوَ الَّذِي
عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الدِّينِ الَّذِينَ لَهُمْ فِي الْأُمَّةِ لِسَانُ صِدْقٍ،
وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتُهُمْ، وَمَنْ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ
كَانَ مَذْمُومًا مَدْحُورًا عِنْدَ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ
السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَهُمُ الظَّاهِرُونَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ،
الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:لَا
تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ
خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ.
وَقَدْ يَتَنَازَعُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى هَذَا
الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ دِينُ الرُّسُلِ عُمُومًا، وَدِينُ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُصُوصًا، وَمَنْ خَالَفَ فِي هَذَا الْأَصْلِ كَانَ
عِنْدَهُمْ مُلْحِدًا مَذْمُومًا، لَيْسُوا كَالنَّصَارَى الَّذِينَ ابْتَدَعُوا
دِينًا قَامَ بِهِ أَكَابِرُ عُلَمَائِهِمْ وَعُبَّادِهِمْ، وَقَاتَلَ عَلَيْهِ
مُلُوكُهُمْ، وَدَانَ بِهِ جُمْهُورُهُمْ، وَهُوَ دِينٌ مُبْتَدَعٌ لَيْسَ هُوَ
دِينَ الْمَسِيحِ وَلَا دِينَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَاللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَرْسَلَ رُسُلَهُ بِالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ،
فَمَنِ اتَّبَعَ الرُّسُلَ حَصَلَ لَهُ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ،
وَإِنَّمَا دَخَلَ فِي
الْبِدَعِ مَنْ قَصَّرَ فِي اتِّبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ عِلْمًا وَعَمَلًا، وَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، تَلَقَّى ذَلِكَ عَنْهُ الْمُسْلِمُونَ أُمَّتُهُ، فَكُلُّ عِلْمٍ نَافِعٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ عَلَيْهِ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذُوهُ عَنْ نَبِيِّهِمْ، مَعَ مَا يَظْهَرُ لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنَّ أُمَّتَهُ أَكْمَلُ الْأُمَمِ فِي جَمِيعِ الْفَضَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ كَمَالٍ فِي الْفَرْعِ الْمُتَعَلِّمِ هُوَ فِي الْأَصْلِ الْمُعَلِّمِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ أَكْمَلَ النَّاسِ عِلْمًا وَدِينًا، وَهَذِهِ الْأُمُورُ تُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِأَنَّهُ كَانَ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [ الْأَعْرَافِ: 158 ] لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا مُفْتَرِيًا، فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَقُولُهُ إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ وَأَكْمَلِهِمْ إِنْ كَانَ صَادِقًا، أَوْ مَنْ هُوَ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ وَأَخْبَثِهِمْ إِنْ كَانَ كَاذِبًا، وَمَا ذُكِرَ مِنْ كَمَالِ عِلْمِهِ وَدِينِهِ يُنَاقِضُ الشَّرَّ وَالْخُبْثَ وَالْجَهْلَ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِغَايَةِ الْكَمَالِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ كَانَ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ لِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَكُنْ صَادِقًا إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ أَوْ مُخْطِئًا، وَالْأَوَّلُ يُوجِبُ أَنَّهُ كَانَ ظَالِمًا غَاوِيًا، وَالثَّانِي يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ جَاهِلًا ضَالًّا، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَالُ عِلْمِهِ يُنَافِي جَهْلَهُ، وَكَمَالُ دِينِهِ يُنَافِي تَعَمُّدَ الْكَذِبِ، فَالْعِلْمُ بِصِفَاتِهِ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ، وَلَمْ يَكُنْ جَاهِلًا يَكْذِبُ بِلَا عِلْمٍ، وَإِذَا انْتَفَى هَذَا وَذَاكَ تَعَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ صَادِقًا عَالِمًا بِأَنَّهُ صَادِقٌ؛ وَلِهَذَا نَزَّهَهُ اللَّهُ عَنْ هَذَيْنَ الْأَمْرَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [ النَّجْمِ: 1 - 4 ] وَقَالَ تَعَالَى عَنِ الْمَلَكِ الَّذِي جَاءَ بِهِ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ثُمَّ قَالَ عَنْهُ: وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ
أَيْ؛ بِمُتَّهَمٍ أَوْ بَخِيلٍ كَالَّذِي لَا يُعَلِّمُ إِلَّا بِجُعْلٍ، أَوْ لِمَنْ يُكْرِمُهُ: وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ [ التَّكْوِيرِ: 19 - 27 ] وَقَالَ تَعَالَى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ إِلَى قَوْلِهِ: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ [ الشُّعَرَاءِ: 192 - 223 ] بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يَنْزِلُ عَلَى مَنْ يُنَاسِبُهُ، لِيَحْصُلَ بِهِ غَرَضُهُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَقْصِدُ الشَّرَّ، وَهُوَ الْكَذِبُ وَالْفُجُورُ، وَلَا يَقْصِدُ الصِّدْقَ وَالْعَدْلَ، فَلَا يَقْتَرِنُ إِلَّا بِمَنْ فِيهِ كَذِبٌ - إِمَّا عَمْدًا وَإِمَّا خَطَأً - وَفُجُورٌ أَيْضًا، فَإِنَّ الْخَطَأَ فِي الدِّينِ هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ أَيْضًا، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَمَّا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيٍ، فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ. فَالرَّسُولُ بَرِيءٌ مِنْ تَنَزُّلِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الرَّسُولِ فَإِنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ، وَيَكُونُ خَطَؤُهُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَإِنْ كَانَ خَطَؤُهُ مَغْفُورًا لَهُ فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهُ خَبَرٌ أَخْبَرَ بِهِ كَانَ فِيهِ مُخْطِئًا، وَلَا أَمْرٌ أَمَرَ بِهِ كَانَ فِيهِ فَاجِرًا، عُلِمَ أَنَّ الشَّيْطَانَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [ الْحَاقَّةِ: 40 - 43 ] انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهَذَا عَيْنُ مَا أَوْرَدَهُ بِحُرُوفِهِ.
بَابٌ أَمَّا دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ
الْحِسِّيَّةُ - أَعْنِي الْمُشَاهَدَةَ بِالْأَبْصَارِ - فَسَمَاوِيَّةٌ
وَأَرْضِيَّةٌ
وَمِنْ أَعْظَمِ ذَلِكَ كُلِّهِ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ الْمُنِيرِ فِرْقَتَيْنِ،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ
يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ وَكَذَّبُوا
وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ
الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ [
الْقَمَرِ: 1 - 5 ] وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَّاءُ مَعَ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ
عَلَى أَنَّ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ
تُفِيدُ الْقَطْعَ عِنْدَ الْأُمَّةِ.
رِوَايَةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً، فَانْشَقَّ الْقَمَرُ
بِمَكَّةَ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ
وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، ثَنَا
بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، ثَنَا
سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنْ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمُ الْقَمَرَ
شِقَّتَيْنِ، حَتَّى رَأَوْا حِرَاءَ بَيْنَهُمَا. وَأَخْرَجَاهُ فِي "
الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، وَمُسْلِمٍ مِنْ
حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ.
رِوَايَةُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
كَثِيرٍ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:انْشَقَّ
الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَصَارَ فِرْقَتَيْنِ؛ فِرْقَةً عَلَى هَذَا الْجَبَلِ، وَفِرْقَةً عَلَى هَذَا
الْجَبَلِ، فَقَالُوا: سَحَرَنَا مُحَمَّدٌ. فَقَالُوا: إِنْ كَانَ سَحَرَنَا
فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ. تَفَرَّدَ بِهِ
أَحْمَدُ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ حُصَيْنِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهِ.
رِوَايَةُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنِي ابْنُ عُلَيَّةَ، أَنَا عَطَاءُ بْنُ
السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: نَزَلْنَا
الْمَدَائِنَ فَكُنَّا مِنْهَا عَلَى فَرْسَخٍ فَجَاءَتِ الْجُمُعَةُ فَحَضَرَ
أَبِي، وَحَضَرْتُ مَعَهُ، فَخَطَبَنَا حُذَيْفَةُ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ
تَعَالَى يَقُولُ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ أَلَا وَإِنَّ
السَّاعَةَ قَدِ اقْتَرَبَتْ، أَلَا وَإِنَّ الْقَمَرَ قَدِ انْشَقَّ، أَلَا
وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ
بِفِرَاقٍ، أَلَا وَإِنَّ الْيَوْمَ
الْمِضْمَارُ، وَغَدًا السِّبَاقُ. فَقُلْتُ لِأَبِي: أَتَسْتَبِقُ النَّاسُ غَدًا
؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنَّكَ لَجَاهِلٌ إِنَّمَا هُوَ السِّبَاقُ
بِالْأَعْمَالِ. ثُمَّ جَاءَتِ الْجُمُعَةُ الْأُخْرَى فَحَضَرْنَا فَخَطَبَ
حُذَيْفَةُ، فَقَالَ: أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ
وَانْشَقَّ الْقَمَرُ أَلَا وَإِنَّ السَّاعَةَ قَدِ اقْتَرَبَتْ، أَلَا وَإِنَّ
الْقَمَرَ قَدِ انْشَقَّ أَلَّا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِفِرَاقٍ، أَلَا
وَإِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارُ، وَغَدَا السِّبَاقُ، أَلَا وَإِنَّ الْغَايَةَ
النَّارُ، وَالسَّابِقَ مَنْ سَبَقَ إِلَى الْجَنَّةِ.
وَرَوَاهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ
" مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ حُذَيْفَةَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَقَالَ:أَلَا وَإِنَّ الْقَمَرَ
قَدِ انْشَقَّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ
بُكَيْرٍ، ثَنَا بَكْرٌ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:انْشَقَّ
الْقَمَرُ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، عَنْ جَعْفَرِ
بْنِ رَبِيعَةَ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ ثَنَا ابْنُ مُثَنَّى، ثَنَا عَبْدُ
الْأَعْلَى، ثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ
وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ قَالَ: قَدْ
مَضَى ذَلِكَ، كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، انْشَقَّ الْقَمَرُ حَتَّى رَأَوْا
شِقَّيْهِ. وَرَوَى الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوًا مِنْ هَذَا.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَمْرٍو الْبَزَّارُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْقُطَعِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ بَكْرٍ، ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَسَفَ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: سَحَرَ الْقَمَرَ. فَنَزَلَتْ: اقْتَرَبَتِ
السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا
سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ وَهَذَا سِيَاقٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ يَكُونُ حَصَلَ لِلْقَمَرِ
مَعَ انْشِقَاقِهِ كُسُوفٌ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ انْشِقَاقَهُ إِنَّمَا كَانَ فِي
لَيَالِي إِبْدَارِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو
بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ
أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ،
ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ
شُعْبَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ فِي قَوْلِهِ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ
قَالَ: وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ انْشَقَّ فِلْقَتَيْنِ، فِلْقَةً مَنْ دُونِ الْجَبَلِ، وَفِلْقَةً مَنْ
خَلْفِ الْجَبَلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
اللَّهُمَّ اشْهَدْ وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ
شُعْبَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ. قَالَ مُسْلِمٌ كَرِوَايَةِ مُجَاهِدٍ
عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ
صَحِيحٌ.
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا
سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ
أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ
أَبِي مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِقَّتَيْنِ حَتَّى نَظَرُوا
إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
اشْهَدُوا " وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ
بْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ،
عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَخْبَرَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِهِ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَبُو الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ: بِمَكَّةَ.
وَهَذَا الَّذِي عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ قَدْ أَسْنَدَهُ أَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ " فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: هَذَا سِحْرُ ابْنِ أَبِي
كَبْشَةَ قَالَ: فَقَالُوا: انْظُرُوا مَا يَأْتِيكُمْ بِهِ السُّفَّارُ، فَإِنَّ
مُحَمَّدًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ. قَالَ: فَجَاءَ
السُّفَّارُ فَقَالُوا ذَلِكَ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ عَبَّاسٍ
الدُّورِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ
أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:انْشَقَّ الْقَمَرُ
بِمَكَّةَ حَتَّى صَارَ فِرْقَتَيْنِ، فَقَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ أَهْلُ مَكَّةَ
هَذَا سِحْرٌ سَحَرَكُمْ بِهِ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ، انْظُرُوا السُّفَّارَ،
فَإِنْ كَانُوا رَأَوْا مَا رَأَيْتُمْ فَقَدْ صَدَقَ، وَإِنْ كَانُوا لَمْ
يَرَوْا مَا رَأَيْتُمْ فَهُوَ سِحْرٌ سَحَرَكُمْ بِهِ. قَالَ: فَسُئِلَ
السُّفَّارُ - وَقَدِمُوا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ - فَقَالُوا: رَأَيْنَا.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ
الْمُغِيرَةِ وَزَادَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ
الْقَمَرُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ
سِمَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ:انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَتَّى رَأَيْتُ الْجَبَلَ بَيْنَ فُرْجَتَيِ الْقَمَرِ.
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ الدُّورِيِّ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ
أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ
كَانَ يَقُولُ: لَقَدِ انْشَقَّ الْقَمَرُ.
فَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي
الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: خَمْسٌ
قَدْ مَضَيْنَ؛ الرُّومُ وَاللِّزَامُ وَالْبَطْشَةُ وَالدُّخَانُ وَالْقَمَرُ.
فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْهُ مَذْكُورٍ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ " الدُّخَانِ
".
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ فِي " الدَّلَائِلِ ": حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ بِمَكَّةَ،
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَخَرَّ شِقَّتَيْنِ، فَقَالَ
الْمُشْرِكُونَ: سَحَرَهُ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ. وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ.
فَهَذِهِ طُرُقٌ عَنْ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَشُهْرَةُ هَذَا
الْأَمْرِ تُغْنِي عَنْ إِسْنَادِهِ مَعَ وُرُودِهِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ،
وَمَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ الْقُصَّاصِ مِنْ أَنَّ الْقَمَرَ دَخَلَ فِي جَيْبِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ مِنْ كُمِّهِ، وَنَحْوَ
هَذَا الْكَلَامِ، فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَالْقَمَرُ فِي
حَالِ انْشِقَاقِهِ لَمْ يُزَايِلِ السَّمَاءَ، بَلِ انْفَرَقَ بِاثْنَتَيْنِ،
وَسَارَتْ إِحْدَاهُمَا حَتَّى صَارَتْ وَرَاءَ جَبَلِ حِرَاءَ، وَالْأُخْرَى مِنَ
النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، وَصَارَ الْجَبَلُ بَيْنَهُمَا، وَكِلْتَا الْفِرْقَتَيْنِ
فِي السَّمَاءِ، وَأَهْلُ مَكَّةَ يَنْظُرُونَ إِلَى ذَلِكَ، وَظَنَّ كَثِيرٌ مِنْ
جَهْلَتِهِمْ أَنَّ هَذَا شَيْءٌ سُحِرَتْ بِهِ أَبْصَارُهُمْ، فَسَأَلُوا مَنْ
قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُسَافِرِينَ، فَأَخْبَرُوهُمْ بِنَظِيرِ مَا
شَاهَدُوهُ، فَعَلِمُوا صِحَّةَ ذَلِكَ وَتَيَقَّنُوهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ
يُعْرَفْ هَذَا فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ ؟ فَالْجَوَابُ؛ وَمَنْ يَنْفِي
ذَلِكَ ؟ وَلَكِنْ تَطَاوَلَ الْعَهْدُ وَالْكَفَرَةُ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ
اللَّهِ، وَلَعَلَّهُمْ لَمَّا أُخْبِرُوا أَنَّ هَذَا كَانَ آيَةً لِهَذَا
النَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ، تَدَاعَتْ آرَاؤُهُمُ الْفَاسِدَةُ عَلَى كِتْمَانِهِ
وَتَنَاسِيهِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسَافِرِينَ
أَنَّهُمْ شَاهَدُوا هَيْكَلًا بِالْهِنْدِ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ: إِنَّهُ بُنِيَ
فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي انْشَقَّ الْقَمَرُ فِيهَا. ثُمَّ لَمَّا كَانَ
انْشِقَاقُ الْقَمَرِ لَيْلًا قَدْ يَخْفَى أَمْرُهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ؛
لِأُمُورٍ مَانِعَةٍ مِنْ مُشَاهَدَتِهِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، مِنْ غُيُومٍ
مُتَرَاكِمَةٍ كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي بُلْدَانِهِمْ، وَلِنَوْمِ كَثِيرٍ
مِنْهُمْ، أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ حَيْثُ يَنَامُ كَثِيرٌ
مِنَ النَّاسِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ
حَرَّرْنَا
هَذَا فِيمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِنَا
" التَّفْسِيرِ ".
فَأَمَّا حَدِيثُ رَدِّ الشَّمْسِ بَعْدَ مَغِيبِهَا، فَقَدْ أَنْبَأَنِي
شَيْخُنَا الْمُسْنِدُ الرُّحْلَةُ بَهَاءُ الدِّينِ الْقَاسِمُ بْنُ الْمُظَفَّرِ
بْنِ تَاجِ الْأُمَنَاءِ بْنِ عَسَاكِرَ إِذْنًا، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَسَاكِرَ، الْمَشْهُورُ
بِالنَّسَّابَةِ كِتَابَةً قَالَ: أَنَا الْحَافِظُ الْكَبِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ
عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ فِي كِتَابِهِ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ بْنُ الْقُشَيْرِيِّ وَأَبُو الْقَاسِمِ
الْمُسْتَمْلِي، قَالَا: ثَنَا أَبُو عُثْمَانَ الْحِيرِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الدَّانْدَانْقَانِيُّ بِهَا، أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبٍ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْقُشَيْرِيِّ:
ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ ( ح )
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ: وَأَنَا أَبُو الْفَتْحِ
الْمَاهَانِيُّ، أَنَا شُجَاعُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ
مَنْدَهْ، أَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ التِّنِّيسِيُّ، أَنَا أَبُو أُمَيَّةَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى،
ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ - زَادَ أَبُو
أُمَيَّةَ: بْنِ الْحَسَنِ - عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَسْمَاءَ
بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُوحَى إِلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ، فَلَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ حَتَّى
غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: صَلَّيْتَ الْعَصْرَ ؟ - وَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ: " صَلَّيْتَ
يَا عَلِيُّ ؟ " - قَالَ: لَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ
نَبِيِّكَ - وَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ: " رَسُولِكَ " - فَارْدُدْ
عَلَيْهِ الشَّمْسَ. قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَرَأَيْتُهَا غَرَبَتْ ثُمَّ رَأَيْتُهَا
طَلَعَتْ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ. وَقَدْ رَوَاهُ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ
الْجَوْزِيِّ فِي " الْمَوْضُوعَاتِ " مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ
الْعُقَيْلِيِّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، ثَنَا عَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ، ثَنَا
فَضِيلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ،
وَقَدِ اضْطَرَبَ الرُّوَاةُ فِيهِ، فَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ
فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ، عَنْ أَسْمَاءَ، وَهَذَا تَخْلِيطٌ فِي الرِّوَايَةِ.
قَالَ: وَأَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ:
مَتْرُوكٌ كَذَّابٌ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ. وَعَمَّارُ
بْنُ مَطَرٍ قَالَ فِيهِ الْعُقَيْلِيُّ: كَانَ يُحَدِّثُ عَنِ الثِّقَاتِ
بِالْمَنَاكِيرِ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. قَالَ: وَفُضَيْلُ
بْنُ مَرْزُوقٍ قَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي
الْمَوْضُوعَاتِ وَيُخْطِئُ عَنِ الثِّقَاتِ.
وَبِهِ قَالَ إِلَى الْحَافِظِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ عَسَاكِرَ، قَالَ:
وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ
ابْنُ طَاوُسٍ، أَنَا عَاصِمُ بْنُ
الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ مَهْدِيٍّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ
عُقْدَةَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الصُّوفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ شَرِيكٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ قُشَيْرٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ، فَرَأَيْتُ فِي
عُنُقِهَا خَرَزَةً، وَرَأَيْتُ فِي يَدَيْهَا مَسَكَتَيْنِ غَلِيظَتَيْنِ، وَهِيَ
عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ، فَقُلْتُ لَهَا: مَا هَذَا ؟ فَقَالَتْ: إِنَّهُ يُكْرَهُ
لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَشَبَّهَ بِالرِّجَالِ. ثُمَّ حَدَّثَتْنِي أَنَّ أَسْمَاءَ
بِنْتَ عُمَيْسٍ حَدَّثَتْهَاأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ دَفَعَ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ،
فَجَلَّلَهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَدْبَرَتِ الشَّمْسُ.
تَقُولُ: غَابَتْ أَوْ كَادَتْ أَنْ تَغِيبَ. ثُمَّ إِنْ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: " أَصَلَّيْتَ يَا عَلِيُّ
" قَالَ: لَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اللَّهُمَّ رُدَّ عَلَى عَلِيٍّ الشَّمْسَ فَرَجَعَتِ الشَّمْسُ حَتَّى بَلَغَتْ
نِصْفَ الْمَسْجِدِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَقَالَ أَبِي: حَدَّثَنِي مُوسَى
الْجُهَنِيُّ نَحْوَهُ. ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: هَذَا حَدِيثٌ
مُنْكَرٌ، وَفِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمَجَاهِيلِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمَوْضُوعَاتِ
": وَقَدْ رَوَى ابْنُ شَاهِينَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ.
فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا بَاطِلٌ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ ابْنُ عُقْدَةَ،
فَإِنَّهُ كَانَ رَافِضِيًّا يُحَدِّثُ بِمَثَالِبِ الصَّحَابَةِ.
قَالَ الْخَطِيبُ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ يُوسُفَ يَقُولُ: كَانَ ابْنُ
عُقْدَةَ بِجَامِعِ بَرَاثَا يُمْلِي مَثَالِبَ الصَّحَابَةِ - أَوْ قَالَ:
الشَّيْخَيْنِ - فَتَرَكْتُهُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ ابْنُ عُقْدَةَ
رَجُلَ سُوءٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي غَالِبٍ يَقُولُ: ابْنُ
عُقْدَةَ لَا يَتَدَيَّنُ بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ شُيُوخًا
بِالْكُوفَةِ عَلَى الْكَذِبِ، فَيُسَوِّي لَهُمْ نُسَخًا وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ
يَرْوُوهَا، وَقَدْ تَبَيَّنَّا ذَلِكَ مِنْهُ فِي غَيْرِ شَيْخٍ بِالْكُوفَةِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بِشْرٍ الدُّولَابِيُّ فِي كِتَابِهِ "
الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ ": حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا
سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا الْمُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
حَيَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ،
عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: كَانَ رَأْسُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ وَهُوَ يُوحَى إِلَيْهِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ. إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَيَّانَ هَذَا تَرَكَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ الْبَغْدَادِيُّ
الْحَافِظُ: هَذَا الْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ. قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ الذَّهَبِيُّ: وَصَدَقَ ابْنُ نَاصِرٍ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ:
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ
حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ فَرَاهِيجَ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتِ
الشَّمْسُ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
دَعَا لَهُ، فَرُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ حَتَّى صَلَّى، ثُمَّ غَابَتْ
ثَانِيَةً. ثُمَّ قَالَ: وَدَاوُدُ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ: وَمِنْ تَغْفِيلِ وَاضِعِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى
صُورَةِ فَضِيلَةٍ، وَلِمَ يَتَلَمَّحْ عَدَمَ الْفَائِدَةِ، فَإِنَّ صَلَاةَ
الْعَصْرِ بِغَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ صَارَتْ قَضَاءً، فَرُجُوعُ الشَّمْسِ لَا
يُعِيدُهَا أَدَاءً، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تُحْبَسْ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا لِيُوشَعَ.
قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَمُنْكَرٌ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ، فَلَا
تَخْلُو وَاحِدَةٌ مِنْهَا عَنْ شِيعِيٍّ وَمَجْهُولِ الْحَالِ، وَشِيعِيٍّ
وَمَتْرُوكٍ، وَمِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرٌ وَاحِدٌ إِذَا
اتَّصَلَ سَنَدُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ مَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى
نَقْلِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهِ بِالتَّوَاتُرِ وَالِاسْتِفَاضَةِ، لَا
أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ هَذَا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى،
وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى جَنَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ " أَنَّهَا رُدَّتْ لِيُوشَعَ بْنِ
نُونٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ حَاصَرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَاتَّفَقَ ذَلِكَ فِي آخِرِ
يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَكَانُوا لَا يُقَاتِلُونَ يَوْمَ السَّبْتَ، فَنَظَرَ إِلَى
الشَّمْسِ وَقَدْ تَضَيَّفَتْ لِلْغُرُوبِ، فَقَالَ: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ، وَأَنَا
مَأْمُورٌ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيَّ. فَحَبَسَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ حَتَّى
فَتَحُوهَا. وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ
جَاهًا، وَأَجَلُّ مَنْصِبًا، وَأَعْلَى قَدْرًا مِنْ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، بَلْ
مِنْ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَكِنْ لَا نَقُولُ إِلَّا مَا
صَحَّ عِنْدَنَا عَنْهُ،
وَلَا نُسْنِدُ إِلَيْهِ مَا لَيْسَ
بِصَحِيحٍ، وَلَوْ صَحَّ لَكُنَّا مِنْ أَوَّلِ الْقَائِلِينَ بِهِ،
وَالْمُعْتَقِدِينَ لَهُ. وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ زَنْجَوَيْهِ
الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ " إِثْبَاتِ إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ
" فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِنَ الرَّوَافِضِ: إِنَّ أَفْضَلَ فَضِيلَةٍ لِأَبِي
الْحَسَنِ وَأَدَلَّ دَلِيلٍ عَلَى إِمَامَتِهِ مَا رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ
عُمَيْسٍ قَالَتْ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوحَى
إِلَيْهِ وَرَأَسُهُ فِي حِجْرِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمْ يُصَلِّ
الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: " صَلَّيْتَ ؟ " قَالَ: لَا. فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ إِنَّهُ
كَانَ فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ فَارْدُدْ عَلَيْهِ الشَّمْسَ ". قَالَتْ
أَسْمَاءُ: فَرَأَيْتُهَا غَرَبَتْ، ثُمَّ رَأَيْتُهَا طَلَعَتْ بَعْدَ مَا
غَرَبَتْ. قِيلَ لَهُ: كَيْفَ لَنَا بِصِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ لِنَحْتَجَّ عَلَى
مُخَالِفِينَا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ؟ ! وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ
جِدًّا، لَا أَصْلَ لَهُ، وَهَذَا مِمَّا كَسَبَتْ أَيْدِي الرَّوَافِضِ، وَلَوْ
رُدَّتِ الشَّمْسُ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ لَرَآهَا الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ،
وَنَقَلُوا إِلَيْنَا أَنَّ فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا فِي سَنَةِ كَذَا
رُدَّتِ الشَّمْسُ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ، ثُمَّ يُقَالُ لِلرَّوَافِضِ: أَيَجُوزُ
أَنْ تُرَدَّ الشَّمْسُ لِأَبِي الْحَسَنِ حِينَ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ،
وَلَا تُرَدَّ لِرَسُولِ اللَّهِ وَلِجَمِيعِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ -
وَعَلِيٌّ فِيهِمْ - حِينَ فَاتَتْهُمْ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ
يَوْمَ الْخَنْدَقِ ؟ ! قَالَ: وَأَيْضًا مَرَّةً أُخْرَى عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ حِينَ قَفَلَ
مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ. فَذَكَرَ نَوْمَهُمْ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ
وَصَلَاتَهُمْ لَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. قَالَ: فَلَمْ يُرَدَّ اللَّيْلُ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى
أَصْحَابِهِ. قَالَ: وَلَوْ كَانَ
هَذَا فَضْلًا، أُعْطِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَمْنَعَ رَسُولَهُ شَرَفًا وَفَضْلًا. يَعْنِي أُعْطِيَهُ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ: قُلْتُ
لِمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيِّ: مَا تَقُولُ فِيمَنْ يَقُولُ:
رَجَعَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ ؟
فَقَالَ: مَنْ قَالَ هَذَا فَقَدَ كَذَبَ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ: سَأَلْتُ يَعْلَى بْنَ عُبَيْدٍ
الطَنَافِسِيَّ قُلْتُ: إِنَّ نَاسًا عِنْدَنَا يَقُولُونَ: إِنَّ عَلِيًّا
وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعَتْ عَلَيْهِ
الشَّمْسُ. فَقَالَ: كَذِبٌ هَذَا كُلُّهُ.
فَصْلٌ فِي إِيرَادِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ
وَقَدْ جَمَعَ فِيهِ أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَحْمَدَ الْحَسْكَانِيُّ جُزْءًا وَسَمَّاهُ " مَسْأَلَةٌ فِي تَصْحِيحِ
رَدِّ الشَّمْسِ وَتَرْغِيمِ النَّوَاصِبِ الشُّمْسِ "
وَقَالَ: قَدْ رَوَى ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَنْطَاكِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْفِطْرِيُّ الْمَدَنِيُّ، وَهُوَ ثِقَةٌ أَيْضًا، عَنْ عَوْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ. قَالَ: وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ. عَنْ أُمِّهِ أُمِّ جَعْفَرٍ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظَّهْرَ بِالصَّهْبَاءِ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ ثُمَّ أَرْسَلَ عَلِيًّا فِي حَاجَةٍ، فَجَاءَ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ، فَلَمْ يُحَرِّكْهُ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ إِنَّ عَبْدَكَ عَلِيًّا احْتَبَسَ نَفْسَهُ عَلَى نَبِيِّهِ، فَرُدَّ عَلَيْهِ شَرْقَهَا قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَطَلَعَتِ الشَّمْسُ حَتَّى رُفِعَتْ عَلَى الْجِبَالِ فَقَامَ عَلِيٌّ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ غَابَتِ الشَّمْسُ. وَهَذَا الْإِسْنَادُ فِيهِ مَنْ يَجْهَلُ حَالَهُ، فَإِنَّ عَوْنًا هَذَا وَأُمَّهُ لَا يُعْرَفُ أَمْرُهُمَا بِعَدَالَةٍ وَضَبْطٍ يُقْبَلُ بِسَبَبِهِمَا خَبَرُهُمَا فِيمَا دُونَ هَذَا الْمَقَامِ، فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِخَبَرِهِمَا هَذَا الْأَمْرُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الصِّحَاحِ وَلَا السُّنَنِ وَلَا الْمَسَانِيدِ الْمَشْهُورَةِ ؟! فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا نَدْرِي أَسَمِعَتْ أُمُّ هَذَا مِنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَمْ لَا.
ثُمَّ أَوْرَدَهُ هَذَا الْمُصَنَّفُ
مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَشْقَرِ، وَهُوَ شِيعِيٌّ جَلْدٌ،
وَضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ الشَّهِيدِ،
عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ
فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثُمَّ
أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ، مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ
اللَّهِ، وَقَدْ قَدَّمَنَا رِوَايَتَنَا لَهُ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ
مَسْعُودٍ وَأَبِي أُمَيَّةَ الطَّرْسُوسِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى
الْعَبْسِيِّ، وَهُوَ مِنَ الشِّيعَةِ.
ثُمَّ أَوْرَدَهُ هَذَا الْمُصَنِّفُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيِّ،
عَنْ أَحْمَدَ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَطَرٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ
مَرْزُوقٍ الْأَغَرِّ الرَّقَاشِيِّ - وَيُقَالُ: الرُّؤَاسِيُّ، أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ مَوْلَى بَنِي عَنَزَةَ - وَثَّقَهُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ
عُيَيْنَةَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا. وَقَالَ ابْنُ
مَعِينٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ مَرَّةً: صَالِحٌ وَلَكِنَّهُ شَدِيدُ التَّشَيُّعِ.
وَقَالَ مَرَّةً: لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ صَالِحُ
الْحَدِيثِ، يَهِمُ كَثِيرًا، يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ
عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ: يُقَالُ: إِنَّهُ ضَعِيفٌ. وَقَالَ
النَّسَائِيُّ: ضَعِيفٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ أَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جَدًّا، كَانَ يُخْطِئُ عَلَى
الثِّقَاتِ، وَيَرْوِي عَنْ عَطِيَّةَ الْمَوْضُوعَاتِ.
وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَأَهْلُ
السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، فَمَنْ هَذِهِ تَرْجَمَتُهُ لَا يُتَّهَمُ بِتَعَمُّدِ
الْكَذِبِ، وَلَكِنَّهُ قَدْ يَتَسَاهَلُ، وَلَا سِيَّمَا فِيمَا يُوَافِقُ
مَذْهَبَهُ، فَيَرْوِي عَمَّنْ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ يُحْسِنُ بِهِ الظَّنَّ،
فَيُدَلِّسُ حَدِيثَهُ، وَيُسْقِطُهُ وَيَذْكُرُ شَيْخَهُ، وَلِهَذَا قَالَ فِي
هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي يَجِبُ الِاحْتِرَازُ فِيهِ وَتَوَقِّي الْكَذِبِ فِيهِ:
عَنْ. بِصِيغَةِ التَّدْلِيسِ، وَلَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ التَّحْدِيثِ، فَلَعَلَّ
بَيْنَهُمَا مَنْ يَجْهَلُ أَمْرَهُ، عَلَى أَنَّ شَيْخَهُ هَذَا إِبْرَاهِيمَ
بْنَ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَيْسَ بِذَاكَ
الْمَشْهُورِ فِي حَالِهِ، وَلَمْ يَرْوِ لَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ
الْمُعْتَمَدَةِ، وَلَا رَوَى عَنْهُ غَيْرُ الْفُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ هَذَا
وَيَحْيَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ. قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ
الرَّازِيَّانِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِجَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ. وَأَمَّا أُمُّهُ
فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَهِيَ أُخْتُ
زَيْنِ الْعَابِدِينَ، فَحَدِيثُهَا مَشْهُورٌ، رَوَى لَهَا أَهْلُ السُّنَنِ
الْأَرْبَعَةِ، وَكَانَتْ فِيمَنْ قُدِمَ بِهَا مَعَ أَهْلِ الْبَيْتِ بَعْدَ مَقْتَلِ
أَبِيهَا إِلَى دِمَشْقَ وَهِيَ مِنَ الثِّقَاتِ، وَلَكِنْ لَا يُدْرَى أَسَمِعَتْ
هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَسْمَاءَ أَمْ لَا. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَدْ رَوَاهُ هَذَا الْمُصَنِّفُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَفْصٍ الْكَتَّانِيِّ،
ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْقَاضِي هُوَ الْجِعَابِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ جَعْفَرٍ الْعَسْكَرِيُّ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، ثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سُلَيْمٍ، ثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ
ثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ
فَاطِمَةَ، يَعْنِي بِنْتَ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لِعَلِيٍّ حَتَّى رُدَّتْ عَلَيْهِ
الشَّمْسُ. وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
وَشَيْخِهِ الثَّوْرِيِّ مَحْفُوظٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ، لَا يَكَادُ يُتْرَكُ
مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الْمُهِمَّاتِ، فَكَيْفَ لَمْ يَرْوِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ الْعَظِيمِ إِلَّا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ بِمَا قَبْلَهُ
مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُ حَالُهُمْ فِي الضَّبْطِ وَالْعَدَالَةِ
كَغَيْرِهِمْ ؟! ثُمَّ إِنَّ أُمَّ أَشْعَثَ مَجْهُولَةٌ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ سَاقَهُ هَذَا الْمُصَنِّفُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ، ثَنَا
حُسَيْنٌ الْأَشْقَرُ، وَهُوَ شِيعِيٌّ وَضَعِيفٌ كَمَا تَقَدَّمَ، عَنْ عَلِيِّ
بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ - وَقَدْ قَالَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ
غَالِيًا فِي التَّشَيُّعِ يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ عَنِ الْمَشَاهِيرِ - عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ، عَنْ أَسْمَاءَ
بِنْتِ عُمَيْسٍ، فَذَكَرَهُ، وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا يَثْبُتُ.
ثُمَّ أَسْنَدَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ، عَنْ
أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا قَدَّمْنَا إِيرَادَهُ مِنْ
طَرِيقِ ابْنِ عُقْدَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الصُّوفِيِّ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيِّ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ
الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ " الْأَدَبِ "، وَحَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ
مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ وَاهِيَ
الْحَدِيثِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ
فِي كِتَابِ " الثِّقَاتِ "، وَقَالَ: رُبَّمَا أَخْطَأَ. وَأَرَّخَ
ابْنُ عُقْدَةَ وَفَاتَهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَقَدْ
قَدَّمْنَا أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْفَرَجِ بْنَ الْجَوْزِيِّ قَالَ: إِنَّمَا
أَتَّهِمُ بِوَضْعِهِ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ عُقْدَةَ. ثُمَّ أَوْرَدَ كَلَامَ
الْأَئِمَّةِ فِيهِ بِالطَّعْنِ وَالْجَرْحِ وَأَنَّهُ كَانَ يُسَوِّي النُّسَخَ
لِلْمَشَايِخِ فَيُرَوِّيهِمْ إِيَّاهَا. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْتُ: فِي سِيَاقِ
هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ الشَّمْسَ رَجَعَتْ حَتَّى بَلَغَتْ
نِصْفَ الْمَسْجِدِ. وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ
بِالصَّهْبَاءِ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ وَمِثْلُ هَذَا يُوجِبُ تَوْهِينَ الْحَدِيثِ
وَضَعْفَهُ وَالْقَدْحَ فِيهِ.
ثُمَّ سَرَدَهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْقَاضِي الْجِعَابِيِّ،
ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ، ثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ
الرَّوَاجِنِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ صَبَّاحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الْحَسَنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمَقْتُولِ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ
أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ شُغِلَ عَلِيٌّ
لِمَكَانِهِ مِنْ قَسْمِ الْمَغْنَمِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا صَلَّيْتَ ؟
قَالَ: لَا. فَدَعَا اللَّهَ فَارْتَفَعَتْ حَتَّى تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ،
فَصَلَّى عَلِيٌّ فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ سَمِعْتُ لَهَا صَرِيرًا كَصَرِيرِ
الْمِنْشَارِ فِي الْحَدِيدِ. وَهَذَا أَيْضًا سِيَاقٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ
مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، مَعَ أَنَّ إِسْنَادَهُ مُظْلِمٌ جِدًّا، فَإِنَّ
صَبَّاحًا هَذَا لَا يُعْرَفُ، وَكَيْفَ يَرْوِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ
الْمَقْتُولُ شَهِيدًا عَنْ وَاحِدٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ ؟ !
هَذَا تَخْبِيطٌ فَاحِشٌ إِسْنَادًا وَمَتْنًا، فَفِي هَذَا أَنَّ عَلِيًّا شُغِلَ بِمُجَرَّدِ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ وَلَا ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ تَرْكِ الصَّلَاةِ لِذَلِكَ ذَاهِبٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَوَّزَ بَعْضُ الْعُلَمَّاءِ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا لِعُذْرِ الْقِتَالِ، كَمَا حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مَكْحُولٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي جَمَاعَةِ أَصْحَابِهِ بِتُسْتَرَ، وَاحْتَجَّ لَهُمُ الْبُخَارِيُّ بِقِصَّةِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَمْرِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَصْحَابَهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ مِنْهُمُ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَّاءِ إِلَى أَنَّ هَذَا نُسِخَ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَّاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ بِعُذْرِ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ حَتَّى يُسْنَدَ هَذَا إِلَى صَنِيعِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ، فَإِنْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا عَلَى مَا رَوَاهُ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ، وَكَانَ عَلِيٌّ مُتَعَمِّدًا لِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِعُذْرِ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الشَّارِعُ صَارَ هَذَا وَحْدَهُ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَيَكُونُ أَقْطَعَ فِي الْحُجَّةِ مِمَّا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ؛ لِأَنَّ هَذَا بَعْدَ مَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِخَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ، وَصَلَاةُ الْخَوْفِ شُرِعَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ نَاسِيًا حَتَّى تَرَكَ الصَّلَاةَ إِلَى الْغُرُوبِ فَهُوَ مَعْذُورٌ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى رَدِّ الشَّمْسِ، بَلْ وَقْتُهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ إِذَنْ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا
كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضِعْفِ
هَذَا الْحَدِيثِ، ثُمَّ إِنْ جَعَلْنَاهُ قَضِيَّةً أُخْرَى وَوَاقِعَةً غَيْرَ
مَا تَقَدَّمَ، فَقَدْ تَعَدَّدَ رَدُّ الشَّمْسِ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَمَعَ هَذَا
لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْعُلَمَّاءِ، وَلَا رَوَاهُ أَهْلُ
الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ، وَتَفَرَّدَ بِهَذِهِ الْفَائِدَةِ هَؤُلَاءِ
الرُّوَاةُ الَّذِينَ لَا يَخْلُو إِسْنَادٌ مِنْهَا عَنْ مَجْهُولٍ وَمَتْرُوكٍ
وَمُتَّهَمٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ أَوْرَدَهُ هَذَا الْمُصَنِّفُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ
عُقْدَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مَعْبَدٍ،
ثَنَا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَسَنِ بْنِ
حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ حَدِيثِ رَدِّ الشَّمْسِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ هَلْ ثَبَتَ عِنْدَكُمْ ؟ فَقَالَ لِي: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي
كِتَابِهِ أَعْظَمَ مِنْ رَدِّ الشَّمْسِ. قُلْتُ: صَدَقْتَ جَعَلَنِي اللَّهُ
فِدَاكَ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ. فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي
الْحَسَنُ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّهَا قَالَتْ: أَقْبَلَ عَلِيُّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَقَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ انْصَرَفَ وَنَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ،
فَأَسْنَدَهُ إِلَى صَدْرِهِ، فَلَمْ يَزَلْ مُسْنِدَهُ إِلَى صَدْرِهِ حَتَّى
أَفَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ
الْعَصْرَ يَا عَلِيُّ ؟ قَالَ: جِئْتُ وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْكَ، فَلَمْ
أَزَلْ مُسْنِدَكَ إِلَى صَدْرِي حَتَّى السَّاعَةِ. فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ وَقَدْ غَرَبَتِ
الشَّمْسُ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ إِنَّ عَلِيًّا كَانَ فِي طَاعَتِكَ
فَارْدُدْهَا عَلَيْهِ ". قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَأَقْبَلَتِ الشَّمْسُ وَلَهَا
صَرِيرٌ كَصَرِيرِ الرَّحَى حَتَّى كَانَتْ فِي مَوْضِعِهَا وَقْتَ الْعَصْرِ
فَقَامَ عَلِيٌّ مُتَمَكِّنًا فَصَلَّى، فَلَمَّا فَرَغَ رَجَعَتِ الشَّمْسُ
وَلَهَا
صَرِيرٌ كَصَرِيرِ الرَّحَى، فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ اخْتَلَطَ الظَّلَامُ وَبَدَتِ النُّجُومُ وَهَذَا مُنْكَرٌ أَيْضًا إِسْنَادًا وَمَتْنًا، وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنَ السِّيَاقَاتِ، وَعَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ هَذَا هُوَ الْمُتَّهَمُ بِوَضْعِ هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ سَرِقَتِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ هُرْمُزَ الْبَكْرِيُّ الْكُوفِيُّ مَوْلَى بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَيُعْرَفُ بِعَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ الْحَدَّادِ، رَوَى عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَحَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ؛ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيَّانُ، تَرَكَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَقَالَ لَا تُحَدِّثُوا عَنْهُ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَسُبُّ السَّلَفَ. وَلَمَّا مَرَّتْ بِهِ جِنَازَتُهُ تَوَارَى عَنْهَا. وَكَذَلِكَ تَرَكَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَلَا مَأْمُونٍ، وَلَا يَكْتُبُ حَدِيثَهُ. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى هُوَ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ: كَانَ ضَعِيفًا. زَادَ أَبُو حَاتِمٍ: وَكَانَ رَدِيءَ الرَّأْيِ شَدِيدَ التَّشَيُّعِ، لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَهُمْ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ مِنْ شَرَارِ النَّاسِ؛ كَانَ رَافِضِيًّا خَبِيثًا رَجُلَ سُوءٍ. قَالَ هَنَّادٌ: وَلَمَّا مَاتَ لَمْ أُصَلِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرَ النَّاسُ إِلَّا خَمْسَةً. وَجَعَلَأَبُو دَاوُدَ يَذُمُّهُ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنِ الْأَثْبَاتِ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ وَالضَّعْفُ عَلَى حَدِيثِهِ بَيِّنٌ. وَأَرَّخُوا وَفَاتَهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ تَيْمِيَةَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنٍ وَأَبُوهُ أَجَلَّ قَدْرًا مِنْ أَنْ يُحَدِّثَا بِهَذَا
الْكَذِبِ.
قَالَ هَذَا الْمُصَنِّفُ لَا الْمُنْصِفُ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ
فَأَخْبَرَنَا عُقَيْلُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيُّ، ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ
صَالِحُ بْنُ الْفَتْحِ الشَّاشِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ
جَوْصَاءَ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ
بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ النَّوْفَلِيُّ، عَنْ أَبِيهِ ثَنَا دَاوُدُ بْنُ
فَرَاهِيجَ وَعَنْ عُمَارَةَ بْنِ بُرْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَذَكَرَهُ،
وَقَالَ: اخْتَصَرْتُهُ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ. وَهَذَا إِسْنَادٌ مُظْلِمٌ،
وَيَحْيَى بْنُ يَزِيدَ وَأَبُوهُ وَشَيْخُهُ دَاوُدُ بْنُ فَرَاهِيجَ كُلُّهُمْ
مُضَعَّفُونَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ إِلَى أَنَّ ابْنَ
مَرْدَوَيْهِ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ فَرَاهِيجَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، وَضَعَّفَ دَاوُدَ هَذَا شُعْبَةُ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا مُفْتَعَلٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، أَوْ قَدْ
أُدْخِلَ عَلَى أَحَدِهِمْ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ، فَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ الْجُرْجَانِيُّ كِتَابَةً، أَنَّ أَبَا طَاهِرٍ مُحَمَّدَ بْنَ
عَلِيٍّ الْوَاعِظَ أَخْبَرَهُمْ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
مُتَيَّمٍ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا رَأْسُهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ وَقَدْ غَابَتِ الشَّمْسُ، فَانْتَبَهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: " يَا عَلِيُّ أَصَلَّيْتَ الْعَصْرَ ؟ " قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَلَّيْتُ، كَرِهْتُ أَنْ أَضَعَ رَأْسَكَ مِنْ حِجْرِي وَأَنْتَ وَجِعٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " " ادْعُ يَا عَلِيُّ أَنْ تُرَدَّ عَلَيْكَ الشَّمْسُ " فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ أَنْتَ وَأُؤَمِّنُ أَنَا. فَقَالَ: " يَا رَبِّ إِنَّ عَلِيًّا فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ نَبِيِّكَ فَارْدُدْ عَلَيْهِ الشَّمْسَ ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ لِلشَّمْسِ صَرِيرًا كَصَرِيرِ الْبَكْرَةِ حَتَّى رَجَعَتْ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً. وَهَذَا إِسْنَادٌ مُظْلِمٌ أَيْضًا، وَمُبْتَكَرٌ مُنْكَرٌ، وَمُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَهُ مِنَ السِّيَاقَاتِ، وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ مَصْنُوعٌ مُفْتَعَلٌ، يَسْرِقُهُ بَعْضُ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةِ مِنْ بَعْضٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ لَتَلَقَّاهُ عَنْهُ كِبَارُ أَصْحَابِهِ، كَمَا أَخْرَجَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ "
مِنْ طَرِيقِهِ حَدِيثَ قِتَالِ
الْخَوَارِجِ، وَقِصَّةَ الْمُخْدَجِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ.
قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ فَأَخْبَرَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ الْفَرْغَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْفَضْلِ الشَّيْبَانِيُّ ثَنَا
رَجَاءُ بْنُ يَحْيَى السَّامَانِيُّ، ثَنَا هَارُونُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ
سَعْدَانَ بِسَامَرَّا سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عَمْرِو بْنِ الْأَشْعَثِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْكُمَيْتِ، عَنْ عَمِّهِ الْمُسْتَهَلِّ
بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ سَلْهَبٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ شَهْرٍ
قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا جُوَيْرِيَةُ،
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوحَى إِلَيْهِ
وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِي. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَهَذَا الْإِسْنَادُ مُظْلِمٌ،
وَأَكْثَرُ رِجَالِهِ لَا يُعْرَفُونَ، وَالَّذِي يَظْهَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ،
أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مَصْنُوعٌ مِمَّا عَمِلَتْهُ أَيْدِي الرَّوَافِضِ قَبَّحَهُمُ
اللَّهُ، وَلَعَنَ مَنْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَعَجَّلَ لَهُ مَا تَوَعَّدَهُ الشَّارِعُ مِنَ الْعَذَابِ
وَالنَّكَالِ حَيْثُ قَالَ، وَهُوَ الصَّادِقُ فِي الْمَقَالِ: مَنْ كَذَبِ
عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ وَكَيْفَ يَدْخُلُ
فِي عَقْلِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ
يَرْوِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ
عَظِيمَةٌ لَهُ وَدِلَالَةٌ مُعْجِزَةٌ بَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَا يُرْوَى عَنْهُ إِلَّا بِهَذَا
الْإِسْنَادِ الْمُظْلِمِ الْمُرَكَّبِ عَلَى رِجَالٍ لَا يُعْرَفُونَ ؟! وَهَلْ
لَهُمْ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ أَمْ لَا ؟ الظَّاهِرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، لَا.
ثُمَّ هُوَ عَنِ امْرَأَةٍ مَجْهُولَةِ الْعَيْنِ وَالْحَالِ، فَأَيْنَ أَصْحَابُ
عَلِيٍّ الثِّقَاتُ كَعُبَيْدَةَ السَّلَمَانِيِّ وشريحٍ الْقَاضِي وَعَامِرٍ
الشَّعْبِيِّ وَأَضْرَابِهِمْ، ثُمَّ فِي تَرْكِ الْأَئِمَّةِ كَمَالِكٍ،
وَأَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَأَصْحَابِ
الْمَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ وَالصِّحَاحِ
وَالْحِسَانِ رِوَايَةَ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِيدَاعَهُ فِي كُتُبِهِمْ، أَكْبَرُ
دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ مُفْتَعَلٌ مَأْفُوكٌ
بَعْدَهُمْ، وَهَذَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ قَدْ جَمَعَ كِتَابًا
فِي خَصَائِصِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ، وَكَذَلِكَ لَمْ
يَرْوِهِ الْحَاكِمُ فِي " مُسْتَدْرَكِهِ "، وَكُلَاهُمَا يُنْسَبُ
إِلَى شَيْءٍ مِنَ التَّشَيُّعِ، وَلَا رَوَاهُ مَنْ رَوَاهُ مِنَ النَّاسِ
الْمُعْتَبَرِينَ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَابِ وَالتَّعَجُّبِ، وَكَيْفَ
يَقَعُ مِثْلُ هَذَا نَهَارًا جَهْرَةً، وَهُوَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي
عَلَى نَقْلِهِ، ثُمَّ لَا يُرْوَى إِلَّا مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ مُنْكَرَةٍ،
وَأَكْثَرُهَا مُرَكَّبَةٌ مَوْضُوعَةٌ، وَأَجْوَدُ مَا فِيهَا مَا قَدَّمْنَاهُ
مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْفِطْرِيِّ، عَنْ عَوْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ
أُمِّهِ أُمِّ جَعْفَرٍ، عَنْ أَسْمَاءَ، عَلَى مَا فِيهَا مِنَ التَّعْلِيلِ
الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِيمَا سَلَفَ. وَقَدِ اغْتَرَّ بِذَلِكَ أَحْمَدُ
بْنُ صَالِحٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَمَالَ إِلَى صِحَّتِهِ، وَرَجَّحَ ثُبُوتَهُ.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ " مُشْكِلِ الْحَدِيثِ ": عَنْ
عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ، أَنَّهُ
كَانَ يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ سَبِيلُهُ الْعِلْمَ التَّخَلُّفَ عَنْ
حِفْظِ حَدِيثِ أَسْمَاءَ فِي رَدِّ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ
النُّبُوَّةِ. وَهَكَذَا مَالَ إِلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا،
فِيمَا قِيلَ. وَنَقَلَ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسْكَانِيُّ هَذَا عَنْ أَبِي عَبْدِ
اللَّهِ الْبَصْرِيِّ الْمُتَكَلِّمِ الْمُعْتَزِلِيِّ أَنَّهُ قَالَ: عَوْدُ
الشَّمْسِ بَعْدَ مَغِيبِهَا آكَدُ حَالًا فِيمَا يَقْتَضِي نَقْلُهُ؛ لِأَنَّهُ
وَإِنْ كَانَ فَضِيلَةً لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ مِنْ أَعْلَامِ
النُّبُوَّةِ، وَهُوَ مُفَارِقٌ لِغَيْرِهِ فِي فَضَائِلِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ
أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ.
وَحَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي
أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْقَلَ هَذَا نَقْلًا مُتَوَاتِرًا، وَهَذَا حَقٌّ
لَوْ كَانَ الْحَدِيثُ صَحِيحًا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ كَذَلِكَ، فَدَلَّ
عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ: وَالْأَئِمَّةُ فِي كُلِّ عَصْرٍ يُنْكِرُونَ صِحَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ
وَيَرُدُّونَهُ، وَيُبَالِغُونَ فِي التَّشْنِيعِ عَلَى رُوَاتِهِ كَمَا
قَدَّمْنَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ؛ كَمُحَمَّدٍ وَيَعْلَى ابْنَيْ
عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيَّيْنِ، وَكَإِبْرَاهِيمَ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيِّ
خَطِيبِ دِمَشْقَ وَكَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ الْبُخَارِيِّ
الْمَعْرُوفِ بِابْنِ زَنْجَوَيْهِ، وَكَالْحَافِظِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ
عَسَاكِرَ، وَالشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ
الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ
شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ وَالْعَلَّامَةُ أَبُو
الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَةَ.
وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ: قَرَأْتُ عَلَى
قَاضِي الْقُضَاةِ أَبِي الْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ الْهَاشِمِيِّ، ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ
بْنِ الْمَدِينِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: خَمْسَةُ أَحَادِيثَ
يَرْوُونَهَا وَلَا أَصْلَ لَهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؛ حَدِيثُ:لَوْ صَدَقَ السَّائِلُ مَا أَفْلَحَ مَنْ رَدَّهُ.
وَحَدِيثُ:لَا وَجَعَ إِلَّا وَجَعُ الْعَيْنِ،وَلَا غَمَّ إِلَّا غَمُّ
الدَّيْنِ. وَحَدِيثُ أَنَّ الشَّمْسَ رُدَّتْ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
وَحَدِيثُ: أَنَا أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يَدَعَنِي تَحْتَ الْأَرْضِ
مِائَتَيْ عَامٍ. وَحَدِيثُ:أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ، إِنَّهُمَا
كَانَا يَغْتَابَانِ.
وَالطَّحَاوِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، إِنْ كَانَ قَدِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ إِنْكَارُهُ وَالتَّهَكُّمُ بِمَنْ رَوَاهُ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عُقْدَةَ: ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبَّادٍ، سَمِعْتُ بَشَّارَ بْنَ دِرَاعٍ قَالَ: لَقِيَ أَبُو حَنِيفَةَ مُحَمَّدَ بْنَ النُّعْمَانِ، فَقَالَ: عَمَّنْ رَوَيْتَ حَدِيثَ رَدِّ الشَّمْسِ ؟ فَقَالَ: عَنْ غَيْرِ الَّذِي رَوَيْتَ عَنْهُ: يَا سَارِيَةُ، الْجَبَلَ. فَهَذَا أَبُو حَنِيفَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُعْتَبَرِينَ، وَهُوَ كُوفِيٌّ لَا يُتَّهَمُ عَلَى حُبِّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَتَفْضِيلِهِ بِمَا فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يُنْكِرُ هَذَا عَلَى رَاوِيهِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ لَهُ لَيْسَ بِجَوَابٍ، بَلْ مُجَرَّدُ مُعَارِضَةٍ لَا تُجْدِي، أَيْ أَنَا رَوَيْتُ فِي فَضْلِ عَلِيٍّ هَذَا الْحَدِيثَ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرَبًا فَهُوَ فِي الْغَرَابَةِ نَظِيرَ مَا رَوَيْتَهُ أَنْتَ فِي فَضْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قَوْلِهِ: يَا سَارِيَةُ، الْجَبَلَ. وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ كَهَذَا، لَا إِسْنَادًا وَلَا مَتْنًا، وَأَيْنَ مُكَاشَفَةُ إِمَامٍ قَدْ شَهِدَ الشَّارِعُ لَهُ بِأَنَّهُ مُحَدَّثٌ بِأَمْرٍ جُزْءٍ مِنْ رَدِّ الشَّمْسِ طَالِعَةً بَعْدَ مَغِيبِهَا الَّذِي هُوَ أَكْبَرُ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ ؟! وَالَّذِي وَقَعَ لِيُوشِعَ بْنِ نُونٍ لَيْسَ رَدًّا لِلشَّمْسِ عَلَيْهِ، بَلْ حُبِسَتْ سَاعَةً قَبْلَ غُرُوبِهَا؛ بِمَعْنَى أَنَّهَا تَبَاطَأَتْ فِي سَيْرِهَا حَتَّى أَمْكَنَهُمُ الْفَتْحُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ مَا أَوْرَدَهُ هَذَا الْمُصَنِّفُ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ،
عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي
سَعِيدٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ. وَقَدْ وَقَعَ فِي كِتَابِ أَبِي بِشْرٍ
الدُّولَابِيِّ فِي " الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ " مِنْ حَدِيثِ
الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنْهُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ شَيْخُ الرَّافِضَةِ جَمَالُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ الْحَسَنِ،
الْمُلَقَّبُ بِابْنِ الْمُطَهَّرِ الْحِلِّيُّ فِي كِتَابِهِ فِي الْإِمَامَةِ
الَّذِي رَدَّ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ
تَيْمِيَةَ، قَالَ ابْنُ الْمُطَهَّرِ: التَّاسِعُ: رُجُوعُ الشَّمْسِ لَهُ
مَرَّتَيْنِ؛ إِحْدَاهُمَا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَالثَّانِيَةُ بَعْدَهُ، أَمَّا الْأُولَى فَرَوَى جَابِرٌ وَأَبُو
سَعِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ
عَلَيْهِ جِبْرِيلُ يَوْمًا يُنَاجِيهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا تَغَشَّاهُ
الْوَحْيُ تَوَسَّدَ فَخِذَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ
حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى عَلِيٌّ الْعَصْرَ بِالْإِيمَاءِ، فَلَمَّا
اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ:
" سَلِ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْكَ الشَّمْسَ فَتُصَلِّيَ قَائِمًا "
فَدَعَا، فَرُدَّتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى الْعَصْرَ قَائِمًا. وَأَمَّا
الثَّانِيَةُ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَعْبُرَ الْفُرَاتَ بِبَابِلَ اشْتَغَلَ
كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ بِتَعْبِيرِ دَوَابِّهِمْ، وَصَلَّى لِنَفْسِهِ فِي
طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ الْعَصْرَ، وَفَاتَ كَثِيرًا مِنْهُمْ، فَتَكَلَّمُوا
فِي ذَلِكَ، فَسَأَلَ اللَّهَ رَدَّ الشَّمْسِ، فَرُدَّتْ. قَالَ: وَقَدْ نَظَّمَهُ
الْحِمْيَرِيُّ فَقَالَ:
رُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ لَمَّا فَاتَهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَقَدْ دَنَتْ
لِلْمَغْرِبِ حَتَّى تَبَلَّجَ نُورُهَا فِي وَقْتِهَا
لِلْعَصْرِ ثُمَّ هَوَتْ هُوِيَّ الْكَوْكَبِ
وَعَلَيْهِ قَدْ رُدَّتْ بِبَابِلَ
مَرَّةً
أُخْرَى وَمَا رُدَّتْ لِخَلْقٍ مُعْرِبِ
قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، رَحِمَهُ اللَّهُ: فَضْلُ عَلِيٍّ
وَوِلَايَتُهُ لِلَّهِ وَعُلُوُّ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ مَعْلُومٌ،
وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، بِطُرُقٍ ثَابِتَةٍ أَفَادَتْنَا الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ،
لَا يُحْتَاجُ مَعَهَا إِلَى مَا لَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ أَوْ يُعْلَمُ أَنَّهُ
كَذِبٌ، وَحَدِيثُ رَدِّ الشَّمْسِ قَدْ ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ؛ كَأَبِي جَعْفَرٍ
الطَّحَاوِيِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٍ وَغَيْرِهِمَا، وَعَدُّوا ذَلِكَ مِنْ
مُعْجِزَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَكِنَّ
الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ يَعْلَمُونَ
أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ. ثُمَّ أَوْرَدَ طُرُقَهُ وَاحِدَةً
وَاحِدَةً كَمَا قَدَّمْنَا، وَنَاقَشَ أَبَا الْقَاسِمِ الْحَسْكَانِيَّ فِيمَا تَقَدَّمَ،
وَقَدْ أَوْرَدْنَا كُلَّ ذَلِكَ وَزِدْنَا عَلَيْهِ وَنَقَصْنَا مِنْهُ،
وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ. وَاعْتَذَرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ فِي
تَصْحِيحِهِ هَذَا الْحَدِيثَ بِأَنَّهُ اغْتَرَّ بِسَنَدِهِ، وَعَنِ
الطَّحَاوِيِّ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نَقْدٌ جَيِّدٌ لِلْأَسَانِيدِ
كَجَهَابِذَةِ الْحُفَّاظِ، وَقَالَ فِي غُضُونِ كَلَامِهِ: وَالَّذِي يُقْطَعُ
بِهِ أَنَّهُ كَذِبٌ مُفْتَعَلٌ. قُلْتُ: وَإِيرَادُ ابْنِ الْمُطَهَّرِ لِهَذَا
الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ غَرِيبٌ، وَلَكِنْ لَمْ يُسْنِدْهُ، وَفِي
سِيَاقِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الَّذِي دَعَا بِرَدِّ الشَّمْسِ فِي
الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَأَمَّا إِيرَادُهُ لِقِصَّةِ بَابِلَ فَلَيْسَ لَهَا
إِسْنَادٌ، وَأَظُنُّهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ وَضْعِ الزَّنَادِقَةِ مِنَ الشِّيعَةِ
وَنَحْوِهِمْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَأَصْحَابَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ قَدْ غَرَبَتُ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ وَلَمْ
يَكُونُوا صَلَّوُا الْعَصْرَ، بَلْ قَامُوا إِلَى بُطْحَانَ، وَهُوَ وَادٍ
هُنَاكَ، فَتَوَضَّؤُوا وَصَلَّوُا الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ،
وَكَانَ عَلِيٌّ أَيْضًا فِيهِمْ، وَلَمْ تُرَدَّ لَهُمْ، وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ
الصَّحَابَةِ الَّذِينَ سَارُوا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَاتَتْهُمُ الْعَصْرُ
يَوْمَئِذٍ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَلَمْ تُرَدَّ لَهُمْ، وَكَذَلِكَ لَمَّا
نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابُهُ، عَنْ
صَلَاةِ الصُّبْحِ
حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ صَلَّوْهَا
بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ، وَلَمْ يُرَدَّ لَهُمُ اللَّيْلُ، فَمَا كَانَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، يُعْطِي عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ شَيْئًا مِنَ الْفَضَائِلِ
لَمْ يُعْطِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ،
وَأَمَّا نَظْمُ الْحِمْيَرِيِّ فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، بَلْ هُوَ كَهَذَيَانِ
ابْنِ الْمُطَهَّرِ هَذَا لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ مِنَ النَّثْرِ، وَهَذَا لَا
يَدْرِي صِحَّةَ مَا يَنْظِمُ، بَلْ كِلَاهُمَا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنْ كُنْتُ أَدْرِي فَعَلَيَّ بَدَنَهْ مِنْ كَثْرَةِ التَّخْلِيطِ أَنِّي مَنْ
أَنَهْ
وَالْمَشْهُورُ عَنْ عَلِيٍّ فِي أَرْضِ بَابِلَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ،
رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي " سُنَنِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ مَرَّ بِأَرْضِ
بَابِلَ وَقَدْ حَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى جَاوَزَهَا،
وَقَالَ: نَهَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُصَلِّيَ
بِأَرْضِ بَابِلَ فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ. وَقَدْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ
حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ " الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ " مُبْطِلًا لِرَدِّ
الشَّمْسِ عَلَى عَلِيٍّ بَعْدَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ رَادًّا عَلَى مَنِ ادَّعَى
بَاطِلًا مِنَ الْأَمْرِ، فَقَالَ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنِ ادَّعَى شَيْئًا
مِمَّا ذَكَرْنَا لِفَاضِلٍ وَبَيْنَ دَعْوَى الرَّافِضَةِ رَدَّ الشَّمْسِ عَلَى
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَرَّتَيْنِ حَتَّى ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ حَبِيبَ
بْنَ أَوْسٍ قَالَ:
فَرُدَّتْ عَلَيْنَا الشَّمْسُ وَاللَّيْلُ رَاغِمٌ بِشَمْسٍ لَهُمْ مِنْ جَانِبِ
الْخِدْرِ تَطْلُعُ
نَضَا ضَوْؤُهَا صَبْغَ الدُّجُنَّةِ وَانْطَوَى لِهَجَّتِهَا نُورُ السَّمَاءِ
الْمُرَجَّعُ
فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي عَلِيٌّ بَدَا لَنَا فَرُدَّتْ لَهُ أَمْ كَانَ فِي
الْقَوْمِ يُوشَعُ
هَكَذَا أَوْرَدَهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ، وَهَذَا الشِّعْرُ تَظْهَرُ
عَلَيْهِ الرَّكَّةُ وَالتَّرْكِيبُ، وَأَنَّهُ مَصْنُوعٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْآيَاتِ
السَّمَاوِيَّةِ فِي بَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، اسْتِسْقَاؤُهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِأُمَّتِهِ حِينَ تَأَخَّرَ
الْمَطَرُ، فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَالِهِ سَرِيعًا بِحَيْثُ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ
مِنْبَرِهِ إِلَّا وَالْمَطَرُ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ وَكَذَلِكَ اسْتِصْحَاؤُهُ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ، ثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ أَبِي طَالِبٍ:
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَبُو عَقِيلٍ الثَّقَفِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ
حَمْزَةَ، ثَنَا سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ: رُبَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ
وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَسْتَسْقِي، فَمَا يَنْزِلُ حَتَّى يَجِيشَ كُلُّ مِيزَابٍ:
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ
لِلْأَرَامِلِ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ: تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ. وَهَذَّ الَّذِي
عَلَّقَهُ قَدْ أَسْنَدَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " فَرَوَاهُ
عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْأَزْهَرِ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ، عَنْ
عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدٌ - هُوَ ابْنُ سَلَامٍ - ثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، ثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍيَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ مِنْ بَابٍ كَانَ وُجَاهَ الْمِنْبَرِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا يُغِيثُنَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا " قَالَ أَنَسٌ: وَلَا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ وَلَا شَيْئًا، وَلَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ. قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُمْسِكَهَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالْجِبَالِ وَالظِّرَابِ وَالْأَوْدِيَةِ، مَنَابِتِ الشَّجَرِ " قَالَ: فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ. قَالَ شَرِيكٌ: فَسَأَلْتُ أَنَسًا: أَهْوَ الرَّجُلَ الْأَوَّلَ ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شَرِيكٍ بِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا
مُسَدَّدٌ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَيْنَمَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ إِذْ
جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَحَطَ الْمَطَرُ، فَادْعُ اللَّهَ
أَنْ يَسْقِيَنَا. فَدَعَا فَمُطِرْنَا فَمَا كِدْنَا أَنْ نَصِلَ إِلَى
مَنَازِلِنَا، فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ. قَالَ:
فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ
اللَّهَ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنَّا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا ". قَالَ:
فَلَقَدْ رَأَيْتُ السَّحَابَ يَتَقَطَّعُ يَمِينًا وَشِمَالًا، يُمْطَرُونَ وَلَا
يُمْطَرُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ. تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ
شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلَكَتِ
الْمَوَاشِي، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ. فَدَعَا فَمُطِرْنَا مِنَ
الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ،
وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، وَهَلَكَتِ الْمَوَاشِي فَادْعُ اللَّهَ أَنْ
يُمْسِكَهَا فَقَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "
اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَالْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ
" فَانْجَابَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ،
ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ
الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ:أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ
عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى
الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةَ
فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ
الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا أَنْ يَسْقِيَنَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، وَمَا فِي السَّمَاءِ
قَزَعَةٌ فَثَارَ سَحَابٌ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ
مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ. قَالَ:
فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِنَ الْغَدِ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ وَالَّذِي
يَلِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، فَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ أَوْ
رَجُلٌ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ، وَغَرِقَ
الْمَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا. فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا
قَالَ: فَمَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ
بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَّا تَفَرَّجَتْ، حَتَّى صَارَتِ
الْمَدِينَةُ فِي مِثْلِ الْجَوْبَةِ، حَتَّى سَالَ الْوَادِي، وَادِي قَنَاةَ،
شَهْرًا، قَالَ: فَلَمْ يَجِيءْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجُودِ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي الْجُمُعَةِ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
الْوَلِيدِ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنِي أَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ قَالَ: قَالَ يَحْيَى
بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ:أَتَى
رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ
الْبَدْوِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
الْجُمُعَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْمَاشِيَةُ هَلَكَ
الْعِيَالُ هَلَكَ النَّاسُ. فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَدَيْهِ يَدْعُو، وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ. قَالَ فَمَا خَرَجْنَا مِنَ الْمَسْجِدِ
حَتَّى مُطِرْنَا، فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ حَتَّى كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْأُخْرَى،
فَأَتَى الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَشِقَ الْمُسَافِرُ وَمُنِعَ الطَّرِيقُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ الْأُوَيْسِيُّ يَعْنِي عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ،
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَشَرِيكٍ، سَمِعَا أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبِطَيْهِ.
هَكَذَا عَلَّقَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، وَلَمْ يُسْنِدْهُمَا أَحَدٌ مِنْ
أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا
مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ، فَقَامَ النَّاسُ
فَصَاحُوا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، قَحَطَ الْمَطَرُ، وَاحْمَرَّتِ الشَّجَرُ، وَهَلَكَتِ الْبَهَائِمُ
فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا. فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اسْقِنَا "
مَرَّتَيْنِ، وَايْمُ اللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً مِنْ سَحَابٍ،
فَأَنْشَأَتْ سَحَابَةٌ فَأَمْطَرَتْ، وَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَصَلَّى، ثُمَّ
انْصَرَفَ وَلَمْ تَزَلْ تُمْطِرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا، فَلَمَّا
قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ صَاحُوا إِلَيْهِ:
تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسُهَا
عَنَّا. قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ: " اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا " فَكَشَطَتِ
الْمَدِينَةُ فَجَعَلَتْ تُمْطِرُ حَوْلَهَا وَمَا تُمْطِرُ بِالْمَدِينَةِ
قَطْرَةً، فَنَظَرْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِنَّهَا لَفِي مِثْلِ الْإِكْلِيلِ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ، وَهُوَ ابْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ
قَالَ:سُئِلَ أَنَسٌ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ ؟ فَقَالَ: قِيلَ لَهُ يَوْمَ جُمُعَةٍ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، قَحَطَ الْمَطَرُ، وَأَجْدَبَتِ الْأَرْضُ، وَهَلَكَ الْمَالُ. قَالَ:
فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبِطَيْهِ فَاسْتَسْقَى، وَلَقَدْ
رَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ سَحَابَةً، فَمَا قَضَيْنَا
الصَّلَاةَ حَتَّى إِنَّ قَرِيبَ الدَّارِ الشَّابَّ لَيَهُمُّهُ الرُّجُوعُ إِلَى
أَهْلِهِ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الَّتِي تَلِيهَا قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَاحْتَبَسَ الرُّكْبَانُ. فَتَبَسَّمَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سُرْعَةِ مَلَالَةِ ابْنِ آدَمَ، وَقَالَ اللَّهُمَّ
حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا قَالَ: فَتَكَشَّطَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ. وَهَذَا
إِسْنَادٌ ثُلَاثِيٌّ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَهُ: ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ
إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْكُرَاعُ هَلَكَتِ
الشَّاءُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا. فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا. قَالَ
أَنَسٌ: وَإِنَّ السَّمَاءَ لَمِثْلُ الزُّجَاجَةِ، فَهَاجَتْ رِيحٌ، ثُمَّ
أَنْشَأَتْ سَحَابَةٌ، ثُمَّ اجْتَمَعَتْ، ثُمَّ أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ
عَزَالِيَهَا، فَخَرَجْنَا نَخُوضُ الْمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَا مَنَازِلَنَا،
فَلَمْ نَزَلْ نُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ
الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ،
فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَحْبِسَهُ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا فَنَظَرْتُ إِلَى
السَّمَاءِ وَالسَّحَابُ يَتَصَدَّعُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ.
فَهَذِهِ طُرُقٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَإِنَّهَا تُفِيدُ
الْقَطْعَ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ
مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ إِلَى أَبِي مَعْمَرٍ سَعِيدِ بْنِ خُثَيْمٍ الْهِلَالِيِّ،
عَنْ مُسْلِمٍ الْمُلَائِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:جَاءَ أَعْرَابِيٌّ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَقَدْ أَتَيْنَاكَ وَمَا لَنَا بَعِيرٌ
يَئِطُّ وَلَا صَبِيٌّ يَصِيحُ، وَأَنْشَدَ:
أَتَيْنَاكَ وَالْعَذْرَاءُ يَدْمَى لَبَانُهَا وَقَدْ شُغِلَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ
عَنِ الطِّفْلِ
وَأَلْقَى بِكَفَّيْهِ الْفَتَى لِاسْتِكَانَةٍ مِنَ الْجُوعِ ضَعْفًا مَا يُمِرُّ
وَلَا يُحْلِي
وَلَا شَيْءَ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ عِنْدَنَا سِوَى الْحَنْظَلِ الْعَامِيِّ
وَالْعِلْهِزِ الْفَسْلِ
وَلَيْسَ لَنَا إِلَّا إِلَيْكَ فِرَارُنَا وَأَيْنَ فِرَارُ النَّاسِ إِلَّا
إِلَى الرُّسْلِ
قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ
يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى
عَلَيْهِ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ " اللَّهُمَّ
اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، مَرِيئًا، مُرِيعًا، سَرِيعًا، غَدَقًا طِبَقًا،
عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، تَمْلَأُ بِهِ الضَّرْعَ،
وَتُنْبِتُ بِهِ الزَّرْعَ، وَتُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَكَذَلِكَ
تُخْرَجُونَ ". قَالَ فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ يَدَيْهِ
إِلَى نَحْرِهِ حَتَّى أَلْقَتِ
السَّمَاءُ بِأَرْوَاقِهَا، وَجَاءَ أَهْلُ الْبِطَانَةِ يَضِجُّونَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، الْغَرَقَ الْغَرَقَ. فَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ:
" اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا " فَانْجَابَ السَّحَابُ
عَنِ الْمَدِينَةِ حَتَّى أَحْدَقَ بِهَا كَالْإِكْلِيلِ، فَضَحِكَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ
قَالَ: لِلَّهِ دَرُّ أَبِي طَالِبٍ لَوْ كَانَ حَيًّا قَرَّتَا عَيْنَاهُ مَنْ
يُنْشِدُ قَوْلَهُ ؟ فَقَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ كَأَنَّكَ أَرَدْتَ قَوْلَهُ:
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ
لِلْأَرَامِلِ
يَلُوذُ بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ فَهُمْ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ
وَفَوَاضِلِ
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ نُبْزَى مُحَمَّدًا وَلَمَّا نُقَاتِلْ دُونَهُ
وَنُنَاضِلِ
وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا
وَالْحَلَائِلِ
قَالَ: وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ كِنَانَةَ فَقَالَ:
لَكَ الْحَمْدُ وَالْحَمْدُ مِمَّنْ شَكَرْ سُقِينَا بِوَجْهِ النَّبِيِّ
الْمَطَرْ
دَعَا اللَّهَ خَالِقَهُ دَعْوَةً إِلَيْهِ وَأَشْخَصَ مِنْهُ الْبَصَرْ
فَلَمْ يَكُ إِلَّا كَلَفِّ الرِّدَاءِ وَأَسْرَعَ حَتَّى رَأَيْنَا الدِّرَرْ
دُفَاقَ الْعَزَالِيَ عَمَّ الْبِقَاعَ
أَغَاثَ بِهِ اللَّهُ عُلْيَا مُضَرْ
وَكَانَ كَمَا قَالَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ أَبْيَضٌ ذُو غُرَرْ
بِهِ اللَّهُ يَسْقِي صَوْبَ الْغَمَامِ وَهَذَا الْعِيَانُ لِذَاكَ الْخَبَرْ
فَمَنْ يَشْكُرِ اللَّهَ يَلْقَ الْمَزِيدَ وَمِنْ يَكْفُرِ اللَّهَ يَلْقَى
الْغِيَرْ
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ
يَكُ شَاعِرٌ يُحْسِنُ فَقَدْ أَحْسَنْتَ " وَهَذَا السِّيَاقُ فِيهِ
غَرَابَةٌ، وَلَا يُشْبِهُ مَا قَدَّمْنَا مِنَ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ
الْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ أَنَسٍ؛ فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا مَحْفُوظًا فَهُوَ
قِصَّةٌ أُخْرَى غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ
الْأَصْبَهَانِيُّ، ثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مُصْعَبٍ، ثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ، ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ،
ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي ذِئْبٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَاطِبٍ الْجُمَحِيِّ، عَنْ أَبِي وَجْزَةَ يَزِيدَ
بْنِ عُبَيْدٍ السَّعْدِيِّ قَالَ: لَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَتَاهُ وَفْدُ بَنِي فَزَارَةَ
بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فِيهِمْ خَارِجَةُ بْنُ
حِصْنٍ، وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ، وَهُوَ أَصْغَرُهُمْ، ابْنُ أَخِي عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، فَنَزَلُوا فِي دَارِ رَمَلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَقَدِمُوا عَلَى إِبِلٍ ضِعَافٍ عِجَافٍ وَهُمْ مُسْنِتُونَ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُقِرِّينَ بِالْإِسْلَامِ فَسَأَلَهُمْ، رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ بِلَادِهِمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَسْنَتَتْ بِلَادُنَا، وَأَجْدَبَ جَنَابُنَا، وَعَرِيَتْ عِيَالُنَا، وَهَلَكَتْ مَوَاشِينَا، فَادْعُ رَبَّكَ أَنْ يُغِيثَنَا، وَتَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، وَيَشْفَعُ رَبُّكَ إِلَيْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سُبْحَانَ اللَّهِ، وَيْلَكَ هَذَا، أَنَا شَفَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَمَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ رَبُّنَا إِلَيْهِ ؟! لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَهُوَ يَئِطُّ مِنْ عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ كَمَا يَئِطُّ الرَّحْلُ الْجَدِيدُ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَسَلَّمَ " إِنِ اللَّهَ يَضْحَكُ مِنْ شَفَقَتِكُمْ وَأَزْلِكُمْ وَقُرْبِ غِيَاثِكُمْ " فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَيَضْحَكُ رَبُّنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟! قَالَ: " نَعَمْ ". فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لَنْ نَعْدَمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، وَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الدُّعَاءِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ، رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، وَكَانَ مِمَّا حُفِظَ مِنْ دُعَائِهِ: " اللَّهُمَّ اسْقِ بَلَدَكَ،
وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا، طَبَقًا وَاسِعًا، عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ لَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ وَلَا مَحْقٍ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ، وَانْصُرْنَا عَلَى الْأَعْدَاءِ ". فَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، التَّمْرُ فِي الْمَرَابِدِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّهُمَّ اسْقِنَا " فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ: التَّمْرُ فِي الْمَرَابِدِ. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ اسْقِنَا حَتَّى يَقُومَ أَبُو لُبَابَةَ عُرْيَانًا فَيَسُدَّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ " قَالَ: فَلَا وَاللَّهِ مَا فِي السَّمَاءِ مِنْ قَزَعَةٍ وَلَا سَحَابٍ، وَمَا بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَسَلْعٍ مِنْ بِنَاءٍ وَلَا دَارٍ، فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَاءِ سَلْعٍ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرُسِ فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ، فَوَاللَّهِ مَا رَأَوُا الشَّمْسَ سَبْتًا، وَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ عُرْيَانًا يَسُدُّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ لِئَلَّا يَخْرُجَ التَّمْرُ مِنْهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ. فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَدَعَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ " اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا، عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ " فَانْجَابَتِ السَّحَابَةُ عَنِ الْمَدِينَةِ كَانْجِيَابِ الثَّوْبِ وَهَذَا السِّيَاقُ يُشْبِهُ سِيَاقَ مُسْلِمٍ الْمُلَائِيِّ، عَنْ أَنَسٍ وَلِبَعْضِهِ شَاهِدٌ فِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ "، وَفِي
حَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ
شَاهِدٌ لِبَعْضِهِ أَيْضًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ "
أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُؤَمَّلِ،
أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، أَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الطَّهَرَانِيُّ،
أَنَا سَهْلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعْرُوفُ بِالسِّنْدِيِّ بْنِ
عَبْدَوَيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبِي أُوَيْسٍ
الْمَدَنِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيِّ
قَالَ:اسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
جُمُعَةٍ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا ".
فَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ التَّمْرَ فِي
الْمَرَابِدِ، وَمَا فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ نَرَاهُ. فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّهُمَّ اسْقِنَا ".
فَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ التَّمْرَ فِي
الْمَرَابِدِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
اللَّهُمَّ اسْقِنَا، حَتَّى يَقُومَ أَبُو لُبَابَةَ يَسُدُّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ
بِإِزَارِهِ ". فَاسْتَهَلَّتِ السَّمَاءُ وَمَطَرَتْ، وَصَلَّى بِنَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَطَافَالْأَنْصَارُ
بِأَبِي لُبَابَةَ يَقُولُونَ لَهُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ، إِنَّ السَّمَاءَ
وَاللَّهِ لَنْ تُقْلِعَ حَتَّى تَقُومَ عُرْيَانًا فَتَسُدَّ ثَعْلَبَ
مِرْبَدِكَ بِإِزَارِكَ كَمَا قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَقَامَ أَبُو
لُبَابَةَ عُرْيَانًا يَسُدُّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ، فَأَقْلَعَتِ
السَّمَاءُ. وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ، وَلَمْ يَرْوِهِ أَحْمَدُ وَلَا أَهْلُ
الْكُتُبِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا الِاسْتِسْقَاءِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فِي أَثْنَاءِ
الطَّرِيقِ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ
الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ،
عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّهُ قِيلَ
لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: حَدِّثْنَا عَنْ شَأْنِ سَاعَةِ الْعُسْرَةِ. فَقَالَ
عُمَرُ: خَرَجْنَا إِلَى تَبُوكَ فِي قَيْظٍ شَدِيدٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا وَأَصَابَنَا
فِيهِ عَطَشٌ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّ رِقَابَنَا سَتَنْقَطِعُ، حَتَّى إِنْ كَانَ
أَحَدُنَا لَيَذْهَبُ فَيَلْتَمِسُ الرَّحْلَ فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يَظُنَّ أَنَّ
رَقَبَتَهُ سَتَنْقَطِعُ، حَتَّى إِنِ الرَّجُلَ لَيَنْحَرُ بَعِيرَهُ
فَيَعْتَصِرُ فَرْثَهُ فَيَشْرَبُهُ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ عَلَى كَبِدِهِ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ،
إِنِ اللَّهَ قَدْ عَوَّدَكَ فِي الدُّعَاءِ خَيْرًا، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا.
فَقَالَ " أَوَتُحِبُّ ذَلِكَ ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَرَفَعَ
يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ فَلَمْ يُرْجِعْهُمَا حَتَّى قَالَتِ السَّمَاءُ
فَأَظَلَّتْ ثُمَّ سَكَبَتْ، فَمَلَؤُوا مَا مَعَهُمْ، ثُمَّ ذَهَبْنَا نَنْظُرُ
فَلَمْ نَجِدْهَا جَاوَزَتِ الْعَسْكَرَ. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ،
وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
وَقَدْ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَدْ
كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ بَعِيرٍ،
وَمَثَلُهَا مِنَ الْخَيْلِ، وَكَانُوا ثَلَاثِينَ أَلْفًا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ.
قَالَ: وَنَزَلَ مِنَ الْمَطَرِ مَاءٌ أَغْدَقَ الْأَرْضَ حَتَّى صَارَتِ
الْغُدْرَانُ تَسْكُبُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، وَذَلِكَ فِي حَمَارَّةِ الْقَيْظِ.
أَيْ شِدَّةِ الْحَرِّ الْبَلِيغِ، فَصَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَكَمْ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ مِثْلِ هَذَا فِي غَيْرِ مَا
حَدِيثٍ صَحِيحٍ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمَّا دَعَا
عَلَىقُرَيْشٍ حِينَ اسْتَعْصَتْ أَنْ يُسَلِّطَ اللَّهُ عَلَيْهَا سَبْعًا
كَسَبْعِ يُوسُفَ، فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا
الْعِظَامَ وَالْكِلَابَ وَالْعِلْهِزَ، ثُمَّ أَتَى أَبُو سُفْيَانَ يَشْفَعُ
عِنْدَهُ فِي أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لَهُمْ، فَدَعَا لَهُمْ فَرُفِعَ ذَلِكَ
عَنْهُمْ.
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، ثَنَا أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُثَنَّى، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ،أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ إِذَا
قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا
نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ
بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا. قَالَ فَيُسْقَوْنَ. تَفَرَّدَ بِهِ
الْبُخَارِيُّ.
فَصْلٌ: وَأَمَّا الْمُعْجِزَاتُ
الْأَرْضِيَّةُ
فَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمَادَاتِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ
بِالْحَيَوَانَاتِ، فَمِنَ الْمُتَعَلِّقِ بِالْجَمَادَاتِ تَكْثِيرُهُ الْمَاءَ
فِي غَيْرِ مَا مَوْطِنٍ عَلَى صِفَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ سَنُورِدُهَا
بِأَسَانِيدِهَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبَدَأْنَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَنْسَبُ
بِإِتْبَاعِ مَا أَسْلَفْنَا ذِكْرَهُ مِنِ اسْتِسْقَائِهِ وَإِجَابَةِ اللَّهِ
لَهُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ
إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَانَتْ
صَلَاةُ الْعَصْرِ وَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوُضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ فَوَضَعَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ، فَأَمَرَ
النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّؤُوا مِنْهُ، فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ
أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّؤُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ
مَالِكٍ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، ثَنَا حَزْمٌ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ
مَالِكٍأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ ذَاتَ
يَوْمٍ لِبَعْضِ مَخَارِجِهِ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَانْطَلَقُوا
يَسِيرُونَ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَلَمْ يَجِدِ الْقَوْمُ مَاءً يَتَوَضَّؤُونَ
بِهِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا نَجِدُ مَا
نَتَوَضَّأُ بِهِ. وَرَأَى فِي وُجُوهِ
أَصْحَابِهِ كَرَاهِيَةَ ذَلِكَ، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ
بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ، فَأَخَذَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَتَوَضَّأَ مِنْهُ، ثُمَّ مَدَّ أَصَابِعَهُ الْأَرْبَعَةَ عَلَى
الْقَدَحِ، ثُمَّ قَالَ: " هَلُمُّوا فَتَوَضَّؤُوا " فَتَوَضَّأَ
الْقَوْمُ حَتَّى بَلَغُوا فِيمَا يُرِيدُونَ. قَالَ الْحَسَنُ: سُئِلَ أَنَسٌ:
كَمْ بَلَغُوا ؟ قَالَ: سَبْعِينَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْعَيْشِيِّ، عَنْ
حَزْمِ بْنِ مِهْرَانَ الْقُطَعِيِّ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي
عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ وَيَزِيدَ - قَالَ: أَنَا حُمَيْدٌ الْمَعْنَى - عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:نُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَقَامَ كُلُّ قَرِيبِ الدَّارِ
مِنَ الْمَسْجِدِ، وَبَقِيَ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ نَائِيَ الدَّارِ، فَأُتِيَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ،
فَصَغُرَ أَنْ يَبْسُطَ كَفَّهُ فِيهِ. قَالَ: فَضَمَّ أَصَابِعَهُ. قَالَ: فَتَوَضَّأَ
بَقِيَّتُهُمْ. قَالَ حُمَيْدٌ: وَسُئِلَ أَنَسٌ: كَمْ كَانُوا ؟ قَالَ:
ثَمَانِينَ أَوْ زِيَادَةً.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُنِيرٍ، عَنْ يَزِيدَ
بْنِ هَارُونَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:حَضَرَتِ الصَّلَاةُ،
فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ مِنَ الْمَسْجِدِ يَتَوَضَّأُ، وَبَقِيَ
قَوْمٌ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِخْضَبٍ
مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ،
فَوَضَعَ كَفَّهُ فَصَغُرَ الْمِخْضَبُ
أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ، فَضَمَّ أَصَابِعَهُ فَوَضَعَهَا فِي الْمِخْضَبِ،
فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ جَمِيعًا، قُلْتُ: كَمْ كَانُوا ؟ قَالَ: كَانُوا
ثَمَانِينَ رَجُلًا.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
جَعْفَرٍ، ثَنَا سَعِيدٌ إِمْلَاءً، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
بِالزَّوْرَاءِ فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، لَا يَغْمُرُ أَصَابِعَهُ،
فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَتَوَضَّؤُوا، فَوَضَعَ كَفَّهُ فِي الْمَاءِ، فَجَعَلَ
الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ وَأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ حَتَّى
تَوَضَّأَ الْقَوْمُ. قَالَ: فَقُلْتُ لِأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ ؟ قَالَ: كُنَّا
ثَلَاثَمِائَةٍ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ بُنْدَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ،
وَمُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنْ غُنْدَرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي عُرُوبَةَ - وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: عَنْ شُعْبَةَ. وَالصَّحِيحُ: سَعِيدٍ -
عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ وَهُوَ فِي الزَّوْرَاءِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي
الْإِنَاءِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فَتَوَضَّأَ
الْقَوْمُ. قَالَ قَتَادَةُ: فَقُلْتُ لِأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ ؟ قَالَ:
ثَلَاثَمِائَةٍ أَوْ زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ. لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.
حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مَالِكُ
بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ،
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كُنَّا يَوْمَ
الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ،
فَنَزَحْنَاهَا حَتَّى لَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ، فَدَعَا بِمَاءٍ
فَمَضْمَضَ، وَمَجَّ فِي الْبِئْرِ، فَمَكَثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ
اسْتَقَيْنَا حَتَّى رَوِينَا وَرَوَتْ أَوْ صَدَرَتْ رِكَابُنَا. تَفَرَّدَ بِهِ
الْبُخَارِيُّ إِسْنَادًا وَمَتْنًا.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا عَفَّانُ وَهَاشِمٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ،
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ - هُوَ ابْنُ عُبَيْدَةَ،
مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ -عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَتَيْنَا عَلَى رَكِيٍّ
ذِمَّةٍ - يَعْنِي قَلِيلَةَ الْمَاءِ - قَالَ: فَنَزَلَ فِيهَا سِتَّةُ أُنَاسٍ
أَنَا سَادِسُهُمْ مَاحَةً، فَأُدْلِيَتْ إِلَيْنَا دَلْوٌ. قَالَ: وَرَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ فَجَعَلْنَا
فِيهَا نِصْفَهَا، أَوْ قُرَابَ ثُلْثَيْهَا، فَرُفِعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْبَرَاءُ: فَكِدْتُ بِإِنَائِي هَلْ
أَجِدُ شَيْئًا أَجْعَلُهُ فِي حَلْقِي ؟ فَمَا وَجَدْتُ فَرَفَعْتُ الدَّلْوَ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَمَسَ يَدَهُ فِيهَا،
فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَأُعِيدَتْ إِلَيْنَا الدَّلْوُ بِمَا
فِيهَا. قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَحَدَنَا أُخْرِجَ بِثَوْبٍ خَشْيَةَ
الْغَرَقِ. قَالَ: ثُمَّ سَاحَتْ؛ يَعْنِي جَرَتْ نَهْرًا. تَفَرَّدَ بِهِ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا
قِصَّةٌ أُخْرَى غَيْرَ يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ جَابِرٍ فِي
ذَلِكَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ، ثَنَا جَعْفَرٌ،
يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ، ثَنَا الْجَعْدُ أَبُو عُثْمَانَ، ثَنَا أَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:اشْتَكَى
أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ الْعَطَشَ.
قَالَ: فَدَعَا بِعُسٍّ، فَصُبَّ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَاءِ، وَوَضَعَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ يَدَهُ، وَقَالَ " اسْقُوا
". فَاسْتَقَى النَّاسُ، قَالَ: فَكُنْتُ أَرَى الْعُيُونَ تَنْبُعُ مِنْ
بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. تَفَرَّدَ
بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَفِي أَفْرَادِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي
حَرْزَةَ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ
عُبَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ
فِيهِ:سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى
نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ، فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ فَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ، فَنَظَرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا
يَسْتَتِرُ بِهِ، وَإِذَا بِشَجَرَتَيْنِ بِشَاطِئِ الْوَادِي، فَانْطَلَقَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، فَأَخَذَ
بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: " انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ
" فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ الَّذِي يُصَانِعُ
قَائِدَهُ، حَتَّى أَتَى الْأُخْرَى فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ:
" انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ". فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذَلِكَ،
حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ مِمَّا بَيْنَهُمَا لَأَمَ بَيْنَهُمَا - يَعْنِي
جَمَعَهُمَا - فَقَالَ: " الْتَئِمَا عَلِيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ".
فَالْتَأَمَتَا.
قَالَ جَابِرٌ: فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُرْبِي فَيَبْتَعِدَ، فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي، فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ مُقْبِلًا، وَإِذَا بِالشَّجَرَتَيْنِ قَدِ افْتَرَقَتَا، فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ وَقْفَةً، فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا، يَمِينًا وَشِمَالًا، ثُمَّ أَقْبَلَ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيَّ قَالَ: " يَا جَابِرُ، هَلْ رَأَيْتَ مَقَامِي ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " فَانْطَلِقْ إِلَى الشَّجَرَتَيْنِ فَاقْطَعْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا، فَأَقْبِلْ بِهِمَا حَتَّى إِذَا قُمْتَ مَقَامِي فَأَرْسِلْ غُصْنًا عَنْ يَمِينِكَ وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِكَ ". قَالَ جَابِرٌ: فَقُمْتُ فَأَخَذْتُ حَجَرًا فَكَسَرْتُهُ وَحَسَرْتُهُ فَانْذَلَقَ لِي، فَأَتَيْتُ الشَّجَرَتَيْنِ، فَقَطَعْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا، ثُمَّ أَقْبَلْتُ أَجُرُّهُمَا، حَتَّى قُمْتُ مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلْتُ غُصْنًا عَنْ يَمِينِي وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِي، ثُمَّ لَحِقْتُ فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَقُلْتُ: فَلِمَ ذَاكَ ؟ قَالَ: " إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ فَأَحْبَبْتُ بِشَفَاعَتِي أَنْ يُرَفَّهَ عَنْهُمَا مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطِبَيْنِ ". قَالَ: فَأَتَيْنَا الْعَسْكَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَاجَابِرُ نَادِ بِوَضُوءٍ " فَقُلْتُ: أَلَا وَضُوءَ ؟ أَلَا وَضُوءَ ؟ أَلَا وَضُوءَ ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ فِي الرَّكْبِ مِنْ قَطْرَةٍ. وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُبَرِّدُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ الْمَاءَ
فِي أَشِجَابٍ لَهُ عَلَى حِمَارَةٍ مِنْ جَرِيدٍ. قَالَ: فَقَالَ لِي " انْطَلِقْ إِلَى فُلَانٍ الْأَنْصَارِيِّ، فَانْظُرْ هَلْ فِي أَشْجَابِهِ مِنْ شَيْءٍ ؟ " قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِ، فَنَظَرْتُ فِيهَا، فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا قَطْرَةً فِي عَزْلَاءِ شَجْبٍ مِنْهَا، لَوْ أَنِّي أُفْرِغُهُ لِشَرِبَهُ يَابِسُهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا قَطْرَةً فِي عَزْلَاءِ شَجْبٍ مِنْهَا، لَوْ أَنِّي أُفْرِغُهُ لَشَرِبَهُ يَابِسُهُ. قَالَ: " اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهِ ". فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ، فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ لَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَيَغْمِزُهُ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ أَعْطَانِيهِ، فَقَالَ: " يَا جَابِرُ، نَادِ بِجَفْنَةٍ ". فَقُلْتُ: يَا جَفْنَةَ الرَّكْبِ. فَأُتِيتُ بِهَا تُحْمَلُ، فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فِي الْجَفْنَةِ هَكَذَا، فَبَسَطَهَا وَفَرَّقَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ وَضَعَهَا فِي قَعْرِ الْجَفْنَةِ، وَقَالَ: " خُذْ يَا جَابِرُ فَصُبَّ عَلَيَّ، وَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ ". فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: بِسْمِ اللَّهِ. فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ فَارَتِ الْجَفْنَةُ وَدَارَتْ حَتَّى امْتَلَأَتْ، فَقَالَ: " يَا جَابِرُ نَادِ مَنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ بِمَاءٍ ". قَالَ: فَأَتَى النَّاسُ فَاسْتَقَوْا حَتَّى رَوَوْا. قَالَ: فَقُلْتُ: هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ لَهُ حَاجَةٌ ؟ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنَ الْجَفْنَةِ، وَهِيَ مَلْأَى. قَالَ: وَشَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُوعَ فَقَالَ: " عَسَى اللَّهُ أَنْ
يُطْعِمَكُمْ ". فَأَتَيْنَا
سَيْفَ الْبَحْرِ، فَزَخَرَ زَخْرَةً، فَأَلْقَى دَابَّةً، فَأَوْرَيْنَا عَلَى
شَقِّهَا النَّارَ، فَاطَّبَخْنَا وَاشْتَوَيْنَا، وَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا.
قَالَ جَابِرٌ: فَدَخَلْتُ أَنَا وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ - حَتَّى عَدَّ خَمْسَةً -
فِي حِجَاجِ عَيْنِهَا مَا يَرَانَا أَحَدٌ حَتَّى خَرَجْنَا، وَأَخَذْنَا ضِلْعًا
مِنْ أَضْلَاعِهِ فَقَوَّسْنَاهُ ثُمَّ دَعَوْنَا بِأَعْظَمِ رَجُلٍ فِي
الرَّكْبِ، وَأَعْظَمِ جَمَلٍ فِي الرَّكْبِ، وَأَعْظَمَ كِفْلٍ فِي الرَّكْبِ،
فَدَخَلَ تَحْتَهُ مَا يُطَأْطِئُ رَأْسَهُ..
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ
بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا حَصِينٌ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالنَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ يَتَوَضَّأُ،
فَجَهَشَ النَّاسُ نَحْوَهُ، قَالَ: " مَا لَكُمْ ؟ " قَالُوا: لَيْسَ
عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ وَلَا نَشْرَبُ إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ. فَوَضَعَ
يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ
كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا. قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ ؟
قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً.
وَهَكَذَا
رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
حَصِينٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، زَادَ مُسْلِمٌ: وَشُعْبَةُ،
ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ كُنَّا
أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، ثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ نُبَيْحٍ الْعَنْزِيِّ، أَنَّ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:غَزَوْنَا - أَوْ سَافَرْنَا - مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ بِضْعَ عَشْرَ
وَمِائَتَانِ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ فِي الْقَوْمِ مِنْ مَاءٍ ؟. فَجَاءَهُ رَجُلٌ
يَسْعَى بِإِدَاوَةٍ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، قَالَ: فَصَبَّهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَدَحٍ قَالَ: فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ انْصَرَفَ
وَتَرَكَ الْقَدَحَ، فَرَكِبَ النَّاسُ الْقَدَحَ: تَمَسَّحُوا تَمَسَّحُوا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلَى
رِسْلِكُمْ ". حِينَ سَمِعَهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ. قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّهُ فِي الْمَاءِ وَالْقَدَحِ،
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِسْمِ
اللَّهِ ". ثُمَّ قَالَ: " أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ ". قَالَ
جَابِرٌ: فَوَالَّذِي ابْتَلَانِي بِبَصَرِي لَقَدْ رَأَيْتُ الْعُيُونَ عُيُونَ
الْمَاءِ يَوْمَئِذٍ تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَفَعَهَا حَتَّى تَوَضَّؤُوا أَجْمَعُونَ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَظَاهِرُهُ كَأَنَّهُ
قِصَّةٌ أُخْرَى غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ
قَالَ:قَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً - أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ -
وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ رَأْسًا لَا تَرْوِيهَا، فَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَبَا الرَّكِيَّةِ، فَإِمَّا دَعَا وَإِمَّا
بَصَقَ فِيهَا. قَالَ: فَجَاشَتْ، فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ
عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فِي حَدِيثِ صُلْحِ
الْحُدَيْبِيَةِ الطَّوِيلِ:فَعَدَلَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمِدٍ قَلِيلِ
الْمَاءِ يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا، فَلَمْ يُلَبِّثْهُ النَّاسُ حَتَّى
نَزَحُوهُ، وَشُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْعَطَشُ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ
يَجْعَلُوهُ فِيهِ، فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرَّيِّ حَتَّى
صَدَرُوا عَنْهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ فِي صُلْحِ
الْحُدَيْبِيَةِ فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ
بَعْضِهِمْ أَنَّ الَّذِي نَزَلَ بِالسَّهْمِ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ سَائِقُ
الْبُدْنِ. قَالَ: وَقِيلَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ ثُمَّ رَجَّحَ ابْنُ إِسْحَاقَ
الْأَوَّلَ.
حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا
حُسَيْنٌ الْأَشْقَرُ، ثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي
الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَلَيْسَ فِي الْعَسْكَرِ مَاءٌ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ فِي الْعَسْكَرِ مَاءٌ. قَالَ: " هَلْ عِنْدَكَ
شَيْءٌ ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " فَأْتِنِي بِهِ ". قَالَ:
فَأَتَاهُ بِإِنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ قَلِيلٍ. قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ فِي فَمِ الْإِنَاءِ
وَفَتَحَ أَصَابِعَهُ. قَالَ: فَانْفَجَرَتْ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ عُيُونٌ،
وَأَمَرَ بِلَالًا، فَقَالَ: " نَادِ فِي النَّاسِ: الْوَضُوءَ الْمُبَارَكَ
" تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَامِرٍ
الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ.
حَدِيثٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ:
ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، ثَنَا
إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ الْآيَاتِ بَرَكَةً. وَأَنْتُمْ تُعِدُّونَهَا
تَخْوِيفًا، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
سَفَرٍ، فَقَلَّ الْمَاءُ فَقَالَ: " اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ ".
فَجَاءُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، ثُمَّ
قَالَ: " حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ وَالْبِرْكَةُ مِنَ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ ". قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ
أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَقَدْ كُنَّا
نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ
بُنْدَارٍ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا
أَبُو الْوَلِيدِ،
ثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ، سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ قَالَ:حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ، فَأَدْلَجُوا لَيْلَتَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ وَجْهُ الصُّبْحِ عَرَّسُوا، فَغَلَبَتْهُمْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ لَا يُوقِظُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَنَامِهِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، فَاسْتَيْقَظَ عُمَرُ، فَقَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَجَعَلَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ حَتَّى اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ وَصَلَّى بِنَا الْغَدَاةَ، فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّ مَعَنَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: " يَا فُلَانُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَنَا ؟ " قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ، ثُمَّ صَلَّى، وَجَعَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَكُوبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدْ عَطِشْنَا عَطَشًا شَدِيدًا، فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ، فَقُلْنَا لَهَا: أَيْنَ الْمَاءُ ؟ فَقَالَتْ: إِنَّهُ لَا مَاءَ. فَقُلْنَا: كَمْ بَيْنَ أَهْلِكِ وَبَيْنَ الْمَاءِ ؟ قَالَتْ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. فَقُلْنَا: انْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: وَمَا رَسُولُ اللَّهِ ؟ فَلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أَمْرِهَا حَتَّى اسْتَقْبَلْنَا بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَتْهُ بِمِثْلِ الَّذِي حَدَّثَتْنَا، غَيْرَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا مُؤْتِمَةٌ، فَأَمَرَ بِمَزَادَتَيْهَا، فَمَسَحَ فِي الْعَزْلَاوَيْنِ، فَشَرِبْنَا عِطَاشًا أَرْبَعِينَ رَجُلًا حَتَّى رَوِينَا، وَمَلَأْنَا كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنَا وَإِدَاوَةٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ نَسْقِ بَعِيرًا، وَهِيَ تَكَادُ تَنِضُّ مِنَ الْمِلْءِ ثُمَّ قَالَ: " هَاتُوا
مَا عِنْدَكُمْ ". فَجَمَعَ لَهَا
مِنَ الْكِسَرِ وَالتَّمْرِ حَتَّى أَتَتْ أَهْلَهَا، قَالَتْ: لَقِيتُ أَسْحَرَ
النَّاسِ، أَوْ هُوَ نَبِيٌّ كَمَا زَعَمُوا. فَهَدَى اللَّهُ ذَاكَ الصِّرْمِ
بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ، فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
مِنْ حَدِيثِ سَلْمِ بْنِ زَرِيرٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَوْفٍ
الْأَعْرَابِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ - وَاسْمُهُ
عِمْرَانُ بْنُ تَيْمٍ - عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ بِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ
لَهُمَا: فَقَالَ لَهَا: اذْهَبِي بِهَذَا مَعَكِ لِعِيَالِكِ، وَاعْلَمِي أَنَّا
لَمْ نَرْزَأْكِ مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ سَقَانَا ".
وَفِيهِ أَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ الْعَزْلَاوَيْنِ سَمَّى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.
حَدِيثٌ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: " إِنَّكُمْ إِنْ
لَا تُدْرِكُوا الْمَاءَ غَدًا تَعْطَشُوا ". وَانْطَلَقَ سَرَعَانُ النَّاسِ
يُرِيدُونَ الْمَاءَ، وَلَزِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَمَالَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَاحِلَتُهُ فَنَعَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَدَعَمْتُهُ فَادَّعَمَ، ثُمَّ مَالَ فَدَعَمْتُهُ
فَادَّعَمَ، ثُمَّ مَالَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَنْجَفِلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَدَعَمْتُهُ فَانْتَبَهَ فَقَالَ: " مَنِ الرَّجُلُ ؟ فَقُلْتُ: أَبُو قَتَادَةَ. قَالَ: " مُنْذُ كَمْ كَانَ مَسِيرُكَ ؟ " قُلْتُ: مُنْذُ اللَّيْلَةِ. قَالَ: " حَفِظَكَ اللَّهُ كَمَا حَفِظْتَ رَسُولَهُ ". ثُمَّ قَالَ: " لَوْ عَرَّسْنَا ". فَمَالَ إِلَى شَجَرَةٍ فَنَزَلَ فَقَالَ: " انْظُرْ هَلْ تَرَى أَحَدًا ؟ " قُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ، هَذَانَ رَاكِبَانِ. حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةً. فَقَالَ: " احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا ". فَنِمْنَا فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، فَانْتَبَهْنَا فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَ وَسِرْنَا هُنَيْهَةً، ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ: " أَمَعَكُمْ مَاءٌ ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، مَعِي مِيضَأَةٌ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ. قَالَ: " ائْتِ بِهَا " قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ " مَسُّوا مِنْهَا، مَسُّوا مِنْهَا " فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ وَبَقِيَتْ جُرْعَةٌ، فَقَالَ: " ازْدَهِرْ بِهَا يَا أَبَا قَتَادَةَ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَهَا نَبَّأٌ ". ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ، وَصَلَّوُا الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّوُا الْفَجْرَ، ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبْنَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: فَرَّطْنَا فِي صَلَاتِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تَقُولُونَ ؟ إِنْ كَانَ أَمْرَ دُنْيَاكُمْ فَشَأْنُكُمْ، وَإِنْ كَانَ أَمْرَ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَرَّطْنَا فِي صَلَاتِنَا. فَقَالَ: " لَا تَفْرِيطَ فِي النَّوْمِ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَصَلُّوهَا، وَمِنَ الْغَدِ وَقْتَهَا ". ثُمَّ قَالَ: " ظُنُّوا بِالْقَوْمِ ". قَالُوا: إِنَّكَ قُلْتَ بِالْأَمْسِ: " إِنْ لَا تُدْرِكُوا الْمَاءَ غَدًا تَعْطَشُوا "؛ فَالنَّاسُ بِالْمَاءِ. فَقَالَ: " أَصْبَحَ النَّاسُ، وَقَدْ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَاءِ. وَفِي
الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ
فَقَالَا: أَيْهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لِيَسْبِقَكُمْ إِلَى الْمَاءِ وَيَخْلُفَكُمْ. وَإِنْ
يُطِعِ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا " قَالَهَا ثَلَاثًا.
فَلَمَّا اشْتَدَّتِ الظَّهِيرَةُ رَفَعَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْنَا عَطَشًا،
تَقَطَّعَتِ الْأَعْنَاقُ. فَقَالَ: " لَا هُلْكَ عَلَيْكُمْ ". ثُمَّ
قَالَ: " يَا أَبَا قَتَادَةَ، ائْتِ بِالْمِيضَأَةِ ". فَأَتَيْتُهُ
بِهَا، فَقَالَ: " احْلُلْ لِي غُمْرِي " يَعْنِي قَدَحَهُ.
فَحَلَلْتُهُ فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَجَعَلَ يَصُبُّ فِيهِ، وَيَسْقِي النَّاسَ،
فَازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَحْسِنُوا الْمَلْأَ، فَكُلُّكُمْ
سَيَصْدُرُ عَنْ رَيٍّ " فَشَرِبَ الْقَوْمُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ غَيْرِي
وَغَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَبَّ لِي،
فَقَالَ: اشْرَبْ يَاأَبَا قَتَادَةَ ". قَالَ: قُلْتُ اشْرَبْ أَنْتَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " إِنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ "
فَشَرِبْتُ وَشَرِبَ بَعْدِي، وَبَقِيَ فِي الْمِيضَأَةِ نَحْوٌ مِمَّا كَانَ
فِيهَا، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثُمِائَةٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَسَمِعَنِي
عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَأَنَا أُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمَسْجِدِ
الْجَامِعِ، فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ ؟ قُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ
الْأَنْصَارِيُّ. قَالَ: الْقَوْمُ أَعْلَمُ بِحَدِيثِهِمْ، انْظُرْ كَيْفَ
تُحَدِّثُ، فَإِنِّي أَحَدُ السَّبْعَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. فَلَمَّا فَرَغْتُ
قَالَ: مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَحَدًا يَحْفَظُ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرِي.
قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: وَحَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ بَكْرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي
قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ،
وَزَادَ: قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
عَرَّسَ وَعَلَيْهِ لَيْلٌ تَوَسَّدَ يَمِينَهُ، وَإِذَا عَرَّسَ
الصُّبْحَ، وَضَعَ رَأَسَهُ عَلَى
كَفِّهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ سَاعِدَهُ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ شَيْبَانَ
بْنِ فَرُّوخٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْحَارِثِ بْنِ رِبْعِيٍّ
الْأَنْصَارِيِّ بِطُولِهِ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
بِسَنَدِهِ الْأَخِيرِ أَيْضًا.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَنَسٍ يُشْبِهُ هَذَا: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ
الْحَافِظِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ، ثَنَا شَيْبَانُ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ
سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَّزَ جَيْشًا إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فِيهِمْ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ لَهُمْ: أَجِدُّوا السَّيْرَ؛ فَإِنَّ بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مَاءً، إِنْ يَسْبِقِ الْمُشْرِكُونَ إِلَى ذَلِكَ
الْمَاءِ شَقَّ عَلَى النَّاسِ، وَعَطِشْتُمْ عَطَشًا شَدِيدًا أَنْتُمْ
وَدَوَابُّكُمْ ". قَالَ: وَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَمَانِيَةٍ أَنَا تَاسِعُهُمْ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:
" هَلْ لَكَمَ أَنْ نُعَرِّسَ قَلِيلًا، ثُمَّ نَلْحَقَ بِالنَّاسِ ؟ "
قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَعَرَّسُوا فَمَا أَيْقَظَهُمْ إِلَّا
حَرُّ الشَّمْسِ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَاسْتَيْقَظَ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ لَهُمْ: " تَقَدَّمُوا وَاقْضُوا
حَاجَاتِكُمْ ". فَفَعَلُوا ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ: " هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ
مَاءٌ ؟ " قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَعِي مِيضَأَةٌ
فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ. قَالَ " " فَجِئْ بِهَا ". فَجَاءَ
بِهَا، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَمَسَحَهَا بِكَفَّيْهِ،
وَدَعَا بِالْبَرَكَةِ فِيهَا، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: " تَعَالَوْا فَتَوَضَّؤُوا " فَجَاءُوا وَجَعَلَ يَصُبُّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَضَّؤُوا كُلُّهُمْ، فَأَذَّنَ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَأَقَامَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ، وَقَالَ لِصَاحِبِ الْمِيضَأَةِ: " ازْدَهِرْ بِمِيضَأَتِكَ فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ ". وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ النَّاسِ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: " مَا تَرَوْنَ النَّاسَ فَعَلُوا ؟ " فَقَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَقَالَ لَهُمْ: " فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَسَيَرْشُدُ النَّاسُ ". فَقَدِمَ النَّاسُ وَقَدْ سَبَقَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَاءِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، وَعَطِشُوا عَطَشًا شَدِيدًا؛ رِكَابُهُمْ وَدَوَابُّهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيْنَ صَاحِبُ الْمِيضَأَةِ ؟ " قَالُوا: هُوَ ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " جِئْنِي بِمِيضَأَتِكَ ". فَجَاءَ بِهَا وَفِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ. فَقَالَ لَهُمْ: " تَعَالَوْا فَاشْرَبُوا ". فَجَعَلَ يَصُبُّ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى شَرِبَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَسَقَوْا دَوَابَّهُمْ وَرِكَابَهُمْ وَمَلَؤُوا مَا كَانَ مَعَهُمْ مِنْ إِدَاوَةٍ وَقِرْبَةٍ وَمَزَادَةٍ، ثُمَّ نَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَبَعَثَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، رِيحًا فَضَرَبَ وُجُوهَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ، وَأَمْكَنَ مِنْ أَدْبَارِهِمْ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وَأَسَرُوا أُسَارَى كَثِيرَةً، وَاسْتَاقُوا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ وَافِرِينَ صَالِحِينَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ جَابِرٍ مَا يُشْبِهُ هَذَا، وَهُوَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ ".
وَقَدَّمْنَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مَا
رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي
الطُّفَيْلِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، فَذَكَرَ حَدِيثَ جَمْعِ الصَّلَاةِ فِي
غَزْوَةِ تَبُوكَ إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَالَ - يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ
اللَّهُ، عَيْنَ تَبُوكَ وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يُضْحِيَ ضُحَى
النَّهَارِ، فَمَنْ جَاءَهَا فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ
". قَالَ: فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَ إِلَيْهَا رَجُلَانِ، وَالْعَيْنُ
مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا
؟ " قَالَا: نَعَمْ. فَسَبَّهُمَا وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ
يَقُولَ، ثُمَّ غَرَفُوا مِنَ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى اجْتَمَعَ فِي
شَيْءٍ ثُمَّ غَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجْهَهُ
وَيَدَيْهِ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا، فَجَرَتِ الْعَيْنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ،
فَاسْتَقَى النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " يَا مُعَاذُ يُوشِكُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا
هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا حَسَنٌ، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، ثَنَا بَكْرُ
بْنُ سَوَادَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ حِبَّانَ بْنِ بُحٍّ
الصُّدَائِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
إِنَّ قَوْمِي كَفَرُوا، فَأُخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَّزَ إِلَيْهِمْ جَيْشًا، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ
قَوْمِي عَلَى الْإِسْلَامِ. فَقَالَ: " أَكَذَلِكَ ؟ " فَقُلْتُ:
نَعَمْ. قَالَ: فَاتَّبَعْتُهُ لَيْلَتِي إِلَى الصَّبَاحِ، فَأَذَّنْتُ
بِالصَّلَاةِ لَمَّا أَصْبَحْتُ، وَأَعْطَانِي إِنَاءً تَوَضَّأْتُ مِنْهُ،
فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ فِي
الْإِنَاءِ فَانْفَجَرَ عُيُونًا، فَقَالَ: " مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ
يَتَوَضَّأَ
فَلْيَتَوَضَّأْ ". فَتَوَضَّأْتُ
وَصَلَّيْتُ، وَأَمَّرَنِي عَلَيْهِمْ، وَأَعْطَانِي صَدَقَتَهُمْ، فَقَامَ رَجُلٌ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، فَلَانٌ ظَلَمَنِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لَا خَيْرَ فِي الْإِمْرَةِ لِمُسْلِمٍ ". ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَسَأَلَ
صَدَقَةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِنَّ الصَّدَقَةَ صُدَاعٌ فِي الرَّأْسِ، وَحَرِيقٌ فِي الْبَطْنِ، أَوْ
دَاءٌ ". قَالَ: فَأَعْطَيْتُهُ صَحِيفَتِي، أَوْ قَالَ: صَحِيفَةَ إِمْرَتِي
وَصَدَقَتِي. فَقَالَ: " مَا شَأْنُكَ ؟ " فَقُلْتُ: كَيْفَ أَقْبَلُهَا
وَقَدْ سَمِعْتُ مِنْكَ مَا سَمِعْتُ ؟! فَقَالَ: " هُوَ مَا سَمِعْتَ
".
وَذَكَرْنَا فِي بَابِ الْوُفُودِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ
بْنِ أَنْعَمَ، عَنْ زِيَادِ ابْنِ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ
الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ فِي قِصَّةِ وِفَادَتِهِ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا
فِيهِ:ثُمَّ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لَنَا بِئْرًا إِذَا كَانَ
الشِّتَاءُ وَسِعَنَا مَاؤُهَا وَاجْتَمَعْنَا عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ
قَلَّ مَاؤُهَا فَتَفَرَّقْنَا عَلَى مِيَاهٍ حَوْلَنَا، وَقَدْ أَسْلَمْنَا،
وَكُلُّ مَنْ حَوْلَنَا عَدُوٌّ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فِي بِئْرِنَا فَيَسَعُنَا
مَاؤُهَا فَنَجْتَمِعُ عَلَيْهِ وَلَا نَتَفَرَّقُ. فَدَعَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ
فَعَرَكَهُنَّ بِيَدِهِ، وَدَعَا فِيهِنَّ ثُمَّ قَالَ: " اذْهَبُوا بِهَذِهِ
الْحَصَيَاتِ، فَإِذَا أَتَيْتُمُ الْبِئْرَ فَأَلْقُوا وَاحِدَةً وَاحِدَةً
وَاذْكُرُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ". قَالَ الصُّدَائِيُّ: فَفَعَلْنَا مَا
قَالَ لَنَا، فَمَا اسْتَطَعْنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ نَنْظُرَ
إِلَى قَعْرِهَا. يَعْنِي الْبِئْرَ.
وَأَصَلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي " الْمُسْنَدِ " وَ " سُنَنِ أَبِي
دَاوُدَ " وَ " التِّرْمِذِيِّ " وَ " ابْنِ مَاجَهْ "
وَأَمَّا الْحَدِيثُ بِطُولِهِ فَفِي " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ "
لِلْبَيْهَقِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: بَابُ مَا ظَهَرَ فِي الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ
بِقُبَاءٍ مِنْ بَرَكَتِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ
الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، ثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، أَنَا أَحْمَدُ
بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
طَهْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ
مَالِكٍ أَتَاهُمْ بِقُبَاءٍ فَسَأَلَهُ عَنْ بِئْرٍ هُنَاكَ. قَالَ: فَدَلَلْتُهُ
عَلَيْهَا، فَقَالَ: لَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْضَحُ عَلَى
حِمَارِهِ، فَيَنْزَحُ فَنَسْتَخْرِجُهَا لَهُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِذَنُوبٍ فَسُقِيَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ
تَوَضَّأَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَفَلَ فِيهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ
فَأُعِيدَ فِي الْبِئْرِ. قَالَ فَمَا نُزِحَتْ بَعْدُ. قَالَ: فَرَأَيْتُهُ
بَالَ، ثُمَّ جَاءَ فَتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ صَلَّى.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
السُّكَيْنِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلَنَا، فَسَقَيْنَاهُ مِنْ بِئْرٍ لَنَا فِي دَارِنَا
كَانَتْ تُسَمَّى النَّزُورَ، فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَفَلَ
فِيهَا، فَكَانَتْ لَا تُنْزَحُ
بَعْدُ. ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُ هَذَا يُرْوَى إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
بَابُ تَكْثِيرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْأَطْعِمَةَ لِلْحَاجَةِ
إِلَيْهَا فِي غَيْرِ مَا مَوْطِنٍ كَمَا سَنُورِدُهُ مَبْسُوطًا
تَكْثِيرُهُ اللَّبَنَ فِي مَوَاطِنٍ أَيْضًا: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا
رَوْحٌ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ،أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ
يَقُولُ: وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْجُوعِ،
وَإِنْ كُنْتُ لَأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الْجُوعِ، وَلَقَدْ
قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِي يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَمَرَّ أَبُو
بَكْرٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَا
سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيَسْتَتْبِعَنِي فَلَمْ يَفْعَلْ، فَمَرَّ عُمَرُ،
فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا
لِيَسْتَتْبِعَنِي فَلَمْ يَفْعَلْ، فَمَرَّ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَفَ مَا فِي وَجْهِي وَمَا فِي نَفْسِي، فَقَالَ: "
أَبَا هُرَيْرَةَ ". فَقُلْتُ لَهُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ:
" الْحَقْ ". وَاسْتَأْذَنْتُ فَأَذِنَ لِي، فَوَجَدْتُ لَبَنًا فِي
قَدَحٍ فَقَالَ: " مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا اللَّبَنُ ؟ " فَقَالُوا:
أَهْدَاهُ لَنَا فُلَانٌ - أَوْ آلُ فُلَانٍ - قَالَ: " أَبَا هِرٍّ ".
قَلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " انْطَلِقْ إِلَى أَهْلِ
الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي ". قَالَ: وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ
الْإِسْلَامِ، لَا يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ، إِذَا جَاءَتْ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةٌ، أَصَابَ مِنْهَا وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مِنْهَا، وَإِذَا جَاءَتْهُ الصَّدَقَةُ، أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِمْ وَلَمْ يُصِبْ مِنْهَا. قَالَ: وَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ، وَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ أُصِيبَ مِنَ اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا بَقِيَّةَ يَوْمِي وَلَيْلَتِي، وَقُلْتُ: أَنَا الرَّسُولُ، فَإِذَا جَاءَ الْقَوْمُ كُنْتُ أَنَا الَّذِي أُعْطِيهِمْ. وَقُلْتُ: مَا يَبْقَى لِي مِنْ هَذَا اللَّبَنِ ؟ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ بُدٌّ، فَانْطَلَقْتُ فَدَعَوْتُهُمْ، فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ، ثُمَّ قَالَ: " أَبَا هِرٍّ خُذْ فَأَعْطِهِمْ ". فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِمْ، فَيَأْخُذُ الرَّجُلُ الْقَدَحَ، فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ الْقَدَحَ، وَأُعْطِيهِ الْآخَرَ، فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ الْقَدَحَ، حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهِمْ، وَدَفَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ فِي يَدِهِ، وَبَقِيَ فِيهِ فَضْلَةٌ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَنَظَرَ إِلَيَّ وَتَبَسَّمَ وَقَالَ: " أَبَا هِرٍّ ". فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ " فَقُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " اقْعُدْ فَاشْرَبْ ". قَالَ: فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ، ثُمَّ قَالَ لِي: " اشْرَبْ " فَشَرِبْتُ، فَمَا زَالَ يَقُولُ لِي: " اشْرَبْ " فَأَشْرَبُ، حَتَّى قُلْتُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَجِدُ لَهُ فِيَّ مَسْلَكًا. قَالَ: " نَاوِلْنِي الْقَدَحِ ". فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ الْقَدَحَ فَشَرِبَ مِنَ الْفَضْلَةِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ هَنَّادٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا
أَبُوبَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍّ،عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ: كُنْتُ أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَمَرَّ بِي
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ:
" يَا غُلَامُ هَلْ مِنْ لَبَنٍ ؟ " قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، وَلَكِنِّي
مُؤْتَمَنٌ. قَالَ: " فَهَلْ مِنْ شَاةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ ؟
" فَأَتَيْتُهُ بِشَاةٍ فَمَسَحَ ضَرْعَهَا فَنَزَلَ لَبَنٌ، فَحَلَبَهُ فِي
إِنَاءٍ فَشَرِبَ وَسَقَى أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: " اقْلِصْ
" فَقَلَصَ. قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ هَذَا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ. قَالَ فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ "
يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَانْكَ غُلَيِّمٌ مُعَلَّمٌ ".
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي
النَّجُودِ، عَنْ زِرٍّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ فِيهِ: ( فَأَتَيْتُهُ
بِعَنَاقٍ جَذَعَةٍ، فَاعْتَقَلَهَا ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ ضَرْعَهَا وَيَدْعُو،
فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِحَجَفَةٍ، فَحَلَبَ فِيهَا وَسَقَى أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ
شَرِبَ، ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: " اقْلِصْ " فَقَلَصَ فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ. فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ:
" إِنَّكَ غُلَامٌ مُعَلَّمٌ ". فَأَخَذْتُ عَنْهُ سَبْعِينَ سُورَةً
مَا نَازَعَنِيهَا بِشَرٌ. وَتَقَدَّمَ فِي الْهِجْرَةِ حَدِيثُ أُمِّ مَعْبَدٍ،
وَحَلْبُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شَاتَهَا، وَكَانَتْ عَجْفَاءَ لَا
لَبَنَ لَهَا، فَشَرِبَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَغَادَرَ عِنْدَهَا إِنَاءً كَبِيرًا
مِنْ لَبَنٍ حَتَّى جَاءَ زَوْجُهَا. وَتَقَدَّمَ فِي ذِكْرِ مَنْ كَانَ
يَخْدُمُهُ مِنْ غَيْرِ مَوَالِيهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،
الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، حِينَ شَرِبَ اللَّبَنَ الَّذِي كَانَ
قَدْ جَاءَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِيَذْبَحَ لَهُ شَاةً
فَوَجَدَ لَبَنًا كَثِيرًا فَحَلَبَ مَا مَلَأَ مِنْهُ إِنَاءً كَبِيرًا جِدًّا.
الْحَدِيثَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
عَنِ ابْنَةِ خَبَّابٍ، أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِشَاةٍ فَاعْتَقَلَهَا وَحَلَبَهَا، فَقَالَ " " ائْتِنِي
بِأَعْظَمِ إِنَاءٍ لَكُمْ ". فَأَتَيْنَاهُ بِجَفْنَةِ الْعَجِينِ، فَحَلَبَ
فِيهَا حَتَّى مَلَأَهَا، ثُمَّ قَالَ: " اشْرَبُوا أَنْتُمْ وَجِيرَانُكُمْ
".
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ،
أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ
الْأَزْرَقُ، ثَنَا عِصْمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْخَزَّازُ، ثَنَا خَلَفُ بْنُ
خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، وَكَانَتْ لَهُ
صُحْبَةٌ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي سَفَرٍ، وَكُنَّا زُهَاءَ أَرْبَعِمِائَةٍ، فَنَزَلْنَا فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ
فِيهِ مَاءٌ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَقَالُوا: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ. قَالَ: فَجَاءَتْ شُوَيْهَةٌ لَهَا
قَرْنَانِ، فَقَامَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَحَلَبَهَا فَشَرِبَ حَتَّى رَوَى، وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى
رَوَوْا، ثُمَّ قَالَ: " يَا نَافِعُ امْلِكْهَا اللَّيْلَةَ، وَمَا أُرَاكَ
تَمْلِكُهَا ". قَالَ: فَأَخَذْتُهَا فَوَتَدْتُ لَهَا وَتَدًا، ثُمَّ
رَبَطْتُهَا بِحَبْلٍ، ثُمَّ قُمْتُ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ فَلَمْ أَرَ الشَّاةَ،
وَرَأَيْتُ الْحَبْلَ مَطْرُوحًا، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْأَلَنِي، فَقَالَ:
" يَا نَافِعُ ذَهَبَ بِهَا الَّذِي جَاءَ بِهَا ". قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَلَفِ بْنِ الْوَلِيدِ
أَبِي الْوَلِيدِ الْأَزْدِيِّ، عَنْ خَلَفِ بْنِ
خَلِيفَةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ بَشِيرٍ،
عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ نَافِعٍ، فَذَكَرَهُ. وَهَذَا حَدِيثٌ
غَرِيبٌ جِدًّا إِسْنَادًا وَمَتْنًا.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْمَالِينِيُّ، أَنَا أَبُو
أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ، أَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، ثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، ثَنَا أَبُو حَفْصٍ الرِّيَاحِيُّ،
ثَنَا عَامِرُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازُ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ
سَعْدٍ - يَعْنِي مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْلِبْ لِي تِلْكَ الْعَنْزَ " قَالَ
وَعَهْدِي بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَا عَنْزَ فِيهِ. قَالَ: فَأَتَيْتُ فَإِذَا
بِعَنْزٍ حَافِلٍ. قَالَ: فَاحْتَلَبْتُهَا، وَاحْتَفَظْتُ بِالْعَنْزِ وَأَوْصَيْتُ
بِهَا. قَالَ: فَاشْتَغَلْنَا بِالرِّحْلَةِ فَفَقَدْتُ الْعَنْزَ فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ قَدْ فَقَدْتُ الْعَنْزَ. فَقَالَ: " إِنَّ لَهَا رَبًّا
" وَهَذَا أَيْضًا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا إِسْنَادًا وَمَتْنًا، وَفِي
إِسْنَادِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ. وَسَيَأْتِي حَدِيثُ الْغَزَالَةِ فِي
قِسْمٍ مَا يَتَعَلَّقُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ بِالْحَيَوَانَاتِ.
تَكْثِيرُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ السَّمْنَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
زِيَادٍ الْبُرْجُمِيُّ، عَنْ
أَبِي الظِّلَالِ،عَنْ أَنَسٍ عَنْ
أُمِّهِ، قَالَ: كَانَتْ لَهَا شَاةٌ فَجَمَعَتْ مِنْ سَمْنِهَا فِي عُكَّةٍ،
فَمَلَأَتِ الْعُكَّةَ ثُمَّ بَعَثَتْ بِهَا مَعَ رَبِيبَةَ فَقَالَتْ: يَا
رَبِيبَةُ، أَبْلِغِي هَذِهِ الْعُكَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَأْتَدِمُ بِهَا. فَانْطَلَقَتْ بِهَا رَبِيبَةُ حَتَّى أَتَتْ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
هَذِهِ عُكَّةُ سَمْنٍ بَعَثَتْ بِهَا إِلَيْكَ أُمُّ سُلَيْمٍ. قَالَ: "
فَرِّغُوا لَهَا عُكَّتَهَا ". فَفُرِّغَتِ الْعُكَّةُ فَدُفِعَتْ إِلَيْهَا،
فَانْطَلَقَتْ بِهَا، وَجَاءَتْ وَأُمُّ سُلَيْمٍ لَيْسَتْ فِي الْبَيْتِ،
فَعَلَّقَتِ الْعُكَّةَ عَلَى وَتَدٍ، فَجَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ فَرَأَتِ
الْعُكَّةَ مُمْتَلِئَةً تَقْطُرُ، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَبِيبَةُ،
أَلَيْسَ أَمَرْتُكِ أَنْ تَنْطَلِقِي بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَتْ: قَدْ فَعَلْتُ، فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقِينِي
فَانْطَلِقِي فَسَلِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَانْطَلَقَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ وَمَعَهَا رَبِيبَةُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنِّي بَعَثْتُ مَعَهَا إِلَيْكَ بِعُكَّةٍ فِيهَا سَمْنٌ. قَالَ:
" قَدْ فَعَلَتْ، قَدْ جَاءَتْ بِهَا ". قَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ
بِالْحَقِّ وَدِينِ الْحَقِّ، إِنَّهَا لَمُمْتَلِئَةٌ تَقْطُرُ سَمْنًا! قَالَ:
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا
أُمَّ سُلَيْمٍ، أَتَعْجَبِينَ أَنْ كَانَ اللَّهُ أَطْعَمَكِ كَمَا أَطْعَمْتِ
نَبِيَّهُ ؟ كُلِي وَأَطْعِمِي " قَالَتْ: فَجِئْتُ إِلَى الْبَيْتِ
فَقَسَمْتُ فِي قَعْبٍ لَنَا وَكَذَا وَكَذَا، وَتَرَكْتُ فِيهَا مَا ائْتَدَمْنَا
بِهِ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا الْحَاكِمُ، أَنَا
الْأَصَمُّ، ثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ الْقَطَّانُ،
ثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ
الرُّمَّانِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ
خَالِدٍ، عَنْ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ،عَنْ أُمِّ أَوْسٍ الْبَهْزِيَّةِ قَالَتْ:
سَلَيْتُ سَمْنًا لِي فَجَعَلْتُهُ فِي عُكَّةٍ، فَأَهْدَيْتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَهُ، وَتَرَكَ فِي الْعُكَّةِ قَلِيلًا،
وَنَفَخَ فِيهِ وَدَعَا بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: " رُدُّوا عَلَيْهَا
عُكَّتَهَا ". فَرَدُّوهَا عَلَيْهَا وَهِيَ مَمْلُوءَةٌ سَمْنًا. قَالَتْ:
فَظَنَنْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ لَمْ
يَقْبَلْهَا، فَجَاءَتْ وَلَهَا صُرَاخٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
إِنَّمَا سَلَيْتُهُ لَكَ لِتَأْكُلَهُ. فَعَلِمَ أَنَّهُ قَدِ اسْتُجِيبَ لَهُ،
فَقَالَ: " اذْهَبُوا فَقُولُوا لَهَا فَلْتَأْكُلْ سَمْنَهَا وَتَدْعُو
بِالْبَرَكَةِ " فَأَكَلَتْ بَقِيَّةَ عُمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوِلَايَةَ أَبِي بَكْرٍ وَوِلَايَةَ عُمَرَ، وَوِلَايَةَ
عُثْمَانَ، حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ مَا كَانَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ
الْأَعْلَى بْنِ أَبِي الْمُسَاوِرِ الْقُرَشِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ دَوْسٍ يُقَالُ
لَهَا: أُمُّ شَرِيكٍ. أَسْلَمَتْ فِي رَمَضَانَ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي
هِجْرَتِهَا وَصُحْبَةِ ذَلِكَ الْيَهُودِيِّ لَهَا، وَأَنَّهَا عَطِشَتْ، فَأَبَى
أَنْ يَسْقِيَهَا حَتَّى تَهَوَّدَ، فَنَامَتْ فَرَأَتْ فِي النَّوْمِ مَنْ
يَسْقِيهَا، فَاسْتَيْقَظَتْ وَهِيَ رَيَّانَةٌ، فَلَمَّا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَّتْ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَخَطَبَهَا
إِلَى نَفْسِهَا، فَرَأَتْ نَفْسَهَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَتْ: بَلْ
زَوِّجْنِي مَنْ شِئْتَ. فَزَوَّجَهَا زَيْدًا وَأَمَرَ لَهَا بِثَلَاثِينَ
صَاعًا، وَقَالَ: " كُلُوا وَلَا
تَكِيلُوا ". وَكَانَتْ مَعَهَا
عُكَّةُ سَمْنٍ هَدِيَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَمَرَتْ جَارِيَتَهَا أَنْ تَحْمِلَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفُرِّغَتْ، وَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَدَّتْهَا أَنْ تُعَلِّقَهَا وَلَا تُوكِئَهَا،
فَدَخَلَتْ أُمُّ شَرِيكٍ، فَوَجَدَتْهَا مَلْأَى، فَقَالَتْ لِلْجَارِيَةِ:
أَلَمْ آمُرْكِ أَنْ تَذْهَبِي بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَتْ: قَدْ فَعَلْتُ. فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يُوكِئُوهَا،
فَلَمْ تَزَلْ حَتَّى أَوْكَتْهَا أُمُّ شَرِيكٍ، ثُمَّ كَالُوا الشَّعِيرَ
فَوَجَدُوهُ ثَلَاثِينَ صَاعًا لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ..
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْحَضْرَمِيُّ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْخُزَاعِيُّ أَبُو
خَالِدٍ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ قَالَ:خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
تَبُوكَ وَكُنْتُ عَلَى خِدْمَتِهِ ذَلِكَ السَّفَرَ، فَنَظَرْتُ إِلَى نِحْيِ
السَّمْنِ وَقَدْ قَلَّ مَا فِيهِ، وَهَيَّأْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ طَعَامًا، وَوَضَعْتُ النِّحْيَ فِي الشَّمْسِ وَنَمِتُ، فَانْتَبَهْتُ
بِخَرِيرِ النِّحْيِ، فَقُمْتُ فَأَخَذْتُ بِرَأْسِهِ بِيَدِي، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ تَرَكْتَهُ لَسَالَ
وَادِيًا سَمْنًا " حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
ثَنَا مُوسَى، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، ثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ،
أَنَّ الْبَهْزِيَّةَ أُمَّ مَالِكٍ كَانَتْ تُهْدِي فِي عُكَّةٍ لَهَا سَمْنًا
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَمَا بَنُوهَا
يَسْأَلُونَهَا الْإِدَامَ وَلَيْسَ عِنْدَهَا شَيْءٌ، فَعَمَدَتْ إِلَى نِحْيِهَا
الَّتِي
كَانَتْ تُهْدِي فِيهِ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَتْ فِيهِ سَمْنًا، فَمَا
زَالَ يُقِيمُ لَهَا إِدَامَ بَيْتِهَا حَتَّى عَصَرَتْهُ، وَأَتَتِ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَعَصَرْتِيهِ ؟ "
فَقَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: " لَوْ تَرَكْتِيهِ مَا زَالَ ذَلِكَ مُقِيمًا
".
ثُمَّ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ جَابِرٍ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ
يَسْتَطْعِمُهُ، فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ، فَمَا زَالَ الرَّجُلُ
يَأْكُلُ مِنْهُ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَضَيْفٌ لَهُمْ حَتَّى كَالُوهُ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ لَمْ تَكِيلُوهُ
لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ وَلَقَامَ لَكُمْ " وَقَدْ رَوَى هَذَيْنَ
الْحَدِيثَيْنِ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ
جَابِرٍ.
ذِكْرُ ضِيَافَةِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ دَلَائِلِ
النُّبُوَّةِ فِي تَكْثِيرِهِ الطَّعَامَ النَّزْرَ، حَتَّى عَمَّ مَنْ هُنَالِكَ
مِنَ الضِّيفَانِ وَأَهْلِ الْمَنْزِلِ وَالْجِيرَانِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ،
عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ: لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا، فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي وَلَاثَتْنِي بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ، فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " بِطَعَامٍ ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ مَعَهُ: " قُومُوا " فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ. فَقَالَتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا عِنْدَكِ ؟ " فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: " ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ ". فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: " ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ ". فَأَذِنَ لَهُمْ. فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: " ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ " فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: " ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ ". فَأَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ " صَحِيحِهِ " وَمُسْلِمٌ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
طَرِيقٌ آخَرُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةَ، ثَنَا بَكْرٌ وَثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَاوِيًا، فَجَاءَ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَاوِيًا، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ ؟ قَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا نَحْوٌ مِنْ مُدِّ دَقِيقِ شَعِيرٍ. قَالَ: فَاعْجِنِيهِ وَأَصْلِحِيهِ، عَسَى أَنْ نَدْعُوَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْكُلَ عِنْدَنَا. قَالَ: فَعَجَنَتْهُ وَخَبَزَتْهُ، فَجَاءَ قُرْصًا، فَقَالَ لِي: يَا أَنَسُ، ادْعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ نَاسٌ. قَالَ مُبَارَكٌ: أَحْسَبُهُ قَالَ: بِضْعَةٌ وَثَمَانُونَ. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبُو طَلْحَةَ يَدْعُوكَ. فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: " أَجِيبُوا أَبَا طَلْحَةَ ". فَجِئْتُ جَزِعًا حَتَّى أَخْبَرْتُهُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِأَصْحَابِهِ. قَالَ بَكْرٌ: فَقَفَدَنِي قَفْدَةً. وَقَالَ ثَابِتٌ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: رَسُولُ اللَّهِ أَعْلَمُ بِمَا فِي بَيْتِي مِنِّي. وَقَالَا جَمِيعًا عَنْ أَنَسٍ: فَاسْتَقْبَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إِلَّا قُرْصٌ، رَأَيْتُكَ طَاوِيًا فَأَمَرْتُ أُمَّ سُلَيْمٍ فَجَعَلَتْ لَكَ قُرْصًا. قَالَ: فَدَعَا بِالْقُرْصِ، وَدَعَا بِجَفْنَةٍ فَوَضَعَهُ فِيهَا وَقَالَ: " هَلْ مِنْ سَمْنٍ ؟ " قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: قَدْ كَانَ فِي الْعُكَّةِ شَيْءٌ. قَالَ: فَجَاءَ بِهَا. قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ يَعْصِرَانِهَا حَتَّى خَرَجَ شَيْءٌ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ سَبَّابَتَهُ، ثُمَّ مَسَحَ الْقُرْصُ فَانْتَفَخَ، فَقَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ ". فَانْتَفَخَ الْقُرْصُ، فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ كَذَلِكَ وَالْقُرْصُ يَنْتَفِخُ، حَتَّى رَأَيْتُ الْقُرْصَ فِي
الْجَفْنَةِ يَتَصَيَّعُ، فَقَالَ:
" ادْعُ عَشَرَةً مِنْ أَصْحَابِي ". فَدَعَوْتُ لَهُ عَشَرَةً، قَالَ:
فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ وَسَطَ
الْقُرْصِ، وَقَالَ: " كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ ". فَأَكَلُوا مِنْ
حَوَالَيِ الْقُرْصِ حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: " ادْعُ لِي عَشَرَةً
آخَرِينَ ". فَدَعَوْتُ لَهُ عَشَرَةً أُخْرَى، فَقَالَ: " كُلُوا
بِسْمِ اللَّهِ ". فَأَكَلُوا مِنْ حَوَالَيِ الْقُرْصِ حَتَّى شَبِعُوا،
فَلَمْ يَزَلْ يَدْعُو عَشَرَةً عَشَرَةً يَأْكُلُونَ مِنْ ذَلِكَ الْقُرْصِ،
حَتَّى أَكَلَ مِنْهُ بِضْعَةٌ وَثَمَانُونَ مِنْ حَوَالَيِ الْقُرْصِ حَتَّى
شَبِعُوا، وَإِنَّ وَسَطَ الْقُرْصِ حَيْثُ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ كَمَا هُوَ. وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ عَلَى شَرْطِ
أَصْحَابِ السُّنَنِ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، ثَنَا سَعْدٌ - يَعْنِي ابْنَ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ
- ( أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو طَلْحَةَ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَدْعُوَهُ، وَقَدْ جَعَلَ
لَهُ طَعَامًا. قَالَ: فَأَقْبَلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَعَ النَّاسِ. قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيَّ فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقُلْتُ:
أَجِبْ أَبَا طَلْحَةَ. فَقَالَ لِلنَّاسِ: " قُومُوا " فَقَالَ أَبُو
طَلْحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا صَنَعْتُ شَيْئًا لَكَ! قَالَ فَمَسَّهَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَعَا فِيهَا
بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: " أَدْخِلْ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِي عَشَرَةً
". فَقَالَ: " كُلُوا ". فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَخَرَجُوا،
وَقَالَ: "
أَدْخِلْ عَشَرَةً ". فَقَالَ:
" كُلُوا " فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، فَمَا زَالَ يُدْخِلُ عَشَرَةً
وَيُخْرِجُ عَشَرَةً حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ فَأَكَلَ
حَتَّى شَبِعَ، ثُمَّ هَيَّأَهَا فَإِذَا هِيَ مِثْلُهَا حِينَ أَكَلُوا مِنْهَا
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ،
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى الْأُمَوِيِّ عَنْ أَبِيهِ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعْدِ
بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْأَطْعِمَةِ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ،
عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَ نَحْوَ مَا
تَقَدَّمَ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ
الْمَكِّيِّ، عَنْ حَاتِمٍ، عَنْ مُعَاوِيَةِ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
طَلْحَةَ، فَذَكَرَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ
عَاصِمٍ، ثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:أَتَى أَبُو طَلْحَةَ بِمُدَّيْنِ
مِنْ شَعِيرٍ، فَأَمَرَ بِهِ فَصُنِعَ طَعَامًا، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَنَسُ، انْطَلِقِ
ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَادْعُهُ، وَقَدْ
تَعْلَمُ مَا عِنْدَنَا. قَالَ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ عِنْدَهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَا طَلْحَةَ
يَدْعُوكَ إِلَى طَعَامٍ. فَقَامَ
وَقَالَ لِلنَّاسِ " قُومُوا
" فَقَامُوا، فَجِئْتُ أَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أَبِي
طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: فَضَحْتَنَا! قُلْتُ: إِنِّي لَمْ أَسْتَطِعْ
أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ.
فَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
الْبَابِ قَالَ لَهُمْ: " اقْعُدُوا ". وَدَخَلَ عَاشِرَ عَشَرَةٍ،
فَلَمَّا دَخَلَ أُتِيَ بِالطَّعَامِ، تَنَاوَلَ فَأَكَلَ وَأَكَلَ مَعَهُ
الْقَوْمُ حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: " قُومُوا وَلْيَدْخُلْ
عَشَرَةٌ مَكَانَكُمْ ". حَتَّى دَخَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَأَكَلُوا.
قَالَ: قُلْتُ: كَمْ كَانُوا ؟ قَالَ: كَانُوا نَيِّفًا وَثَمَانِينَ. قَالَ:
وَفَضَلَ لِأَهْلِ الْبَيْتِ مَا أَشْبَعَهُمْ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي
الْأَطْعِمَةِ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ
الرَّقِّيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:أَمَرَ
أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ؛ قَالَ: اصْنَعِي لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً طَعَامًا يَأْكُلُ مِنْهُ. فَذَكَرَ
نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ،
ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ
عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
قَالَ:رَأَى أَبُو طَلْحَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي الْمَسْجِدِ مُضْطَجِعًا يَتَقَلَّبُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، فَأَتَى أُمَّ
سُلَيْمٍ فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُضْطَجِعًا فِي الْمَسْجِدِ يَتَقَلَّبُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَلَا أَرَاهُ إِلَّا
جَائِعًا. فَخَبَزَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ قُرْصًا، ثُمَّ قَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ:
اذْهَبْ فَادْعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَيْتُهُ
وَعِنْدَهُ
أَصْحَابُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، يَدْعُوكَ أَبُو طَلْحَةَ. فَقَامَ وَقَالَ " قُومُوا " قَالَ:
فَجِئْتُ أَسْعَى إِلَى أَبِي طَلْحَةَ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَاءَ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ، فَتَلَقَّاهُ
أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ قُرْصٌ. فَقَالَ:
" إِنَّ اللَّهَ سَيُبَارِكُ فِيهِ ". فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِيءَ بِالْقُرْصِ فِي قَصْعَةٍ فَقَالَ: "
هَلْ مِنْ سَمْنٍ ؟ " فَجِيءَ بِشَيْءٍ مِنْ سَمْنٍ، فَغَوَّرَ الْقُرْصَ
بِأُصْبُعِهِ هَكَذَا، وَرَفَعَهَا ثُمَّ صَبَّ وَقَالَ: " كُلُوا مِنْ
بَيْنِ أَصَابِعِي ". فَأَكَلَ الْقَوْمُ حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ:
" أَدْخِلْ عَلِيَّ عَشَرَةً ". فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، حَتَّى
أَكَلَ الْقَوْمُ فَشَبِعُوا، وَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ وَأُمُّ سُلَيْمٍ وَأَنَا حَتَّى شَبِعْنَا.
وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ أَهْدَيْنَا لِجِيرَانٍ لَنَا. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي
الْأَطْعِمَةِ مِنْ " صَحِيحِهِ " عَنْ حَسَنٍ الْحُلْوَانِيِّ، عَنْ
وَهْبِ بْنِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ جَرِيرِ بْنِ
زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يُونُسُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، ثَنَا حَمَّادٌ، يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ،
يَعْنِي ابْنَ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ - قَالَ حَمَّادٌ: وَالْجَعْدُ قَدْ ذَكَرَهُ
- قَالَ: عَمَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى نِصْفِ مُدِّ شَعِيرٍ فَطَحَنَتْهُ، ثُمَّ
عَمَدَتْ إِلَى عُكَّةٍ كَانَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ سَمْنٍ، فَاتَّخَذَتْ مِنْهُ
خَطِيفَةً. قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ
وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ فَقُلْتُ: إِنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ أَرْسَلَتْنِي إِلَيْكَ
تَدْعُوكَ. فَقَالَ: " أَنَا وَمَنْ مَعِي ". قَالَ: فَجَاءَ هُوَ
وَمَنْ مَعَهُ. قَالَ: فَدَخَلْتُ فَقُلْتُ لِأَبِي طَلْحَةَ: قَدْ جَاءَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ. قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو
طَلْحَةَ فَمَشَى إِلَى جَنْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا هِيَ خَطِيفَةٌ اتَّخَذَتْهَا أُمُّ
سُلَيْمٍ مِنْ نِصْفِ مُدِّ شَعِيرٍ! قَالَ: فَدَخَلَ فَأَتَى بِهِ. قَالَ:
فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ: " أَدْخِلْ عَشَرَةً ". قَالَ:
فَدَخَلَ عَشَرَةٌ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ دَخَلَ عَشَرَةٌ
فَأَكَلُوا، ثُمَّ عَشَرَةٌ فَأَكَلُوا، حَتَّى أَكَلَ مِنْهَا أَرْبَعُونَ، كُلُّهُمْ
أَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا قَالَ: وَبَقِيَتْ كَمَا هِيَ. قَالَ فَأَكَلْنَا.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَطْعِمَةِ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ مُحَمَّدٍ،
عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ
هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ سِنَانٍ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ
أَنَسٍ،أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ عَمَدَتْ إِلَى مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ جَشَّتْهُ،
وَجَعَلَتْ مِنْهُ خَطِيفَةً، وَعَمَدَتْ إِلَى عُكَّةٍ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ سَمْنٍ
فَعَصَرَتْهُ، ثُمَّ بَعَثَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ. الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ الضَّحَّاكِ، ثَنَا
أَبِي، سَمِعْتُ
أَشْعَثَ الْحُمْرَانِيَّ قَالَ: قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ،أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ
بَلَغَهُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ طَعَامٌ، فَذَهَبَ فَآجَرَ نَفْسَهُ بِصَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ، فَعَمِلَ
يَوْمَهُ ذَلِكَ، فَجَاءَ بِهِ وَأَمَرَ أُمَّ سُلَيْمٍ أَنْ تَعْمَلَهُ خَطِيفَةً.
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا: يُونُسُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، ثَنَا حَرْبُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ قَالَ:قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: اذْهَبْ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْ: إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَغَدَّى عِنْدَنَا
فَافْعَلْ. فَجِئْتُهُ فَبَلَّغْتُهُ، فَقَالَ: " وَمَنْ عِنْدِي ؟ "
قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " انْهَضُوا " قَالَ: فَجِئْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى
أُمِّ سُلَيْمٍ وَأَنَا لَدَهِشٌ؛ لِمَنْ أَقْبَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: مَا صَنَعْتَ يَا
أَنَسُ ؟ ! فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
إِثْرِ ذَلِكَ، فَقَالَ: " هَلْ عِنْدَكِ سَمْنٌ ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، قَدْ
كَانَ مِنْهُ عِنْدِي عُكَّةٌ، وَفِيهَا شَيْءٌ مِنْ سَمْنٍ. قَالَ: "
فَأْتِيِنِّهَا ". قَالَتْ: فَجِئْتُ بِهَا، فَفَتَحَ رِبَاطَهَا ثُمَّ
قَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ أَعْظِمْ فِيهَا الْبَرَكَةَ ".
قَالَ: فَقَالَ: " اقْلِبِيهَا " فَقَلَبْتُهَا فَعَصَرَهَا نَبِيُّ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُسَمِّي. قَالَ: فَأَخَذَتْ
تَقَعُ فِدَرًا، فَأَكَلَ مِنْهَا بِضْعٌ وَثَمَانُونَ
رَجُلًا وَفَضَلَ فَضْلَةٌ فَدَفَعَهَا
إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقَالَ: " كُلِي وَأَطْعِمِي جِيرَانَكِ " وَقَدْ
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْأَطْعِمَةِ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ، عَنْ يُونُسَ
بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبِ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ
الْمَدِينِيِّ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِعَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ سُلَيْمٍ صَنَعَتْ خَزِيرًا، فَقَالَ أَبُو
طَلْحَةَ: اذْهَبْ يَا بُنَيَّ، فَادْعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. قَالَ: فَجِئْتُهُ وَهُوَ بَيْنَ ظَهَرَانَيِ النَّاسِ، فَقُلْتُ:
إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ. قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَقَالَ لِلنَّاسِ: " انْطَلِقُوا ". قَالَ: فَلَمَّا
رَأَيْتُهُ قَامَ بِالنَّاسِ تَقَدَّمْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَجِئْتُ أَبَا
طَلْحَةَ فَقُلْتُ: يَا أَبَهْ، قَدْ جَاءَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ. قَالَ: فَقَامَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى الْبَابِ
وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا. فَقَالَ: "
هَلُمَّهُ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ فِيهِ الْبَرَكَةَ ". فَجَاءَ بِهِ
فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِيهِ،
وَدَعَا اللَّهَ بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ، ثُمَّ قَالَ: " أَدْخِلْ
عَشَرَةً عَشَرَةً ". فَجَاءَهُ مِنْهُمْ ثَمَانُونَ فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْأَطْعِمَةِ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنِ
الْقَعْنَبِيِّ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ
بْنِ أَبِي حَسَنٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ
فِي الْأَطْعِمَةِ أَيْضًا، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ أُسَامَةَ
بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ، كَنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَفِي
بَعْضِ حَدِيثِ هَؤُلَاءِ: ثُمَّ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَكَلَ أَهْلُ الْبَيْتِ، وَأَفْضَلُوا مَا بَلَغَ جِيرَانَهُمْ.
فَهَذِهِ طُرُقٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
أَنَّهُ شَاهَدَ ذَلِكَ - عَلَى مَا فِيهِ مِنِ اخْتِلَافٍ عَنْهُ فِي بَعْضِ
حُرُوفِهِ - وَلَكِنْ أَصْلُ الْقِصَّةِ مُتَوَاتِرٌ لَا مَحَالَةَ كَمَا تَرَى،
وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، فَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْمُزَنِيُّ، وَثَابِتُ بْنُ أَسْلَمَ الْبُنَانِيُّ، وَالْجَعْدُ بْنُ
عُثْمَانَ، وَسَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ - أَخُو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ -
الْأَنْصَارِيُّ، وَسِنَانُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، وَعَمْرُو بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَالنَّضْرُ بْنُ
أَنَسٍ، وَيَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَسَنٍ، وَيَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي طَلْحَةَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ حَدِيثُ جَابِرٍ
فِي إِضَافَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ
وَعَنَاقٍ، فَعَزَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، عَلَى أَهْلِ الْخَنْدَقِ
بِكَمَالِهِمْ، فَكَانُوا أَلْفًا أَوْ قَرِيبًا مِنْ أَلْفٍ، فَأَكَلُوا
كُلُّهُمْ مِنْ تِلْكَ الْعَنَاقِ وَذَلِكَ الصَّاعِ، حَتَّى شَبِعُوا وَتَرَكُوهُ
كَمَا كَانَ، وَقَدْ أَسْلَفْنَاهُ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ وَطُرُقِهِ، وَلِلَّهِ
الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَمِنَ الْعَجِيبِ الْغَرِيبِ مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ
الْهَرَوِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِ "
شَكَّرَ " فِي كِتَابِ " الْعَجَائِبِ الْغَرِيبَةِ " فِي هَذَا
الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ أَسْنَدَهُ وَسَاقَهُ بِطُولِهِ، وَذَكَرَ فِي آخِرِهِ شَيْئًا
غَرِيبًا فَقَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ طَرْخَانَ، ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ مَسْرُورٍ، أَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ، وَيُكَنَّى بِأَبِي بَرْزَةَ -
بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ - ثَنَا أَبُو كَعْبٍ الْبَدَّاحُ بْنُ
سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ - مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ النَّاقِلَةِ الَّذِينَ
نَقَلَهُمْ هَارُونُ إِلَى بَغْدَادَ - سَمِعْتُ مِنْهُ بِالْمِصِّيصَةِ، عَنْ
أَبِيهِ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَتَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَرَفَ فِي
وَجْهِهِ الْجُوعَ. فَذَكَرَ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَذَبَحَ دَاجِنًا
كَانَتْ عِنْدَهُمْ وَطَبَخَهَا، وَثَرَدَ تَحْتَهَا فِي جَفْنَةٍ، وَحَمَلَهَا
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُ أَنْ
يَدْعُوَ لَهُ الْأَنْصَارَ، فَأَدْخَلَهُمْ عَلَيْهِ أَرْسَالًا، فَأَكَلُوا
كُلُّهُمْ وَبَقِيَ مِثْلُ مَا كَانَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا وَلَا يَكْسِرُوا عَظْمًا، ثُمَّ
إِنَّهُ جَمَعَ الْعِظَامَ فِي وَسَطِ الْجَفْنَةِ، فَوَضَعَ عَلَيْهَا يَدَهُ،
ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ لَا أَسْمَعُهُ، إِلَّا أَنِّي أَرَى شَفَتَيْهِ
تَتَحَرَّكُ، فَإِذَا الشَّاةُ قَدْ قَامَتْ تَنْفُضُ أُذُنَيْهَا، فَقَالَ:
" خُذْ شَاتَكَ يَا جَابِرُ، بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا ". قَالَ:
فَأَخَذْتُهَا وَمَضَيْتُ، وَإِنَّهَا لَتُنَازِعُنِي أُذُنَهَا، حَتَّى أَتَيْتُ
بِهَا الْبَيْتَ، فَقَالَتْ لِيَ الْمَرْأَةُ: مَا هَذَا يَا جَابِرُ ؟ فَقُلْتُ:
هَذِهِ وَاللَّهِ شَاتُنَا الَّتِي ذَبَحْنَاهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعَا اللَّهَ فَأَحْيَاهَا لَنَا. فَقَالَتْ: أَشْهَدُ
أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّهُ
رَسُولُ اللَّهِ..
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَنَسٍ فِي مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ: قَالَ أَبُو يَعْلَى
الْمَوْصِلِيُّ وَالْبَاغَنْدِيُّ: ثَنَا شَيْبَانُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى
- بَصْرِيٌّ، وَهُوَ صَاحِبُ الطَّعَامِ -
ثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: يَا أَنَسُ، أَخْبِرْنِي بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتَهُ. قَالَ: نَعَمْ يَا ثَابِتُ،خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيَّ شَيْئًا أَسَأْتُ فِيهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ قَالَتْ لِي أُمِّي: يَا أَنَسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْبَحَ عَرُوسًا، وَلَا أَدْرِي أَصْبَحَ لَهُ غَدَاءٌ، فَهَلُمَّ تِلْكَ الْعُكَّةَ. فَأَتَيْتُهَا بِالْعُكَّةِ وَبِتَمْرٍ، فَجَعَلَتْ لَهُ حَيْسًا، فَقَالَتْ: يَا أَنَسُ، اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَامْرَأَتِهِ. فَلَمَّا أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ ذَلِكَ الْحَيْسٌ، قَالَ: " ضَعْهُ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، وَادْعُ لِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا وَعُثْمَانَ " - وَنَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ - " ثُمَّ ادْعُ لِيَ أَهْلَ الْمَسْجِدِ، وَمَنْ رَأَيْتَ فِي الطَّرِيقِ ". قَالَ: فَجَعَلْتُ أَتَعَجَّبُ مِنْ قِلَّةِ الطَّعَامِ، وَمِنْ كَثْرَةِ مَا يَأْمُرُنِي أَنْ أَدْعُوَ النَّاسَ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَعْصِيَهُ، حَتَّى امْتَلَأَ الْبَيْتُ وَالْحُجْرَةُ، فَقَالَ: " يَا أَنَسُ هَلْ تَرَى مَنْ أَحَدٍ ؟ " فَقُلْتُ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " هَاتِ ذَلِكَ التَّوْرَ ". فَجِئْتُ بِذَلِكَ التَّوْرِ، فَوَضَعْتُهُ قُدَّامَهُ، فَغَمَسَ ثَلَاثَ أَصَابِعَ فِي التَّوْرِ، فَجَعَلَ التَّمْرُ يَرْبُو، فَجَعَلُوا يَتَغَدَّوْنَ وَيَخْرُجُونَ، حَتَّى إِذَا فَرَغُوا أَجْمَعُونَ وَبَقِيَ فِي التَّوْرِ نَحْوُ مَا جِئْتُ بِهِ، قَالَ: " ضَعْهُ قُدَّامَ زَيْنَبَ ". فَخَرَجْتُ وَأَسْفَقْتُ عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ جَرِيدٍ. قَالَ ثَابِتٌ: قُلْنَا: يَا أَبَا حَمْزَةَ، كَمْ تَرَى كَانَ الَّذِينَ أَكَلُوا مِنْ ذَلِكَ
التَّوْرِ ؟ فَقَالَ: أَحْسَبُ
وَاحِدًا وَسَبْعِينَ أَوِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ
هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ: قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْفِرْيَابِيُّ: ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا حَاتِمُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أُنَيْسِ بْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:خَرَجَ عَلِيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: " ادْعُ لِي أَصْحَابَكَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ
". فَجَعَلْتُ أَتْبَعُهُمْ رَجُلًا رَجُلًا، فَجَمَعْتُهُمْ فَجِئْنَا بَابَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنَّا فَأَذِنَ
لَنَا. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَوُضِعَتْ بَيْنَ أَيْدِينَا صَحْفَةٌ، أَظُنُّ
أَنَّ فِيهَا قَدْرَ مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا يَدَهُ، وَقَالَ: " خُذُوا بِسْمِ
اللَّهِ ". قَالَ: فَأَكَلْنَا مَا شِئْنَا ثُمَّ رَفَعْنَا أَيْدِيَنَا،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وُضِعَتِ
الصَّحْفَةُ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَمْسَى فِي آلِ مُحَمَّدٍ
طَعَامٌ لَيْسَ تَرَوْنَهُ ". قِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: قَدْرُ كَمْ كَانَتْ
حِينَ فَرَغْتُمْ مِنْهَا ؟ قَالَ: مِثْلَهَا حِينَ وُضِعَتْ، إِلَّا أَنَّ فِيهَا
أَثَرَ الْأَصَابِعِ. وَهَذِهِ قِصَّةٌ غَيْرُ قِصَّةِ أَهْلِ الصُّفَّةِ
الْمُتَقَدِّمَةِ فِي شُرْبِهِمُ اللَّبَنَ، كَمَا قَدَّمْنَا.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ فِي ذَلِكَ: قَالَ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ:
ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ
الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْوَرْدِ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيِّ،عَنْ
أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: صَنَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلِأَبِي بَكْرٍ طَعَامًا قَدْرَ مَا يَكْفِيهِمَا، فَأَتَيْتُهُمَا بِهِ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذْهَبْ
فَادْعُ لِي ثَلَاثِينَ مِنْ أَشْرَافِ الْأَنْصَارِ ". قَالَ: فَشَقَّ
ذَلِكَ عَلَيَّ، مَا عِنْدِي شَيْءٌ أَزِيدُهُ. قَالَ: فَكَأَنِّي تَثَاقَلْتُ.
فَقَالَ: " اذْهَبْ فَادْعُ لِي ثَلَاثِينَ مِنْ أَشْرَافِ الْأَنْصَارِ
" فَدَعَوْتُهُمْ فَجَاءُوا فَقَالَ: " اطْعَمُوا ". فَأَكَلُوا
حَتَّى صَدَرُوا، ثُمَّ شَهِدُوا أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ثُمَّ بَايَعُوهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا، ثُمَّ قَالَ: " اذْهَبْ
فَادْعُ لِي سِتِّينَ مِنْ أَشْرَافِ الْأَنْصَارِ ". قَالَ أَبُو أَيُّوبَ:
فَوَاللَّهِ لَأَنَا بِالسِّتِّينَ أَجْوَدُ مِنِّي بِالثَّلَاثِينَ. قَالَ:
فَدَعَوْتُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" تَرَبَّعُوا ". فَأَكَلُوا حَتَّى صَدَرُوا، ثُمَّ شَهِدُوا أَنَّهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعُوهُ قَبْلَ أَنْ
يَخْرُجُوا. قَالَ: " فَاذْهَبْ فَادْعُ لِي تِسْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ
" قَالَ: فَلَأَنَا أَجُودُ بِالتِّسْعِينَ وَالسِّتِّينَ مِنِّي
بِالثَّلَاثِينَ. قَالَ: فَدَعَوْتُهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى صَدَرُوا، ثُمَّ
شَهِدُوا أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعُوهُ
قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا. قَالَ: فَأَكَلَ مِنْ طَعَامِي ذَلِكَ مِائَةٌ
وَثَمَانُونَ رَجُلًا، كُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ
جِدًّا إِسْنَادًا وَمَتْنًا. وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ
بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بِهِ.
قِصَّةٌ أُخْرَى فِي تَكْثِيرِ الطَّعَامِ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ: قَالَ الْحَافِظُ
أَبُو يَعْلَى: ثَنَا سَهْلُ بْنُ زَنْجَلَةَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ،
حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ أَيَّامًا لَمْ
يُطْعَمْ طَعَامًا حَتَّى شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَطَافَ فِي مَنَازِلِ
أَزْوَاجِهِ، فَلَمْ يُصِبْ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ شَيْئًا، فَأَتَى
فَاطِمَةَ فَقَالَ: " يَا بُنَيَّةُ هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ آكُلُهُ فَإِنِّي
جَائِعٌ ؟ " فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ، بِأَبِي
أَنْتَ وَأُمِّي. فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَتْ إِلَيْهَا جَارَّةٌ لَهَا بِرَغِيفَيْنِ وَقِطْعَةِ لَحْمٍ، فَأَخَذَتْهُ مِنْهَا فَوَضَعَتْهُ فِي جَفْنَةٍ لَهَا، وَغَطَّتْ عَلَيْهَا وَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَأُوثِرَنَّ بِهَذَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْسِي وَمَنْ عِنْدِي. وَكَانُوا جَمِيعًا مُحْتَاجِينَ إِلَى شَبْعَةِ طَعَامٍ، فَبَعَثَتْ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، قَدْ أَتَى اللَّهُ بِشَيْءٍ فَخَبَّأْتُهُ لَكَ. قَالَ: " هَلُمِّي يَا بُنَيَّةُ ". فَكَشَفَتْ عَنِ الْجَفْنَةِ، فَإِذَا هِيَ مَمْلُوءَةٌ خُبْزًا وَلَحْمًا، فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيْهَا بُهِتَتْ، وَعَرَفَتْ أَنَّهَا بَرَكَةٌ مِنَ اللَّهِ، فَحَمِدَتِ اللَّهَ وَصَلَّتْ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدَّمَتْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهُ حَمِدَ اللَّهَ وَقَالَ: " مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا يَا بُنَيَّةُ ؟ " قَالَتْ: يَا أَبَهْ، هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَقَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَكِ يَا بُنَيَّةُ شَبِيهَةَ سَيِّدَةِ نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ إِذَا رَزَقَهَا اللَّهُ شَيْئًا فَسُئِلَتْ عَنْهُ، قَالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ". فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَلِيٍّ، ثُمَّ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَحَسَنٌ وَحُسَيْنٌ، وَجَمِيعُ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ جَمِيعًا حَتَّى شَبِعُوا. قَالَتْ: وَبَقِيَتِ الْجَفْنَةُ كَمَا هِيَ، فَأَوْسَعَتْ بَقِيَّتَهَا عَلَى جَمِيعِ جِيرَانِهَا، وَجَعَلَ اللَّهُ فِيهَا بِرْكَةً وَخَيْرًا كَثِيرًا وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ أَيْضًا إِسْنَادًا وَمَتْنًا. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَعْثَةِ حِينَ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [ الشُّعَرَاءِ: 214 ] حَدِيثَ رَبِيعَةَ بْنِ نَاجِذٍ،عَنْ عَلِيٍّ فِي دَعْوَتِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَنِي هَاشِمٍ، وَكَانُوا نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ، فَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ
طَعَامًا مِنْ مُدٍّ فَأَكَلُوا حَتَّى
شَبِعُوا، وَتَرَكُوهُ كَمَا هُوَ، وَسَقَاهُمْ مِنْ عُسٍّ شَرَابًا حَتَّى
رَوَوْا، وَتَرَكُوهُ كَمَا هُوَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ، ثُمَّ
دَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا تَقَدَّمَ.
قِصَّةٌ أُخْرَى فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، ثَنَا سُلَيْمَانُ
التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ
جُنْدَبٍ قَالَ:بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذْ أُتِيَ بِقَصْعَةٍ فِيهَا ثَرِيدٌ. قَالَ فَأَكَلَ وَأَكَلَ
الْقَوْمُ، فَلَمْ يَزَالُوا يَتَدَاوَلُونَهَا إِلَى قَرِيبٍ مِنَ الظَّهْرِ،
يَأْكُلُ قَوْمٌ، ثُمَّ يَقُومُونَ، وَيَجِيءُ قَوْمٌ فَيَتَعَاقَبُونَهُ. قَالَ:
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: هَلْ كَانَتْ تُمَدُّ بِطَعَامٍ ؟ قَالَ: أَمَّا مِنَ
الْأَرْضِ فَلَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ كَانَتْ تُمَدُّ مِنَ السَّمَاءِ.
ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي
الْعَلَاءِ، عَنْ سَمُرَةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أُتِيَ بِقَصْعَةٍ فِيهَا ثَرِيدٌ، فَتُعَاقِبُوهَا إِلَى الظُّهْرِ
مِنْ غَدْوَةٍ، يَقُومُ نَاسٌ وَيَقْعُدُ آخَرُونَ، قَالَ لَهُ رَجُلٌ: هَلْ
كَانَتْ تُمَدُّ ؟ فَقَالَ لَهُ: فَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَعْجَبُ ؟ مَا كَانَتْ
تُمَدُّ إِلَّا مِنْ هَاهُنَا. وَأَشَارَ إِلَى السَّمَاءِ. وَقَدْ رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ
حَدِيثِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ،
وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ
جُنْدَبٍ بِهِ.
قِصَّةُ قَصْعَةِ بَيْتِ الصِّدِّيقِ
وَلَعَلَّهَا هِيَ الْقَصْعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ
أَبِيهِ، ثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي
بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا
فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَسَلَّمَ قَالَ مَرَّةً:
مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَمَنْ كَانَ
عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ أَوْ سَادِسٍ أَوْ كَمَا قَالَ.
وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ، وَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشَرَةٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بِثَلَاثَةٍ. قَالَ: فَهُوَ أَنَا
وَأَبِي وَأُمِّي. وَلَا أَدْرِي هَلْ قَالَ: امْرَأَتِي وَخَادِمٌ بَيْنَ
بَيْتِنَا وَبَيْتِ أَبِي بَكْرٍ. وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صَلَّى
الْعِشَاءَ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ
اللَّهُ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ، أَوْ ضَيْفِكَ
؟ قَالَ: أَوَ مَا عَشَّيْتِيهِمْ ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ قَدْ
عَرَضُوا عَلَيْهِمْ فَغَلَبُوهُمْ. فَذَهَبْتُ فَاخْتَبَأْتُ فَقَالَ: يَا
غُنْثَرُ. فَجَدَّعَ وَسَبَّ. وَقَالَ: كُلُوا - فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: لَا
هَنِيئًا - وَقَالَ: لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا. وَاللَّهِ مَا كُنَّا نَأْخُذُ مِنْ
لُقْمَةٍ إِلَّا رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا،
حَتَّى شَبِعُوا، وَصَارَتْ أَكْثَرَ
مِمَّا كَانَتْ قَبْلُ. فَنَظَرَ أَبُو بَكْرٍ، فَإِذَا هِيَ أَكْثَرُ، فَقَالَ
لِامْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ ؟ ! قَالَتْ: لَا وَقُرَّةِ عَيْنِي،
لَهِيَ الْآنَ أَكْثَرُ مِمَّا قَبْلُ بِثَلَاثِ مِرَارٍ. فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو
بَكْرٍ، وَقَالَ إِنَّمَا كَانَ الشَّيْطَانُ. يَعْنِي يَمِينَهُ. ثُمَّ أَكَلَ
مِنْهَا لُقْمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ،
فَمَضَى الْأَجَلُ فَتَفَرَّقْنَا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، مَعَ كُلِّ رَجُلٍ
مِنْهُمْ أُنَاسٌ، اللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ، غَيْرَ أَنَّهُ
بَعَثَ مَعَهُمْ. قَالَ: فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ. أَوْ كَمَا قَالَ
وَغَيْرُهُ يَقُولُ: فَعَرَفْنَا. مِنَ الْعِرَافَةِ. هَذَا لَفْظُهُ، وَقَدْ
رَوَاهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ " صَحِيحِهِ "، وَمُسْلِمٌ مِنْ
غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَلٍّ النَّهْدِيِّ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَارِمٌ، ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ،
أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثَلَاثِينَ وَمِائَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ ؟ فَإِذَا مَعَ رَجُلٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ أَوْ
نَحْوُهُ، فَعُجِنَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ
يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبَيْعًا
أَمْ عَطِيَّةً ؟ " أَوْ قَالَ: " أَمْ هَدِيَّةً ؟ " قَالَ: لَا
بَلْ بَيْعٌ. فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً فَصُنِعَتْ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَوَادِ الْبَطْنِ أَنْ يُشْوَى. قَالَ: وَايْمُ
اللَّهِ مَا مِنَ الثَّلَاثِينَ وَالْمِائَةِ إِلَّا قَدْ حَزَّ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُزَّةً مِنْ سَوَادِ بَطْنِهَا؛ إِنْ
كَانَ شَاهِدًا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا خَبَّأَ لَهُ. قَالَ:
وَجَعَلَ مِنْهَا قَصْعَتَيْنِ. قَالَ: فَأَكَلْنَا أَجْمَعُونَ وَشَبِعْنَا،
وَفَضَلَ فِي الْقَصْعَتَيْنِ، فَجَعَلْنَاهُ عَلَى الْبَعِيرِ أَوْ كَمَا قَالَ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ مُعْتَمِرِ بْنِ
سُلَيْمَانَ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي تَكْثِيرِ الطَّعَامِ فِي السَّفَرِ: قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا فَزَارَةُ بْنُ عَمْرٍو أَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ
أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَأَرْمَلَ
فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَاحْتَاجُوا إِلَى الطَّعَامِ فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَحْرِ الْإِبِلِ، فَأَذِنَ
لَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ:
فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِبِلُهُمْ تَحْمِلُهُمْ وَتُبَلِّغُهُمْ
عَدُوَّهُمْ، يَنْحَرُونَهَا ؟! بَلِ ادْعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِغُبَّرَاتِ
الزَّادِ، فَادْعُ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا
بِالْبَرَكَةِ. قَالَ: " أَجَلْ ". فَدَعَا بِغُبَّرَاتِ الزَّادِ،
فَجَاءَ النَّاسُ بِمَا بَقِيَ مَعَهُمْ، فَجَمَعَهُ، ثُمَّ دَعَا اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ، فِيهِ بِالْبَرَكَةِ، وَدَعَاهُمْ بِأَوْعِيَتِهِمْ، فَمَلْأَهَا
وَفَضَلَ فَضْلٌ كَثِيرٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: " أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،
وَأَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَمَنْ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ، بِهِمَا غَيْرَ شَاكٍّ، دَخَلَ الْجَنَّةَ " وَكَذَلِكَ رَوَاهُ
جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ، عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ
الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سُهَيْلٍ بِهِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ
بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: ثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَوْ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ - شَكَّ الْأَعْمَشُ - قَالَ:لَمَّا كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ
أَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَذِنْتَ لَنَا
فَنَحَرْنَا نَوَاضِحَنَا، فَأَكَلْنَا وَادَّهَنَّا. فَقَالَ: " افْعَلُوا
" فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا
قَلَّ الظَّهْرُ، وَلَكِنِ ادْعُهُمْ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، ثُمَّ ادْعُ لَهُمْ
عَلَيْهَا بِالْبَرَكَةِ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ فِي ذَلِكَ الْبَرَكَةَ.
فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِطْعٍ فَبُسِطَ،
ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ. قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ
بِكَفِّ الذُّرَّةِ، وَالْآخِرُ بِكَفِّ
التَّمْرِ، وَالْآخِرُ بِالْكِسْرَةِ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَى النِّطْعِ شَيْءٌ
مِنْ ذَلِكَ يَسِيرٌ، فَدَعَا عَلَيْهِ بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: " خُذُوا
فِي أَوْعِيَتِكُمْ ". فَأَخَذُوا فِي أَوْعِيَتِهِمْ، حَتَّى مَا تَرَكُوا
فِي الْعَسْكَرِ وِعَاءً إِلَّا مَلَئُوهُ، وَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَفَضَلَتْ
فَضْلَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، لَا يَلْقَى
اللَّهَ بِهَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فَيُحْجَبَ عَنِ الْجَنَّةِ " وَهَكَذَا
رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ سَهْلِ بْنِ عُثْمَانَ وَأَبِي كُرَيْبٍ،
كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَلِيُّ
بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ - أَنَا
الْأَوْزَاعِيُّ، أَنَا الْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبٍ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنِي
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ:
كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ،
فَأَصَابَ النَّاسَ مَخْمَصَةٌ، فَاسْتَأْذَنَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَحْرِ بَعْضِ ظُهُورِهِمْ وَقَالُوا:
يُبَلِّغُنَا اللَّهُ بِهِ. فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ هَمَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي
نَحْرِ بَعْضِ ظُهُورِهِمْ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ بِنَا إِذَا نَحْنُ
لَقِينَا الْعَدُوَّ غَدًا جِيَاعًا رِجَالًا ؟ وَلَكِنْ إِنْ رَأَيْتَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَنْ
تَدْعُوَ لَنَا بِبَقَايَا
أَزْوَادِهِمْ وَتَجْمَعَهَا، ثُمَّ تَدْعُوَ اللَّهَ فِيهَا بِالْبَرَكَةِ،
فَإِنَّ اللَّهَ سَيُبَلِّغُنَا بِدَعْوَتِكَ. أَوْ قَالَ: سَيُبَارِكُ لَنَا فِي
دَعْوَتِكَ. فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَقَايَا
أَزْوَادِهِمْ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَجِيئُونَ بِالْحَثْيَةِ مِنَ الطَّعَامِ
وَفَوْقَ ذَلِكَ، فَكَانَ أَعْلَاهُمْ مَنْ جَاءَ بِصَاعٍ مَنْ تَمْرٍ،
فَجَمَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ
فَدَعَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ، ثُمَّ دَعَا الْجَيْشَ بِأَوْعِيَتِهِمْ
وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْثُوا، فَمَا بَقِيَ فِي الْجَيْشِ وِعَاءٌ إِلَّا
مَلَئُوهُ، وَبَقِيَ مِثْلُهُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، لَا يَلْقَى اللَّهَ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ
بِهِمَا إِلَّا حُجِبَتْ عَنْهُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ رَوَاهُ
النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ بِإِسْنَادِهِ
نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ:
ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الْأَدَمِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَجَاءٍ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، أَظُنُّهُ مَنْ
وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
أَبِي رَبِيعَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا خُنَيْسٍ الْغِفَارِيَّ،أَنَّهُ كَانَ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تِهَامَةَ حَتَّى
إِذَا كُنَّا بَعُسْفَانَ جَاءَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
جَهَدَنَا الْجُوعُ فَأْذَنْ لَنَا فِي الظَّهْرِ أَنْ نَأْكُلَهُ. قَالَ: "
نَعَمْ ". فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
فَجَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ
اللَّهِ، مَا صَنَعْتَ ؟ أَمَرْتَ النَّاسَ أَنْ يَنْحَرُوا الظَّهْرَ! فَعَلَى
مَا يَرْكَبُونَ ؟! قَالَ: " فَمَا تَرَى يَابْنَ الْخَطَّابِ ؟ "
قَالَ: أَرَى أَنْ
تَأْمُرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِفَضْلِ
أَزْوَادِهِمْ، فَتَجْمَعَهُ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ تَدْعُوَ لَهُمْ. فَأَمَرَهُمْ
فَجَعَلُوا فَضْلَ أَزْوَادِهِمْ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ دَعَا لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ:
" ائْتُوا بِأَوْعِيَتِكُمْ ". فَمَلَأَ كُلُّ إِنْسَانٍ وِعَاءَهُ،
ثُمَّ أَذِنَ بِالرَّحِيلِ، فَلَمَّا جَاوَزَ مُطِرُوا، فَنَزَلَ وَنَزَلُوا
مَعَهُ وَشَرِبُوا مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ، فَجَاءَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، فَجَلَسَ
اثْنَانِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَ
الْآخَرُ مُعْرِضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ ؟ أَمَّا وَاحِدٌ
فَاسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ
فَأَقْبَلَ تَائِبًا فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْآَخَرُ فَأَعْرَضَ
فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ " ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَى
أَبُو خُنَيْسٍ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَقَدْ رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ بِشْرَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ
الشَّافِعِيِّ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، أَنَا ابْنُ
رَجَاءٍ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَمْرِو بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ،
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا خُنَيْسٍ الْغِفَارِيَّ. فَذَكَرَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: قَالَ
الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى:
ثَنَا أَبُو هِشَامٍ مُحَمَّدُ بْنُ
يَزِيدَ الرِّفَاعِيُّ، ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، ثَنَا يَزِيدُ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي
زِيَادٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ عُمَرَ قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْعَدُوَّ قَدْ
حَضَرَ وَهُمْ شِبَاعٌ وَالنَّاسُ جِيَاعٌ. فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: أَلَا
نَنْحَرُ نَوَاضِحَنَا فَنُطْعِمَهَا النَّاسَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ طَعَامٍ فَلْيَجِئْ
بِهِ ". فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْمُدِّ وَالصَّاعِ وَأَقَلَّ
وَأَكْثَرَ، فَكَانَ جَمِيعُ مَا فِي الْجَيْشِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ صَاعًا،
فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنْبِهِ فَدَعَا
بِالْبَرَكَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
خُذُوا وَلَا تَنْتَهِبُوا ". فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ فِي جِرَابِهِ،
وَفِي غِرَارَتِهِ، وَأَخَذُوا فِي أَوْعِيَتِهِمْ، حَتَّى إِنِ الرَّجُلَ
لَيَرْبِطُ كُمَّ قَمِيصِهِ فَيَمْلَؤُهُ، فَفَرَغُوا وَالطَّعَامُ كَمَا هُوَ،
ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَشْهَدُ أَنْ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، لَا يَأْتِي بِهِمَا عَبْدٌ
مُحِقٌّ إِلَّا وَقَاهُ اللَّهُ حَرَّ النَّارِ ". وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى
أَيْضًا، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الطَّالْقَانِيِّ، عَنْ جَرِيرٍ عَنْ
يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، فَذَكَرَهُ. وَمَا قَبْلَهُ شَاهِدٌ لَهُ
بِالصِّحَّةِ كَمَا أَنَّهُ مُتَابِعٌ لِمَا قَبْلَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو
يَعْلَى: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ
الْحَضْرَمِيُّ الْقَارِئُ، ثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ
سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ فَأَمَرَنَا
أَنْ نَجْمَعَ مَا فِي أَزْوَادِنَا -
يَعْنِي مِنَ التَّمْرِ - فَبَسَطَ نِطْعًا نَثَرْنَا عَلَيْهِ أَزْوَادَنَا.
قَالَ: فَتَمَطَّيْتُ فَتَطَاوَلْتُ فَنَظَرْتُ، فَحَزَرْتُهُ كَرَبْضَةَ شَاةٍ،
وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ مِائَةً. قَالَ: فَأَكَلْنَا ثُمَّ تَطَاوَلْتُ
فَنَظَرْتُ، فَحَزَرْتُهُ كَرُبْضَةِ شَاةٍ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ مِنْ وَضُوءٍ ؟ " قَالَ: فَجَاءَ
رَجُلٌ بِنُطْفَةٍ فِي إِدَاوَةٍ. قَالَ: فَقَبَضَهَا فَجَعَلَهَا فِي قَدَحٍ.
قَالَ: فَتَوَضَّأْنَا كُلُّنَا، نُدَغْفِقُهَا دَغْفَقَةً، وَنَحْنُ أَرْبَعَ
عَشَرَةَ مِائَةً، أَيْ نُسْبِغُ وَلَا نُبْقِي مِنَ الْمَاءِ. قَالَ: فَجَاءَ
أُنَاسٌ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا وَضُوءَ ؟ فَقَالَ: " قَدْ
فَرَغَ الْوَضُوءُ ". وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ
السُّلَمِيِّ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ،
عَنْ إِيَاسٍ، عَنْ أَبِيهِ سَلَمَةَ، وَقَالَ: فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا،
ثُمَّ حَشَوْنَا جُرُبَنَا.
وَتَقَدَّمَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ، حَيْثُ قَالَ:
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، أَنَّهُ قَدْ حَدَّثَ أَنَّ ابْنَةً لِبَشِيرِ
بْنِ سَعْدٍ أُخْتَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَتْ: دَعَتْنِي أُمِّي عَمْرَةُ
بِنْتُ رَوَاحَةَ، فَأَعْطَتْنِي حَفْنَةً مِنْ تَمْرٍ فِي ثَوْبِي ثُمَّ قَالَتْ:
أَيْ بُنَيَّةُ، اذْهَبِي إِلَى أَبِيكِ وَخَالِكِ عَبْدِ اللَّهِ بِغَدَائِهِمَا.
قَالَتْ: فَأَخَذْتُهَا فَانْطَلَقْتُ بِهَا، فَمَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَلْتَمِسُ أَبِي وَخَالِيَ، فَقَالَ: "
تَعَالِي يَا بُنَيَّةُ، مَا هَذَا مَعَكِ ؟ " قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، هَذَا تَمْرٌ بَعَثَتْنِي بِهِ أُمِّي إِلَى أَبِي بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ
وَخَالِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ يَتَغَدَّيَانِهِ. فَقَالَ: "
هَاتِيهِ " قَالَتْ:
فَصَبَبْتُهُ فِي كَفَّيْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا مَلَأَتْهُمَا ثُمَّ أَمَرَ
بِثَوْبٍ فَبُسِطَ لَهُ، ثُمَّ دَحَا بِالتَّمْرِ، فَتَبَدَّدَ فَوْقَ الثَّوْبِ،
ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ عِنْدَهُ: " اصْرُخْ فِي أَهْلِ الْخَنْدَقِ أَنْ
هَلُمَّ إِلَى الْغَدَاءِ ". فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَلَيْهِ،
فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ، وَجَعَلَ يَزِيدُ، حَتَّى صَدَرَ أَهْلُ
الْخَنْدَقِ عَنْهُ، وَإِنَّهُ لِيَسْقُطُ مِنْ أَطْرَافِ الثَّوْبِ.
قِصَّةُ جَابِرٍ وَدَيْنِ أَبِيهِ وَتَكْثِيرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
التَّمْرَ:
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ،
ثَنَا زَكَرِيَّا، حَدَّثَنِي عَامِرٌ، حَدَّثَنِي جَابِرٌ، أَنَّ أَبَاهُ
تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَلْتُ: إِنَّ أَبِي تَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا، وَلَيْسَ عِنْدِي
إِلَّا مَا يُخْرِجُ نَخْلُهُ، وَلَا يَبْلُغُ مَا يُخْرِجُ سِنِينَ مَا عَلَيْهِ،
فَانْطَلِقْ مَعِيَ لِكَيْلَا يُفْحِشَ عَلَيَّ الْغُرَمَاءُ. فَمَشَى حَوْلَ
بَيْدَرٍ مِنْ بَيَادِرِ التَّمْرِ، فَدَعَا ثُمَّ آخَرَ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ
فَقَالَ: " انْزِعُوهُ ". فَأَوْفَاهُمُ الَّذِي لَهُمْ، وَبَقِيَ
مِثْلَ مَا أَعْطَاهُمْ. هَكَذَا رَوَاهُ هُنَا مُخْتَصَرًا. وَقَدْ أَسْنَدَهُ
مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ بِهِ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنْ جَابِرٍ
بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ، وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ بِبَرَكَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُعَائِهِ لَهُ، وَمَشْيِهِ فِي حَائِطِهِ
وَجُلُوسِهِ عَلَى تَمْرِهِ، وَفَّى اللَّهُ دَيْنَ أَبِيهِ، وَكَانَ قَدْ قُتِلَ
بِأَحَدٍ، وَجَابِرٌ كَانَ لَا يَرْجُو وَفَاءَهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَلَا مَا
بَعْدَهُ، وَمَعَ هَذَا فَضَلَ لَهُ مِنَ التَّمْرِ أَكْثَرُهُ فَوْقَ مَا كَانَ
يُؤَمِّلُهُ وَيَرْجُوهُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
قِصَّةُ سَلْمَانَ فِي تَكْثِيرِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِطْعَةَ مِنَ الذَّهَبِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ
فِي مُكَاتَبَتِهِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مَنْ عَبْدِ
الْقَيْسِ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: لَمَّا قُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِنَ
الَّذِي عَلِيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلَبَهَا عَلَى لِسَانِهِ ثُمَّ قَالَ " "
خُذْهَا فَأَوْفِهِمْ مِنْهَا ". فَأَخَذْتُهَا فَأَوْفَيْتُهُمْ مِنْهَا
حَقَّهُمْ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً..
ذِكْرُ مِزْوَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَمْرِهِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، عَنِ
الْمُهَاجِرِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بِتَمَرَاتٍ فَقُلْتُ:
ادْعُ اللَّهَ لِي فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ. قَالَ: فَصَفَّهُنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ،
ثُمَّ دَعَا فَقَالَ لِي: " اجْعَلْهُنَّ فِي مِزَوَدٍ، وَأَدْخِلْ يَدَكَ وَلَا
تَنْثُرْهُ " قَالَ: فَحَمَلْتُ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا وَسْقًا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَنَأْكُلُ وَنُطْعِمُ، وَكَانَ لَا يُفَارِقُ حِقْوِي، فَلَمَّا قُتِلَ
عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، انْقَطَعَ عَنْ حِقْوِي فَسَقَطَ وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى الْقَزَّازِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ
حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ،
عَنِ الْمُهَاجِرِ أَبِي مَخْلَدٍ،
عَنْ رُفَيْعٍ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ،
أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ الْقَطَّانُ، ثَنَا حَفْصُ بْنُ
عَمْرٍو، ثَنَا سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ أَبُو زِيَادٍ، ثَنَا أَيُّوبُ
السَّخْتِيَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ
فَأَصَابَهُمْ عَوَزٌ مِنَ الطَّعَامِ فَقَالَ: " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ
عِنْدَكَ شَيْءٌ ؟ " قَالَ: قُلْتُ: شَيْءٌ مِنْ تَمْرٍ فِي مِزْوَدٍ لِي.
قَالَ: " جِئْ بِهِ ". قَالَ: فَجِئْتُ بِالْمِزْوَدِ. قَالَ: "
هَاتِ نِطْعًا ". فَجِئْتُ بِالنِّطْعِ فَبَسَطْتُهُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ
فَقَبَضَ عَلَى التَّمْرِ، فَإِذَا هُوَ وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ تَمْرَةً، ثُمَّ
قَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ ". فَجَعَلَ يَضَعُ كُلَّ تَمْرَةٍ وَيُسَمِّي
حَتَّى أَتَى عَلَى التَّمْرِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا فَجَمَعَهُ، فَقَالَ: "
ادْعُ فَلَانًا وَأَصْحَابَهُ ". فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَخَرَجُوا،
ثُمَّ قَالَ: " ادْعُ فَلَانًا وَأَصْحَابَهُ ". فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا
وَخَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: " ادْعُ فَلَانًا وَأَصْحَابَهُ ". فَأَكَلُوا
وَشَبِعُوا وَخَرَجُوا، وَفَضَلَ، ثُمَّ قَالَ لِي: " اقْعُدْ ".
فَقَعَدْتُ فَأَكَلَ وَأَكَلْتُ. قَالَ: وَفَضَلَ تَمْرٌ فَأَدْخَلْتُهُ فِي
الْمِزْوَدِ، وَقَالَ لِي: " يَا أَبَا
هُرَيْرَةَ إِذَا أَرَدْتَ شَيْئًا
فَأَدْخِلْ يَدَكَ وَخُذْهُ، وَلَا تُكْفِئْ فَيُكْفَأَ عَلَيْكَ ". قَالَ:
فَمَا كُنْتُ أُرِيدُ تَمْرًا إِلَّا أَدْخَلْتُ يَدِي فَأَخَذْتُ مِنْهُ
خَمْسِينَ وَسْقًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ: وَكَانَ مُعَلَّقًا خَلْفَ
رَحْلِي، فَوَقَعَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ فَذَهَبَ..
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ
طَرِيقَيْنِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَسْلَمَ الْعَدَوِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي
مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُصِبْتُ بِثَلَاثِ
مُصِيبَاتٍ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ أُصَبْ بِمِثْلِهِنَّ؛ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْتُ صُوَيْحِبَهُ، وَقَتْلِ عُثْمَانَ،
وَالْمِزْوَدِ. قَالُوا: وَمَا الْمِزْوَدُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ قَالَ: كُنَّا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ:
" يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَمَعَكَ شَيْءٌ ؟ " قَالَ: قُلْتُ: تَمْرٌ فِي
مِزْوَدٍ. قَالَ: " جِئْ بِهِ ". فَأَخْرَجْتُ تَمْرًا، فَأَتَيْتُهُ
بِهِ. قَالَ: فَمَسَّهُ وَدَعَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: " ادْعُ عَشَرَةً
". فَدَعَوْتُ عَشَرَةً، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى
أَكَلَ الْجَيْشُ كُلُّهُ، وَبَقِيَ مِنْ تَمْرٍ مَعِي فِي الْمِزْوَدِ، فَقَالَ:
" يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا
فَأَدْخِلْ يَدَكَ فِيهِ وَلَا تَكُبُّهُ ". قَالَ: فَأَكَلْتُ مِنْهُ
حَيَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلْتُ مِنْهُ حَيَاةَ
أَبِي بَكْرٍ كُلَّهَا، وَأَكَلْتُ مِنْهُ حَيَاةَ عُمَرَ كُلَّهَا، وَأَكَلْتُ
مِنْهُ حَيَاةَ عُثْمَانَ كُلَّهَا، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ انْتُهِبَ مَا فِي
يَدِي وَانْتُهِبَ الْمِزْوَدُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ كَمْ أَكَلْتُ مِنْهُ ؟
أَكَلْتُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ وَسْقٍ..
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، ثَنَا
إِسْمَاعِيلُ يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ:أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
شَيْئًا مِنْ
تَمْرٍ، فَجَعَلْتُهُ فِي مِكْتَلٍ،
فَعَلَّقْنَاهُ فِي سَقْفِ الْبَيْتِ، فَلَمْ نَزَلْ نَأْكُلُ مِنْهُ حَتَّى كَانَ
آخِرُهُ أَصَابَهُ أَهْلُ الشَّامِ حَيْثُ أَغَارُوا عَلَى الْمَدِينَةِ.
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
حَدِيثٌ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ فِي ذَلِكَ: رَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ
عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَتِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ،
حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ
سَارِيَةَ قَالَ: كُنْتُ أَلْزَمُ بَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَرَأَيْنَا لَيْلَةً وَنَحْنُ بِتَبُوكَ،
وَذَهَبِنَا لِحَاجَةٍ فَرَجَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَقَدْ تَعَشَّى وَمَنْ عِنْدَهُ، فَقَالَ: " أَيْنَ كُنْتَ مُنْذُ
اللَّيْلَةِ ؟ " فَأَخْبَرْتُهُ، وَطَلَعَ جُعَالُ بْنُ سُرَاقَةَ وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ، فَكُنَّا ثَلَاثَةً كُلُّنَا جَائِعٌ،
فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ أُمِّ
سَلَمَةَ فَطَلَبَ شَيْئًا نَأْكُلُهُ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَنَادَى بِلَالًا: "
هَلْ مِنْ شَيْءٍ ؟ " فَأَخَذَ الْجُرُبَ يَنْفُضُهَا، فَاجْتَمَعَ سَبْعُ
تَمَرَاتٍ، فَوَضَعَهَا فِي صَحْفَةٍ وَوَضَعَ عَلَيْهِنَّ يَدَهُ، وَسَمَّى
اللَّهَ، وَقَالَ: " كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ ". فَأَكَلْنَا،
فَأَحْصَيْتُ أَرْبَعًا وَخَمْسِينَ تَمْرَةً أَكَلْتُهَا، أَعُدُّهَا وَنَوَاهَا
فِي يَدِي الْأُخْرَى، وَصَاحِبَايَ يَصْنَعَانِ مَا أَصْنَعُ، فَأَكَلَ كُلٌّ
مِنْهُمَا خَمْسِينَ تَمْرَةً، وَرَفَعْنَا أَيْدِيَنَا، فَإِذَا التَّمَرَاتُ
السَّبْعُ كَمَا هُنَّ، فَقَالَ: " يَا بِلَالُ، ارْفَعْهُنَّ فِي جِرَابِكَ
". فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ وَضَعَهُنَّ فِي الصَّحْفَةِ وَقَالَ: "
كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ ". فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا، وَإِنَّا
لَعَشَرَةٌ، ثُمَّ رَفَعْنَا أَيْدِيَنَا
وَإِنَّهُنَّ كَمَا هُنَّ سَبْعٌ،
فَقَالَ: " لَوْلَا أَنِّي أَسْتَحِي مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ لَأَكَلْنَا
مِنْ هَذِهِ التَّمَرَاتِ حَتَّى نَرِدَ الْمَدِينَةَ عَنْ آخِرِنَا "
فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ طَلَعَ غُلَيِّمٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
فَدَفَعَهُنَّ إِلَى ذَلِكَ الْغُلَامِ فَانْطَلَقَ يَأْكُلُهُنَّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ،
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهُ: لَقَدْ
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي بَيْتِي
مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي،
فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ سَلَمَةَ بْنِ
شَبِيبٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ مَعْقِلٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ،
عَنْ جَابِرٍ،أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَسْتَطْعِمُهُ فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ، فَمَا زَالَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ
مِنْهُ وَامْرَأَتُهُ وَضَيْفُهُمَا حَتَّى كَالَهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لَأَكَلْتُمْ
مِنْهُ، وَلَقَامَ لَكُمْ ".
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ جَابِرٍ،أَنَّ أُمَّ مَالِكٍ كَانَتْ تُهْدِي إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُكَّتِهَا سَمْنًا،
فَيَأْتِيهَا بَنُوهَا فَيَسْأَلُونَ الْأُدْمَ وَلَيْسَ عِنْدَهَا شَيْءٌ،
فَتَعْمِدُ إِلَى الَّذِي
كَانَتْ تُهْدِي فِيهِ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَجِدُ فِيهِ سَمْنًا، فَمَا زَالَ
يُقِيمُ لَهَا أُدْمَ بَيْتِهَا حَتَّى عَصَرَتْهَا، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَعَصَرْتِيهَا ؟ "
قَالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ: " لَوْ تَرِكَتِيهَا مَا زَالَ قَائِمًا "
وَقَدْ رَوَاهُمَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ مُوسَى، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ
أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،
أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ
صَالِحٍ، ثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، ثَنَا
يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ
جَدِّهِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،أَنَّهُ اسْتَعَانَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّزْوِيجِ،
فَأَنْكَحَهُ امْرَأَةً، فَالْتَمَسَ شَيْئًا فَلَمْ يَجِدْهُ، فَبَعَثَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا رَافِعٍ وَأَبَا أَيُّوبَ
بِدِرْعِهِ، فَرَهَنَاهُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ
شَعِيرٍ، فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ.
قَالَ: فَطَعِمْنَا مِنْهُ نِصْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ كِلْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ كَمَا
أَدْخَلْنَاهُ. قَالَ نَوْفَلٌ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لَأَكَلْتَ
مِنْهُ مَا عِشْتَ ".
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَافِظُ
الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ ": أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
يُوسُفَ الْأَصْفَهَانِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، ثَنَا
عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
يُونُسَ، أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ هِشَامٍ، يَعْنِي ابْنَ
حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ
أَهْلَهُ، فَرَأَى مَا بِهِمْ مِنَ الْحَاجَةِ، فَخَرَجَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ،
فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَا نَعْتَجِنُ وَنَخْتَبِزُ.
قَالَ: فَإِذَا الْجَفْنَةُ مَلْأَى خَمِيرًا، وَالرَّحَا تَطْحَنُ، وَالتَّنُّورُ
مَلْأَى خُبْزًا وَشِوَاءً. قَالَ: فَجَاءَ زَوْجُهَا فَقَالَ: عِنْدَكُمْ شَيْءٌ
؟ قَالَتْ: نَعَمْ، رِزْقُ اللَّهِ. فَرَفَعَ الرَّحَا فَكَنَسَ مَا حَوْلَهُ،
فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "
لَوْ تَرَكَهَا لَدَارَتْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ".
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانِ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ
الصَّفَّارُ، ثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، ثَنَا أَبُو صَالِحٍ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ
الْأَنْصَارِ كَانَ ذَا حَاجَةٍ، فَخَرَجَ وَلَيْسَ عِنْدَ أَهْلِهِ شَيْءٌ
فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: لَوْ أَنِّي حَرَّكْتُ رَحَايَ وَجَعَلْتُ فِي تَنُّورِي
سَعَفَاتٍ. فَسَمِعَ جِيرَانِي صَوْتَ الرَّحَا وَرَأَوُا الدُّخَانَ، فَظَنُّوا
أَنَّ عِنْدَنَا طَعَامًا وَلَيْسَ بِنَا خَصَاصَةٌ. فَقَامَتْ إِلَى تَنُّورِهَا،
فَأَوْقَدَتْهُ وَقَعَدَتْ تُحَرِّكُ الرَّحَا. قَالَ: فَأَقْبَلَ زَوْجُهَا
وَسَمِعَ الرَّحَا فَقَامَتْ إِلَيْهِ لِتَفْتَحَ لَهُ الْبَابَ، فَقَالَ: مَاذَا
كُنْتِ تَطْحَنِينَ ؟ فَأَخْبَرَتْهُ، فَدَخَلَا وَإِنَّ رَحَاهُمَا لَتَدُورُ
وَتَصُبُّ دَقِيقًا، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْبَيْتِ وِعَاءٌ إِلَّا مُلِيَ، ثُمَّ
خَرَجَتْ إِلَى تَنُّورِهَا، فَوَجَدَتْهُ مَمْلُوءًا
خُبْزًا، فَأَقْبَلَ زَوْجُهَا
فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "
فَمَا فَعَلَتِ الرَّحَا ؟ " قَالَ: رَفَعْتُهَا وَنَفَضْتُهَا. فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَوْ تَرَكْتُمُوهَا
مَا زَالَتْ لَكُمْ حَيَاتِي ". أَوْ قَالَ " حَيَاتُكُمْ ".
وَهَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ سَنَدًا وَمَتْنًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ضَافَهُ ضَيْفٌ كَافِرٌ، فَأَمَرَ لَهُ بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا،
ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَ حِلَابَهَا، حَتَّى
شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ، ثُمَّ إِنَّهُ أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ، فَأَتَى
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ لَهُ بِشَاةٍ
فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِأُخْرَى فَلَمْ
يَسْتَتِمَّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" إِنَّ الْمُسْلِمَ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرَ يَشْرَبُ فِي
سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ " وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ جَابِرٍ، ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ
الْأَوَّلِ، ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:ضَافَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَعْرَابِيٌّ. قَالَ: فَطَلَبُ لَهُ شَيْئًا، فَلَمْ يَجِدْ إِلَّا كِسْرَةً فِي
كُوَّةٍ. قَالَ فَجَزَّأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَجْزَاءً وَدَعَا عَلَيْهَا، وَقَالَ " كُلْ " قَالَ: فَأَكَلَ
وَأَفْضَلَ. قَالَ: فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ لَرَجُلٌ صَالِحٌ. فَقَالَ
لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أَسْلِمْ " فَقَالَ:
إِنَّكَ لَرَجُلٌ صَالِحٌ. ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ
عُثْمَانَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ:
وَفِيمَا ذَكَرَ عَبْدَانُ الْأَهْوَازِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ
الْبُرْجُمِيُّ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ
زُبَيْدٍ عَنْ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:أَضَافَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَيْفًا، فَأَرْسَلَ إِلَى أَزْوَاجِهِ
يَبْتَغِي عِنْدَهُنَّ طَعَامًا، فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ
شَيْئًا، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ
وَرَحْمَتِكَ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا إِلَّا أَنْتَ ". قَالَ:
فَأُهْدِيَتْ لَهُ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ، فَقَالَ: " هَذَا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ
وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ " قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: حَدَّثَنِيهِ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَانَ الْأَهْوَازِيُّ عَنْهُ. قَالَ: وَالصَّحِيحُ عَنْ
زُبَيْدٍ مُرْسَلًا، حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَانَ حَدَّثَنَا أَبِي،
ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحَارِثِ الْأَهْوَازِيُّ، أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
مُوسَى، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ زُبَيْدٍ فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
السُّلَمِيُّ، ثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ
سُفْيَانَ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ بِشْرِ بْنِ السَّرْحِ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ
سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي السَّائِبِ، ثَنَا وَاثِلَةُ بْنُ الْخَطَّابِ، عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: حَضَرَ رَمَضَانُ
وَنَحْنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ فَصُمْنَا، فَكُنَّا إِذَا أَفْطَرْنَا أَتَى
كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ
أَهْلِ الْبَيْعَةِ، فَانْطَلَقَ بِهِ
فَعَشَّاهُ، فَأَتَتْ عَلَيْنَا لَيْلَةً لَمْ يَأْتِنَا أَحَدٌ وَأَصْبَحْنَا
صِيَامًا، وَأَتَتْ عَلَيْنَا الْقَابِلَةُ فَلَمْ يَأْتِنَا أَحَدٌ
فَانْطَلَقْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَخْبَرْنَاهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِنَا، فَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ
امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ يَسْأَلُهَا؛ هَلْ عِنْدَهَا شَيْءٌ ؟ فَمَا بَقِيَتْ
مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا أَرْسَلَتْ تُقْسِمُ؛ مَا أَمْسَى فِي بَيْتِهَا مَا
يَأْكُلُ ذُو كَبِدٍ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَاجْتَمَعُوا فَدَعَا وَقَالَ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ
مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ؛ فَإِنَّهُمَا بِيَدِكَ لَا يَمْلِكُهُمَا أَحَدٌ
غَيْرُكَ ". فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا وَمُسْتَأْذِنٌ يَسْتَأْذِنُ فَإِذَا
بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ وَرُغُفٍ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوُضِعَتْ بَيْنَ أَيْدِينَا فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا،
فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّا
سَأَلَنَا اللَّهَ مَنْ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، فَهَذَا فَضْلُهُ، وَقَدْ ذَخَرَ
لَنَا عِنْدَهُ رَحْمَتَهُ ".
حَدِيثُ الذِّرَاعِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ثَنَا
يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي مَجْلِسِ
سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي فَلَانٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِطَعَامٍ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ
فَقَالَ: نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ". فَنُووِلَ ذِرَاعًا - قَالَ يَحْيَى: لَا
أَعْلَمُهُ إِلَّا هَكَذَا - ثُمَّ قَالَ: " نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ".
فَنُووِلَ ذِرَاعًا، فَأَكَلَهَا، ثُمَّ قَالَ: " نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ
". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا هُمَا ذِرَاعَانِ، فَقَالَ:
" وَأَبِيكَ لَوْ سَكَتَّ مَا زِلْتُ أُنَاوَلُ مِنْهَا ذِرَاعًا مَا
دَعَوْتُ
بِهِ ". فَقَالَ سَالِمٌ: أَمَّا
هَذِهِ فَلَا، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ
تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ " هَكَذَا وَقَعَ إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ
عَنْ مُبْهَمٍ عَنْ مِثْلِهِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ - يَعْنِي الرَّازِيَّ - عَنْ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:أُهْدِيَتْ لَهُ شَاةٌ
فَجَعَلَهَا فِي الْقِدْرِ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: " مَا هَذَا يَا أَبَا رَافِعٍ ؟ " قَالَ شَاةٌ أُهْدِيَتْ
لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَطَبَخْتُهَا فِي الْقِدْرِ. فَقَالَ: "
نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ يَا أَبَا رَافِعٍ " فَنَاوَلْتُهُ الذِّرَاعَ، ثُمَّ
قَالَ " نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ الْآخَرَ " فَنَاوَلْتُهُ الذِّرَاعَ
الْآخَرَ، ثُمَّ قَالَ " نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ الْآخَرَ " فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا لِلشَّاةِ ذِرَاعَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَكَتَّ لَنَاوَلْتَنِي
ذِرَاعًا فَذِرَاعًا مَا سَكَتَّ ". ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ فَاهً
وَغَسَلَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِمْ
فَوَجَدَ عِنْدَهُمْ لَحْمًا بَارِدًا، فَأَكَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ
فَصَلَّى وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً..
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي رَافِعٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ،
ثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ عَنْ
عَمَّتِهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: صُنِعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ فَأُتِيَ بِهَا فَقَالَ لِي: " يَا
أَبَا رَافِعٍ، نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ " فَنَاوَلْتُهُ ثُمَّ قَالَ "
يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ". فَنَاوَلْتُهُ ثُمَّ قَالَ:
" يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَهَلْ لِلشَّاةِ إِلَّا ذِرَاعَانِ ؟ فَقَالَ: " لَوْ سَكَتَّ
لَنَاوَلْتَنِي مِنْهَا مَا دَعَوْتُ
بِهِ " قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُعْجِبُهُ الذِّرَاعَ. قُلْتُ وَلِهَذَا لَمَّا عَلِمَتِ الْيَهُودُ عَلَيْهِمْ
لِعَائِنُ اللَّهِ، بِخَيْبَرَ سَمُّوهُ فِي الذِّرَاعِ فِي تِلْكَ الشَّاةِ
الَّتِي أَحْضَرَتْهَا زَيْنَبُ الْيَهُودِيَّةُ، فَأَخْبَرَهُ الذِّرَاعُ بِمَا
فِيهِ مِنَ السُّمِّ، لَمَّا نَهَسَ مِنْهُ نَهْسَةً، كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ فِي
غَزْوَةِ خَيْبَرَ مَبْسُوطًا.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ، ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنِي فَائِدٌ مَوْلَى عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بِشَاةٍ فِي مِكْتَلٍ،
فَقَالَ: " يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ". فَنَاوَلْتُهُ،
ثُمَّ قَالَ: " يَا أَبَا رَافِعٍ، نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ".
فَنَاوَلْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: " يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ".
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلِلشَّاةِ إِلَّا ذِرَاعَانِ ؟ فَقَالَ: "
لَوْ سَكَتَّ سَاعَةً؛ نَاوَلْتَنِيهِ مَا سَأَلْتُكَ ". فِيهِ انْقِطَاعٌ
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو يَعْلَى أَيْضًا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
الْمُقَدَّمِيُّ، ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا فَائِدٌ مَوْلَى
عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ أَنَّ جَدَّتَهُ سَلْمَى
أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَبَعَثَ إِلَى
أَبِي رَافِعٍ بِشَاةٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِيمَا أَعْلَمُ، فَصَلَّاهَا
أَبُو رَافِعٍ لَيْسَ مَعَهَا خُبْزٌ ثُمَّ انْطَلَقَ بِهَا، فَلَقِيَهَا
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا مِنَ الْخَنْدَقِ فَقَالَ:
" يَا أَبَا رَافِعٍ، ضَعِ الَّذِي مَعَكَ ". فَوَضَعَهُ ثُمَّ قَالَ:
" يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ". فَنَاوَلْتُهُ ثُمَّ
قَالَ: " يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ". فَنَاوَلْتُهُ،
ثُمَّ قَالَ: " يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ ". فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لِلشَّاةِ غَيْرُ ذِرَاعَيْنِ ؟ فَقَالَ: " لَوْ
سَكَتَّ لَنَاوَلْتَنِي مَا سَأَلْتُكَ
".
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا
الضَّحَّاكُ، ثَنَا ابْنُ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
شَاةً طُبِخَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أَعْطِنِي الذِّرَاعَ ". فَنَاوَلْتُهُ إِيَّاهُ فَقَالَ: "
أَعْطِنِي الذِّرَاعَ " فَنَاوَلْتُهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ قَالَ: "
أَعْطِنِي الذِّرَاعَ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا لِلشَّاةِ
ذِرَاعَانِ، قَالَ: " أَمَا إِنَّكَ لَوِ الْتَمَسْتَهَا لَوَجَدْتَهَا
".
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ دُكَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ الْخَثْعَمِيِّ
قَالَ:أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ
أَرْبَعُونَ وَأَرْبَعُمِائَةٍ نَسْأَلُهُ الطَّعَامَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: " قُمْ فَأَعْطِهِمْ " فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدِي إِلَّا مَا يُقَيِّظُنِي وَالصِّبْيَةَ. قَالَ
وَكِيعٌ: الْقَيْظُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. قَالَ: " قُمْ
فَأَعْطِهِمْ ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمْعًا وَطَاعَةً. قَالَ:
فَقَامَ عُمَرُ وَقُمْنَا مَعَهُ فَصَعِدَ بِنَا إِلَى غَرْفَةٍ لَهُ، فَأَخْرَجَ
الْمِفْتَاحَ مَنْ حُجْزَتِهِ فَفَتَحَ الْبَابَ. قَالَ دُكَيْنٌ: فَإِذَا فِي
الْغُرْفَةِ مِنَ التَّمْرِ شَبِيهٌ بِالْفَصِيلِ الرَّابِضِ. قَالَ: شَأْنُكُمْ.
قَالَ: فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا حَاجَتَهُ مَا شَاءَ. ثُمَّ الْتَفَتَ
وَإِنِّي لَمِنْ آخِرِهِمْ فَكَأَنَّا لَمْ نَرْزَأْ مِنْهُ تَمْرَةً. ثُمَّ
رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَيَعْلَى ابْنَيْ عُبَيْدٍ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي
خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ دُكَيْنٍ بِهِ. وَرَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ مُطَرِّفٍ الرُّوَاسِيِّ، عَنْ عِيسَى
بْنِ يُونُسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بِهِ
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ،
ثَنَا حَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ، ثَنَا أَبُو نَضْرَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ
قَالَ:خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلَ
حَائِطًا لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ فَإِذَا هُوَ يَسْنُو فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا تَجْعَلُ لِي إِنْ
أَرْوَيْتُ حَائِطَكَ هَذَا ؟ " قَالَ: إِنِّي أَجْهَدُ أَنْ أُرْوِيَهُ
فَمَا أَطِيقُ ذَلِكَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" تَجْعَلُ لِي مِائَةَ تَمْرَةٍ أَخْتَارُهَا مِنْ تَمْرِكَ ؟ " قَالَ:
نَعَمْ. فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَرْبَ،
فَمَا لَبِثَ أَنْ أَرَوَاهُ حَتَّى قَالَ الرَّجُلُ: غَرِقَتْ حَائِطِي.
فَاخْتَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَمْرِهِ
مِائَةَ تَمْرَةٍ. قَالَ: فَأَكَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ
رَدَّ عَلَيْهِ مِائَةَ تَمْرَةٍ، كَمَا أَخَذَهَا. هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ
أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ أَوَّلِ
تَارِيخِهِ، بِسَنَدِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيِّ، كَمَا
أَوْرَدْنَاهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ذِكْرِ إِسْلَامِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ
مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّخِيلِ الَّتِي غَرَسَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ لِسَلْمَانَ، فَلَمْ يَهْلِكْ
مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ، بَلْ أَنْجَبَ الْجَمِيعُ، وَكُنَّ ثَلَاثَمِائَةٍ، وَمَا
كَانَ مِنْ تَكْثِيرِهِ الذَّهَبَ حِينَ قَلَّبَهُ عَلَى لِسَانِهِ
الشَّرِيفِ، حَتَّى قَضَى مِنْهُ
سَلْمَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ وَعَتَقَ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
بَابُ انْقِيَادِ الشَّجَرِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَاتِمِ بْنِ
إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي حَرَزَةَ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ
الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:سِرْنَا مَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا
أَفْيَحَ، فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي
حَاجَتَهُ فَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ فَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا
يَسْتَتِرُ بِهِ، وَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الْوَادِي، فَانْطَلَقَ إِلَى
إِحْدَاهُمَا فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا، وَقَالَ: " انْقَادِي
عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ". فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ
الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ، حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ الْأُخْرَى فَأَخَذَ
بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا وَقَالَ: " انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ
". فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ الَّذِي يُصَانِعُ
قَائِدَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمُنْتَصِفِ فِيمَا بَيْنَهُمَا لَأَمَ
بَيْنَهُمَا - يَعْنِي جَمَعَهُمَا - وَقَالَ: " الْتَئِمَا عَلَيَّ بِإِذْنِ
اللَّهِ ". فَالْتَأَمَتَا. قَالَ جَابِرٌ فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ مَخَافَةَ
أَنْ يُحِسَّ بِقُرْبِي فَيَبْتَعِدَ فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي فَحَانَتْ
مِنِّي لَفْتَةٌ، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مُقْبِلًا، وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا، وَقَامَتْ كُلُّ
وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ وَقْفَةً وَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا يَمِينًا
وَشِمَالًا. وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ فِي قِصَّةِ الْمَاءِ وَقِصَّةِ
الْحُوتِ الَّذِي دَسَرَهُ الْبَحْرُ،
كَمَا تَقَدَّمَ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا
الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ - وَهُوَ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ - عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ جَالِسٌ حَزِينٌ قَدْ خَضَبَ بِالدِّمَاءِ؛ ضَرَبَهُ بَعْضُ
أَهْلِ مَكَّةَ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ: مَا لَكَ ؟ فَقَالَ: " فَعَلَ بِيَ
هَؤُلَاءِ وَفَعَلُوا ". قَالَ: فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَتُحِبُّ أَنْ
أُرِيَكَ آيَةً ؟ قَالَ: فَقَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى
شَجَرَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْوَادِي فَقَالَ: ادْعُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ. فَدَعَاهَا.
قَالَ: فَجَاءَتْ تَمَشِي حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: مُرْهَا
فَلْتَرْجِعْ. فَأَمَرَهَا فَرَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حَسْبِي " وَهَذَا إِسْنَادٌ
عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يَرَوِهِ إِلَّا ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى الْحَجُونِ
كَئِيبًا لَمَّا آَذَاهُ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ:اللَّهُمَّ أَرِنِي الْيَوْمَ
آيَةً لَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي بَعْدَهَا ". قَالَ فَأُمِرَ فَنَادَى
شَجَرَةً مِنْ قَبْلِ عَقَبَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ
الْأَرْضَ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ. قَالَ: ثُمَّ أَمَرَهَا فَرَجَعَتْ إِلَى
مَوْضِعِهَا، قَالَ: فَقَالَ:
" مَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي
بَعْدَهَا مِنْ قَوْمِي.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا الْحَاكِمُ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ عَمْرٍو،
قَالَا: ثَنَا الْأَصَمُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ
بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: خَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَعْضِ شِعَابِ مَكَّةَ
وَقَدْ دَخَلَهُ مِنَ الْغَمِّ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ تَكْذِيبِ قَوْمِهِ
إِيَّاهُ، فَقَالَ: " يَا رَبِّ أَرِنِي مَا أَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ وَيُذْهِبُ
عَنِّي هَذَا الْغَمَّ ". فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: ادْعُ إِلَيْكَ أَيَّ
أَغْصَانِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ شِئْتَ. قَالَ: فَدَعَا غُصْنًا فَانْتُزِعَ مِنْ
مَكَانِهِ ثُمَّ خَدَّ فِي الْأَرْضِ حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " ارْجِعْ إِلَى مَكَانِكَ ". فَرَجَعَ الْغُصْنُ فَخَدَّ فِي
الْأَرْضِ حَتَّى اسْتَوَى كَمَا كَانَ، فَحَمِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجَعَ، وَكَانَ قَدْ قَالَ
الْمُشْرِكُونَ: أَفْضَلْتَ أَبَاكَ وَأَجْدَادَكَ يَا مُحَمَّدُ ؟ فَأَنْزَلَ
اللَّهُ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيْهَا الْجَاهِلُونَ
" الْآيَاتِ [ الزُّمَرِ: 64 - 66 ]. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا
الْمُرْسَلُ يَشْهَدُ لَهُ مَا قَبْلَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا
الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ - وَهُوَ حُصَيْنُ بْنُ جُنْدَبٍ - عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ
بَنِي عَامِرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرِنِي الْخَاتَمَ الَّذِي بَيْنَ
كَتِفَيْكَ؛ فَإِنِّي مِنْ أَطَبِّ
النَّاسِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَا أُرِيكَ آيَةً ؟ "
قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى نَخْلَةٍ فَقَالَ: " ادْعُ ذَلِكَ
الْعِذْقَ " فَدَعَاهُ فَجَاءَ يَنْقُزُ حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ،
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ارْجِعْ
". فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ، فَقَالَ الْعَامِرِيُّ: يَا آلَ بَنِي عَامِرٍ
مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رَجُلًا أَسْحَرَ. يَعْنِي مِنْ هَذَا. هَكَذَا رَوَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَقَدْ أَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ
بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي طِبًّا وَعِلْمًا فَمَا
تَشْتَكِي ؟ هَلْ يُرِيبُكَ مِنْ نَفْسِكَ شَيْءٌ ؟ إِلَامَ تَدْعُو ؟ قَالَ:
" أَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَالْإِسْلَامِ ". قَالَ: فَإِنَّكَ لَتَقُولُ
قَوْلًا، فَهَلْ لَكَ مِنْ آيَةٍ ؟ قَالَ: " نَعَمْ إِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ
آيَةً " وَبَيْنَ يَدَيْهِ شَجَرَةٌ، فَقَالَ لِغُصْنٍ مِنْهَا: "
تَعَالَ يَا غُصْنُ ". فَانْقَطَعَ الْغُصْنُ مِنَ الشَّجَرَةِ ثُمَّ
أَقْبَلَ يَنْقُزُ حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: " ارْجِعْ إِلَى
مَكَانِكَ " فَرَجَعَ فَقَالَ الْعَامِرِيُّ: يَا آلَ عَامِرِ بْنِ
صَعْصَعَةَ، لَا أَلُومُكَ عَلَى شَيْءٍ قُلْتَهُ أَبَدًا. وَهَذَا يَقْتَضِي
أَنَّهُ سَلَّمَ الْأَمْرَ، وَلَمْ يُجِبْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
عَبْدَانَ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا ابْنُ أَبِي قُمَاشٍ،
ثَنَا ابْنُ عَائِشَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ،
عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي يَقُولُ أَصْحَابُكَ ؟ قَالَ: وَحَوْلَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْذَاقٌ وَشَجَرٌ. قَالَ: فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ لَكَ أَنْ أُرِيَكَ
آيَةً ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَعَا عِذْقًا مِنْهَا، فَأَقْبَلَ
يَخُدُّ الْأَرْضَ وَيَسْجُدُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ
يَدَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَرَجَعَ. قَالَ: فَخَرَجَ الْعَامِرِيُّ وَهُوَ
يَقُولُ: يَا آلَ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَاللَّهِ لَا أُكَذِّبُهُ بِشَيْءٍ
يَقُولُهُ أَبَدًا..
طَرِيقٌ أُخْرَى فِيهَا أَنَّ الْعَامِرِيَّ أَسْلَمَ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الرَّفَّاءُ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، أَنَا شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ أَبِي
ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بِمَا أَعْرِفُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ
؟ قَالَ: " أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ هَذَا الْعِذْقَ مِنْ هَذِهِ
النَّخْلَةِ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ:
فَدَعَا الْعِذْقَ، فَجَعَلَ الْعِذْقَ يَنْزِلُ مِنَ النَّخْلَةِ حَتَّى سَقَطَ
فِي الْأَرْضِ، فَجَعَلَ يَنْقُزُ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَالَ لَهُ " ارْجِعْ " فَرَجَعَ حَتَّى
عَادَ إِلَى مَكَانِهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. وَآمَنَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ " عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ. قُلْتُ:
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي
" جَامِعِهِ " عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ - وَهُوَ الْبُخَارِيُّ
إِنْ شَاءَ اللَّهُ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ بِهِ. وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَلَعَلَّهُ قَالَ أَوَّلًا أَنَّهُ سُحِرَ. ثُمَّ تَبَصَّرَ لِنَفْسِهِ
فَأَسْلَمَ وَآمَنَ لِمَا هَدَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ: أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْوَرَّاقُ، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْجُعْفِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَقْبَلَ
أَعْرَابِيٌّ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيْنَ تُرِيدُ ؟ " قَالَ: إِلَى أَهْلِي. قَالَ:
" هَلْ لَكَ إِلَى خَيْرٍ ؟ " قَالَ: مَا هُوَ ؟ قَالَ: " تَشْهَدُ
أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ". قَالَ: هَلْ مَنْ شَاهِدٍ عَلَى مَا تَقُولُ ؟
قَالَ: " هَذِهِ الشَّجَرَةُ ". فَدَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ عَلَى شَاطِئِ الْوَادِي، فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ
الْأَرْضَ خَدًّا، فَقَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَاسْتَشْهَدَهَا ثَلَاثًا،
فَشَهِدَتْ أَنَّهُ كَمَا قَالَ، ثُمَّ إِنَّهَا رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا،
وَرَجَعَ الْأَعْرَابِيُّ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: إِنْ يَتَّبِعُونِي أَتَيْتُكَ
بِهِمْ، وَإِلَّا رَجَعْتُ إِلَيْكَ وَكُنْتُ مَعَكَ. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ
وَلَمْ يُخْرِجُوهُ وَلَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ وَرَدَ عَنْ رُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ قِصَّةٌ شَبِيهَةٌ بِهَذَا. فَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
بَابُ حَنِينِ الْجِزْعِ شَوْقًا إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَفَقًا مِنْ فِرَاقِهِ
وَقَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ
تُفِيدُ الْقَطْعَ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ وَفُرْسَانِ هَذَا
الْمَيْدَانِ؛ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِهِ " الشِّفَا ":
وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ مُنْتَشِرٌ مُتَوَاتِرٌ، خَرَّجَهُ أَهْلُ الصَّحِيحِ،
وَرَوَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ بِضْعَةَ عَشَرَ، مِنْهُمْ: أُبَيٌّ وَجَابِرٌ وَأَنَسٌ
وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو سَعِيدٍ
وَبُرَيْدَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَالْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ.
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَى جِذْعٍ إِذْ
كَانَ الْمَسْجِدُ عَرِيشًا، وَكَانَ يَخْطُبُ إِلَى ذَلِكَ الْجِذْعِ، فَقَالَ
رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لَكَ أَنْ نَجْعَلَ لَكَ
مِنْبَرًا تَقُومُ عَلَيْهِ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ وَتُسْمِعُ النَّاسَ
يَوْمَ الْجُمُعَةَ خُطْبَتَكَ ؟ قَالَ: " نَعَمْ " فَصَنَعَ لَهُ
ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ هُنَّ اللَّاتِي عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا صُنِعَ
الْمِنْبَرُ وُضِعَ مَوْضِعَهُ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ يَقُومَ عَلَى ذَلِكَ الْمِنْبَرِ فَيَخْطُبَ عَلَيْهِ، فَمَرَّ إِلَيْهِ،
فَلَمَّا جَاوَزَ ذَلِكَ الْجِذْعَ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ إِلَيْهِ خَارَ حَتَّى
تَصَدَّعَ وَانْشَقَّ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا
سَمِعَ صَوْتَ الْجِذْعِ فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَرِ،
فَلَمَّا هُدِمَ الْمَسْجِدُ أَخَذَ ذَلِكَ الْجِذْعَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ،
فَكَانَ عِنْدَهُ فِي بَيْتِهِ حَتَّى بَلِيَ وَأَكَلَتْهُ الْأَرَضَةُ وَعَادَ
رُفَاتًا. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، عَنْ زَكَرِيَّا
بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ
كَعْبٍ، فَذَكَرَهُ، وَعِنْدَهُ: فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ حَتَّى سَكَنَ، ثُمَّ رَجَعَ
إِلَى الْمِنْبَرِ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَّى إِلَيْهِ. وَالْبَاقِي مِثْلُهُ،
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الرَّقِّيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ بِهِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى
الْمَوْصِلِيُّ: ثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ،
ثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَكَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ يُسْنِدُ ظَهْرَهُ إِلَى جِذْعٍ
مَنْصُوبٍ فِي الْمَسْجِدِ فَيَخْطُبُ النَّاسَ، فَجَاءَهُ رُومِيٌّ فَقَالَ:
أَلَا أَصْنَعُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ كَأَنَّكَ قَائِمٌ ؟ فَصَنَعَ لَهُ
مِنْبَرًا لَهُ دَرَجَتَانِ وَيَقْعُدُ عَلَى
الثَّالِثَةِ، فَلَمَّا قَعَدَ نَبِيُّ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، خَارَ الْجِذْعُ
كَخُوَارِ الثَّوْرِ ارْتَجَّ لِخُوَارِهِ؛ حُزْنًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمِنْبَرِ فَالْتَزَمَهُ وَهُوَ يَخُورُ، فَلَمَّا
الْتَزَمَهُ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ
لَوْ لَمْ أَلْتَزِمْهُ لَمَا زَالَ هَكَذَا حَتَّى يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ حُزْنًا
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ". فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدُفِنَ. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ
غَيْلَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ بِهِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي
" مُسْنَدِهِ " ثَنَا هُدْبَةُ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ
أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَمَّارِ بْنِ
أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وَحَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ،
فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ، فَحَنَّ فَجَاءَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى احْتَضَنَهُ فَسَكَنَ، وَقَالَ:
" لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ خَلَّادٍ، عَنْ بَهْزِ
بْنِ أَسَدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ
حَمَّادٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهِ. وَهَذَا
إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، ثَنَا الْمُبَارَكُ، عَنِ
الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ يُسْنِدُ ظَهْرَهُ إِلَى
خَشَبَةٍ، فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ قَالَ: " ابْنُوا لِي مِنْبَرًا ".
أَرَادَ أَنْ يُسْمِعَهُمْ، فَبَنَوْا لَهُ عَتَبَتَيْنِ، فَتَحَوَّلَ مِنَ
الْخَشَبَةِ إِلَى الْمِنْبَرِ. قَالَ: فَأَخْبَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ
سَمِعَ الْخَشَبَةَ تَحِنُّ حَنِينَ الْوَالِهِ. قَالَ: فَمَا زَالَتْ تَحِنُّ
حَتَّى نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
الْمِنْبَرِ، فَمَشَى إِلَيْهَا فَاحْتَضَنَهَا فَسَكَنَتْ. تَفَرَّدَ بِهِ
أَحْمَدُ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ
فَرُّوخٍ، عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَهُ،
وَزَادَ: فَكَانَ الْحَسَنُ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَكَى، ثُمَّ قَالَ:
يَا عِبَادَ اللَّهِ، الْخَشَبَةُ تَحِنُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَوْقًا إِلَيْهِ لِمَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ، فَأَنْتُمْ
أَحَقُّ أَنْ تَشْتَاقُوا إِلَى لِقَائِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو
نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ الْخَيَّاطِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَذَكَرَهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ:
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ، ثَنَا يَعْلَى بْنُ عَبَّادٍ، ثَنَا عَبْدُ
الْحَكَمِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَحَنَّ الْجِذْعُ، فَاحْتَضَنَهُ وَقَالَ:
" لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ".
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا عَبْدُ
الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ.
قَالَ: فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، كَانَ لَهَا غُلَامٌ نَجَّارٌ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا، أَفَآمُرُهُ أَنْ يَتَّخِذَ لَكَ مِنْبَرًا
تَخْطُبُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ: " بَلَى " قَالَ: فَاتَّخَذَ لَهُ
مِنْبَرًا. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ.
قَالَ: فَأَنَّ الْجِذْعُ الَّذِي كَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ كَمَا يَئِنُّ
الصَّبِيُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ
هَذَا بَكَى؛ لِمَا فَقَدَ مِنَ الذِّكْرِ ". هَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ
أَيْمَنَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، أَوْ
رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا ؟ قَالَ: " إِنْ
شِئْتُمْ ". فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ
دُفِعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ، ثُمَّ
نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَمَّهَا إِلَيْهِ تَئِنُّ
أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّنُ. قَالَ: كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ
تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا. وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ مَا
مَوْضِعٍ مِنْ " صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ
أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، وَهُوَ أَيْمَنُ الْحَبَشِيُّ الْمَكِّيُّ مَوْلَى ابْنِ
أَبِي عَمْرَةَ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ جَابِرٍ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ،
حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ
يَقُولُ:كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ فَكَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ
مِنْهَا، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ، فَكَانَ عَلَيْهِ فَسَمِعْنَا
لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ. تَفَرَّدَ بِهِ
الْبُخَارِيُّ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ، ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا أَبُو الْمُسَاوِرِ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ،
عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَهُوَ ذَكْوَانُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:
كَانَتْ خَشَبَةٌ فِي الْمَسْجِدِ يَخْطُبُ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ مِثْلَ الْكُرْسِيِّ
تَقُومُ عَلَيْهِ ؟ فَفَعَلَ فَحَنَّتِ الْخَشَبَةُ كَمَا تَحِنُّ النَّاقَةُ
الْحَلُوجُ، فَأَتَاهَا فَاحْتَضَنَهَا فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: وَأَحْسَبُ أَنَّا كَلٌّ قَدْ حُدِّثْنَاهُ عَنْ
أَبِي عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ جَابِرٍ، بِهَذِهِ الْقِصَّةِ الَّتِي
رَوَاهَا أَبُو الْمُسَاوِرِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ
عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ
إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ
جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ.
وَالصَّوَابُ إِنَّمَا هُوَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي كُرَيْبٍ، وَكُرَيْبٌ خَطَأٌ،
وَلَا يُعْلَمُ يَرْوِي عَنْ
سَعِيدِ بْنِ أَبِي كُرَيْبٍ إِلَّا
أَبُو إِسْحَاقَ. قُلْتُ: وَلَمْ يُخْرِجُوهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ جَيِّدٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ
آدَمَ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي
كَرِبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى خَشَبَةٍ، فَلَمَّا جُعِلَ مِنْبَرٌ حَنَّتْ
حَنِينَ النَّاقَةِ، فَأَتَاهَا فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ. تَفَرَّدَ
بِهِ أَحْمَدُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ
كَثِيرٍ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ
إِلَى جِذْعٍ قَبْلَ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ الْمِنْبَرُ، فَلَمَّا جُعِلَ الْمِنْبَرُ
حَنَّ الْجِذْعُ حَتَّى سَمِعْنَا حَنِينَهُ، فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَسَكَنَ. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا
نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنِ الْزُّهْرِيِّ إِلَّا سُلَيْمَانَ بْنَ كَثِيرٍ. قُلْتُ:
وَهَذَا إِسْنَادٌ جِيدٌ رِجَالُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَلَمْ يَرَوِهِ
أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ
فِي " الدَّلَائِلِ " وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ
الْزُّهْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ، عَنْ جَابِرٍ. ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ
طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ
عَلِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
كَثِيرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ
جَابِرٍ مِثْلَهُ. ثُمَّ قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، ثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيٍّ الْخَرَّازُ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ الْمُسَاوِرِ، ثَنَا الْوَلِيدُ
بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا بُنِيَ الْمِنْبَرُ حَنَّ
الْجِذْعُ، فَاحْتَضَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَسَكَنَ، وَقَالَ: " لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ " ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ
جَابِرٍ مِثْلَهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ وَرَوْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ
أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
يَقُولُ:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ
يَسْتَنِدُ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا صُنِعَ
لَهُ مِنْبَرُهُ وَاسْتَوَى عَلَيْهِ، اضْطَرَبَتْ تِلْكَ السَّارِيَةُ كَحَنِينِ
النَّاقَةِ حَتَّى سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ، حَتَّى نَزَلَ إِلَيْهَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَنَقَهَا فَسَكَنَتْ. وَقَالَ
رَوْحٌ: فَسَكَتَتْ. وَهَذَا إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا ابْنُ أَبِي
عَدِيٍّ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ فِي أَصْلِ
شَجَرَةٍ - أَوْ قَالَ: إِلَى جِذْعٍ -
ثُمَّ اتَّخَذَ مِنْبَرًا. قَالَ: فَحَنَّ الْجِذْعُ. قَالَ جَابِرٌ: حَتَّى
سَمِعَهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ حَتَّى أَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَهُ فَسَكَنَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ لَمْ يَأْتِهِ
لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَهَذَا عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ
يَرَوِهِ إِلَّا ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ بَكْرِ بْنِ خَلَفٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي
عَدِيٍّ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْمُنْذِرِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ قِطْعَةَ الْعَبْدِيِّ الْبَصَرِيِّ، عَنْ جَابِرٍ بِهِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: أَتَوْا
سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ فَقَالُوا:مِنْ أَيِّ شَيْءٍ مِنْبَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَنِدُ إِلَى جِذْعٍ فِي الْمَسْجِدِ يُصَلِّي إِلَيْهِ
إِذَا خَطَبَ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ فَصَعِدَ عَلَيْهِ حَنَّ الْجِذْعُ
حَتَّى أَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَطَّدَهُ
حَتَّى سَكَنَ. وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "،
وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِهِمَا،
وَقَدْ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ عَبْدِ
الْمُهَيْمِنِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ. وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ وَابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ.
وَرَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ
سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، بِنَحْوِهِ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي
عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ قَبْلَ أَنْ
يَتَّخِذَ الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ وَتَحَوَّلَ إِلَيْهِ حَنَّ
عَلَيْهِ، فَأَتَاهُ فَاحْتَضَنَهُ، فَسَكَنَ، قَالَ: " وَلَوْ لَمْ
أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " وَهَذَا الْإِسْنَادُ
عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يَرْوِهِ إِلَّا ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
الْحَدِيثُ السَّادِسُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ:
ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ أَبُو
غَسَّانَ، ثَنَا أَبُو حَفْصٍ، وَاسْمُهُ عُمَرُ بْنُ الْعَلَاءِ أَخُو أَبِي
عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ،
فَحَنَّ الْجِذْعُ
فَأَتَاهُ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: أَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَنَا مُعَاذُ بْنُ
الْعَلَاءِ، عَنْ نَافِعٍ، بِهَذَا. وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي
رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَدْ رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ
وَيَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ أَبِي غَسَّانَ الْعَنْبَرِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ مُعَاذِ
بْنِ الْعَلَاءِ بِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي " أَطْرَافِهِ
": وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ وَأَحْمَدُ
بْنُ خَالِدٍ الْخَلَّالُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الدَّارِمِيُّ، فِي آخَرِينَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ
الْعَلَاءِ. قَالَ: وَعَبْدُ الْحَمِيدِ هَذَا - يَعْنِي الَّذِي ذَكَرَهُ
الْبُخَارِيُّ - يُقَالُ: إِنَّهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَ الْبُخَارِيِّ: عَنْ أَبِي حَفْصٍ
وَاسْمُهُ عُمَرُ بْنُ الْعَلَاءِ وَهْمٌ، وَالصَّوَابُ مُعَاذُ بْنُ الْعَلَاءِ
كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ. قُلْتُ: وَلَيْسَ هَذَا ثَابِتًا فِي
جَمِيعِ النُّسَخِ، وَلَمْ أَرَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي كَتَبْتُ مِنْهَا
تَسْمِيَتَهُ بِالْكُلِّيَّةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ
الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي
رَوَّادٍ، كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ أَلَا نَتَّخِذُ لَكَ
مِنْبَرًا ؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ:
ثَنَا حُسَيْنٌ، ثَنَا خَلَفٌ، عَنْ أَبِي جَنَابٍ وَهُوَ يَحْيَى بْنُ أَبِي
حَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ جِذْعُ
نَخْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ يُسْنِدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ظَهْرَهُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ أَوْ حَدَثَ أَمْرٌ
يُرِيدُ أَنْ يُكَلِّمَ النَّاسَ. فَقَالُوا: أَلَا نَجْعَلُ لَكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ شَيْئًا كَقَدْرِ قِيَامِكَ ؟ قَالَ: " لَا عَلَيْكُمْ أَنْ
تَفْعَلُوا ". فَصَنَعُوا لَهُ مِنْبَرًا ثَلَاثَ مَرَاقٍ. قَالَ: فَجَلَسَ
عَلَيْهِ. قَالَ: فَخَارَ الْجِذْعُ كَمَا تَخُورُ الْبَقَرَةُ؛ جَزَعًا عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْتَزَمَهُ وَمَسَحَهُ
حَتَّى سَكَنَ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: قَالَ عَبْدُ بْنُ
حُمَيْدٍ الْكَشِّيُّ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنِ الْحَرِيرِيِّ، عَنْ
أَبِي نَضْرَةَ الْعَبْدِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ: كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ قَدْ
كَثُرَ النَّاسُ - يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ - وَإِنَّهُمْ لَيُحِبُّونَ أَنْ
يَرَوْكَ، فَلَوِ اتَّخَذْتَ مِنْبَرًا تَقُومُ عَلَيْهِ لِيَرَاكَ النَّاسُ ؟
قَالَ: " نَعَمْ، مَنْ يَجْعَلُ لَنَا هَذَا الْمِنْبَرَ ؟ " فَقَامَ
إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: " تَجْعَلُهُ ؟ " قَالَ: نَعَمْ، وَلَمْ
يَقِلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ:
" مَا اسْمُكَ
؟ " قَالَ: فَلَانٌ. قَالَ: " اقْعُدْ " فَقَعَدَ. ثُمَّ عَادَ
فَقَالَ: " مَنْ يَجْعَلُ لَنَا هَذَا الْمِنْبَرَ ؟ " فَقَامَ إِلَيْهِ
رَجُلٌ فَقَالَ: أَنَا. قَالَ: " تَجْعَلُهُ ؟ " قَالَ: نَعَمْ. وَلَمْ
يَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ: " مَا اسْمُكَ " قَالَ: فَلَانٌ.
قَالَ: " اقْعُدْ " فَقَعَدَ. ثُمَّ عَادَ فَقَالَ: " مَنْ يَجْعَلُ
لَنَا هَذَا الْمِنْبَرَ ؟ " فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: أَنَا. قَالَ:
" تَجْعَلُهُ ؟ " قَالَ: نَعَمْ. وَلَمْ يَقِلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
قَالَ: " مَا اسْمُكَ ؟ " قَالَ: فَلَانٌ. قَالَ: " اقْعُدْ "
فَقَعَدَ. ثُمَّ عَادَ فَقَالَ " " مَنْ يَجْعَلُ لَنَا هَذَا
الْمِنْبَرَ ؟ " فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَنَا. قَالَ: "
تَجْعَلُهُ ؟ " قَالَ: نَعَمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ: مَا اسْمُكَ ؟
قَالَ: إِبْرَاهِيمُ. قَالَ: " اجْعَلْهُ ". فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ
الْجُمُعَةِ اجْتَمَعَ النَّاسُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَاسْتَوَى عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ وَحَنَّتِ
النَّخْلَةُ حَتَّى أَسْمَعَتْنِي وَأَنَا فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ. قَالَ: فَنَزَلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الْمِنْبَرِ
فَاعْتَنَقَهَا، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى سَكَنَتْ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ،
فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ هَذِهِ
النَّخْلَةَ إِنَّمَا حَنَّتْ شَوْقًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ لَمَّا فَارَقَهَا،
فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ أَنْزِلْ إِلَيْهَا فَأَعْتَنِقْهَا لَمَا سَكَنَتْ إِلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ " وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ،
وَلَكِنْ فِي السِّيَاقِ غَرَابَةٌ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا
مَسْرُوقُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ مُجَالِدٍ،
عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ - وَهُوَ جَبْرُ بْنُ نَوْفٍ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ إِلَى خَشَبَةٍ
يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا يَخْطُبُ
التالي بمشيئة الله ج15.وج16.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق